رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع (وقفة)
وقفة
دخل غرفتها متنحنحا في هدوء بعد ان طرق الباب وانتظر للحظة حتى أذنت له بالدخول تطلع اليها في مودة هاتفا بصوته الذي يجلب الطمأنينة للنفس كما تجلب الشمس خيوط النهار: – ازيك دلوقتي يا امل!؟
هزت رأسها وهى تتأكد من احكام رباط رأسها هامسة في اضطراب لا تعرف مصدره: – كويسة يا دكتور عبدالرحمن، بقيت احسن..
هز رأسه مبتسما وهو يتطلع لإشارة تقدم الحالة المعلقة على فراشها هامسا: – فعلا عال قووي، احنا فعلا احسن، يا رب دايما للأحسن، انا ملاحظ تقدم واضح فالحالة..
وابتسم في مودة أربكتها كليا حتى انها لم يكن بامكانها الرد مباشرة وهمست بعد ان بدأت في استعادة احرف بيانها: – الحمد لله على كل حال، فضل من رب العالمين..
توقف امام نافذة الحجرة متطلعا منها للخارج شاردا وهو يهمس: – فعلا فضل من رب العالمين، اللي دايما بسمعك بتناجيه وانت رايحة تاخدي الجلسة وترددي آيات القران، اية معينة بتردديها بيقين عجيب يهز أي حد يسمعها لما الالم يشتد عليكِ، وإذا مرضت فهو يشفين، ولما يشتد عليكِ التعب اكتر تبكى بهدوء وترددي اسم معين اكتشفت انه اسم ابنك، كأنك بتستمدي منه القوة، وبعد الجلسة تقعدي وحيدة في هدوء عجيب اتاريكِ حاطة تحت حجابك سماعات تليفونك بتسمعي ام كلثوم، انتِ فعلا تركيبة عجيبة مقبلتهاش قبل كده..
تنبه انه أفضى بتفاصيل كثيرة عنها دون ان يدرك فاستدار نحوها ليجدها فاغرة فاها في دهشة متسائلة بنفسها، كيف له ان يعرف كل تلك التفاصيل البسيطة عنها!؟.
شعر باضطراب من جراء استرساله في خواطره كما لم يعتد من قبل فهم بالحديث إلا أن دخول شيرين العاصف كالعادة اخرسه عندما ظهرت بجلبتها المعتادة هاتفة: – ايه يا بنتي!، اقبال منقطع النظير ع الصفحة، انتِ بتوزعي ايه جواها!؟، والله لو بتوزعي لحمة ما هيبقى الإقبال كده، أنتِ محظوظة يا بنتي أن انا صحبتك ومديرة صفحتك..
قالت شيرين كلماتها الأخيرة في نبرة متفاخرة وكالمعتاد لم تع لوجود عبدالرحمن بذاك الركن المتطرف بالغرفة عند النافذة ولا حتى تنبهت لإشارات أمل الخفية لتصمت وتكبح جماح اندفاعها الفطري لكنها تنبهت اخيرا لوجوده عندما ارتفعت قهقهاته على مزاحها فاستدارت في بطء متطلعة نحوه لتضع كفها على وجهها في صدمة استوعبتها بسرعة قبل أن تهتف في حرج: – هو حضرتك ظابط مواعيد كشفك على مواعيد جناني، قول صح!؟، اصل لو مش صح، هايبقى العيب فيا، منحوسة من يومي..
قهقه مؤكدا حتى يرضيها: -الصراحة اه، مظبط مواعيدي عليكِ، اهو الواحد يضحك شوية وسط اللي بنشوفه هنا..
ابتسم من جديد مستئذا في عجالة لتتطلع شيرين إلى أمل في ذهول هاتفة: – هو قال إنه بيستناني عشان اضحكه، صح!؟، قولي صح يا أمل، ياختااي، هيغمن عليا..
قهقت أمل مؤكدة: – ايوه قال، بالإمارة قالها بالاكراه عشان ميحرجكيش..
نظرت إليها شيرين ممتعضة هاتفة في حسرة: – والنعمة أنتِ مش صاحبة جدعة، طب اضحكي عليا وقوليلي صح، هو الصاحب ليه ايه عند صاحبه إلا أنه يفرحه حتى ولو كدب..
وقفزت على الفراش جوار أمل هاتفة في حزن مصطنع: – فسحيلي جنبك شوية اتمدد لحسن هلكت النهاردة، امي صممت اني اشيلها الشقة عقابا ليا عشان رفضت العريس اللي معرفش كام، ياللاه، كله عند الله، الحق عليا اني مبحسسكوش بألامي..
قهقهت أمل وهي تفسح لصديقتها المجال لتتمدد جوارها هاتفة: – والله طنط دي صعبانة عليا بجد، حرام عليكِ، ما تفرحيها بقى يا شيرين..
أكدت شيرين ساخرة: -حاااضر، من عنايا، نامي بس دلوقت وبكرة افرحها انا وانتِ وناهد وكلنا..
تطلعت أمل لصديقتها في محبة جمة وحزن حقيقي على حالها، يقال إن العشق يحيي، لكن كيف له ان يميت قلب انسان بهذا الشكل!؟، أن يغرز نصله بالسويداء حد العمق ولا ينتزع ابدا!؟.
مدت كفها متناولة هاتفها وخطت على صفحتها واني احمل حبك الساكن بجنبات روحي، تاج على مفرق فؤادي كما تحمل أعواد الكبريت موتها فوق رأسها لكني لا أبالي، فأنا التي ما عاد يهمها ان كان حبك هو البلية ام العطية، يكفيني اني احبك.
ذيلته بلقبها، سيدة الأوجاع السبعة..
تركت هاتفها جانبا وتمددت بدورها جوار شيرين تضم خصرها بذراعها في محبة..
دلفا لحجرتهما تغشاهما الرهبة، كانت ترتجف في مهابة فقد أصبحت ولأول مرة وحيدة معه..
كانت طلته الآسرة لقلبها تفعل بها الأفاعيل وما كانت لتجرؤ على رفع ناظريها لتواجه عينيه السمراء..
تقدم منها في ثبات ظاهري لكنه كان يرتجف داخليا، ارتجافة لا يعرف كنهها، رغبة ام رهبة!؟، أنها المرة الأولى منذ زمن بعيد التي التي فيها امرأة، فقد حرم النساء على نفسه منذ ما حدث مع حورية وتناسى رغباته كرجل واضعا جل همه في عمله الذي أصبح هاجسه حتى حقق ذاك الازدهار، اللحظة يقف أمامها بكل هذا الحسن الفطري الطاغي كغر لا خبرة له مع النساء..
دفع نفسه دفعا ليقربها رافعا وجهها لتقابل نظراته العطشى لروعة طلتها هامسا: – مبروك يا عروسة..
همست في اضطراب: – الله يبارك فيك يا سي حماد..
أكد في هدوء: – صفية، جبل أي حاچة عايز اخد منك العهد..
نظراتها المستفسرة جعلته يستطرد هامسا: – حاچتين لو خدتي بالك منهم ملكتي جلبي، حورية وهناء..
هزت رأسها طائعة ليكمل مفسرا: – لولا حورية ومحبتها ليا يمكن مكنش هيبجالك مكان هنا، حورية ست شايفة چوزها بيتچوزجدام عينيها وهي عاچزة، رضاها من رضايا يا صفية، چمايلها مغرجاني واني مش جليل الأصل..
هتفت صفية مؤكدة: – بعد الشر عنك، ده انت مأصل وسيد الناس..
ابتسم حماد وقد وضع كفيه على كتفيها هامسا: – اما هناء فاعتبريها بتك، حطي عينك عليها، وخدي بالك هي ميالة چامد لعمتها، بس خلي بالك منِها..
همست صفية: – دي فعيني من جوه زيها زي عيالي يا سي حماد واكتر، كفاية انها حتة منك..
ابتسم حماد وقد انخفض كفيه محتضنا خصرها مهمهما: – انا تعبان جوي يا صفية، تعبان من زمن وربنا بعتك عشان ارتاح بين يدك..
تجرأت صفية بعد كلماته تلك والتي فجرت داخلها ينبوع من حنان جارف تجاه هذا الرجل الحاني رافعة ذراعيها تضم رأسه لصدرها هامسة في نبرة تقطر عشقا: – وانت عمرك ما هتلاقي بين دراعات صفية الا الراحة يا سي حماد..
همهم من جديد وقد جذبها إليه أكثر حتى أضحت مزروعة باحضانه يتلمس بقربها نعيما طرد منه قسرا منذ زمن والآن عاد ليدخله من جديد على يديها..
اندفعت احدى ابنتي عامر في فرحة غامرة باتجاه جدها هاتفة وهي تشير لشئ ما يعرض على هاتفها الجوال: – بص يا جدو، مش دي تيتة إحسان!؟، دي بتعمل المهلبية اللي كنت بحبها من ايديها، يا خسارة، هي راحت فين!؟، عايزاها ترجع تعملهالي..
تطلع توفيق لما تشير إليه حفيدته على شاشة الجوال ليتعجب ممسكا إياه ممعنا النظر في تلك المرأة التي تعرض ما تصنع يصاحبها ذاك الرجل، وضع توفيق منظاره ليتأكد أنها بالفعل إحسان، لا يعلم لما شعر بالرغبة في جذبها خارج الشاشة ليشبعها تقريعا ولوما!؟، كان يؤكد لنفسه أن الأمر ما عاد يعنيه لكن شئ ما حاك بصدره اشعره بالحنق ليهتف مستدعيا عامر الذي مثل أمام أبيه مستفسرا..
ليهتف به توفيق ساخرا: – يا ترى شفت عمايل امك ولا لسه!؟.
طأطأ عامر رأسه في صمت ولم يعقب ليستطرد توفيق مؤكدا: – امك اتهبلت على كبر، ايه اللي بتعمله ده!؟ ومين الراجل المهزق اللي معاها!؟، والله كنا فجرة وطلعنا لبره..
هتف عامر محتجا: – ايه المطلوب مني دلوقت يا بابا!؟، أهي بتسلي وقتها بدل قعدتها لوحدها..
هتف توفيق محتجا: – اللي فسنها تروح تقرا لها قرآن ولا تركع لها ركعتين ينفعوها فأخرتها مش تعمل العمايل دي وعندها راجل بشنب يقف عليه الصقر، بس يا خسارة مطلعش راجل بجد وسايب أمه تعمل ما بدا لها..
انتفض توفيق مغادرا تاركا عامر يغلي غضبا لأقواله ولما جلبته أمه عليه من سخط أبيه الذي صبه على رأسه ممعنا في الاستهزاء منه..
رنات متتالية وملحة قادمة من هاتفها الذي تركته بغرفتها، اندفعت تتطلع لشاشته المضيئة باسم المتصل..
لقد كان سالم من جديد، كانت تدفعه للجنون وهو يحاول أن يحصل منها على جوابا لطلبه والان حان الوقت المناسب لتجيبه..
أجابت في هدوء: – السلام عليكم..
تنهد سالم في راحة متنفسا الصعداء: – اخيرا رديتي..! انتِ بتعملي فيا كده ليه يا نجوى وانت عارفة ومتأكدة اني بحبك!؟.
هتفت متسائلة: – بجد بتحبني يا سالم!؟.
هتف في لهفة وقد شعر أن قلبها القاسي بدأ يلين: – انتِ لسه بتسألي بحبك ولا لأ!؟، انا بحبك من اول مرة شفتك فيها، حاولت امنع نفسي واقول دي مرات صاحبك بس مقدرتش، انا عملت المستحيل عشان اعرف اوصل لك..
همست مستفسرة في اضطراب: – قصدك ايه!؟.
هتف مستطردا: – انا اللي كنت بدفع كمال أنه يطلقك، انا اللي حطيت فطريقه زميلتنا اللي خليته يحبها واشترطت عليه أنه يطلقك عشان جوازهم يتم، انا عملت ده كله عشان تبقيلي لوحدي يا نجوى..
كانت ضربات قلبها تتعالى في اضطراد موجع مع استرساله في اعترافاته، كانت مؤامرة إذن!؟.
فليكن، انها تستحقها لأنها شاركت في نجاحها بنسبة كبيرة وكذا كمال عندما اختار لصحبته صديق مثل هذا..
تمالكت نفسها هامسة: – عملت كل ده عشاني يا سالم!؟.
هتف سالم في عشق: – وأعمال اكتر من كده ميت مرة، بس أنتِ تأمريني..
هتفت متسائلة: – يعني لو طلبت منك اي حاجة هتعملها مهما كانت!؟.
هتف مؤكدا: – اكيد، ولو كانت ايه..
هتفت نجوى في هدوء: – طب انا طالبة منك مهري..
هتف في سعادة: – مهرك!؟، افهم من كده انك وافقتي على جوازنا!؟
أكدت: – اه موافقة، بس انا مهري غالي..
هتف في عجالة: – من جنيه لمليون.
همست: – مش عايزة فلوس، انا عايزاك زي ما قربت كمال من الهانم اللي هتخطفه تبعده عنها تاني..
هتف سالم متوجسا: – ليه!؟، عشان يخلالكم الجو تاني وترجعي له!؟
قهقت مؤكدة: – كمال ملوش امان ولا يمكن ارجع له بعد ما رماني بسهولة كده، انا كل اللي عايزاه اشوفه بيتحسر وانا معاك واللي باعني عشانها باعته عشان حد أحسن منه، فيها حاجة دي!؟
اكد في سعادة: – لا مفيهاش حاجة، حقك يا ست الكل، غالي والطلب رخيص، هاجي اقابل بابا امتى!؟.
همست في هدوء: – لما تنفذ اللي اتفقنا عليه واشوفه بعيني ساعتها هقولك تعال شرفنا..
هتف في انشراح: – كل اللي طلبتيه هيتنفذ بالحرف وفي خلال كام يوم الخبر هيملا المؤسسة كلها ويوصلك وساعتها هنول المراد..
همست في ثبات: – اكيد يا سالم، نجوى مبترجعش فكلمتها ابدا، هتاخد اللي تستحقه وزيادة، مع السلامة..
هتف سالم محتجا: – بسرعة كده!؟.
همست في دلال مصطنع: – هات مهري بسرعة اكون معاك على طول، شد حيلك..
أكد سالم في حماسة: – اسرع من البرق عشان خاطر عيونك، سلام..
أغلقت الهاتف وتنهدت في راحة وهي ترى ما تتمنى يتحقق كما خططت له بالحرف..
هتفت أمل في ضيق: – يا بنتي كفاية تعب بقى، بابا يجي الصبح وبيفصل معايا طول النهار وانت تيجي تستلمي منه النوبطيشة عشان تفضلي الصبح مع سليم لحد ما أمجد يرجع من شغله، كده تعب عليكِ!؟.
هتفت شيرين في حنق: – تعب ايه!؟، هو انا بعمل ايه يعني!؟، شغل!؟، انتِ عارفة شغلي كله ع النت من البيت عشان مسبش ماما لوحدها فترة طويلة وخاصة مع ظروفها الصحية اللي انتِ عرفاها..
هتفت أمل: – سلميلي عليها، وحشتني بجد، اوعي تكون مش بتدعيلي..!؟.
هتفت شيرين مازحة: – يا بنتي هي محلتهاش حاجة الا الدعوات عليا، قصدى ليا، وليكِ..
ضحكت أمل لشقاوة صاحبتها التي هتفت منتبهة: – فكرتيني، لما دكتور عبدالرحمن يمر هخليه يرشح لي دكتور علاج طبيعي عشان الدكتور اللي كان بيجي حصلت له ظروف واعتذر..
لم تكمل كلماتها الا وهل عبدالرحمن بابتسامته الدافئة وقسماته المريحة يعدل منظاره بحركة اعتيادية ملقيا التحية لتبادره شيرين متسائلة عن طبيب لعلاج أمها ليؤكد في رزانة: – اه اكيد، مفيش احسن من الدكتور علاء الدغري، هتصل بيه حالا واعرفك عليه..
اخرج هاتفه وما هي إلا لحظات حتى هتف عبدالرحمن متحدثا: – ايوه يا دكتور علاء، لو في إمكانية تشرفني هنا، اه، غرفة تلاتة وستين، في انتظارك..
اغلق عبدالرحمن الهاتف مؤكدا: – دقائق ويكون هنا وتكلميه عن حالة الوالدة، الدكتور علاء من افضل دكاترة العلاج الطبيعي، ألف سلامة عليها، بلغيها سلامي..
أكدت شيرين مبتسمة: – اكيد يا دكتور عبدالرحمن، حاضر من..
قطعت شيرين استرسالها في الحديث عندما انفرج الباب بعد عدة طرقات متعاقبة ليدخل صاحبها ما جعل شيرين تحاول الاختباء خلف ظهر الدكتور عبدالرحمن الذي مد كفه بالتحية لعلاء هاتفا: – احنا عايزينك في خدمة جليلة، والدة الآنسة شيرين..
وأشار إليها جواره حيث كانت فلم يجدها ليتعجب اين ذهبت، كانت أمل ترى أفعالها الصبيانية وتشعر بالحرج ولا تعلم تفسيرا منطقيا لما تفعله شيرين وهي تختفي بهذا الشكل خلف ظهر الرجل الذي استدار متعجبا: – في ايه يا آنسة شيرين!؟، الدكتور علاء..
صرخ علاء في هذه اللحظة مفسرا لما كانت تحاول الاختباء عنه: – هو انتِ!؟، اقول ايه!؟، بقى دي يا دكتور عبدالرحمن اللي عايزني اعالج والدتها..!؟ والله لو اخر واحدة فالدنيا ما يحصل..
هتفت شيرين في حنق بعد أن خرجت من خلف عبدالرحمن: – الله الغني يا سيدي، هو انت كنت خلاص يعني هتخلي امي تنزل تلعب المباراة مع المنتخب!؟، دكتور زيك زي غيرك..
هتف علاء في حنق: – شايف يا دكتور عبدالرحمن، شايف، بقى هي اللي غلطانة ومش عاجبها..
هتف عبدالرحمن مهدئا: – طب بس أهدى واحكيلي ايه اللي حصل منها خلاك زعلان كده!؟.
تطلع علاء لشيرين هاتفا في حنق: – أقوله ولا تقولي له انت يا آنسة!؟، اقول انا وامري لله، بقى يرضيك يا دكتور اركب مع الآنسة الاسانسير من شوية وانا طالع مكتبي تقعد تقولي طالع الدور الكام يا حبيبي!؟ انت ازاي تخرج من غير بابا وماما!؟.
لم يستطع كل من عبدالرحمن وأمل إن يتمالك نفسه فانفجرا ضاحكين ليكفهر وجه علاء الطفولي القسمات، كان مظهره العام يوحي فعلا بمظهر طفل أكثر منه رجل بالغ، كان يميل للقصر القامة ذو شعر أملس وبشرة بيضاء مشربة بالحمرة وملامح طفولية لحد كبير لا تعكس اطلاقا سنواته السبع والثلاثون..
امسك عبدالرحمن ضحكاته بأعجوبة يحاول تطييب خاطره هاتفا: – مكنتش تقصد اكيد يا دكتور، انت لما تعرف الآنسة شيرين اكتر، هتعرف..
هتف علاء في حنق: – مش عايز اعرفها..
هتفت شيرين بدورها: – بناقص، انت الخسران..
هتف علاء في هدوء: – انا اسف يا دكتور عبدالرحمن، انا منسحب..
استدار علاء مغادرا، اغلق خلفه باب الحجرة لتتطلع أمل لشيرين في نظرة عاتبة: – زودتيها يا شيرين، الراجل واضح أنه حد محترم..
هتفت شيرين وقد تضاعف احساسها بالذنب: – فكرك كده!؟، انا حاسة اني زودتها فعلا، بس ايه الحظ ده!؟، يعني الراجل اللي اتنمر عليه اتحوج له بعدها على طول!؟
تطلعت في عبدالرحمن الذي لم يفه بحرف منذ غادر علاء تسأله: – هو فين مكتبه يا دكتور عبدالرحمن!؟.
هتف عبدالرحمن مشيرا: – بالدور اللي فوقينا على طول، اخر الكوريدور، دكتورعلاء الدغري..
أكدت شيرين وهي تسحب أقدامها للخارج في تثاقل: – واضح فعلا أنه دغري، صاحبك ده قفوش يا دكتور ملوش في روح الدعابة..
قهقه عبدالرحمن وهي تغلق باب الحجرة متطلعا لأمل هاتفا: – صحبتك دي رهيبة، ربنا يعين دكتور علاء ومتجبلوش جلطة..
قهقهت أمل هاتفة: – ربنا يستر..
تأكد عبدالرحمن أن الأمور على ما يرام وغادر في سرعة ليلحق بشيرين حتى لا ترتكب حماقة جديدة بحق صديقه المغلوب على أمره..
وصلت شيرين لغرفة مكتبه وطرقتها لتدخل ما أن أذن للطارق، رفع ناظريه ليجدها شاخصة أمامه هم بالحديث إلا أنها بادرته هاتفة: – انا بجد اسفة، كنت قليلة الذوق معاك..
لم ينبس بحرف لبرهة واخيرا أشار للمقعد المقابل لمكتبه هاتفا: – اتفضلي اشرحيلي حالة والدتك، ولو معاك اي تقارير سابقة عن الحالة يا ريت توريهالي..
جلست موضع إشارته هاتفة في عدم تصديق: – افهم من كده أن حضرتك وافقت على علاج ماما!؟.
هتف ساخرا: – اومال طالب التقارير ليه حضرتك!؟، هعمل بيهم حجاب لجلب الحبيب!؟.
قهقهت في أريحية هاتفة: – طب ما حضرتك دمك خفيف اهو، اومال قفشت عليا ليه!؟.
زم ما بين حاجبيه هاتفا في جدية: – آنسة شيرين، التقارير من فضلك، ومعاهم رقم تليفونك والعنوان وهبلغك امتى أول جلسة، وده كله عشان خاطر دكتور عبدالرحمن، اتفضلي..
وأشار للباب في هدوء لتنهض تتجه خارجا وهي تشير له بتحية عسكرية قبل أن تغادر مغلقة إياه لينفجر مقهقها على أفعالها الغير طبيعية بعد أن تصنع الجدية في حضرتها بشق الأنفس..
فتحت الباب بعد نظرة فاحصة للعين السحرية لمعرفة القادم لتبتسم ما أن انفرج الباب عن محيا عامر ولدها الذي دخل دون أن يلق التحية بوجه مكفهر..
تطلعت إليه متعجبة: – في ايه مالك مضايق كده!؟.
هتف عامر ساخطا: – يعني مش عارفة فيه ايه يا ماما!؟ فيه ده..
وأخرج هاتفه مشيرا للفيديو الذي جمعها بعبدالغني البارحة..
ردت في هدوء متطلعة للفيديو: – تتصور مشفتوش لحد دلوقت، ايه رايك حلو!؟.
هتف عامر ممتعضا: – حلو ايه بس يا ماما وأنتِ خليتي نفسك فرجة لكل من هب ودب!؟.
تطلعت إليه إحسان في صدمة هاتفة: – فرجة!؟، ليه!؟، هو انا كنت بعمل ايه يقلل من قمتي ولا يسئ ليا!؟.
هتف عامر: – يسئ لينا احنا يا ماما، انا وسمر بنتك اللي اتصلت من الامارات مخصوص لما شافت الفيديو ومش مصدقة أن حضرتك جت لك الجراءة انك تعملي ده..
هتفت إحسان في ثورة: – هو فيه ايه!؟، انت ليه محسسني اني ارتكبت ذنب فظيع!؟، ده فيديو بعلم فيه الناس تعمل أكل، لا كنت بتكلم بشكل خارج ولا لابسة لبس خارج، واختك دي اللي اخيرا سمعنا صوتها عشان فيديو مفيهوش اي ضرر لأي حد من اي نوع، كانت فين لما عرفت بطلاقي من ابوك!؟، دي مكلفتش خاطرها تقولي عاملة ايه يا ماما ولا عايشة ازاي، جايين دلوقتي تحسبوني على حاجة حسيت انها هتملى فراغي واستفيد منها ماديا عشان مبقاش عالة على حد ويجي يتحكم ويتأمر عليا..
هتف عامر شاعرا بالذنب: – والله ما اقصد كده يا ماما، أنتِ فهمتيها كده ليه!؟.
هتفت إحسان في حنق: – لأنها متتفهمش الا كده، كل واحد فيكم جاي معلق المشنقة وعامل فيها حامي الفضيلة، انا ست كبيرة وناضجة كفاية ومش محتاجة وصاية من حد، ولو كنت جاي عشان الموضوع ده مش عشان تشوفني وتطمن عليا زي ما كنت فاكرة فأنا بقولك أن الموضوع ده انتهى ومش هايبقى ده أخر فيديو، وتقدر تروح عشان متتأخرش على عيالك وبيتك..
واندفعت إحسان إلى الداخل تاركة عامر وحيدا للحظة قبل أن يندفع راحلا لتسمع صوت إغلاقه الباب خلفه فأذنت لأدمعها بالهطول في غزارة تستشعر ألم الفقد لداعم يسدد خطى تسعدها على درب تسيره وحيدة بلا رفيق..
نهضت تقف بالمطبخ تصنع لنفسها كوبا من الأعشاب المحببة لنفسها والتي تساعدها على إراحة أعصابها. مدت كفها لجوالها لتسري الموسيقى الناعمة المصاحبة لشدو فيروز: – بديت القصة تحت الشتا، باول شتا، حبوا بعضن، وخلصت القصة بتاني شتي، تحت الشتا تركوا بعضن..
سالت دموعها من جديد وغامت الرؤية أمام ناظرها حتى أنها لم تدرك أن عبدالغني جذبه لحن الأغنية المنبعثة من نافذتها فقدم ليلق عليها التحية ليجدها تبكي تمسح دمعاتها بظاهر كفها وهي تتشاغل كذبا أمام مجلى الصحون الذي يدرك بحدسه أنه نظيف تماما..
هتف يحاول إخراجها من حالة الحزن التي تعتريها مولدة لديه حالة أخرى مصاحبة من التعاطف لم تكن اعتيادية على أية حال وترنم ليجذب انتباهها: – يا حبيبي شو نفع البكي، شو إله معنى بعد الحكي..
انتفضت تتطلع نحوه مضطربة ليهتف باسما نحوها: – ده مش انا اللي بقول، دي الست فيروز..
همت بالاستئذان الا انه امهلها هاتفا: – إحسان..
كانت المرة الأولى التي يناديها باسمها مجردا من اي ألقاب، كان وقع ذلك عليها مربك بحق على عكسه تماما فقد استطرد في أريحية مطالبا إياها في رجاء: – ممكن تفتحي، عايز اوريكِ حاجة..
لا تعلم لما امتثلت لطلبه في طاعة، تأكدت أن الدمع انزاح عن محياها متطلعة إلى المرآة قبل أن تتجه لتفتح له الباب..
كان قد وصل لمنتصف المسافة بين شقتيهما عندما انفرج بابها، تقدم نحوها مشيرا للفيديو خاصتها، كادت أن تشح بوجهها بعيدا فهذا سبب الخلاف الذي دار بينها وابنها منذ دقائق خلت إلا أنه هتف مشيرا لشئ ما استرع انتباهها: – شايفة التعليقات والناس اللي جربت الوصفة فرحانة ازاي!؟.
نظرت إليه في شك فقد كان ذعرها من النتيجة دافعا لها حتى لا تبحث عن الفيديو لتشاهد تعليقات قد تكون سلبية على أدائها..
مدت كفها تشاهد التعليقات التي تخطت مئات الآلاف في بضع ساعات، قرأت بعضها لينشرح صدرها بعد انقباضه اثر كلمات ولدها..
رفعت رأسها تتطلع إليه في سرور: – كل ده ليا!؟، ده انا كنت غرقانة فشبر مية..
ابتسم هاتفا: – انا مراهنش على حاجة وتطلع خسرانة، انا قلت لك هتعجبيهم ومكنتيش مصدقة، مبروك يا إحسان هانم، هتاكلي من غنوة الجو، ده بيطالبوني اعمل لك فقرة ثابتة فكل حلقة..
هتفت إحسان متعجبة: – ليا انا!؟.
اكد ضاحكا: – اه والله، بصي اقعدي اقري التعليقات براحتك، وخشي علقي عليها واسعدي الناس بوجودك، وفكري في اسم لفقرتك..
تطلعت إليه ولم تعقب ليستكمل حديثه مخرجا شئ ما من جيب بنطاله مادا به يده تجاهها: – اتفضلي، ده حقك..
تساءلت في حرج ولم تمد يدها: – ايه ده!؟.
أكد عبدالغني هاتفا: – ده حقك من الحلقة، تتهني بيه..
مدت كفها تحصل على اول أموال تكتسبها من عمل خاص بها..
هتف مازحا وهو يستدير مغادرا ليعود لشقته: – بلاش تبذير، انا عارف الستات ما يصدقوا..
اتسعت ابتسامتها بدورها لتدخل مغلقة بابها متزامنا مع غلق بابه لتتطلع للنقود بكفها من جديد وقد انقلب مزاجها للنقيض تماما تستشعر إحساسا من الطفو الداخلي فوق الحزن والوجيعة محلقة في براح السعادة..
اصوات الزغاريد الآتية من الخارج ارقته ففتح عينيه ليجدها مستلقية في وداعة جواره..
نهض غير راغب في ازعاجها واتجه نحو باب الشقة وقد أدرك أنها امها جاءت بإفطار الصباحية فبالتأكيد لن تقدم سعدية أخته على فعل كهذا، فتح الباب لتعلو الزغاريد مرة أخرى ليقابلها هو مبتسما في سعادة مفسحا الطريق لتخطو حماته للداخل بحملها الذي دفعت به على اول طاولة وجدتها بطريقها للداخل راغبة في العودة سريعا لشقتها لمصاحبة احفادها لكن ظهور صفية على أعتاب الردهة جعلتها تعود في سرعة تضم ابنتها في سعادة بالغة..
واستأذنت رغم دعوة حماد لها لتبقى
لكنها أصرت على الذهاب سريعا..
اغلقت باب الشقة خلفها ليتجه حماد من فوره لصفية هامسا وهو يطوقها بذراعيه في محبة: – صباحية مباركة يا عروسة..
همست صفية في حياء مطرقة: – الله يبارك فيك يا سي حماد..
قبل جبينها في عشق وجذب كفها لتسير خلفه حتى الطاولة..
حمل الصينية وانحنى واضعا إياها أرضا ليجلس مشيرا لمكان بقربه لتجلس في طاعة..
رفع الغطاء عن الصينية ليهتف في دهشة: – الله اكبر، دِه فطور عرسان بچد..
هتفت صفية وهي تربت على كتفه: – طبعا، عريس وسيد العرسان كمان..
مدت كفها تسبقه متناولة قطعة من الفطير مغموسة بالشهد رافعة إياها لفمه تضع كفها الأخرى تحتها لتسقط عليها القطرات المنسابة هاتفة: – مطرح ما يسري يمري يا قلب صفية..
ضم كفيها بين راحتيه مستوقفا اياهما هاتفا في حنو: – هتعود ع الدلع ده يا صفية واني مش واخد الا ع الشجى..
هتفت وقد مس قلبها مخرجا مخزونا فطريا وافر من الحنان لأجله: – بعد الشر عليك من الشقى يا عيون صفية، من هنا ورايح مفيش الا الدلع وبس..
أبتسم في مودة ملتهما اللقيمة في استمتاع واستزاد بأن رفع كفها الآخر والمحلى بقطرات العسل ليلعقها بلذة دفعت الضحكات الندية لتشرق على صفحة وجهها الصبوح..
تطلع إليها في عشق هامسا: – عارفة يا صفية، اني من ميتا مفرحتش كده!؟، من زمن بعيد جوي، كنت ابن خمستاشر سنة لما شلت هم امي واختي على كتافي، اشتغلت اللي عمرك ما تتخيليه عشان بس اچيب اللجمة، ماتت امي واترملت سعدية وولدها على كتفها، جلت بلاد الله لخلج الله ونزلت على مصر..
شفت اللي محدش شافه، دجت المر، لحد ما ربنا كرمني بحورية، معرفش شافت فيا ايه خلاها ترتاح لي وتسلمني مالها وحالها، واتچوزنا، ربنا رزجنا بهناء وجعدنا ع الحال ده سنين مفيش خلفة بعدها لحد ما تعبت چامد واحتار فيها الأطبة وفيوم وليلة بجت مبتتحركش من مطرحها، حطيت همي فيها وفالمصنع، وعدت سنين نسيت فيها حالي..
وتطلع إليها ليرى تعاطفها مرسوما بأدمع تتراقص بمآقيها ليستطرد هامسا في عشق: – لحد ما وعيت لك، كنت بغالط روحي واجول خلاص، الجلب مات من زمن، لكن تاريكِ حيتيه، تصدجي بأيه!؟.
همست والدموع تنساب على خديها في عشق لأعترافه: – لا اله الا الله..
هتف في شوق: – انا عاشج يا صفية، اول مرة احسها واجولها، انتِ عوض ربنا بعد طولة الصبر ومرار الحرمان..
انتفضت صفية جاذبة إياه لصدرها تضمه كطفلها تحتضن رأسه المكدود لأضلعها تقبل هامته وانفاسه الحارة تعانق نبضها الذي يصرخ بعشقه..