قصص

قصه ليلي و اخواتها

” عز!! مش معقول أنا مش مصدقة عنيا.. أخيرا حنيت عليا و جيت تزورنى.”

قالت هدى الجملة لأخوها عز لما لاقته واقف على باب شقتها..

– غصب عنى و الله يا هدى ما أنتى عارفة المشغوليات اللى الواحد فيها.
– مشغوليات أيه؟؟ مشغوليات عن أختك؟؟ أبقى متجوزة بقالى 3 شهور و متجيش تزورنى؟؟ ده حتى جوزى أفتكر أنك زعلان منه ولا مش موافق ع الجوازة.

ضحك عز و هو بيدخل شقة أخته و فهمها أن لو مش موافق ع الجوازة مكانتش أتجوزت أصلا.. طبعا أخوها و مربيها بعد موت أمها و أبوها.. و عمره ما داس لها على طرف.. بس فعلا شغله المكتبى المرهق بيخليه مش قادر يملك وقته على طول الخط..

“ايه ده يا هدى أنتى عندك ضيوف؟؟”

نطق عز بالجملة لما شاف شابة موجودة فى أوضة الضيوف اللى وقفت و قالت: أهلا و سهلا يا عز.. أنا جيهان صاحبة هدى من أيام الجامعة.. و كنت ماشية خلاص.
عز: لا لا تمشى فين أنا جاى أسلم على هدى و همشى على طول.. ما تقولى حاجه يا هدى؟؟
جيهان: تمشى فين ده أنا مصدقت أنك جيت عشان تنجدنى منها.. دى مذنبانى معاها بقالها شهرين.. جوزها ينزل أنا اجى اقعد معاها لحد ما يجى.. و كل ده عشان ليلى و أخواتها.
عز بدهشة: ليلى مين؟؟
ضحكت جيهان و هى بتقول: هى تبقى تحكيلك بقا.

و مشيت جيهان و سابت عز و هدى مع بعض.. و لما حاول عز يسأل هدى عن موضوع ليلى و أخواتها.. توهت فى الكلام و قامت فرجته على شقتها الجديدة.. و أنبسط قوى لما لقى صورته هو و أخته فى فرحها متعلقة فى أوضتها كنوع من التقدير ليه علشان أدى دوره كأخ و مسؤل عنها على أكمل وجه.. و قعدوا يتكلموا فى مين زارها و مين جالها و يومها عامل أزاى و مبسوطة ولا لأ.. محبش يعنى أنه يجى و يمشى على طول علشان أخته ما تزعلش.. خصوصا أنه قعد 3 شهور مجلهاش من وقت الفرح لدرجة أن جوزها أفتكر أن واخد موقف منه.

و بعد ما أخدوا من وقت قام عز يستأذن.. فمسكت فيه هدى أنه مستحيل يمشى قبل ما جوزها يجى و يتغدوا كلهم سوا.. لكنه أعتذر لظروف شغله خصوصا أنه مكنش مخطط للزيارة دى و حاب يعملها لها مفاجأة يصالحها بيها.. رفضت و صممت أنه يستنى جوزها و يتغدوا سوا و إلا جوزها هيفتكر أنه جه مخصوص يزورها و و هو مش موجود عشان واخد منه موقف.

– كلام أيه ده بس يا هدى؟؟ صدقينى وقتى مش ملكى.. و لو على جوزك أكلمه و أتفق معاه على يوم أجيلكم فيه.
– عشان خاطرى يا عز خليك لحد ما يجى و النبى.

حس عز أن الموضوع مش موضوع غدا ولا غيره.. أكيد فيه حاجه.. حس كده أنه هدى مش عايزة تقعد لوحدها.. طبيعى بيحصل يعنى للعرايس الجداد على ما تاخد ع المكان بس.. لكن ماسكة هدى فيه بتقول أنه فيه حاجه تانية.

– أنتى عايزانى أستنى جوزك ليه؟؟ هو مزعلك ولا حاجه.
– لا لالا خالص و الله يا أخويا.. أنا بس..

حس عز أن هدى عايزة تقول حاجه بس مترددة.. حاول يشجعها بالكلام و يطمنها و أخيرا نطقت..

“أصل بخاف أقعد لوحدى عشان ليلى و أخواتها.”

أفتكر عز الموضوع فجأة فقال: أه صحيح فهمينى بقا أيه حوار ليلى و أخواتها.

قالت هدى بهمس و هى بتتلفت حواليها: دول أشباح.
زعق عز بإندهاش: أشباح!!

– هس و طى صوتك.. أيوه أشباح.. عيال صغيرة بنت و ولدين.. و العمارة كلها عارفة.
– لا و الله؟؟ و أنتى بتصدقى الكلام ده يا هدى؟؟
– دول ساعات بيضربوا الجرس.. أبص من العين ملاقيش حد.
– و الأشباح اللى تحت السن دول جم منين بقا؟؟
– كانوا عايشين ف الدور اللى فوق منى.. من خمس سنين.. أبوهم كان موظف بس كان مضارب ف البورصة.. خسر كل فلوسه.. رجع ف يوم و مراته فى الشغل بره خلص عليهم.

سكت عز شوية زى ما يكون سرح فى ذكرى قديمة و قال: سبحان الله.. ناس بتقتل عيالها و ناس بتتنشق على ضفر عيل.

حست هدى بالأزمة اللى عملتها فقالت: معلش يا أخويا دى حاجات بتاعة ربنا و كله نصيب.

حاول عز يطرد الذكرى و يرجع للموضوع فقال: و أمهم عملت أيه؟؟
– لسة ساكنة ف الشقة.. الحقيقة الست دى جبل.. واحدة غيرها كانت أتجننت.. أنما هى متماسكة و محافظة على شغلها.. أنا بشوفها ساعات ع السلم.. كانت عادية و لطيفة خالص.

كانت حاجه غريبة بالنسبة لعز.. أم تفقد 3 عيال و تبقى بالتماسك ده؟؟ على كل الصبر رزق برضو.. ما هو أهو صابر على اللى فيه و عايش كأن كل حاجه عادية..

” رحت فين خليك معايا.”

قالت هدى الجملة فرد عز: طيب أيه رأيك أنا عندى فكرة تطرد الأشباح خالص.
– بجد يا عز.. قول النبى ايه هى؟؟
– بصى وراكى كده.

بصت هدى وراها بحركة تلقائية فقام عز جرى و فتح باب الشقة و قال بضحك: أنتى فعلا الجواز لحس مخك.. كان بدرى عليكى و الله.
قالت هدى و هى بتجرى وراه عشان تحصله: كده يا عز؟؟ برضو مش مصدقنى.
عز: مش قولتلك عندى فكرة.

بصت له هدى بتساؤل و هو على باب شقتها.. لقيته وقف فى وسط الدور و قال: يا ليلى أنتى و أخواتك تعالوا معايا البيت.. عندى لعب كتير و قاعد لوحدى و محدش هيقولكم حاجه خالص.

و بعدها ألتفت لأخته و هو بيضحك و قال: أيه رأيك ف الحل ده؟؟

بصت له أخته بغيظ و زعل.. لكن كان فيه وراه 3 تانين بيتنططوا من الفرحة علشان رايحين بيت جديد بناء على دعوة من صاحبه.. بيت عز.

########

وصل عز بيته.. بيته اللى عايش فيه لوحده و أسسه و أشتراه بتعبه و شغله كمهندس.. و ف طريق عز لأوضته.. رمى نظرة خاطفة معتاده ع الأوضة الموازية.. أوضة الأطفال.. اللى فرشها بنفسه قبل ما يتجوز لكن محصلش نصيب.. و زفر زفرة سخنة مليانة ذكريات مؤلمة.. و كمل عز طريقه لأوضته.. و بعد ما غير هدومه.. و فتح التلفزيون بس يعمل صوت.. ما هو راجل واحدنى بقا.. الجماعة الواحدنيين كده..تلفزيون يعمل صوت.. راديو يعمل ونس.. الأكل فى التلاجة أى وقت.. أفعال جامدة مفيهاش روح.. الحاجات الحلوة محتاجة ونس أحيانا عشان تحس بيها.. أخته بعد موت أمه بعدين أبوه كانت مالية عليه حياته.. أنكفى عليها يربيها و يعلمها و يحاجى عليها لحد ما أتخرجت من كلية التجارة و بقت عروسة قد الدنيا.. و لما جالها نصيبها عز مبخلش عليها بأى حاجه و جهزها أحسن جهاز و عملها أحسن فرح.. كان بيعتبرها بنته مش أخته..

قام عز من مكانه مع زفرة بركانية و أخد طريقه للمطبخ عشان يعمل فنجان قهوة.. و كعادته فى الطريق رمى نظرة خاطفة لأوضة الأطفال و كمل طريقه عادى.. و فجأة أتسمر فى مكانه و رجع تانى يبص على أوضة الأطفال بتأنى.. كان فيه حاجه متغيرة عن المشهد المعتاد المطبوع فى ذهنه.. بس أيه هو يا ترى؟؟ أهوو.. فيه لعبتين محطوطين عكس بعض.. أخد عز خطوة للأوضة و بص فيها بتأمل.. مفيش حاجه.. يمكن اللعبتين مكانهم كده م الأول بس هو اللى مش واخد باله؟؟ الأنسان فى المواقف اللى زى دى بيعتبر أن عينه اللى بتخونه عشان يعدى الموقف.. و فعلا عدى الموقف و عمل فنجان القهوة و فى رحلة رجوعه بص ع الأوضة بتأنى غير معتاد.. و كمل طريقه لأوضته.. حط الفنجان ع الترابيزة اللى جنب الكرسى الهزاز.. و أستقر عز ع الكرسى و غمض عينيه فى ذكريات قريبة.. من كم سنة.. لما قرر بعد ما أطمن على تخرج أخته و شغلها أنه يفكر يتجوز.. هدى كانت كبرت مبقتش الطفلة الصغيرة اللى رباها.. دى سنة الحياة.. الصغير بيكبر.. و الوحيد بيتونس يا عز.. قال كده لنفسه وقتها.. تربيته لهدى كبرت فيه روح الأبوة.. حس زى ما يكون عطشان يبقى أب.. يبقى مسؤل.. كان من نوعية الرجالة اللى تحب تفتح بيت و تشوف طلبات أهله.. أبوه رباه على كده.. لما كان دايما يوصيه على أمه و أخته.. و أن هو راجل البيت فى غيابه.. و الحقيقة عز كان و نعم الرجال.. فاكر مرة لما ولد فى المدرسة أخد سندوتشات أخته و جت تعيط له فى الفسحة.. وشه أحمرر و شمر درعاته زى أحمد رمزى و فريد شوقى اللى كان بيحب يتفرج عليهم و راح للولد أداله علقة سخنة.. و عرف المدرسة كلها أن هدى ليها أخ ميحبش حد يدوسلها على طرف.. أعدادى ثانوى كان عز يصمم يوصل أخته للدروس و يشوف طلباتها.. كان شارب الأحساس بالمسؤلية من صغره.. و كبر معاه الأحساس ده و أتحول لأحساس الأبوة أكتر من الأخوة تجاه هدى.. و لهفته ع الأطفال.. كان قلبه يطير لما يشوف طفل.. يحاول يلعب معاه و يضحكه.. الأبوة أتغلغلت فيه من غير ما يحس.. و بعد ما أطمن على هدى.. قرر عز أنه يتجوز.. كان فيه زميلة ليه فى الشغل شاف عز أنها مناسبة.. و فعلا أتقدملها و كل حاجه كانت ماشية عال.. جاب الشقه و جهزها هو و عروسته المستقبلية.. و على عكس المعتاد.. صمم عز أن يكون فيه أوضة للأطفال و أشترى محتوياتها بنفسه.. رغم أن الموضة الجديدة مفيش أوضة أطفال قبل الخلفة.. كل اللعب و الصور و الرسومات حتى الفرش.. أشرف عليه بنفسه.. و من ضمن الموضة برضو أختبارات ما قبل الزواج.. و النتيجة؟؟ عز مبيخلفش.. كانت صدمة عظيمة ليه.. لدرجة أنه أعاد التحليل أكتر من 10 مرات.. و النتيجة هى هى.. و رغم تمسك خطيبته بيه بشكل حقيقى.. إلا أن شخصية و عز و كبرياؤه رفضوا ده و لغى المشروع كله.. و عاش وحيد بعد أخته ما اتجوزت فى الشقة دى.. فاكر كويس أنه هدى أخته نصحته يتجوز حد عنده أطفال و ميسبش نفسه كده.. لكن لسبب ما كان رافض المبدأ ده رغم وجهاته.. محبش يكون زى ما قال يبقى “أب روحى” لأطفال تانية.. كان حاسس أن اللى فيه ده زى ما يكون نصيبه من الدنيا.. و هو أرتضى بده و أستعان بالصبر رغم قسوة الظرف الدائم و ما يفجره من حنين مفاجىء لما يشوف أى طفل.. فتح عنيه فجأة و بيمسك كوباية القهوة عشان يشرب.. القهوة بردت.. الذكريات لما بتفتكرها بتسحب الوقت بشكل ملفت.. خصوصا لو ذكريات حزينة.. و بعد تفكير مش طويل.. قرر عز أنه ميعملش فنجان تانى بدل اللى برد.. و ينام أحسن.. و كالعادة.. طفى النور و ساب التلفزيون مفتوح يعمل صوت.. و غمض عينيه و نام.. أو حاول ينام.. بس من أمتى الوحدانى بينام على طول.. أفتكر رفض أخته للجواز خوفا عليه عشان ميبقاش لوحده.. بس أزاى كان يوافق على كده.. هو اللى فيه ده مؤقت عشان أخته متتجوزش؟؟ ده هيفضل كده طول عمره.. ياما حلم بالأولاد وقت ما كان بيجهز بيته مع عروسته.. زى الأفلام الرومانسية القديمة.. كان بيقعد يختار أسامى للأولاد من قبل ما يجيوا.. و يتخانق مع عروسته بلطافة هيخلفوا ولد ولا بنت.. كان نفسه يعلم أولاده كل حاجه حلوة يعرفها و يفرح بيهم و معاهم.. و لما يكبروا هيعملهم أيه و هم صغيرين هيلاعبهم ايه.. تقريبا كان بانى عالم موازى الوقت ده بيتصرف فيه تصرفات أب مسؤل فى مراحل عمرية مختلفة لأولاده.. و….

و فجأة فتح عز عنيه.. و قام قعد على طرف السرير فجأة.. كان حاسس بحركة غريبة غير معتادة حواليه.. هو الوحدانى كده.. يسمع أقل صوت و يحس بأقل حركة.. حواسه دايما منتبهة حتى لو هو مش منتبه.. ضريبة الوحدة بقا.. بس مفيش حاجه حواليه.. يمكن أحساس زائف.. رجع عز و أتمدد فى سريره و غمض عينيه.. و قال فى عقل باله أن الوحدة تعمل أكتر من كده.

########

و تانى يوم صحى عز و بدأ يومه كالمعتاد بفنجان القهوة.. و بعدها الدش الصباحى و نزل على الشغل.. كلمته أخته تصبح عليه كالعادة و بلغته أن جوزها زعل جدا لما عرف أنه جه و مشى.. أعتذر عز ليها و وعدها أنه هيزورها فى أقرب وقت.. كان وعد عادى جدا.. لكن القدر فعلا كان هيخلى زيارة عز لهدى فى أقرب وقت حرفيا.. و بعد يوم طويل و مرهق رجع عز البيت.. دخل من الباب.. و كالعادة كل شىء جامد ساكت.. غول الوحدة يمرح فى المكان.. غير هدومه و بدأ يطلع أكله البايت من التلاجة و حطه قدامه من غير ما يسخنه حتى و فتح التلفزيون…
و.. أيه ده ؟؟ أيه القناة دى؟؟ كارتون؟؟ أندهش عز جدا.. يمكن القناة ترددها أتغير و بقت كارتون.. جاب قناة الأفلام القديمة اللى بيحبها و بدأ ياكل بلا روح.. خلص أكل كالعادة و راح يرجع الباقى فى التلاجة و رجع.. لقى التلفزيون على قناة الكارتون.. غريبة.. و أفتكر فجأة أنه لما صحى النهاردة لقى القناة دى برضو بدل قناة الأفلام القديمة..

“الريسيفر بدأ يخرف ولا أيه؟؟”

قالها لنفسه و هو بيرجع لقناة الأفلام القديمة.. أنشغل شوية ع الموبايل.. حس بتعب خفيف كده من اللى بيخلى الواحد ينام بدرى.. صعب عليه حاله.. فين الونيس اللى يشكى له تعبه ولا ياخد باله منه.. أه من الوحدة يا عز و اللى عملاه فيك.. و الليلة دى حرارته أرتفعت جدا و فضل بايت فى سريره محموم.. لكن فجأة حس بشىء بارد على قورته.. كان فى حالة مرضية مزرية جدا.. يدوب يفتح عينه بالعافية..

“لسه سخن.. هات شوية مية كمان”

سمع عز الجملة لكن مقدرش يفتح عينيه من التعب.. و أتراكمت عليه ذكرياته و أختلط الواقع بالخيال و كانت ليلة ليلاء..

صحى عز من النوم حرارته منخفضة و نوعا ما معقول.. لكنه مكنش فاكر اى حاجه من اللى حصلت أمبارح.. حاول يتماسك و يقوم ياخد دش بعد العرق الرهيب اللى سببته الحمى.. و بعد الدش و اللبس خرج عز فى طريقه لباب الشقة و هو نازل و فجأة أفتكر الصوت اللى سمعه أمبارح و هو محموم.. معقول تكون تخاريف حرارة.. لما أسترجع عز الصوت فى ذاكرته كان صوت بنت حوالى 8 او 9 سنين بتكلم حد تانى.. الموضوع فضل شاغله جدا طول اليوم على غير العادة.. و ف طريقه للبيت قابل جاره ع السلم.. و بدؤا يتكلموا عادى..

” فيه حاجه غريبة فى العمارة يا أستاذ عز.”
نطق جاره بالجملة فجأة و كمل: خلى بالك.

أندهش عز جدا و سأله عن الشىء الغريب اللى ميعرفش عنه حاجه ده..
فقال جاره بهمس مشابه لهمس أخته هدى: العمارة فيها عفاريت.
أندهش عز أكتر لما جاره كمل: عفاريت صغيرة.
– يعنى أيه عفاريت صغيرة؟؟
– 3 عيال صغيرين و اللى بيشوفوهم الأطفال بس.
– وضح أكتر مش فاهم.
– العيال اللى ساكنين ف العمارة بيقولوا أنه فيه 3 أطفال بيقعدوا معاهم فى أوضهم و يلعبوا معاهم.. حتى عيالى نفسهم قالوا كده.
– ده من أمتى ده؟؟
– من يومين تقريبا و الموضوع أتعرف بالصدفة لما الجيران أتواصلت مع بعض.
– و عملتوا ايه؟؟
– قولنا للعيال لو جم متكلمهمش و قولولهم ميجوش هنا تانى.

و فجأة أنفجر فى ذهن عز حاجه واحدة بس..
ليلى و أخواتها.. اللى جابهم معاه من عمارة أخته فى دار السلام.. معقول ؟؟ معقول يكونوا هم و أخته مبتكدبش؟؟
ساب عز جاره فجأه و طلع جرى ع البيت و فتح الباب و دخل أوضة نوم الأطفال و قال فجأة: فيه حد هنا ؟؟ أنتوا سامعينى و شايفينى ؟؟ لو الأولاد بتوع العمارة قالولكم محدش يجى تانى خليكم هنا و ألعبوا بالألعاب عادى و هاتوا الكارتون براحتكم و متخافوش من حاجه.

و توقع عز أى أشارة أو حاجه تدل أنه بيكلم حد فعلا.. لكن مفيش..

حس بسخافة اللى بيعمله لكن رغم كده حاول يراقب الجو حواليه يمكن يلمح أى حاجه.. لكن مفيش شىء ملفت.. حتى الحواس البشرية المتحفزة فى المواقف دى و ممكن تهيأ للأنسان حاجات.. برضو ملقطتش حاجه.. قعد عز ع الكرسى الهزاز و جاب قناة الكارتون ع أمل أنه يحصل أى أشارة.. لكن مفيش حاجه.. حس أنه سخيف و سطحى.. لكن عقله كان شوية شوية بيقنعه بمنطقية الفكرة.. طب لو دول فعلا الأشباح اللى كانوا فى عمارة أخته.. و جم معاه هنا.. الحل يبقى أنه يرجعهم مطرح ما جابهم.. بس أزاى؟؟ أيه اللى يضمن أنهم لسه هنا بعد ما رفضهم أطفال العمارة بتاعته؟؟ أيه اللى يضمن حتى أنه لو قالهم أنه راجع العمارة أنهم يجيوا معاه ولا حتى يسمعوا كلامه و يصدقوه..

و فجأة عشان يحسم الموقف قام و راح أوضة الأطفال و وقف ف وسط الأوضة و قال بأنفعال غير مبرر: يا ليلى.. أنتى لو بستمعينى دلوقت أنتى و أخواتك.. أنا نازل رايح العمارة بتاعتكم.. تعالوا معايا على هناك مادام الأولاد هنا مش عايزين يلعبوا معاكم.
و فعلا لبس و فتح الباب و هو بيشاور للأطفال الوهميين أنهم ينزلوا معاه.. و شاف بواب العمارة عز و هو بيفتح باب عربيته الورانى رغم أنه مفيش حد معاه.. و قعد على كرسى السواقة و بص بعين الخيال على الكنبة زى ما يكونوا مترصصين قدامه.. و ركب عربيته و راح على عمارة أخته فى دار السلام..
فتح باب العربية الورانى و قال: أتفضلوا..حمد لله ع السلامة.

و تخيل ليلى و أخواتها اللى عمره ما شافهم بينزلوا من العربية و بتنتهى الحدوتة على كده.

########

الأيام اللى بعد كده بيت عز كان هادى بشكل عجيب.. يظهر أن محاولته جابت نتيجة.. طبعا الطبيعة البشرية اللى صورت له أن حاسس نفس الأحاسيس من وجود حركة حواليه أو أن حد معاه هو كدبها كلها.. لأنه أعتقد تماما أن محاولته نجحت..

” أه مفيش كبريت.. طب هولع البوتجاز أزاى دلوقت؟؟”

قالها عز لنفسه بضيق..و كعادة المواقف الصغيرة دى و اللى بيجى وراها من مشاعر سلبية.. و أحساس عز بالوحده و خلافه.. قرر أنه يعاقب نفسه بأنه ينزل يشترى الكبريت وبكميات كبيرة مادام محدش معاه و بيفكره.. فتح الباب و قرر يعمل محاولة يائسة و خبط على جاره اللى قدامه يستأذنه فى علبة كبريت..

فتح جاره الباب و أول ما عز سأله على الكبريت جاره أندهش و قال: أنت كمان عاوز كبريت يا أستاذ عز؟؟

أستغرب عز و سأل جاره عن معنى كلامه.. فجاره قاله أن الأطفال الأشباح كانوا عايزين كبريت برضو و راحوا لأبنه يطلبوه منه.. و الولد كان هيسرق علبة كبريت فعلا من المطبخ.. لكن خاف أنه كأبوه يعنى يعرف فجه و قاله على طول.

” أنت معايا يا أستاذ عز؟؟”

قالها جاره لكن عز كان فى عالم تانى.. يعنى لسه موجودين.. ليلى و أخواتها لسه موجودين.. طب أزاى و مفيش أى حركة عنده فى الشقة ؟؟ يمكن خافوا منه؟؟ أكيد خافوا منه بسبب طريقته آخر مرة لما طلب منهم يرجعوا معاه عمارة أخته.. كان منفعل أوى ساعتها.. ليهم حق يخافوا منه و ميصدقهوش كمان..

ساب عز جاره و رجع على شقته و دخل أوضة الأطفال و قال: ليلى أنتى لسه هنا أنتى و أخواتك صح ؟؟ أنا عرفت أنكم هنا عشان سألتم عن الكبريت اللى أنا كنت عاوزه.. مش عاوزكم تخافوا منى عاوزكم تصدقونى أنا عايز أساعدكم.. قولولى بس أنتوا عايزين أيه و أنا هعمله.

و كالعادة جاوبه السكوت التام..

حاول مرة تانية و قال: جربوا بس و متخافوش.. قولولى أنتوا عايزين أيه و أنا مهما كان هعمله.. جربوا بس قولولى عايزين أيه؟؟

و نفس النتيجه كانت السكوت التام.. حس عز باليأس و أدى ضهره للأوضة و كان فى طريقه للخروج..

و فجأة.. سمع عز صوت من وراه.. صوت واضح جمد الدم فى عروقه..لف ببطء و قلبه بينتفض جوه ضلوعه.. و شاف عز ورقة مقطوعة من كراسة الرسم اللى كانت من ضمن محتويات الأوضة متعلقة فى الهوا و مكتوب عليها بخط طفولى غير متناسق رسالة من كلمتين..

“عايزين ماما”

#########

“كلام ايه اللى بتقوله ده يا عز؟؟”

قالت هدى الجملة بإنفعال لأخوها اللى زارها على طول بعد رسالة ليلى و أخواتها ليه..

– و الله هو ده اللى حصل يا هدى.. أنتى نفسك قولتيلى أنه لاحظتى أنه محدش بيزعجك بعد ما كنت هنا آخر مرة.
– أنا مبكدبكش يا عز.. بس أنت بتقول عايز تطلع تتكلم مع أمهم.. أنت مدرك أنت بتقول ايه؟؟ بقولك أحنا شوفنا الست ما شاء الله طبيعية و متماسكة و صبرت على اللى حصل و سلمت أمرها لله.. و كل العمارة بتشهد بهدؤها .. عايز تطلع تقولها الكلام ده و فاكرها هتصدقك؟؟ ثم أنت عايزنى أبقى مسخرة العمارة أنا جوزى؟؟

حس عز بالحيرة مش عارف هيعمل أيه فى الورطة اللى هو حط نفسه فيها.. أخته عندها حق.. بس طب و الحل؟؟ قرر عز أنه يرجع بيته و يحاول يتفاهم مع الأطفال يمكن يقدر يحل المشكلة.. و هو نازل ع السلم.. وقف فجأة بعد ما ضغطت عليه نقطة ضعفه الوحيدة.. عاطفة الأبوة.. معقول يكون أطفال عايزين أمهم و هو عارف طريقها و ما يساعدهمش؟؟ بس هم مش أطفال واقعيين دول أشباح.. لكن عقل عز الأبوى بدل كلمة أشباح بأرواح.. هتعمل أيه يا عز؟؟ قرر عز أنه ياخد المخاطرة و يتكلم مع أم الأولاد اللى هيضيع منها سلامها النفسى اللى بنته فى سنين عشان تتجاوز حادثة فقدانها لأطفالها.. غير عز أتجاهه و بدأ يطلع سلالم العمارة لحد ما وصل لشقة أم ليلى و بعد تردد خبط ع الباب.. و فى الثوانى اللى سبقت فتح الباب.. حس عز بالندم لأنه هيلخبط لست مستقرة نفسيا حياتها بحادثة قديمة تجاوزتها و…
و فجأة الباب أتفتح و شاف عز سيدة أقل ما يقال عنها أنها شبح أنسان مش أنسان.. ست عينها منفخة و وشها دابل و عينها شايلة حزن واضح..

قالت أم ليلى: أفندم.
– أنا عاوز أم ليلى من فضلك؟؟
– أنا أم ليلى مين حضرتك؟؟
معقول؟؟ هى دى؟؟ هى دى اللى قالت عليها هدى تجاوزت الصدمة؟؟ عقله المرتبك أداله سبب سطحى أنه شكل الست جوه البيت غير بره البيت..

“بقولك مين حضرتك؟؟”

قطعت أم ليلى حبل أفكار عز اللى قال: أنا عز أخو هدى جارة حضرتك اللى ف الدور اللى تحتك؟؟

بصت له أم ليلى بتساؤل أكبر فتكلم بتردد و قال: أنا جاى بخصوص أطفال حضرتك.. ليلى و أخواتها.

قالت أم ليلى بتماسك عجيب: أنا أولادى ماتوا من 5 سنين.. أنت مش بتقول أنك أخو هدى؟؟ أزاى و كل العمارة عارفة أنى عايشة لوحدى بعد أولادى ما ماتوا.

– ما حضرتك بس لو تدينى فرصة أشرحلك الحكا..
– أسمع لو أنت من طرف صاحب العمارة و لسه بيعمل الحركات دى عشان يثبت أنى مجنونة و يطلعنى من الشقة.. روح قوله الشقة ماعداتش تلزمنى خلاص و هسيبهاله فى أقرب وقت.

أحتار عز يعمل أيه لكن فجأة طلع محفظته و فتحها على صورة ليه هو و هدى و وراها لأم ليلى و قال: يا فندم و الله أنا أخو هدى و الدليل أهو.. الموضوع معقد شوية و عجيب و محتاج أشرحه لحضرتك.

بعد ما شافت أم ليلى الصورة سمحت لعز بالدخول و قعد على أقرب كرسى و قال بتردد: الحقيقة مش عارف أقول لحضرتك أيه بس أولاد حضرتك عندى.
أم ليلى بحذر: عندك فين؟؟
عز: فى الشقه.

بصت أم ليلى لعز بشك فحكى لها عز كل اللى حصل من الأول للآخر..

سألت أم ليلى: و الحدوته اللى ألفتها دى بقا بقالها قد أيه؟؟ أقصد يعنى هم بقالهم عندك قد أيه؟؟
قال عز: من حوالى 4 أو 5 أيام.

خلص عز جملته من هنا و لقى أم ليلى بتنزل على ركبها و تهز فيه و بتقول بجنون: يعنى ولادى عندك بجد؟؟

هى دى اللحظة اللى عز كان خايف منها.. حاول يفهمها أنهم مش أولادها بشكل واقعى.. لكنها أتحولت لكتلة جنان و قعدت تردد جملة واحدة..

“خدنى لأولادى الله يخليك أشوفهم بس”

و لأنه السبب فى كل ده بتصرفه أخدها عز معاه.. و قعد يفكر فى سيناريوهات صدمة الست لما تروح و متشوفش ولادها.. مش بعيد تروح فيها.. شايفها جنبه فى كرسى العربية كان ناقص تطير و توصل قبله لو عارفة الطريق..

وصل عز لبيته و كانت الست سبقاه ع السلالم و هو وراها بيحاول يحصلها و سمعها و هى بتخبط ع الباب بعنف و بتقول: أفتحى يا ليلى أنا ماما.. أفتحى يا حبيبتى متخافيش.

زاد عز من سرعته عايز يلحقها قبل ما حد من الجيران ينتبه لدوشتها و تبقى فضيحة كبيرة.. وصل للدور و هو بينهج و بيطلع المفتاح من جيبه و..

فجأة أنفتح باب الشقة.. و شاف عز 3 أطفال قدامه..
ليلى و أخواتها.. كانت صدمة عظيمة.. لكن الصدمة الأعظم هو أنه شافهم فى حضن أمهم..
معقول؟؟
بس ده معناه أنه..
#########

“أيوه..كنت عارفة طبعا أنهم خرجوا من العمارة بس مكنتش عارفة راحوا فين.”

قالت أم ليلى الجملة لعز اللى كان مذهول من المفاجأة.. الأطفال كانوا موجودين فى العمارة طول السنين دى مع أمهم بهيئتهم الروحية دى من غير ما يشوفهم غيرها.. طب أزاى؟؟

” صدقنى أنا نفسى معرفش.. بعد الحادثة أعصابى تعبت.. لكن لجأت لربنا سبحانه و تعالى و طلبت منه أنه يعوضنى عنهم أو يرجعهم لى تانى.. بعد الحادث بشهور.. فى يوم نمت قمت لقيتهم قدامى بهيئتهم دى..نفس اللبس اللى كانوا لابسينه وقت موتهم.. محدش بيشوفهم غيرى.. لا بياكلوا ولا بيشربوا ولا بيطلبوا حاجه.. يلعبوا من أول ما يصحوا لحد ما يناموا.”

سبحان الله.. يعنى التماسك اللى هى كانت فيه ده عشان ولادها معاها مش عشان تجاوزت الحادث زى ما الناس فاكرة..

“مكنتش أقدر أصرح بحاجه زى دى.. الناس كانت هتعتبرنى مجنونة.. صاحب العمارة كان عايز الشقة.. و كان بيحاول يثبت جنانى طول الوقت.. لما الأولاد أختفوا فجأة..هيئتى أتبدلت و تعبت من القلق.. مش شايف شكلى عامل أزاى؟؟”

لولا أنه شايف الأولاد قدامه بيلعبوا و يتنططوا مكنش صدق خالص ولا كلمة.. بس ميصدقش أزاى و هو اللى جابهم هنا..

“معرفش و الله أشمعنى جم معاك أنت.. أنا منبهة عليهم أنهم ميروحوش مع حد ولا يخرجوا برة العمارة.. خصوصا أنهم ميعرفوش أنهم أرواح.. أتمنى أن اللى حصل ده كله يفضل سر بينا يا استاذ عز.”

لسه عز هيرد..

دخلت ليلى و قالت لمامتها: هو عمو عز هيرجع معانا البيت يا ماما؟؟ ده مفيش حد معاه خالص.. و كل شوية يتعب و ينسى حاجات.. خليه يجى معانا.

بصت أم ليلى بخجل فى الأرض و بص عز ل ليلى فى حب..
و أبوة..
و بعد شهر.. و بصفة قانونية..
أصبح المهندس عز هو الزوج الرسمى لأم ليلى..
و الأب الروحى لأجمل الأرواح على الأطلاق..
أرواح ليلى و أخواتها.

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

رواية الشادر الفصل الثامن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى