قصه مشوار مع الشيطان صحيت من النوم على رنة تليفوني، كنت بفتح عيني بالعافية لأن دماغي كانت تقيلة وكلها نوم، مديت إيدي تحت المخدة على شان أجيب التليفون من تحتها، ولما بصيت في شاشته لقيته سمير؛ صديقي الوحيد اللي طلعت به من الدنيا، رديت عليه وقولت بصوت كله نوم:
_ازيك يا سمير.
_الله يسلمك يا مصطفى؛ هعدّي عليك بعد ساعة، مش لاقي علاج أمي ولما سألت في أكتر من صيدلية؛ قالوا لي هلاقيه في صيدلية ناجح، وعايزك تيجي معايا تسلّيني في الطريق.
_يعني المشوار ده ميتأجلش للصبح؟
_صبح إيه يا مصطفي؛ بقول لَك علاج أمي.
بعد ما قفلت معاه لقيت النوم طار من عيني، قومت وغسلت وشي ولبست هدومي؛ لأن الساعة هتعدّي هوا وهلاقيه بيندَه عليا.
صيدلية ناجح دي بالمناسبة في قرية جنبنا، بنروح لها من طريق مرصوف بينا وبينها، دا غير إن في طريق تاني مقطوع، بيختصر نُص الوقت، لكن نادرًا لو لقينا حد ماشي فيه خصوصًا بالليل، وده مش بيحصل غير للشديد القوي كمان، زي ما حصل معايا من يومين، كنت جاي من هناك بالليل ومرهق وعايز أوصل بسرعة، وساعتها مشيت من الطريق المختصر ده وإيدي كانت على قلبي، بس الحمد لله وصلت للبيت سليم ومحصلش حاجة.
ويادوب جهزت نفسي وسمعت سمير بيندَه، أخدت بعضي ونزلت، ولما قابلته تحت البيت قولت له:
_أنت يابني مش قولت لي بعد ساعة؛ دا مفاتش غير ١٠ دقايق!
_أمي تعبانة يا عم ومحتاجة العلاج.
_طيب مش هتفرق كتير، يلا على شان نلحق نجيبه.
بدأت أتحرك وآخد اتجاه الطريق اللي بنمشي منه، لكن ساعتها لقيته بيشدني وبيقول:
_تعالَ نروح من الطريق المختصر.
_بلاش يا سمير، ما أنت عارف إنه مقطوع ومحدش بيمشي فيه بالليل كتير.
_عايز أختصر الوقت، أمي محتاجة العلاج ضروري، وبعدين ما أنت راجع من ليلتين في الطريق ده بالليل لوحدك، كان إيه اللي حصل يعني، ما بالك بقى إحنا اتنين.
مرضتش أصمم على رأيي، مشيت معاه ودخلنا الطريق، كان ضلمة جدًا ودي حاجة متوقعة ومعروفة، طلعت تليفوني من جيبي وفتحت الكشاف، على شان ينوَّر شوية، لكن لاحظت إن سمير كان ساكت طول الطريق، محاولش يتكلم معايا، حتى لما كلمته مرة والتانية مردِّش عليا، ده اللي خلاني أقرر أسكت بعد ما قولت له:
_متقلقش يا عم؛ هنجيب العلاج ونرجع والحاجة هتبقى زي الفل.
كملنا الطريق وإحنا ساكتين، لحد ما خلاص قربنا نوصل، وبيوت القرية اللي إحنا رايحينها بانت قدامنا، ساعتها تليفوني رن وهو في إيدي، لكن لقيت رجليا بيتخشّبوا في الأرض لما قرأت على الشاشة “سمير يتصل بك”.
شيلت عيني من على شاشة التليفون وبصيت ناحيته، لكن اتفاجأت إنه مش موجود، بدأت ألِف حوالين نفسي وأنا بنوَّر بكشاف التليفون، ولاحظت إنه مالوش أثر، ومعرفش إزاي اختفى كده في جزء من الثانية.
والتليفون رن تاني وبرضه كان هو اللي بيتصل، مكنش قدامي غير إني أرد عليه، وده اللي حصل:
_أيون يا سمير، أنت روحت فين يابني؟
_روحت فين إزاي، أنت راحت عليك نومة ولا إيه؟ انزل أنا تحت البيت منتظرك، وانجز بقى على شان الطريق طويل؛ وانسى إننا نمشي من الطريق المختصر بالليل كده.
نزلت التليفون من على ودني وأنا مصدوم، مكنتش فاهم حاجة، وكنت بسأل نفسي سؤال واحد، هو لما سمير منتظرني دلوقت عند البيت، مين اللي ندَه عليا من حوالي ساعة وكان ماشي معايا طول الطريق ده؟!
مكنتش لاقي إجابة على سؤالي، بس في اللحظة دي سمعت حركة ورايا، بصيت وأنا مرعوب وحاسس إن فقرات رقابتي مصدِّية وبتتحرك بالعافية، على شان أشوف ورايا كلب أسود رجليه طويلة، لدرجة إن ارتفاعه كان مقارب ليا في الطول!
حسيت بكف إيد بتقبض على قلبي وبتغرز ضوافرها فيه، والخوف بيعمل أكتر من كده، بدأت أرجع لورا وأنا خايف الكلب ده يهجم عليا، دا غير إن حجمه مكانش طبيعي؛ وده خلاني أتأكد إنه مش كلب.
أخدت ديلي في سناني وجريت، اللي فرق معايا إن الطريق كان خلص خلاص، مكانش فاضل على القرية والعَمار غير ١٠٠ متر تقريبًا، وأعتقد ده اللي أنقذني بعد ستر ربنا.
لما خرجت من الطريق وبقيت في القرية، والناس كانت رايحة جاية حواليا، بدأت آخد نفسي، خصوصًا بعد ما بصيت للطريق اللي كان ضلمة ومفيش حاجة ظاهرة فيه، وساعتها بس عرفت مين اللي كان معايا، ده أكيد والعياذ بالله شيطان من اللي ساكنين الطريق، وأكيد رصدني لما اضطريت أمشي في الطريق ده من ليلتين فاتوا، ماهو مين يعني هيتجسِّد في شكل سمير إلا لو كان يعني والعياذ بالله شيطان، واللي أعرفه برضه إن الشياطين بتتجسد في هيئة كلاب سودة، زي اللي ظهر لي في الطريق قبل ما أهرب.
مش كده وبس؛ ده اللي خلاني أتأكد أكتر؛ هو إني مجبتش سيرة لسمير عن إني مشيت بالليل من الطريق ده، ده أنا حتى مجبتش سيرة لحد عندنا في البيت، يبقى إزاي عرِف إني مشيت في الطريق ده بالليل ومفيش حاجة حصلت لي؛ إلا لو كان فعلًا شيطان ومشي ورايا عن طريق أي أَطَر سيبته في الطريق بدون ما أنتبه، حتى لو كان الأطَر ده ريحتي مثلًا.
انتبهت إن تليفوني بيرِن تاني، وقفت تفكير وبصيت على اسم سمير اللي كان على الشاشة، فتحت المكالمة ومتكلِّمتش، لكن لقيته بيقول:
_يابني انجِز وانزل بقى الصيدليات قربت تقفل.
في الوقت ده رديت بصوت مهزوز وقولت له:
_أنا عند صيدلية ناجح يا سمير.
ساعتها مردِّش عليا، زي ما يكون مكانش مستوعب اللي أنا بقوله، وده اللي خلاني أكمل كلامي أقول:
_سمير.. أنت سامعني؟
_أنت يابني مش كنت نايم وقولت لك هعدي عليك بعد ساعة على شان تيجي معايا، صيدلية ناجح إيه اللي أنت عندها وإزاي؟!
محبِّتش أحكي له حاجة في التليفون، بس اكتفيت بإني قولت له:
_قول لي بس على اسم العلاج وأنا هجيبه، وانتظرني عند البيت؛ ولما أرجع هفهِّمك كل حاجة.
تمت
مشوار_مع_شيطان
محمد_عبدالرحمن_شحاتة