قصص

قصه فويس نوت

أنا واقِع في مُشكِلة كبيرة جدًا! ومحتاج مُساعدتكم ونصايحكم!
مُمكِن؟
بس معلِش… خليني أبدأ لكم الموضوع من الأول عشان تبقوا فاهمين كُل حاجة…
الموضوع كُله بدأ برسالة على الواتس آب، رسالة من رقم غريب مش متسجِّل عندي، فتحت الرسالة ولقيت جواها فويس نوت، كان طويل شوية، حوالي عشرين دقيقة.
ضحكت وأنا بقول لزميلي في المكتَب: “وصلني فويس نوت تلت ساعة تقريبًا من رقم غريب، هي أم كلثوم نزِلت أغنية جديدة ولا حاجة؟”.
ضحك وهو بيقولِّي: “سيبَك منهم وركِّز في الشُغل، لازِم نخلَّص المشروع دا، وبعدها هنسمَع التراك الجديد بتاعها سوا”.
وهو كان عنده حق… دا أهم مشروع مسكته الشركة عندنا في الفترة الأخيرة، وكان لازِم أركِّز لأن النهاردة آخر يوم لينا والتسليم بُكرة الصُبح بدري، مفيش وقت خلاص!
***
بعد حوالي ساعة وشوية وقفت من على المكتَب، فردت ضهري وأنا بقول لزميلي: “أنا خلَّصت خلاص، إنت أدامك كتير؟”.
قالِّي من غير ما يبُص ناحيتي: “لأ، نُص ساعة بالكتير، هانِت خلاص”.
بصيت في موبايلي وأنا بقولّه: “أنا هطلَع برا أجيب قهوة، عايز؟”.
وللمرَّة الأولى رَفَع عينه من على اللاب توب بتاعه وقالِّي: “دا سؤال؟ طبعًا عايِز”.
قُلتله: “سادة بُن تقيل كالعادة.. صح؟”
مد إيده في جيبه وكان على وَشَك يطلَّع فلوس، بس أنا شاوِرت له وقُلتله: “عندي أنا الطلعة دي، خلَّص إنت عشان نلحَق نروَّح، هجيب القهوة وأجيلك”.
هز راسه ورجع يكمِّل شُغل، وأنا خرجت طلبت قهوة من كافيتريا قُريِّبة وقُلت ألعب في تليفوني شوية، لمحت الفويس نوت الطويلة، قُلت أسمعها وأسلِّي نفسي لحَد ما القهوة تجهَز، حطيت الهاند فري في ودني… وضغطت زرار التشغيل!
***
«مساء الورد يا حاتِم… إزيَّك؟
يا رب تكون بخير! فكَّرت أبعَت لك اللي عايِز أقوله في رسايِل مكتوبة، بس حسيت إن لأ، أنا محتاج أتكلِّم معاك، محتاجك تسمَع صوتي من أول كلمة هقولها… لآخر كلمة هقولها…
أنا عارفَك كويِّس أوي، حاتِم محمد البغدادي… مُهندِس شاطِر جدًا في واحدة من أهم الشركات الموجودة مؤخرًا، متجوِّز ومخلِّف تلاتة، ولدين وبنت، عايِش في بيت هادي في كومباوند متطرَّف شوية، ولادك في مدارِس إنترناشيونال، ومراتك ست بيت أد الدنيا، أسرة صغيرة سعيدة زي الكِتاب ما بيقول…
ولادك شاطرين في الدراسة، وما شاء الله… موهوبين كمان!
عمَّار كابتن فريق الكورة في مدرسته، وبيلعَب في ناشئين نادي مشهور.
حسن عازِف في الأوبرا ومن أشطَر الناس الموهوبة في سنه.
وحبيبة… رسَّامة شاطرة أد الدنيا، الناس مستغربة هي جايبة الموهِبة دي منين.
بس أنا مش مستغرَب… لأن أنا عارِف إن هي وارثة الموهِبة دي منَّك، رغم إنك بطَّلت ترسم من زمان… من زمان أوي…
وزي ما عارِف عن سر الرسم دا كمان… عارِف عنَّك أسرار كفيلة تدمَّر حياتك…
وعشان أثبِت لك إني عارفك كويِّس، إنت دلوقتي بدأت تتوتَّر، جسمك ابتدى يتملي عرق بارِد، رجلك الشمال بتترعش رعشة خفيفة، ريقك ناشِف.
بس إهدا… إهدا… أنا بس كُنت عايز أثبِت لك إني عارفك كويِّس، وعارِف إنك قبل ما تكون حاتِم… المُهندِس الشاطِر، كُنت حاتِم… أشطر مزوِّر في مصر!
إتوتَّرت أكتر… صح؟
استنى بس… مش دا بس اللي عارفه عنَّك، أنا عارِف عنَّك حاجات أكتر، حاجات تدينَك، وتودِّيك في داهية، بس أنا مش جاي أهدِّدك أو أبتزَّك، أنا مش عايِز منَّك حاجة… بالعكس إنت اللي عايِز مني…
أوعِدَك هتفهَم في الآخر!»
***
باشمُهندِس حاتِم؟ باشمُهندِس حاتِم؟
اتنين قهوة… سادة بُن تقيل، ومظبوط مغليَّة؟
***
تجاهَلت الويتر اللي بينادي، وشاوِرت له يستنى شوية، وكمِّلت الفويس نوت!
«فاكِر عبد الغفَّار يا حاتِم؟
إيه السؤال دا؟ أكيد فاكره طبعًا، وهو عبد الغفَّار يتنسي؟
بس برضه البني آدم نسَّاي، فخليني أفكَّرك شوية برضه، عبد الغفَّار دا كان أقرَب صاحِب ليك، شريكك في كُل حاجة، صاحبك من أيام الطفولة، وشريكك في أيام الشقاوة، إنت ترسِم الفلوس وتزوَّرها… وهو ياخُدها وينزل يصرَّفها في الشوارِع، ويرجَع لك آخر اليوم بالغلَّة… وبتقسِّموها سوا النُص بالنُص، لحَد ما دا إتغيَّر في يوم…
كان في الأوتوبيس كالعادة، والكُمسري قفشه، كان متعوِّد يركَب الأوتوبيس، يدفَع ورقة مضروبة بمية، وياخد الباقي فكَّة سليمة، وينزل يركَب أتوبيس غيره، وهكذا لحَد ما يفك الفلوس المضروبة كلها ويبدلها بفكَّة سليمة، ساعتها… على حظه، مش بس الكُمسري عرف إنها مضروبة، لأ… دا كمان كان فيه عسكري في الأوتوبيس ساعتها، صاحبَك نط من العربيَّة… والعسكري وراه، قطع نفسه جري، ولولا عبد الغفَّار كان محظوظ… مكانش عرف يخلع منه.
لمَّا رجع كان متبهدِل ونفسه مقطوع، وحَصَل بينكم نقاش طويل عن أد إيه هو بيتعَب وإنت قاعد في البيت على طـ… على طرف الكُرسي، وبما إن هو اللي بيعمِل الجُزء الأخطر والمُتعِب، وبالتالي… هو اللي يستحِق نسبة أكبر من الفلوس، وإنت كُنت مُختلِف معاه… هو يدوب بينزل يصرَّف الفلوس بس، إنما إنت اللي بترسم وتطبَع… يعني من غيرك مكانش هيبقي فيه فلوس يصرَّفها أصلًا!
وحَصَل بينكم نقاش راقي ومُحترَم جدًا، انتهى بيه واقِع على الأرض دماغه مفتوحة وقاطِع النفس، وإنت واقِف فوقه وماسِك في إيدك حتة حديدة غرقانة دم، ساعتها… إنت استوعِبت حاجة مُهِمَّة… عبد الغفَّار مات!
وعشان تخلَص منه… رُحت دفنته في تُربة، وخدت ندر على نفسك تبعد عن التزوير والمشي البطَّال.
زي ما قُلتلك… أنا مش جاي أبتزَّك ولا أهدِّدك، بصراحة… أنا جاي أضيَّع وقتك شوية.
ليه؟
هقولَّك!»
***
باشمُهندِس حاتِم؟
قهوتك بردت! تحب أعمِّلك غيرها؟
***
شاوِرت للويتر بنفاد صبر، وركِّزت أكتر في الفويس نوت، صوته كان واضِح وهو بيكمِّل كلامه..
«شوف… لو هنصَحك نصيحة، هقولَّك غيَّر الكومباوند اللي إنت ساكِن فيه، مش أمان خالِص، تخيَّل عرفت أدخُل ببطاقة مضروبة؟!
وبسهولة وصلت لبيتك، أنا برضه مش سهل خُد بالك، اخترت وقت أنا عارف كويِّس إنهم كُلهم في البيت… ما عدا إنت!
وهو دا اللي أنا كُنت عايزه بالظبط، دلوقتي بعد ما خلص دوري… جه دورك!
تعالى يا حاتِم… اركب عربيتك وتعالى حالًا…»
***
باشمُهندِس حاتِم؟ باشمُهندِس حاتِم؟
القهوة يا باشمُهندِس! أعمل فيها إيه! أبعتها لك على المكتَب؟
***
ركبت عربيتي وطلعت ناحية البيت بسُرعة عُمري ما مشيت بيها قبل كدا.
وهو… كان بيكمِّل كلامه في ودني:
«أول ما تدخُل البيت هتلاقي هانِم… مُدبِّرة المنزل بتاعتكم، واقعة على باب البيت، بس غالبًا مش هتلاقي دماغها للأسف، هي اللي غبيَّة… أول ما فتحت الباب، شاورت لها تسكُت، شافِت الساطور في إيدي، ورغم كدا… قرَّرِت تصرَّخ وتجري، وقبل ما تفهَم… راسها طارِت في الهوا وإتدحرَجِت تحت الكنبة، ولسَّه هناك… هتلاقيها لمَّا تروح!
صوت صرختها اللي مكملتش، لَفَت نَظَر هنا مراتَك، خرجِت من المطبَخ عشان تشوف هانِم بتصرَّخ ليه..
ساعتها شافتني، كانِت لسَّه لابسة مريلة المطبَخ، ماسكة في إيدها اليمين سكينة تقطيع، وفي إيدها الشمال بصلة، تقريبًا كانِت بتقطَّعها، ولسبب لا يعلمه إلا الله… الحاجة وقعِت من إيدها، وبدأت تعيَّط، قرَّبت منها، حاولِت تهرَب، بس أنا كُنت أسرَع منها، مسكتها من هدومها من ورا، ولفيت المريلة حوالين رقبتها… وبدأت أخنقها بيها، حاولت تتنفّس، حاولت تفهَم بس حتى هي بتتخنق ليه، بس أنا مكانش عندي استعداد أتفاهِم معاها…
فإنت كدا أول ما هتدخُل هتلاقي هانِم على باب البيت، وراسها تحت الكنبة.
وهنا مراتَك على باب المطبَخ وشها أزرق والمريلة ملفوفة حوالين رقبتها.
بس استنى أنا لسَّه مخلصتش!»
***
“إنت مش شايفني عاطي إشارة شمال؟ يعني هدخُل شمال يا ابن الـ…”
مش وقتك… مش وقتك… مش وقتك… أنا عارِف إنه كان عاطي إشارة وإن اللي عملته غلط وإني كدا كُنت هتسبِّب في حادثة كبيرة، بس مش وقتك!
زوِّدت سُرعة العربية ومشيت زي الصاروخ ناحية الكومباوند!
***
صوته كان بيخلي قلبي يترعش وهو بيكمِّل كلامه بمُنتهى الثقة.
«طلعت على الدور اللي فوق، أوض الولاد… صح؟
مكُنتش عارِف كُل أوضة بتاعة مين، بس أكيد الأوضة اللي بابها بمبي وعليه ورود وفراشات دا باب أوضة حبيبة، قرَّرت أسيبها للآخر، فتحت باب أول أوضة لقيتها، وشُفته… كان قاعِد أدام الكومبيوتر بتاعه، لابِس السمَّاعة بتاعته على ودنه، ومُندمِج في لعبة زي بابجي كدا، بيتكلِّم مع زمايله في المايِك، محسِّش بيَّا لحَد ما وقفت وراه، توقَّعت إنه هيشوف انعكاسي على الشاشة، بس لأ… هو كان مُندمِج في اللعبة لدرجة إنه مخدش باله، خبَّطت على كتفه بالراحة، ساعتها… لف وشّه وشافني، شاف الساطور والسكينة في إيدي، مكانش محتاج وقت أكتر من كدا عشان يفهَم، قام من مكانه، قلع السمَّاعة وجري من جنبي، سبته يجري… أنا كُنت محتاج أحرَّك جسمي شوية، نزل يجري على السلم، بس الغريبة إنه كان بطئ… مع إنه في فريق الكورة! يمكِن الخوف هو اللي كان عامِل فيه كدا… المُهِم إني لحقته في نُص السلم تقريبًا، ضربته بالسكينة في ضهره، وقع على السلم واتدحرج على السلم لحَد ما وقع تحت، وعلى ما نزلت له… كان مقلوب على وشه… وميت!
كدا فاضِل حسن… وحبيبة… صح؟
أنا قرَّرت ألعَب معاك لعبة لطيفة أوي، لمَّا توصَل البيت مش هتلاقيني طبعًا، بس هتلاقي مُفاجأة لطيفة مستنيَّاك!
في الدور اللي فوق… هتلاقي حسن مربوط في أوضته، وفيه مُسدَّس متثبِّت على راسه.
وفي البدروم اللي تحت… هتلاقي حبيبة مربوطة، وفيه مُسدَّس متثبِّت على راسها.
طيب فين اللعبة؟
هقولَّك أنا… لو فتحت باب أوضة حسن… المُسدَّس اللي متثبِّت على راسه مش هيضرَب، بس المُسدَّس اللي متثبِّت على راس حبيبة… هيضرَب.
ولو فتحت باب البدروم… المُسدَّس اللي متثبِّت على راس حبيبة مش هيضرَب، بس المُسدَّس اللي متثبِّت على راس حسن… هيضرَب.
ولو قرَّرت تتصل بالبوليس أو تتأخَّر شوية قبل ما تاخد القرار… أنا هخلي المُسدّسين يضربوا في نفس الوقت وهتخسَر الإتنين، التكنولوجيا خلَّت كُل حاجة سهلة أوي يا حاتِم… تخيَّل أقدَر أتحكِّم في المُسدسَّات بأبلكيشن على الموبايل؟
الموضوع دلوقتي في إيدك…
تختار تنقِذ حبيبة… وتضحي بحسن!
ولا تختار تنقِذ حسن… وتضحي بحبيبة!
ولا تختار تتأخَّر في اتخاذ القرار… وتضحي بالإتنين!
صحيح… قبل ما أخلَّص كلامي عايز أقولَّك حاجة مُهِمة… عارِف إيه اللي بيفرق أي حد شاطِر عن أي حد تاني؟ إن الشاطِر لمَّا بيعمل حاجة… بيتأكِّد إنه عملها صح، يعني أي حد مُمكِن يقتِل، لكن اللي يفرِق القاتِل الشاطر عن القاتِل الخايب هو إن القاتِل الشاطِر هيتأكِّد إن ضحيته ميتة فعلًا قبل ما يدفنها في تُربة!
أنا كُنت لسَّه عايِش يا غشيم!
عرفتني… أنا عبد الغفَّار اللي إنت دفنته حي لمَّا فكرته ميت، بس أنا حي… وجاي أنتقم منَّك.
قولِّي بقى… هتختار حبيبة؟ ولا حسن؟
***
أنا دلوقتي واقِف أدام باب البيت، الفويس نوت خلصت، وأنا واقِف مش عارِف أعمل إيه!
أنا واقِع في مُشكِلة كبيرة جدًا! ومحتاج مُساعدتكم ونصايحكم!
مُمكِن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى