قصص

قصه عمارة البنات

قصه عمارة البنات “الشقة دي ملعونة، حصلت جواها أسوء جريمة ممكن تسمع عنها في حياتك، وبسبب الجريمة دي، العمارة كلها فضلت فاضية لوقت طويل”
ده كان كلام عم عطية لعمرو.. بس قبل ما اقولك هو مين عم عطية وليه قال كده، خليني الأول اعرفك على عمرو.
عمرو هو شاب عنده حاليًا ٢٥ سنة، عايش في دولة عربية، وهي مش مصر بالمناسبة.. عمرو من ساعة ما وعيي على الدنيا وهو بيشتغل، تقريبًا من وهو عنده ١٥ سنة، كان متعود دايمًا يروح مدرسته كل يوم الصبح، ولما يرجع منها، كان بيروح يساعد والده في محل البقالة بتاعه، كان راجل، يعتمد عليه، ورغم إنه كان اصغر اخواته، ألا إن ابوه كان معتمد عليه في الشغل بشكل كامل، وده ببساطة مش لأنه شاطر وراجل وبس، لا.. ده كمان لأن اخواته الكبار كل واحد منهم شق طريقه، اللي اشتغل مدرس، واللي اشتغل محامي، واللي سافر برة عشان يشتغل في مجال هو بيحبه، وهكذا.. لكن وسط ده كله، الاخوات ماكنوش خايفين على ابوهم ولا كانوا شايلين هم شغله، وده لأنهم بيثقوا في عمرو.. عمرو اللي لما الايام مرت وخلص تعليمه وخد شهادته، رفض انه يشتغل في أي وظيفة، ده قال لابوه انه هيفضل مستمر في شغله معاه في محل البقالة او السوبر ماركت بتاعه، لكنه بعد ما اتخرج وخد أعفا من الجيش لسبب طبي، طلب من والده انه يساعده في جوازه من البنت اللي بيحبها، طاهرة.. وحصل، والد عمرو راح معاه واتقدموا لأهل طاهرة اللي كانت زميلته في الجامعة، واتخطبوا، ومن بعد الخطوبة، ابتدت رحلة التدوير عالسكن.. كانوا كل يوم تقريبًا بيشوفوا شقة شكل، بس في كل مرة الموضوع ماكنش بيكمل لسبب معين، يعني مرة عشان الشقة سعرها غالي اوي، ومرة عشان الشقة ضيقة او في عمارة قديمة، وفضل عمرو ومعاه خطيبته على الحال ده لحد ما في يوم جه سمسار لعمرو، جاله السوبر ماركت. السمسار ده قال لعمرو انه عارف انه بيدور على شقة تكون تمليك ومساحتها كويسة، وفي نفس الوقت يكون سعرها حنين، وببساطة كده ومن الاخر، هو راح له عشان عنده الحل، او للتوضيح اكتر، راح له عشان عنده الشقة اللي عمرو بيدور عليها.
طبعًا وقتها عمرو طار من الفرحة وقال له يلا وريهالي حالًا، وطبعًا السمسار ماستناش، خد عمرو معاه وراحوا شافوا الشقة.. الشقة اللي كانت في عمارة جديدة بس فاضية، كل شققها مش ساكنة، ويمكن السكوت والهدوء وعدم وجود سكان، كل دي اسباب خلت عمرو يقف ويسأل السمسار، هي ليه العمارة فاضي بالشكل ده؟!.. وقتها ابتسمله السمسار وقاله بكل تلقائية ان العمارة دي كانت شققها متأجرة، بس فجأة كده صاحبها مات والورثة مشوا السكان لأنهم عايزين يبيعوا شققها بيع نهائي، ولما سأله عن سعرها القليل، قاله إن السعر ده بسبب ان الورثة مستعجلين عالبيع، وهم كده كده ناس اغنيا، يعني مش هيدققوا في موضوع الفلوس.
عمرو صدقه، او نقدر نقول انه عمل نفسه مصدقه، اصل بصراحة الشقة كانت لُقطة، وعشان كده بعد ما سمع كلام السمسار، طلع معاه وبص على الشقق.. العمارة كانت ست أدوار، كل دور فيه شقة واحدة بس، والشقة مساحتها كبيرة ومتشطبة تشطيب كويس جدًا!
بص عمرو على الشقق مع السمسار لحد ما رسي الوضع على إنه حابب شقة الدور التالت، وبعد ما اتفقوا على الفلوس وكل حاجة، طلب عمرو من السمسار انه يجي بكرة مع خطيبته عشان يشوفوا الشقة، وفعلًا جُم وشافوها وخلصوا العقد وابتدوا يفرشوها كمان، وفي خلال كام شهر بس، كان عمرو متجوز طاهرة.. مر اول اسبوع من جوازهم في سلام ما بين فسح وسفريات، كان اسبوع عسل بالمعنى الحرفي، لكن بعدما الاسبوع ده خلص، راحوا شقتهم وابتدوا يعيشوا فيها، او للدقة يعني، طاهرة هي اللي ابتدت تعيش فيها لأن عمرو بدأ ينزل شغله، ومع اول يوم لطاهرة في الشقة الجديدة، شافت اللي خلاها قريبة جدًا جدًا من الموت!
طاهرة يومها كانت نايمة طول النهار، لانها اتعودت على السهر مع عمرو طول الاسبوع اللي فات، ولما صحيت على المغرب ودخلت المطبخ عشان تجهز الأكل لجوزها، ابتدت تسمع في الشقة اللي فوقها على طول صوت نكش وخطوات، وكأن الشقة فيها سكان مثلًا او في حد في المطبخ بيجهز أكل!
استغربت طاهرة لأنها عارفة إن العمارة فاضية ومافيهاش سكان، بس لما الصوت فضل مستمر وعشان ماتخوفش نفسها، قالت ان وارد جدًا تكون الشقة اللي فوقيها اتباعت وجه فيها سُكان جُداد، وده كان بالنسبة لها خبر سعيد الحقيقة، ما هي كده خلاص، مش هتحس انها عايشة لوحدها في عمارة طويلة عريضة، واخيرًا هيبقى ليها جيران تتصاحب عليهم ويتصاحبوا عليها، لكنها بعد ما حطت الأكل على النار وخرجت قعدت في الصالة عشان تتفرج على التلفزيون، سمعت خطوات رجول طالعة ونازلة على السلم!
ولما بقول رجول، فانا مش بقصد حد طالع او نازل وخلاص، ده زي ما يكون في اكتر من حد طالعين ونازلين على السلم بسرعة رهيبة.. وفي وسط اصوات الخطوات، فجأة سمعت صوت بنت بتصرخ بصوت عالي وبتقول الحقوني!.. الصوت كان جاي من الدور اللي فوق، وده معناه إن السكان الجُداد (بحسب ما اقنعت نفسها يعني).. فيهم حد او بنت، بتتعرض لأزمة.
ماقدرتش طاهرة تسكت ولا تقول انا ماليش دعوة، دي بجدعنتها وطيبتها المعتادة، راحت ناحية باب شقتها وفتحته وابتدت تبص على الدور اللي فوق، الدنيا كانت ضلمة، ماكانتش شايفة حاجة، لكن صوت البنت اللي بتستغيث، كان زي ما هو، لا وكمان زاد عليه صوت بنت تانية بتعيط بشكل هيستيري!
ماستنتش طاهرة، دي خدت مفتاح شقتها وتليفونها المحمول وقفلت الباب، وطلعت جري على فوق عشان تشوف مين البنتين دول وبيستغيثوا من ايه، لكنها اول ما طلعت ووقفت على العتبة السلالم اللي بتطَلع للدور اللي فيه الشقة، اتفاجأت.. الشقة بابها كان مقفول والنور اللي قصادها كان مطفي، لا وكمان بسبب نور البسيط اللي جاي من الشباك اللي وراها، قدرت تشوف تراب كثيف عند باب الشقة!.. وقفت في مكانها لثواني وهي مستغربة، واللي زاد استغرابها وزود الرعب في قلبها، هو صوت البنتين اللي سمعته من جوة الشقة، كانوا بيعيطوا وبيصرخوا وكأنهم طالبين المساعدة!
اتشجعت وطلعت السلم، وبمجرد ما وصلت عند الباب وقبل ما تخبط، حست بهوا سخن جاي من جوة الشقة، وكأن الشقة جواها حريقة مثلًا!.. ولحظة احساسها بالهوا ده، حست كمان بحاجة غريبة اوي، حركة ورا ضهرها!
بلعت ريقها اللي كان بدأ ينشف بصعوبة، ولَفت.. لَفت عشان تتفاجئ بأبشع منظر شافته من يوم اتولدت.. وراها بالظبط كانوا واقفين بنتين، واحدة فيهم اكبر من التانية، ماكانتش قادرة تحدد ملامحهم بالظبط بسبب العتمة، لكنها كانت قادرة تشوف كويس اوي بقع الدم اللي على فساتينهم.
وقفت متلجمة في مكانها، زي ما يكون الزمن وقف بيها، وقبل ما تفكر تنزل وتطلب المساعدة من حد، او حتى تسأل البنات دول انتوا جيتوا ازاي او جيتوا منين، ابتدوا يقربوا منها.
طلعت تليفونها عشان تنور بكشافه وتشوف هيئتهم، وبمجرد ما عملت كده ونورت الكشاف وشافت وشوشهم وهم بيقربوا منها، الدم اتجمد في عروقها!
البنتين بشرتهم كان لونها غريبة، جلدهم لونه أبيض وفيه بعض الأماكن الزرقا بشكل مُلفت، اما عينيهم بقى، فكانت بيضا تمامًا!
في اللحظة دي واول ما شافت اشكالهم، ماقدرتش تقاوم، جسمها واستيعابها ماقدروش يسعفوها، وفجأة وغصب عنها، غابت عن الوعي.
ولحد هنا خلونا نرجع لعمرو.. عمرو على الساعة ٩ بالليل كان رجع البيت وهو قلقان، اصله بقاله ساعات بيتصل بمراته وهي مابتردش، بس لما وصل البيت وفتح باب الشقة ومالقاش مراته جواها، ابتدا يتصل بيها، وهنا كانت الصدمة والمفاجأة بالنسبة له، عمرو سمع صوت رنة موبايل طاهرة من برة الشقة، ولما فتح الباب، سمع الصوت جاي من الدور الرابع.
طلع جري عشان يتفاجئ بطاهرة واقعة على الأرض وفاقدة الوعي.. شالها ونزل بيها لشقتهم وحاول يفوقها، لكنها كانت في حالة صعبة اوي، هي ماكانتش بس فاقدة الوعي، دي كمان كانت عمالة تتشنج وتهزي بكلام هو مش فاهمه، وعشان كده وبسبب حالتها الصعبة دي، كلم عمرو دكتور هو يعرفه واتصل بأهلها واهله، وبعد دقايق كانوا جُم.. وطبعًا بعد ما الدكتور كشف عليها، قال انها شكلها كده اتعرضت لصدمة عصبية او مفاجأة شديدة، وهي اللي خلتها توصل للحالة دي، وعلى كلٍ يعني، هي خدت حقنة مهدئة وهتفوق بعد ساعات، واللي قاله الدكتور حصل، طاهرة فاقت بعد الساعات، لكنها فاقت وهي بتصرخ، ولما امها وجوزها وابوها قربوا منها وسألوها عن اللي حصل لها، حكت لهم اللي شافته، وبعد ما حكت، قالت لعمرو انها مستحيل تقعد في العمارة دي ولو ثانية واحدة، اكيد العمارة دي مسكونة والبنات اللي شافتهم دول مش بني أدمين.. ايوه، هم لا شكلهم ولا هيئتهم يقولوا إنهم بني أدمين أبدًا.
حاول عمرو يهديها ويقولها انه هيعملها كل اللي هي عايزاه، بس هي أصرت انها تمشي وتروح عند اهلها لحد ما عمرو يبيع الشقة دي، ويشوفلهم شقة في أي عمارة تانية.. وحصل، طاهرة بعد أصرارها مشيت مع اهلها ورجعت بيت ابوها، اما عمرو، فبدأ يسأل على العمارة، سأل ناس كتير، لف في المنطقة وحاول يسأل الجيران، لكن كلهم كانوا بيقولوا له رد واحد من غير تفاصيل كتير.. (سيب العمارة وامشي، من غير ما تسأل كتير).. معظم الناس قالوا له كده، إلا واحد، الراجل ده إسمه عم عطية وبيشتغل حلاق، كان راجل كبير، ورث المحل بتاعه اللي في المنطقة من زمان عن ابوه.. ولما عمرو سأله عن العمارة، حكى له بالتفصيل عن اللي حصل في العمارة.. او بالتحديد يعني، اللي حصل في الدور الرابع منها.
الشقة اللي في الدور الرابع كان عايش فيها راجل موظف، الراجل ده مراته كانت ميتة وسايبة له بنتين، واحدة عندها ١٥ سنة، والتانية عندها ١٣ سنة، بس الراجل ده كان له أخ اصغر منه سلوكه مش متزن، اتعود يشرب كتير ودايمًا كان بيضرب مراته وابنه اللي عنده خمس سنين، ومع الوقت، مراته اتطلقت منه وخدت الولد يعيش معاها، وبعد طلاق الاخ من مراته، حياته اتدمرت اكتر، ساب شغله كسواق وابتدا يستلف من كل الناس، ولما ماحدش بقى راضي يسلفه، اضطر انه يسرق، وفضل على الوضع المنيل ده لحد ما في يوم راح لاخوه وهو سكران، خبط على بابه وقاله انه عاوز يتكلم معاه، فبحسن نية الاخ دخله بيته، لكنه بعد ما دخل وقعد مع اخوه في الصالون، نفذ كل اللي كان مخطط له.
الاخ طلع من هدومه حبل، وعلى غفلة، وقف ورا اخوه وخنقه بكل قوة وموته، وبعد ما عمل كده، دخل على البنات اوضتهم وقعد اتكلم معاهم، وبحركة سريعة ضرب دماغ البنت الكبيرة في حيطة من حيطان الاوضة عشان تفقد الوعي، ولما البنت الصغير صرخت وراحت فتحت باب الشقة وكانت ناوية تخرج، جري وراها وكتم بوقها وخنقها وموتها، وبعد ما سحبها ورجع بيها لأوضتها هي واختها واتأكد انهم ماتوا، عمل معاهم علاقة قذرة شبهه، وبعد ما خلص مع الاتنين، سرق كل الفلوس اللي في البيت والحاجات الغالية ونزل جري، بس وهو نازل وبسبب اصوات الدربكة، الجارة اللي في الدور الاول شافته، وبسبب جريه ولانها عارفاه وعارفة سلوكه، طلعت تطمن على الراجل وبناته، ولما خبطت ولقتهم مابيفتحوش، بلغت البوليس اللي جه وخرج جثثهم وحقق، وبعد التحقيق اتقبض على الاخ واتعدم، لكن الموضوع ماوقفش لحد هنا، ده كل يوم وفي نفس معاد الجريمة، الناس بقوا بيسمعوا اصوات صرخات وصوت حركة على السلم، وكمان بعض الجيران، قالوا انهم شافوا البنات على السلالم بالليل، وفسروا الموضوع ده بأن الجثث فضلت فترة محطوطة على السلم لحد ما عربية المستشفى جت خدتهم للمشرحة، وبسبب كل البلاوي اللي ظهرت في العمارة دي، وبسبب الكارثة اللي حصلت، ولأن العمارة كانت شققها ايجار، فالناس سابوها ومشيوا، وفضلت مهجورة لشهور وماحدش بيسكنها بسبب السُمعة اللي طلعت عليها، بس لأن عمرو غريب ومش من المنطقة، فماكانش يعرف حكاية العمارة دي.. بس بعد ما عرف الحكاية واتأكد من كلام عم عطية، راح للسمسار واتخانق معاه وفسخ العقد وخد فلوسه، وبعد ما عمل كده، قعد في شقة ايجار هو ومراته طاهرة اللي فضلت لشهور بتتعالج عند دكاترة نفسيين وشيوخ من اللي شافته، وعلى فكرة.. هم مازالوا بيدوروا على شقة تمليك سعرها معقول، اما العمارة نفسها بقى، فمع الوقت ومع وجودها زي البيت الوقف كده، اصحابها هدوها وبنوا مكانها جراج، والجراج ده الحراس بتوعه، بيقولوا انهم احيانًا ومن وقت للتاني، بيشوفوا اشباح البنات وكمان شبح ابوهم.. بس انتوا تفتكروا ايه.. هل اللي حراس الجراج بيقولوه ده حقيقة، ولا مجرد تهيؤات من حكاوي الناس عن اللي كان بيتشاف في العمارة قبل ما تتهد؟!
تمت
#محمد_شعبان
#عمارة_البنات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى