دلف نبيل الى حجرة مكتب السكرتيرة الخاصة برئيس مجلس الادارة ليجد فتون تجلس في برود وهي تضع قدما فوق الأخرى، تنصب نظرات ملؤها التحدى على تلك الفتاة الحسناء والتى تقبع خلف المكتب، بادلتها إياها الأخرى ليبتسم بداخله وهو يدرك أن وراء جلسة فتون تلك مشاعر ثائرة تعبث بكيانها، تقيدها بصعوبة كي لا تنفجر في التو والحال، وأن تلك الفتاة التى تظن أنها أهلا لتحدى فتون، لو تعلم طبيعتها، ما حاولت استفزازها بتلك النظرات قط، حقا كم هي ساذجة.
ما إن رأته فتون حتى نهضت على الفور وكأنها كانت تعد الثوانى حتى عودته، ليقترب منها بهدوء وعينيه عليها، وما إن توقف أمامها حتى أمسك يدها مشجعا تمسكت بيده وقد استمدت القوة منه لينظران الى تلك السكرتيرة التى نظرت الى فتون نظرة حقودة ثم تجاهلتها تماما وهي تنظر لنبيل وهى تبتسم تلك المرة ابتسامة حقيقية، تطالعه بعيون ظهر بهما الاعجاب جليا، لتود فتون في تلك اللحظة أن تقتلع قلبها، تلك الحرباء والتى يبدوا أنها لا تفضل سوى الرجال، قالت السكرتيرة برقة وصوت ناعم بعد ثوان من تأملها نبيل:.
اتفضلوا، مستر ياسين في انتظاركم.
أومأوا برءوسهما واتجهوا الى تلك الحجرة الجانبية، ليطرق نبيل الباب وعند سماعهم لصوت رجولى يأمرهم بالدخول، نظروا الى بعضهما البعض ليومئ نبيل اليها مشجعا ثم يترك يدها فاتحا الباب ودالفا الى الحجرة بهدوء تتبعه فتون.
، كانت المواجهة الأولى بينهما تحمل مشاعر شتى ومتناقضة، فبينما نهض ياسين مرحبا بنبيل، تأملت فتون ملامح ياسين عن قرب بعيون رغما عنها امتلأت بالكره، تدرك الآن سبب وقوع أختها ضحية له فاذا كانت صورته قد أرسلت لها فكرة واضحة عن وسامته وجاذبيته الا أن رؤيته الآن قريبا منها جعلتها تدرك حضوره الطاغى والذى قد يسحر أي فتاة غيرها خاصة مع تلك الابتسامة الجذابة والتى ارتسمت على وجهه وهو يرحب بنبيل، أسرعت تخفى تلك النظرة حين التفت اليها ياسين لتتلاقى عيونهم في تلك اللحظة، لاحظت صدمة طفيفة في عينيه وجمودا في ملامحه ثم مالبثت أن لانت ملامحه وهو يمد يده إليها مرحبا، ترددت للحظة لاتريد أن تضع يدها في يد قاتل أختها ولكنها مالبثت أن تمالكت نفسها وهى تصافحه سريعا تبتعد بعيونها عن عيونه حتى لايرى فيهما أثر اشمئزازها من لمسته إياها، ترك يدها وهو يدعوهما للجلوس ثم جلس على مقعده، قائلا:.
أهلا بيكم في مصر، نورتونا.
قال نبيل بابتسامة:
البلد منورة بأهلها.
ابتسم ياسين قائلا وهو ينظر الى نبيل:
متشكر أوى يامستر نبيل…
قاطعه نبيل بابتسامة مفتعلة وهو يقول:
ياريت نشيل الألقاب، احنا هيبقى بينا بيزنس كبير والألقاب هتبقى زي الطربوش على كلامنا ولا إيه؟
ابتسم ياسين قائلا:
تمام أوى.
ليتراجع في مقعده قائلا:.
، الموضوع باختصار إنك كلمت مدير مكتبى على اننا هنكون الوكيل الوحيد لمنتجاتكم هنا في القاهرة، وإنت عارف طبعا ده معناه ايه؟
قال نبيل بتأكيد:
طبعا عارف، بس انت أكيد برده عارف ان منتجاتنا هي رقم واحد في لبنان و عارف أد ايه مطلوبة هنا في مصر، يعنى اتفاق زي ده هينقل شركتكم لحتة تانية خالص.
أومأ ياسين برأسه بهدوء موافقا وهو يقول:
بالظبط وده يخلينى أسأل عن سبب اختياركم لشركة زي شركتنا مبقالهاش كتير في السوق؟
أدركت فتون أن ياسين لديه بعض الشكوك تجاههم الى جانب تعجبها من تجاهله إياها وكلامه الموجه دائما الى نبيل لتدرك أن خطتها على وشك الفشل فأسرعت تقول:
وهو ده سبب اختيارنا لشركتكم، فعلى الرغم من المدة القصيرة اللى بقالكم فيها موجودين في السوق قدرتوا تكونوا اسم كبير وبقالكم مركز كويس اوى بين الشركات في مجالكم وسمعة طيبة كمان وعشان كدة ومعانا هنقدر نحقق كل اللى عايزينه، انتوا هتستفيدوا واحنا أكيد هنستفيد.
كان ياسين قد التفت اليها رغما عنه عندما تدخلت في الحديث، ملامحه جامدة ولكن عيونه تلمع ببريق تدركه فتون جيدا كأنثى، انه بريق الاعجاب والذى استطاعت أن تحصل عليه منه رغم محاولته ابداء العكس، أطرق ياسين برأسه يخفى تعبيرات وجهه قبل أن يرفع وجهه اليها قائلا:
والمطلوب؟
أحست فتون للحظة بالارتباك لاتدرى شيئا عن مقصده، انتابها الإدرك فجأة لتوقن من أن هذا الياسين هو رجل حاد الذكاء وهذا ما لم تضعه في الحسبان عندما وضعت خطتها، لذا عليها توخى الحذر أكثر في كل تعاملاتها معه، ويجب أن تكون جريئة و مباشرة أيضا فمن الواضح أنه لا يحب اللف والدوران ويدخل مباشرة الى صلب الموضوع، لتنظر إلى عمق عينيه وتمتلئ عيونها بالتصميم لتشعر باختلاجة بسيطة في ملامح ياسين ولكن مالبث أن عادت ملامحه باردة عندما قالت هي في هدوء:.
في مقابل انكم هتكونوا وكيلنا الوحيد في مصر عايزين نسبة في شركتكم، والنسبة دى متقلش عن التلت.
لم تظهر الصدمة على وجه ياسين، فقط تراجع في مقعده يشبك أصابعه أمام وجهه قائلا:
ممكن أعرف انتوا مين؟
أشارت فتون الى نبيل قائلة:
نبيل عزام،
ثم أشارت الى نفسها قائلة في ثقة برزت في كلماتها:
وفتون سلطان، والشركة اللى بتجمعنا أكيد، شركة السلطانة للعطور.
نظر ياسين الى نبيل الذى جلس صامتا ينظر اليه فقط، ثم عاد بعينيه الى فتون قائلا:
لو تسمحيلى طبعا ممكن أعرف ايه العلاقة اللى بتجمعكم، شراكة في الشغل بس ولا…
وصمت تاركا جملته معلقة، لتبتسم فتون بداخلها تدرك أن سؤاله لا يمت للعمل بصلة ولكنها قالت بهدوء:
رغم ان سؤالك ملوش دعوة بشغلنا بس هجاوبك، العلاقة اللى بتربطنى بنبيل هى علاقة عمل وبس، بس تقدر تقول ان احنا أكتر من إخوات.
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر الى نبيل تمنحه ابتسامة فاتنة ليبادلها اياها، نقل ياسين نظره بينهما، لا يدرى لما شعر بالغيرة لأنها خصت نبيل بابتسامتها التى لم يرى مثيلا لها، فقد أشعت وجهها بجمالا زاد من جمالها، وأظهرت غمازتيها الرائعتين، لعن سؤاله الذى ألقاه عليها وتساءل عن سببه، فقد أصابته إجابتها ونظرتهما بشعور يشبه الغيرة فعلا؟نفض أفكاره بقوة، فلما يشعر بالغيرة على فتاة يراها لأول مرة؟، ربما لأنها تذكره بها، بتلك الفتاة التى عشقها يوما ثم…
نفض أفكاره مجددا، فرغم أنها تمتلك نفس لون العينين الزيتونيتين ونفس الابتسامة وربما نفس الروح التى تشع بالجمال على من حولها، الا ان كل هذا لا يجعلها هي، ولكن يجعلها بالتأكيد خطرا كبيرا عليه، لذا من الأفضل أن يرفض عرضهما قبل أن يتورط أكثر، رغم أنه عرضا لا يرفض، فشركة بحجم السلطانة، ستجعل شركتهم أقوى شركة بالسوق، لتستطيع أن تدمر شركة ذلك الشيطان عدنان وأعوانه ولكن تظل المخاطرة بسلامته قائمة، لذا فك تشابك أصابعه وهو يقول بهدوء:.
الحقيقة قرار زي ده مقدرش أخده لوحدى، أنا لية شريك ولازم أرجعله.
نهضت فتون على الفور يتبعها نبيل ثم ياسين وهى تقول:
تمام أوى،
أشارت لنبيل بعينيها فأخرج لياسين كارتا منحه إياه وفتون تقول:
هتلاقى في الكارت تليفوناتنا وعلى ضهره مكان نزولنا في القاهرة، لو اتفقت مع شريكك ياريت تبلغنا، بس ياريت بسرعة عشان لو موافقتوش هنضطر ندور على حد تانى والحقيقة احنا مستعجلين أوى، عن اذنك.
تجنبت تلك المرة مصافحته وهي تحييه برأسها قبل أن تغادر الحجرة يتبعها نبيل وخلفهما ياسين الذى تابعهما بعينيه حتى اختفيا ليرفع الكارت أمام ناظريه يقرأ اسمها بحروف مضغوطة:
فتون، فتون سلطان.
قال عدنان بعصبية:
يعنى ايه ملقيتوهاش، هتروح فين يعنى؟
زفر هارون قائلا:
مفيش ليها أي أثر، دورنا في كل الأماكن اللى ممكن تكون موجودة فيها ملقينهاش، حتى كاميرات المراقبة مبينتش هي هربت ازاي؟
ضرب عدنان كفا على كف وهو يقول:
أكيد مش هتلاقوا حاجة على الكاميرات، ما هي عارفة مكانهم واحدة واحدة، وأكيد عارفة ازاي تبعد عنهم، اللى هيجننى بقى هو ازاي عرفت تهرب من الحمير اللى برة دول؟
عقد هارون حاجبيه قائلا:.
تفتكر ظبطت حد فيهم؟
جلس عدنان مكانه وقد ارتسمت على وجهه ملامح شيطانية ليقول بصوت كالفحيح:
مش بعيد، بس لو كان ده اللى حصل يبقى اللى ساعدها تهرب منهم هيبقى عبرة لأمثاله، عبرة لأي حد يخون عدنان المسيرى، ده أنا الشيطان ولا نسيت ياهارون؟
قال هارون في توتر:
لأ طبعا منستش ولا حد يقدر ينسى ياباشا، ومتقلقش لو حد منهم طلع خاين أنا بإيدية دول اللى هقطع من لحمه، وأخليه عبرة لكل خاين.
زفر عدنان بقوة قائلا:.
طب سيبنا من الموضوع ده دلوقتى وقوللى مروان اتصل؟
هز هارون رأسه نفيا قائلا:
لأ، لسة، أدينا مستنيين تليفونه عشان يحدد ميعاد يكلمنا فيه عن صفقة العمر زي ماقال.
قال عدنان:
مش عارف ليه مش قادر اطمنله رغم اللى عمله معانا، طب قوللى، مراقبينه كويس؟
اومأ هارون برأسه قائلا:
خليت واحد يراقبه من انبارح بس بلغنى ان مروان مخرجش من بيته خالص من اول ما بدأ يراقبه، تفتكر حس بحاجة؟
هز عدنان رأسه رفضا وهو يقول:.
معتقدش، مروان مبيخرجش من بيته غير للضرورة وكل شغله بيقوم بيه من اوضة مكتبه، يعنى انه ميخرجش باليوم أو اليومين من بيته، ده شئ طبيعى جدا، وخصوصا انه سايب امور الشركة الادارية لشريكه، ياسين.
ليطرق برأسه يفكر لثوان قبل أن يرفعها مجددا وهو يقول:
تعرف احنا محتاجين ايه؟
عقد هارون حاجبيه وهو ينظر الى عدنان مستفسرا ليستطرد عدنان قائلا:.
محتاجين نزرع حد في بيت مروان، خدامة تجيبلنا أخباره مثلا او تصورلنا اوراقه الخاصة اللى في مكتبه.
قال هارون:
بسيطة، الموضوع ده سهل أوى يتنفذ.
صمت عدنان للحظة قبل أن يقول بغيظ:
لو كانت الزفتة زينة دى هنا، كنا زرعناها عنده، كانت أنسب واحدة عندنا تقوم بالمهمة دى وخصوصا انها كانت شغالة في بيت أبوه قبل كدة، يعنى تعتبر معرفة قديمة وأكيد مش طايقاهم عشان باعوها لينا ونفسها تنتقم منهم.
قال هارون بدهشة:.
زينة كانت شغالة عند سعيد فياض؟
أومأ عدنان برأسه قائلا:
أيوة كانت شغالة عندهم قبل ما تجينى،
لتلتمع عيناه وهو يستطرد قائلا:
تعرف الموضوع ده فكرنى بمين؟
نظر اليه هارون مستفسرا وهو يقول:
بمين؟
قال عدنان:
بسوزى، مش يمكن تكون راحتلها؟
قال هارون:
أكيد طبعا، ده المكان الوحيد اللى مدورناش عليها فيه.
نقر عدنان بيده على المكتب قائلا:.
لأ مش أكيد، انت متعرفش سوزى كانت بتعمل فيها ايه، ده هي اللى جابيتهالى بنفسها عشان أشغلها مع البنات، وعشان تبعدها عن جوزها بعد ما خانها معاها.
اتسعت عينا هارون بدهشة قائلا:
سعيد فياض خان سوزى هانم، مع البت زينة؟
أومأ عدنان برأسه قائلا:
مع الأسف بقى كان رمرام وغاوى خدامين مع ان البت زينة حلوة برده وتستاهل، بس طبعا جنب سوزى متساويش حاجة.
وغمز بعينيه وهو يقول بخبث:.
وإسألنى أنا، سوزى دى ياما نامت في حضنى وجوزها كان في البيت نايم على ودانه، بس لما اتبادلوا الأدوار وخانها مقدرتش تستحمل الصدمة وباعتلى البنت علطول،
مسح على صدره وقد اتسعت ابتسامته الخبيثة مستطردا:
والله افتكرت دلوقتى أيامنا مع بعض وبفكر أكلمها أسألها على زينة وأهو بالمرة نتقابل ونرجع أيام زمان، مش كدة ياهارون؟
بادله هارون ابتسامته الخبيثة وهو يقول:
كدة ونص ياباشا.
قال عدنان بملامح شيطانية:.
طب بسرعة ياهارون هاتلى رقمها لإنه راح منى.
اومأ هارون برأسه قائلا:
ثوانى ياباشا هجيبهولك وآجى.
والتفت مغادرا حجرة المكتب وعيون عدنان تتابعه وقد عاد بذاكرته الى الوراء، يتذكر سوزى، يتساءل عن أحوالها الآن، يدرك أن أعماله والتوسعات التى قام بها في شركته قد ألهته عنها ولكن حان الوقت ليستعيد تلك الأوقات الرائعة التى كان يقضيها مع تلك الفاتنة سوزى.
كان نبيل يعمل على اللاب توب الخاص به، ليتوقف عن العمل وقد شعر بالتعب، تراجع الى الوراء يستند بظهره على المقعد، يدرك ان الفترة القادمة لن تكون سهلة، فقد أدرك هو وفتون اليوم أن ذلك الرجل ليس سهلا على الاطلاق وأنه يحتاج الى أن تكون خطتهما محكمة وليس بها أي ثغرات، لذا ومنذ رجوعه وهو يدقق في الأوراق، حتى يتأكد من عدم وجود أى هفوة قد تطيح بخطتهم، تمطى بجسده يغمض عينيه ليرى فجأة عيون تلك الفتاة التى اصطدم بها اليوم تبرز فجأة وسط الظلام، فتح عينيه فلم يجد أحدا، ليدرك أنها فقط في خياله، كم هي رائعة تلك العيون العسلية، شفافة للغاية ورقيقة، جذبته بشدة، ولفتت انتباهه وهاهي صورتها لا تغادر عقله، تساءل مجددا ترى ماذا تعمل في تلك الشركة وما هو اسمها؟ لينفض افكاره بقوة وهو يدرك أن تلك الغريبة كلية عنه تتسلل الى وجدانه، وهو في وضع لن يكون به أي وقت للمشاعر، انتابه الحزن، فلم يشعر بتلك الاحاسيس تجاه فتاة من قبل وعندما انتابته تلك المشاعر كانت بالتأكيد في الوقت الخاطئ، هز رأسه وهو ينظر الى شاشة اللاب توب، يبعد عن أفكاره تلك الفاتنة ويركز فقط على الأرقام والكلمات، لترتسم عيناها على الشاشة تنظران اليه بعشق، زفر بقوة وهو يغلق اللاب توب وقد أدرك أنه لن يستطيع العمل مطلقا الآن ونظرة عيونها تطارده وتجبره على الغرق بها.