قصص

همسات من عوالم مجهوله

والدي رحمة الله عليه.. كان صابر صبر أيوب .. فضل قاعد علي كرسي متحرك 18 سنة .. وكمان ماقدرش يكمل تعليمهُ بسبب إعاقته !.
إعاقتهُ إللي أتولد بيها في دراعهُ اليمين .. جدي زمان في بيت العيلة، كان عنده استراحة.. استغلها وعملها كُتاب .. وفيها حفظ أبويا القرآن كامل وأتعلم القراءة والكتابة كمان .
وبعد وفاة جدي، أصبح بابا هو إللي بيدرس للأطفال في الكُتاب..
ومع الوقت بقى والدي بيعالج المس بالقرآن الكريم.. لله وبدون مقابل.
بس الموقف الوحيد إللي شوفتهُ بعيني هو اللي جاي احكيه النهاردة..
في سنة من السنين نزلنا البلد زيارة ولما دخلنا البيت مالحقناش نستريح .. دخل علينا العمدة ومعاه باقي المسؤوليين عن القرية .
طبعاً أبويا رحب بيهم .. وبدأ العُمدة يفتح الموضوع مع أبويا :
_ يا شيخ سيد احنا مستنينك بقالنا كتير .
ولما أبويا سألهُ عن السبب رد العمدة وقال :
_ في بيت في المنطقة إللي جنب مقابر البلد .. ملك لراجل من اهل المنطقة مسافر بقالوا سنين وعايش برة مصر ..الراجل دا عرفنا من قُريب إنهُ مات .. وورثته عايزين يأجروا البيت يعني علشان يستفادوا منهُ ماديًا .. بس العجيب بقى يا شيخ إن كل ما يدخل فيه مستأجر جديد .. يقعد فيه يوم او اتنين ومايكملش ويمشي !.. والكل بيجمع على إن البيت مسكون وبيحصل فيه حاجات غريبة .
والدي قرر إنهُ يروح البيت بنفسهُ.. وبسبب الأعاقة كُنت أنا عُكازهُ .. روحت معاه وهو قاعد على الكُرسي وأنا بزُقه.. لحد ما وصلنا للمنطقة ومنها للبيت.
كان عندي حوالي ١٢ سنة.. وبطبيعة سني وقتها ماكُنتش مُلم بتفاصيل السحر والماورائيات اوي .. وعلشتن ماكنتش فاهم وواعي كفايا.. مكنتش خايف من أي حاجة .. أو بالمعنى الأصح .. وجود أبويا معايا كان مقوي قلبي..
على عكس العمدة واللي كانوا معاه .. كُنت شايف القلق والرُعب ظاهرين بوضوح على ملامحهُم وسمعت منهم اللي بيستعيذ بالله بمجرد ما بص على البيت.. وسمع واحد بيقول:
_مافتكرش الشيخ سيد هيقدر على اللي جوة.. البيت مليان بالجن والعفاريت.. انا شو.. شوفت ده بعيني لما كان ولدي مأجره فترة.. شوفت عيون حمرا بتظهر من قلب الحمام.. واطفال الاقيهم معديين في الصالة بالليل وهم بيضحكوا.. كأني سامع صوت ضحاتهم دلوقتي!!.
ماهتمتش بكلام الناس.. اللي مهما كان واضح عليهم الرعب، الا انهم قرروا يدخوا هم كمان معانا..
ودخلنا البيت .. كنا حوالي المغربية.. البيت نوره كان منور بأكمله.. أول ما دخلنا لقينا الدور الأرضي عبارة عن اثاث قديم.. وأوضتين في الوش جنب بعض.. واحدة بابها مقفول والتانية بابها مفتوح .
كُنت واقف مع أبويا في الصالة وأنا بمسح المكان بعيني .. لكن فجأة وإحنا واقفين وبدون أي مُقدمات باب الأوضة اللي في الوش إترزع مرة واحدة !!.
وكأن إللي ف المكان مش مُرحبين بوجودنا..
رزعة الباب بالشكل المُفاجيء دا كان كفيل يخلي العمدة وإللي معاه يخافوا أكتر وخرجوا برة وطبعاً ده اللي حصل
كُنت باصص عليهم ومش فاهم هُم بيخرجوا جري كدا ليه؟.
خرجوا من البيت وقفلوا الباب وراهُم .. رجعت أبُص لأبويا إللي لقيته باصص على حاجة قُدام منهُ وساكت.. بصيت على المكان اللي هو باصص عليه.. لقيته مركز على الأوضة اللي مقفولة.. سامعه بيردد آيات من القرآن.. بعدها ابتسم ابتسامة خفيفة وهز راسه..
قبل ما أقول لأبويا كلمة سمعت صوت تكة أو ضغطة على زرار النور ومعاه لقيت نور الصالة إتقفل !!.
ثواني وسمعت صوت التكة مرة تانية ومعاه النور رجع تاني !.
وفضل على الحال دا لدقايق .. والأغرب إن كان في كنبة بلدي بتاعة الارياف.. إللي هي من غير مرتبة .. مش عارف إزاي سمعت من جواها صوت تزييق !!.
وصوت تاني كأن حد بيقعُد عليها، وف الحقيقة اصلا هي ثابتة ومافيش حد.. يا دوب بس اتحركت لورا!!
ف الوقت دا أبواب الأوض كُلها حصلهُم زاي حالة هياج وفضلوا يتفتحوا ويتقفلوا بجنون !.
ف وسط كُل دا .. لقيت أبويا قاعد وباصص قُدامهُ بثبات رهيب .. بدأ الرُعب يدب ف قلبي لما لقيت ودان أبويا اليمين بتتحرك كذا مرة ومعاها أبويا بدأ يبتسم أكتر.. وكنت حاسس أن الموضوع بالنسبالهُ عادي !.
_ هااااااااا وبعديييييين .
كانوا كلمتين قالهُم أبويا بصوت عالي علشان بعدها والله كل حاجة رجعت زي ما كانت مرة تانية بنفس الثبات!!.
النور مفتوح .. الأبواب الاتنين واحدة مفتوحة والتانية مقفولة .. الكنبة ثابتة .. كل حاجة !.
وقتها شوفتهُ بيضحك وبيقولي وهو لسه مثبت نظره لحاجة قُدامهُ أنا مش شايفها :
_ إستناني برة يا محمد .. ولما اندهلك تعالى .
سمعت كلامهُ وسيبتهُ ومشيت رغم اني مكنتش عايز اسيبه.. بس بصلي بصة خلاني اهز راسي ومشيت فعلا.. بس قبل ما أخرُج وأقفل باب البيت عليه .. لقيتهُ بيقولي :
_ ماتنساش لما أنادي عليك ولما تيجي داخل قول السلام عليكم ورحمه الله وبركاته يا أهل الدار.. اوعى تنسى .
هزيت دماغي بمعنى حاضر .. وخرجت .. إستغربوا لما شافوني خارج وأبويا لواحدهُ جوة .. وفضل جوة لوحده لمدة نص ساعة تقريباً .. بعد الوقت دا سمعت صوتهُ بينادي عليا من جوة .. دخلت وطبعاً رميت السلام زاي ماهو قالي .
لما خرجت بأبويا .. أبويا بص للعمدة بإبتسامتهُ اللي ماكنتش بتفارق وشه وقاله :
_ خلاص يا حضرة العُمدة .. البيت بقي بتاعكوا خلاص .. ومن هنا ورايح ماحدش هايتعرض للي هايسكن ف البيت بأي سوء .. بس المهم إن القرآن ماينقطعش من البيت ليل ونهار .
ومشينا وسط نظرات من الناس.. البعض مش مصدق والبعض التاني مذهول .. واحنا ماشيين سألتهُ عن إللي حصل
قالي بهدوء :
_ ولا أي حاجة .. كل ما في الأمر إن في عيلة كانت ساكنة في البيت وعقد إيجارهُم إنتهى .. كُل إللي عملتهُ إني إستأذنتهم يخرجوا من البيت .. وشوفتلهم مكان أحسن من البيت بكتير يعيشوا فيه .. وبفضل الله وافقوا.
خلص كلامهُ وفاتت سنين وسنين .. ومهما مرت السنين مستحيل أنسى كُل تفاصيل الموقف دا.. وعدت فترة بعد وفاة ابويا.. رجعت اسأل العمدة عن اذا كانت حاجة حصلت تاني في البيت.. رد وقالي:
_ الله يرحمه والدك.. قال وصدق.. ماحدش اشتكى من حاجة تاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى