لسة برضه بتضايقك بكلامها؟
تنهدت هند قائلة: اتعودت خلاص ومبقتش تفرق معايا ياصفية، يمكن مرضى صغر كل حاجة في عينيا حتى كلام حماتي.
قالت صفية بحزن: ربنا يشفيكي ويعافيكي ياحبيبتي.
يارب. المهم سيبك مني وقوليلي مش آن الأوان تنزلي الشغل من تاني، ترجعي لحياتك وتشغلي وقتك عشان تنسى أحزانك.
ومن امتى الشغل بينسينا الحزن اللي كاسر قلوبنا ياهند؟ مش كل الحزن ممكن نمحيه من روحنا او نشغل بالنا عنه، أول ماهيضمنا الصمت هيحاوطنا بكل قوته ويعذبنا من أول وجديد.
وبعدين ياصفية؟ حالك مش عاجبني وانت قافلة كدة على نفسك، لا بتخرجي ولا بتشوفي حد.
ويعني انا اللي عاجبني حالك ياهند؟ قاعدة وراضية بعمايل حماتك وكلامها اللي زي السم.
أنا خلاص رجل جوة ورجل برة وهي حرة بقى، ذنبي في رقبتها.
ليه بتقولي كدة بس؟ هو انت مش بتاخدي الجلسات في ميعادها. يبقي هتروقي وهتبقي زي الفل.
تنهدت هند قائلة: صحيح باخذها ياصفية بس بفكر أوقفها.
انت اتجننتي؟ توقفي ايه بس؟ دي الأمل في انك تكوني كويسة.
أمل معطوب ومخيب للآمال ياصفية، فلوس بتنصرف على الفاضي ومفيش أي تحسن. ده حتى شعري بيقع جامد. وده مأثر جامد على نفسيتي، ده غير اني برجع من الجلسة أقعد يومين مش قادرة أرفع ايدي لودني.
ياحبيبتي ياهند، ياريت كنت أنا ومكنش صابك اللي صابك ده.
متقوليش كدة ياصفية ربنا يخليكي لطنط نبيلة.
على فكرة بقى انت واحشة خالتك ونفسها تشوفك ولولا محرمة دخولها البيت عندك من ساعة ما اتخانقت مع حماتك في آخر زيارة كانت جت وشافتك.
حماتي دي مش سايبة حد في حاله، ربنا يهديها بقى.
الصنف ده عشان يتعدل بيبقى عايز ياخد بالشبشب فوق دماغه.
ده انا كنت اتطلقت فيها، هو انت مش عارفة غلاوة حماتي عند عادل.
صحيح أخبار عادل معاك إيه؟
لا أعرف حبيبتي كيف أصف لك شعوري، هناك شيء تغير به. ربما لم يعد يحبني كالماضي، أراه دوما متجهم الملامح، يراعيني في مرضى نعم ولكني أشعر به مجبرا وكأنني صرت حمل ثقيل عليه أو عبء يرغب في الخلاص منه ولكن يمنعه ربما رفات حب تقاوم الظروف والمرض ووسوسات شيطانية. فهل سيستطيع الصمود؟ سنري.
محتار يعملي إيه. بيحاول يخفف عني بكل حاجة ممكنة في ايديه، مش هامه شكلي اللي اتغير ولا شعري اللي وقع وكل مايشوفني لابسة الحجاب عشان أداريه يشيله ويقولي انت عاجباني كدة. شايفك زي أول مرة شفتك فيها قمر 14 ياهنودة.
لماذا لا أستطيع تصديقك ياابنة الخالة؟ هل هي المرارة في صوتك أم إدراكي كم هو أناني هذا العادل لا يفكر سوي في نفسه فقط ولا يهمه سوي رغباته.
ياهند. انت ياهانم.
سمعت هند نداء حماتها فأسرعت تقول: هسيبك دلوقتي ياصفية وهبقي أكلمك لما تيجي خالتي من السوق عشان هي كمان وحشاني وعايزة أسمع صوتها. سلام دلوقتي.
سلام ياحبيبتي.
أغلقت هند الهاتف وهي تستغفر قبل أن تضع الحجاب على رأسها وتخرج إلى حماتها.
أنهت هند إعداد الطعام بصعوبة، تشعر بالوهن يسري في جسدها والرؤية تزوغ لديها، خرجت من المطبخ تستند إلى الحائط حتى وصلت إلى الأريكة فجلست عليها قليلا تود استعادة أنفاسها التي سحبت منها بالكامل، خرجت حماتها في هذه اللحظة من الحجرة لتراها جالسة، عقدت حاجبيها واقتربت منها تتخصر قائلة: الهانم قاعدة ليه؟ خير ان شاء الله يعني؟ خلصتي أكل جوزك ياست هند؟
استغفرت هند في سرها قبل أن تقول ببرود: آه خلصته.
برضه قاعدة ليه؟ ماتقومي تروقي الزريبة اللي انت قاعدة فيها. اعملي بلقمتك وعلاجك على الأقل.
نهضت هند تقول بوهن: من فضلك راعي كلامك أنا حقيقي زهقت.
مش باين ياعين أمك، ده انت جبلة، واحدة غيرك كانت سابت الراجل في حاله وطلبت الطلاق بدل ماهي مبيعاه اللي وراه واللي قدامه عشان يعالجها من مرض ملوش علاج أساسا. يعني فلوس بتترمي في الأرض.
آلمتها كلمات حماتها كالعادة، ولكن هذه المرة وجدت نفسها غير قادرة على الصمت وهي تعايرها بمرضها وتطلب منها الافتراق عن زوجها لتقول بحنق: المرض مش بإيدينا ياست نجية، ده ابتلاء من ربنا والفلوس اللي بتعايريني بيها دي فلوسي انا اللي اديت لعادل كل حاجة كانت معايا عشان يدخل شريك في المشروع وقلتله ميقولش لحد حتى ليك، في الوقت اللي انت بخلتي فيه بفلوسك وادعيتي ان ممعكيش رغم اني شفت بعيوني جواب البنك وعارفة معاك قد إيه.
قالت نجية بغضب: انت بتفتشي في الورق اللي بيجيلي ياست هند؟
مش طبعي ولا أخلاقي، هي جت صدفة واستلمت أنا الجواب وانت مش موجودة عشان ربنا يكشف سترك.
قالت جملتها الأخيرة بوهن فأسرعت تجلس مجددا وقد شعرت أنها على وشك السقوط، بينما نظرت حماتها إليها بحنق تود لو تخنقها وتستريح منها ولكن مهلا ستدع الأمور الآن تتوعد لها في القريب العاجل بفراق اكيد عن ولدها، نظرت إلى الساعة قبل أن تلمع عيناها وهي تقول: اقعدي ارتاحي وأنا هروق الصالة. وهي فيها ايه يعني لما أساعدك ياحبيبتي؟
أمسكت المكنسة وشرعت تكنس بينما قطبت هند جبينها تتعجب من كلمات حماتها الحانية. هل رقت لها؟ ولكن مالبثت أن فهمت سر تبدل أحوالها حين سمعت المفتاح يوضع بالباب ثم يفتح ويظهر على عتبته عادل، لتتظاهر حماتها بالتعب فأسرع عادل يسندها قائلا: اقعدي ياماما متجهديش نفسك.
قالت نجية تتظاهر بالوهن قائلة: سيبني ياابني أكمل شغل، يعني مين اللي هيعمل بدالي؟ ماانت عارف اللي فيها وأنا حكيالك.
نظر عادل بحنق لزوجته قائلا: فيه ايه ياهند؟ ماتقومي تكنسي انت الصالة، مش هتتعبك علي فكرة. ماانت عارفة اني أمي ست كبيرة ومينفعش كل يوم هي اللي تطبخ وتكنس وتمسح، أنت مش عاجزة يعني عشان تسيبيها تعمل كل ده؟
طالعته بصدمة وهي تنهض قائلة: انت بتقول ايه؟ مين اللي بيطبخ ويمسح ويكنس كل يوم؟ مامتك؟ هي قالتلك كدة؟ محصلش طبعا.
انت بتكدبيني ياهند؟ عايزة تقولي انك اللي بتعملي كل ده؟ ماشي ياستي متزعليش نفسك. انت اللي بتعملي. وهو انا يعني بعمل عشان اقول اني عملت، انا بعمل عشان ابني لما ييجي بعد شقاه طول اليوم يلاقي لقمة نضيفة وهدمة نضيفة وبيت نضيف يرتاح فيه زي مااتعود قبل مايتجوزك.
انت بتخرفي تقولي ايه؟
اخرسي ياهند انت اتجننتي؟
سيبها ياابني تغلط فيا، ما قلتلك قبل كدة ولاد الأصول مبيغلطوش وانت اللي صممت وروحت جبتها وهي لا أصل ولا فصل.
قالت هند بمرارة: ساكت ليه دلوقت ياعادل وهي بتعيب فيا. حلال ليها مش كدة؟ هو ده اللي ربنا أمرك بيه؟ تيجي عليا عشان ترضيها؟ رغم أنها ظالمة و…
لطمها قائلا: قلتلك تخرسي. انت مبتفهميش؟
طالعته بصدمة امتزجت بألم قبل أن تقول بصوت فارقته الحياة كملامحها تماما: لأ الظاهر اني مبفهمش فعلا عشان كان لازم أشوفها من زمان. اللي يعمل كدة في مراته. اللي كل مرة يكسرها كدة من غير بينة يبقى ملوش أمان ولا تنفع العيشة معاه. أنا خلاص جبت آخرى ورافضة اني اكمل بالشكل ده، انا هروح لخالتي ويا تعرف انك غلطان وتجيبلي شقة أكون فيها بعيدة عن والدتك ياتبعتلي ورقة طلاقي. وده آخر كلام عندي.
تركته وغادرت بعد كلماتها تلك، كاد أن يسرع خلفها يمنعها من المغادرة ولكن والدته أمسكت يده قائلة: رايح فين ياعادل وسايبني؟ اوعي تكون هتنفذلها طلباتها وتجيب شقة بعيدة عني، ده انا كنت أموت بحسرتي ياضنايا.
أمسك يدها قائلا بلهفة: بعيد الشر عنك ياأمي.
يعني مش هتجيبلها الشقة اللي عايزاها ياقلب أمك؟
منين بس ياأمي؟ ما انت شايفة. فلوس علاجها خلصت على اللي ورايا واللي قدامي، ده أنا ساحب نص الفلوس اللي شاركت بيها صديق.
فلوسها اللي اديتهالك مش كدة؟
قطب جبينه قائلا: وعرفتي ازاي؟
أطرقت برأسها تقول بحزن مصطنع: مش مهم عرفت ازاي. المهم اني عرفت وخلاص.
قال بحزم: من فضلك ياأمي متخبيش عليا وقوليلي عرفتي ازاي؟
رفعت رأسها تطالعه بحزن قائلة: من يوم مااديتك الفلوس وهي في الرايحة والجاية تعايرني وتقولي أنا خيري على ابنك وانا اللي عملته وكلام كتير ملوش لازمة. هيييه. هقول ايه بس؟ هتستني ايه من واحدة قليلة الأصل. مش لو كنت خدت بنت عمك كان عمك اشترالك المحل كله وكانت فضلت تحت رجليك بدل الهانم اللي شايلها في مرضها وبرضه بتعايرك وتعاير أمك وتقل أدبها عليها. أنا مش عارفة بس باقي عليها ليه؟
عقد عادل حاجبيه يضم قبضتيه بقوة، يود الآن لو ارتكب جريمة قتل.
فتحت صفية الباب لتطالع شابا وقف يقول بعملية: مدام هند عبد الكريم؟
هزت صفية رأسها نفيا قائلة: لأ مش أنا. أي خدمة؟
هي المدام موجودة؟
نادت صفية هند لتحضر هند فقالت الأولي: الأستاذ عايزك.
عقدت هند حاجبيها قائلة: خير ياأستاذ؟
من فضلك تمضيلنا هنا بالإستلام.
أمسكت القلم تمضي قائلة: هستلم ايه يعني؟ أنا مش فاهمة حاجة.
لما تقري هتفهمي. عن اذنكم.
أمسكت هند الورقة تفتحها تجري عيونها على سطورها بصدمة بينما شهقت صفية تضع يدها على فاهها وهي تقرأ بدورها قبل أن تقع الورقة من يد هند وتقع هي بدورها مغشيا عليها.
لا يخيفني موت الجسد وإنما يخيفني موت القلوب و خذلان من ظنناهم السند، كسرتهم هذه لا يجبرها ألف إعتذار، تترك وجعا يكفيك العمر كله. ودموع تحرق لا تنضب أبدا. حين تدرك أنك أحببت شخصا غير موجود سوي بمخيلتك فلا وجود لأمثاله في الواقع. قد كنت وفيا أكثر من اللازم وكان خائنا أكثر من اللازم فعلمك ان لا تثق بأحد وأن لا تمنح قلبك مطلقا لأحد. ففي النهاية كلهم خائنون.
انت هتفضلي قاعدة حاطة ايدك على خدك كدة لحد امتى؟
طالعت هند ابنة خالتها قبل أن تشيح بوجهها قائلة: لحد ماأموت وأرتاح.
اقتربت منها صفية تمسك كتفيها قائلة: كل مااكلمك تجيبي سيرة الموت وكأنه بقى شيء عادي بالنسبة لك مش حاجة هتقهرنا لو حصلت. انت مستعدة ليه لكن احنا مش مستعدين نخسرك.
ليتهدج صوتها وهي تردف قائلة: احنا منقدرش نعيش من غيرك ياهند.
تساقطت دموع هند على وجهها قائلة: وتفتكري اني فرحانة بأن الموت قريب مني ومضطرة استسلمله ومقاومش. بس اعمل ايه. ماانت عارفة تكاليف العلاج وفي الآخر مفيش نتيجة يبقى ليه نضيع الفلوس على الفاضي؟
ملكيش دعوة. دي فلوس جهازي وانا حرة فيها. انت عارفة اني خلاص مش ممكن هتجوز بعد محمد، يعني الفلوس دي ملهاش لازمة بالنسبة لي لكن ليها بالنسبة لك. حتى لو نسبة الأمل واحد في المية. هنتمسك بيها عشان ترجعيلنا. قلتلك منقدرش نعيش من غيرك ياست هند. أغنيهالك يعني؟
احتضنتها هند على الفور تقول بحب امتزج بالعبرات: انا مش عارفة من غيركم كنت هعمل إيه؟
بس ياعبيطة ده انت اختي اللي ربنا رزقني بيها، صحيح اللي بيني وبينك سنة واحدة بس بحس اني أمك وأختك وصاحبتك وكل حاجة بالنسبة لك زي ماانت بالنسبة لي. نعمة من ربنا بحمده عليها في كل وقت.
سمعا صوت السيدة نبيلة بالخارج تنادي على صفية، فأخرجت هند من حضنها قائلة: هخرج لماما أشوفها عايزة ايه، أكيد جايبة حاجات من السوق وعايزاني أظبطها معاها. امسحى وشك وظبطي نفسك وحصليني. مش عايزة ماما تشوفك بالشكل ده. هتقهريها ياقلب خالتك.
مسحت دموعها وهي تقول: بعيد الشر عنها.
ايوة بقي. هو ده الكلام. خمساية وشك يهدي وتحصليني. ماشي.
هزت هند رأسها وهي تبتسم لقبلة هوائية أرسلتها إليها صفية قبل أن تخرج من الحجرة.
انت بتقولي ايه ياماما؟ متأكدة من اللي بتقوليه ده؟
الست رجاء جارتهم اللي قالتلي الكلام ده بنفسها ومش عارفة أوصله لهند ازاي؟
لأ توصليلها إيه بس؟ دي تنقهر فيها ولا يحصلها حاجة. آه الندل. بيتجوز وهو لسة مطلقها مبقالوش أسبوعين. منهم لله اللي معندهمش رحمة ولا ضمير…
قطعت كلامها وصوت تحطم يأتيهم من الخلف، ليتطلعوا إلى مصدره لتشهق نبيلة بينما تتسع عيون صفية هلعا وهم يرون هند متكومة على الأرض وبجوارها مزهرية محطمة ليسرعا إليها يبتهلان إلى الله أن تكون بخير وان تكون نوبة فقط ستتجاوزها. يرجوان أن لا تكون قد سمعت أي شيء من حديثهما وإلا لن تتحمل هذه الرقيقة اكثر ووقتها ستستسلم حقا للموت.