المترو مخيف، صدقوني متركزوش في الزحمة اللي بنشوفها في العربيات والناس اللي فوق بعض، اتفرجوا عليه في أخر ساعة وأنت راجع لأخر الخط لوحدك ومفيش حد معاك في العربية وصوت المترو وهو بيشق الهوا في طريقه.
بخلص شغلي وبجري الحق المترو واركب علشان أوصل لأخر الخط، مش هقول مسار طريقي علشان محدش يتخض لو ركب وافتكر قصتي، بس اتعودت أني بكون لوحدي لأخر 3 محطات لحد ما أنزل، ساعات بيكون معايا شخص أو اتنين بس في الغالب لوحدي.
من يومين ركبت وقبل المحطة اللي هنزلها ركب واحد، طويل، وشه رفيع، عنده شنب رفيع، بصلي وابتسم وقعد وفضل طول المحطة لحد ما نزلنا بيبص لي. قلقت، طلعت الموبايل كأني مشغول في حاجة، بس حاسس بعينه بتراقبني، وصلنا المحطة ونزلت ونزل معايا، طلعت السلم سمعت صوت خطواته ورايا طالع، وصلت وحطيت التذكرة وخرجت وبصيت ورايا لقيته وبرضه مبتسم ليا!
طلعت الشارع وبصيت عليه ملقتهوش، قولت أكيد صدفة، وروحت البيت وكملت يومي عادي ونسيته. إمبارح اتكرر الموضوع، بس ركب محطة قبلها، كان معايا محطتين، العربية فاضية، قاعد بيبصلي، لقيته قام فجأة وقرب مني بخطوات بطيئة، الكهرباء ذبذبت شوية، صوت المترو زاد فجأة والهوا السخن حسيت أنه ضرب في وشي من الفتحة اللي قدامي، وصل لحد قدامي وقعد وقالي بصوت رفيع، مسرسع زي الفار، “خد العلبة” استغربت، بصيت جنبي لقيت في علبة زي الهدايا محطوطة. قولتله باستغراب: “مش بتاعتي”.
قالي بعصبية وهو قايم يرجع بعيد عني: “خدها”. تنحت ومردتش عليه، المحطة بتاعتي جت ونزلت وهو معايا فضل ورايا. سمعت صوته بينادي عليا “أحمد”! وقفت مذهول. لفيت ليه بعصبية “عرفت اسمي ازاي”! مد إيده بالعلبة. “خدها”!
زعقت فيه “قولتلك مش بتاعتي”! الراجل بتاع الأمن بصلي باستغراب وهز راسه كأنه مصدوم أني بكسر هدوء المكان بزعيقي. طلعت جري على السلم وصوت الراجل ورايا “خد العلبة”!
وصلت الشارع، بصيت حواليا بخوف ملقتش الراجل، فضلت مستغرب إزاي عرف اسمي، دخلت البيت ومن الرعب مأكلتش ونمت على طول. كوابيس كتير حلمت بيها، الراجل بيجري ورايا، العلبة بتتفتح وبيخرج منها مسخ عايز ياكلني، المترو كله زحمة وعطل من كتر الناس والناس بتحاول تحاصرني وتضحي بيا علشان يمشي! احلام مالهاش أي لازمة أو معنى بس كانت كفيلة أصحى عيني حمرا ودماغي مصدعة.
روحت الشغل متأخر، شايل هم الرجوع بليل، وصلت المترو بخطوات مترددة، اخترت أول عربيات بتكون زحمة، على حظي مكانتش زحمة أوي بس على الأقل فيها كذا شخص وشباب قاعدين، قعدت وسطهم.
وصلت المحطة قبل قبل الأخيرة، الراجل طلع! قعد قدامي! بصلي وابتسم “متنساش العلبة” قالها وشاور جنبي! بصيت لقيت العلبة على الكرسي! الشباب حواليا موجودين، اطمنت شوية، تجاهلت الراجل، مبتصتش عليه، حاسس بعينه عليا طول الطريق، فاضل دقيقتين، المحطة قبل الأخيرة الشباب نزلوا، فاضل راجل بس قاعد لابس بدلة وشكله محترم، قرب مني وقالي بهزار “الجو كاتمة”. فرحت أنه اتكلم والتاني قدامي ساكت بيبصلي بس.
“اه جدًا” طلع لبانة أكلها وعزم عليا بواحدة. فاضل دقيقة وأوصل أخر محطة، هانت. اخدت منه واحدة وشكرته، الراجل التاني قدامي قاعد وباصصلي بس. شاور على العلبة من غير ما يتكلم. تجاهلته.
الراجل أبو بدلة بدأ يتكلم معايا “شغال في ايه”؟ قولتله مندوب مبيعات، مد إيده سلم عليا وقالي”بصرة، وأنا كمان”.
ابتسمت وجهزت نفسي أقوم، أبو بدلة قام معايا والتاني قام وشاور على العلبة وابتسم!
عايز اشتمته، ابو بدلة بصلي باستغراب. قولتله وأنا ببص على الراجل الرفيع “مجنون”. ابتسم ابو بدلة ومعلقش. طلعت السلم، حاسس أني دايخ شوية، الأرض بتلف بيا، حسيت بإيد بتسندني، الراجل أبو بدلة، قالي “متقلقش، تلاقيه الجو” بصت ليه بامتنان وطلعت السلم. وقعت على الأرض فجأة قبل ما أوصل لفوق، حتة ضلمة قبل الأمن!
حسيت بإيد الراجل أبو بدلة بتفتش هدومي، سمعت صوت في ودني “العلبة”! مفهمتش! أبو بدلة مبتسم بثقة وطلع محفظتي وقال ببرود “سامحني أنا محتاج تذكار منك، هاخد لسانك”!
طلع مجنون، حاولت أصرخ معرفتش، جسمي متشنج، اللبانة كان فيها حاجة!
“العلبة”! سمعت الصوت في ودني تاني! الراجل الرفيع واقف قدامي في ضلمة نفق المترو، عينه بتلمع، مبتسم، شاور جنبي! لفيت راسي بالعافية لقيت العلبة جنبي مفتوحة!
أبو بدلة مسك بقي، قالي بثقة: “لسان بس، هسيبك عايش بس لازم تذكار، أنا هسيبك كده والمخدر ده هيموتك خلال 3 ساعات بس وقبلها لو حد انقذك يبقى قدرك”.
دقات قلبي بتزيد، الراجل الرفيع قدامي واقف، عايز أصرخ فيه أنه يتدخل! جسمي بيوجعني، عيني فيها زغللة، حاسس بخنقة قوية، حاولت اسيطر على نفسي ومديت إيدي في العلبة وابو بدلة فوقي بيحاول يطلع لساني يقطعه!
“اغغغغغغغ” حاولت أقاوم، إيدي بتتحرك بجنون أطلع اللي في العلبة، مش عارف إيه هي! لقيت حاجة صلبة، رفعتها، ليها مقبض، مسكتها بصعوبة، أبو بدلة مسك لساني، بدأت أشهق، مش قادر أقاوم، صباعي اتصلب على المقبض وضغط بعزم ما فيا.
“طااااااااااااااااااااااااااخ” طلعت رصاصة رجت المكان، أبو بدلة قام مذهول، بص حواليه بخوف، رمى اللي في إيده وطلع يجري وقابل في وشه واحد بتاع أمن كان جاي بيجري يشوف اللي بيحصل.
أبو بدلة حاول يقاوم بتاع الأمن، بس الأمن إداله لكمة في وشه ونزل عليه بالشلاليت لما بص عليا لقاني في الأرض، دقايق وكنت في مكتب الأمن قاعد وبتاع الإسعافات الأولية بيديني حقنة مش عارف بتاعت إيه بس فوقتني شوية.
اخدوا أقوالي وعرفوا أن ابو بدلة ده كان ليه جرائم كتير نفذها في المترو، بيستقطب الناس بهزاره وابتسامته وشكله ويديهم حاجة ياكلوها ويدوخوا ويسرقهم وساعات بيجرحهم أو يقطع جزء من صوابعهم أو جسمهم كنوع من الجنون وحب الذات والإحساس بالسطوة.
أكتر من ساعتين تحقيقات ومحدش عرف المسدس اللي ضربت بيه الرصاصة ده جه منين، أو راح فين!
نسيت أقولكم، محدش لقى العلبة أو المسدس اللي ضربت منه الرصاصة اللي انقذتني، حتى أبو بدلة أنكر أن كان معاه مسدس!
خرجت من المترو الساعة 2 بليل، لقيت بتاع الأمن اللي كان بيبص لي باستغراب من يومين، وقفني، “يابيه” وقفت بالعافية وأنا مش مجمع لسه. لقيته بيقولي: “هو اللي انقذك”؟
سألته باستغراب: “هو مين”؟!
قالي بإبتسامة: “الرائد حسين”. زادت الحيرة في وشي: “مين ده”؟!
رد: “كان ضمن أمن المحطة، وبيطارد واحد مطلوب في المترو والراجل ركب العربية وكان معاهم شباب وست كبيرة، والرائد كان حاطط سلاحه في علبة هدايا بحيث يطلعه على طول لو حصل حاجة بدون ما يشك فيه حد، بس خسارة لما المطلوب شك فيه وطلع سلاحه ولما الرائد طلع السلاح كان قدامه الست واقفة من الخوف متسمرة فخاف واتردد يضرب نار واخد رصاصة في صدره من المطلوب ومات”.
جسمي قشعر من القصة، وقولتلته “أنت عرفت منين”؟!
اتنهد وقال: “مش أول مرة حد ينقذه، كل فترة يحصل حاجة ونسمع ضرب نار ولما نروح نلاقي حد مطلوب أو مجرم وضحية حد انقذها لدرجة أننا اتعودنا منتقلش على الضحايا في الاستجواب”.
بصيت على باب المترو اللي اتقفل لما خرجت ولمحت ورا الازاز بتاعه وش رفيع. ابتسمت وقولتله “مش بيخرج”؟
لف راسه وبص على الباب وقالي وهو ماشي: “دوره يا بيه، هو اختار المترو ومش هسيبه”. وكمل وهو بيبص على الخيال اللي ورا الإزاز اللي بيتحرك: “سواء لما كان حي أو وهو ميت”.
تمت
عبدالرحمن_دياب