

من أول زيارة والدكتورة رغدة حست إن الحالة دي مش عادية وإن “النزيل رقم ٧” مش مجرد مريض نفسي.
بعد كام يوم متابعة، بدأت تجمع معلومات.
عرفت إن حمدي دخل المصحة من سنتين، بعد ما اتقبض عليه بتهمة قتل خمس أشخاص.
أصحابه القدام؟!.
***
في ضواحي أكتوبر، بعيد عن الزحمة والعين، كانت فيه مصحة اسمها “الرحمة للمسنين والعلاج النفسي”.
المكان هادي وشيك جدًا، فيه جناح للمرضى العاديين، وجناح تاني محدش بيدخله غير الدكاترة والممرضين المُختارين،
مسمينه “المبنى الأسود”!!.
الدكتورة “رغدة فؤاد”، دكتورة نفسية شابة، اتنقلت هناك جديد. واحدة من اللي عندهم ضمير ولسه فاكرة إن العلم ممكن ينقذ الناس.
أول يوم ليها، أخدوها للمبنى الأسود، دخلت أوضة فيها نزيل اسمه حمدي سيد فرج، عمره ٣٥ سنة، النزيل رقم ٧.
حمدي كان قاعد على السرير، جسمه نحيف جدًا، كأنه عضم بس، عينه مفتوحة على الآخر، بس مش بيبص لرغدة اللي دخلت عليه ونادت له بإسمه، حمدي كان بيبص للسقف، وبيهز راسه يمين وشمال ببطء!
كان واضح إنه شايف حاجة وبيتفاعل معاها كمان.
دكتورة رغدة بصت للحظات مكان ما هو باصص، بعدها دخلت أكتر وقعدت على كرسي جنب سريره وقالت:
– إزيك يا حمدي.. أنا الدكتورة رغدة، وجايه أتكلم معاك شوية.
حمدي من غير ما يبص لها قالها:
– انتي سمعاه؟ بيضحك أهو، بيقولك شكلك طيبة، بس طيبة زيادة عن اللزوم.. شكله حبك يا دكتورة.
ضحك حمدي ضحكة مكتومة وهو باصص لسه على السقف، يا دوب فتح بوئه وصوت الضحكة صامته؟!.
رغدة ردت عليه بهدوء وقالت:
– مين اللي بيكلمك يا حمدي، مافيش غيرنا في الغرفة أصلاً.
بص عليها في صمت، سكت شوية، وبعدين بدأ يضحك بصوت واطي، ووشه اتحول كأن حد تاني جواه بيضحك وبستحكم في أفعاله!
من أول زيارة، والدكتورة رغدة حست إن الحالة دي مش عادية وإن “النزيل رقم ٧” مش مجرد مريض نفسي؟!.
بعد كام يوم متابعة، بدأت تجمع معلومات.
عرفت إن حمدي دخل المصحة من سنتين، بعد ما اتقبض عليه بتهمة قتل خمس أشخاص.
أصحابه القدام؟!
الخمس جثث لاقوهم متقطعين في بيت مهجور في بني سويف.
الشرطة قفلت القضية “مختل عقلي قتلهم”، والقضية ماتت.
رغدة قررت تخاطر وتروح تدور على جذور الحكاية. عرفت عنوانه من الملف، وراحت بنفسها لبيت العيلة.
لما راحت، قابلت أخوه الأكبر، راجل ستيني ساكت وشه باين عليه التعب.
يا دوب عرفته بنفسها، وقالت له:
– حمدي كان عايش إزاي قبل ما يوصل للحالة دي؟
كانوا قاعدين في صالة بيت العيلة، بعد ما أخوه ربيع رحب وضايف الدكتورة، بص لها ورد عليها:
– كان شاب زي اي شاب، كان طبيعي، بيحب يقرا، وعنده شلة صحاب بس بعد ما أمنا ماتت، وحمدي بدأ يتغير، قعد لوحده في الأوضة، يقفل الباب بالساعات ويكتب.
وفي الآخر بقى بيكلم نفسه وبيقول إنه وافق خلاص.
بإستغراب الدكتورة سألته:
–وافق على إيه؟.
-معرفش بس أوضته لسه زي ما هي، لو عاوزة تشوفيها اتفضلي.
وافقت طبعا وحست إنه قصر عليها مسافة طويلة، دخلت الأوضة، شمت ريحة قديمة، هوا خانق، التراب مغطي كل حاجة، إلا مكتب صغير، راحت فتحت أول درج، لقت أجندة جلد سودة.
مسكت الأجندة وفتحتها، وبدأت تقرأ بعيونها السطور الصفحات كانت مليانة بخط صغير متوتر، كأنه كان بيكتب وهو بيرتعش.
كتب عن ليلة صعبة ومرعبة، راحوا فيها مع أصحابه لبيت مهجور، علشان “يجربوا حاجة جديدة”.
واحد فيهم جاب كتاب قديم من خاله، اسمه “قَسَم الدم”.
اللي يكتب اسمه فيه، ويبص في المراية، ويتعهد يقدم روح مقابل طلب بياخد اللي هو عايزه.
كلهم ضحكوا وأعتبروها مجرد أسطورة أو تخاريف، لكن حمدي
اللي كتب فيهم، حمدي اللي صدق!.
طلب “يعرف الحقيقة كاملة عن العالم الآخر”.
وأخد المرايا معاه.. ومن اليوم ده، بقى بيشوفهم.. كائنات، خيالات، كيانات مالهاش ملامح، بتزحف على الحيطان، وبتهمس له.
وبدأ يسمع صوت يقول له:
“مفيش رجوع.. انت المفتاح يا حمدي!.”
أيام من الهمسات، أيام من الوشوش اللي مقدرش يستحمل وجودها معاه في كل مكان يروحه، الأصوات بدأوا يطالبوه إنه… إنه يقـ.تل صحابه؟!!.
دخل في حالة هياج، بدأ يخسر نفسه بالتدريج، رفض كتير.. والزن كل يوم بيكتر، وفي النهاية….. عمل كده!!.
دبر خطة يجمعهم هناك في نفس البيت المهجور، بصعوبة وافقوا كلهم بعد أيام من المط والإعتذارات، كل اللي هو عمله إنه
قـ.تلهم وحرق البيت!!.
وفي النهاية كتب في آخر صفحة:
“أنا دفعت التمن، وبعت روحي، بس الشيطان وخدامه وعدوني إنهم مش هيسيبوني لوحدي.. وأنا مصدقهم.. بيطالبوني دلوقتي إني أروح لأصحابي.. وأنا شكلي هعمل كده فعلاً”.
رغدة قفلت الأجندة وهي بتنهج، قلبها بيدق بسرعة، إتخضت لإنها بمجرد ما قفلت الأجندة رن موبايلها فجأة.
رقم المستشفى وصوت بيصرخ وبيقولها:
-الحقينا يا دكتورة النزيل رقم ٧ انتحر.. قطع شرايينه بمسمار كان مخبيه.
وقع الموبايل من إيدها، رجعت المصحة تاني بسرعة من غير ما تقول حاجة لربيع أخو حمدي، اللي سألها مالك.
رجعت ولما دخلت المبنى، إستغربت إن المبنى فاضي، توقعت إنها هتلاقي لمه كتير.. وحكومة وإسعاف ودنيا، لكن ده محصلش؟!
طلعت وراحت غرفة ٧
لما دخلت لقيتها فاضية، مافيش فيها حس، بس لفت إنتباهها دم بينقط على السرير، بصت فوق تجاه السقف اللي كان حمدي باصص عليه، لقت كلمة مكتوبة بالدم على السقف:
(الدور عليكي).
بلعت ريقها وحست برعب شديد، وهي واقفة اتخضت على صوت أجش بيقولها:
-دريتي باللي حصل للمريض يا دكتورة؟.
كان عم لطفي عامل البوفية، خرجها من سرحانها، بصت ليه وهي بتنهج، من غير رد رجعت تبص على السقف تاني، ملقتش كلام موجود؟.. ولا حتى دم على السرير؟!.
-فيه حاجة يا دكتورة؟.
_لا.. لا يا عم لطفي مافيش.. قولي صحيح هو انتحر فعلاً؟.
– مات كافر يا دكتورة.. ايه ده هو كان بيبيع سبح.. ده مخلص على خمسة من صحابه.. اهو راح بقى والسلام.
سكت شوية لما لقاها سكتت، ورجع يقولها:
-بس اتأخرتي اوي يا دكتورة.. ده الواد عبود مكلم سعادتك من ييجي ٤ ساعات.
بصت له بصدمة، عايزه تقوله انه كلمها من حوالي ساعة، لكن فضلت الصمت..
بس إستغربت إن مافيش حتى عسكري موجود، ولا حتى الطب الشرعي ولا أي تحقيقات!!.
لما راحت لمدير المستشفى، وإستفسرت منه على اللي حصل.. رد
عليها ببرود وقالها:
-احنا اتصرفنا يا دكتورة، والجثة في المشرحة، وبعلم الشرطة، سيبك من الحالة دي وشوفي حالة تانية، ومتركزيش في اللي ملكيش فيه… ده لو عايزه تكملي معانا.
مشيت رغدة من مكتب المدير وهي مصدومة، وشاكه فيه، لكنها إنشغلت باللي بدأ يحصلها..
من بعد ما انتحر حمدي، الدكتورة “رغدة” حياتها اتشقلبت.
كل ليلة الساعة تلاتة الفجر تشوف نفس الكلمة، بس المرة دي على مراية التسريحة؟!
جربت تنام بدري، تمسح المرايات، مفيش فايدة.
وفي ليلة، جالها كابوس، شافت فيه أوضة حمدي جوه المصحة، بس متغيرة.
المراية اللي كانت على الحيطة، كانت بتعكس هيئة تانية منها، نسخة بتبتسم بس من غير عينين؟!!!.
وهي فاردة دراعتها تجاهها، وقبل ما تهرب، بمجرد ما لفت نفسها، لقت حمدي بيزحف بإيده ورجله وجاي عليها وهو بيصرخ وجلده بيسيح وبيقع كل ما بيتحرك!
دخلت الأوضه، وقفلت الباب بسرعة قبل ما يقرب حمدي منها، بهيئته المرعبة دي، كل حاجة في الغرفة زي ما هي، إلا إن المراية اللي كانت على الحيطة بقت مكسورة نصين، بمجرد دخولها، وفي نصها مكتوب بخط رفيع:
(اللي باع روحه ساكن جوه المراية)!!.
قربت تبص، شافت “رغدة” تانية، وشها متشوه، مبتسمة، وعينها سودة بالكامل.
فجأة حسّت بخنقة، وإن الغرفة بتضيق، والحيطان بتضيق أكتر..
إنعكاسها لسه فاردة دراعتها تجاهها، والغرفة بتضيق أكتر، معرفتش تعمل ايه غير إنها قربت للمراية أكتر
وفجأة اتشدت جواها!!.
***
فاقت من نومها مفزوعة، فضل الكابوس يطاردها أيام وأيام، مش فاهمه ليه بتشوفه بنفس تفاصيله، ليه هي أصلا؟.
بدأت تسمع أصوات بتهمس لها، وشوش كتير وكيانات غريية مرعبة، شيفاهم بكل وضوح، بيتحركوا في كل مكان، بين البشر..
على الحيطان والسقف
مع الكابوس المزعج، أصواتهم بتتردد جوه دماغها
-المرايااا.. المرااااياااا يا رغدة!..
حست انها بتتشد أكتر للمرايا خصوصا كل ليل..
طبعا الغرفة رقم ٧ إتقفلت من وقت اللي حصل، ومفتاحها كان معاها، الصوت بيتردد جواها بإصرار مزعج.
كل اللي عملته إنها كتبت في أجندة حمدي، في أخر صفحة فاضية من الأجندة
«لو إختفيت فجأة، هتلاقوني في غرفة ٧»
كتبت الجملة دي بدون أي تفاصيل، وبعدها بيومين، دكتورة رغدة إختفت تمامًا؟!!..
إسبوعين على غيابها، لحد ما مروان خطيبها لقى الأجندة، وشاف أخر صفحاتها، الساعة كانت بتقرب على ١٢ بعد منتصف الليل، لما قرر يروح المصحة
ويدخل الغرفة، إستغرب لما دخل المصحة ولقى استاذ بكري مدير المستشفى موجود، كأنه مستنيه!.
طلب مروان منه انه يروح الغرفة، وافق بكري على مضض..
ومشي وراه، وقف بيه بكري بدون كلام قدام الغرفة، وهو بيبص لمروان..
قرب مروان اللي لاحظ إن الغرفة مفتوحة، فتح الباب على أخره وشاف المرايا في واجهة الغرفة، وإنعكاس رغدة فيها بتبتسم له، وبتشاور له يقرب!
زي المسحور بدأ مروان يقرب وفي عيونه دمعة، بمجرد ما دخل، لقى بكري بيزقه للمرايا، وبيقفل الباب عليه..
وصوته المرعب اللي إتغير فجأة مع تغيير شكله، وقرونه اللي ظهرت وسط جبهته:
-لكل خادم لينا بيختار اللي هييجي بعده، ورغدة إختارتك، زي ما حمدي إختارها.. مكتوب تكون حبيس قسم الدم؟!.
صدرت من مروان صوت صرخة، لما إتشد للمرايا اللي سحبته بقوة، وساد الصمت مرة تانية في الغرفة… الغرفة رقم ٧.
تمت.