ما يتم إخفائه خلف الأسوار وبعيد عن الأنظار لأبتعاد جريمة ما عن أعين الشرطة يجعله الزمن وحشًا مفترسًا يلتهم من حوله.
أنا ياسر ناصر، عندي عشرين سنة وساكن في القاهرة.. لكن وقتها كان فصل الصيف دخل علينا وكنا عايزين نقضي صيفنا السنادي في اسكندرية في أي شقة تأجير، لكن أبويا فاجئنا وأجر لينا ڤيلا بالعجمي ومش عايز أقولكوا بقى مدى الأنبساط والأنبهار اللي حسينا بي لما أبويا قالنا الخبر ده.
تاني يوم كنا في اسكندرية وبينا وبين الڤيلا خطوات قليلة، الڤيلا كانت مكونة من دورين وجنينة واسعة، واسرة سعيدة مكونة من خمس أفراد أب وام وولدين وبنت، أول ما دخلنا الڤيلا وريحنا شوية بدأنا رحلة الأستكشاف أنا وأخويا سامر في الڤيلا لغاية ما ابويا نده علينا من بعيد وقال:
-في بدروم تحت فيه طرابيزة بلياردو وبينج لو عايزين تنزلوا تلعبوا.
بعدها سمعنا صوت أمي وهي بتقول:
-يا سيدي يا سيدي.. طب انزلوا أنتو وأنا هنزلكوا العصير تحت.
بالفعل نزلت أنا وسامر للبدروم واللي كنت حاسس بي وقتها إن قلبي مقبوض جدًا، بمعنى أصح مكنتش مرتاح بالذات إنه كان مضلم، فبصيت لسامر جنبي أقوله نطلع أحسن لكنه كان إختفى من جنبي، وفي لحظة ضوء شديد ضرب في المكان، من الخضة رجعت خطوتين لورا وخبطت في شخص.. بتلقائية صرخت من الفزعة اللي كنت فيها، إتبع صوت الصرخة دي سامر وهو بيضحك بهستيرية وبيقول:
-ايه يا ياسر يا كبير، انت خايف ولا ايه.
عدلت نفسي وقولت:
-خايف!!.. لا خالص انا اتخضيت لما لقيتك مش جنبي.
-اتخضيت بس!!.. عامتا تعالى طرابيزة البلياردو أهي وصراحه مفيش أحلى من اضواء السهر اللي شغالة دي نلعب عليها وأهو اتمرن عليك شوية.
-تتمرن عليا!!.. تتمرن على مين يابني، ده أنا بكسبك من وانت في اللفة.
ضحك وقال:
-ماهو عشان كنت في اللفة، تلاقيك كنت بتلعب بدالي فبتخسرني.
بعدها والدتي دخلت علينا وهي بتقول:
-ايه الأضواء دي، اطفوها وشغلوا نور عادي، هو ده بيت ولا بار..
ملحقتش تخلص الجملة الا والعصير كله اتدلق على طربيزة البلياردو، بعديها طفينا الضوء اللي كان شغال وشغلنا انوار عادية لقينا الطرابيزة كلها اتبهدلت، فبدل ماكنا هنلعب.. بقينا هنضف الطرابيزة، بعد تنضيف استمر لساعة تقريبًا اتبقى أثار للعصير، لكن من الواضح إن ده مكنش بواقي عصير، ده كان شيء معلم في الطرابيزة من قبل كده، ومن الواضح إنه عدى علي الشيء ده زمن، المهم قعدنا نلعب لغاية ما كان في تقريبًا كورتين بلياردو بس والكورة البلاك، وبدون أي مبرر كورة دخلت وكورة تانية رسيت قصاد الكورة البلاك والكورة دي كانت البيضة.. يمكن شرحي بسيط شوية يعني عشان الكل يفهم، المهم سامر لف ضهره وقال:
-ايه ياعم الخم ده، ازاي يعني الكورة دخلت البوكت بالسرعة دي، احنا هنضحك على بعض من اولها.
-ياعم خم ايه، الهوا اللي زقهم، واظن في القانون مفيش حاجه اسمها الكورة لو اتحركت من مكانها نعيد.
-ااااه، امين ياعم ياسر، العب وجبها بس.. في الأخر الكورة هتطلع بره زي عوايدك.
بالفعل جهزت الأوستيك بتاعي ولسه هلعب لكني لقيت حاجه بقوة شديدة خبطتني في راسي لدرجة إن وشي لزق في الطرابيزة أكنه عمل إستيكر.. كنت سامع صوت سامر بيضحك بهستيرية وبيقول:
-اديك المرادي مضيعتهاش لا وكمان خبطت في اللمبة.
مكنتش قادر انطق ولا ارد عليه حتى لأني كنت في لحظة اللاوعي مش حاسس بأي حاجه، سامر حس وقتها إن الموضوع مش هزار وخدني لفوق فضلت مريح النهار كله تقريبًا نوم وأنا رابط دماغي أثار الخبطة.. اليوم يعدي على خير وينتهي لغاية هنا؟؟.. بالعكس أول ما الليل بدأ يليل وأنا قاعد على سريري كنت سامع صوت أنين، صوت حد بيصرخ وبيقول:
-ياسر… أنت الأمل الوحيد يا ياسر.
-مين هنا؟؟… مين بيكلمني؟
باب الأوضة بدأ يتفتح ببطيء شديد لغاية ما فتح تمامًا.. قومت أشوف في إيه فلقيت حد شعره لونه أسود جري من قدامي أتأكدت وقتها إنه سامر اللي بيعمل المقلب فطلعت بكل ثقة من الأوضة متوجه ناحية السلالم وبقول:
-خلاص ياعم سامر المقلب اتكشف، المره الجاية بقى متجريش قصاد الباب، انا اه مخبوط في دماغي بس مش اعمى يعني.
في شخص رد عليا لكن الشخص ده ماكنش سامر لأن صوته كان تخين شوية لما قال:
-أنا مش سامر يا ياسر… أنا بيبو، ارجوك ساعدني.
وقتها لقيت باب البدروم بيتفتح ببطيء شديد فحاولت أقنع نفسي بردو إن كل اللي بيحصل ده مش حقيقي، وإن سامر هو اللي مخطط للمقلب لما قولت:
-طب يا سيدي وأنا هساعدك، شوف أنت عايز ايه بس وعنيا ليك.
– البدروم، انزل البدروم وهتعرف كل حاجه.
بالفعل خدت بعضي ونزلت البدروم وكل حاجه كانت طبيعية جدًا فبدأ شعور التأكد إن اللي بيحصل ده مقلب، ولكن دوام الحال من المحال، اللمبة اللي فوق طرابيزة البلياردو اشتغلت لوحدها، وطيف او خيال عدى من قدامي وقتها، رجعت كام خطوة لورا من الخضة لكني سمعت باب البدروم اترزع بعدها اتكعبلت في كرسي كان ورايا، حسيت بشبه هزة ارضية في المكان، لكن بعدين اكتشفت إن اللي بيتهز ده كانت طرابيزة البلياردو وهي بتتحرك من مكانها!!!.. أنت متخيل طرابيزة بالحجم ده اتحركت لوحدها!!.. ده غير ان كان في طيف واقف جنب الطرابيزة ومش باين غير عين الطيف ده وهو باين عليها الغضب اللي مستمرش كتير غير واتحول لنظرات حزن وخوف.. مستنتش أعرف إيه اللي بيحصل غير إني جريت على باب البدروم عشان اخرج من المكان الملعون ده فورًا، أنا مش مستعد يحصلي حاجه بعد ده كله.. بالفعل طلعت وحاولت أفتح أوكرة الباب اللي كانت من الصعب جدًا فتحها لأن من الواضح إن في حد كان ماسك الأوكرة دي من برة، محاولة في التانية الأوكرة بدأت تسخن بشكل رهيب لدرجة إنه حركت كف إيدي فشيلت إيدي وأنا برزع على الباب بالأيد التانية وبقول:
-الحقوني.. أرجوكم الحقوني، يا سااااامر، يا بااابا، حد فيكو سامعني.
لكن في الحقيقة مكنش في اي حد سامعنى في اللحظة دي غير الطيف اللي ورايا لما سمعت صوته وهو بيقول:
-محدش هيسمعك، أنت منعزل عن العالم زي ما أنا انعزلت.
في اللحظة دي بدأت أنوار الأوضة ترعش بشكل مرعب والطيف ده مكمل كلام وبيقول:
-لسه فاكر الليلة بتفاصيلها، فاكر الغدر اللي حصل وقتها.. كنا مبسوطين وبنشرب، هايدي كانت على ايدي اليمين، وهالة على الشمال.. زي كل يوم بنلعب بلياردو والليلة حلوة ولمة أحلى..
فجأة واحده الهواء حرك الكورة ناحية البوكيت وخلاص كنت هدخل الكورة، لكن سيف اعترض إن ازاي الكورة اتحركت احنا نعيد ونرجعها مكانها وماكنش مصدق ان الكورة إتحركت حبة و إن هواء ايه اللي ف بالبدروم ده.. ده لولا الشفاط كان زمانا بنموت.. لكن من الواضح إنه كان شارب جامد ليلتها وده الل كان واضح من شكله ڤانا كملت لعب عادي وفي لحظة لقيت هالة من شمالي بتصرخ بصوت عالي وبتقول لسيف بتعمل ايه يا مجنون.. هتموته!!… لكن ملحقتش أخد حذري أو جنب إلا لما لقيت الأوستيك خرم دماغي بمعنى خرم دماغي، في لحظتها كنت خلاص طلعت في الروح.. هايدي الخاينة مبلغتش عنه بالعكس دارت على اللي حصل هي وهالة، دفنوني في الحيطة لكني عرفت أخد حقي منهم واحد ورا تاني لما جم البدروم في ليلة بعدها بأسبوع، الليلة اللي لقيت نفسي بتنفس وقادر أتحرك تاني ولسه فيا الروح، وقدرت فعلًا أقتلهم، بالنسبة بقى لدفنهم فكان أسهل حاجه لما محمود البواب نزل لقاهم كلهم كده فخاف يبلغ الشركة ودفنهم تحت طرابيزة البلياردو، من ساعتها وأنتوا أول زوار للمكان، إنما انت فبتفكرني بنفسي جدًا أيام شبابي، كنت حماسي .. وكنت بخسر في البلياردو على فكرة بردو.. بس شوف سبحان الله لما جاتلي الفرصة كان موتي أسرع مني.
في لحظة ماهو كان بيتكلم انا كنت بمشي بخطوات بطيئة بحاول الهروب من المكان، لكنه لاحظ ده لما خلص كلامه وقال:
-أنا مش هموتك متقلقش، لو عايز أموتك كنت موتك من بدري.. كل اللي انا عايزه إن أرتاح.. أنا خلاص أخدت بتاري وكل حاجه انتهت كل اللي ناقص إني أرتاح وكل حاجه تنتهي.
نطقت وقولت:
-ماهو يا اللي أنا شايفه وسامعه تهيؤات، يا أنا أتجننت، يا كل ده فعلًا مقلب، فلو ده مقلب بالله عليك يا سامر إنجز واطلع وقول إنه ده مقلب.. أنا ركبي مش شيلاني..
ضحك وقال:
-متخافش. سامر هيجيلك، لكن مش هيقولك إن ده مقلب.. إنما اللي هتقوله انت هو اللي حصل عشان تطلعوني… تطلعوني عشان أنا محتاج أخرج من هنا….
ثواني والنور قطع في البدروم ففضلت أصرخ عشان حد يلحقني وبالفعل سامر كان فتح باب البدروم وبدأ يجري عليا من بعدها سندني وطلعني لفوق.. ماكنتش بنطق ولا كلمة، أبويا كان بيحاول يخليني أتكلم لكنهم فشلوا في ده، فضلت طول الليل صاحي مبرق، باصص للحيطة، عيني بتلمع وحاسس بصوته وهو بيطلب مني المساعدة، نبضات قلبي بدأت تزيد، قومت بكل تلقائية ونزلت البدروم وأنا مش حاسس بأي حاجه، كنت معدوم المشاعر، حاسس إن في حاجه بتحركني زي العروسة… وصلت لطرابيزة فيها درجين، درج مقفول ودرج مفتوح، كسرت الدرج المقفول بعزم ما فيا وطلعت شاكوش من الواضح انه مركون من سنين، وصلت للحيطة اللي في وش طرابيزة البلياردو وفضلت أكسر وأرزع فيها، كلهم نزلوا على الصوت وحاولوا يحشوني من عند الحيطة لكني كنت تور هايج، و محدش قادر يحوشني.. بدأت ملامح كيس أسود وريحة وحشة جدًا تطلع، ده غير حشرات وحاجات غريبة بتطلع من الحيطة..من الريحة كنت هختنق الرطوبة عالية وأنا مش قادر أتنفس.. أغمى عليا ، صحيت وانا على الترولي في المستشفى وحاطين ليا جهاز أوكسجين.. غمضت عيني وأنا مستسلم تمامًا ومصدوم من اللي بيحصل، صحيت أخر مره وانا على السرير وابتسامات على وش ابويا وامي واخويا، لكن واضح من الابتسامات دي إن وراها حزن شديد بالذات أمي .. اخويا بدأ يبتسم ويقول:
-يابن اللعيبة ياض يا ياسر، بقى تكشف جريمة قتل بقالها سنين.. ده أنت إيه طلعت مخبر بصحيح، بس عرفت منين ده كله؟
كان مستني مني شيء صعب وهو إني أرد عليه، كنت بحاول أرد، بصرخ من جوايا وبحارب عشان أرد… لكن كان صعب عليا أرد، كانت حاسس بحاجز.بيني وبين صوتيؤ روحي بتتسحب مني لما بحاول اتكلم.
لكن دلوقتي وبعد مرور شهور بقيت أحسن، وبدأت أتكلم من بعد الصدمة، لكن صوته.. صوته لسه في ودني بيطاردني، باخد أدوية عشان الأصوات دي تبعد عني، والحمدلله على كل حال…
اترك رد