قصص

قصه غرفة 106

قصه غرفة 106 أنا فادي سمير من لبنان، طالب بكلية الطب، واللي هحكي دلوقتي في مستشفى جامعية في لبنان
لما كنت نازل فيها تدريب بالسنة الاخيرة من كلية الطب… المستشفى دي بالذات كانت مشهورة بدور في مركز عناية فائقة، وثلاجة موتى.. مشرحة يعني، الحقيقة الدور ده ماكنش حد بيطلعوا بليل غير بعض الناس، حتى اللي شيفتاتهم بليل مش بيخشوا ناحية ثلاجة الموتي، لكن الغريب إن محدش كان بيحكي هو بيشوف إيه؟.. كل اللي كان بيسأل بتشوفوا إيه، بيكون ردهم بسيط وهو اطلع جرب.. معرفش، قلبك أبيض.. أه والله كان في ناس بيقولوا كده، متفهمش في إيه بيحصل فوق لده كله، بالنسبالي فأنا كنت بتدرب في الأستقبال فماكنتش بروح ناحية الدور ده إطلاقًا، لكن يشاء القدر إني هنول شرف التجربة المرعبة دي وهشتغل في الدور بتاع العناية الفائقة.. واللي أكتشفت بعدين إنه في أوضة للعب الأطفال في نفس الدور بعد ماطلعته، متفهمش إزاي يعني حاطين الميكس الغريب ده مع بعض.. أهم حاجه بقى في كل اللي قولته إن المركز والأوضة بتاعة الأطفال والمشرحة اتقفلوا، بالذات المشرحة اللي اتقفلت وبأقفال كمان.. وإتفتح الدور ده للمرض اللعين، الفيروس اللي أرعب العالم كله ومازال.. فيروس كورونا، وقتها الدور إتفتح كدور عزل تام للمرضى.. ووقتها الحالات ماكنتش كتيرة فالأوض ماكنتش كلها مليانة في الدور، بالعكس كان في كذه سرير فاضي، أنا بقى كانت مهمتي إيه.. فهي كانت بسيطة، بس على قد ماهي بسيطة فهي خطيرة.. لأن أنا اللي بعمل مسحة لكل المرضى ، فأي غلطة كده ولا كده هتعدي، وجه اليوم اللي كان هيحصل فيه الغلطة دي لما خدت المسحة من مريضة اسمها هيام وكانت تعبانة جدًا لدرجة إنها كانت بتطلع في الروح قدامي ، لكنها قالت حاجه غريبة بتهتهة:
-طيف، بشوفوا.. مع طفل، أنا متأكدة… هي هي دي حقيقة ولا أنا بيتهيألي!!.. أنا بموت يا أبني.
في اللحظة دي كنت متوتر جدًا، مكنتش عارف أتصرف أو أقول إيه في موقف زي ده غير إني فضلت أنده على الدكتور المسئول عن الحالة، وقبل ما الدكتور يوصل للأوضة كانت الحالة إلتقطت أنفاسها الأخيرة وأتوفت إلي رحمة الله… كنت خايف جدًا ومرعوب من اللي شوفته قصادي، لأول مره أشوف حد بيموت قدامي وشبه بيهلوس.. الممرضات وناس تانية كتير دخلوا الأوضة ينقلوا الحالة عشان يدفنوها.. وأنا كنت مُغيب في اللحظة دي، خايف، متوتر جدًا لدرجة إني كنت ماشي في الممرات ورجلي هي اللي ممشياني لغاية ما فتحت باب أوضة من الواضح إنه كان مقفول بقاله كتير، والباب ده كان باب غرفة الأطفال اللي مجرد ما دخلتها النور بتاعها نور.. بس متتصدمش لو قولتلك اني مركزتش حتى لما النور نور، وحسيت ان كل شيء طبيعي، لكن اللي مش طبيعي لما حسيت بحد حط ايده على كتفي وقال:
-مالك خايف كده ليه.
بصيت جنبي ملقتش حد… لكن الباب كان اترزع وبدأ طيف يتحرك في المكان ويقول:
انت معملتش حاجه غلط.. بالعكس، هي وقتها خلص… كانت غدارة الست دي، بقى تخيل بدل ما تتقي ربنا في عيالها تقوم مشرداهم في الشارع عشان يجيبولها كل يوم فلوس تبعزقها، وادي جه اليوم اللي المرض الملعون ده جالها وخلاص كان قدرها كده، واهي ماتت وارتاحت.. المهم متضايقش نفسك انت خالص وقوم كمل شغلك ،انت انسان كويس يا فادي.
مسكت دماغي وانا بصرخ وبقول:
-اكيد انا بهلوس، انت مين وازاي بتتكلم في دماغي.. اخرج من دماغي بقى يا أخي.
بدأت ملامحه تتبدل لشخص عينه و شعره كلهم باللون الأصفر، كان شكله مخيف ومختلف عن أي شخص تاني.. اتكلم وقال وهو بيخترق جسمي:
-بتهلوس؟.. لا كل اللي شايفه حقيقة.. الحقيقة الأكبر أن السرير اللي هناك ده بقى يخصني… يعني مش ده الأخير.
في اللحظة دي الباب اتفتح والشيء المرعب اللي مالوش وصف ده كان اتخترق جسمي واختفى، اللي فتح الباب وقتها كان دكتور مايكل اللي أول ما شافني قال:
-انت ازاي تخش الأوضة دي؟؟.. احنا مش مانعين انكم تخشوها ولا ايه؟؟.. و اي الصريخ اللي عمال تصرخه ده!!.. احنا في مستشفى محترمة يا دكتور وعيب تخالف قوانينها.
لكني رجعت.. رجعت على هدوم دكتور مايكل واغمى عليا، اخر حاجه سمعتها منه كانت:
-انت انسان مُهمل.
بيقول عليا مُهمل عشان تعبان.. كلهم افتكروا اني خدت الفيروس فحطوني في اوضة عزل لغاية ماتعملي المسحة وطلعت سلبي الحمدلله.. طبعا مش عايز اقولكوا إني اتجازيت، وتقيمي قل في التدريب، لكن ده مش هيخليني اهدى وانسى اللي شوفته، بالعكس ده خلاني افكر فيه اكتر عشان اعرف سره..
تاني يوم اتنقل راجل جديد لنفس اوضة العزل ،والغريب انه منقول من اوضة تانية.. في الوقت ده افتكرت كلام العيان اللي شوفته انه بيختارهم لدرجة اني حاولت كتير امنع عملية النقل دي لكن دكتور مايكل منعني.. بل بالعكس ده اداني جزى للمرة التانية، ده غير موجة الزعيق اللي خدته منه في الوقت ده.. لكن اللي كنت حاسس بي حصل بالفعل وبدون أي مقدمات تذكر بعد خمس ساعات من وجود المريض الجديد في الأوضة الملعونة بدأت أصوات صرخات عالية تطلع من الأوضة اتبعها هياج في المكان بسبب اللي حصل.. في اللحظة دي وبعد ما وصلنا كلنا الأوضة لقينا الممرضة واقعة على الأرض وهي عمالة تبص للسرير وهي مبرقة بشكل مريب، لكن قبل ما حتى أبص على السرير أشوف في ايه لقيت دكتور مايكل بيزعق وبيقول:
-قتلتي المريض!!!… بتشيلي الأجهزة ليه عن المريض؟!!!
بالفعل لما بصيت على السرير أشوف في ايه لقيت الأجهزة كلها مفصولة عن المريض، ده غير الدم اللي كان مغرق السرير… في اللحظة دي بدأت وداني تنمل، حسيت برعشة خفيفة في ايدي الشمال اتبعها رفة خفيفة في عيني.. حسيت وقتها ان الزمن واقف بيا، سامع صوت زعيق دكتور مايكل للممرضة لكنه كان بعيد عني، الصوت مش واضح، لكن في صوت تاني كان واضح.. الصوت ده كان صوت الشيء اللي مالوش تفسير لما بدأ يعرف عن نفسه ويقول:
-أنا عبد السميع سمعمع.. والراجل ده عبد التواب، كان راجل بتاع شرب وستات فماكنش ينفع يعيش.. يرضيك يرجع كل يوم وش الفجر يضرب مراتة، لا و الجبان لما بنته تدخلت رماها من الدور العاشر من غير اي رحمة، وزي أي أم في الكون خدت نفسها ورا بنتها، ويشاء القدر انهم يكونوا سايحين بدمهم في حضن بعض بمشهد درامي حزين انتهى بقفل القضية على انها حالة انتحار لتعب اعصاب الأم بعد تلقيها جلسات وعلاج نفسية على مدار الفترة اللي فاتت، كل ده وسط بكاء شديد من الأب على فراقهم وفراق قرة عينة كارول بنته زي ما بيقول.. بعد ده كله عايزني اخلي يعيش!!.. مش ده اللي ياخد فرصة، في ناس كتير تانية ليها حق في الفرصة دي ومش بياخدوا.. بس افتكر، الأوضة دي بتاعتي.. أوضة 106.
في اللحظة دي فضلت اصرخ واقول:
-مش من حقك.. مش من حقك تنهي حياة حد حتى لو شيطان.. أنت أكيد مختل.. مختل ولازم تتعالج.
-المختلين دول انت اللي عايش معاهم، حتى اسمع كده.
بعدها كل شيء رجع لطبيعته مره تانية، لكن المرادي كانت الأوضة كلها ساكته.. باصيين ناحيتي وهما مصدومين.
بعدها دكتور مايكل لف ضهره ليا وقال:
-هو مين اللي انهى حياته الراجل ده؟
-انهى حياته؟.. مين اللي انهى حياته؟
-انت اللي لسه قايل كده من ثواني.. بقولك مين اللي انهى حياة الشخص ده.
الممرضة في الوقت ده اتكلمت وقالت:
-عبد السميع.. هو عبد السميع، انا شوفته وهو بيقفل كل الأجهزة حاولت امنعه لكني لقيت نفسي على الأرض والمريض كان عمال يختنق وهو باصصلي بصة بشعة وبيقول سامحيني يا كارول..
دكتور مايكل اتكلم وهو في قمة عصبيته وقال:
-عبد السميع مين يا مجنونة انتي.. عبد السميع مات بقاله سنتين، مات في ال..
نطقت وقولت:
-ماتكمل يا دكتور وقفت ليه؟.. مين عبد السميع ده..
كمل كلامه بصوت واطي وقال:
-في الأوضة دي.
بعدها رفع صوته وهو بيقول:
-انتو اكيد مجانين ومخططين لكل ده مع بعض، بس شوفوا بقى الشرطة هتصدق التخاريف الي عماليين تقولوها دي ولا لا…. يا أمن، اطلبولي الشرطة.
تخيلوا كل ده في اوضة عزل لمرض مالوش علاج لدرجة ان الشرطة اول ما وصلت قبضت علينا، لكن قبل القبض كان لازم تفريغ كاميرات الأوضة الأول، وأول مابتدوا يفرغوا في الكاميرات كانت الممرضة معايا في نفس الأوضة لما سألتها وقولت:
-هو مين عبد السميع؟؟.. اكيد انا مش مجنون وكل اللي شوفته ده حقيقة صح؟
لقيت الممرضة كملت كلام وقالت:
-من سنتين بالضبط في المشرحة هنا كان شغال عبد السميع.. وعبد السميع ده كان عاجز، لا كان بيتكلم.. ولا حتى كان بيسمع.. ده غير ايده اللي كانت عاجزة.. لكنه كان نبيه جدا وشاطر في شغله زيادة عن اللزوم وده اللي خلى الدكاترة يسيبوه يساعد في المستشفى عشان يصرف على ابنه (وحيد)، اللي للأسف كان هو كمان مش بيتكلم ولا بيسمع.. وفي يوم وعبد السميع شغال في المشرحة بصدر رحب وحامد لربنا لقى جثة داخلة عليه لطفل لم يتخطى العشر سنوات مات ضحية تنمر زملائه له عن طريق انه رمى نفسه قصاد عربية… والطفل ده كان وحيد ابنه، الكلام ده كان بعد ما المدرسة اتصلت بي كتير لكنه زي مانا قولتلك مش بيسمع والتليفون كان بعيد عن نظره، وقتها عبد السميع دخل الاوضة دي وكانت نهايته الأنتحار لأنه كان حاسس بالذنب وانه السبب في كل اللي حصل.. مش هنسى لحظة ما دموعه نزلت لما شاف الجثة… كانت دموعه بتصرخ بكل حرقة تعبيرًا عن كل اللي جواه، ومن ساعتها والاوضة دي بالذات مقفولة لغاية ماتفتحت عشان العزل، او مش مقفولة هو كنا بنتجنب اننا نعمل حاجه فيها…..
سمعت كل ده وماكنش في اي حاجه اقدر اعبر عنها الحقيقة، فضل طول عمره مبيتكلمش لغاية ماتكلم وسط الظلام… الظلام اللي خرجنا منه بعد ما الكاميرات اثبتت ان اللي قفل الاجهزة كان المريض مش الممرضة ولا حتى أنا، من ساعتها والأوضة دي اتقفلت مبقاش بيخش فيها حالات لكن صوت عبد السميع كان دايمًا وسط ظلام المستشفى مسموع.. صوته اللي مطلعش غير بعد موته
بقلم : اندرو شريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى