“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
أنا مش مج.نونة! اللي بيحصل حقيقي….
ولا أنا مج.نونة؟ اصل المج.نون مش بيبقى مدرك إنه مج.نون… بيبقى شايف إنه عاقل، اللي حواليه هم اللي بيعرفوا….
واللي حواليا، كل اللي حواليا بيأكدوا إني بخ.رف، كلها أوه.ام، حتى أقرب الناس ليا، جوزي…
الدليل على ده إن بشوف وبسمع كل ده من مدة قليلة تزامنًا مع قعادي من الشغل، ليه مكنش ده بيحصل لي طول السنين اللي فاتت، إشمعنى دلوقتي؟؟
اشترينا الشقة اللي قاعدين فيها من 10 سنين، هي عمارة محندقة، أو بمعنى اصح فيلا مكونة من 3 أدوار ب3 شقق وتحت الجراج وأوضة الغفير وجنينة صغيرة، السكان الأصليين بنوها وقعدوا فيها على إنها فيلا متقمسة لشقق سكنية ليهم كأسرة، لكن بعد فترة باعوا الشقق فيما عدى شقتهم لناس غريبة وفي الآخر هم كمان باعوا شقتهم ومشيوا، ده بس التاريخ اللي أعرفه عن المكان وأصحابه…
الجنينة دب.لت من زمان، بقت مكان مو.حش ومر.عب، ده عشان الجنينة عادة بتبقى غالية بس على أصحاب المكان الأصليين، اللي بيهتموا بزراعتها وبيحرصوا الأرض تفضل خضرة والشجر مثمر والورود مفتحة، غير كده اللي بييجي ياخد حته من المكان عشان يعيش وبس مش بيفرق معاه، مش هيكلف نفسه يصرف عليها ومرة مجهوده ييجي بفايدة وعشرة لأ، محدش عنده صبر لده، عشان كده كلنا، كل سكان العمارة هج.روها.
محدش بيقرب من المنطقة دي اللي عبارة عن شوية تراب وشجر مي.ت وفروع متشابكة حا.دة من غير ورق وورد دب.لان في كل حته عالأرض…
محدش يتخيل قد إيه كنت فرحانة لما اتنقلنا هنا من 10 سنين، أخيرًا بقى ليا شقة لوحدي، أصلنا عشنا أول سنتين عند أهل جوزي، باباه ومامته وأخوه، كلنا في شقة واحدة، لما اتقدملي ولحد ما اتجوزنا مكنش مع جوزي فلوس كفاية لشقة، رضيت أعيش مع أهله برغم اعتراض أهلي، والواحد يقول اللي ليه واللي عليه، أهله كانوا شايلني فوق راسهم، بيعاملوني بكل احترام، لكن الزحمة بتخ.نق، مهما كان الزحمة واحساس الواحد إنه مش في ملكه ص.عب…
قوم ربنا يكرم وأتعين في شركة تأمين كبيرة وابقى من أحسن الموظفين في قسم المبيعات، ودخلنا يحصل له طفرة، وبفلوسي على فلوس جوزي نجيب الشقة دي، دورنا كتير الأول، كنت مح.بطة، شقق كتير مش قد كده وبفلوس قد كده، لحد ما لقينا شقة في مكان راقي واصيل في فيلا بسعر معقول مقارنة بالباقي…
وابتدت أحلى سنين عمري، حلم كل ست، لأ، حلم كل راجل وست، مكان جميل ورايق، شقة واسعة، شغلانة بمرتب محترم من غير مشاكل ولا حوارات، تقدير من الموظفين، الأعلى مني والأقل، شريك حياة متفهم، دمه خفيف، مخلص وبيحبني، تقريبًا كده حياة مثالية، تقريبًا…
اللي كان ناقص هو طفل يملى علينا حياتنا، لكننا فضلنا نأجل، سنة ورا سنة، مش خ.وف من المسؤولية لكن نقدر نقول تعايش مع الوضع اللي كنا فيه، الوضع اللي أحسن من أي حلم، اللي هو إحنا كده تمام أوي، ضحك ولعب وجد وحب، بس أكيد وزي أي اتنين طبيعين متجوزين الرغبة في الخلفة زادت كل مدى، لحد ما قررنا إنه جه الوقت، بعد 6 سنين من انتقالنا…
بس خلينا نرجع لورا شوية، نحكي عن وقت قبل كده…
خنا.قاتنا كانت بسيطة جدًا، نادرة، من ضمنها اته.امات “علي” ليا إني بسرق ساندوتشاته!
“علي” كان بيحب يعمل ساندوتشاته بنفسه، كان بيبدع فيها بصراحة، لما بيبقى رايق كان بيعملها بليل ويحطها في التلاجة عشان يصحى ياخدها معاه الشغل…
صحي في يوم شغل وكالعادة عمل الروتين بتاعه، لبس هدومه وشرب القهوة على رواقة، اتفرج على قناة الأخبار، وأنا في نفس الوقت كنت بجهز عشان أروح شغلي، وجت آخر مرحلة ألا وهي إنه يفتح التلاجة بتحمس وياخد كيس الساندوتشات، لكنه ملاقهوش!
زاغ بعينه يمين وشمال، مد إيده جوه التلاجة، نقلها ما بين الأرفف، بس السندويتشات مكنتش موجودة، ملهاش أثر…
بعد ما اتأكد إنهم مش موجودين قفل التلاجة واتدور عليا وسألني عنهم، قلتله معرفش، ضحك كإنه مش مصدقني، كإني أكلتهم ومش عايزه أعترف، بس الحقيقة إني مأكلتهمش، واللي جه في بالي إنه هو اللي أكلهم بليل، قام جعان مثلًا ومكنش مركز وأكلهم، وأهو عدينا الموقف وكل واحد عنده قناعته….
الموقف كان قرب يتنسي لولا إنه اتكرر بعدها بفترة! يمكن اسبوع أو 10 أيام، نفس اللي حصل بالظبط، “علي” عمل ساندويتشاته من بليل وقام لبس وحضر نفسه للنزول وفتح التلاجة ملقهمش، المرة دي مكنش بيضحك زي اللي قبلها، سألني برضه وقلت إني مجتش جنبهم، هو كان متسامح، بس متسامح دي في حد ذاتها كانت مست.فزة، ما ده يوحي إني أنا أخدتهم وهو مسامحني فيهم، ليه، مفج.وعة؟؟ داقت عليا الدنيا وبس.رق سندويتشاته؟!
يا سيدي يهديك يرضيك مأكلتهمش، مهوبتش ناحيتهم، برضه مقتنعش، أصل لو مش أنا هيبقى مين؟
يبقى هو! ده اللي قلته في نفسي، الراجل ده من كتير تعب الشغل، راحت منه وبقى يمشي وهو نايم، بيفتح التلاجة ويسرق ساندوتشاته، حاميها حرا.ميها ، ما دا.هية قدراته تتطور ويجيبلنا مص.يبة وهو نايم!…
والحو.ادث اللي من النوع ده اتكررت، دي بس كانت البداية، الموضوع اتطور لدرجة إنها بقت خنا.قات، خنا.قات على سندويتشات “علي”، لدرجة بقى يتحايل ويخبيهم في حلل وعلب أكل، تمويه يعني عشان أصلي مش بقدر اقاوم قدراته في عمل السندوتشات، كنت بعرف على فكرة بس بعمل عبي.طة، وبرضه من وقت للتاني كانت بتختفي، مش بس السندوتشات، الطبيخ، كنت بحس كده إنه مفيهوش بركة، يعني أعمل حلة بامية مثلًا تكفي يومين، أجي تاني يوم من الشغل ألاقيها نقصت كتير وأضطر أعمل جنبها حاجة، والرز وكل الأكل، دانا كنت أوقات بلاقي أكياس المكرونة والرز مفتوحين وفي آثار إنهم اتطبخوا من حلل في الحوض!
وأكيد الفاعل كان “علي” وكنت بنبه عليه يلم ويغسل وراه، ده غير استغرابي لكونه بيطبخ أصلًا، ليه مش بيستناني، وهو كان بينكر كل ده…
“علي” حالته بقت صع.بة أوي…
لكن كل ده عدى، كلها حوادث عابرة، أحداث هامشية على حياتنا المشغولة، لحد ما خلفت “هند”، أول 4 سنين فضلت في شغلي، كانت سنين صع.بة ما بين الشغل واهتمامي ب”هند” واضطراري أسيبها مرة عند أهلي ومرة عند أهلها، وفي حضانات، بهد.لة ليا وليها…
ودخلت “هند” المدرسة….
وهنا “علي” كان له واقفة، قال لي إني لازم أقعد من الشغل، “هند” بقت محتاجاني، محتاجة أبقى متفرغة، محدش هيتابعها في المدرسة ومذاكرتها فيما بعد زيي، لازم كنت أتنازل عشان خاطرها، على الأقل أول كام سنة في الدراسة، لحد ما تتعود وتندمج ونبقى نشوف أدائها في المدرسة…
أكيد ده حط.مني، حسيت إني بتفتت لشظايا، برمي كل اللي حققته على الأرض، لكن…كان عنده حق، صع.ب عليا وعليها أكمل في الشغل اللي كان بيستهلك أغلب وقتي وبيستهلكني…
مكنتش أعرف إني على حافة الانه.يار وإن التفتيت اللي على أصوله لسه جي…
بعد المناقشة الأولى اللي أدت لإني قعدت من الشغل، كان في مناقشة تانية، ما هي حاجة بتجيب حاجة…
لقيته جي يقول لي:
-خلاص بقى يا “آمال” قعدنا في البيت وبقينا ستات بيوت، ملوش لازمة حوار الست اللي بتيجي تساعدك في نضافة البيت، إنتي على رواقة توضبيه وتقسمي النضافة زي ما تحبي..
=الله يا “علي” جرى إيه؟! ما أنا طول عمري ست بيت حتى وأنا بشتغل مكنتش مقصرة ولا متدلعة وزي ما أنا كنت محتاجاها وأنا بشتغل فأنا محتاجاها برضه دلوقتي تساعدني في البيت ومع “هند”..
-وإيه لازمته بس؟ مش كفاية القمصان وهدوم البيت اللي اتخدت مني على مدار سنين وعلى يدك…
هو كان عنده حق، “على” هدومه كان بتنقص من وقت للتاني، قميص بيتاخد هنا، على بنطلون من هنا، على بيجامة من هناك، بصراحة مكنش بيحصل كتير، كل فترة، ومكناش مركزين في الأول، لكن لما جه الدور على قطع معينة “علي” كان معتمد عليهم أخدنا بالنا، الحاجة كانت بتبقى في الدولاب، في مكانها، وهوب تختفي، والغريبة إن حاجته بس هي اللي كانت بتختفي! مش حاجتي، مش حاجات في البيت، هدوم “علي” وبس، وأوقات فُرشه ومكنات حلاقته وكريم الحلاقة، وأنا كنت مطنشة!
واضح كده إن الست اللي كانت بتساعدني في البيت كانت بتنقي حاجة “علي” عشان ابنها ولا حد عزيز عليها، لكن يكفيها شرفًا إنها مكنتش بتاخد حاجة لنفسها ، حر.امية اه لكن بشرف…
مشيتها زي ما “علي” قال، وبقيت ست بيت وأم بدوام كامل، ودي كانت بداية فقداني لعقلي…
أول كام يوم كانوا صع.بين، الشيفت ما بين المرحلة اللي فاتت والجديدة، لكن عدوا على خير لحد اليوم ده….
“علي” كان في الشغل وأنا كالعادة نزلت “هند” واستنيت معاها لحد ما ركبت الباص وطلعت كملت نوم شوية وصحيت عشان ابدأ توضيب في البيت واشوف الطبيخ والغسيل وهلم جرا….
الشمس كانت غايبة والبرد بدأ يزحف بس أنا كنت محتاجة أخد دش، عشان كمان أصفي عقلي واسترخي قبل أي حاجة…
بعد ما فوقت بعشر دقايق كنت في الحمام تحت الدش…
مديت إيدي ناحية الشامبو لكن…ملقتهوش!
الله، خلص إمتى ده؟ أنا كنت متأكدة إن قبلها بيوم كان لسه في شوية، “علي” استخدمهم؟ ليه؟ ليه ياخد الشامبو بتاعي ويسيب الشامبو الرجالي؟؟
مكنش ينفع أسرح كتير، كنت هبرد، خلصت بسرعة لكن قبل ما أقفل الميه سمعت حاجة بره الحمام…حركة…
قفلت، لبست في ثواني من غير ما أنشف نفسي كويس وخرجت…
ندهت:
=علي أنت رجعت؟ نسيت حاجة ولا إيه؟
لكن “علي” مردش، محدش رد، لكن أنا متأكدة إني سمعت حركة، ولا…متأكدة؟
لأ، يجوز كان مجرد وهم، الميه اللي نازلة على راسي وجوه وداني أكيد كان ليها التأثير ده، التشويش، ده التفسير الوحيد…
اترددت أقول لعلي على موضوع الشامبو ده ولا لأ، خفت أبان موه.ومة ولا تاي.هة ولا أحر.جه لو فعلًا كان استخدمه، ما يمكن كس.ل وأخد أقرب علبة شامبو ليه، فضلت مفتحش بوقي وأعديها…
الروتين مع الفراغ والبرد والوهم إحساس ق.اتل…
بعد كل الحركة اللي في حياتي فجأة يبقى فيه الركود ده؟ شغل البيت و”هند” مملوش الفراغ اللي جوايا، والبيت، البيت فجأة بقى مش مريح بالنسبة لي، صوت الهوا اللي بيخبط في الأركان وما بين الشقوق ومن تحت عقب الباب وإحساس إني مش لوحدي، في وجود، مش ونس، وجود بيزود الوح.شة….
……………………..
كنت بساعد “هند” في تغيير هدومها، لسه كانت راجعة من المدرسة، كنت سرحانة، مش مركزة في الرغي اللي بترغيه لحد ما انتبهت لجملة قالتها…
-كنت بخ.اف من جدو بس دلوقتي مش بخ.اف!
تخا.ف من جدو ليه مش فاهمة، جدها لأبوها ربنا يديله طولة العمر مش بيخ.وف خالص، وهي عمرها ما قالتلي حاجة زي دي وأنا أبويا اتوفى من قبل ما “هند” تيجي اصلًا..
=كنتي بتخ.افي منه ليه؟
-لأ، مانا مبقتش خاي.فة خلاص…
=جدو “صالح” طيب جدًا عمره ما يخ.وف..
هزت راسها ببراءة وقالت:
-لأ، مش قصدي على جدو ده!
برقتلها لحظات، لساني اتعقد وبعدين اتشجعت وسألت:
=أمال قصدك جدو مين يا “هند”؟
-جدو اللي هنا…
بتلقائية حركت راسي في كل الاتجاهات، بصيت في كل مكان في الأوضة…
=هنا فين؟
ضحكت بصوت عالي وقالت:
-مش هنا دلوقتي يا ماما، هو هنا معانا، بس مش موجود دلوقتي…
عيني غفلت وجسمي اترعش لما “علي” نده علينا عشان نتغدا مع بعض كلنا…
روحت حضرت الأكل، دماغي مكنتش فيا، عايزه أخلص من فقرة الغدا عشان أكمل النقاش مع البنت، كنت عايزه أفهم أكتر منها، مين جدو اللي كانت بتخ.اف منه ومبقتش تخ.اف، اللي هنا ومش هنا!
خلصنا الغدا وبعدها شوية الواجبات القليلة بتاعة “هند”، وقعدنا مع بعض احنا التلاتة زي ما متعودين لحد ما جه معاد نوم “هند”…
طبعًا كنت بغلي في الوقت ده كله لكن مكنتش عايزه أحسس “علي” بحاجة….
دخلت مع “هند” أوضتها عشان أنيمها زي ما متعودين، قعدت معاها بكل هدوء على السرير وبعد شوية كلام تافه قلته سألتها:
=مين بقى يا هند جدو اللي هنا اللي كنتي بتخ.افي منه؟
زاغت بعيونها وبصتلي بلؤ.م وردت:
-مش هينفع أتكلم عنه.
=ليه؟
-عشان هو قال لي محكيش! وانا وعدته.
=طيب خلاص، بدل وعدتيه خلاص، احنا مينفعش نخلف وعودنا، بس أنا عندي فكرة حلوة، أنتي مش هتحكي، هسألك بس وتجاوبي بأه أو لأ، وأهو كده تبقى حافظتي على الوعد، اتقفنا؟
حركت راسها من فوق لتحت بتحمس…
سألت:
=جدو ده يبقى بابايا انا؟
حركت راسها يمين وشمال بتنفي….
اتشاهدت جوايا، الحمد لله، أبويا اتوفى من سنين، لو قصدها عليه كنت اتوغوشت..
=جدو اللي هو جارنا اللي في الدور التالت، اللي ساعات يتكلم ويهزر معاكي؟
برضه حركت راسها يمين وشمال…
=جدو اللي في التليفزيون، اللي بييجي في البرنامج اللي بتحبيه؟
-لأ يا ماما، ده جدو في التليفزيون، جدو التاني بره التليفزيون، ده ….معانا في البيت، عايش هنا!
عايش هنا معانا؟!
ارتج.فت لما قالت كده، مقدرتش اكمل استجواب، سبتها تنام وروحت على أوضتي…
التفسير اللي جه في دماغي بعدها إنها عندها صديق خيالي، طبيعي جدًا، الأطفال عادة بيخلقوا صديق خيالي، زي كده لما يتخيلوا إن العرايس أشخاص حقيقين، بيعتبروهم ولادهم ولا أصحابهم وكمان بيعزموهم على حفلات شاي…
وجه يوم تاني بنفس الأحداث، صحينا في نفس المعاد على المنبه، “علي” عمل نفس الروتين قبل ما ينزل الشغل ونزل في نفس التوقيت، وأنا مشيت على نفس الخطوات، عملت نفس التحضيرات بتاعة نزول “هند” للمدرسة، ونزلت في الآخر معاها واستنينا الباص وركبَتها وطلعت على الشقة، دخلت المفتاح ودورته، الباب اتفتح، اديته زقة، لكن رجعت خطوة لورا لما سمعت صوت جارتي اللي فوقيا علطول، كانت بتتكلم مع بنتها الدكتورة وهي نازلة على السلم، ابتسمت للدكتورة وحيتها بكام كلمة وبعدين رفعت راسي لفوق…
في العادي كنت بتفادى جارتي دي، عشان ببساطة حشرية، بتدخل في اللي ملهاش فيه، فض.ولية بشكل رهيب، صباح الخير بس بتاعتها تحس وراها حاجة، عنيها بتجيب الواحد من فوق لتحت وهي بتسلم عليه، بتسأل أسئلة شخصية جدًا لأي حد مهما كانت علاقتها بيه سطحية!
مرة مثلًا تقول لي :”صباح الخير، أخبارك وأخبار جوزك إيه، مبسوطين مع بعض؟”، مرة تانية تسأل : “هي مصاريف هند في السنة الدراسية كام؟”، “أنتوا بتسافروا فين في الصيف؟” وهكذا، قر.فانا وقارفة الناس في الدور التالت، اللي من ضمنهم راجل كبير، كنت فاكرة “هند” تقصده لما اتكلمت عن “جدو” الغام.ض.
وبمناسبة “جدو”، دي مكنتش أوقات عادية، عشان كده كان لازم اتصرف تصرف مش عادي، وهو إني ابتسم وبنفسي أعمل محادثة مع الست “حشرية”….
طبعًا كانت محادثة عب.يطة غرضها خب.يث، غرضي أنا اللي خب.يث المرة دي، أنا كنت عايزه أقعد مع “نعمات”، عايزه قعدة كاملة…
ونجحت بمنتهى السهولة، دي “نعمات” يعني، مهتصدق تلاقي ترحيب لقعدة نم، عزمتها على فنجان شاي عندي، وافقت علطول…
أهي دي الصندوق الأس.ود بتاعة العمارة، بتاعة العمارة إيه بتاعة المحافظة كلها، لازم كنت أطلع منها بأي معلومة…
=طنط “نعمات” صحيح أنتي بقالك في العمارة كام سنة؟
-ما بلاش طنط دي متكبرنيش، خليها “نعمات”.
=اتفقنا يا “نعمات”، هاه احكيلي بقى، بقالك هنا كام سنة؟
-مش قبلكم بكتير، سبقتكم بسنتين، يعني بقالي 12 سنة…
ابتسمت بت.وتر، بحاول أحضر السؤال اللي بعديه اللي يجر رجليها للي عاوزاه وبعدين قلت:
=أمم، أصحاب البيت الأصليين كانوا عايشين في الشقة هنا، كانوا عاملين إزاي بما إنك عشتي معاهم سنتين؟ وإيه اللي خلاهم يمشوا؟
بصتلي بلؤ.م وبعدين رفعت فنجان الشاي وأخدت شفطة ونزلته تاني.
قالت:
-هم محكوليش، بس متهيألي أنا عارفة السبب، بصي يا حبيبتي اللي كانوا عايشين في شقتك هم ال3 أخوات ولاد “صفية” و”سليمان”، ال3 مكنوش لسه اتجوزوا لما باعوا الشقة ليكوا، أظن إنهم شافوا من الحكمة يلحقوا يبيعوا الشقة الأخيرة قبل ما سيرة البيت تتشم والناس تعرف تاريخه وميقدروش يبيعوا شقتهم في أي وقت في المستقبل ولا تمنها يتخ.سف بيه الأرض، خصوصًا إنهم كانوا محتاجين سيولة وراحوا لشقة أصغر…
=بس هم فعلًا باعولنا الشقة بتمن معقول…
-كانوا عايزين يخلصوا، وبعدين لو كنتوا عرفتوا تاريخ البيت كنتوا فاوضتوا أكتر في السعر وكنت هتشتروا الشقة بأقل من كده كمان..
=تاريخ البيت تاريخ البيت، هو إيه الحكاية، إيه هو تاريخ البيت؟
-البيت مش قديم أوي، اتبنى من 25 سنة بس، أصحابه هم العرسان الجداد “سليمان” اللي كان في أواخر العشرينات ومراته “صفية” اللي أصغر منه بكام سنة، بعد سنة واحدة باعوا الشقة اللي في الدور التاني، اللي هي شقتي دلوقتي لاتنين أخوات وأمهم، كانوا محتاجين سيولة، مكنوش مبسوطين أوي بالتصرف ده بس أهو، كانوا مضطرين…المفروض الوضع كان يبقى على ما هو عليه، الشقة في الدور الأول والشقة في الدور التالت والأخير مع السطح بتاعهم والجنينة معاهم والدور التاني بس هو اللي ملك لناس غريبة، حلو؟
=حلو، وبعدين؟
-تفوت أربع سنين كمان، الأمن مستتب والجيران عارفين بعضهم وكل واحد عارف نظام التاني وبيحترمه، محدش بيتعدى حدوده أو بيز.عج التاني ومع ذلك… “سليمان” مكنش متطمن للأخين، اه صحيح مش بيزع.جوهم لكن نمط حياتهم مكنش قد كده، الاتنين خم.ورجية، بيرجعوا كتير في آخر الليل، كان بيحس أصله بيهم، ومن وقت للتاني كان بيلاقي اشكال مش تمام جايلهم الشقة، باين عليهم كده شباب فالتة، الأخين كانوا في العشرينات من عمرهم، مدلعين أوي، واضح كده إن أمهم مربتهمش عدل…وفي ليلة عتمة غاب فيها القمر، “سليمان” كان صاحي لوحده لحد بليل متأخر، سمع أصوات غريبة، صوت باب الشقة في محاولة لفتحه!
اللي بيحاولوا يفتحوه كانوا حذرين جدًا، هاديين في حركتهم، لكن “سليمان” كان سامعهم بوضوح، سامع الهمهمات والشخللة البسيطة للجسم اللي بيدخل في الكالون وفي جنب الباب…والباب في الآخر اتفتح….لكن اللي الأغراب مكنوش يعرفوه إن “سليمان” كان مستنيهم، كان في مواجهة الباب وفي إيده بند.قية صيد، ملحقوش، رفع بند.قيته في وش الأولاني وبوم…ضرب عليه رص.اصة والتاني بوم…الرص.اصة التانية، في التالت بقى الرص.اصة مخرجتش، حصل عطل ما فرفع البند.قية التقيلة ونزل بضهرها على راسه وجري على التليفون وكلم النجدة وبلغهم باللي حصل…
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
كنت برت.جف وعيني بتطرف مع كل جملة بتقولها، خصوصًا في وصفها للحظات الق.تل، وخلينا نعترف إن في شوية تجويد زي وصفها لليلة إنها عتمة وغاب فيها القمر، متأثرة أوي بروايات أجاثا كريستي إياك، لكن الباقي أكيد صح….
سألت بفضول رهيب:
=وبعدين، وبعدين؟
-البوليس جه، أخد الجث.ث وعاين ساحة الجر.يمة، اكتشفوا حاجة….الأغراب مكنوش أغراب، دول جيران “سليمان”، الأخين ومعاهم واحد غريب، يجوز صاحبهم…”سليمان” قال إنه كان فاكرهم أغراب عن البيت، حرا.مية جايين يسرقوه ويقت.لوه هو ومراته وعياله، والدنيا كانت ضلمة مميزش وشوشهم، بس تعرفي إيه الغريب، مع التحقيق المباحث ملقتش أي دليل على إن الباب اتفتح من بره، مفيش دليل على الاقت.حام، مفيش مثلًا أثر لجسم دخل في جنب الباب زي ما “سليمان” قال، ده غير إنه فوت تفصيلة صغيرة…إنه اتخا.نق خن.اقة كبيرة مع الأخين قبل الحا.دثة بكام يوم! سبب الخن.اقة مش معروف، لا هو رضي يحكي لمراته ولا هم حكوا لأمهم، صوتهم كان مسمع ، واللي في الشقتين طلعوا من الخ.ضة وحاولوا يهدوا الوضع…
=ده معناه…
-كان عارف هم مين، مش فاكرهم أغراب زي ما قال! ده غير إنه عزمهم بنفسه عنده! أيوه، أمهم شهدت بكده، قالت إن التليفون رن في وقت متأخر، هي كانت ممددة في سريرها بس مش غر.قانة في النوم فسمعت إبنها الصغير وهو بيتكلم، استجاب لدعوة “سليمان” ونده أخوه الكبير ونزلوا…
=طب والتالت، الغريب؟
-تلاقيه كان صاحبهم، جه بالصدفة في نفس الوقت فالتلاتة خبطوا على بيت “سليمان” وكان في بالهم يقعدوا معاه شوية ويكملوا القعدة فوق.
=يعني هو اللي عزمهم وفتحلهم ومعاه البن.دقية وق.تلهم مع سبق الإص.رار.
-صح كده ياختي، وهنا بقى القصة بتبقى مثيرة، اتحكم على “سليمان” بالإع.دام…غيابي.
=ه.رب؟
-اه ومراته قالت إنها متعرفش راح فين وكل معارفه كمان، لكن تعرفي إيه الكلام اللي اتقال؟
=إيه؟
-“سليمان” مهربش، سليمان مو.ت نفسه، ومراته وأهله كانوا مكس.وفين يقولوا، يبقى مج.رم وكمان جب.ان؟ انت.حر في نفس الشقة، شقتك يا حبيبتي واتد.فن في السكرتة من غير ما حد يعرف..
اتنفضت من مكاني وده عشان سمعت حاجة….
=سمعتي؟؟
-سمعت إيه؟
=في حركة.
-حركة؟
=حركة قريبة، بره البيت.
جريت على باب الشقة وفتحته بسرعة، ملقتش حد..
“نعمات” قالت:
-ياختي هي حكاية الشقة لبشتك ولا إيه؟
=لأ، أنا فعلًا سمعت صوت.
-وأنا مسمعتش…لكن برضه…
انتبهت ليها، مستنياها تخلص جملتها..
-يعني، كل الأحداث دي، م.وت 4 بالمنظر الد.موي ده، يخلي…
حركت راسها في كل الاتجاهات وشه.قت وبعدين كملت:
-يخلي… أعوذ بالله يعني، كل شيء وارد…
حلو جدًا ربنا يطمن قلبك يا ست “نعمات”، قلت كده في نفسي، بالسلامة أنتي….
…………………………….
مقدرتش أمنع نفسي من التفكير، ليلتها معرفتش أنام، حاجات كتير، مشاهد تبان عفوية فجأة بقى ليها معنى تاني…
السندويتشات اللي بتختفي، الأكل اللي بينقص، الهدوم اللي بتروح ومبترجعش، الفرش، مستحضرات التنضيف والعناية بالشعر وغيرهم…الصديق الخ.يالي ل”هند”، جدو اللي كان بيخ.وف ومبقاش…البيت ده…مسك.ون!
مش واحد ولا اتنين اتق.تلوا هنا، دول أربعة، واحد منهم انت.حر، ده كافي يخلي الأش.باح ترمح في البيت، أنا مش مج.نونة، أنا بس فضيت وبقيت مركزة….
الروتين مبقاش روتين، الأيام بعد كده مبقتش زي الأول، الج.حيم بيتفتح عليا مع نزول “هند”المدرسة عشان ساعتها…ببقى لوحدي…
مش مرة ولا اتنين، مرات كتير ببقى حاسة إني مش لوحدي، في وجود، في نَفَس معايا، حركة، خفيفة، بس قادرة أرصدها…
……………………..
خلصت الامتحانات وحلت إجازة نص السنة، مكنش ليا نفس لأي حاجة، بس “هند” من حقها تغير جو و”علي”، خصوصًا مع التغيير اللي حصل لي واللي أكيد حسوا بيه وعا.نوا منه…
لازم كنت أطلع نفسي وأطلعهم من المود الكئ.يب بتاعي…
قررنا نسافر، نطلع بالعربية مع أخويا لمكان في البحر الأحمر، أهو مناسب للأجواء الشتوية…
انطلقنا بالعربية من عندنا، فاتت نص ساعة، حسيت بعدها بصد.اع رهيب، دماغي كانت هتنف.جر، دي نوب.ة بتجيلي من وقت للتاني، نوب.ة صد.اع نصفي، المشكلة إن أ.لمها لا يحتمل وبيروح بعد مدة وعادة بيتكرر معايا، مش بييجي مرة ويمشي والسلام، كان لازم أرجع البيت، أصريت يرجعوني لوحدي ويسافروا هم عشان الاجازة بتاعتهم متبو.ظش…
اقتنعوا بطلوع الروح…
رجعت وسابوني وسافروا…
يادوبك قعدت على الكنبة وسندت راسي لورا والنور…قطع..
الص.داع راح…وده بسبب الخ.وف!
عشان مع قطع النور سمعت خطوات واضحة على السلم بره شقتنا، خطوات بتتسحب…
ده مش حد من الجيران، كنت متأكدة…
اتنفضت من مكاني، مشيت وأنا بحسس، بدور على الموبايل عشان أولع الفلاش وأشوف، ملقتهوش…
لكن اللي كنت عارفه سكته علبة الكبريت وشوية الشموع اللي عندنا…
اتحركت بأقصى سرعة قدرت عليها في وسط العتمة، ولعت شمعة كبيرة ومشيت بيها…
اتأكدت إن المفتاح في جيبي قبل ما افتح باب الشقة…
الشعلة كانت بترقص بسبب رعشة إيدي وأنا بنزل سلمة سلمة، الحركة كانت لتحت، الخطوات نزلت، أنا عارفة سمعت ايه…
الباب الصغير تحت كان مقفول اللي بيأدي للجراج ومنه لبره البيت كله وده معناه…
مفيش غير أوضة الغفير، الأوضة المه.جورة…
دي المفروض كانت مخصصة لأي غفير ييجي لكن محصلش إن جه أي غفير من ساعة ما سكنت من 10 سنين، الأوضة دي محدش بيقرب منها، محدش يعرف جواها إيه…
أنا متأكدة من اللي على وشك أعمله؟ متأكدة من خطوتي الجايه؟
لأ، ومع ذلك… كملت…
مديت إيدي وزقيت باب أوضة الغفير…
صوت الأزيز كان عالي أوي، رفعت إيدي اللي مش ماسكة الشمعة وحطيت كمي على بوقي…
الريحة كانت بش.عة، كمية تراب وعفرة وكمكمة، كإنك بتفتح باب لمق.برة فرعونية مقفولة من آلاف السنين…
وفي اللحظة دي شفته…
ضل! عدى بسرعة البرق، اختفى في لحظات!
صر.خت والشمعة وقعت من إيدي، طبعًا اتطفت والدنيا رجعت عتمة تاني، كل اللي كان هاممني في اللحظات دي إني أقدر أرجع الشقة من غير ما اتأ.ذي، جريت بره الأوضة ومنها على السلم اتكعبلت ووقعت على إيدي اللي اتنت تحتي، طلعت مني ص.رخة تانية بسبب الأل.م وبرغم كده كملت، كان لازم أكمل، طلعت وأنا بتلوى من الأ.لم، خرجت المفتاح من جيبي فتحت الباب بالعافية وأنا بترعش ودخلت وقفلت ورايا بسرعة…
الصديق الخ.يالي مهوش خيالي، بنتي بتتكلم مع الشب.ح اللي ساكن البيت…
أنا مش مج.نونة…أنا مش مج.نونة…
لازم يرجعوا، لازم يرجعوا بأقصى سرعة، لازم أتكلم أكتر مع “هند”، إزاي قادرة تتعايش مع الش.بح الفترة اللي فاتت، هنعمل إيه، هنعمل إيه؟!
البيت ده هنسيبه، وهنروح فين؟ هنقدر نبيعه؟
الأفكار نه.شت دماغي وزودت الص.داع، مش قااادرة…
انه.رت، نمت على الكنبة من الت.عب والو.جع اللي في دماغي ودراعي، دراعي اللي غالبًا اتكسر…
……………..
أول حاجة عملتها لما صحيت هو إني روحت المستشفى، قسم الطو.ارئ، كشفت وجبست دراعي ورجعت البيت…
كلمت “علي”، سلمت عليه بسرعة وحاولت ميبانش عليا حاجة، وطلبت أكلم “هند”…
سلمت عليها وسألتها عن الإجازة والمصيف وبسلاسة كده قلتلها:
=”هند” حبيبتي فاكرة قصة جدو اللي حكتيلي عنها، القصة دي اللي قريتيها في الكتاب بتاعة الراجل اللي كان بيخ.وفك وبعدين مبقاش يخ.وفك؟
-لا يا ماما دي مش قصة، جدو معانا في البيت.
=بجد؟ الله، طب ما تحكيلي كده شفتيه فين أول مرة وقالك إيه وقولتيله إيه؟
-أول مرة شفته كنتي إنتي وبابا نمتوا، روحت أوضة الجزم والكتب، اتسحبت عشان متصحوش ، كنتوا هتزعقولي عشان معاد نومي جه، كنت عايزه قصة، فتحت النور ولقيت جدو طاير!
=طاير؟
-طاير بره الشباك، مد صوباعه وفتح الشباك وضحكلي، خ.فت وجريت لأوضتي واتغطيت..
=وجه وراكي الأوضة؟
-لأ مجاش.
=مشوفتيهوش تاني؟
-شفته كتير!
=جه تاني؟
-اه، جه وقعد معايا وبقينا صحاب ومبقتش أخ.اف منه، بيغنيلي وبيحكيلي قصص وبيهزر معايا وبيعمل لي أكل وبيتكلم معايا.
=بيتكلم معاكي في إيه؟
-كل حاجة، بحكيله عن المدرسة وعنك وعن بابا وعن صحابي وقرايبنا، كل حاجة…
بلمت، اتكلمت كلمتين بعدها وقفلت، أنا كأم المفروض كنت أتصرف إزاي في موقف زي ده؟ الجأ لشيخ يصرف الج.ن ولا الشبح اللي في البيت ولا أجيبها من أصيرها ونمشي، نعرض الشقة للبيع ونشوفلنا مكان تاني؟
المص.يبة إن كان فاضل ليليتين كمان على معاد رجوعهم، يومين هضطر أقعدهم لوحدي، وليه لوحدي ما اروح أقعد عند ماما، جاتلي الفكرة دي وبعدين رجعت في كلامي…
هتقولي إيه اللي حصل لدراعك ومال وشك مخط.وف كده ليه، وتفضل تزن عليا عشان أحكيلها لإنها أكيد هتحس إن في حاجة مش مظبوطة…
يا ترى هعدي اليومين دول إزاي لوحدي؟
شغلت القرآن، مكنش بيتقطع من الشقة، طول اليوم قناة القرآن شغالة، كل شوية كنت اتلفت حواليا عشان بيتهيألي إني سمعت حركة، والليل لما جه، دي بقى قصة تانية، كل لما أغفل اتنفض، اتهيألي إن الش.بح هينق.ض عليا في أي لحظة وإنه ممكن ييجي من أي اتجاه…
الليل زحف لحد ما الفجر قرب وهنا قررت أعمل حركة في منتهى الغ.باء…
قررت أنزل بنفسي تحت، في المكان اللي شفت فيه الط.يف…
مكنتش بفكر بشكل سليم، ده أكيد، بس اللي جه في بالي هو مواجهة الخ.وف، زي اللي مش قادر يبص لنفسه لسبب ما فيبص في المراية ويحاول يتقبل ملامحه…
النور على السلم كان وال.ع بس أوضة الغفير نفسها ضلمة، مهي مه.جورة ومحدش عمره اهتم يحط فيها لمبة…
ولما وصلت قدامها سمعت همهمة…
صوت حز.ين بيغني لحن حز.ين، 100% الصوت كان مصدره الأوضة، الش.بح بيدندن!
مكنتش قادرة أميز الأغنية ولا الكلمات، متهيألي خو.في كان عائق إني أسمع بوضوح، بس الصوت كان حز.ين، مك.سور…
كفاية كده!
اتسحبت بالراحة، مشيت على السلالم كإني ماشية على قشر بيض، مش عايزه الش.بح يسمعني أو يحس بوجودي…
طبعًا المنطق راح في دا.هية، ده على أساس إن قوانين الفيزيا بتاعتنا بتطبق على الشب.ح؟ لو مشينا بطيء وإديناله ضهرنا مش هيحس بينا وهتعدي سلامات؟ زي كده اللي بيغطي رجليه بالغطا لما تتكشف عشان الب.عبع ميجيش ياكلها!
الش.بح مظهرليش فعلًا ولا حسيت بيه والليلة الأولى عدت بسلام…
والليلة التانية كمان، مفيش حاجة حصلت، لا فيه حاجة اختفت ولا كان في حركة في الشقة…
و”علي” و”هند” رجعوا بالسلامة…
فات شهر كمان، خلاله كانت بتحصل ظواهر كتير غريبة، حاجات بتتحرك من مكانها، حاجات بتختفي، غير الوجود، إحساسي بوجود الش.بح حواليا من غير ما اشوفه أو المسه…
لكن أكتر يوم مر.عب بالنسبة ليا كان اليوم ده…
اليوم اللي صحيت فيه “هند” عشان المدرسة، بعد ما صحيت ودخلت الحمام وخرجت كانت لسه مدروخة، استنيتها في أوضتها..قالتلي وهي بتفرك عنيها بنبرة واطية مهزوزوة:
-جدو جالي امبارح!
=جدو؟
-جدو اللي عايش معانا، قال لي إنه معملهاش…
=معملش إيه؟
-معملش خطة عشان يم.وتهم، كان بيدافع عن نفسه، بس هو كدب في حاجة واحدة…هو اللي فتحلهم الباب.
إيه؟ معنى إيه الكلام ده؟ معملهاش، هو اللي فتح لهم…الغمامة اتشالت، الدنيا بقت واضحة، الش.بح اللي ساكن البيت هو ش.بح…”سليمان”!
“سليمان” اللي ق.تل جيرانه وانت.حر قبل ما يتحاكم، معقول؟
“سليمان” بريء، مانا مسمعتش عن ش.بح بيك.دب قبل كده… وهو يعني أنا خبيرة بالأش.باح من أساسه؟ لكن…الش.بح بيقول الحقيقة، كان عندي يقين…
بعد ما نزلنا “هند” افتكرت كتاب كانت ناسياه، طلعنا بسرعة عشان نلحق معاد الباص…
بعد ما لقينا الكتاب قالت إنها عايزه تدخل الحمام، دخلت معاها..
عيني اتثبتت على مراية الحمام، المراية كانت كلها بخار…
ليه؟
ليه البخار عليها بالشكل ده، محدش فينا استخدم الميه السخنة من وقت ما صحينا…
ودني لقطت بعدها حاجة…
خطوات بره الحمام، خطوات تقيلة وثابتة..
بتلقائية لفيت إيدي حوالين “هند”، رفعت إيد منهم بعد كده وحطتها على بوقها…
فضلت ثابتة في مكاني لحد ما الخطوات اختفت تمامًا…
خرجنا من الحمام، كنت بتنفض مع كل خطوة لينا…
“هند” قالت:
-مالك يا ماما، متخ.افيش، جدو طيب، مش هيعمل لنا حاجة…
“هند” راحت المدرسة وأنا فضلت لوحدي، كان لازم أتحرك، الفضول كان هياكلني، في محامي معرفة، كان صديق لعيلتنا طلبت إني أقابله…
إديتوا بيانات “سليمان”، حبيت أعرف عن قضيته كل حاجة…
…………………………
خلال أيام جاتلي كل المعلومات…
بعدها جالي فضول أبص على الشباك إياه، الشباك اللي في أوضة الجزم، ده شباك قديم، مكلفناش خاطرنا نجدده ولا التفتنا ليه قبل كده بما إننا قررنا إن الأوضة دي تبقى للجزم والكتب، مهتمناش، الشباك كان بيطل على الجنينة، ارتفاعه بسيط منها…
راجعت كل الأحداث في دماغي وجالي إحساس قوي، شبه يقين…
نزلت على أوضة الغفير، فتحت الباب واستقبلت العفرة الرهيبة والروايح الب.شعة وقلت بصوت عالي:
=”سليمان”، أنا عارفه إنك بريء، وعارفه سرك، مفيش داعي تخ.اف مني، أنا عارفة…
سمعت حركة من ورا الخشبة في آخر الأوضة، طلع من وراها ط.يف، شب.ح بني آدم، شوية شوية لما قرب بان أكتر، كان “سليمان” فعلًا ،بس مش شب.ح، ده دم ولحم، “سليمان”….عايش!
-عرفتي منين؟
=جدو؟ ليه تبقى جدو؟ لو كنت شب.ح كان المفروض تفضل على نفس الهيئة اللي م.ت عليها، وأنت المفروض، وفقًا للإشاعات انت.حرت في التلاتينات من عمرك، هو الأش.باح بتكبر؟ وبعدين الحاجات اللي بتختفي كلها حاجات رجالي، هدوم، أدوات، ما عدى الصابون والشامبو اللي الراجل أو الست ممكن يستخدموهم للنضافة، وشباك أوضة الجزم، بنتي قالت إنها شافتك طاير، الحقيقة إنك كنت واقف عادي، متشعبط، لإن الشباك مستواه واطي قريب من الجنينة وكنت بتقدر تفتحه وتقفله عادي، ومنه بتدخل الشقة وقت نومنا أو وقت ما احنا مش موجودين..
-عرفتي منين إني بريء؟
=مين اللي كان بيبلغك بالمستجدات وقال لك إنك اتحكم عليك بالإ.عدام؟
-مراتي..
=الله يرحمها، ولادك مكنوش يعرفوا بوجودك هنا مش كده؟ كنت مخبي نفسك عنهم.
=مراتك ما.تت قبل التطورات…أم جيرانك اعترفت على ولادها عشان ضميرها أنبها، قالت إنها شافتهم بيتسحبوا مع صاحبهم التالت وسمعتهم قبلها بيتفقوا يقت.لوك إنت وأسرتك ويس.رقوا بيتك عشان مشاكل إد.مانهم والدي.ون اللي عليهم، وخدت براءة يا “سليمان”!
الكد.بة الوحيدة اللي كد.بها في الليلة اللي غيرت حياته هي إنه لما حس بحركة بره الشقة فتح الباب بنفسه وض.رب عليهم نا.ر، ودي الكد.بة اللي عقدت الأمور، كان خاي.ف يقول إنه فتح الباب بنفسه فيبان إنه قت.لهم عن قصد وإنه كان مخطط وبيتشفى عشان الخن.اقة اللي بينهم…
عنيه وسعت على الآخر، البؤبؤ اتحرك في كل الاتجاهات، معلومات كتير أوي عليه، كان بيحاول يستوعب، كل السنين دي، العيشة اللي عاشها والهروب كان من غير فايدة!
كان بيه.رب من وه.م، من قض.بان مش موجودة غير في عقله وبس…
أنا مش مج.نونة…
“سليمان” حقيقي، الش.بح حقيقي، لكن مش الش.بح اللي كان في خيالي…
وزي ما توقعت، “سليمان” مقدرش يخرج من مخبأه، مقدرش يواجه الحياة مرة تانية، هيطلع لإيه ولا لمين، ولاده، هل كانوا هيفرحوا لما يعرفوا إنه عايش، ولا خلاص من زمن الزمن برمجوا نفسهم وحياتهم على عدم وجوده، هيحسوا بإيه لما يعرفوا الحقيفة، إنه كل ده كان مستخبي بدل ما يخرج ويواجه قدره ويبقى ليهم أب وسند…
وعشان كده عرضت عليه الأمور تفضل ماشية زي ما هي، يفضل مستخبي في أوضة الغفير، ومحدش يعرف بوجوده، باستثناء شوية حاجات…
نضفت أوضة الغفير، خلتها آدمية، بقيت أنزل له الوجبات بنفسي واتفقت معاه ميدخلش البيت غير وإحنا مش موجودين، ياخد دش وكل اللي يلزمه أنا هوفرهوله، مش محتاج ياخد هدوم أو أي حاجة مننا…
وحافظت على السر…
كل اللي أتمناه إني أكون خليت “سليمان” مرتاح أكتر، ضفت لحياته شوية لون بدل ما كانت ب.هتانة، كإنه سج.ين طلع من سج.ن مهين لزن.زانة بتحترم أدميته أكتر….