قصه صديق الموتي
هو في طريقة للتواصل مع الأموات؟!
في الحقيقة السؤال ده شائك جدًا من ناحيتين، أولًا من ناحية العلم اللي بيأكد وبيقول إن لأ ماينفعش، وكمان من ناحية الدين اللي بيقول إن الروح بعد وفاة الشخص، بتطلع لرب العباد عز وجل، فبالتالي برضه بتكون الأجابة هي كلمة لأ.. بس بالرغم من النفي القاطع ده من الناحيتين، إلا إن الدين والعلم فيهم باب صغير كده.. والباب ده مكانه تحت كلمة من ناحية الدين إسمها القرين، والقرين ده هو بالمعنى الدارج بتاعنا.. عفريت الميت، والعفريت ده بيكون هو الشيطان او الجن او أيًا كانت صفته يعني، اللي بيلازم الأنسان من أول ما بيتولد ولحد ما بيموت، وعشان كده لما بيظهر، فهو ممكن يعرفنا حاجات احنا ماكناش نعرفها عن الشخص اللي مات.. أما بالنسبة بقى للباب ده من ناحية العلم، فهو الحقيقة باب صغير جدًا.. بس موجود، موجود بالأبحاث اللي تمت واللي منها مازال تحت البحث، عن وجود ظواهر خارقة للطبيعة في أماكن معينة، وبكده اقدر اقول إن النفي مش بنسبة ١٠٠%.. او خلينا نقول إن التواصل مع الميت نفسه او روحه يعني، اه ماينفعش.. إنما ممكن ينفع مع شبحه او قرينه، ومن هنا بدأت حكايتي اللي هكتبها بأسم (صديق الموتى)..
حكايتي اللي قبل ما ابدأها خلوني بس اقولكوا المقدمة التانية، واللي بعدها هحكي على طول.. واعذروني لو هكتبها يعني لأنها مهمة جدًا… انا يا سيدي الفاضل دكتور ومش دكتور، يعني معظم الناس بيقولوا لي يا دُكتور.. مع إنِ لا عمري دخلت كلية طب، ولا درست فيها، بس مهنتي الحالية هي اللي خلت الناس تقولي يا دكتور (راغب).. وده ببساطة لأنِ عندي مركز متخصص في علاج التخاطب، وعشان كده معظم الناس بتسجلني على تليفوناتها بأسم دكتور تخاطب.. مع إن المفروض واللي تملي بقوله للناس، إن انا أخصائي تخاطب مش دكتور، وده لأني بالمختصر كده خريج كلية تربية، وبعد ما اتخرجت من الكلية، أخدت دبلومة في قسم التربية الخاصة.. وبعد ما أخدت الدبلومة، خدت دورات تدريبية كتير وكورسات وعملت شوية دراسات كده مش مجال كلامنا دلوقتي.. لكن المهم، إن في النهاية حققت اللي كنت بتمناه، وهو مساعدة الأطفال والناس اللي عندهم مشاكل في النطق، وكمان ذوي الاحتياجات الخاصة منهم.. وبالفعل قدرت ابقى اللي انا عايزه واشتغلت ونجحت، ومع الوقت.. معظم الحالات اللي اشتغلتها، بفضل الله أولًا ثم بالصبر والخبرة والدراسة ثانيًا، قدرت انجح في علاجها، وفضلت مستمر في كاريري اللي الحمد لله كنت ناجح فيه وبفيد المجتمع من خلاله، لحد ما قابلته!
يومها جالي شخص المركز عشان يحكيلي على الطبيعة الحالة المطلوب علاجها، وبعد وصول الشخص ده، قعد قدامي وعرفني على نفسه بعد ما رحبت بيه..
-الف شكر لحضرتك يا دكتور على ذوقك وسماحة وشك.. في الحقيقة أنا جايلك بخصوص أبني اللي بيتلعثم كتير اوي في الكلام، هو عنده ١٢ سنة، وانااا… يا الله، معلش يا دكتور متأسف، نسيت اعرفك بنفسي.
ابتسمت في وشه ورديت عليه بكل هدوء..
-لا ماتتأسفش، انا عارف إن حضرتك بالتأكيد شاغل بالك بحالة ابنك والكلام عنه
-اه والله يا دكتور.. بس عالعموم يعني انا باهر.. باهر رشدي، بشتغل موظف في شركة من شركات الشحن، عندي محمد اللي جاي لحضرتك بخصوص حالته.
-تمام يا أستاذ باهر.. بس يا ترى أيه سبب التلعثم اللي عند محمد؟
-في الحقيقة يا دكتور هو الموضوع مُعقد وبدايته من سنين، بالتحديد من بعد ما بنتي اللي كان عندها شهور ما ماتت.. وقتها محمد كان عنده ٥ سنين ونص تقريبًا، ومن الوقت ده وهو فقد النطق تمامًا، وفضلت بقى ماشي معاه خطوة بخطوة في العلاج النفسي لحد ما بدأ يتكلم، ومع متابعتنا عند اخصائي تخاطب محترم.. الولد بدأ يتكلم احسن، لكن طريقته برضه فضلت متلعثمة شويتين، وعشان كده بدأت اقلق أن ابني مايرجعش يتكلم كويس تاني، بس الأخصائي اللي كنت بعالج محمد عنده قبلك، قالي إنه هيفضل متابع جلسات معاه لحد ما يخف تمامًا، بس للأسف مالحقش يتابع.. لأنه مات.
بلعت ريقي بقلق وسألته بقلق…
-مين!.. الأخصائي؟!
-ايوة طبعًا يا دكتور.. اومال ابني يعني؟!
-لا لا بعد الشر عنه طبعًا، كمل كمل يا استاذ باهر.. وبعدين؟!
كنت بقوله كده وانا جوة نفسي بقوله.. (وبترميها في وشي كده من أولها، مات!.. الله يبشرك بالخير).. ورغم إني كنت متشائم من جوايا، إلا إنه كمل وانا بسمعه بابتسامة مصطنعة..
-وبس يا دكتور.. الاخصائي اتوفى وانا سألت كل اللي اعرفهم عن أخصائي جديد اتابع معاه حالة محمد، لحد ما واحد من معارفي كان بيعالج بنته عند حضرتك وشكر فيك جدًا، فأخدت منه رقم تليفون المركز وحجزت وجيتلك عشان اعرف التفاصيل.
-بسيطة يا استاذ باهر.. خير إن شاء الله، احنا هنتفق على معاد الجلسات وعلى الماديات المعتادة يعني، وبأذن الله محمد هيرجع افضل من الأول، لكن انا عاوز اقول لحضرتك حاجتين.. اولًا انا لازم اقعد مع محمد في اقرب وقت ولازم انت ووالدته تساعدوني، وثانيًا انا لازم اعرف هو ايه اللي وصله لأنه يفقد النطق تمامًا وهو عنده خمس سنين ونص!… هل وفاة اخته بس، ولا في حاجة تانية؟!.. اصل معلش، اعذرني يعني، هو وقتها كان صغير اوي، وإن صدمة وفاة حد تأثر في طفل عنده خمس سنين وتخليه يفقد النطق بسبب الحزن مثلًا، ف دي حاجة نادرًا ما بتحصل، إلا إذا كانت وفاة الأخت في حادثة مثلًا او ماتت قصاد عينيه.
-لا لا.. خالص يا دكتور، هي اخته ماتت وهي نايمة في أوضتها، بس محمد لأنه كان منطوي وماكنش له اصحاب غيرها، فبعد وفاتها وتأثر امها والأحزان اللي كانت في البيت، محمد اتصدم وفقد النطق.. بس خليني اقولك إن ده مش موضوعنا، محمد دلوقتي نفسيًا بقى أحسن، وكل اللي محتاجه بس هو إنه يقدر يتكلم بشكل طبيعي، وانا عن نفسي انا ووالدته، هنساعدك في شغلك على قد ما نقدر.
بعد ما الراجل قالي كده، ابتسامتي له اتغيرت، من ابتسامة مصطنعة شكلها لذيذ كده.. لابتسامة فيها شوية قلق.. قلق حاولت اتداركه بسرعة لما قولتله بعد ثواني من السكوت..
-تمام.. وحضرتك هتقدر تجيبلي محمد امتى؟!
-بكرة.. لو وقتك يسمح.
-اه يسمح طبعًا.
-تمام.. وبالنسبة للحجز ومواعيد الجلسات والأمور المادية وكده؟!
-برة يا استاذ.. حضرتك لما تطلع برة هتلاقي السكرتيرة في الريسبشن، والسكرتيرة هي اللي هتتكلم معاك في الماديات وفي مواعيد الجلسات وكل الحاجات دي.
بعد ما قولتله كده، سلم عليا وخرج للسكرتيرة، وبعد شوية عرفت إنه دفع كل الفلوس ورتب مواعيد الجلسات والدنيا تمام، وبالفعل.. بالفعل تاني يوم جه استاذ باهر ومعاه محمد ابنه.
محمد كان ولد شكله عادي يعني، طوله مناسب، ملامحه السمرا الهادية، بتقول إنه طفل سوي، بس اللي مش عادي بقى هم حاجتين.. الحاجة الأولى هي طريقة لعثمته في الكلام، او زي ما بنقول بالمعنى الدارج كده.. محمد كان بيتهته في الكلام بشكل مش منتظم، ودي حاجة انا المفروض هعالجه منها وهخليه يتكلم بشكل طبيعي بأذن الله، اما الحاجة التانية الغريبة بقى، هي نظراته.. الولد تملي كانت عينيه زايغة وكأنه بيبص على حاجات حواليه، حاجات ماحدش شايفها غيره هو وبس!
بصراحة استغربت من نظراته دي، لكني ماهتمش بيها واستمريت معاه في جلسات، والحقيقة يعني او اللي يطمن في الحالة، إن محمد كان بيتفاعل معايا، وشوية بشوية كانت طريقته في الكلام بدأت تتحسن نوعًا ما، وفضل كده اول تلات جلسات، لحد ما في الجلسة الرابعة، حصلت الحاجة اللي من عندها بدأت الحكاية تاخد شكل تاني خالص.
يومها بعد ما خلصنا الجلسة، قعدت ادردش مع محمد شوية، والدردشة دي كانت مهمة جدًا عشان يتكلم قدامي بطبيعته واعرف انا وصلت معاه لحد فين، ولما قعدنا سوا بعد الجلسة، بدأت الكلام معاه لما قولتله…
-لا بس ايه الشطارة دي كلها يا عم ميدو.. ده انت ممكن بعد اربع جلسات كمان ماتحتاجليش خالص بقى.
فِرح محمد وقالي وهو بيبصلي بضحكة خفيفة…
-ببجد!.. يييعني.. يييعني انا هخف وهعرف اتكلم كويس تاني؟!
قومت من مكاني وقعدت على الكرسي اللي قصاد كرسيه، وده يعني عشان ابقى قريب منه واحسسه بالتواصل ما بيننا، وبعد ما قعدت وبصيت في عينيه، ابتسمتله ابتسامة تطمنه وانا بقوله..
-انت اصلًا مش عيان عشان تخف أو لأ، اللي انت فيه ده ظرف وحش وبأذن الله هتعديه، انا مش عايزك تقنع نفسك إنك عيان..انت زي الفل، وزي ما قولتلك.. قريب اوي مش هتحتاجلي وهتتكلم كويس، واحتمال كمان اقدملك انا وبابا في برنامج من برامج المسابقات اللي بيطلعوا الأطفال يغنوا فيها.
ابتسم هو كمان ابتسامة مريحة، ومع ابتسامته دي، استغليت إنه واثق فيا ومطمنلي وسألته..
ابتسامته اختفت من على وشه اول ما قولتله كده ورد عليا بقلق وحذر..
-لما كنت في المستشفى، الدكاترة كانوا بيقولوا لبابا كده.
-مستشفى!.. انهي مستشفى دي؟!
ماجاوبنيش، ده فضل يبص حوالينا واحنا قاعدين بنظرات غريبة اوي.. وكأنه بيتابع بعينه حد بيلف في الأوضة!.. حسيت بالقلق والخوف وقتها، لكني في نفس الوقت سألته بشجاعة مصطنعة..
واول ما خلصت سؤالي، عينيه ثبتت فوقيا بالظبط، وكأنه بيبص على حد واقف ورايا!
ومع نظرته الثابتة، خوفت ابص ورايا، ماعرفش ليه خوفت او قلقت، لكن الحرارة او السخونية البسيطة اللي كنت حاسس بيها ورا ضهري، مع نظرات محمد.. كل دي حاجات خلتني سكتت ومابقتش عارف اعمل أي حاجة، لا اتكلمت ولا طلبت منه أجابة.. انا سكتت لثواني، او بالتحديد، فضلت ساكت لحد ما بص لي محمد بثبات غريب وقالي بهدوء وبطريقة غير طريقته المتلعثمة في الكلام…
-هو انت مش متجوز ليه؟!
استغربت من سؤال محمد وفي نفس الوقت اتوترت، ازاي ولد عنده ١٢ سنة يسأل سؤال زي ده!
لكني برضه حاولت اتماسك وجاوبته بإحراج..
-ايه يا ابو حميد.. انت جايبلي عروسة ولا ايه؟!
بص في عينيا اكتر وبكل ثبات قالي..
-بتقول إنك لسه بتحبها وشايل ذنبها، وعشان كده ماتجوزتش.
-بب.. بب.. ببحبها!.. هي مين دي؟!
رفع حاجبه وقالي بخُبث..
-مروة.
اول ما قال الأسم ده، حسيت إن جسمي اتخشب، بقيت عامل زي لوح التلج.. من برة متلج وجامد لو لمسته، وفي نفس الوقت عمال ينقط.. ايوة.. انا رغم إن جسمي كان بارد، إلا إني بقيت بعرق من كل حتة في جسمي!.. احساس غريب ماقدرتش افسره إلا عن طريق سؤال خرج مني…
-انت.. انت عرفت الأسم ده منين؟!
ضحك وماردش عليا، وبحركة سريعة بص ناحية باب الأوضة اللي أول ما بص عليه، خبط!.. كانت السكرتيرة اللي قالت من برة..
-استاذ راغب!
اتنفضت.. اتنفضت في مكاني ورديت عليها وانا باصص للولد بصدمة…
-ادخلي.
فتحت الباب ودخلت، ومع دخولها، بص لي الولد وقام وقف..
-استاذ باهر والد محمد برة، وبيسأل يعني لو حضرتك خلصت الجلسة عشان..
-اه اه.. يعتبر خلصت.. بس محتاج اتكلم مع محمد شوية، خمس دقايق وهيمشي، سيبينا دلوقتي.
-انت عرفت الأسم ده منين؟!.. قولي.. اتكلم.. عرفني انت ايه اللي وراك!
وفضلت اسأله وهو ولا هو هنا، ماردش.. فضل باصص لي بثبات وكأني مابتكلمش، وفي لحظة.. حسيت إن عينيه ابيضت لثواني ورجعت لشكلها الطبيعي من تاني!
خوفي منه زاد أكتر ورجعت لورا، بس الاغرب من كل اللي حصل قبل كده، هو إن محمد رجع يتكلم تاني بنبرة صوته العادية وبطريقته المتلعثمة..
-هو انا.. انا مممم.. ممكن اخرج لبابا؟!
بصيت على باب وشاورتله من غير ما اتكلم ب ولا كلمة، انا كنت من كتر الصدمة عامل زي اللي خبطته عربية، لا كنت عارف افكر ولا كنت قادر حتى اقوله استنى ولا اعمل أي حاجة، انا سيبته خرج ومشي هو وابوه.. وبعد ما مشيوا هم الاتنين، استأذنت من المركز وروحت البيت لأني ماكنتش مركز.. حرفيًا كنت تايه، وفضلت على الوضع ده لحد ما وصلت البيت وقابلت ابويا.. ابويا اللي أول ما شافني قالي…
-غريبة!.. أذان العشا لسه مأذنش.. مش عوايدك يعني انك تيجي بدري؟!
قعدت على الكنبة اللي في الصالة وانا برد على ابويا بتعب..
-مافيش يا حاج.. مصدع شوية بس، إنما انت متشيك كده ورايح على فين؟!
-هكون رايح اخطب يعني؟.. نازل لعمك رجائي، هعدي عليه في البيت ونروح نصلي العشا في الحسين، هتعوز حاجة اجيبهالك وانا جاي؟!
-سلامتك يا حاج.. ابقى سلملي على عم رجائي.
-يوصل.. سلام.
ونزل ابويا وسابني قاعد لوحدي في الشقة، وطبعًا قعدتي لوحدي خلت دماغي تشتغل وتفكر.. اسئلة كتير بدأت تتردد جوايا، الواد ده حكايته ايه وعرف اسم مروة منين!… وبعدين ايه حكاية نظراته الغريبة دي!
وخد عندك بقى.. اسئلة، اسئلة، لحد ما حسيت بخنقة، وبسبب الخنقة دي، مسكت ريموت التلفزيون وشغلته عشان افصل شوية، لكني بعد ما فتحت التلفزيون ووقت ما كنت بقلب بين القنوات، فجأة إيدي ثبتت عند قناة معينة شغال عليها فيلم اجنبي، والفيلم ده من حظي المهبب، إن كان فيه مشهد لواحدة ست راكبة عربيتها على الطريق وعملت حادثة.. بس فجأة وقبل ما اقلب القناة، سمعت من ورايا صوت همس…
“راغب.. ماتحولش يا رااغب”
يُتبع
(ده الجزء الأول من قصة صديق الموتى.. دمتم طيبين)
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
٢
مسكت ريموت التلفزيون وشغلته عشان افصل شوية، لكني بعد ما فتحت التلفزيون ووقت ما كنت بقلب بين القنوات، فجأة إيدي ثبتت عند قناة معينة شغال عليها فيلم اجنبي، والفيلم ده من حظي المهبب، إن كان فيه مشهد لواحدة ست راكبة عربيتها على الطريق وعملت حادثة.. بس فجأة وقبل ما اقلب القناة، سمعت من ورايا صوت همس…
“راغب.. ماتحولش يا رااغب”
الريموت وقع من إيدي، ماكنتش عايز ابص ورايا لولا فضولي إني اشوف مصدر الهمس ده ايه، ومع لفة راسي، عيني جت في عينها، كانت واقفة ورا الكنبة بالظبط.. ملامح وشها الأبيض كانت غرقانة دم، كانت غير كل مرة كنت بشوفها فيها وهي عايشة، او حتى بعد ما ماتت في كوابيسي.. ملامحها المرة دي كانت مرعبة، والمرعب اكتر من ملامحها بقى، هو إنِ اول ما لفيت ولقيت وشها في وشي، قربت مني اكتر وقالتلي بصوت مبحوح..
“مش انت السبب يا راغب…”
ومع نطقها لأسمي، نور الشقة كله اتقطع!.. ضلمة لثواني، اصوات وحركات حواليا جاية من كل مكان، اما انا بقى.. فانا كنت خلاص، نفسي كنت باخده بالعافية، احساس أشبه بالموت.. لكنه مش الموت نفسه، ماهو الموت في أخره بتموت، معروفة.. إنما انا كنت بين البينين.. لا مني ميت، ولا مني قادر اشوف أيه اللي حواليا، او حتى اقوم اجيب موبايلي وانور بيه الكُحل اللي انا فيه، وفي لحظة.. ووسط قلقي وخوفي والأصوات المرعبة اللي انا سامعها، كل حاجة سكتت!
هدوء تام استمر لفترة قصيرة، وده كان الهدوء اللي بعده قامت العاصفة، وبداية العاصفة كانت هبدة قوية اتهبدتها وانا قاعد في مكاني وكأني وقعت من مكان عالي، وبعدها.. كل المشهد اتبدل من حواليا، انا لقيت نفسي قاعد في كنبة عربية، وفي الكرسي اللي على الشمال قدامي… او اللي هو كرسي السواق يعني، مروة كانت قاعدة وبتسوق بسرعة، وفي وسط انشغالها بالطريق، مسكت تليفونها واتكلمت فيه..
(بالله عليك اكدب عليا يا راغب وقولي إنك قولتلي كده عشان ارجع.. اكدب عليا وقولي أنها ماماتتش.. انا من غيرها همووت)
وفي وسط ما هي بتتكلم في التليفون، ابتدت تبكي بحرقة لدرجة إنها انهارت وحدفت الموبايل تحت رجليها!
حاولت اتكلم معاها عشان تهدى او تهدي السرعة، بس مافيش.. كأنها مش شايفاني ولا سامعاني، او انا.. انا اللي فعلًا مش متشاف!
مالحقتش افكر كتير، لأن فجأة ظهر نور قوي قدام العربية، وبعده حسيت بهبدة اقوى، وبعد الهبدة شوفت ملامحها وهي متغرقة دم بسبب الأزاز اللي راشق في وشها!
فضلت اصرخ واحاول انقذها وقت ما العربية بتتقلب، لكني ماعرفتش، انا كنت زي المتكتف، ومش بس متكتف، انا كمان ابتديت احس بخنقة رهيبة ونفسي واحدة واحدة ابتدا يروح وكأن روحي بتطلع…
(راغب.. يا راغب يا ابني.. مالك يا حبيبي بس.. اعوذبالله من الشيطان الرچيم)
ده كان صوت ابويا اللي انتشلني من كل اللي كنت فيه، فتحت عيني اول ما سمعته عشان الاقي نفسي نايم على الكنبة زي ما انا والتلفزيون شغال قدامي!
-مالك يا حبيبي.. كنت بتصرخ كده ليه وانت نايم؟
فركت عيني وقومت قعدت…
-نفس الكابوس يا بابا.. نفس الكابوس، بس المرة دي كان ابشع وأوقع.
طبطب عليا وحاول يواسيني..
-قوم يا ابني اتوضى وصلي.. صلي واستعيذ بالله من الشيطان، انت مالكش ذنب.. ماتحملش نفسك فوق طاقتها، وبعدين هو احنا مش كنا خلاص خلصنا من موضوع الكابوس ده؟!
مسكت أزازة مايه كانت على ترابيزة قصادي وشربت منها شوية، وبعد ما شربت بصيت لابويا وانا بريح ضهري لورا..
-اه.. كنا خلصنا لحد اللي حصل النهاردة.
-ايه اللي حصل النهاردة؟!
حكيتله اللي حصل في المركز من محمد، وحكيتله كمان عن إنه عرف إسم مروة من غير ما اقوله ولا مرة قصاده، وبعد ما حكيتله وخلصت كلامي، بص لي ابويا بقلق وقالي..
-مش عارف اقولك ايه ولا لاقي تفسير للي انت بتقوله.. انا كل اللي اقدر اقولهولك إنك لازم تتجاوز اللي حصل ده بقى وتبدأ تفكر إنك تتجوز وتعيش.. يا ابني انت مالكش ذنب في أي حاجة، ده قدرها وعمرها.
طبطبت على ابويا وقومت بوست راسه ودخلت أوضتي، سيبته بيتكلم ودخلت لأنه جاب سيرة الجواز قدامي، وانا السيرة دي قافلها تمامًا، والسبب اللي انا قافلها عشانه، افتكرته لما فردت جسمي على سرير وبصيت في السقف.. مروة هي السبب.. مروة كانت خطيبتي من حوالي تلات سنين، ماكنش ليها في الدنيا غير جدتها وانا.. وفي يوم، وقبل فرحنا بشهور، قالتلي إنها مسافرة تصيف مع صاحباتها في اسكندرية، وبسبب سفرها، طلبت مني إني اخلي بالي من جدتها لحد ما ترجع بعد يومين، وفعلًا سمعت كلامها وروحت بصيت على جدتها اول يوم الصبح.. ولما الليل جه وبعد ما خلصت شغل في المركز، روحتلها عشان اطمن عليها، بس للأسف.. لما دخلت الشقة ووصلت لأوضتها، لقيتها فاردة جسمها على سريرها ومابتنطقش، قلبي دق بسرعة وابتديت اقلق او اشك إن جرالها حاجة، وشكي ده اتأكد لما قربت منها ولقيتها قاطعة النبض والنفس!.. بسرعة طلعت موبايلي واتصلت على مروة وبلغتها باللي حصل، ماعرفش عملت كده ازاي، ازاي قولتهالها وش كده.. جايز تكون الصدمة او رهبة الموقف هم اللي خلوني ما افكرش، وعشان كده قولتلها إن جدتها مابتنطقش، وقتها قفلت معايا وقالتلي إنها هتتحرك بعربيتها من اسكندرية حالًا.. وبعد ما قفلت، اتصلت بالأسعاف اللي جت خدت الست ونقلتها المستشفى، وبمجرد ما دخلت المستشفى، الدكاترة قالوا إنها واصلة ميتة بسكتة قلبية، ومش بس كده.. دول قالوا كمان إنها ماتت قبل ما تيجي المستشفى بساعات، وده معناه إنها ماتت من بعد ما سيبتها الصبح بشوية.. ياااه.. احساس صعب اوي، كنت بين نارين، نار إن انا حاسس بالذنب لأني سيبتها ونزلت المركز، ونار حزن مروة على جدتها، بقيت واقف في المستشفى محتار، لحد ما تليفوني رن، وطبعًا المتصلة كانت مروة.. وملخص المكالمة إنها قالتلي وهي بتعيط ومُنهارة، الكام جملة اللي تملي بسمعهم في الكابوس اللي بشوفه باستمرار.. (بالله عليك اكدب عليا يا راغب وقولي إنك قولتلي كده عشان ارجع.. اكدب عليا وقولي أنها ماماتتش.. انا من غيرها همووت).. وفي لحظة ووقت ما كانت بتكلمني، سكتت.. وبعد سكوتها على طول سمعت صوت خبطة قوية وبعدها السكة اتقفلت!
كنت عامل زي اللي اتخبط على دماغه بقالب طوب، عقلي بيقولي إن الصوت اللي سمعته ده هو نتيجة لحادثة عملتها مروة على الطريق وهي راجعة، واحساسي بيقولي لأ، جايز تكون الشبكة وحشة على الصحراوي ولا حاجة، بس حيرتي دي مادامتش كتير.. لأني بعد ساعات بالظبط كنت عرفت إن مروة فعلًا عملت حادثة على الطريق وماتت هي كمان، ماتت مروة واندفنت هي وجدتها في يوم واحد وفي تربة واحدة كمان، وكأنهم عاشوا طول عمرهم متعلقين ببعض، وحتى بعد ما ماتوا ماكانوش قادرين يفارقوا بعض!
ومن بعد الدفنة والعزا وانا اتغيرت، لا بقيت باكل ولا بتكلم مع حد، احساسي بالذنب خلاني شوية بشوية اتحولت لتمثال شكله حلو من برة، ومن جوة فاضي.. واستمريت على الوضع ده لمدة شهور، بس زي ما بيقولوا كده.. الأيام والشغل بينسوا الحزن زي ما بينسوا الفرح، فمع الوقت ووقوف ابويا جنبي، خرجت من اللي انا فيه ورجعت امارس حياتي عادي، بس انا من بعد اللي حصل وانا مارجعتش راغب بتاع زمان، انا اتغيرت.. لا بقى ليا نفس اتجوز ولا اخطب ولا احب، ولا حتى ادخل في علاقة مع اي واحدة، انا قفلت قلبي وحياتي بعد اللي حصل ده وعيشت للشغل اللي لهيت نفسي فيه، وكمان عيشت لابويا وبس.. لكن طبعًا ابويا بقى ربنا يديله الصحة، كان ما بين كل فترة والتانية كده بيحاول يفاتحني في موضوع الجواز، وطبعًا كنت برفض.. وفضلت ارفض وارفض لحد يآس مني وبطل يتكلم فيه من تاني، واهو.. فضلت الحياة ماشية وانا بتعافى او بتناسى شوية بشوية لحد ما محمد اللي انا بعالجه جاب أسمها قدامي، وبسبب الموقف اللي حصل منه ده، فضلت بعد كده لمدة كام يوم مش مظبوط، لا بنام بطبيعية ولا باكل زي الناس ولا حتى بركز في شغلي زي الأول.. انا بقيت معظم الوقت شارد وساكت لحد ما جه معاد الجلسة الجديدة بتاعت محمد، الجلسة اللي قبل ما نبدأها، قعدت قصاد محمد وسألته بلهفة…
-انا مش هبدأ الجلسة إلا لما نتكلم الأول.. انت عرفت أسم مروة ده منين؟!
بص لي باستغراب..
-مممم مروة!.. مروة مين؟!
خبطت بإيدي على وشي وانا بحاول افرغ شحنات العصبية والغضب اللي جوايا..
-لا حول ولا قوة إلا بالله، انت مش المرة اللي فاتت بعد الجلسة، سألتني انا مش متجوز ليه، وقولتلي كمان إن انا لسه بحبها وشايل ذنبها… ولما سألتك مين دي قولتلي مروة!.. حصل يا ابني ولا ماحصلش!.. رد عليا، عرفتها منين؟؟!
فضل ساكت، ماردش عليا، لكن عينيه ونظراته هم اللي ردوا، الولد بدأ يبص حواليه بقلق وبخوف لثواني.. وبعد سكوت مادامش كتير، بص لي وقالي بطريقته العادية..
-بببشوفها.. بشوفها كل يوم بالليل في أوضتي من بعد ما بقيت باجي هنا، بببشوفها.. ببشوفها زي ما بشوف عمي.. إنما هي مش بتخوفني، هي بتضحك في وشي، إنما عمي هو اللي.. هو اللي بيخوفني لأن شكله بيبقى مرعب.
بربشت بقلق وانا إيديا بتترعش..
-ازاي بتشوفها وهي.. وهي ماتت، طب طب لو بتشوفها، بتقولك ايه؟!
-ممما.. ممابتقولش حاجة تخوف.. بس عمي هو اللي.. هو اللي بيزعقلي ووو.. و.. انا عاوز بابا.
طلعت موبايلي بسرعة واتصلت بابوه وطلبته يجيلي حالًا، وبعد عشر دقايق بالظبط كان واقف قدامي، طلبت من السكرتيرة إنها تاخد محمد وتخرج وقعدت قدام استاذ باهر وبدأت اسأله بتوتر…
-محمد ابنك المرة اللي فاتت ذكر أسم خطيبتي اللي ماتت من حوالي تلات سنين، يومها اتصدمت وانت خدته ومشيت قبل ما يجاوبني هو عرف اسمها منين، بس لما سألته المرة دي قبل الجلسة وفضلت مُصر إن انا الاقي تفسير، قالي إنه بيشوفها بالليل في أوضته من وقت ما ابتديت اعالجه، ومش بس كده.. ده كمان بيقولي إنه بيشوف عمه وبيخوفه، انا مش فاهم حاجة.. ممكن حضرتك تفسرلي!
باهر كان بيسمعني وهو متوتر، وتوتره ده ظهر اوي لما رد عليا بعد ما خلصت كلامي..
-مش عارف، انا أصلًا ماليش أخ عشان يظهرله ويخوفه!
-طب ومروة.. عرف أسمها ازاي؟!
-مش عارف.. حقيقي مش عارف ولا عندي تفسير لكل اللي حضرتك بتقوله.
كنت هتعصب عليه وازعق، لولا إني تمالكت اعصابي وقولتله بهدوء مصطنع..
-ماشي يا استاذ باهر.. ماشي، وارد إنك مايكونش عندك تفسير لكل اللي محمد قاله، بس انا ممكن ابص على ملف محمد المرضي بعد إذنك؟
سكت شوية وسرح، وقبل ما اقوله سرحت في ايه، بص لي وابتسم ابتسامة مافهمتهاش..
-طبعًا طبعًا.. حقك، الملف اللي فيه كل تقارير محمد موجود في البيت، انا هقوم دلوقتي واوعدك إن بكرة هجيبلك الملف.. سلامو عليكوا.
وسابني وخرج.. خد ابنه ومشي وانا استنيته تاني يوم يجيبلي الملف، بس تاني يوم جه وباهر ماجاش، ولما اتصلت بيه لقيت تليفونه مقفول.. وفضل مُختفي وتليفونه مقفول لمدة تلات أيام.. وفي اليوم التالت ووسط انشغالي بشغلي وقلقي وتوتري من اختفاءه هو وابنه، روحت البيت وقعدت مع ابويا وقولتله على الحاجات الجديدة اللي حصلت، وبعد ما حكيتله واستنيت منه رد، سكت!.. سكت لأنه تقريبًا ماكنش عارف يرد يقولي ايه، بس الحقيقة انا عقلي ماسكتش، ورغم إن ابويا قالي مافكرش في الموضوع ده وانسى محمد وابوه ومروة وانتبه لنفسي بقى، إلا إني لما دخلت أوضتي فضلت قاعد على السرير وانا بفكر.. يا ترى الولد ده وراه ايه، طب.. طب ابوه، اختفى ليه بعد ما طلبت منه الملف المرضي بتاعه!
واسئلة كتير فضلت تنهش في عقلي لحد ما فجأة حسيت بأحساس غريب، عارف انت لما تبقى قاعد مرة واحدة مع نفسك وتحس إنك اطرشيت او ودنك فيها صفارة بسيطة كده وبعدها ماتبقاش سامع حاجة!.. اهو ده بالظبط اللي كنت حاسس بيه، لا بقيت سامع حاجة ولا حتى بقيت قادر اقوم عشان انور نور أوضتي اللي ضلمتها بإيدي اول ما دخلتها، واستمر وضعي لفترة قصيرة اوي، بعدها ابتديت اسمع صوت من بعيد.. صوت ماكنتش محدد مصدره، لكني كنت محدد كويس اوي هو صوت مين، ده صوت محمد!
يُتبع
(ده الجزء الثاني من قصة صديق الموتى…. دمتم طيبين)
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
٣
اسئلة كتير فضلت تنهش في عقلي لحد ما فجأة حسيت بأحساس غريب، عارف انت لما تبقى قاعد مرة واحدة مع نفسك وتحس إنك اطرشيت او ودنك فيها صفارة بسيطة كده وبعدها ماتبقاش سامع حاجة!.. اهو ده بالظبط اللي كنت حاسس بيه، لا بقيت سامع حاجة ولا حتى بقيت قادر اقوم عشان انور نور أوضتي اللي ضلمتها بإيدي اول ما دخلتها، واستمر وضعي لفترة قصيرة اوي، بعدها ابتديت اسمع صوت من بعيد.. صوت ماكنتش محدد مصدره، لكني كنت محدد كويس اوي هو صوت مين، ده صوت محمد!
(ساهر.. نجلاء.. شروق.. ساهر.. نجلاء.. شروق.. ومروة)
ومع نطقه لأسم مروة، حسيت بحركة جنبي على السرير!
جسمي ابتدا يترعش وابتدت دقات قلبي تعلى وتزيد، لحد ما سمعت صوت محمد جاي من جنبي على طول وهو بيقولي بصوت واطي وكأنه بيهمسلي…
(مروة.. مروة بتسلم عليك يا راغب)
ومرة واحدة حسيت أنه قام من مكانه وزقني بكل قوة عشان اقع من على السرير، ومع وقعتي بصيت حواليا لقيت الأوضة منورة والنهار طالع!
يعني ايه؟.. يعني كل اللي انا شوفته ده كان حلم!.. بس لا، انا لازم اوصله والاقي تفسير لكل اللي بيحصلي ده، انا.. انا لازم اروح لباهر بيته واشوف بقى هو خبى عليا ملف ابنه ليه.
وفعلًا قومت بسرعة غسلت وشي وغيرت هدومي وروحت على عنوان الشركة اللي بيشتغل فيها استاذ باهر، واللي كان قالي في مرة على أسمها، ومن مقر الشركة عرفت إنه قدم استقالته من كام يوم، بس بحركة فهلوة مني كده، قدرت اجيب عنوانه من واحد من الموظفين وروحتله شقته، إنما برضه المشكلة ماتحلتش ولا قدرت اوصله، انا فضلت اخبط وارن جرس باب شقته من غير أي فايدة.. الباب لا اتفتح ولا سمعت صوت حد جوة، وساعتها ماكنش قدامي غير بواب العمارة.. بواب العمارة اللي لما نزلت وسألته عليه، بص لي من فوق لتحت وسألني..
-ألا هو سيادتك بتسأل على استاذ باهر ليه؟!
طلعت من جيبي عشرين جنيه واديتهاله وانا بقوله..
-مافيش.. كنا صحاب من فترة وانا سافرت اشتغل برة، ولما رجعت، جيت اسأل عليه يعني عشان واحشني.
ضحك على كلامي، وقبل ما اسأله ايه اللي يضحك، رد عليا برد غريب اوي..
-ألا الدنيا دي غريبة اوي يا ولاد والله، انت تيجي من السفر وتبقى عايز تشوف صاحبك وتسلم عليه، في الوقت اللي هو يكون سافر فيه.. وكأن القدر مرتبلكوا إنكوا ماتتقابلوش.
-مسافر!.. مسافر فين؟!
-ماعرفش بالظبط يا بيه، هو قال إنه سافر لدولة عربية كان بيشتغل فيها زمان، وقالي كمان اخلي بالي من الشقة وسابلي رقم والده وعنوانه عشان لو حصل حاجة يعني.
-طب.. طب هو انت ممكن تديني عنوان والده؟
وقبل ما يقول اي حاجة او يرفض، كنت طلعت من جيبي عشرين جنيه كمان واديتهاله، وطبعًا صاحبنا اول ما شاف الفلوس اداني العنوان، وانا بصراحة بقى ماستنتش، اول ما خدت منه العنوان ركبت تاكسي وروحت جري عليه، ومع وصولي لبيت والد باهر، خبطت على الباب مرتين بالعدد، وفي المرة التالتة، فتحلي راجل عجوز على ملامحه ظهرت الحيرة لأنه تقريبًا كده ماكنش مستني حد في الوقت ده..
-حضرتك استاذ رشدي والد استاذ باهر؟!
-ايوه انا.. خير يا ابني، باهر ماله؟!
-مالوش.. انا ماعرفش عنه حاجة أصلًا، بص.. انا هفهم حضرتك، انا راغب.. اخصائي التخاطب اللي كنت بعالج محمد حفيد حضرتك، والحقيقة إن انا كنت طلبت من استاذ باهر ملف محمد المرضي ومن وقتها وهو اختفى، وبصراحة يعني انا.. انا عاوز اعرف اكتر عن محمد وعن حالته.
الراجل حس من كلامي إن انا عندي حاجات كتير عاوز اقولها وكمان في حاجات أكتر عاوز اعرفها، وعشان احساسه ده، سمح لي ادخل وسألني عن سبب سؤالي عن حالة حفيده، وانا بصراحة ما صدقت.. اول ما الراجل سألني، حكيتله عن كل حاجة مريت بيها مع حفيده وابنه، وبعد ما خلصت كلامي، اتنهد وقالي…
-في الحقيقة يا ابني الموضوع كبير، بس انا هحكيهولك عشان تلاقي تفسير لكل اللي بيدور في دماغك.. باهر يبقى ابني الصغير، من صغره وهو بيحب التعليم ونفسه يبقى حاجة، ومع مرور الوقت، كبر ودخل الجامعة واتخرج منها كمان، وبعد ما اتخرج، جت له سفرية برة مصر، ولأنه كان طموح ونفسه يبقى حاجة كبيرة، سافر وغاب يجي سنتين تلاتة، ومع نزوله، شاف شقة وشطبها وملاها بالعفش واتجوز بنت كان بيقول إنه بيحبها من أيام الجامعة، بس من بعد جوازهم وانا لاحظت ان ابني احواله متغيرة، بقى بيشتكي من مراته كتير وهي كمان كانت بتشتكي منه، لحد ما جه في يوم وقالي إن في حد بلغه إن الشقة اللي هو عايش فيها دي، كانت مهجورة لسنين بسبب إن كان ساكن فيها راجل بتاع سحر واعمال وسابها وعزل، ومن يوم ما عزل وهي فضلت مقفولة لحد ما ابني خدها، وطبعًا اللي بلغه بكده، قاله إن وارد جدًا تكون الخلافات اللي بينه وبين مراته بسبب الشقة، وعشان كده بقى جيبناله شيخ وقرا في الشقة وحصنها، والحمد لله… الحمد لله بعد ما الشقة اتحصنت، ابني ومراته حياتهم مشيت تمام اوي لحد ما خلفوا محمد ابنهم، وبعده بكام سنة خلفوا بنتهم الصغيرة.. شروق، شروق اللي من يوم ما جت الدنيا وباهر ومراته نجلاء، احوالهم اتشقلبت من تاني، رجعوا يتخانقوا زي الأول والخلافات زادت ما بينهم، واستمرت الخلافات لمدة كام شهر، لحد ما في يوم جه لباهر تليفون وهو في شغله، قَلب حياته، وملخص التليفون ده إن انبوبة البوتجاز انفجرت في شقته وقت ما مراته كانت واقفة في المطبخ وشايلة بنتهم الصغيرة، ومن سوء الحظ يا دكتور، أن شروق ونجلاء ماقدروش يلحقوهم وماتوا.. اما محمد، فهو كان بعيد عن النار، كان في أوضة من الأوض، وعشان كده الجيران قدروا يخرجوه و..
قاطعته لما وصل لحد هنا…
-نعم؟.. يعني ايه!.. انا استاذ باهر ابنك ماقاليش ان والدة محمد متوفية ولا حتى جابلي سيرة عن الموضوع ده، بل بالعكس بقى، ده استاذ باهر في مرة قالي إن ام محمد بتساعدني في شغلي وبتحاول تتكلم مع محمد كتير، يبقى ازاي؟!
-هقولك ازاي.. بس سيبني اكمل وانت هتفهم، باهر بعد ما مراته وبنته ماتوا، ساب الشقة وأخد شقة جديدة، وبعد اللي حصل في الشقة القديمة بعد ما سابها، الجيران اللي في العمارة ابتدوا يتسرسبوا منها واحد ورا التاني لحد ما فضيت واتهدت، واتبنى مكانها عمارة جديدة، ولحد هنا بتخلص قصة الشقة، لكن قصة باهر ومحمد ابنه بتبدي، محمد اللي من بعد ما الناس طلعوه من النار وهو مابقاش زي الأول، محمد بقى بيصرخ وبيتشنج وبيتكلم مع ناس مش موجودين، واستمر على الحال ده فترة كبيرة، لدرجة إن ابوه وداه لكذا مصحة نفسية قضى فيهم فترات كتير، تقريبا ست سنين، ومن كان شهر بس، ابتدا محمد حاله يتعدل ويتكلم، بس كان بيتكلم بالعافية زي ما انت عارف بسبب الصدمة اللي اتعرضلها، بس صدقني..ياريته ما اتكلم، محمد لما اتكلم كان بيقول إنه بيشوف امه واخته، وكمان لما كان بينام جنب ابوه، كان باهر بيقولي إنه بيشوف في الحلم شروق ونجلاء وهم بيضحكوا له، ومش بس كده.. ده كمان قالي إن محمد كان بيشوف ساهر ابني.. ساهر اخو باهر الكبير.. وساهر ده المفروض يعني إنه ميت في حادثة من سنين، ومحمد مايوعاش عليه اصلًا ولا يعرفه عشان يألف الكلام ده كله، وعشان كده انا بدأت اقلق على باهر اللي كان مبسوط باللي ابنه فيه لأنه بكده بيقدر يشوف مراته وبنته حتى لو في حلم او في شكل خيالات بالليل، إنما انا بقى ماسكتتش حاولت اتدخل وقولتله إن محمد لازم يتعرض على شيخ او دكتور نفسي او على أي حد متخصص يفهمنا ماله، المهم إنه مايفضلش بالشكل ده، لكن باهر رفض.. رفض وخد محمد وحاول يعالج طريقته في الكلام ووداه لحد، والحد ده قالي إنه اتوفى، وبعد ما اتوفى راحلك انت.. واستمر في الجلسات معاك لحد ما من كام يوم قالي إن محمد خف وانه جهز ورقهم هم الاتنين وقالي كمان إنه هيسافر وهيرجع للبلد اللي كان شغال فيها قبل ما يتجوز.
-ااه.. وسافر باهر وخد محمد والملف معاه وسابني انا كده مش فاهم حاجة، لا فاهم ازاي ام محمد ميتة وهو بيشوفها وبيشوف اخته وعمه كمان ومن بعدهم خطيبتي، ولا عارف ايه اللي ممكن يحصل معايا في الأيام الجاية.. طب يا حاج معلش، هو ممكن حضرتك تديني اي حاجة او اي رقم اقدر اتواصل بيه مع استاذ باهر!
-والله يا ابني مش معايا اي ارقام له، ده حتى سافر على طول ومالحقتش اسلم عليه ولا اتكلم معاه ولا حتى اطلب منه رقمه.
بصيت للراجل وانا محتار ومش فاهم حاجة ولا لاقي تفسير، انا خرجت من عنده وانا الحيرة والقلق بيزيدوا جوايا، وفضلت تايه ومش مركز لحد ما وصلت بيتنا، ومع فتحتي للباب ودخولي، لمحت ابويا قاعد مع عم رجائي صاحبه، وعم رجائي ده يعتبر اقرب صاحب لابويا، وهو راجل تقي جدًا ومحترم وأزهري، سلمت عليهم وقعدت معاهم وانا ساكت، بس الظاهر ان ابويا لاحظ إن انا مش مركز وعشان كده سألني..
-مالك يا راغب!.. سرحان يعني من ساعة ما دخلت!
لما سألني كنت محتار، والحقيقة انا ماصدقت إنه سأل عشان احكيله اللي عرفته من ابو باهر، وماهمنيش بقى وجود عم رجائي ولا همني اي حاجة، انا فصل احكي واحكي، من بداية معرفتي بباهر وابنه لحد ما قابلت ابو باهر من دقايق، وبعد ما خلصت، بصيت لابويا ولعم رجائي وسألتهم والحيرة في عينيا…
-انا مش فاهم ولا عارف ولا لاقي تفسير، انا خايف.. خايف اموت زي الأخصائي اللي قبلي او او…
قاطعني عم رجائي لما قالي بابتسامة مُريحة…
-بعد الشر عنك يا ابني، ربنا يبارك فيك ويديك طولة العُمر.. لكن خليني اقولك حاجة بقى، انت مش عايز تفسير صحيح ومظبوط للي بيحصل لمحمد وابوه!.. انا هقولك، الولد الصغير ده حصله حاجة من الاتنين، يأما الشقة اللي هم كانوا قاعدين فيها دي، شاف فيها حاجة وهي اللي عملت في أهله كده ووصلته للحالة دي، يأما الانفجار اللي حصل ده كان حادثة واتصدم نفسيًا بسببه وبرضه شاف حاجة وقتها خلته كده، وفي الحالتين خلينا متفقين إنه اتشال عنه الغشاوة، بصيرته اتفتحت، بقى بيقدر يشوف القرين والجن وغيرهم من الكائنات المخفية عن عنينا احنا.
-اه.. منهم قرين مروة، قرين مروة اللي ظهر لمحمد عشان يوصلك حاجة مهمة اوي بابتسامته له، انت مالكش ذنب في اللي حصل يا راغب، مالكش ذنب في اللي حصل لمروة، وهي دي الرسالة اللي بسببها ربنا عزوجل وقع في طريقك محمد، بس ياريتك تفهمها وتعيش حياتك وتدعي لمروة بالرحمة، مش تموت نفسك بالحيا عشان ذنب ماعملتوش!
لما عم رجائي خلص كلامه سكتت، سكتت وفضلت ساكت لمدة أيام، عيدت حساباتي من الأول وبدأت اتغير شوية بشوية وافهم الرسالة، لحد ما في يوم الصبح وانا بفتح الفيس بوك، لقيت رسالة من اكونت غريب معموله لوك او مقفول يعني، الرسالة كان عبارة عن فويس، فتحته وبدأت اسمع اللي فيه وانا مبرق…
“دكتور راغب.. انا باهر والد محمد، لما كلمت ابويا عشان اطمن عليه، قالي إنك روحتله وانه حكالك حكايتي بالتفاصيل، والحقيقة انا خبيت التفاصيل دي عنك عشان ماتعملش زي الدكاترة النفسيين وتقول إن ابني محتاج علاج نفسي لأنه لسه مريض وبيشوف ناس مش موجودين، انا محمد ابني مش مريض نفسي، محمد بسبب الشقة المتعفرتة اللي كنا قاعدين فيها دي، وبسبب اللي حصل لامه واخته، بقى مكشوف عنه البصيرة، او زي ما بيقولوا كده.. بقى فيه شئ لله.. وبصراحة انا مش هخلي ابني يقضي الباقي من عمره ما بين المصحات زي المجانين، وكمان انا مش حزين عليه ولا بخاف منه، ابني طول ماهو معايا، بحس تملي ان امه موجودة معانا وبيخليني اشوفها، سواء في احلامي بقى او في الحقيقة لما بضلم أوضتي بالليل.. وبالنسبة لقلقك، فاحب اطمنك.. اخصائي التخاطب اللي كنت بعالج محمد عنده من قبلك، ماماتش، ده خاف من محمد لما قاله إنه بيتواصل مع الأموات.. وعشان كده قولت لابويا إنه مات واني بعالج ابني عندك، ولما انت كمان ابتديت تخاف منه وتدور وراه، خوفت عليه واستعجلت ورق السفر اللي كنت بحضره وروحت اشتغلت في الشركة اللي كنت شغال فيها وانا شاب.. وبالنسبة لمروة اللي كانت خطيبتك، فمحمد بيقول إنها لما ظهرتله اخر مرة، قالتله يقولك إنك مالكش ذنب في اللي حصلها، زي ما انا كمان ماكنش ليا ذنب في اللي حصل لبنتي ولمراتي، راغب.. ماتدورش ورايا لأني مش هرجع مصر تاني، وحتى الرقم اللي كلمت او هكلم منه ابويا بيبقى دايمًا مقفول.. عيش حياتك وانساني انا وابني.. ابني اللي عمره ما كان مجنون او مريض نفسي، محمد عنده بصيرة، والبصيرة دي خلته يشوف الميتين ويتكلم ومعاهم، يعني تقدر تقول من الأخر كده، إن ابني بقى صديق ليهم.. صديق للموتى، سلام”
تمت
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي
قصه صديق الموتي