خُد سيف.. كمان سيف.. كمان سيف.. هات الـ….
والكهربا فَصَلِت فجأة، ومبقتش سامع أي حاجة حواليّا…
***
من عادتنا اننا بنتجمّع كل ليلة عندي في البيت ونِسهر سوا، هُمّا أربع أصحاب ليّا مفيش غيرهم، (تامر و مدحت وصهيب وماجد).
من أيام الجامعة وبعد ما اتخرَّجنا ودي عادتنا، حتّى في الشِّتا، برضو نتجمّع ونولَّع راكية النار ونحُط عليها برَّاد الشاي وبنُقعد، شويَّة شطرنج وشوية دومينو وشوية طاولة، على شويّة نُكَت، أهو نسلّي أيامنا الفقرية دي اللي مُش باين لها ملامح.
في الليلة دي اللي كان الجو فيها ممكن يخلّي جسمك يزرَق من البرد، تامر اتصل بيا بعد العصر وقالّي…
-مساء الخير يا باسم.. هجيلك النهاردة بدري شويّة.
ضِحِكت بصوت عالي شوية وقولتله…
-ما تيجي ياعم براحتك.. أنت بتستأذن؟!
وبعد المغرب علطول لقيت جرس الباب بيرن، قومت وفتحت، ولقيته جاي بيتنِفض من البرد، الجاكيت بتاعه غرقان مايّه، وسَّعت من قُدّامُه وقولتله…
-دا أنت قرَّبت تبوش ادخُل بسُرعة.
-أنت ليك نِفس تنكّت يا باسم.. الدنيا برَّه تلج والشِّتا الله ينوّر.. دا انا خايف الباقيين ميعرفوش ييجوا.
-لا هاييجوا.. يابني احنا من أيام الجامعة على النظام ده.
دَخَل وهو بيرتِعش على أوضة الضيوف اللي بنسهر فيها، وقعد قُدام راكية النار عشان جِسمه يِدفَى، دخلت وراه وجِبت الدومينو والطاولة والشطرنج من على الرَّف اللي بسيبهم عليه بعد ما بنخلَّص، حطّيتهم على الأرض جنبه وقعدت، قولت نتسلى على ما الباقي يوصلوا، صبّينا كوبايتين شاي وبدأنا نلعب دور دومينو، قولت اتسلّى على تامر عشان هو مُش حرّيف دومينو، بَس لقيته بيقولّي…
-عاوز تستفرد بيا وتغلبني دومينو وتحفّل عليا لما التلاتة التانيين يوصلوا، بَس دَه بُعدَك.. سيب الدومينو ده وتعالَ نلعب كوتشينة.
بصّيتله باستغراب وقولتله…
-كوتشينة إيه اللي هنلعبها يابني.. وبعدين فين الكوتشينة دي؟!
حطّ إيده في جيبه وطلَّع علبة فيها ورق كوتشينة، الورق كان ألوانه زاهية أوي، عجبني شكلها بَس ضِحكت وقولتله…
-من إمتى بنلعب كوتشينة؟ هو احنا هنعَيّل؟!
ويادوب مكمّلتش كلامي، ولقيت جرس الباب بيرن، قومت من الأرض وانا بقولّه…
-وصلوا اهُم يا عم.
روحت فتحت الباب ورجِعت، وهما التلاتة ورايا، كان حالهم نفس حال تامر كِدَه وهو لسّه جاي، المايّه مغرَّقاهم، عشان كِدَه التلاتة كانوا بيتنفضوا وداخلين جَري عند الراكية، ولمّا قعدوا وهزَّروا شويّة قولتلهم…
-شوفوا اللي تامر بيقوله.. عايزنا نلعب كوتشينة!
كُنت فاكِرهم هيتنمّروا عليه عشان عارفين إنه عنده شوية تصرّفات غريبة كِدَه، لكن اتفاجأت بصُهيب ومدحت بيقولوا في نفس واحد…
-إيه المُشكلة تعالوا نجرَّب.. أهو تغيير.
بصّيت ناحية ماجد اللي كان لسّه بيرتِعش من البرد وقاعد ساكت ولقيته بيقولّي…
-والله تغيير.. تعالوا نلعب.
لقيتهم بالإجماع موافقين اننا نلعب كوتشينة، سلّمت أمري لله ووافِقت، بس قبل ما نبدأ جِبت صينية الكوبايات وحطيتها جنبنا على الأرض وبدأت اصُب شاي واناول كُل واحد كوبايته، ولقيت تامِر بيسألنا…
-اختاروا لعبة نلعبها.
ردّيت عليه بسُرعة قبل أي حد وقولتله…
-أي حاجة ماعدا الشايب.
وهنا لقيت صُهيب بيقول…
-إيه رأيكم نلعب الجوكر؟
وزيّ ما أجمعوا على الكوتشينة، لقيتهم بيجمعوا على الجوكر، وساعتها بدأ تامر يجهّز الورق اللي في إيده، كان ماجِد بيبُصّله ومركّز كِدَه، وأوّل ما لقى الورَق جِهِز لقيته بيُص لتامر وبيقولّه…
-خُد سيف.. كمان سيف.. كمان سيف.. هات الـ….
والكهربا فَصَلِت فجأة، ومبقتش سامع أي حاجة حواليّا…
كأنّي لواحدي في المكان، ناديت عليهم لكن محدش كان بيرُد، الضلمة كانت غريبة جدًا، حتى مُش سايبة فُرصة انّي ألمح أي حاجة قُدّامي، بدأت أمد إيدي واحرَّكها عشان امسِك أي حد فيهم، لكن إيدي كانت بتتحرَّك في فراغ، مُش عارف راحوا فين! حتى انا مسمعتش صوتهم وهُمّا بيقوموا، ولا أصلا كان في وقت انهم يتحرَّكوا!
وشويّة لقيت المَطَر بيزيد، والجَو بيكَركِب، والبَرق بينوَّر الشارع بَرَّه، وساعتها الأوضة نوَّرت زي الشارع بالظبط، وساعِتها لمحت 3 واقفين جنب الشِّباك، نِن عينهم كان بينوَّر أحمر مع البرق، ولقيتني بسأل نفسي..
-هُمّا قاموا من جنبي امتى وراحوا هناك ازاي! وازاي محسِّتش بحركتهم، وليه مبيردّوش عليّا وانا بَنده عليهم.. وليه عينهم لونها متغيَّر؟!
كان كُل ما البرق ينوّر المَحهم، والمَح نن عينهم اللي عامل زي الدَّم، حاولت اندَه عليهم تاني، لكن برضو مبيردُّوش، حاولت كتير وقولت يمكن يردُّوا، لكن برضو مفيش فايدة، والبرق راح والضلمة رِجعت من تاني، مبقِتش شايف أي حاجة حواليّا، الخوف اللي بدأت احِس بيه خلَّاني اقعُد في مكاني متحرَّكش، لحد ما صوت المَطَر بدأ يِهدا، وبعد ما المَطَر وقف خالص كانت كُل حاجة من حواليّا ساكته.
والكهربا رِجِعِت فجأة زي ما فَصَلِت…
كُنت قاعد في مكاني، ولقيت تامر ومدحت وصهيب قاعدين في أماكنهم! معرفش ده حصل امتى وازّاي، ولقيتني بدهشة بقولّهم…
-انتوا ليه كُنتوا واقفين جنب الشّباك والكهربا فاصلة ومبتردوش عليا؟!
كانوا بيبصوا لبعض باستغراب وهما بيسمعوا كلامي، دا حتى صُهيب قالي…
-مبنردش عليك فين؟ انت متكلِّمتش أصلًا.. ولا حد فينا اتحرَّك!
معقول اللي بسمعه دَه؟! ولقيتني بدأت اتكلّم بغضب واقول…
-لا انا نَدَهت ومحدش فيكم كان بيرُد.. كنتوا واقفين جنب الشبّاك.. انا شوفتكم لما البَرق نوَّر الأوضة.. والـ…
لقيت نفسي بقطع كلامي لمّا تامر شاوِرلي عشان اسكُت وقالّي…
-هو ماجِد فين؟!
السُّؤال خضِّني، فعلًا من ساعة ما الكهربا رِجِعت وماجد مُش موجود، بس انا مكُنتش منتبه لأن اللي شوفته خلَّاني انفعل ومكُنتش مركّز، حتى انا شوِّشت على تركيزهم برضو وماخدوش بالهم غير متأخر!
فجأة وقفنا، وبدأنا نبُص حوالينا، وانا لقيت نَفسي بَندَه…
-يا ماجد!
مَسمِعناش رَد، وبدأنا ندوَّر في الشَّقة، أصل مش معقول هيسيبنا ويمشي في الضلمة وهيفتح الباب ويخرج من غير ما نِسمع صوته أو يقولّنا انّه ماشي!
قلبنا الشَّقة كُلها وماجد مالوش أثر، علطول مِسِكت تليفوني ورنّيت عليه، لكن اللي صدمنا اننا سمعنا رنّة تليفونه، مشينا ورا الرَّنة، ولقينا التليفون مَرمي على الأرض في الصالة، تحت ترابيزة السُّفرة، مدِّيت إيدي وشيلته من الأرض، كانت شاشته مشروخة كأنه وَقَع أو حد كان بيخبَطُه، بَس اللي كان أغرب من كِدَه إن التليفون كان عليه كام نقطة دَم!
وقفنا نبُص لبعض واحنا مُش فاهمين فيه إيه، ولا إيه اللي جاب التليفون هنا ولا إيه اللي شرخ شاشته ولا إيه اللي جاب الدَّم دَه عليه، مكَنش في قُدّامنا غير اننا نستنى، دخلنا قعدنا في أوضة الضيوف تاني، بَس المرَّة دي كان على وِش كُل واحد فينا خوف، ماهو برضو أي حاجة بتحصل مالهاش تفسير بتخوِّف، ومفيش حاجة مالهاش تفسير أكتر من اللي حصل ده.
أوّل رنّة محدّش فينا رَد، وتاني رنّة كذلك، لكن مع تالت رنّة حسّينا إننا لازم نرُد، وكُلّه كان بيبُص ناحيتي، أنا فهمت انّهم عايزيني أنا اللي ارُد بما إنّه المفروض سهران عندي وكِدَه، مدّيت إيدي ومسِكت التليفون وفتحت المكالمة، وسِمعت صوت أبوه…
-اتأخّرت ليه يا ماجد الدُّنيا بَرد والساعة بقت واحدة الصبح؟!
كُنت متردِّد انّي اتكلّم، لكن لقيت ابوه بيقول…
-آلو.. آلو.. ماجد.. مابتردش ليه؟!
وساعِتها لقيتني بقول بصوت مقطَّع…
-أنا باسم يا عمّي.
لقيته بيقولي وهو متوتَّر…
-ازيك يا باسم.. ماجِد فين؟!
مكَنش عندي رد على سؤاله، بَس لقيت نفسي بَهرب بإجابة متخليهوش يِقلَق…
-والله يا عمّي ماجد رايح في النوم.. تِحب اصحّيهولك؟!
حسِّيت ان التوتّر اللي عنده راح وبدأ ياخد نفسه وقال…
-لا خلّيه نايم.. أنا كُنت بس عاوز اطمن عليه لأنه اتأخّر.
قفلت المكالمة وحطّيت التليفون مكانه، لمحتهم بيبصّوا ناحيتي، كُنت عارف السؤال اللي كان باين على وِشّ كل واحد فيهم، وقولت اسبَّق انا بالسؤال يِمكن يكون عندهم رأي ينفعني…
-ولمّا أبوه يتّصل تاني الصُّبح هقولّه إيه؟!
كان نِفسي ألاقي منهم رد، لكّنهم كانوا ساكتين، بس في الآخر مدحت اتكلم وقال…
-إحنا نتّصل بأبوه ونحكيله اللي حصل بصراحة.
وهنا رد عليه مدحت وقالّه…
-ياعم اصبُر بس يمكن يكون راح هنا ولا هنا وراجع.. هو لازم نِقلِق الراجل؟!
شاوِرتِلهم يسكتوا، كان تليفون ماجد بينوّر تاني وابوه كان بيتصل، قُلت مردّش عليه، انا خايف يقولّي صحّي ماجد، ساعِتها هجيبله ماجد منين؟!
لكن لمّا كرَّر الرَّنة تاني ردّيت، وبمجرَّد ما قولت…
-آلو!
لقيته بيصرُخ في وشّي وبيبكي…
-مش قولت ماجد عندك ونايم؟! ماجد اتقتل يا باسم!
انا كُنت فاتِح الاسبيكر، عشان كِدَه لمّا سمعوا صوت ابو ماجد واللي بيقوله كُلّه حط ايده على وِشّه من الصدمة، ولقيتني بقولّه وانا صوتي مهزوز…
-أنت بتقول إيه يا عمّي؟!
-زي ما بقولك يا باسم.. ماجد هنا في أوضته ومدبوح!
قفلت المكالمة من غير ما اعرف تفاصيل، ولقيت رجلي مُش شايلاني فوقعت في الأرض، كُنت ببُصّلهم وانا مذهول، ازّاي ماجد كان معانا هنا ولما الكهربا قطعِت اختفى وحصل في تليفونه اللي حصل وفجأة لقوه مدبوح في أوضته!
كان لازم نروح بيت ماجد، بدون ما نفكّر خرجنا وخدنا الطريق جَري لحد هناك، ولمّا وصلنا لقينا الدنيا مقلوبة، أبوه كان قاعد قدّام البيت في الأرض بيبكي، أمّه كانت بتصرّخ، كُل اللي موجودين كانوا بيبكوا من اللي حصل، قرَّبت من ابوه وهو قاعد في الأرض وقولتله…
-ده حصل ازاي يا عمّي فهّمني؟!
رد عليا والدموع مغرَّقة وشّه وقالي…
-أنت اللي فهّمني.. ماجد كان سهران معاكم زي كل يوم.. والنهاردة اتأخّر.. اتصلت بيه قولتلي نايم.. ولمّا فتحت أوضته ودخلت لقيته مدبوح!
مكنش عندي تفسير للي حصل ولا عارف أرد عليه، بَس لقيت نفسي بدخل البيت ورايح على أوضة ماجد، اللي بابها كان مقفول وفي ناس من قرايبُه قاعدين قُدّامه، ولمّا حاولت افتح الباب منعوني وقالولي…
-اتصلنا بالشُّرطة وزمانها على وصول.
ولقيتني مصمّم على رأيي وبقولّهم…
-هبُص على صاحبي بَس.. دي آخر مرَّة هشوفه فيها.
لقيتهم سابوني افتح الباب، وبصراحة لمّا فتحته بصّيت من غير ما ادخُل، المنظر صَعب، ماجد مرمي على الأرض والدَّم نازل من قطع في رقبته ومتجلَّط، وفي خنجر جنبه على الأرض!
قفلت الباب تاني وانا بغمّض عيني الزَّعل بيقطَّع فيا، خرجت وانا مُش حاسس برجلي، كُنت حاسس انّي ممكن اقع في أي لحظة، ولما خرجت لقيت مدحت وصهيب وتامر قاعدين جنب أبو ماجد بيحاولوا يخفّفوا عنّه شوية، وقفوا أوّل ما شافوني خارج، وساعتها قرَّبوا منّي وسألوني…
-شوفته؟!
هزّيت راسي وانا ببكي وقولت…
-أيوه.. منظر مؤلم جدًا.
خدنا بعض وقعدنا في جنب لوحدنا، مكنش حد فينا محتاج يتكلّم عشان نفهم كل واحد كان بيقول لنفسه إيه، لكن الأكيد، إن كل واحد فينا كان بيسأل نفسه هو ازّاي ده حصل!
ويادوب دقايق، ولمحنا فيشر عربيات الشرطة وهي داخلة من أوّل الشارع، وبعدها فيشر عربية إسعاف، النّاس بدأت تفضّي المكان عشان العربيات تقف قدام البيت، ولمّا العربيات وقفت أفراد الشرطة نزلوا، كانوا كتير، أفراد شرطة ونيابة وأدلة جنائية، قابلهم أبو ماجد وهو بيبكي والناس كانوا بيسندوه، ولمّا قرَّب منهم الظابط سأله…
-أنت أبو القتيل؟
قال بصوت كُله حُزن…
-أيون أبوه.
-إيه اللي حصل بالظبط.
كان بيجاوب وبيشرح اللي حصل، وانّه اتفاجأ بماجد مدبوح في أوضته بدون ما يعرف هو رجع امتى أو ازّاي.
أنا ساعتها حسّيت بالأنانية شويّة، هو ازّاي صاحبنا يحصل فيه كِدَه ويبقى كُل همّي إنهم يصدّقوا كلامي، المفروض إن أهم حاجة اعرف صاحبنا اتقتل ازّاي.
ودخلنا البيت، والظابط سألنا عن اللي حصل، حَكيتله، والباقيين حكوا نفس كلامي، كان بيبُصّلنا وهو مستغرب، كُنت عارف إنّه مُش مصدّقنا، عشان كَدَه خدوا جثّة ماجد على المشرحة، وخدونا على القِسم، وكان معانا ابو ماجد، تَحقيقات طويلة وأسئلة، ومكنش عندنا إجابة، لا عارفين ماجد اختفى من وسطنا ازّاي، ولا ابو ماجد عارف هو دخل البيت واتقتل في أوضته ازّاي!
لحد تاني يوم آخر النهار، لقيناهم بيفرجوا عنّنا، ولقينا النيابة أمرت بدفن جثّة ماجد، وساعتها قالولنا إن تقرير الطب الشّرعي أثبت إن ماجد انتحر، زاوية الجرح اللي في رقبته بتقول إنه انتحار، حتّى الخَنجر اللي اتحرَّز مفيش عليه غير بصمات ماجد!
الصدمة كانت باينة على وشّنا، ماهو لو نفهم إيه اللي بيحصل حوالينا النار اللي جوّانا هتهدا شوية.
حضرنا جنازة ماجد، ووقفنا مع ابوه في الكام يوم اللي فيهم عَزا، تقريبًا مكنش حد فينا بيروّح، لحد ما النّاس رِجلها خفَّت عن البيت ومعدش حد كتير بيروح يعزّي، وساعِتها كُل واحد فينا روَّح بيته.
انا كُنت بقضّيها قعدة في أوضة الضيوف، مكان ما كُنّا بنقعد، دا حتّى كُل حاجة لسه على الأرض مكانها من آخر مرة حصل فيها اللي حصل، الدومينو والشطرنج والطاولة، والكوتشينة، دي حتّى الورق كان لسّه بنفس التفنيطة اللي تامر كان سايبها، وكوبايات الشاي، الموضوع كان صعب عليا، وكُل شويّة بسمع صوت ماجد وهو بيقول…
-خُد سيف.. كمان سيف.. كمان سيف.. هات الـ….
كان يوم مشئوم يوم ما تامر جاب الكوتشينة معاه، وِشّها نَحس علينا، أهو في اليوم دَه واحد منّنا انتَحر.
بس لحظَة، هو ماجد هينتَحر ليه؟!
إحنا نعرف كل حاجة عن بعض، عشان كده عارف إن ماجد مفيش عنده سبب يخلّيه ينتحر، دا حتى حالته المادية أحسن واحد فينا، ولا هو عنده مشاكل ولا مرض نفسي، وبيشتغل مع أبوه في تجارته، إيه اللي هيخلّيه ينتحر؟!
الصُّداع كان مخلّي الدُّنيا ضلمة حواليّا، خدت حباية بنادول وعملت كوباية شاي شِربتها وقولت احاول انام شوية، في أوضة الضيوف برضو، بس لمّا غمَّضت عيني شوفت تامر وهو بيفنَّط الكوتشينة وبيشِد منها سيف ورا التاني زي ما ماجد كان بيطلب منّه، لكن فجأة راس تامر اتغيَّرت، كان مكانها جُمجُمة مُخيفة! دا حتّى كفوف إيده كانت عبارة عن هيكل عَظمي لونه أسود، ومكان ضوافره كان بيطلّع نار!
أنا محرَّكتش حاجة من مكانها، من آخر مرَّة كُنّا فيها هنا ليلة اللي حَصَل، بسّ مفكّرتش كتير عشان جَرَس الباب رَن تاني، روحت فتحت، ولقيت التلاتة جايين، سيبتهم ورجعت الأوضة وهما دخلوا وقفلوا الباب وراهم، لكن لمّا دخلت الأوضة تاني لقيت الكوتشينة في مكانها على الأرض، بَس تفنيط الوَرق متغيّر، ورقة الجوكَر كانت على الوِش!
أنا سَرَحت في اللي شايفه قُدّامي، وهُما لمّا دخلوا الأوضة لاحظوا دَه، عشان كِدَه صُهيب سألني…
-مالك؟
انتبهت لسؤاله وجاوبته…
-الكوتشينة اختفت وانا طالع افتح الباب.. ولمّا رجعت لقيتها في مكانها.. بس كان في ورقة تانية غير الجوكر هي اللي على الوِش.
بصّولي ودخلوا قعدوا، حسّيت انهم بيتجاهلوا كلامي، قعدت جنبهم ولقيت مِدحت بيقولّي…
-مش عاوزك تركّز في حاجات ممكن تكون هلاوس.. طبيعي تبقى متوتّر من اللي حصل.. كُلّنا متوترين ومُش فاهمين في إيه!
-بَس أنا مُش بهلوس.. أنا…
وهِنا تامِر قطع كلامي وقال…
-خلّونا ننسى الموضوع دَه دِلوقت.. بقالنا فترة مقعدناش من ساعة اللي حصل.. إحنا لازم نعرف اللي حصل دَه حصل ازاي…
ولقيت مِدحت بيخبط كَف على كَف وبيقول…
-ولا حد فينا فاهم أي حاجة.. آخر واحد أفكّر انه ممكن ينتحر هو ماجد.. الواد يادوب كان بيقول لتامر خُد سيف.. كمان سيف.. كمان سيف.. هات الـ….
وتخيلوا الكهربا انقَطعِت تاني…!
نَفس اللي حَصَل في اليوم المشئوم اللي فات، كُل حاجة بدأت تتعاد تاني، مُش سامع حد فيهم، مُش حاسس بوجودهم، الضَّلمة صعبة، والجو بدأ يِكَركِب، وحسِّيت إن المطر اللي نِزِل فجأة هيكسر الشِّباك، لحد ما ظَهَر البرق، كان بينوّر الشارع برَّه، وبينوَّر الأوضة، وبرضو نَفس اللي حَصَل، لمحت اتنين جَنب الشِّباك في نور البرق، عينهم بتنوَّر أحمر، نَدهت ومفيش حد بيرُد، وفضِلت على كِدَه، لحد ما الكهربا رِجِعت، لقيتهم في أماكنهم زي ما هُمّا، وطبعًا، كان مِدحَت مُش موجود!
المرَّة دي مدوَّرناش في الشَّقة، أنا مِسكت تليفوني ورنيت على تليفون مدحت، ولقيت صوت الرَّنة جاي من الصالة، مشينا ورا الصوت لحد مالقيناه جاي من تحت ترابيزة السفرة، ونفس الحِكاية، التليفون شاشته مكسورة وعليه نُقط دَم.
المرَّة دي منتظرناش ان حد يحس إنّه اتأخر ويتصل عليه، الخوف خلّانا نخرج نروح عند بيت مِدحَت، اللي حَصَل المرة اللي فاتت كان سبب كافي إننا نعمل كده.
مُش عاوز أقولكم على الصدمة اللي خدناها، إحنا بَس بمجرَّد ما وصلنا شوفنا الدُّنيا مقلوبة عند بيت مِدحَت، وساعتها عرفنا اللي فيها، أكيد مِدحَت لقى نفس مصير ماجد.
كُل حاجة اتعادت بالكربون، منظر أبو مدحت كان نفس منظر أبو ماجد، حتّى مدحت كان مدبوح ومرمي في أوضته بنفس الطريقة اللي ماجد اتقتل بيها، حتى الخنجر نفسه كان موجود جنبه!
ونفس التحقيقات اللي حصلت معانا قبل كده اتعادت تاني، حتّى الظابط كان مستغرب الموضوع، واللي كان بيزوّد غرابته إن تقرير الطب الشرعي برضو أثبت إنّه انتحار!
الأيام بعد كِدَه بقت كئيبة، اتنين مننا راحوا بشكل غامض جدًا بدون ما نعرف إيه السبب، التحقيقات بتتقفل بمجرد ما يثبُت إنه انتحار، لكن الموضوع بالنسبة لنا ما بيتقفلش، في حاجة غلط!
برغم انّي كرهت أوضة الضيوف، بس كُنت باجي على نفسي واقعُد فيها، أنا عايش لوحدي من فترة وكان أصحابي هما اللي بيسلّوني، واللي كان مخلّيني حزين انّي فقدت منهم اتنين ورا بعض، الصدمتين اللي خدتهم ورا بعض خلّوني اكتئب، معُدتش برُد على تليفونات، حتى اتصالات صُهيب وتامر، مكُنتش برُد عليها.
وأخيرًا قرَّرت اشيل الحاجات من الأرض، قومت ورفعت الدومينو والطاولة والشطرنج على الرَّف في مكانهم، وشيلت صينية الكوبايات والبراد والراكية دخَّلتهم المطبخ، وخدت بالي اني ناسي الكوتشينة، لمّيتها ودخَّلتها في علبتها ورفعتها على الرَّف هي كمان، ورجعت أقعُد مكاني على الأرض، وساعتها سِمعت صوت مُخيف، جاي من عند الرَّف اللي عليه الحاجة، صوت زي ما يكون مخالب أو سكّينة بتخربش في الحيطة، كُنت فاكر انّي بيتهيّألي، أو إن الصوت جاي من برَّه، بسّ لمّا ركّزت شوية وبصّيت ناحية الصوت عند الرَّف لقيت الحيطة متخربشة، دا اللي زوِّد خوفي أكتر، إنّي لقيت خط الخربَشة اللي على الحيطة بيزيد والصوت لسّه موجود!
غمَّضت عيني وفتحتها، يمكن عقلي الباطن هو اللي مخلّيني اتخيَّل دَه، ماهو برضو اللي حصل في الأيام اللي فاتت مُش سهل، يخلّي أي حد يفقِد أعصابه ويهلوِس، لكن اللي اتضحلي إنّي مُش بهلوس، كُل اللي شوفته لسّه قدَّام عيني.
وبرغم الخوف اللي كان جوّايا، لقيتي بقوم واقرَّب من الرَّف، خطوتي كانت مهزوزة ورِجلي بترتِعش، ولمّا قرَّبت لقيتني ببُص للخط اللي ظَهر في الحيطة، زي ما يكون حاجة حادّة مخربشاه، قِدِرِت تعدّي من الدِّهان والأسمَنت وتوصل لِطوب الحيطة!
إحساس صَعب جدًّا لما متكونش قادِر تفسَّر حاجات كتير بتحصل حواليك، موت اتنين من أصحابي لسّه مش معروف له سبب لحد دلوقت، وانا مُش مقتنع أبدًا إنِّهم انتحروا، الصوت اللي سمعته دلوقت والخربشة اللي ظَهرت في الحيطة فجأة، الكوتشينة اللي اختفت وانا طالع افتح الباب وظهرت تاني وانا داخل.
وهِنا وقفت لحظة، الكوتشينة!
ولقيتني بمِد إيدي على الرف وبمسك علبة الكوتشينة وبَبُص فيها، العلبة كانت مقفولة زي ما هي، بَس الورقة اللي كانت على الوِش هي ورقة الجوكر!
أنا المرة دي متأكّد مليون في الميّة إنّ الورقة دي مكنتش هي اللي على الوِش، دي تقريبًا كانت في نُص الوَرق، لأنّي غيَّرت ترتيب الورق قبل ما احطّه في العلبة.
وبرغم كل اللي حاصل في الفترة الأخيرة، الكوتشينة بدأت تِشغِل تفكيري، بدأت أحِس إن في حاجة مُش مظبوطة، إشمعنى الورقة دي بتظهر كُل مرة من نفسها على وِشّ الورق، خدت العلبة وقعدت، فتحتها وبدأت ابُص في الورق ورقة ورقة، وبدأت افرز الورق واحُط كُل 4 ورقات زي بعض لوحدهم، بَس اللي لفَت نظري ورق الجوكر، الورقة اللي بتظهر على الوِش مُختلفة عن ال 3 ورقات اللي المفروض تكون زيّهم بالظبط.
أنا اللي اعرفه طول عُمري إن ورق الجوكر عليه رسمة مُهرّج، ولابس بدلة فيها ألوان أزرق واحمر واصفر واخضر، ودايمًا بيكون لابس زعبوط بنفس ألوان البدلة، يِمكِن يكون في رسومات تانية وانا معرفش بيها، بس انا بتكلّم عن اللي شوفته، إنما دي لا، ورق الجوكر عبارة عن واحد بيضحك، لابس بدلة من لونين، أحمر في أسود، زعبوط البدلة لونه أحمر، وفي إيده عصاية، راسها عبارة عن راس الشَّخصية اللي في الرسمة، ده اللي شوفته في ال 3 ورقات، إنما الورقة الرابعة، واللي هي بتظهر على الوِش دايمًا مُختلفة، عبارة عن ورقة بيضا مكتوب عليها “JOKER” بحبر أحمر، دا انا حتّى حاسس إن لونه مختلف شويّة وأقرب للدَّم مش الحِبر، وكانت الشَّخصية اللي في الورقة مُخيفة، جُمجُمة لابسة زعبوط أسود، إيديها عبارة هيكل عظمي ماسِكة ورقة كوتشينة وبتقطعها، وكُنت ملاحظ إن صابع من صوابعها فيه ضافِر حاد جدًّا بيطلَّع نار، ولمّا دَقَّقت أوي لقيت في شَبه كبير جدًا بين ضافر الشَّخصية دي وسلاح الخنجر اللي شوفته جَنب ماجد ومِدحت وهمّا مدبوحين!
لقيتني برتِعش من الخوف، واللي زوِّد الموضوع أكتر، انّي افتكرت الحِلم اللي حلمته لمّا خدت بنادول وحاولت انام بعد اللي حصل لماجد، وساعتها شوفت في الحلم تامر وراسه عبارة عن جُمجُمة وكفوف إيده هيكل عظمي، حسِّيت بشوك في جِسمي وانا بطابق بين صورة الجوكر اللي ف إيدي، بصورة تامر اللي شوفتها في الحلم، تامر كان بنفس الصورة اللي ف إيدي دي!
-شوفوا بقى.. أنتوا لازم تسمعوني.. أنا حاسس إن الكوتشينة اللي جابها تامر هي السبب في كُل اللي بيحصل.. دي بتظهر وتختِفي.. وورقة الجوكر بتظهر على وِش الورق من نفسها.. دي حتى شكلها مختلف ومخيف عن باقي ورق الجوكر.. دا انا حتّى شوفت تامر في حلم وكان ظاهر بنفس الشكل المخيف اللي على ورقة الجوكر.
وهنا لقيت تامر انفَعَل عليّا وبيقولّي…
-يخرب بيتك أنت عاوز تلبّسني مُصيبة!
ولقيتني برُد عليه بانفعال وبقولّه…
-أنا مقصُدش كِدَه.. ماجد و مدحت مامتوش منتحرين.. في حاجة غلط.. في حاجة المنطق مُش قادِر يوصلّها.. الكوتشينة دي وراها سِر.. اللي حصل في المرتين اللي فاتوا كان بعد اللي الاتنين قالوه…
وهنا رد صُهيب وهو بيبُصّلي ومستغرب وقال…
-بطّل جنان يا باسم.. يعني عايز تفهّمني انّي لمّا اقول خُد سيف.. كمان سيف.. كمان سيف.. هات الـ….
وياريته ما كان نَطَق!
الكَهربا انقَطَعِت، وانا خلاص، مُش هَحكي عن الباقي، أنا حكيته مرَّتين قَبل كِدَه، ومُش عايز افتِكره.
معدش فاضل منّنا احنا الخمسة غيري انا وتامر، بقى ييجي يِسهر معايا، وغالبًا كانت قعدتنا كُلّها مفيهاش كلام، لِحَد ما في ليلة واحنا سهرانين سِمعت نفس الصوت، حاجة حادّة بتخربش في الحيطان من تاني، ولقيت تامر بينتِبه للصوت، عرفت انّه سامعُه زيي بالظبط وانّي مُش بهلوس، وفجأة حيطان الأوضة بدأت تتملى خربشة، الصوت بيزيد، والحيطان بتتجرَّح، حطّينا إيدنا على ودننا عشان الصوت كان مُستفزّ جدًّا، دا غير انّه بيزوّد الخوف اللي أصلًا كان زايد لوحده جوّانا، لحد ما الصوت راح، ومفضِلش غير الخربشات اللي على الحيطان، ولقيتني بدون ما افكّر قايم رايح ناحية الرَّف، مسكت علبة الكوتشينة وفتحتها، وبرضو، نفس ورقة الجوكر هي اللي بقت فوق!
خدت العلبة وقعدت قُدَّام تامر وحطّيتها بيني وبينه، وهو بنفسه بدأ يقلّب في الوَرَق وشاف ازّاي ورقة الجوكر دي مُختلفة عن ال 3 ورقات اللي المفروض يكونوا زيّها، بَس المرة دي كان في حاجة غريبة، الوَرق بقى قديم! مكَنش كِدَه، عشان كِدَه لقيتني بسأل تامر سؤال…
-تامر.. أنت اللي جايب الكوتشينة دي.. جايبها منين؟
لقيته بدأ يرجع بالذّاكرة ويفتِكر، وبدأ يِحكي…
-أنا كُنت على القهوة لمّا عدّى راجل عجوز.. بيبيع روبابيكيا على عربية بيزُقّها قُدّامه.. كان معاه لِعَب وحاجات كتير قديمة.. مُش عارف إيه خلَّاني اروح عنده وابُصّ على الحاجات اللي معاه.. اشتريت منّه لعبة لابن اختي.. ولمحت علبة الكوتشينة.. افتكرت اننا معندناش.. قولت اجيبها نلعب بيها واهو تغيير.. بَس الراجل كان رافض رفض غريب انّه يبيع لي الكوتشينة.
ولمّا لقيته بطّل يحكي قولتله…
-وبعدين.. كمّل.
-خدت لعبة ابن اختي ورجعت على القهوة.. واستغربت انّ الراجل ده رفض آخد الكوتشينة.. قولت يِمكن هي تخُصّه ومش عاوز يفرَّط فيها.. بَس لمّا الراجل مشي وبعد شويّة بضحك على تصرُّفه.. وببُص على المكان اللي كان واقِف فيه.. لقيت علبة الكوتشينة واقعة منّه في الأرض.. دوَّرت عليه في الشوارع اللي كانت قُريّبة من شارع القهوة.. لكنّه كان فصّ ملح وداب.. ملقتوش.. قولت اهو كان نفسي فيها ورزقي.. بَس عشان الأمانة خلّيتها معايا 3 أيام.. وكُنت بقعد بيها على القهوة.. قولت يمكن ارتباطه بالكوتشينة يخلّيه يرجع يسأل عنها.. بَس الراجل مجاش.
وهِنا لقيتني برُد عليه وانا بخبط كَفّ على كَف…
-وقومت جايبهالنا احنا بقى!!
-أنت مصدّق يا باسم إن اللي حصل ده مُمكن يكون بسبب الكوتشينة؟!
-اعطيني انت سبب للي حصل.. إحنا عارفين كويس أوي إن التلاتة مستحيل ينتحروا.. واعطيني سبب إنّهم بيختفوا من هنا فجأة لما الكهربا تقطع بعد ما قالوا اللي قالوه كل مرّة.. وبيظهروا فجأة مدبوحين في أوضتهم.. بنفس الطريقة ونفس الخنجر، واعطيني سبب للي حَصَل في الأوضة قُدَّامنا دلوقت.. لسّه برضو هنقول منطق وإن مفيش حاجة غريبة في الموضوع؟!
تامر مكَنش عارف يرُد عليّا، عشان كِدَه قولتله…
كان بيبُصّلي باستغراب وهو بيسمعني، ولمّا حاول يتكلّم قولتله…
-ده اللي لازم يِحصل.
في اليوم التاني، قعدنا على القهوة لحد ما الليل دَخل، مكُنّاش بنعمل حاجة غير انّنا ندقق في وشوش اللي رايحين وجايين، لكن بدون فايدة، واليوم اللي بعده كذلك، لحد اليوم التالت، قاعدين واحنا فاقدين الأمل، والإرهاق قاتِلنا، لكن انتبهنا لصوت واحد عجوز بيندَه بصوت مِحَشرج…
-روبابيكيا.
وهنا لقيت تامر بيشدّني من إيدي وبيقولّي…
-الراجل يا باسم.
وعلطول طلعنا من القهوة وجرينا ناحيته، أوّل ما شاف تامِر عِرِفُه، وساعِتها تامِر طلّع علبة الكوتشينة من جيبه وقالّه…
-إيه حكاية علبة الكوتشينة دي؟! ليه رفضت تبيعهالي؟! وليه لمّا وقعت مرجعتش تدوَّر عليها؟! وليه حصّلنا كوارث مش مفهومة وعندنا شكوك إنّها السبب؟!
الراجل مردّش، زَقّ عربيته قُدّامه ومِشي، واحنا مشينا وراه، كان من وقت للتاني يلتفت وراه يلاقينا متابعينه، ساعتها كان بيسرَّع من خطوته أكتر، إحنا محبّناش نكلّمه طول الطريق، خوفنا حد يفهم إننا بنضايقه وتحصل مُشكلة معانا، استنينا نعرف آخره فين، وفعلًا، كان واخد العربية ورايح في مكان متطرَّف من البلد، ناحية المقابر، لحد ما وصل عند أوضة ووقف قُدّامها، فهمنا إنه ساكِن فيها، ولمّا فتح بابها كانت مليانة روبابيكيا، وكان ظاهر فيها مرتبة في الأرض، تقريبًا هي دي اللي بينام عليها، بصّيت حوالينا ملقِتش في حد موجود، خدتها فُرصة وبدأت أكلّمه…
-إحنا عاوزين نِعرف إيه حكاية الكوتشينة دي!
ولقيته بيرُد عليّا بكُل هدوء…
-اتخلّصوا منها.. ادفنوها.
انا ردّيت عليه وانا مُنفعل وقولتله…
وبرضو الراجل كان بيرُد بهدوء…
-ولو الكوتشينة دي مندفنِتش الرابع هيموت.. وهيكون واحد منكم.. ولو الرابع مات قوّة الجوكر هتزيد.. وهيبقى أشرس من الأول.
هِنا حسِّينا إن الراجل هيبدأ يتكلّم، عشان كِدَه بدأنا نِسايس فيه وقولناله…
-عاوزين بَس نِعرف سبب موت أصحابنا مُش أكتر.
وهنا الراجل طلب مننا ندخُل الأوضة، الحقيقة ريحتها كانت مُقزِّزة جدًّا ودي حاجة كُنّا متوقّعينها، قعدنا على المرتبة اللي في الأرض، وبدأ الراجل يتكلّم…
-الكوتشينة دِي ملعونة.. باختصار محبوس فيها روح قاتِل أمريكي شِرّير.. كان مسمّي نفسه الجوكر.. السُّلطات هناك أمرت بقتله.. وطلبت من ساحِر هناك إنّه يِحبِس روحه في أي حاجة عشان يبقى خلَّصت المُجتمع من شرَّه تمامًا حتى بعد موته، الكلام دَه كان سنة 1860، السَّاحر فكَّر في طريقة ينفّذ بيها طلب السُّلطة، وفي الوقت دَه كانوا في أمريكا لسّه مِدَخلّين ورقة الجوكر جديد على الكوتشينة.. واللي القاتل كان مسمّي نفسه على اسمها.. عشان كِدَه الساحر قرَّر إنه يِحبس روحه في ورقة جوكر.
ولقيت تامِر بيرُد عليه وبيقولّه…
-اشمعنى الجوكر يعني.. ليه مُش أي رسمة تانية!
ولقينا الراجل بيرُد على السؤال ويقول…
-مكنش ينفع.. أصلًا الكوتشينة اختراع صيني.. كُل رسمة عليها كانت بتمثل شخصية من شخصيات الملوك هناك زمان.. وهُما من عادتهم إنهم كانوا بيحصَّنوا الملوك من قوى الشَّر.. فمكنش ينفع يحبس روحه في أي ورقة غير الجوكر اللي هي أصلًا ضافوها في أمريكا وقتها.
وهنا جِه في بالي سؤال سألته للراجل فجأة…
-وأنت عِرِفت المعلومات دي منين والكوتشينة وصلتك ازّاي؟!
-الكوتشينة لقيتها في بيت قديم من حوالي 40 سنة.. كان صاحبه غاوي جمع أنتيكات.. بَس في آخر حياته انتَحر.. دَبَح نفسه.. ومكَنش له ورثة.. حاجاته راحت وقتها لجمعيات خيرية زي ما هو كان موصّي.. وانا لمّا البيت فِضِي روحت ودخلت بالليل.. قولت يِمكن ألاقي كام حاجة أسترزق منهم طالما ماعدش ليهم صاحب.. لقيت شويّة ساعات قديمة وعلبة الكوتشينة دي.. خدتهم.. بَس لمّا رجعت بالحاجات للأوضة هنا حسّيت بحاجة غريبة.. كأن في حد معايا.. ويومها نِمت وبدأت أحلم.. وكان بيجيلي تحذيرات في الحِلم من الكوتشينة.. وحِلم ورا التاني عرِفت إنّها السَّبب في إن الراجل صاحب البيت ينتحر.. دا دبح نفسه بخنجر.. وفي آخر مرة حِلِمت شوفت ناس بيحاولوا يتخلّصوا من قاتل، وشوفت طقوس حبس روحه في ورقة جوكر، أنا محدّش حكالي حاجة.. كُل دَه كان في أحلام وكوابيس بتجيلي بسبب الكوتشينة دي.. أنا متأكّد مليون في الميّة إنها ملعونة.
الراجل كلامه صح، إحنا أصحابنا التلاتة ماتوا بنفس الطريقة اللي الراجل قال إن صاحب البيت انتحر بيها، وحتّى قال انّه دبح نفسه بخنجر، نفس اللي حصل بالظبط، بَس الراجل هنا كمّل وقال حاجة لَفَتِت نظرنا…
-الكوتشينة دي لازم تندِفن قبل ما حد فيكم يتقتل.. لو حد رابع مات اللعنة هتزيد.. هو أصلا عشان يُخرج للحياة تاني لازم يقتِل أربعة من نفس المكان.. أربعة بعدد ورقات الجوكر اللي في الكوتشينة.. الشَّرط دَه مَكنش متحقق قبل كِدَه.. لكن واضح انّه اتحقَّق فيكم.. عشان كِدَه لمّا رفضت ابيع الكوتشينة لصاحبك.. الكوتشينة اختارته ووقعت منّي.. كان عارف إن الشرط دَه متحقَّق فيكم!
كُنا واقفين مذهولين، بَس تامر قالّه…
-طيِّب نتخلَّص منها ازّاي؟
وهنا الراجل قال…
طلبنا من الراجل يساعِدنا، واتفاجأنا انّه متأخَّرش علينا، خد مننا العلبة وطلَّع منها الكوتشينة، سَحب منها ورقات الجوكر ودفن الباقي عنده في الأوضة، بعدها خدنا ودخلنا المقابر اللي كانت قُريّبة منّه، وقبل ما نروح خدنا معانا فَاس كان في أوضته، ولمّا دخلنا المقابر كُنا ماشيين وراه، كان حافظها، وعارف إيه الأماكن القديمة اللي فيها، واللي محدش بيهرس فيها كتير، كان بيشاور على مكان بيختاره وبيطلب مننا نُحفر حُفرة عميقة، وبعد ما نخلَّص كان بيحرق ورقة من ورق الجوكر ويرميها في الحُفرة، ولما النار تنطفي وتتفحَّم، كان بيُطلب منّنا نِردِم الحُفرة فوقها.
عملنا كِدَه مع ال 3 ورقات، لحد ما وصلنا للورقة إيّاها، اللي هي أصلًا سبب الكوارث كُلّها، ولقيته بيسألنا عن مكان من اللي اندفن فيه حَد من أصحابنا التلاتة، وفعلًا كُنا قُريِّبين من القبر اللي اندفن فيه ماجد، أوّل واحد اتقتل، خدنا الراجل وروحنا، ولمّا وصلنا طلب مننا نُحفر قُدّام القبر، وفي الحُفرة دي، رَمى ورقة الجوكر الملعونة بعد ما حرقها، ولمّا النار انطفت واتفحَّمت طلب مننا نِردِم عليها، ولمّا سألناه إشمعنى عمل كِدَه في الورقة دي بالذات، رد علينا بكُل هدوء وهو بياخُد نَفس عميق…
-أعتقد مفيش روح ظالمة هتقدر على روح اتظلمت منها.
وبعدها خد الفاس على كِتفُه وهو بيقول…
-أنا كِدَه مُهمّتي خِلصِت.. بس لازم تعرفوا إنّي ماليش ذنب في اللي حصل.. الكوتشينة هي اللي اختارِتكم.
مكُنتش عارف ألوم تامر ولا ألوم مين بالظبط، يعني لو مكنش طلب الكوتشينة من الراجل مكَنِتش الكوتشينة اختارتنا زي ما الراجل بيقول، ولا كان حَصَل اللي حَصَل، بس تامر كان هيعرف منين إن دَه هيحصل، وفي الأوّل والآخر، هو نصيب، وكُل واحد هييجي وقته هيموت، وفي الموت مينفعش نلوم حد، الأسباب بتتعدّد والموت واحد.
لمحنا الراجل وهو بيبعد والفاس على كِتفه، ولمحت الحُزن على وِش تامر، كأنه كان بيأنِّب نفسه، وقالّي وصوته مخنوق كأنه هيبكي…
-يلا يا صاحبي نروَّح.
وساعتها قولتله…
-لا.. مُش قبل ما نِقرأ الفاتحة على روح اصحابنا اللي ماتوا.
***
تمَّت…