من يوم السكان الجُداد ما جم سكنوا تحتنا والعمارة اتشقلب حالها، وبما إن اوضتي على المنور، فتقريبا هما قاعدين معايا في الأوضة، مفيش حركة بيعملوها أو كلمة بيقولوها إلا وبعيشها معاهم، أصوات عجيبة وروايح أعجب بتوصل لشباك أوضتي اللي بيفرق بينه وبينه أمتار قليلة..
في يوم صحيت من النوم على ريحة بخور قوية جدا، وانا من مرضى الجيوب الأنفية المزمنة، صحيت وكأني بتخنق، فضلت أكح واعطس وحسيت ان روحي بتطلع، جريت على الحمام وغسلت وشي وبدأت استنشق هواء بعيد عن دخان البخور اللي كان معبي أوضتي! ولما استرديت وعيي، قولت لازم اكلم الناس دول إن كده مينفعش ويراعوا حقوق جيرانهم، وتاني يوم نزلت اخبط لقيت الباب مفتوح وست أربعينية بتوع ضيفة عندها كانت زيارتها انتهت، رميت السلام وقولت لها بأدب:
_ السلام عليكم .. أنا خالد جاركم اللي فوق، نورتوا العمارة، لو تسمحي بس، ريحة البخور امبارح كانت صعبة اوي، وأنا مريض جيوب أنفية، فنقللها بس شوية.
ابتسمت وقالت عنيا بطريقة كده مريحتنيش، مقدرتش أقولها حاجة، سكت ونزلت جبت حاجة البيت والموقف عدى .. وبليل على الساعة 10 كده، سمعت صوت واحدة بتصرخ كأنها بتمو.ت، جريت على بره وكل الجيران خرجوا من شققهم، ولقينا ولاء جارتنا اللي ساكنة تحت شقة الجيران الجُداد فاقدة وعيها، شالوها البنات والستات ودخلوها اوضتها، رشوا على وشها ماية وشمموها قطن بريحة نفاذه ففاقت، ولما استردت وعيها قالت بإنهيار:
_ أنا عارف انكم مش هتصدقوني، بس أنا مبكدبش ولا بيتهيألي، أنا شوفت قطة سودا نازلة من الدور اللي فوقينا، وفجأة وقفت في وشي، كانت بتبص لي نظرات كلها شر، جسمي اترعش جامد واستعذت بالله، القطة اتكلمت، قالت حاجة خلتني صرخت، لكني مش فاكرة قالت ايه، بس كانت نبرتها فيها تهديد، زي ما تكون قالت ابعدي عني.
كانوا الناس باصينلها ومحدش مصدقها، لسان حال كل واحد وواحدة بيقول: قطة ايه اللي بتتكلم؟! أكيد البنت اتجننت ولا الشغل لحس مخها ولا أعصابها تعبانة.
ولاء مكنتش صغيرة، مش طفلة يعني، دي آنسة عندها 25 سنة، أنا مكنتش مكدبها، بس مش قادر استوعب 100٪ انها شافت قطة تتكلم! في النهاية مشينا وكل واحد راحد شقته عشان ولاء ترتاح..
دخلت اوضتي والموضوع فضل شاغل بالي، حاولت اتناسى وقرأت رواية افصل بيها شوية عن اللي حصل، بدأت اقرأ وبعد 50 صفحة حبيت ادخل الحمام، قفلت الرواية وقومت دخلت الحمام وعملت شاي، ولما رجعت سمعت أصوات غريبة جدا، كأن حد بيتكلم بهمس، لكن عشان الدنيا ليها والمنور بيظهر صدى الصوت فكان مسموع بوضوح بالنسبالي، كان صوت الست بتقول:
_ مرعاس سوعاش قشعاش، رامح بارح جامح، سيلاراما ميهارا سرموق.
فرد عليها صوت مرعب يخلي القلب يتخلع من مكانه وقال:
_ جاء إلى هنا حورام ابن زمركيش.
_ أعوذ بالله من الشيطان، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قولتها وانا جسمي بيتنفض، ودقات قلبي زادت جدا، شعر راسي طقطق وعنيا بقت تجيب دموع من الخوف والرعب، قومت من مكاني اجري على بره وقفلت باب الأوضة، وفضلت قاعد في الصالة لحد ما الفجر أذن، خايف وبترعش ومش قادر اسيطر على أعصابي، وبعد الفجر ارتحت وهديت، صليت واتصلت من غير تفكير على صاحب العمارة، وللأسف مردش عليا، نمت مكاني مدخلتش الاوضة، ولما صحيت الضهر اتصلت بيه تاني، مرة واتنين وعشرة وبرضو مردش، ساعتها والدتي طلبت مني انزل اجيب طلبات، لبست ونزلت فلقيت الست واقفة وكأنها مستنياني وقالت لي بصوت فيه خبث:
_ مالوش لازمة اللي عملته ده، كده كده أنا ماشية قريب.
رديت باستغراب:
_ هو ايه ده؟ بعمل ايه مش فاهم؟.
_ انك تكلم صاحب البيت عشان تشتكي له مني، هو بلغني بكل حاجة
رديت وانا مخضوض:
_ أنا؟ لا أنا .. أنا ما اتصلتش بحد، وهو مين ده اللي قالك؟
_ حورام، حورام بيقول لي على كل حاجة بتحصل من ورايا
قولتلها بخوف:
_ حورام مين يا ست انتي؟!
_ لو فكرت تاني تعمل كده هيأذيك، انت حر بقى.
مدتنيش فرصة لأي رد تاني، دخلت شقتها وقفلت الباب في وشي، كنت ساعتها ميت من الخوف والذعر، اعصابي سابت ورجليا ما بقتش شايلاني، لكني تداركت الموقف ونزلت جبت الطلبات وطلعت البيت، وقررت اني مليش دعوة، الست دي مريبة ومرعبة لأبعد حد ودرجة، أنا هقفل شباكي، لا أسمع ولا أشم، كل واحد حر جوه بيته، وتعمل اللي هي عايزة تعمله، انا مليش دعوة.
عدى اليوم على كده، وبليل دخلت أنام، ويا دوب قفلت عيني، سمعت أصوات نبش جاية من الدولاب! قومت من على السرير بسرعة، باب اوضتي اتقفلت ببطء، حسيت اني متكتف ومشلول ومش قادر اتحكم في نفسي، الاوضة اتملت دخان وريحة بخور ممزوجة بريحة نتنة وسيئة، بدأت افقد السيطرة على نفسي، بفقد الوعي ومش قادر اخد نفسي، أصوات صرخات حواليا، خيالات سودا واطياف بألوان كتيرة بتمر قدامي وحواليا، وقبل ما عنيا تقفل، اخر حاجة شوفتها قبل ما افقد الوعي، جسد أحمر طويل ملتهب زي كتلة النار، ليه عين واحدة وسنان مدببة بشعة من غير شفايف!..
صحيت على صوت أمي بتقولي:
_ ولا يا خالد؟ قوم اصحى شوفت اللي حصل؟
بصيت لها وانا عينيا مزغللة ودايخ وقولت بصوت واطي:
_ في ايه حصل؟
قومت مفزوع وانتفضت وانا بقولها:
_ شهرين؟ شهرين ازاي يعني، دي هي جت من أسبوعين بس وولاء وقعت من كام يوم.
ردت بتريقة:
_ انت اتجننت ولا اتلبست، قوم قوم استحمى يالا وانزل هات لي طلبات، اهي غارت مطرح ما هي غارت.
من يومها وانا بشم البخور وبسمع الأصوات، بس بصورة طفيفة جدا وعلى فترات متباعدة، وأي حد بيجبوه ولاد صاحب البيت اللي اتحبس يسكن الشقة، مبيكملش يومين ويصرخ ان الشقة مسكونة، وانهم بيشوفوا شيء أحمر زي النار بيعدي قدامهم، وصوت بيردد دايما:
_ هنا مسكن حورام زمركيش.
بعد 8 أُسر جم وهربوا، الشقة اتقفلت نهائي، إلا إني زي ما قولت لسه على فترات بشم الريحة وبسمع الأصوات بصورة أقل وعلى فترات متباعدة واتعودت خلاص.