توقفت السيارة تحت تلك البناية والتى توجد بها شقة فتون، لتترجل فتون من السيارة يتبعها ياسين الذى اتجه إلى حقيبة السيارة يأخذ منها حقيبة فتون الوحيدة والتى جاءت بها إلى بيروت، كانت فتون تتابعه بعينيها تتساءل في حيرة وقلق عن سر حالته الغريبة تلك؟، أتراه عرف أنها أخت ميسون وأنها ما جاءت إليه إلا إنتقاما منه؟، ولذلك يعاملها بكل هذا الجفاء والبرود؟أم أنه فقط مشغول البال بتلك الصفقة الجديدة، لتنفض الاحتمال الأخير، فياسين الذى تعرفه، لا تهمه تلك الصفقات ولا توتره فلديه قدرة عملية كبيرة على إدارة كل شئ وقد لاحظت ذلك بنفسها وربما كان هذا هو السبب في أن مروان شريك ياسين يدع كل شئ في الشركة تحت قيادة ياسين وهو مطمئن، بالإضافة إلى أن ياسين كان على مايرام تماما قبل أن تنام هي في الطائرة، ترى ما الذى حدث؟تنهدت وهي تشعر بالإرهاق، عليها أن تدع التفكير في تلك الحالة التى عليها ياسين للغد، فقد كان اليوم مرهقا بما فيه الكفاية.
اقترب منها ياسين لتمد يدها إليه تحاول ان تأخذ حقيبتها منه ليتجاهلها تماما وهو يسبقها إلى مدخل البناية لتهز كتفيها مجددا وهي تتبعه، حتى وصلا للمصعد ليدلفاه سويا وتضغط فتون زر الطابق الثالث بهدوء، وصلا إلى شقتها، ليقف ياسين أمام الباب فتمد فتون يدها إليه وهنا منحها حقيبتها وابتعد مغادرا دون كلمة ليتوقف عندما نادته فتون بإسمه قائلة:
ياسين.
إلتفت إليها ببطئ حتى استقرت نظراته عليها لتقول بهدوء:.
ادخل إشرب حاجة قبل ما تمشى.
هز رأسه نفيا وهو يقول:
للأسف مش هينفع الوقت متأخر، وأنا مضطر أمشى.
اومأت برأسها ليلتفت مغادرا تتابعه عيناها قبل أن تفتح الشقة وتدلف إليها.
كاد ياسين أن يدلف إلى السيارة مجددا ليقودها متجها إلى فندقه ليرى فجأة في المقعد المجاور له حقيبة يد فتون والتى يبدو انها نسيتها، ليزفر في ضيق وهو يأخذها مغلقا السيارة مرة اخرى ومتجها إلى شقتها، دق جرس الباب فلم يجيبه أحد، ليعقد حاجبيه في حيرة يتساءل، هل نامت بتلك السرعة؟كاد أن يغادر ولكنه توقف في مكانه لدى سماعه لأنين مكتوم، ليعقد حاجبيه وهو يقترب من الباب بأذنه يحاول التأكد مما سمعه، ليتكرر الصوت مجددا فتتسع عين ياسين بصدمة وهو يدرك أن فتون في خطر، ليضرب الباب بكتفه بقوة فلم يستجب له في المرة الأولى ولكنه استطاع كسره في المرة الثانية ليتوقف في جمود وهو يرى ذلك المشهد أمامه، يرى ذلك الرجل المقنع والذى يحيط فتون بيد يكتم بيها فاهها بينما باليد الأخرى يحمل سكينا مسلطا على عنقها، وعيناه تحملان في تلك اللحظة وهما تواجهان عينا ياسين، كل الشر.
دلفت سوزى بطلتها الساحرة و المعهودة، تبدو فاتنة واثقة من نفسها لمن لا يعرفها، ولكن مروان يعرفها حق المعرفة، يدرك أنها تخفى حية سامة خلف مظهر خلاب، يشعر بكل ذرة في كيانه، نافرة مشمئزة من تلك المرأة ولكنه أخفى مقته خلف مظهر هادئ وهو يقف مستقبلا إياها بطلته الساحرة لتتأمله سوزى بعيون راغبة، تتطاير شراراتها لتصل إليه بوضوح، ولكنه تجاهل تلك النظرات وهو يراها تمد يدها إليه ليمد إليها يده بدوره يسلم عليها لتضغط على يده وهى تقترب منه قائلة بدلال:.
وحشتنى يامروان، يعنى لو مسألتش عليك، متسألش علية؟
ترك مروان يدها وابتعد يتجه لمقعده خلف المكتب قائلا:
إزاي تقولى كدة بس؟، طب ده أنا لسة كنت بفكر فيكى.
قالت في لهفة:
بجد يامروان؟بتفكر فية إزاي؟
ابتسم في سخرية وهو يجلس على مقعده قائلا:
طب اقعدى بس الأول وأنا أقولك.
جلست قائلة:
قعدت أهو، قول بقى إزاي؟
مال للأمام قائلا:
مش كنتى عايزانى أشغلك فلوسك معايا؟
تراجعت في مقعدها تشعر بخيبة الأمل ولكنها قالت بهدوء:.
آه، طبعا، عايزة.
ابتسم قائلا:
وأنا لقيتلك الفكرة اللى هتخليكى مش بس هتشغلى فلوسك معايا، لأ، وهتكسبى مليارات كمان.
اتسعت عيناها في جشع لبيتسم مروان بداخله وهو يدرك أنها ابتلعت الطعم، خاصة وهي تقول:
إزاي بقى؟
تراجع مروان في مقعده قائلا:
صفقة هتدخلى فيها معايا ومع شريك تالت كمان، الصفقة دى هنجيبها من برة بملاليم وهنبيعها هنا بمليارات، ها إيه رأيك؟
تظاهرت سوزى بأنها لا تعرف شيئا عن تلك الصفقة وهي تقول:.
والصفقة دى عبارة عن ايه؟ومين شريكنا التالت؟
كادت ضحكة ساخرة ان تنفلت من فم مروان ولكنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة قائلا:
شريكنا التالت إسم معروف عندنا في عالم الأعمال بالشيطان.
حاولت إدعاء الدهشة وهي تقول:
مش معقول، عدنان المسيرى مرة واحدة؟
أومأ مروان برأسه، ليستطرد قائلا:
وليه لأ؟الصفقة كبيرة وفى مجال خطير، ومحتاجة حد تقيل وخبرة معانا زي عدنان.
عقدت سوزى حاجبيها قائلة:.
انت قصدك ان الصفقة دى عبارة عن…
قاطعها مروان قائلا:
سلاح ومخدرات.
لتتظاهر سوزى بالصدمة قائلة:
سلاح ومخدرات، لأ طبعا، المجال ده خطير وممكن يودينا كلنا في داهية.
تراجع مروان يستند إلى مقعده قائلا بلامبالاة:.
مع قوة وسلطة ومعارف عدنان ومع دماغى، معتقدش ممكن يبقى فيه أي خطورة علينا، عموما ده اللى أدامى دلوقت، وتعرفى لولا العشرة القديمة وإنك لجأتيلى عشان اشغلك فلوسك أنا مكنتش عرضت عليكى الصفقة دى، أنا لو كنت اقدر عليها لوحدى مكنتش دخلت شريك معايا، أرباح الصفقة دى مليارات زي ما قلتلك، والطبيعى انى احب يكون مكسبها كله لية لوحدى.
تأملته سوزى قائلة بنبرة صادقة:
اتغيرت أوى يامروان وبقى كل همك الفلوس.
قست عينا مروان وهو يقول:
اللى شفته مش قليل، علمنى ان الدنيا غابة وان البقاء فيها للأقوى وأنا مش هتردد ثانية عشان أكون فيها الأقوى.
أومأت سوزى برأسها قائلة:
معاك حق، عموما سيبنى افكر وأرد عليك.
أومأ مروان برأسه قائلا:
تمام بس متتأخريش علية، عشان أرتب أمورى.
نهضت سوزى وهي تمد يدها إليه قائلة:
أكيد، هشوفك بعدين، سلام دلوقتى.
نهض بدوره وهو يمد يده إليها مصافحا قائلا:
هوصلك للباب.
ابتسمت قائلة بدلال:.
انت كدة بتدلعنى وانا خايفة آخد ع الدلع.
ابتسم وهو يمشى معها إلى خارج الغرفة ثم توقف أمامها تماما قائلا:
لأ متخافيش، الأيام اللى جاية كلها دلع ياسوزى.
رأتهم زينة التى كانت تمر بالصدفة لتتوقف وهي ترمقهم بنظرة غيرة ظهرت جلية على ملامحها، لتبتسم سوزى بداخلها وهي تقول بدلال:
أنا معايا تليفونك وأكيد هكلمك سلام.
ثم مالت على وجنته تقبله ببطئ ليحاول مروان التماسك بينما اتسعت عينا زينة في صدمة لتتراجع مسرعة إلى حجرتها تحت أنظار الجميع، لتبتسم سوزى بانتصار بينما تغادر بخطوات أنيقة، بصق مروان خلفها، وهو يمد يده بمنديله يمسح وجنته قائلا باشمئزاز:
هانت ياسوزى ونهايتك هتبقى على إيدى، هانت.
ثم نظر في إثر زينة ليعقد حاجبيه، يتذكر ملامح الغيرة والصدمة على وجهها لتتأكد لديه حقيقة واحدة، زينة مازالت تحبه، اذا لم تخلت عنه بالماضى؟، بالتأكيد هناك سر ويجب أن يعرفه، لقد حانت لحظة المواجهة إذا، ليتجه إلى حجرتها بخطوات حاسمة.
كانت سوزى تقود سيارتها بسرعة تشعر بالسعادة تغمرها فأخيرا سمح لها مروان بدخول حياته، وربما أصبحت تحتل جزء كبير من قلبه، فمجرد اقتراحه دخولها صفقة مثل تلك الصفقة هو اكبر دليل على ذلك، لابد وأن تشكر عدنان لإدخالها إلى حياة مروان مجددا، لا لن تشكره حتى لا تثير ريبته، يكفيها سعادتها بمايحدث، لترفع يدها وتلمس شفتيها التى قبلت وجنته بسعادة، تراجع تلك الذكرى مرارا وتكرارا، تعد نفسها بيوم يكون لها مروان قلبا وقالبا، وربما مع الوقت استطاعت التخلص من عدنان نهائيا ولكن ليس قبل أن يخلصها من تلك الزينة والتى تشكل أكبر خطر على علاقتها بمروان، نعم لابد وأن تفعل ذلك.
تبادل ياسين مع هذا الرجل نظرة تحدى بينما ألقى ياسين نظرة إلى تلك الفتاة المرتعبة والتى تتسع عيناها من الخوف ليغمض عينيه ويفتحهما مجددا وهو يومئ برأسه يطمئنها بحركته تلك، ثم يعيد النظر إلى ذلك الرجل والذى ترتعش يداه ليدرك ياسين أنه خائف، مثلهم تماما.
ليقول بهدوء:
لو جاي هنا عشان الفلوس، خد الفلوس اللى انت عايزها وسيبها وامشى واحنا مسامحين.
قال الرجل في توتر:.
مافي مصاري هون، انتو خلاص شفتوني وعرفتوني، وماضل مجال أخليكم عايشين.
نظر ياسين إلى محيطه يدرسه ليعاود النظر الى ذلك المقنع قائلا:
وإيه اللى هتستفيدوا لو قتلتنا؟، وبعدين تفتكر انك لو حاولت حتى تقتلنا هتقدر علينا احنا الاتنين، ولو قتلت اللى انت ماسكها مابين ايديك دى، ايه اللى يضمنلك انك هتعيش ثانية واحدة بعدها وانا في جيبى مسدس، هيطير دماغك في ثوانى؟
ظهر الخوف جليا على عيني المقنع ليتمالك نفسه بسرعة قائلا:
لو انت بدك تضل ع السنيورة هي، طلع المسدس من جيبتك وحطو تحت رجلك، وارميه لعندي.
تظاهر ياسين بالتوتر ثم الرضوخ لذلك المقنع، وهو يخرج مسدسه من جيبه بهدوء تحت أنظار اللص، وينزله عند قدميه ثم يركله بقوة وهنا غفل اللص عن ياسين للحظات وهو يتابع المسدس لتكون هذه اللحظات كفيلة لياسين كي يهجم على اللص ليركل السكين وهو يبعد فتون عنه ثم يكيل ذلك الرجل اللكمات وقد اعجزته المفاجأة، ولكن سرعان ما تمالك نفسه وهو يرد تلك اللكمات لياسين الذى تفاداها بسهولة ليعيد لكم ذلك اللص حتى وقع مغشيا عليه، وما ان إلتفت ليطمأن على فتون حتى وجدها تندفع إلى حضنه تضمه بقوة ودموعها تنهمر بغزارة، ليجد يده رغما عنه ترتفع وتضمها يتأكد بأنها على قيد الحياة لتتناهى شهقاتها إلى مسامعه، يدرك أنها تحت تأثير الصدمة ليربت على ظهرها بحنان، قائلا بهمس:.
خلاص يافتون، انتى بخير، أنا مش ممكن أسمح لحد يإذيكى طول ما أنا عايش.
قالت من وسط شهقاتها:
أنا مش عارفة لو مكنتش رجعت كان حصلى إيه؟
ليضمها بقوة يستبعد ذلك الاحتمال الذى كاد أن يطيح بعقله، وهو يقول بلهفة:
عشان خاطرى متفكريش بالشكل ده، أهم حاجة دلوقتى إنك بخير يافتون، دى نعمة من ربنا.
اومأت برأسها قائلة بهمس:
الحمد لله.
ليبعدها ياسين عن مرمى ذراعيه وهو يمسح دموعها بيديه قائلا في حنان:.
روحى يلا اغسلى وشك واهدى وكل شئ هيبقى تمام.
اومأت برأسها ليبتعد قليلا ولكنها تمسكت بيده قائلة:
انت رايح فين؟
ابتسم وهو يقرصها من وجنتها قائلا:
مش همشى، أنا بس هكتف الباشا اللى مرمى ع الأرض ده وهتصل بالبوليس ولا عايزاه يفوق ويهددنا من تانى.
قالت بسرعة وخوف:
لأ، كتفه، كتفه بسرعة ياياسين.
ابتسم قائلا:
هكتفه، بس انتى روحى زي ما قلتلك إغسلى وشك وتعالى وأنا هكتفه وأعملك أحلى لمون عشان يهدى اعصابك.
ابتسمت في امتنان وهي تومئ برأسها، ثم مشت بخطوات بطيئة باتجاه الحمام لتلتفت مرة أخرى باتجاه ياسين تنظر إليه وقد خلع حزامه وشرع يقيد ذلك اللص به، لتبتسم مجددا ولكن تلك المرة، في عشق.