القصة كاملة
قدري اختارني أكون واحد من سكان إحدى المناطق الشعبية، اللي الحكايات الموروثة فيها مسلمات ملهاش تكذيب، وإن فكرت تعترض، هتقابل وابل من التوبيخ والتهزيق .. إلخ.
فاتربيت إن الطقس المتبع لأي مولود جديد لازم نسيب سكينة تحت راسه، ونشيله جوه غربال ونفضل نرفعه وننزله ونهبده في الأرض!. أما إن جت وقفة العيد الصغير، فلازم نوقف ورا أبواب الشقق، أو البيوت وفي المداخل، ونمسك غطيان الحلل ونخبط عليها عشان نمنع العفاريت، اللي هيخرجوا من حبسهم لأن رمضان خلص! وحاجات كتير غير كده، يمكن دي حاجات بسيطة، وممكن استوعبها، لكن الأغرب، إن أي مرض أيا كان، فهو راجع للحسد، أو المس الشيطاني، أو الأعمال والسحر، حتى لو نزلة برد، فده حسد، هو فيه غيره؟!.
عشت على كده سنين كتير من عمري، لحد ما ربنا كرمني وبقيت دكتور، وقررت وقتها إن أباشر مهنتي من خلال الحي اللي عشت واتربيت فيه، كنت دايما عندي قناعة إن فيه مشكلة نفسية ورا قناعتهم وأفكارهم، مش مجرد حكايات موروثة، لأن فيه حاجات كانت بتحصل وأنا صغير مكنتش فاهمها، إنما لما كبرت، كان لازم أتدخل واغير كل حاجة..
وفي يوم، كان عيد ميلاد بنت واحد جارنا، وأنا كنت بعزه جدا لأنه خدوم، وعلى قد حاله، وبما إني الشخص المميز في الحي لأني دكتور، فكنت بحب دايما أكون قريب من الكل، عشان مفيش حد يحس ولو للحظة اني اتغيرت عليهم..
خلصت شغلي في المستشفى الصبح، وعديت على محل حلويات جبت منه تورتة وعليها صورة للبنت، الحاجات دي بتفرح الأطفال، وأخدت التورتة وروحت على بيت “رواش” عشان عيد ميلاد بنته “منة”. دخلت وكان الأهالي كلهم متجمعين وتقريبا كانوا في انتظاري، حطيت علبة التورتة في وسط الترابيزة، وأول ما فكيتها وكبار السن شافوا صورة البنت عليها، كأنهم شافوا عفريت، قالت أم نوح وهي بتضرب فوق صدرها بايدها:,
_ يالهوي يا دكتور! عايز البت تموت؟!
وقالت أم مصطفى وهي بتمصمص شفايفها:
_ آدي اللي خدناه من العَلام.
وقالت أم رواش بخوف:
_ يا ولدي البت كده متعش، نقطعها حتت بالسكينة، ده فال مش حلو ويجيب الفقر والموت..
مكنتش عارف أرد أقول ايه، مكنتش فاهم أصلا حاجة عشان أرد! وساعتها قرب مني الحاج أبو رواش، وشاور لي أخرج وراه من المكان اللي كنا فيه، وقفنا في الشارع، ولع سيجارة وقالي:
_ متزعلش يا ابني، بس انت عارف ان تفكير أهلك وعادتهم مش هتتغير أبدا، أصل بيقولوا إن لما يتحط صورة حد على تورتة وتتقطع ده بيعمل مشاكل.
ابتسمت له واستأذنته ورجعت البيت عندي، واليوم فات على كده، نمت ونسيت الحكاية كلها..
عدت سنة .. وجه نفس اليوم مرة تانية، وفي عيد ميلاد البنت، جابت واحدة من الجيران تورتة للبنت الصغيرة، وكان عليها صورتها، وبرغم كده مفيش حد اعترض، خمنت إن ده راجع إنهم حسوا بالذنب لما كسفوني قبل كده، فمحبوش يكسفوا “منار” اللي كمان عدت ال٣٥ من عمرها ومحصلش نصيب واتجوزت، فكان السكوت والتقبل من الكل، عشان منار متتحرجش، وإن الهدية مقبولة، وكفاية إن البنت الصغيرة مبسوطة وفرحانة..
عدى اليوم بخير، في فرحة وسعادة، اليوم ده بس، لأن اللي بعد كده كان بؤس وحزن، مرض وخوف.
بعدها بيوم واحد، اتصل بيا رواش قبل الفجر بساعة، استغربت ورديت بسرعة، ولقيته منها وبيقول لي:
_ الحقني يا دكتور إبراهيم، البت بتروح مني، منة بتموت!.
نزلت من البيت جري على بيت رواش، ولما طلعت عنده، لقيت منة اللي عندها ٩ سنين في حالة هستيرية، عمالة تكسر كل حاجة حواليها، ومفيش حد قادر عليها، لا أبوها، ولا أمها ولا حتى الجيران اللي بدأت تتجمع!، البنت عروقها كلها بارزة، وشها أحمر زي الدم، عنيها بيضا والنن الأسود مش موجود، اتلمينا كلنا حواليها، ٥ رجالة وقدرنا نسيطر عليها، ورجعت البيت بسرعة جبت حقنة مهدئة ورجعت ادتهالها، فنامت وغابت عن الوعي، هدوء ساد الكل، كأنهم كانوا في حرب، كل واحد قعد ياخد نفسه..
كسرت الهدوء وقولت:
_ دي حالة صرع يا رواش، انت ملاحظتش عليها أي حاجة غريبة قبل كده؟
هز دماغه في حسرة بالنفي، حالة البنت كانت غريبة عليا، لو مع حد كبير حتى، مش هيبقى بالقوة دي! رجعت قولت لرواش:
_ من الصبح هنروح بيها على المستشفى، نعمل شوية فحوصات، وتبقى تحت الملاحظة. ووافق..
تاني يوم روحنا المستشفى، عملنا كل الفحوصات ورجعوا البيت، وكنا لازم نستنا ٣ أيام عشان النتايج، وليلتها بليل، روحت عشان أزورهم، فلقيت منة بتقول لي:
_ عمو إبراهيم، بص سيرا صاحبتي.
كانت بتتكلم على عروسة قماش في ايديها، بصيت للعروسة باهتمام وقولت:
_ الله .. جميلة أوي، مين جبهالك دي يا منة؟
فردت باستغراب:
جاب لي إيه؟
_ العروسة.
_ عروسة ايه؟ دي مش عروسة، دي سيرا، بس هي قدام الناس بتعمل نفسها عروسة، بس هي حقيقية.
جارتها في الكلام وسألتها:
_ سيرا عندها كام سنة بقى؟
_ قد ماما، هي كبيرة.
_ واتعرفتي عليها امتى؟ انتي مقولتليش عليها قبل كده.
_ هي جات لي يوم عيد ميلادي، كانت ساكنة في التورتة.
سكتت فجأة، عينيها برقت وابيضت، جسمها اترعش والعروسة وقعت من ابديها، اتشنجت، لزقت ركبتيها في بعض، وعضم أيدها بدأ يتحرك كأن جيلاتين مش عضم، في وسط ذهول مني ومن أبوها وأمها، بصت ناحيتنا وقالت بصوت بشع وغليظ:
_ منة ملكي أنا .. ومفيش حد هياخدها مني.
وفجأة منة جريت ناحية الشباك، وسبحان الله اللي ألهمني، ولقيت نفسي بجري وراها، ولحقتها قبل ما تنط، واخدتها ووقعنا على الأرض، جسد البنت كان جمرة نار، وفضلت تنتفض، والمرة دي كنت عامل حسابي وشنطتي معايا، وقدرت اديها حقنة مهدئة، فنامت، وسعتها أمها قالت بغضب وخوف:
_ أنا قولت .. وأهلنا كمان قالوا، إن تقطيع صورة البت فوق التورتة هيجبلنا الشياطين والفقر .. البت اتلبست، ده جن لبسها، معقول الأذية تخرج منك انتي يا منار؟! ده انت كنت بقول عليكي أختي..
قاطعتها بسرعة:
_ يا أم منة استهدي بالله بس، جن ايه وتورتة ايه؟ اصبري بس يطلع الصبح، نطمن على البنت، وبعدها نسمع منها براحة ونفهم معنى الكلام اللي قالته، وبعدها نجيب منار لحد هنا ونسألها، مع إني مش مقتنع، بس عشان ترتاحي..
اقتنعت مريم “أم منة” بكلامي، ورجعت البيت وأنا بصراحة بفكر في كلام منة، ورد فعلها وحركتها، الصوت اللي خرج منها، وشخصية سيرا، وعضمها اللي كان عامل زي السفنج! الموضوع كان غريب جدا، وواضح إنه وراه حاجة كبيرة، ولازم افهمها.
………….. …….. …………..
تاني يوم الصبح روحت على بيت رواش، قابلت منة، وسألتها:
_ ايه أخبار سيرا يا منة؟
سألتني باستغراب:
_ سيرا مين؟!
_ سيرا .. العروسة اللعبة
_ مش عارفة انت بتقول ايه؟ مين سيرا يا عمو إبراهيم؟
رد رواش وقال لي:
_ سألتها برضو قالت كده، والأغرب إن العروسة اختفت!
مكنش قدامي غير إني أرضخ لطلب والدة منة ونروح بيت منار، وبعد ربع ساعة تقريبا كنا عند منار في البيت، قابلتنا والدتها وعلى ملامحها حزن الدنيا كله، وعنيها منفخة من كُتر العياط، ولما شافتنا مقدرتش تمسك دموعها وقالت:
_ منار بتضيع مني، معرفش ايه اللي صابها، من يوم ما رجعت من عيد ميلاد منة وحالها اتشقلب، لا بتاكل ولا بتشرب، حبست نفسها جوه اوضتها، وبتكلم نفسها طول الوقت، و..
قطع كلام الحاجة “سميحة” أم منار، ظهور من وخروجها من أوضتها، ومرسوم على وشها ضحكة غريب ببلاهة شديدة، تحت عنيها أسود بطريقة مبالغ فيها، ووشها كأنه جلد على عضم! منار مكنتش كده أبدا، ولولا إنها هي ووالدتها عايشين لوحدهم، كنت قولت أن دي مش منار! وقبل أي كلمة من أي حد فينا، قالت منار بطريقة حد تايه ومغيب:
_ مش بكلم نفسي .. أنا بكلم سيرا، سيرا صاحبتي، هو أنا مجنونة عشان أكلم نفسي؟
زعقت مرة واحد وكملت:
_ انت فاكرني اتجننت ولا ايه يا إبراهيم، أنا مش مجنونة، سيرا هنا، هنا ومش هتسيبني، ولا هتسيب منة، سيرا هتموتنا يا إبراهيم، هتموتنا..
بدأت تخبط وتكسر وهي عمالة تصرخ إن سيرا هتموتهم أو هتموتنا زي ما كانت بتقول، ولما والدتها وأم منة مسكوها، وقعت على الأرض وفقدت الوعي!!.
فضلت أفكر وأنا بقول لنفسي إن الموضوع أغرب من العجب، سيرا، عروسة، ملامح متغيرة، هذيان وتخاريف، جن وعفاريت، هو ايه اللي بيحصل بالظبط؟ معقول تكون حالة “مرض الإيحاء”؟! اتولدت فكرة بسيطة، كبرت مع الوقت، لحد ما الناس شافتها من المسلمات، وبالتالي؛ فأي حاجة بتحصل في حيز الفكرة بتؤول ليها، فإذا كانت الصورة على التورتة فال سيء، أو شوم زي ما بيقولوا، فالمترتب عليه إيحاء بكوارث ومصايب، حالة مرضية تصيب العقل، فتستجيب باقي الأعضاء! بس هنرجع لسؤال مهم .. العروسة وسيرا؟
طلبت من رواش أننا نرجع بيته ونسيب الستات مع بعض وبعدين نرجع لهم، وسألته في الطريق:
_ أنا عارف إن منار متعلقة بمنة أوي، بس أنت ملاحظتش أي حاجة غريبة مؤخراً؟
_ زي ايه يا دكتور؟
_ زيارات متكررة وكتير في أوقات قريبة مثلا، هدية، سمعت أي كلام بينهم بالصدفة، أي حاجة يا رواش.
_ أن فعلا، منار طول الوقت مع منة، سواء عندي في البيت أو منة بتروح لها.
كنا وصلنا بيت رواش، وسألت منة:
_ مكنتيش بتشوفي طنط منار بتعمل أي حاجة غريبة؟
_ كانت ساعات كده تقعد تكلمني عن صاحبتها، اللي عايشة في البيت الواقع اللي جمب بيتهم.
_ اسمها سيرا يا منة صح؟
_ أيوة يا عمو إبراهيم، عرفت إزاي؟
_ سيرا اللي عايشة جوة العروسة، وبتخرج منها وتقعد مع منار وبقت صاحبتك، صح؟
_ أيوة .. طنط منار ادتني العروسة وقالت لي إني أنا وسيرا هنكون اصحاب، لأن عيد ميلادها يوم عيد ميلادي، وقالت لي كمان، إن هي خايفة عليها أوي، فهتشيلها عندي، لأن مامت منار، بتخاف منها، وبتتخانق مع منار بسببها، وأنا خبيتها عندي، بس معرفش راحت فين! كده طنط منار هتزعل مني.
سيبنا منة مع جدتها ورجعت بسرعة لبيت منار بعد ما كلام منة اداني حل اللغز. منار بتعاني مرض نفسي، مرض الخيال، اللي مرتبط بواقع، واقع معين العقل وقف عنده، وبيفصل عن العالم في لحظات معينة، لما ذكريات للشخص بترجعه للحدث ده، بمعنى أوضح .. منار اتعرضت لشيء ما مع شخصية سيرا، ووقف عقلها عند الذكرى دي، وكل مرة في أوقات معينة، لما الوقت بيسمح لمنار أنها تفتكر الذكرى دي، بتنفصل عن العالم الحقيقي جواها..
وصلنا لبيت منار وكانت فاقت، سألتها بعد ما اطمنت عليها ولقيت حالتها مستقرة:
_ ممكن تحكي لي اللي حصل لسيرا؟
الدموع سقطت من عنيها بمجرد ما ذكرت الاسم، وقالت:
_ كنت أصغر من منة بسنتين، وفي يوم نزلت اجيب لبابا الله يرحمه دوا لأنه كان تعبان أوي، كنا بعد العشاء، واليوم ده كان الجو ساقعة أوي، والشارع سكوت تام والجو يقبض القلب، ولما عديت وأنا راجعة من جمب البيت الواقع المهدود اللي جمبنا، شوفت اللي عمري ما هنساه، ٥ أشخاص بيدفنوا بنت صغيرة تحت انقاض البيت، ولما لمحتهم جسمي اترعش وخوفت، ووقعت ازازة الدوا من ايدي، فخدوا بالهم،واتنين منهم جريوا ورايا، بس أنا جريت ودخلت البيت، كنت بعيد عنهم شوية فلحقت أهرب، لكني سكت ومقدرتش اتكلم، كنت خايفة احكي لحد، اعتقدت اني لو اتكلمت هما هيعرفوا، ويدفنوني معاها..
بعد ٣ أيام من الحادثة دي، كنت بسمع صوت بنت بينادي عليا وهي بتقول:
_ منار، أنا سيرا، ممكن نكون أصحاب؟ أنا مش زعلانة منك لأنك سكتي، بس متسبنيش لوحدي هنا، أنا مش عايزة أكون لوحدي..
وكفضول طفلة، مرة مع مرة، لقيت نفسي في يوم بخرج من شباك اوضتي اللي بيطل على مكان ما كانت بتدفن، وساعتها ملقيتش حاجة، غير عروسة قماش مرمية فوق حطام البيت، وكنت اقفل الشباك وانام وأنا خايفة، لكن زي ما قولت لك، فضول الأطفال ورجاءها مني نكون اصحاب، دفعوني اروح واطلع فوق الحطام من غير ما حد يشوفني، واخد العروسة، وجبتها هنا معايا البيت، وليلتها، وأنا بحاول أنام، ويا دوب جيت أغمض عنيا، سمعت صوت البنت بيقول لي:
_ منار .. أنا بحبك أوي، واحنا أصحاب، متخافيش مني، اصحي هخليكي تشوفيني..
فتحت عيني، وجسمي اتشل، لقيت بنت في نفس سني واقفة في وشي، ملامحها حلوة اوي، لابسة فستان أحمر جميل، ورابطة شعرها ببندانة نفس لون الفستان، قربت مني وانا بتعرش وقعدت على طرف السرير وقالت:
_ خدوني من المدرسة وخطفوني، ولمسوا جسمي، وبعدها ضربوني لحد ما راسي كلها بقى فيها دم، حتى شوفي..
لمست راسها بكف أيدها من ورا، وخرجتها مليانة دم!! فصرخت، وساعتها حطت أيدها على بوقي وقالت:
_ متخافيش، أنا صاحبتك، ومش هعمل زي الوحشين دول، بس لو مبقتيش صاحبتي، هتموتي زي ما أنا مت..
ومن يومها وانا كل يوم بشوفها، بكلمها، مبتفارقنيش، حسيت اني انعزلت جوه عالم تاني معاها، وكان كل ما يجي عريس يجي مرة وميجيش التانية، ومكنش حد بيقول أي سبب، مكنتش عايزة أني مكنش معاها، أو حد ياخدني منها، ولما سألتها ليه بتعملي معايا كده، فقالت:
_محاولتيش تساعديني، شوفتيهم وهما بيدفنوني وهربتي، ولحد اللحظة دي لسه خايفة، الخوف اتملك منك، لا قدرتي تحكي لحد عن اللي موتوني، ولا حتى عني واني بظهر لك، خوف وراه خوف، ووراه خوف، لحد ما الخوف سجنك جواه.
اترجتها تسيبني، فقالت:
_ هسيبك، أنا مش عايزة أعرفك اكتر من كده، بس لازم تعرفيني على صاحبة تانية، وساعتها همشي.
وبعد عيد ميلاد منة لما رجعت هنا لقيت العروسة اختفت، ودخلت جوه خوف أكبر وسؤال: يا ترى راحت فين؟ ومين ممكن يتأذي بسببي، مبقتش أكل ولا اشرب، بقيت على حالتي دي..
ابتسمت لها وأنا بقول بأسف:
_ راحت لمنة يا منار، انتي في اللا وعي ادتيها لمنة من غير ما تحسي، خوفك قادك بدون شعور انك تتخلصي من العروسة لأقرب حد ليكي، الشخص اللي مش هيشك فيكي نهائي، خوفك هيأ لك إنك هتتخلصي منه، وهو بيعمل لك سجن أكبر، سجن الإيحاء!!. بس أنا عارف هعمل ايه دلوقتي..
قومت جريت وورايا رواش ومريم، روحت لبيتهم وأخدت العروسة، ورجعت لمنار اخدتها للبيت المحطم، أو المهدود، واجبرتها على كده، لأنها طبعا كانت خايفة، ولما روحنا شاورت لي على المكان اللي شافتت البنت ادفنت فيه، حفرت أنا ورواش وكام جار تاني من اللي كانوا واقفين، ومحبتش انبش في أي حاجة، دفنت العروسة، ورجعت التراب تاني، وحطيت فوقه كام حجر، وطلبت من اللي واقفين يقروا الفاتحة، وكل واحد يخرج أي صدقة بسيطة لروح ادفنت هنا من ٢٥ سنة ومحدش يعرف عنها حاجة، الكل بيبجل الدكتور ومستحيل يرد له كلمة ولا يسأل ما دام الدكتور طلب عدم السؤال، ورجعت البيت وأنا بفكر في المرض اللي مكنتش اتخيل اني اتعرض له، لكن لما فكرت لقيته أكتر مرض نفسي منتشر حوالينا، “مرض الإيحاء” دعوى الحريات حسب الهوى، انتشار الفجور بدافع التطور، التنمر بدافع الموضة، الكتابات البذيئة للمراهقين، الحجاب مش فرض، وتمردك على أهلك واجب لأنك حر، اضرب ابوك، اشتم امك، سب الكبير والصغير، شط عن كل ما هو مألوف، شكك في القرآن، والسنة، بدافع حرية التفكير، ولو شخص خالف الهوى يبقى منبوذ، وكل ما هوى متمرد ناجح، وكل من هو متمسك أو حتى بيحاول وبيجاهد للقرب من الصح يبقى مخالف لهوى العوام..
تمت..