فتحت زينة الباب لتفاجئ بسوزى تقف قبالتها تطالعها ببرود، بادلتها نظراتها الباردة كالصقيع وهي تقول في برود:
مروان بيه مش موجود، كان المفروض تكلميه قبل ما تيجى.
لتحاول غلق الباب ولكن قدم سوزى التى وضعتها حالت دون ذلك لتدفع الباب بيدها بقوة تعيد فتحه، لتواجهها عينا زينة المتسائلتين، عقدت سوزى حاجبيها بغضب وهي تقول:
أنا عايزاكى انتى ياست زينة.
نظرت اليها زينة بدهشة رغما عنها قائلة:
عايزانى أنا؟
قالت سوزى بحدة:
أيوة عايزاكى انتى، تخيلى؟
ثم تقدمت منها سوزى وعلى ملامحها ظهرت كل إمارات الشر، لتتراجع زينة خطوتين، قائلة في قلق:
إنتى عايزة منى ايه ياسوزى؟
ابتسمت سوزى بسخرية قائلة:
سوزى كدة علطول؟إيه الجرأة دى ياست زينة، السنين قوت قلبك أوى، أنا كنت وهفضل بالنسبة لك سوزى هانم، وانتى هتفضلى زينة، حتة الخدامة اللى افتكرت نفسها حاجة واكتشفت إنها ولا حاجة.
توقفت زينة عند سماعها تلك الكلمات لتقول بغضب:.
ده كان زمان ياسوزى، زينة البريئة الطيبة راحت على ايديكى وإيدين الكلاب اللى رمتينى ليهم، دلوقتى أنا بقيت زينة تانية خالص، زينة اللى ممكن تقتل لو حد مسها أو مس ابنها بأي أذى.
تعالت ضحكات سوزى الساخرة لتشعر زينة بالقلق عكس ما تحمله ملامحها الثابتة من قوة لتقترب منها سوزى مجددا وعيناها تلتمعان بنظرة مخيفة أثارت الرجفة في أوصال زينة لتتراجع مجددا حتى التصقت بالحائط، وقفت سوزى قبالتها لتقترب من وجهها تقول بصوت كالفحيح:
تقتلى صح؟طب اسمعى بقى، أنا جايبالك رسالة من عدنان.
اتسعت عينا زينة بصدمة لتستطرد سوزى قائلة:.
بيقولك ياحلوة لمى لسانك وإعرفى ان لو حرف من اللى تعرفيه اتنقل لمروان، مش بس هيقتلك ويقتل ابنك، لأ ده هيقتل مروان كمان.
ظهر الخوف جليا في عيني زينة لتقول سوزى بابتسامة شامتة:
مسمعتش صوتك يعنى؟
أغمضت زينة عينيها تتراءى لها أبشع الصور ولكنها لم تلبث ان نفضتها لتفتح عينيها وهي ترفع يدها قبالة سوزى، موجهة إليها سبابتها وهي تقول بتصميم:.
على فكرة بقى لا إنتى ولا عدنان تقدروا تخوفونى، واللى عايزين تعملوه اعملوه، انتوا أحقر وأجبن من انكوا تقربوا من مروان، ومروان مش ممكن يسمحلكو…
قاطعتها سوزى وهي تضع يدها على فمها بينما تمسك باليد الأخرى سبابة زينة الموجة إليها، تثنى اصبعها بقوة ليظهر الألم على وجه زينة قائلة بغضب:.
والله وطلعلك صوت ياخدامة يابنت الخدامين، انتى نسيتى نفسك ولا إيه، نسيتى أنا مين وأقدر اعمل فيكى ايه؟نسيتى عدنان يبقى مين، نسيتى مسميينه ايه؟الشيطان، عارفة ده معناه ايه؟لو كنتى نسيتى يسعدنى فوق ما تتصورى إنى أفكرك، ولو فاكرة ان مروان يقدر يحميكى أو يحمى ابنك مننا تبقى بتحلمى، لأن وقت الجد هيختارنا احنا، هيختار مصالحه، مش هيختار واحدة خد غرضه منها ورماها زمان وهي لسة بيور، مابالك دلوقتى وهو عارف انك بقيتى لكل واحد قدر يدفع تمن خدماتك الرخيصة.
أحست زينة بالإنكسار تدرك أن سوزى محقة فعند الاختيار، بالتأكيد لن يختارها مروان بل سيختارهم هم، أفاقت من أفكارها على ذلك الألم الناتج عن ضغط سوزى على اصبعها وهي تضغط على فمها بقوة أكبر تمنع دوي صرخة كادت أن تفلت منها حين كسرت لها سبابتها، لتطفر الدموع من عين زينة بقوة وتشع عيني سوزى بنشوة تلذذ مرضي بعذابها قبل ان تلقى عليها نظرة انتصار أخيرة تاركة إياها، لتسقط زينة على الأرض تبكى بألم بينما تغادر سوزى المكان بخطوات سريعة لترتطم بدادة تحية فتقول بحدة:.
مش تفتحى ياست انتى.
نكست دادة تحية رأسها قائلة:
أنا آسفة ياهانم.
نظرت اليها سوزى شذرا قبل ان تغادر بينما وقعت عينا تحية على زينة الواقعة أرضا لتسرع اليها قائلة في جزع:
زينة يابنتى، مالك، جرالك ايه؟
قالت زينة من وسط دموعها:
مفيش يادادة، لو سمحتى بس ساعدينى أقوم.
نظرت دادة تحية الى إصبع زينة التى تمسكه بألم، تلاحظ تورمه ولونه الأزرق لتقول في جزع:.
ماله صابعك يابنتى؟ايه اللى عمل فيكى كدة؟أكيد الحرباية اللى لسة خارجة دلوقتى، أنا هكلم مروان اقوله، وأخليه يجيب الدكتور وييجى حالا.
قالت زينة بخوف:
لأ يادادة أبوس إيدك بلاش مروان، عشان خاطرى متقوليلوش على أي حاجة.
تفحصت تحية ملامحها المرتعبة في قلق وهي تقول:
خايفة من إيه بس يابنتى؟
قالت زينة ودموعها تتساقط بغزارة:.
حاجات كتير أوى يادادة، مش هتقدرى تفهميها، بس لو بتحبينى، ولو عندك ذرة ثقة فية، هتصدقينى لو قلتلك ان مروان لو عرف أي حاجة هو أول واحد هينضر، فلازم ميعرفش أي حاجة عشان خاطرى، اوعدينى يادادة، اوعدينى.
نظرت اليها تحية للحظات قبل ان تتنهد قائلة:
الأمر لله من قبل ومن بعد، أمرى لله يابنتى، أوعدك، بس تعالى الأول نشوف هنعمل ايه في صابعك ده وهنقول لمروان ايه لما يشوفه.
قالت زينة بألم:.
متقلقيش يادادة، انا عارفة هنقوله ايه.
دلف ياسين الى حجرة الطعام ليجد جدته تشرف على طاولة الطعام بنفسها تتأكد من أن كل شئ كما يجب ان يكون، نظر ياسين الى تلك الطاولة التى تضم كل ما لذ وطاب، ليتأكد من ان أهمية ضيوف جدته لديها والتى لم تخبره حتى الآن عن هويتهم، يتمنى من الله أن لا يكون ضيوف جدته كالعادة هم أهل عروس جديدة تعرضها عليه جدته في اجتماع يبدو كدعوة عشاء ولكنه في الأساس، جلسة تعارف بين العروسين، ليصدهم ياسين بكل قوة وتعنفه بعدها جدته بكل حزم، تخبره أنها أول وآخر مرة تتدخل بأموره الشخصية وليفعل ما يريد بحياته وليندم بعدها فلن تهتم، لتعود وتفاجأه مجددا بإحدى دعواتها، فلا هو يلين ولا هي تيأس، اقترب ياسين من جدته قائلا في قلق:.
مقلتليش ياتيتة، ضيوفك النهاردة يبقوا مين؟
ابتسمت الجدة قائلة:
ما قلتلك، دى مفاجأة ياياسين.
زفر ياسين قائلا بهمس:
أهو أنا مش خايف غير م الكلمة دى.
قالت الجدة وهي ترفع احدى حاجبيها:
بتقول حاجة ياياسين؟
قال ياسين في ارتباك:
لا ياتيتة، مبقلش.
دخلت دارين في تلك اللحظة تقول بابتسامة:
الضيوف وصلوا ياتيتة.
أومأت الجدة برأسها قائلة:
انا جاية حالا.
ثم اسرعت مغادرة الحجرة ومتجهة إلى الردهة لاستقبالهم، كادت دارين ان تتبعها ولكن ياسين أمسك ذراعها يستوقفها قائلا:
مين ضيوف تيتة دول يادارين؟
أفلتت دارين ذراعها من يده وهي تبتسم مشاكسة إياه قائلة:
مفاجأة ياياسين.
لتغادر الحجرة يتبعها ياسين وهو يكاد يجزم أن تلك المفاجأة لن تعجبه، لن تعجبه أبدا.
قال فارس في قلق:
لسة بيوجعك ياماما؟
هزت زينة رأسها نفيا وهي تربت على وجنته بيدها اليسرى السليمة في حنان قائلة:
خلاص مبقاش بيوجعنى ياحبيبى؟
انتفضت زينة على صوت مروان يقول في برود:
هو إيه ده اللى بيوجعك؟
اندفع فارس الى مروان يحتضنه بيديه الصغيرتين قائلا:
آنكل مروان، وحشتنى.
نزل مروان على ركبتيه غير مباليا ببذلته غالية الثمن، ليصبح في مستوى فارس يضمه بدوره ويربت على ظهره قائلا:
إنت كمان وحشتنى يافارس.
نظرت زينة اليهما تشعر بقلبها يتمزق من تلك الصورة التى لطالما راودت أحلامها ولكنها لم تكن تتخيل أبدا ان تراها واقعا متجسدا امامها، لترفع يدها اليمنى تضعها على خافقها الذى ينبض بقوة ويتألم بقوة أكبر تحاول أن تحتوى نبضاته وألمه، لتقع عيني مروان في تلك اللحظة على يدها، تتركز عيناه على إصبعها المجبر، ورغما عنه يتآكل قلبه القلق لينهض بسرعة تاركا فارس ومتجها إليها وسط دهشتها يأخذ يدها اليمنى بين يديه يتفحص إصابتها بعينيه لتتسارع دقات قلبها وتنتفض كلية حين رفع إليها مروان عينيه قائلا في قلق لم يستطع اخفاؤه:.
صابعك ده ايه اللى كسره؟
رغم أنها جهزت كذبتها وظلت تعيدها مرات ومرات حتى لا تخطئ عندما يسألها، إلا انها الآن وعينيها تواجه عينيه القاتمتين المليئتين بمشاعر غمرتها، ويدها بين يديه تنقل اليها نبضات قلبه المتسارعة القلقة، لم تستطع ان تتفوه بحرف، فقط تعيش حالة من الأمل الذى تخشى ان يكون مجرد وهما في خيالها، لتفيق من تلك الحالة على صوته وهو يقول في حدة:
ما تردى علية، صابعك ده انكسر إزاى؟
قالت متلعثمة:.
أنا، أنا، وقعت على ايدى فانكسر.
عقد حاجبيه وهو ينظر الى عينيها، يشعر انها لا تقول الصدق، وتخفى عنه شيئا، ليترك يدها ملتفتا الى فارس قائلا:
هي ماما وقعت يافارس؟
قالت زينة بسرعة:
هو…
قاطعها مشيرا اليها بالصمت وهو يقول:
انا بكلمه هو.
ليتوجه بحديثه مجددا الى فارس قائلا:
جاوبنى يافارس، ماما وقعت؟
قال فارس:
مش عارف ياآنكل انا مشفتهاش، أنا كنت بلعب في الجنينة.
اومأ مروان برأسه في هدوء قائلا:.
طيب ياحبيبى، ناديلى دادة تحية وروح كمل لعب في الجنينة.
نظر فارس في تردد الى والدته لتومئ إليه برأسها موافقة، ركض فارس لينادى الدادة بينما التفت مروان إلى زينة يرمقها بعيون متفحصة لتطرق برأسها هربا من نظراته ليزداد قناعة بأن زينة تخفى عنه أمرا، سمعا صوت تحية تقول بقلق:
خير ياابنى.
التفت مروان الى الدادة قائلا:
زينة اتكسر صابعها ازاي يادادة؟
قالت الدادة بارتباك:
زينة، زينة وقعت على إيدها فانكسر صابعها.
رمقها مروان بنظرة غامضة وهو يقول:
متأكدة يادادة؟
قالت الدادة متلعثمة:
آه ياابنى، طبعا، متأكدة.
نقل مروان بصره بينهما قائلا:
ومين اللى جبرلها صابعها.
قالت دادة تحية:
أنا ياابنى، إنت ناسى إنى آخدة دورة تمريض.
أطرق مروان برأسه للحظة ثم رفع وجهه يقول بهدوء:
عموما أنا هاخدها المستشفى حالا لدكتور سعد، عشان نطمن أكتر.
ثم وجه حديثه الى تحية قائلا:.
كان المفروض تكلمينى يادادة وتقوليلى، دى أول مرة تتصرفى بالشكل ده وتخبى علية حاجة مهمة زي دى، ياريت يادادة متتكررش تانى.
قالت دادة تحية بأسف:
اوعدك ياابنى متتكررش.
اومأ برأسه، ثم التفت الى زينة قائلا:
اتفضلى إلبسى، وأنا مستنيكى في العربية.
قالت زينة:
انت مش قلت ان خروجى فيه خطر.
زفر مروان بضيق قائلا:
مضطرين بقى، هنعمل إيه يعنى، يلا اتفضلى روحى البسى ومتتأخريش.
أومأت برأسها وأسرعت الى حجرتها، بينما التفت مروان الى دادة تحية قائلا في خيبة أمل:
أول مرة تكذبى علية يادادة، الظاهر ان قعدتك معاها هتعلمك حاجات كتير غلط.
قالت دادة تحية بحزن:
ياابنى الحقيقة…
قاطعها قائلا:
الحقيقة هعرفها بنفسى يادادة، اتفضلى دلوقتى على شغلك.
أطرقت برأسها في حزن وغادرت الحجرة ليمرر مروان يده في رأسه في ضيق، يشعر بأنفاسه تختنق داخل صدره، مرأى إصبعها آلم قلبه بشدة، قلبه الخائن والذى مازال يعشقها، يدرك أنها تخفى امرا عنه ولكنه سيسبر أغواره، فقط سيطمأن عليها أولا.
زفرت سوزى بضيق قائلة:
هي جت كدة بقى ياعدنان، متقعدش تأنب فية، استفزتنى ومقدرتش امسك أعصابى، تستاهل بقى.
قال عدنان في ضيق:
انتى فتحتى علينا باب هيبتدى بعلامات استفهام كتيرة ياسوزى، انتى يعنى متعرفيش مروان؟مش هيرتاح غير لما يعرف مين اللى كسرلها صابعها وليه؟
قالت سوزان في ثقة:.
لأ، متقلقش، هي هتتصرف، انت مشفتش كانت خايفة إزاي واكيد اللى عملته فيها خوفها أكتر، معتقدش انها ممكن تقوله حاجة، دى مقالتلوش وهي سليمة ومش متهددة، هتقوله دلوقتى؟
أدرك عدنان صحة منطقها ليقول بهدوء:
معاكى حق، طيب زينة وخلصنا منها، دلوقتى بقى عايزك تلزقى لمروان في كل حتة، عايز اعرف بيتكلم مع مين، تنقليلى ارقامه، ولو وقع في ايدك اي ورق، صوريه، مش عايز تفوتك اي حاجة ياسوزى، مفهوم؟
اومأت سوزى برأسها قائلة:.
مفهوم طبعا، طيب وزينة يا عدنان، هتفضل سايبها كتير هناك؟
نظر اليها عدنان للحظة قبل ان يقول:
أنا شايف ان زينة آخدة من تفكيرك جزء كبير ياسوزى، بتهيألى عاطيالها حجم أكبر من حجمها ولا ايه؟
قالت سوزى بارتباك:
انا، لأ طبعا، الموضوع بس ان البنت دى مش سهلة وانا خايفة تبوظلنا شغلنا.
تراجع عدنان في مقعده ينظر اليها بغموض قائلا:.
لأ متقلقيش، مش هتقدر تعمل حاجة، وده مش معناه انى هسيبها، لأ، دى هربت من جحر الشيطان، هربت من الشيطان نفسه ولازم تتعاقب، هارون مراقب الفيلا كويس، وأنا بس مستنى الفرصة المناسبة وساعتها مش هرحمها ولا هرحم إبنها كمان.
ظهرت السعادة جلية على ملامح سوزى والتى تكره زينة بشدة لأنها رغم وضاعة مكانتها وجمالها المتواضع في نظر سوزى إلا إنها استطاعت الحصول يوما على مروان في حين لم تستطع هي بكل جمالها ان تحظى منه حتى بنظرة، تأمل عدنان تلك السعادة على ملامحها لتتأكد ظنونه، ويقسم في نفسه أن يجعلها تندم على كذبتها القديمة عليه وعلى اخفائها العديد والعديد من الأشياء، ولكنه فقط سينتظر حتى يستطيع أن يأخذ منها كل ما تستطيع هي ان تمنحه إياه، قبل أن يلقيها لكلابه لتلقى مصير كل من يظن انه يستطيع خداع الشيطان.