روايات شيقهرواية جحر الشيطان

رواية جحر الشيطان للكاتبة شاهندة الفصل الثاني والثلاثون والأخير

دكتور عزيز، مروان فين؟
نطق ياسين بتلك العبارة في قلق، موجها حديثه إلى الطبيب الخاص بمروان ليمرر الطبيب نظراته بين الحضور والذين تبدو ملامح القلق على وجوههم، ليعود بنظراته إلى ياسين قائلا:
حالة مروان كانت خطيرة جدا وطبعا لما قلتلى الحالة على التليفون عرفت ان نسبة نجاته ضعيفة جدا، بل تكاد تكون معدومة، انتوا عارفين حالة قلبه، والتعذيب اللى شافه في المعتقل زودها أد إيه.

تعالت شهقات زينة، وهي تجلس فلم تعد قدماها قادرتان على حملها، لينظر إليها الطبيب بأسف قبل أن يستطرد قائلا:
أنا حذرته كتير من الإجهاد بس هو مسمعش كلامى واصابته طبعا كانت هتقضى عليه لولا فضل ربنا.
تعلقت العيون به في أمل وهو يقول:.

مروان كان الحل الوحيد كان في حالته هو انه يخضع لعملية قلب مفتوح نزرعله فيها قلب، والحقيقة أنا حولته من فترة لمركز زراعة قلب كويس أوى هو اختاره، بس كنا مستنيين المتبرع المناسب، وللأسف لغاية النهاردة مكنش موجود، لغاية نص ساعة فاتت، تخيلوا ربنا بيحبه أد إيه
تمتم ياسين قائلا:
الحمد لله، الحمد لله.
استطرد الطبيب قائلا:.

أنا خليت عربية الإسعاف تروح على مركز الزراعة علطول، لإن بفضل الله وجدنا المتبرع المناسب، شاب جاي في حادثة وللأسف توفى، عملنا الاختبارات اللازمة ووجدناه مناسب جدا، وسألت أهله ولما عرفوا حالة مروان وافقوا على التبرع، وبما ان القلب لازم ينزرع للمريض في خلال أربع ساعات بالكتير من وجود المتبرع فأنا رايح حالا مع القلب للمركز.
أمسك ياسين يد الطبيب قائلا بامتنان:
أنا مش عارف إزاي أشكرك يادكتور عزيز.

قال عزيز:
متشكرنيش غير بعد ما نخلص العملية،
لينظر إلى الوجوه قائلا:
لازم تعرفوا ان العملية مش سهلة وعارفين المخاطر بتاعتها كويس، وموافقين اننا نعملها.
نظر ياسين إلى وجه زينة الشاحب والذى يحاكى وجوه الموتى، تتمسك بطفلها فارس بقوة وكأنه طوق النجاة لها من أفكارها السوداء، ليقول بحزم:
عارفين يادكتور، وموافقين، اتفضل حضرتك واحنا جايين وراك.

ليومئ الطبيب برأسه ثم يغادر ليتجه ياسين إلى زينة قائلا بتعاطف وهو يدرك شعورها الآن:
يلا يازينة عشان نروح لمروان ونكون جنبه.
نظرت إليه زينة بعيون زائغة تقول:
أنا كان قلبى حاسس، كنت حاسة ان فرحتى مش هتكمل وانى هخسره من تانى، بس مكنتش أتخيل انى هخسره بالسرعة دى.
قال ياسين:
خلى أملك في الله كبير يازينة، مروان هيعمل العملية وهيبقى كويس، انتى مسمعتيش الدكتور.
قالت زينة بمرارة:.

ولو جراله حاجة جوة أوضة العمليات أو قلبه رفض قلب الراجل التانى ده، هعمل أنا إيه من بعده ياياسين؟
تدخل نبيل الذى ظل صامتا طوال حديثهما قائلا:
ربنا أرحم من انه ياخده منك بعد ماجمعك بيه يامدام زينة، قومى نروح وراه وهناك صلى وادعيله وبإذن الله هيبقى كويس، بس انتى قولى يارب.
نظرت زينة إلى نبيل لتشعر بالراحة مع كلماته لتنظر إلى السماء قائلة:
يارب.
قال فارس:.

متخافيش ياماما، آنكل مروان هيبقى كويس، وهيرجعلنا بالسلامة.
نظرت زينة إلى فارس قائلة في حزم:
مروان مش عمك يافارس، مروان يبقى باباك، باباك الحقيقى.
نظر فارس إليها يقول بلهفة طفل صغير حرم من أباه طوال سنوات عمره الصغيرة:
بجد ياماما، أنا ابنه بجد؟
أومأت برأسها وهي تربت على شعره بحنان، ليقول بحزم وهو يبدوا أكبر من سنه:.

يبقى هيبقى كويس عشان أنا طلبت من ربنا يكون لية أب، وآنكل مروان، قصدى بابا مروان هو أحلى أب في الدنيا.
تبادل نبيل مع ياسين نظرات حانية بينما احتضنت زينة فارس قائلة في رجاء:
بإذن الله ياحبيبى ربنا هيرجعلنا بابا بالسلامة.
لتنظر إلى ياسين ونبيل وهي تنهض قائلة بحزم:
يلا بينا.

قام مجموعة من الأطباء المشهورين بقيادة دكتور عزيز بإجراء العملية لمروان والتى استمرت لساعات ليستبد القلق بالجميع رغم معرفتهم بأن هذه النوعية من العمليات يستغرق تلك المدة ولكن خضوع مروان لها جعلهم لا يدركون شيئا سوى مرور ذلك الوقت بطيئا عليهم يحمل إليهم قلقا بلا حدود.

وبالفعل انتهت العملية، ليستبد بهم قلقا من نوع آخر وهو مرور تلك الساعات على مروان داخل وحدة العناية المركزة، وتقبل جسده لذلك القلب الدخيل عليه، حتى أطلقوا سراح أنفاسهم والطبيب يهنئهم بنجاح العملية وتقبل جسد مروان القوي لذلك القلب، ثم انتقاله بعد أيام إلى حجرة عادية مع التنبيه الشديد على القريبين منه بأخذ أدويته في مواعيدها وتجنب الضغط والإرهاق، والمتابعة بانتظام، تناوبوا على الوجود بجواره، إلا زينة التى صممت على التواجد باستمرار إلى جواره، ليحجزوا لها غرفة بجانب غرفته، كانت تغير فيها فقط ملابسها وتصلى فروضها التى تدعى له فيها كثيرا، وعندما يغلبها النعاس كانت تنام على كرسي بجواره ممسكة يده، تخشى ان تتركه فيستيقظ وهي غير موجودة، حتى كان ذلك اليوم الذى شعرت بيده تتحرك بين يدها لتنظر إليه بلهفة، وجدته يفتح عينيه بصعوبة في البداية لتستقر نظراته عليها بعد عدة محاولات، ليقول بصوت ضعيف:.

أنا فين؟
طفرت الدموع من عينيها وهي تقول:
انت هنا معايا يامروان.
حاول أن يبتسم ولكن ابتسامته جاءت ضعيفة باهتة وهو يقول:
يبقى أنا في الجنة يازينة.
ابتسمت من وسط دموعها قائلة بعشق:
قلب زينة وعمرها كله.
نظرإلى عيونها الجميلة الباكية وهو يقول بصوت خافت حنون:
احنا مش قلنا خلاص، مبقاش ينفع تبكى وانتى معايا، أنا مش حلفتك يازينة؟
مدت يدها تمسح دموعها بسرعة وهي تقول:.

غصب عنى يامروان، انت متعرفش الأيام اللى فاتت دى، فاتت علية إزاي، أنا معرفتش أد إيه بحبك غير لما قربت أخسرك.
مد يده إليها لتمد يدها إليه تمسكها، وهو يقول بضعف:.

والحمد لله، ربنا كتبلنا ان احنا نكون مع بعض، ومد في عمرى علشان خاطرك انتى وبس، يبقى نعمل إيه؟، نحمده على نعمة كبيرة وفضل لو عشنا عمرنا كله نحمده عليها مش هيكفى، وعشان كدة، أوعدك اول ما أقدر، هنروح نحج وهنسفر كل واحد في الشركة نفسه يحج ومش قادر على حسابى.
قالت زينة في فرحة:
بجد يامروان؟
ابتسم قائلا بهمس عاشق:
بجد ياقلب مروان.
رفعت يده تقبلها وهي تنظر إليه قائلة:
لو مكنتش بحبك كتير أوى، كنت حبيتك أكتر.

ابتسم بضعف قائلا:
طب ما تدينى بوسة في بقى، جايز أكبر الموضوع وأسفر كل واحد مش قادر في مصر يحج على حسابى.
اتسعت عينيها في صدمة لتضربه بخفة على يده قائلة:
مروان انت بقيت قليل الأدب على فكرة.
قال مروان بابتسامة ضعيفة:
تانى قليل الأدب، انتى مراتى ياهابلة.
نظرت إليه بغيظ قائلة:
أنا هابلة طيب أنا قايمة ماشية وسايباك لوحدك.
لتنهض متجهة إلى خارج الغرفة ليناديها قائلا:
طب بوسة في الخد طيب، يازييييينة.

غادرت زينة ليهز مروان رأسه على جنون محبوبته وهو يبتسم في عشق.

بعد مرور سنة.

تهادت دارين في ثوب أبيض جميل وبسيط ينسدل شعرها بنعومة ويكلله تاج رائع لتبدو اجمل عروس وإلى جوارها ياسين يبدو في أجمل حلة، يتجهان إلى نبيل الواقف بتوتر والذى ما ان لمحهما حتى استقرت نظراته العاشقة على محبوبته وهي تتقدم إليه برقة ليأخذ بيدها من يد ياسين، ويقترب منها يقبلها من رأسها بحنان ليصفق الجميع، ويتجه العروسين لآداء رقصة السلو، بينما اتجه ياسين ليقف بجوار زوجته فتون والتى تألقت في فستان وردى جميل أظهر حملها الصغير ليضع يديه على كتفها وهما ينظران إلى نبيل ودارين اللذان يرقصان برقة وعيون كل منهما لا تفارق عيون الآخر ليظهر الحب جليا على ملامحهما، تتهادى كلمات أغنية يارا الرائعة(بيت حبيبى) لتتغلغل إلى وجدانهم، وتعبر عن مشاعرهم.

(ودوني على بيت حبيبي نعيش مع بعض فيه
دا بقالنا مدة طوبة طوبة من الحب بنبنيه
انا لابسة الطرحة ومش سيعاني الفرحة و انا وياه
ارمو الورد علينا وباركولي بيه
هاسمع كلامه وتحت امره في اللي يقولي عليه
وبأي شكل هريحو لو حتى يطلب ايه
وان جبت منو بنت يارب تبقى شبهه
وان كان ولد هدعيلو يتربى بايديه
بعد النهارده محدش غيره ليه عليا كلام
وان حد شافنا مش هيقول تلت التلاتة كام
انا شايلة اسمه فيه بقاسمه شريكته في الحياة.

زفونا يا ناس خلونا نروح أوام
هاسهر على راحته وعمري ف يوم مااقلق منامه
هاكله بإيديا مهما عليا قالو لامو
دلوقتي ماليش ف الدنيا حد تاني غيره
وهاعلي من شانه واكبر مقامه
انا هامشي ايديه في ايديه
ومش هخاف وأخبي وهاقول للناس بحالها
دا الي اختارو قلبي
ومن النهاردة مش هابقى لوحدي تاني ابدا
ولا يوم هايجيلي نوم ينام هو جنبي
بعد النهاردة محدش غيره ليه عليا كلام
وان حد شافنا مش هيقول تلت التلاتة كام.

انا شايلة اسمه فيه بقاسمه شريكته في الحياة
زفونا يا ناس خلونا نروح أوام. )
قالت فتون بسعادة:
شكلهم حلو أوى ياياسين، أنا عايزة أرقص معاهم.
قال ياسين باستنكار:
ترقصى معاهم إيه بالبطيخة دى، انتى اتجننتى يافتون؟
نظرت إليه فتون بغيظ قائلة:
اتجننت عشان عايزة أرقص ياياسين، انت شكلك مبقتش تحبنى زي الأول.
اتسعت عينا ياسين بصدمة:.

انا مبقتش أحبك زي الأول، أمال لو مكنتش لسة رافد السكرتيرة بتاعتى انبارح عشان خاطرك، كنتى قلتى إيه؟
قالت في ضيق:
ويعنى إيه رفدت سكرتيرتك عشان خاطرى، ايه المشكلة يعنى؟
قال ياسين بسخرية:
لأ مش مشكلة خالص، خامس سكرتيرة أرفدها في سنة وعادى جدا، وإيه يعنى؟أصلهم معجبوش مراتى يبقى لازم أرفدهم، أومال، ما هو ياكدة ياهبقى مبحبكيش، صح؟
دمعت عيناها قائلة:.

انت بتتريأ علية ياياسين، طب زعلانة منك، و مخاصماك وهروح أبات النهاردة عند زينة.
لتتركه وتمشى لينادى عليها قائلا:
فتون، استنى بس هقولك.
قال مروان بابتسامة:
عيب ع الرجالة ياجدع، مزعل مراتك ليه يابيضا؟
قال ياسين بغيظ:
بيضا برده؟، ما علينا، بكرة مراتك تحمل ونشوف هرمونات الحمل هتعمل فيها إيه وفيك انت كمان ياأخويا.
ابتسم مروان قائلا:.

من بقك لباب السما ياشيخ، هي تحمل بس وتجيبلى بنوتة صغيرة وأنا مستعد أتحمل أي حاجة.
نظر إليه ياسين شذرا قائلا:
ماشى ياسيدى، خد بقى عندك، فتون غضبانة وهتيجى تبات عندكم مع زينة، فاهمنى طبعا، يعنى زينة النهاردة هتبات في حضن مين؟، في حضن فتون، اتحمل بقى ياسى مروان.
قال مروان بجزع:.

نعم ياأخويا، تبات في حضن مين؟، لأ، بقولك إيه، روح صالح مراتك ياياسين، معندناش ستات تبات برة البيت، الموضوع هيكبر ومش هتعرف تلمه ودى ستات وهتتلم مع بعضها وتتفق علينا.
عقد ياسين حاجبيه قائلا:
تفتكر؟
قال مروان:
أومال، يلا ياابنى روح صالحك مراتك، وبلاش لعب عيال.
قال ياسين:
وعلى إيه؟، أنا رايح، عايزة ترقص ترقص، هي جت على الرقص يعنى.
ليغادر تتبعه عينا مروان الذى ضرب كفا على كف قائلا:.

ياسين شكله اتجنن، آل مراته تبات في حضن مراتى آل، أومال انا هبات في حضن مين؟
استمع إلى صوتها الرقيق وهي تقول في مرح:
انت بتكلم نفسك ياحبيبى؟
التفت إليها يتأمل ملامحها الجميلة والتى ازدادت جمالا في ذلك الفستان الفضي والذى اختاره لها خصيصا لأنه يذكره بلون عيونها التى لطالما سحرتاه، ليبتسم في عشق قائلا:
ما هو انا لازم أكلم نفسى عشان حبيبتى سابتنى واقف لوحدى، وفجأة اختفت.

اقتربت منه تمد يدها لتساوى له رباط عنقه قائلة:
كنت بطمن على فارس ياحبيبى، كلمت دادة نجاة ربنا يخليهالنا ويرحم دادة تحية يارب،
قال مروان:
ربنا يرحمها ياحبيبتى، ودادة نجاة قالتلك ايه؟
لتقول زينة:
قالتلى إنه أكل ونام، مش كنا جيبناه معانا أحسن من القلق ده؟
رفع يده يضعها على خصرها وهو يقول:
فارس بينام بدرى وكان هيتعب لو جه معانا، وبعدين هو انا مش من حقى استفرد بمراتى حبيبتى ولو ليوم واحد.

ابتسمت وهي تمد يدها تمررها على وجنته قائلة:
حقك ياحبيبى، بس هي دى فكرتك عن الاستفراد بحبيبتك يامروان؟
ابتسم لها قائلا:
تؤ تؤ تؤ، عيب عليكى ياحبيبة قلب مروان، ده أنا حاجز أوضة في الفندق هنا ومش هنخرج منها غير واحنا مخاويين فارس بإذن الله.
ضربته بخفة على كتفه قائلة:
انت قليل الأدب على فكرة.
ابتسم قائلا:
قديمة، هاتى غيرها.
ابتسمت قائلة:
طب بحبك.
اتسعت ابتسامته وهو يقول:.

هي قديمة، بس هتفضل في كل مرة أسمعك فيها بتقوليهالى، وكأنها اول مرة بسمعها يازينة.
قالت في عشق:
بحبك ياقلب زينة.
نظر إلى عمق عينيها قائلا بعشق:
وأنا بعشقك ياقلب مروان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى