الفصل التاسع…
دخلت على أطراف أصابعها تسلل بخفة حتى وصلت إليه ثم جثت على ركبتيها على الفراش منحنية بجذعها العلوي وعلى ثغرها ابتسامة كبيرة، أخرجت تلك اللعبة الصغيرة من جيب بنطالها ثم قربتها من أذنيه وهي تضغط بقوة عليها فأصدرت صوت عالي، من المفترض أن يثير فزعه، ولكن ذلك البارد لم يتحرك ساكنًا، قطبت حاجبيها بغيظ عندما رأته يبتسم بمكر….
_ إيه ده أنت صاحي يا خالد!.
فتح نصف عينيه قائلًا : المفروض ومن أول ما دخلتي تتسحبي زي العيال الصغيرة.
زفرت بحنق طفولي ثم قالت : يعني الخضة بح خلاص.
هز رأسه بإيجاب ثم اعتدل في جلسته فظهر جذعه العلوي عاري، زحفت الحمرة إلى وجنيتها لشعورها بالخجل منه رغم زواجهما منذ أربع سنوات، لاحظ هو بؤبؤ عينيها يتحرك بسرعة، وتلك الحمرة المحببة لقلبه التي تزيد من جمال خديها أكثر وأكثر، توترت أكثر عندما لاحظت نظراته الجريئة فقامت بالضغط على يديها متناسية تلك اللعبة المزعجة التي بيديها فأصدرت صوتًا قويُا، فزعت هي منه وصرخت بقوة وسط ضحكاته المرتفعة..
_ هبلة يافريدة والله.
نظرت له بغيظ شديد وقالت : هو إيه اللي هبلة، الحق عليا عاوزة أفرفشك وأصحيك كل يوم بمفاجأة مختلفة.
اقترب منها ثم شملها بنظرة وقحة ليقول بصوته الرجولي الذي يأسر قلبها بقوة في كل مرة : أنا أعرف إن المفروض تصحيني ببوسة، بحاجة رومانسية، مش تصحيني كل يوم على لعبة من لعب ابنك المتخلف.
لكزته في كتفه لتقول بحنق : ابني مش متخلف، أنا مش عارفة في اب بيكره ابنه كدة.
اتسعت ابتسامته ليقول بمزاح وهو يشير على نفسه: أنا طول ماهو رخم وبيرخم عليا، هاكرهه.
اتسعت عيناها لتقول بصدمة : ده كله عشان عيط وعاوزني أنام جنبه، ده لسه تلات سنين، وبعدين أنت طول الوقت في الشغل فأنا وهو اتعودنا ناخد بعض بالحضن وننام.
جذبها نحوه قائلًا بخفوت : ومين ياخدني أنا في حضنه، ده أنا غلبان والله.
استندت بكفيها عليه ثم قالت : أنا.
فتح ذراعيه على وسعهما قائلًا : طب ماتيجي.
حاوطته بيديها واستندت برأسها على صدره العريض : هو أنت بجد يا خالد بتكره حمزه.
رفعت رأسها لتنظر إليه، فوجدته ينظر لها بتسلية، تجمعت الدموع بعينيها ثم قالت : بتكرهه بجد.
_ أنتي هبلة، أكره إيه ده ابني، أنا بهزر، بس ده ميمنعش إني سايبك بمزاجك عشان بس هو لسه صغير، بس والله يافريدة لما يتم الأربع سنين إن مجتيش ونمتي جنبي هاخطفه.
اقتربت من وجهه لتقول بحب : طب ما تخطفني أنا أسهل، ونسيبه هو هنا.
اقترب أكثر ولم يصبح بينهما مسافة : فريدة قلبي عاوزة تروح فين.
أنهى حديثه وهو يطبع قبلة صغيرة على ثغرها، حاوطت عنقه تجذبه نحوها أكثر لتقول بسعادة : أي مكان أنا معاك في أي مكان هاكون فرحانة ومبسوطة…
دفن وجهه بعنقها يستنشق عبير خصلاتها المثيرة ليقول بهمس عاشق : أنتي اللى وجودك جنبي بيخليني فرحان ومبسوط، يافريدة العشق والقلب والحب…
……….
صراخ هز جدران المنزل وجدران قلبها ، صوت خالتها وزوجها جعل قلبها يئن من الوجع تريد الصعود للأعلى وقدمها لا تسعفها ، خرجت وجدتهم جميعاً أمام شقة جدتها سألت بخوف شديد : خالد ماله يا خالتو
صرخت نبيلة بوجع : خالد هيموت يا فريدة هيموت ويريحك يا فريدة يا قلب أمك يا ضنايا .
سقطت أرضًا تصرخ وتضرب بكفيها على وجنتيها بوجع : يا خالد ، يا خالد يا ضنايا يا حبة عيني يا نور عين أمك اللي انطفى
سقطت بجانب خالتها واندفعت لأحضانها تبكي هي الأخرى .
قطع بكاؤهم صوت زوج خالتها قائلاً بوجع : لا إله إلا الله ، يارب متحرقش قلوبنا كدة يارب .
رددت سميرة بتماسك : قومي يا ضنايا نروح لابنك قومي
ذهبوا جميعاً إلى المشفى وهي في عالم آخر تشعر بيد تقبض على قلبها الضعيف ، يخون ويعشق غيرها وتهون وتهون لكن يكون بخير وستتقبل كل هذا فقط يكون بخير
ذهبت تجاه أدهم بخطوات ثقيلة مغمغة : أدهم ، خالد كويس صح .
غمم هو الآخر والدموع تنساب من عينيه : هيبقي كويس ادعيله يا فريدة ادعيله .
ثلاث ساعات وخرج الطبيب من العمليات ، هرولت تجاه الطبيب تتساءل بلهفة : طمني يا دكتور بالله عليك خالد كويس ؟!.
ردد الطبيب بأسف : الرصاصة كانت فى مكان خطر للأسف وسيادة الرائد دخل فى غيبوبة ادعوله .
بكت بصوت عالي مزق قلب أدهم والجميع حولها جدتها وخالتها وزوجها ، جميعهم صامتين والبكاء والوجع أسياد هذه اللحظة.
أربعة وعشرين ساعة حتى تمكنت من رؤيته ، جلست على الأرض بجانب سريره تردد : خالد فوق وحياتي متستسلمش كدة فوق وأنا مسمحاك ، فوق عشان أرجع أزعقلك تاني وأقولك كل شوية بحبك ونتجوز ، مش كفاية وجع القلب اللي أنا فيه بتوجع قلبي كدة زيادة .
تسعة وعشرين يوم منذ ذلك اليوم وتجلس فى مكانها بجانبه تردد نفس الكلمات كل يوم وهو على ذلك الحال ولا تيأس ، اليقين بقلبها أنه سيشفى فاق التوقعات والحدود وكل شيء.. انتبهت على صوت أدهم من خلفها التفتت له وجدته يشير لها بالخروج، نهضت من مكانها وقبل أن تغادر الغرفه طبعت قبله على يده، ثم غادرت وجدت أدهم يقف خارج الغرفة ينتظرها، هتفت بصوت مبحوح : خير يا أدهم.
تحدث أدهم بجدية : فريدة روحي أنتي كمان يالا مع عمو رأفت وطنط نبيلة ، أنا هاقعد النهاردة مع خالد.
هزت رأسها برفض قاطع : لأ أنا اللي هبات..
قطع حديثها ليقول بصيغة أمر : فريدة روحي، غيري هدومك على الأقل ونامي كويس عشان تقدري تيجي بكرة وأنا هاقعد معاه عشان صحابنا جايين يطمنوا عليه ولازم أكون موجود ومينفعش ييجوا ويلاقوكي أنتي هنا، اسمعي الكلام روحي وتعالي بكرة.
تجمعت الدموع بمقليتها سريعًا لتقول بنبرة أشبه للبكاء: مش قادرة أسيبه..
جذب يديها ثم ربت عليها بحنو قائلًا : متخافيش أنا جنبه، وبعدين أنا كمان نفسي أقعد معاه وأتكلم، يالا أنا وقفت عمو رأفت تحت وقالي هيستناكي.
هزت رأسها ثم قالت : طيب هاروح أسلم عليه وبعدها أمشي.
ابتسم بحزن : خدي وقتك.
دلفت للغرفة مرة أخرى، تقدمت منه ثم دنت بجسدها نحوه وطبعت قبلة على رأسه، قائلة بهمس: خالد أنا هاروح وآجي بكرة، ربنا يحفظك ليا…
……
تقلبت في فراشها يمينًا ويسارًا بقلق عدة مرات، ثم نهضت وهى تضع يديها على قلبها : ياريتني ما سيبته، أنا إيه خلاني بس أسمع كلامك يا أدهم.
وعلى الجانب الآخر بالمشفى وتحديدًا بغرفه خالد، كانت الممرضة تقف بجانبه وتضع له الأدوية بالمحلول المثبت بيده، فرأت محاولة أصابعه في التحرك، خرجت من الغرفة سريعًا تهرول وهي تنادي بصوتها على الطبيب، فزع أدهم ليقول : في إيه أنتي بتجري ليه!!.
لم تجيبه، فقلق أكثر ، دلف إلى الغرفة بسرعة، وجد خالد يحاول فتح عينيه بصعوبة، ولكن ذلك الضوء يزعجه بشده عاد يغلقها ثانية، مرت ثوانٍ يحاول أدهم فيها تدراك الأمر، حتى استوعب أخيرًا، صديقه استفاق من غيبوبته، فاقترب منه بسعادة : خالد، فوق، خالد.
دلف الطبيب بسرعة إلى الغرفة ليقول وهو يقوم بإبعاد أدهم : اخرج برة لو سمحت عشان نشوف شغلنا.
نظر له أدهم بسعادة وهتف بفرحة عارمة : هو كدة بيفوق صح، قول صح.
هز الطبيب رأسه ليشير إلى الباب : آه فعلًا، بس اخرج يالا.
خرج ادهم وهو يبتسم بفرح أخيرًا استفاق صديق عمره بعد مرور شهر كامل…
……
حركت رأسها بصعوبة وهي تستمع إلى تلك الزغاريط خارج الغرفة، متى نامت، وما سبب تلك الصيحات، اعتدلت في جلستها وهي تفرك جانب رأسها بقوة حتى تستطيع أن تستفيق بشكل كامل، انتبهت على صياح خالتها : فريدة، يافريدة.
رفعت رأسها تنظر للباب، وما هي إلا ثوانٍ حتى دلفت خالتها وقالت بسعادة : فريدة خالد فاق.
نظرت إليها فريدة بشك أولًا، وما إن رأت صدرها الذي يعلو ويهبط من فرط السعادة حتى نهضت من فراشها واقتربت منها لتقول والدموع تتجمع سريعًا بعينيها : بجد، فاق.
هزت نبيله رأسها بسعادة ثم هتفت : آه والله، فاق الساعه تلاتة الفجر، والواد أدهم المعفن مقالش، بس بيقولي خالد اللي طلب منه كدة، عشان مش يقلق نومنا، ياحبيبي ميعرفش إننا مبنامش أصلًا، يالا، المهم البسي بسرعة عشان هانروحله.
هزت فريده رأسها بإيجاب، اقتربت من خزانتها اخرجت ثيابها بسرعة : جايالك ياخالد، الحمد لله يارب، الحمد لله.
انتهت من ارتداء ثيابها وقفت أمام المرآه، تهندم نفسها، حتى قطبت حاجبيها عندما تذكرت شئ : آه والله فاق الساعة تلاتة الفجر والواد أدهم المعفن مقالش، بس بيقولي خالد اللي طلب منه كدة، خالد اللي طلب منه كدة، خالد اللي طلب منه كدة.
ظلت هذه الجملة تتكرر بذهنها كثيرًا، نظرت في هاتفها وجدت الساعة الثامنة صباحًا ولم تجد أي اتصالات من أدهم، هذا يعني شيئا واحدًا، ألا وهو لم يشتق إليها ولم يتلهف لرؤيتها، تجمعت الدموع بعينيها سريعًا وهي تهوى على الكرسي الموجود أمام السراحه، نظرت لنفسها في المرآه ثم قالت بحزن : هو اللي طلب كدة، معقولة مش عاوز يشوفني، معقول مش وحشته..
استمعت إلى صوت جدتها وهي تستعجلها، مسحت دموعها سريعًا وهي تقول : اقوي يافريده وحسسيه إنه عادي، ولا يهمك.
وصلت إلى المشفى معهم ولكن تباطئت بخطواتها على رغم خطواتهم السريعة، دلفت إلى الغرفة آخر شخص، وجدته يجلس نصف جلسه، ووالدته وجدته ينحنيان نحوه يقبلونه بقوة، ودت أن تبعدهم عنه وتقوم هي بإحتضانه حتى تهدأ ضربات قلبها السريعة من الخفقان من شدة اشتياقها لرؤية عينيه، تشتاق لسماع صوته الرجولي الذي يأسر قلبها بقوة، لاحظت هي أنه يهرب بنظراته منها، وعلى وجهه علامات العبوس..
_ مالك يا خالد، أنت تعبان يابني!.
هز رأسه بايجاب ولم يجب، بينما تحدث أدهم هو : آه فعلًا تعبان والدكتور طلب إننا منتعبوش، ونرهقه بالكلام، حتى أنا أخرس من إمبارح.
ربت والده على يده وهو يقول بحنو : إن شاء الله تكمل شفاك على خير يابني، وتقوملنا يا بطل بالسلامة.
تحدثت هي بخفوت بعدما لاحظت نظراتهم المتعجبة نحوها : حمد لله على سلامتك يا خالد.
_ الله يسلمك.
كانت هي الجملة الوحيدة التي وجهها لها منذ إفاقته، مر خمسة عشر يومًا لم تتحدث معه، هو ملتزم غرفته يكمل علاجه بالمنزل وسط تذمره ألا يكمله في المشفى وهي في شقة جدتها لم تتحرك أو تصعد له حتى مكتفيه بكلمات جدتها البسيطة التي تطمئنها على صحته وسلامته وتعافيه السريع…
انتبهت إلى جدتها وهي تقول : فريدة، خالتك طالبة منك طلب!.
التفتت إليها فريدة ثم قالت مستفمة : خير؟!
قالت جدتها : عاوزاكي تطلعى بس تقعدي مع خالد، لغاية مانروح أنا وهي وعمك رأفت نزور عم خالد أصله تعبان شوية.
ارتبكت وتوترت ، مشاعر كثيرة داهمتها بقوة، لتقول متلعثمة : طب ماهو بقى كويس ويقدر..
قاطعتها جدتها لتقول : لا يابنتي هو كويس آه، بس لسه بردو ميقدرش يخدم نفسه، جرى إيه يافريدة، أنا مستغربة حالتك، بس مش راضية اتدخل، من وقت ماهو فاق وأنتي متجنباه وسايباه لوحده.
ابتسمت بحزن ثم قالت : هايعوزني في إيه ياتيتة، هو رافضني أصلًا، هافرض نفسي عليه.
استكملت حديثها وهى تنهض متجه الى غرفتها: هاقوم أغير هدومي وأطلعله.
….
تقدمت إلى داخل شقة خالتها بهدوء حتى لا تثير فوضى وتوقظه خاصة بعدما علمت من خالتها أنه نائم…
جلست نصف ساعة في صراع بين قلبها وعقلها، قلبها يحثها على الدخول والاطمئنان عليه لقد اشتاقت لرؤيته، وعقلها يعنف قلبها على طيبته، زفرت بضيق وهي تنهض وتجلس في حيرة، حتى حسمت قرارها وهي تتقدم نحو غرفته ثم فتحت الباب بهدوء شديد أطلت برأسها من فتحه صغيرة وجدته نائم، تقدمت على أطراف أصابعها نحوه ثم انحنت بجذعها العلوي لكي تتمكن من رؤية ملامحه بوضوح، ابتسمت بحب عندما لاحظت أنه أخيرًا استرد عافيته، مدت أصابعها المرتعشة لتمررها على ذقنه النابت قليلًا فأعطته مظهرًا جذابًا ومثيرًا، تنهدت بهدوء، وعلى حين غرة وجدت نفسها فوقه، شهقت بصدمة وذهول : خالد..!
فتح عينيه ليقول : بتعملي إيه!!.
تلعثمت وهي تقول : أنا، أنا، يعني كنت بطمن عليك، لو محتاج حاجة.
هز رأسه قائلًا : آه محتاج، ساعديني أتعدل وأقعد.
ابتلعت ريقها بصعوبة، لقد جف حلقها من تلك المفاجأة، ساعدته في الاعتدال ثم جلست أمامه على طرف الفراش وعلى مقربه منه : في دوا أدوهولك لو تعبان.
عاد عبوس وجه ثم قال : لا مفيش.
قطبت حاجبيها من معاملته لها وعبوس وجهه الذي يحضر في حضرتها، فعادت تتسائله بحزن : هو أنت مبوز في وشي ليه، في حاجة مضايقاك مني.
نظر إلى الاتجاه الآخر والتزم الصمت، علمت إنه لا يريد التحدث معها، سقطت تلك القطرات من مقلتيها سريعًا، فقامت من جلستها وهي تهمس : طيب.
_ مضايق منك، لا مش مضايق، أنا مش طايقك، حب إيه ده اللي أنت بتقولي عليه وأنتي مفكرتيش تقعدي جنبي في المستشفى، إزاي قدرتي تبعدي عني، أنا لما فوقت لقيت أدهم بس اللي في وشي ملاقتكيش، كنت عاوزك أنتي، لما فتحت عيني كنت بتلهف وأشوفك، عقلي لما بدأ يفوق كان بيديني إنذار باسمك، وأنتي فين قلبك قاسي عليا وقاعدة هنا، سايباني مرمي في المستشفى، وأنتي بتقسي نفسك عليا عشان تخلف في عقلك.
أنهى كلامه وهو يتنفس سريعًا من فرط ضيقه وغضبه تحت نظراتها المتعجبة منه، توقفت دقيقتين تحاول استيعاب حديثه لتقول : مين دي اللي سابتك في المستشفى، مين قالك كدة.
حول بصره نحوها ليقول بضيق : مش محتاج حد يقولي، أنا عارف وشوفت بنفسي أسأل ليه!.
جذبت يديه لتقول بخفوت : أنا مش سبتك لحظة، من وقت ما دخلت المستشفى، أنا كنت جنبك في كل وقت، هو أنت محستش بيا.
هتف بحزن : حسيت لدرجة إني كنت بتوهم إنك بتكلميني، وصوتك بيندهني من بعيد وكنت بشوفك كانك قدامي.
الآن أدركت سبب تعامله معها ما هو إلا سوء تفاهم منه : أنا فعلًا كنت بندهك وبتكلم معاك وبتمناك تفوق، أنا كنت جنبك في كل لحظة، اليوم الوحيد اللي سبتك فيه هو اللي أنت فوقت فيه وده كان من حظي الوحش، هو أدهم مش قالك ولا حتى خالتو أو تيته أو عمو رأفت.
هز رأسه بنفي قائلًا : ادهم من وقت ما فوقت ولقيته هو اللي قدامي وسألته أنتي فين قالي إنك في البيت حسيت بحد كإنه بيخنقني سكت وقولت أكيد لسه مش طايقاك ومرتاحة في بعدها عنك حتى وأنت راقد كدة، تاني يوم هو رجع الشغل وبقالي خمستاشر يوم مشوفتوش، والصراحة ماما كانت لما تجيب سيرتك أنا ازعق وأسكتها وتيتة وبابا مكنوش بيجيبوا سيرتك أصلًا.
صمت لبرهة، تعلقت عيناه بها ليعود ويتحدث بلهفة: بجد يافريدة، يعني أنتي كنتي جنبي، وعاوزاني أفوق، يعني أنتي مش كرهتيني، وعاوزة تبعدي عني..
_ والله ما سيبتك لحظة يا خالد، كنت جنبك على طول..
عاد يسألها بعبوس : أومال ليه طيب بعدتي الفترة دي عني، وأنتي عارفة إنى محتاجك.
ابتسمت بحزن وتساقطت الدموع من عينيها : عشان يوم ما فوقت عرفت إنك طلبت إنهم يقولوا تاني يوم إنك فوقت، فهمت إنك مش عاوزني أجيلك، ومش وحشاك زي ما أنت وحشتني.
نعم لقد اعترفت بعشقها وشوقها الشديد له، لم تندم على ذلك وخاصة بعدما رأت تلك النظرات الشغوفة والمتلهفة لحديثها منه لم تعهدها من قبل، أما هو استمر لثوانٍ يشملها بنظراتٍ شاملة ومتلهفة حتى جذبها لأحضانه : أنا بحبك أوي، إزاي مكنتش عاوز أشوفك، أنا كنت بتمنى رؤيتك ياحبيبتي، وحبيبة قلبي وعمري وطفولتي وشبابي،وحبيبة كل وقت وكل لحظة وكل قرب وكل بعد سواء كان جنبك أو بعيد عنك.
طبع قبلات خفيفة بجانب وجهها فشعرت بالخجل، تدفقت تلك الدماء إلى وجنيتها، ابتعدت عنه قليلًا لتهمس : الكلام ده ليا أنا.
طوق وجهها بيديه ليقول : آه والله ليكي أنتي، أنتي عارفة إني بحبك صح.
_ أومال ليه كنت بتخوني؟!.
_ أنا معترفتش بحبي إلا دلوقتي، يبقى مكنتش بخونك، وبعدين أنا مقولتش لحد غيرك إني بحبك.
ابتسمت بحزن ثم قالت : لو أنت بتحبني بجد زي ما أنت بتقول، وبتكلم بنات يبقى ده في حد ذاته خيانة ليا…الحب إنك تحافظ على قلبك ليا وتحافظ على نفسك ليا بردو.
ابتسم بمكر : اعترفلك بحاجة، وتحاولي تفهمني وتصدقني إن عمري ما هكدب عليكي في اللي هاقوله.
_ طول عمري بصدقك يا خالد.
أخرج تنهيدة قوية من صدره ليتحدث بعدها : بعترف إني كنت هاضيعك من إيدي بغبائي، بس ده كان له سبب قوي عندي، كل يوم بشوف صحابي بتموت وبيسبوا عيال ليهم ومراتتهم بتترمل، أنا كنت ببقى متقطع عشانهم، أوقات بقعد أفكر لما أتجوزك هاحبك زيادة وأنتي هاتتلعقي بيا، وبعدها أموت وأسيبك كانت الفكرة في حد ذاتها بتخنقني، وصلت إن أكرهك فيا وأنا أبعد عنك وبكدة احتفظ بشوية الحب اللي في قلبي ناحيتك، كنت غبي، لقتني كل يوم بحبك زيادة بغير عليكي بجنون وبعذب في قلبي قبل قلبك، أوهمتك إني بكلم بنات حتى أدهم وكل اللي حواليا عشان يوصلك كدة، ومنكرش إني كنت فعلًا بكلمهم بس عشان أدهم بتأكد ويوصل لنهال ونهال أكيد توصلك، فتكرهيني وتبعدي عني، لما لقيت عمار قرب منك وحسيت بضياعك بجد كنت هاتجنن هاموت، أنا عاوزك ليا أنا بس مش قادر آخد خطوة وكل ما آجي آخدها أشوف زوجات أصحابي وعيالهم قدامي ألاقيني برجع ألف خطوه لورا، والله يافريدة أنا محافظ على قلبي ليكي وعمري ما خونتك أبدًا.
ابتلعت ريقها بصعوبة من كم المفاجآت التي تفوه بها، لتقول : طيب والبنت اللي كانت في الكافيه معاك..
ابتسم بحب قائلًا : حسيت إنك بتدوري ورايا، وإن دي خطة نهال حبيت أأكدلك ده وكلمتها مرة وتانية وتالت مرة كانت معايا في كافيه، بس متوقعتش جو المراقبة ده، أنا كان في خيالي تبعتوا أدهم، مش أنتوا التلاتة.
ضربته في صدره بقبضتها الصغيرة لتقول من بين دموعها : أنت عارف كنت هتوصلنا لإيه بغبائك ده، أنت عارف أنت حطمتني قد إيه وحطمت قلبي في كل مرة بتاعملني وحش وبتأكدلي إنك بتكلم بنات، أنت متخيل كسرة قلبي عشان شوية تخلف وغباء منك يا خالد.
جذب يديها سريعًا وقبلهم بقوة : آسف، على كل لحظة كنت هاضيعك مني فيها، بس والله كان مجرد خوف هاجس بينهش في قلبي وعقلي تخيلات كانت بتدمر قلبي كل ما بتخيلك وأنتي بتدمري بعد موتي، أنا أوقات كنت بحس إني مريض نفسي، عاوز أموت شهيد، بس مش عاوز أسيبك.
همست بحب وصوت مبحوح : بعد الشر عليك، أنا قلبي كان بيتقطع وأنا شايفاك نايم على السرير مبتتحركش، كنت بتمنى تقوم وتسمعني كلامك السم بس تقوم بالسلامة.
_ واديني قومت بفضل ربنا، زعلانة مني يا ديدي.
ابتسمت بخجل ثم قالت بخفوت : اعترفلك بحاجة أنا كمان.
هز رأسه يحثها على التحدث، فقالت هي : مبحبش ديدي إلا منك أنت بس، كلهم بيقولها عادي إلا أنت بتقولها وأنا بحس إن ليها طعم تاني خالص.
أشار إلى قلبها وهو يقول بهمس عاشق : الحطام اللي أنا كنت السبب فيه في قلبك، أنا هارجعه تاني، وهداوي قلبك وأرجعه يعشق ويحبني من تاني أوعدك، هاعوضك عن كل لحظة عيطتي فيها بسببي.
رمقته بحب ثم قالت لنفسها: على أساس إني بطلت أحبك وأعشقك أصلًا، أنت حبك بيكبر في قلبي غصب عني، حاولت أوقفه لكنه زي القطر بيكبر بسرعة وبيسطر عليا…
………….
في أحد الكافيهات..
ارتشفت سميرة رشفة صغيرة من العصير : الله يا رأفت عصير المانجا ده حلو أوي.
ابتسم رأفت ليقول : آه الكافيه هنا بيعملوه حلو.
ابتسمت سميرة بمكر لتنظر لابنتها ثم قالت : نبيلة شوفي جوزك عارف الكافيه ده منين، أنا كنت فاكراه آخره قهوة.
قهقهت نبيلة ثم قالت : ما أنا باجي معاه على طول ياماما، متخافيش بنتك مسيطرة.
لكزها رأفت في يديها ليقول باستنكار : مسيطرة بردو.
قالت سميره : ياخويا عالله بس يكون حد من جوز الهبل اللى سايبنهم سيطر على التاني، ومنرجعش نلاقي ابنك بيجعر والبت بتعيط.
هز رأسه بنفي ليقول بتأكيد : لأ المرادي هنرجع نلاقيهم متفقين على خطوبة، صدقيني خالد هايطبطب على قلبها ويدواي جرحها منه.
قالت نبيلة متمنية : ياريت يارأفت كانت أصلًا فكرة حلوة منك إننا نجمعهم ببعض، ياريت بقى يعترفوا لبعض ياما نفسي أشوفهم متجوزين وجايبنلي حفيد منهم كدة ويكبروا عيلتنا بقى.
قالت سميرة بسعادة لمجرد فكرة لرؤيتها لحفيد منهم : يارب يا نبيلة، ويكون اسمه حمزه زي الواد العسل اللي في المسلسل اللي بنشوفه، يبقى حمزه ابن خالد وفريدة، أعبط اتنين بيحبوا بعض.
قهقه نبيلة ورأفت معًا، وهما يأكدان على ذلك الحب العجيب من وجهة نظرهم، لتنتهي بذلك قصتنا التي تحولت من حطام فريدة إلى إشراق فريدة وسعادتها باعتراف خالد بحبه لها…
تمت بحمد لله