روايات شيقهرواية العازف

نوفيلا العازف للكاتبة شاهندة الفصل الثالث

ثقة أم غرور؟

لن تتوقف حياتي على أمير لم يأتي أو صديق طعنني في ظهري أو أب قلل من شأني و لن أنتظر أحد ليشعرني بقيمة نفسي. أعرفها جيدا، فأنا فتاة قد قلبها من مرمر وعقلها من صخر أمزج مابين العاطفة والحكمة، أساند كل من يحتاجني دون تردد وأتوسم الخير في من حولي حتى يظهروا العكس. لا شيء يقف أمامي أو يحول دون وصولي لما أريد. أصارع حتى مخاوفي لأتغلب عليها وأثبت للجميع أنني لا أقهر ولست فتاة ضعيفة كما إعتادوا معاملتي، بداية من والدي الذي طلق أمي ليحصل على الولد. حسنا أنا افضل ألف مرة من ألف ولد، وختاما بصديقة أرادت بي السوء فنجاني الله ووقعت هي في نفس الفخ الذي أرادته لي.

يحذرونني من الغرور، يقولون بينه وبين الثقة بالنفس شعرة. إن كان في إيماني بأني قلب يستحق الأفضل غرورا فأنتم حقا لا تعرفون شيئا عن الغرور.
عذرا ياصديقتي لقد جاءت نجوى، اتصلت بك مرارا فلم تجيبي على أي من اتصالاتي.
لا بأس ياميوش، لقد جئت أليس كذلك؟ سأكتفي بمراقبتكم، أوحشتني تلك اللعبة كثيرا.
ثم غمزت مردفة بمرح: ولكن الخسارة لكن بكل تأكيد، ستفتقدن مشاهدة مهاراتي باللعب. كنت سأهزمكن جميعا دون شك.

تهزمين الجميع أليس كذلك؟ لا نود أن يفوتنا شيء كهذا.
استدارت بسمة لترى محدثها فوجدت أمامها رجل وسيم للغاية، عيونه زرقاء في لون السماء الصافية تتألق بنظرة ساخرة لدهشتها لم تثر حنقها كما تفعل هذه النظرات بها عادة، فقط كل مادار برأسها كم هو جذاب هذا الرجل في زي الشيش الأبيض الرائع، وكأنه خلق له. لتجد نفسها تردد بهمس: من أنت؟

أسرعت مي تقول معرفة به: إنه مدرب الشيش خاصتنا، الأستاذ رائف عز الدين. صديقتي بسمة أيها المدرب، طلبت منها الحضور للحلول مكان نجوى.
رائف رائف رائف
وجدت عقلها يردد إسمه دون هوادة حتى أنه تفوه ببضع كلمات عجزت عن سماعها فرددت قائلة: عذرا ماذا قلت؟
مال فمه بابتسامه ساخرة توافقت مع نظراته الآن وهو يقول: طلبت منك أن تشاركينا اللعب لنرى هذه المهارات التي تحدثتي عنها.

اضطرابها هذا أمامه غريب عنها، لا تذكر أنها شعرت به أبدا أمام رجل. جالت بعينيها في المكان قائلة: يوم آخر بكل تأكيد فكما ترى لا شريك لي في اللعبة.
اقترب منها بخطوات ثابتة سحبت منها أنفاسها بالكامل حتى وقف أمامها مشيرا إلى نفسه وهو يقول بهدوء: لقد وجدتي شريكك، هيا ارتدي ملابسك واستعدي جيدا لأول هزيمة لك.

تركها مبتعدا يتجه لأحد الزوجين في القاعة، لتقترب مي منها قائلة بصدمة: ياللهول. لقد تحداك المدرب، سيلاعبك بنفسه. هذه سابقة بكل تأكيد. استعدي للهزيمة يافتاة.
تابعت بسمة توجيهاته للاعبين قائلة: هل هو ماهر إلى هذا الحد؟
بل الأمهر على الإطلاق. ألم تسمعي عنه من قبل.
عقدت بسمة حاجبيها قائلة: ربما ولكني حقا لا أتذكر شيئا الآن.

حسنا دعيني أخبرك عنه كل التفاصيل. إنه رائف عز الدين لاعب سلاح الشيش. بطل أولمبي، تفوق على العديد من اللاعبين وأطاح بأبطال العالم باللعبة، أعدوه قنبلة مدوية وتوسم فيه الجميع أن يكون بطل العالم لسنوات عديدة ولكن منذ ثلاث سنوات…

نعم نعم، تذكرت. بعد أن أطاح بالبريطاني مايكل روبيرت محققا عليه الفوز بنتيجة 12 15 و تأهل إلى الربع النهائي خسر أمام الأمريكي توم فورد حين أصيب عندما مد كتفه أكثر من اللازم فتلقي ضربة من الخصم وخسر المباراة، توفيت أمه فأعلن إعتزاله بعدها لتكون هذه الخطوة نهاية مشواره البطولي. سمعت عنه بكل تأكيد ولكن تلك المرة الأولى التي أراه فيها.
واو. موسوعة أنت يافتاة. حسنا. هل أدركت الآن قوة خصمك؟

أشاحت بسمة بوجهها عن رائف تطالع صديقتها قائلة بمرح: بل بت أثق بقوتي أنا، لقد هزم مدربك من قبل وقد يهزم مجددا، أما أنا فلم أهزم قط وقادرة تماما على هزيمته. سأذهب لأبدل ملابسي وأعود فألقن هذا المغرور درسا.
تابعتها مي قائلة: مسكينة يافتاة، ستكون هزيمتك على يديه صفعة مؤلمة لكبريائك ارجوا أن لا تؤذيكي، فرغم كل القوة التي تدعينها أدرك كم هش قلبك لايقبل بالهزيمة. قد يتحطم حينها بكل سهولة.

كانت تقف على الطريق تنظر بإتجاه السيارات، سيارة أجرة واحدة هي جل ماتريد. نظرت إلى ساعتها، لقد تأخرت عن المكتبة ولابد أن تلحقها قبل أن تغلق أبوابها.
لا سيارات أجرة قد تمر بالجامعة في مثل هذا الوقت، رحل الجميع. لقد تأخرتي آنسة أحلام.
استدارت أحلام تطالع محدثها قائلة: أستاذ حد…

تبا لقد كادت ان تنعته بهذا اللقب السخيف لولا أن أمسكت لسانها بآخر لحظة، لتمر بيدها على شعرها بتوتر وقد لاحظت لمحة من الألم في مقلتيه، فكرت بصدمة هل يعرف أستاذها بلقبه بين الجميع؟ تنحنحت قائلة: احمم. لقد مر بي الوقت وأنا أنقل المحاضرات من دفتر صديقة لي، حمقاء أليس كذلك؟ كان من الممكن أن آخذه معي إلى البيت ولكنني أردت نقل المحاضرات وإعادته لها دون تأخير فلم أفق من غفلتي إلا حين أخبرني العامل أن جميع الطلاب قد رحلوا وإذا بي لم أكمل النقل ولم أعيده إليها حتى وسأتأخر أيضا عن المكتبة فتغلق أبوابها بوجهي ويكتمل اليوم حقا.

قد أساعدك في الأخيرة، هيا سأوصلك إلى المكتبة في طريقي.
قالت بلهفة: ستفعل! لا أعرف حقا كيف أشكرك.
ابتسم بهدوء مشير لها بتقدمه فأسرعت تجاه السيارة تحمد الله على عرض أتاها في الوقت المناسب. تماما.

تبا. إنه ماهر باللعب حقا، يصد هجماتها بكل سهولة ثم يسدد ضرباته فتتفادي البعض منها بينما يحقق هدفه من البعض الآخر، هي بدورها قد استطاعت احراز بعض الأهداف ولكنها شعرت بنفسها ضئيلة أمامه وأن ثقتها بنفسها تتزعزع حقا وستزول ان لم تستطع تحقيق أهداف الأخرى.
هدف آخر.
هتفت بسمة بحماس فقال بهدوء: لا يحتسب لقد تجاوزتي حدود الحلبة.

طالعت موقع قدميها بحنق ثم نظرت إليه وهي تتقدم إلى داخل الحلبة، ربما اختفت نظرته المتهكمة وابتسامته الساخرة وظهر بمقلتيه بعض التقدير لكنه بكل تأكيد مازال يثير بداخلها غيظا بلا حدود. بدآ القتال مجددا فأحرز رائف نقطتين اضافيتين ليصفق الجميع وقد فاز بنتيجة 11 15، انحني لها فبادلته انحنائته ثم استقامت تقول من بين أسنانها: مبارك.

غادرت على الفور لتبديل ملابسها دون أن تنتظر رده، ثم خرجت من غرفة الملابس فوجدته أمامها، طالعته بحنق قائلة: هل جئت شامتا؟
لا أحد يشمت في خسارة منافسه سوي صاحب نفس مريضة وأنا بالتأكيد لا أملكها. جئت أهنئك على أدائك، ربما فزت انا بالمباراة ولكنك أبديتي مهارة في اللعب وأداء يستحق الثناء.
هل كانت غاضبة منه منذ لحظات؟ لا تذكر هذا مطلقا الآن وقد راقت لها كلماته وأعادت لها بعض الثقة.

حسنا شكرا لك. والآن إعذرني فقد تأخرت.
غادرت بخطوات سريعة تقاوم رغبة عارمة طالبتها بالبقاء لتتوقف حين سمعته يناديها بإسمها. ترى كيف عرفه؟ من صديقتها بالطبع. تساءلت هل صارت حروف اسمها نغمات موسيقية؟ لقد جنت بكل تأكيد.
استدارت تطالعه متسائلة فاقترب منها بخطواته الرجولية الرائعة، لتسأل بسمة من الله الثبات. توقف أمامها قائلا: لدينا بطولة قادمة.

طالعته ببلاهة لا تفهم مقصده فأردف قائلا: قد نحتاج إلى فتاة ماهرة مثلك في فريق الفتيات لنضمن الفوز لنادينا.
تود أن أنضم إلى الفريق؟!
نعم.
دائما؟!

اكتفي بايماءة بسيطة من رأسه وابتسامة تراها للمرة الأولى، لا تدري مالذي فعلته بكيانها ولكنها وجدت خفقاتها تدوي بكل مكان حتى أنها أصابتها بطنين في أذنيها وجعلتها تهز رأسها دون وعي، لتتسع ابتسامته وهو يمد لها يده قائلا: إذا اتفقنا، سننتظرك بالغد أنا ومدير النادي لابرام كل العقود والتسجيلات.

مجددا تهز رأسها ببلاهة وتمد يدها إليه دون ارادة منها، تلامست الأيدي وحينها شعرت بتيار كهربي يصعقها بقوة شديدة لم ينقطع حتى قطع هو التحام أيديهما وغادر تتبعه بعينيها حتى اختفى من أمامها لترفع يدها وتضعها على خافقها مرددة بهمس: جاء أميرك يابسمة فاستعدي لأيام من السهر والاشتياق والشجن قبل أن تحظى به.
عقدت حاجبيها وهي تفكر.
أميرك يافتاة. حقا؟
ترينه للمرة الأولى وتسميه أميرك؟

حتى وان كان. ماذا لو كان مرتبطا؟
ماذا ان كان كل مايهمه هو مهاراتك باللعب؟
ماذا لو لم تثيري اهتمامه أبدا؟
وماذا ان كان كل ماجذبك إليه اختلافه؟
لتضرب رأسها بخفة، فقد أصابها مس كصديقة السكن. تماما.

فركت أحلام مابين حاجبيها بضيق، لقد وجدت المكتبة مغلقة وضاع منها يوم، ستضطر للضغط على نفسها كي تنهي البحث بالغد، صوت أعلن عن وصول رسالة ففتحت هاتفها تطالع رسائلها، انها رسالة من والدتها الحبيبة. ابتسامة حانية اعتلت ثغرها وهي تجيبها، لاحظها مرافقها فشعر بغصة في قلبه، أتخص برسالتها تلك حبيب ما؟

وجدت رسالة من بسمة ففتحتها فإذا بها فيديو لليلة الحفل، وضعت يدها على فمها بصدمة تقرأ المكتوب أسفل الفيديو وتشاهد مقطع منه. مدت أناملها تمررها على شاشة الهاتف بحنين لمشاعر لم تفارقها منذ الأمس ثم تذكرت والديها، ماذا لو شاهدا الفيديو؟ سيعرفانها بكل تأكيد رغم ذلك القناع على وجهها وسيجبرانها على الزواج من ابن عمها، ياالله ماذا تفعل؟
هل ضايقك شيء بهذا الفيديو؟

أغلقت الهاتف على الفور قائلة: ها. لا. لم يضايقني مطلقا. ولماذا يضايقني؟
لا أعرف ولكنني شعرت بذلك، ربما أردتي ان تكوني مكانها، لا أدري ماالسر وراء هذا العازف ولماذا تتهافت عليه الفتيات؟
موسيقاه. انها رائعة تحادث القلوب مباشرة، تتغلغل إلى الروح فتسكنها وتصيبك بحالة عجيبة وكأنك انتقلت إلى الجنة لبضع دقائق فقط هي زمن معزوفته.
تحبين الموسيقى؟
أعشقها و…

كادت تقول وأعشق صاحبها ولكنها ألجمت لسانها، ربما مازال الوقت مبكرا لتصف مشاعرها بالعشق ولكنها تشعر به يسري في وجدانها يجعلها تتلظي بنيران الاشتياق لتكون مجددا بين ذراعيه حين تمر بخاطرها صورته وتدوي في أذنها موسيقاه.
و…
نظرت إليه متسائلة عن مقصده فقال: قلتي تعشقينها و…

أعشقها فقط، الموسيقى غذاء للروح كما يقولون. وموسيقى العازف مميزة تشعر بها تدغدغ مشاعرك وتصل إليك بكل سهولة تمنحك بالضبط ما تبغيه من سعادة.
أنا اعشق الموسيقى بدوري أراها تصل بين الأرواح وتسمو بها ولكني أراك تبالغين فيما يخص موسيقى العازف.
إذهب إلى أحد حفلاته وستجد انني لا أبالغ بالمرة.
وهل ستذهبين؟
بكل تأكيد، سأبحث عن حفلته القادمة لأذهب وأراه.
ربما سآتي معك لأثبت لك فقط أنك تبالغين.
اخبرتك. لا أبالغ.

حسنا حسنا. سنرى.
لقد وصلنا.
أوقف هشام سيارته لتغادرها مغلقة بابها خلفها قبل أن تميل محدثة إياه عبر النافذة قائلة برقة: ربما لم ألحق المكتبة ولكن شكرا لك على أي حال.
ابتسم فغادرت بخطوات رشيقة باتجاه المنزل، سمعته يقول: لا تنسي حفلة العازف القادمة.
استدارت تهتف: لن أنسى.
ثم تابعت سيرها بينما تابعها هو بعينيه قبل أن يمد يده ويضعها على خافقه قائلا: إهدأ أيها القلب العنيد، فمازال الطريق إلى المستحيل طويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى