قصه الغول
والغُولُ بينَ يديَّ يخفى تارة * ويعودَ يَظْهَرُ مثْلَ ضَوْءِ المَشْعَلِ
بنواظر زرقٍ ووجهٍ أسودٍ * وأظافر يشبهنَ حدَّ المنجل
(عنترة)
************
“إصحى يا نايم وحد الرزااااق”. خلصت النهاردة شغلي كمسحراتي، لفيت كتير، وناديت بأسماء أكتر علشان أفرحهم، سمعت كلمات شكر، وزعل من ناس كانت نايمة وصوتي أزعجها، انتهيت من الشغل وراجع بيتي.
ساكن في بيت جنب مقابر السيدة عائشة، بيتي بسيط سابهولي أبويا لما اتوفى من 3 سنين، عايش لوحدي، ماليش حد أكلمه غير ربنا والطبلة اللي بقت كل حياتي من بعد ما سابهالي أبويا.
فاضل ساعة على الفجر، الساعة دلوقتي 3 الفجر، الشوارع هادية، الكل بيتسحر أو نايم، الصمت طابق في الشوارع وسايد، الطريق للبيت لازم يعدي في شارع بين المقابر، دخلت وقريت الفاتحة على أرواح الميتين، وقبل ما أخرج من الشارع حسيت بهاجس غريب خلاني أبص ورايا.
التفت ولقيته!
الشيخ!
واقف عند عامود نور بعبايته ودقنه السودا، مبتسم، عينه مكحلة وفي إيده عصايا رفيعة بيرسم بيها خطوط على الأرض تحته.
قربت منه بخوف واضح، لسه مش عارف سره بس هو عارف سري، عارف أنا مين. “لسه شايفك إمبارح يا شيخ”. قولتلهاله. بص ليا وطول في النظرة وبعدها قالي بصوته الرخيم: “وهتشوفني طول العمر يا ولدي، عُمرك”.
سألته وأنا واقف قدامه: “مش ناوي تقولي إنت مين”؟ مردش، غمض عينه لثواني كأنه بيتأمل وبعدها فتح وقالي بصوت واطي: “اسمع”.
مفهمتش، الهواء بارد شوية، بس زي ما أكون تخيلت صوت جاي لحاجة بتتاكل بشكل غريب، حاجة بتتقطع!
“لو سمعت، يبقى دورك تروح”. قالها وسابني ومشي. “استنى يا شيخ أروح فين وسمعت إيه”؟!
لف راسه ليا وقالي: “امشي ورا قلبك، هيدلك عليه، وخد بالك من لعنة لتصيبك”. وشاور بإيده برقم 3!
قبل ما أرد عليه لقيت الكهرباء قطعت فجأة في الشارع كله لأقل من ثانتين ورجعت! لما رجعت كان الشيخ اختفى!
ماسك الطبلة في إيدي، يادوب الوقت قدامي ألحق أروح البيت اتسحر حاجة خفيفة وأصلي ال
فجر وأنام، بس افتكرت كلام الشيخ ليا إمبارح، إن وجودي ليه دور، تميت العشرين وبقى ليا رسالة. مش عارف إيه هي رسالتي أو دوري في الحياة بس أنا مش بؤمن بالصدف، مش بؤمن أن ربنا بيدي حاجة لحد من غير سبب، كل حاجة ليها سبب، ووجودي ليه سبب.
صوت المضغ قطع تفكيري، جاي من شارع السنهوري، وده شارع جانبي فيه مقابر العيلة دي، المكان ضلمة، نور العواميد مش واصله، توكلت على الله واتسلحت بإيماني ودخلت.
ريحة التحلل مالية المكان، اتعودت عليها، رجلي غرست في الرمل وأنا بدخل، ماشي، بحاول أتتبع الصوت اللي لسه مستمر كأنه تقطيع، مش قادر أحدد المصدر! وقفت، أخدت نفس عميق، مسكت طبلتي جامد وغمضت عيني علشان أشغل حاسة السمع بشكل أقوى، الصوت جاي من اليمين، دخلت الحوش، القمر نوره خفيف، عيني اتعودت على الضلمة شوية، حافظ تفاصيل المكان لأني اتولدت في المقابر، رغم كده بخاف منها.
بصيت حواليا ملقتش حاجة، الصوت وقف، سمعت حاجة بتجري! حاجة تقيلة زي الكلب أو بقرة! ضخمة، حوافرها بتضرب في الأرض، طلعت من جيبي سكينة رفيعة بحتفظ بيها دايما علشان لو فكيت جلدة الطبلة ووجهتها قدامي أدافع عن نفسي، واضح أن في حيوان هنا!
الجري بقى على شمالي، دخلت الحوش وروحت وراه، لقيت أوضة دفن مفتوحة!
وقفت من البوابة ورميت السلام بصوت مرتجف، لقيت كفن مفتوح على الأرض! أجزاء من جثة موجودة!
في حيوان مفترس هنا كان بيتغذى على الميتين!
فكرت أصرخ بس كده أنا بعرفه مكاني، رجعت بضهري، سمعت صوت خوار مخيف ورايا، بصيت لقيته!
مش قادر أصرخ من الصدمة، واقف قدامي، مسخ طوله أكتر من مترين، وشه كله شعر، درعاته ضخمة، صدره عاري وكله جروح، وعينه صفرا، وإيده فيها مخالب طويلة غريبة!
رجعت بضهري وسندته في الحيطة، الوحش قدامي، بيقرب بتردد مني، صوت أنفاسه مخيفة، ريحته عفنة، رفعت السكينة وفي إيدي التانية ماسك الطبلة وحاضنها. بص عليها وطلع زئير قوي زي الأسد وجري دخل حوش جانبي واختفى!
فضلت واقف متسمر لدقايق، رجلي مش شيلاني، الهوا البارد بقى أقوى وبيضرب في وشي وجسمي يخليه ينتفض، اتحركت وأنا ببص حواليا زي المجنون لحد ما طلعت الشارع، وقبل ما أخرج منه لقيت الشيخ واقف في مكان ضلمة.
“مش إنت اللي تخاف منه، هو اللي يخاف من اللي معاك” قالها ودخل حوش تاني واختفى في عتمته.
“اللي معاك”! رددت الكلمة بيني وبين نفسي، إيه اللي معايا؟! ايه اللي يخوف مسخ زي ده! مش معايا غير سكينة رفيعة وطبلة والسحور بتاعي! أكيد مش هيخاف من السحور! والسكينة دي متأذيش فرخة! الطبلة! من وقت ولادتي وأبويا بيكلمني عنها أنها كنزي، ولما مات قالي إنها حمايتي! رفعتها قدام عيني وبصيت فيها، الرقعة الجلد، والهيكل الخشب بتاعها، حسست عليها لقيت الكلمات المحفورة عليها اللي مفهمتش معناها من وقت ما كانت معايا، كلمات عاملة دايرة حواليها زي الحلقة بعربية بس مش مفهومة ولا مترابطة!
صوت خوار جاي من الحوش اللي دخله الشيخ، واضح، قوي، مُهدد، جسمي اترعش من فكرة الدخول وأني أواجهه تاني، بصيت على الطبلة وحاولت أقرأ الكلمات اللي عليها “مي غا ريص ميناش عينار فيدور” كملت قراءة الكلمات وحاولت أفهم معناها معرفتش، بس حسيت أن الارض تحتيا بتلف! لأ لأ الأرض نفسها بتلف، كأني في دوامة، جسمي أخف، شايف الضلمة بشكل أوضح! حسيت أن جسمي عبارة عن طاقة، شديت قبضتي لقيت مفيش إحساس! بصيت في إيدي ملقتهاش! صرخت صدر مني صوت زي الفحيح! شايف نفسي حاجة صغيرة جدًا، بصيت فوق لقيت جسمي لسه واقف، عيني بيضا تمامًا والزبد بينزل من طرف بقي. في إيه! أنا برا جسمي!
اتصدمت، صرخت ولقيت فحيح تاني! حاولت أقرب من جسمي حسيت بشعور غريب زي ملمس خشن في جسمي!
“مفيش وقت، انجز مهمتك قبل ما ترجع” سمعت الصوت. كان الشيخ! مش شايفه! بصيت حواليا وشعوري أني اتحولت لحاجة صغيرة، لفيت راسي لقيت جسمي عبارة عن جلد! اتحولت تعبان!
صرخت أكتر لقيت فحيح غاضب طلع مني. صوت الشيخ بيكمل تاني “مفيش وقت”. عقلي مش مستوعب. صوت تاني بيزيد وبقى أقوى زي ما تكون حاسة السمع عندي بقت أقوى بكتير، صوت نهش لحم! جاي من الحوش!
قررت أني أنفذ، لازم أنفذ علشان أرجع جسمي وبعدين أفهم اللي بيحصلي!
قربت بجسمي وزحفت زي التعابين وطلعت سلم الحوش، البرد مش ماثر فيا، الارض مش أزمة بالنسبالي، دخلت واتلويت لحد ما وصلت لمقبرة تانية مفتوحة، دخلت وأنا بصدر الفحيح ولقيته قدامي!
اتصدم وخاف لما شافني!
طلع صوت مخيف وقرب مني وحاول يضربني بمخالبه بس لفيت راسي وأنا بعمل فحيح جامد ومديت راسي وعضيته في إيده. رجع بخوف، زمجر بشراسة ونط عليا تاني، زحفت على الأرض حواليه ورفعت راسي ووجهتها لجسمه، عضيته أقوى، صرخ بألم ومسكني وحدفني في الحيطة.
حسيت بألف فظيع، جسمي وجعني، نزلت على الأرض وبصيتله بكره وحسيت أن قوتي بتزيد أكتر، لفيت بجسمي حواليه وحاولت استنجد بأي حد يساعدني، ناديت بلغة التعابين ومش عارف إزاي وسمعت صوت فحيح بيتردد في كذا مكان حواليا، وظهرت تعابين كتير منهم الرفيع والتخين، حيات سودا، كلهم اتجمعوا حواليا وحاصرنا المسخ اللي بدأ يخاف بشكل واضح، زمجر وضرب بإيده على الأرض ورفع طوبة ضخمة دهس بيها تعبان، الفحيح مني ومن اللي حواليا بقى أقوى، شراسة، تهديد، موت تعبان مننا، نطيت عليه وعضيته في إيده، ونطت حية سودا وعضت بطنه وفضلت ماسكة فيه، مد إيده وحاول يشدها بعيد.
استغليت الفرصة ونطيت على وشه ودسيت أنيابي فيها، صرخ وضرب بإيده عليا جامد، سمعت الباقي بيهاجم، أكتر من 8 تعابين نطوا عليه، هجوم كاسح، ضاري، المسخ وقع على الأرض، سموم التعابين بدأت تنهكه، تعب، بدأ يفقد قوته، لحد ما مرت دقيقة وجسمه خمد خالص وبدأ شكله يتغير!
بدأ يبقى شكل بشري!
“ارجع جسمك بسرعة مفيش وقت” سمعت الصوت بيتردد، التعابين بصت ليا فزحفت لبرا بسرعة، جسمي لسه واقف قدام الحوش، وصلت ليه وسمعت الشيخ بيقول “عض جسمك وأنت بتردد “ياخمي هبرداص”. وصلت لجسمي ونطيت فعلا وقولت نفس الكلمة. حسيت بوجع رهيب في جسمي والدنيا ضلمت حواليا ولما فتحت لقيت نفسي واقف وبقيت طبيعي!
دخلت الحوش بسرعة لقيت قدامي جثة واحد عريان وجسمه مشوه، في آثار عضات في جسمه من أثر المعركة، حواليا كان في تعابين بدأت تستخبى وسط الطوب والرمالة بعد ما أدت دورها.
“أدفنه وشيل العمل من عليه” لفيت لقيت الشيخ واقف على باب القبر وشاور على قبر بعيد مفتوح. شديت الجثة ودخلته القبر والشيخ ورايا واقف. قالي بصوت آمر: “أحفر”. حفرت تحت قبره لقيت عظمة بيضا خالص، قالي بثقة وهدوء: “اكتب عليها 56 مه 96 بهيس” واكسرها وأنت بتبسمل”. نفذت اللي قاله من غير جدال لقيته قالي “إكرام الميت دفنه”. فهمت ودخلت الجثة وقفلت المقبرة. سألته “ده كان إيه”!
ابتسم وقالي: “غول، لعنة من زمان بيستخدمها سحرة علشان يحولوا بني آدم طبيعي لمسخ يخدمهم ويطلع لهم أعضاء هما محتاجينها في طقوسهم، بيطلع الأعضاء ليهم ويتغذى هو على الباقي، ودلوقتي مات واتدفن وعلمتك إزاي تكسر اللعنة علشان روحه تبقى مرتاحة في تربته، هو مكانش يعرف اللي صابه، وده مش ذنبه”.
شاورت على الحوش وقولته “والجثث اللي شوهها”. رد وقالي: “أكيد هيجي الصبح اللي مشغله وهو هيخفيها زي العادة بس لما يلاقي الغول اللي صنعه مات هيفهم أن المكان محمي باللي اقوى منه وهيشوف مكان تاني يمارس فيه طقوسه السودا”.
ختم كلمته وخرج وهو بيقولي “روح والحق سحورك”. ناديت عليه بتردد “وأنا، مش ناوي تقولي أنا ايه وأنت مين”؟! لف راسه ليا وهو خارج من الحوش وقالي: “لكل حاجة ميعاد”. وخرج.
خرجت وراه ومشيت في طريق البيت وأنا بضحك، زمان كانوا بيقولوا إن المستحيلات 3 الغول والعنقاء والخل الوفي، بس أنا دلوقتي عرفت أنها مقولة غلط.
قصه الغول
عبدالرحمن_دياب
قصه الغول
قصه الغول
قصه الغول
قصه الغول