روايات شيقهرواية وبقي منها حطام أنثى

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل التاسع

توقفت الكلمات على حافة لسانها وعلقت الحروف بحلقها وكأنها لاتقوي على السيطرة على حالها، في حين أنتبه هو لحالة الأرتباك الملحوظ التي طغت على كيانها فأردف قائلا
مالك: مش هتقولي حاجة
إيثار وهي تجاهد للنطق ولكن دون جدوى: آآ، اانا…

لم يكن أرتباكها وحمرة الخجل التي علت وجنتيها إلا سبباً قاطعاً يزيد من تعلقه بها وإيمانه بإنها هي ضالته التي يبحث عنها، رأى بها مكملتة ونصفه الأخر الذي سيكمل النقص فيه، أما عنها فقد رأت حلمها به وشعرت بخطوات قلبها تخطو نحوه ولا تستطيع إحكام سيطرتها عليه، لقد أنفلت منها زمام الأمور وأصبح فؤادها متعلقاً بأمل حبه، وما الأمل إلا حلماً ستسعى وراءه.

مالك بنظرات مغزية: طب طالما مش عايزة تتكلمي أنا عندي فكرة
إيثار وهي تهز رأسها بعدم فهم: ا اايه؟
مالك وهو ينظر لخارج العقار: هاخدك للمكان بتاعي، هناك بس هتلاقي كل الكلام اللي تقوليه
هزت إيثار رأسها برفض ثم نظرت حولها بتوجس وهي تهتف بأرتجافة في صوتها
إيثار: انا لازم أطلع عشان متأخرش وو، و.

جذبها مالك خلفه دون الأستماع لما تبقى من حديثها في حين عارضته بشدة وظلت تنطق به لكي يتركها ولكنه أصر على فعل ذلك، سحبها خلفه حتي خرج من العقار ثم نظر للطريق جيداً وعبره وهو يمسك بكفها ثم سار بها لبعض الوقت وهو ملتزم الصمت، جاهدت لتوضح له مدى الخطأ الذي يرتكبانه ولكنه لم يصغي لها، فقط يصغي لصوت نبضاته التي أصبحت تنطق بإسمها ثم توقف عن السير فجأة وألتفت لها لتصاب عينيها بنظرة عميقة من عينيه فتلاشى الحديث وتوقفت عنه في حين هتف هو بنبرة عازفة.

أتركي وثاق الخوف ينفلت عن نحركِ، ألا تكفي نبضاتي مطمئنة لقلبكِ، أتركي الهوا ليبعثر روحكِ كما فعل في حبكِ
أطرقت رأسها حياءاً من حروف كلماته المتناسقة التي تستشعر فيهم الصدق ومن ثم توقفت عن نهره وسارت معه بإستسلام، حتي وصلا للبقعة الخاصة به أمام البحر فتقدم بقدمه صوب البحر ناظراً للرمال الصفراء بتأمل ثم هتف بخفوت
مالك: خمسة يمين من أول الصخر وبعدين واحدة شمال وبعدها كان اي يامالك، كان اي…!؟

إيثار وقد أرتفع حاجبيها بأندهاش: أنت بتكلم نفسك؟!
مالك وهو يشير بيده لكي تنتظر: أستني بس أنا كنت حافظ بس نسيت
إيثار وهي تنظر لموضع بصره: مش فاهمة حاجة!؟
مالك وقد أتسع مبسمه بإبتسامة واسعه: صح صح، خلاص عرفت، تعالي كده
جذبها بخفه ثم أدارها ليكون ظهرها قبالة البحر ثم أشار لها بسبابته نحو صخرة كبيرة الحجم ثم هتف
مالك: شايفة الصخرة دي، أمشي من جمبها خمس خطوات واسعين بما أنك قزمة.

إيثار وهي ترمقه بغيظ: بقى كدة!؟
مالك مقتربا منها وقد لمعت عينيه بحبها: مابلاش البصة دي أحسن أتجنن
إيثار وهي تعود للخلف خطوتين: لا خليك زي ماأنت
مالك: طب يلا أمشي وعدي بس برجلك اليمين مش ناقصين
خطت إيثار خمس خطوات متسعة كما وجهها هو ثم توقفت وألتفتت إليه لينطق ب…
مالك: تحت رجلك بالظبط أحفزي في الرملة علي بعد شبر بالظبط.

إيثار وهي تعقد حاجبيها بذهول: نعم! أنت جايبني ألعب في الرملة، ليه ان شاء حد قالك بحن لأيام الطفولة
مالك وهو يحك طرق ذقنه: اه لو تسمعي الكلام وميبقاش لسانك 6 متر، يلا يابنتي عشان الوقت.

أنحنت إيثار بجسدها ثم بدأت تنبش الأرضية الرملية حتي لمحت ورقة بيضاء صغيرة مطوية فنظرت له حتى وجدته يهز رأسه إيجاباً لكي تحضرها، فأمسكت بها وأعتدلت في وقفتها ثم فتحتها لتجد نقش بحرف الباء ب فضيقت عينيها في حين بادرها هو قائلا
مالك: دلوقتي هتمشي خطوتين شمال تاني وتجيبي اللي تحت رجلك
إيثار بلهجة متسائلة: تاني؟

أومأ رأسه ثم أشار لها للتحرك، فتقدمت شمالاً كما وجهها ثم أنحنت لتنبش الأرض حتي وجدت ورقة صغيرة أخرى فأعتدلت لتفتحها لتجد حرف الحاء، فأعتلت أبتسامتها ثغرها ولكنها جاهدت إلا تبرزها حتي لايفطن هو أنها قد أكتشفت اللعبة..
يَهجُر الجمَال كُل أَوطَانهِ لِيَستَقِر فِي ثُغركِ، إِذا إبتسمّتِي…
هكذا لمعت عيناه متلذذاً برؤية إبتسامتها، فنظرت له بفضول ثم هتفت
إيثار: وبعدين.

مالك وهو يرفع رأسه قليلاً ليتعمق بالتفكير: متهيألي هتمشي خطوتين يمين، لالا 3 خطوات يمين
إيثار وهي تشير بأصبعها ليبتعد: طب ابعد شوية
مالك وهو يرفع حاجبيه: هو أحنا متخاصمين ياإيثار ولا حاجة، ليه المعاملة دي بس
إيثار وقد برز صوت ضحكتها أخيراً: ايوة كده اضحكي وارفعي من معنوياتي احسن دي هبطت خالص.

تحركت بهدوء ثلاث خطوات ثم أنحنت تنبش الرمال بأصابعها ولكنها لم تجد شيئا، فأستمرت بالنبش ظناً منها إنها ستجد شيئا ولكن…
مالك: متهيألي أنك لازم تيجي يمين شويتين، ماانتي قصيرة والمفروض كنت اعمل حساب ده بس معلش المرة الجاية
إيثار بتنهيدة: اللهم طولك ياروح.

تحركت خطوة واحدة ثم أعادت الحفر حتي وجدت ورقة أخرى ولكنها كبيرة الحجم شيئاً ما، فتحتها لتجد أربعاً من الأحرف المفرطة غير الملتصقة ب ح ب ك وقد تجمعت بظهر الورقة، فأرتسم الحياء على محياها ثم عاودت النظر له وقد تلاشى خوفها وأزداد إيمانها به، كانت عيناه تتحدث بصمت وقد أستشعرت الصدق بهما، فأطرقت رأسها بخجل في حين بادرها هو قائلا بنبره أقرب للهمس
مالك: بحبك ياإيثار، ماانا مش هسكت كتير.

إيثار بتوتر جلي: مش مستعجلة شوية!؟
مالك ببسمة عذبة: أنا اعرفك بقالي شهرين، معتقدش كل الفترة دي استعجال، بالعكس انا حاسس اني كنت بارد
أمسك كفها ثم أمرها أن تغمض عينيها فأنصاعت له، فنقش لها علي بطن كفها بحبك دبت القشعريرة في أوصالها وكادت تنتزع كفها منه ولكنه أحكم قبضته عليه وبدأ ينقش كلمة أخرى تتجوزيني فأضطرب شعورها وفتحت جفنيها فجأة لترمقه بعدم تصديق فنطق هاتفاً.

مالك: انا عايزك تصدقيني ياإيثار، انتي متعرفنيش كويس ومش حابب انك تحكمي عليا من غير ما تعرفي، انا اه لسة طالب لكن بشتغل ودي اخر سنه ليا في الجامعة، وشقة اهلي مقفولة بقالها سنين طويلة مستنياني انا والأنسانة اللي بحبها، يعني أقدر أشيل مسؤلية بيت وأسرة
إيثار وقد لمعت عيناها فرحاً: …
مالك مترقباً لرد فعلها: تقبليني!؟
أجفلت بصرها وعلقت عيناها على الورقات الصغيرة المطوية بيديها ثم تحدثت ب…

إيثار: اهلي مش هيوافقوا عليك، وخصوصاً عمرو
مالك وقد تجهمت ملامحه: انا مش هسيب سبب يرفضوني بيه ياإيثار، انا مش عايز غير انك تثقي فيا وتستنيني الكام الشهر دول، لحد ما أخلص بس السنة دي
إيثار بتأمل: …
مالك وهو يقبض علي كفها بخفة: مستعد أحاربهم بالسياسة عشانك، بس تبقي معايا.

هزت رأسها موافقة علي خوض معركة الحياة معه فبثت بداخله الأمل ليري بعينيها دنيا جديدة مفعمة بالسعادة والسرور، ولكنه حبذ أن تطرب أذنيه بسماعها فهتف ب…
مالك: طب انتي حاسة بحاجة ناحيتي! صح؟
إيثار وهي توزع نظراتها حولها بتوتر: …
مالك بلهجه راجية: لا والنبي ما تسكتي، قولي إي حاجة طمنيني
إيثار وهي تهز رأسها: اا آآ آ، اه.

سحب شهيقاً عميقاً وقد شعر بإنتعاشة تقتحم صدره، فقد أطمئن من ناحيتها وضمن وجودها معه على الأقل بهذه المرحلة وحتي ينتهي من إعداد نفسه لملاقاة أهلها، أصرت هي على الرجوع لمنزلها حتي لا ينكشف غيابها أكثر من ذلك، فأنصاع لرغبتها مستسلماً وقام بتوصيلها للمنزل.

على جانب آخر كانت المناقشات على أشُدها بين سارة ووالدتها، والتي راحت الأولى تنثر بالسم في أذن والدتها وقامت بتزوير الحقائق وتغييرها حتى يكتمل أنتصارها بتشتيت شملهم الذي أجتمع للتو، كان الحقد ذئباً يأكل من ضلوعها وصدرها، فهى أعلى جمالاً وأنوثة من تلك الإيثار ولكن لم ينظر لها مالك يوما أو ينجذب نحوها ولو بنظرة، لما هى بالذات دون غيرها، لن تهنأ إلا بعد أن ترى ثمرة ناجحة لمخططها الذي بدأت في تنفيذه للتو وكان أول عنصر به هو والدتها.

إيمان وقد أتسعت شفتيها بشهقه عالية: انتي متأكدة ياسارة، شوفتيهم بعينك؟
سارة وقد أمتلئت نبرتها بالجشع والحقد: يعني هكدب عليكي ياماما؟! ده انا شايفاه بعيني وهو بيبوسها تحت السلم، وعايشين أخر انسجام مع بعض
إيمان وهي تستند برأسها علي أطراف أصابعها: بنت ال، يعني الكلام اللي اتقال عليها في مصر صح بقى!
سارة وهي تزيد من إشعال صدر والدتها: واضح كدة ياماما، وجاية هنا بقى تكمل حواديتها القذرة.

إيمان بنصف إبتسامة وهي تتحدث بسخرية: وقال اي ابوكي جايبهم هنا عشان يجيبولنا الفضايح بعد ما عشنا سنين كافيين خيرنا شرنا، لا القرف ده ميتسكتش عليه، يااامدحت
سارة وقد أنتفض فلبها ذعراً: انتي هتعملي اي ياماما!
إيمان ولهجتها لا يبدو فيها الخير: لازم ابوكي يسمع بودانه
مدحت بتذمجر: في ايه!؟ هو ايه ده اللي اسمعه ياإيمان؟
قالها مدحت وهو يلج خارج حجرته، فباغته إيمان بنظرات ساخرة وهي تتلوى بشفتيها ثم تحدثت ب…

إيمان: بنت اخوك ال، هتجيب لأهلها الكلام وتجيب لنا احنا كمان
مدحت وهو يرمق ابنته بنظرات متفحصة: قولتي اي لأمك وسخنتيها كده ياسارة
سارة وقد بدا عليها التوتر؛ اا انا، انا مقولتش غير اللي شوفته
إيمان بتهكم: بنت أخوك مقضياها مع ابن الجيران واخرتها سارة تقفشهم وهما بيبوسو بعض تحت السلم
مدحت وقد أتسعت حدقتيه بعدم تصديق: انتي اتجننتي ياولية، عيب اللي بتقولية ده، هى حصلت للدرجة دي!

إيمان وهى تضع يدها اوسط خصرها: وهو انا بقول حاجة من عندي؟!، انا بنتي متكدبش في الحجات دي أبدا
مدحت وهو يقبض علي ساعد إبنته: جيبتي الكلام ده منين يابت انتي؟
سارة بتأوه: اااه، وانا مالي يابابا، ده انا شوفتهم بعيني تحت وانا طالعة والله
مدحت وهو يتغلغل بنظره بعينيها: شوفتيهم؟! متأكدة من الكلام ده؟

سارة وهي تتملص من يده: اه يابابا متأكدة والله شوفتهم، لو مش مصدقني أستني بنفسك لما ييجوا سوا بعد شوية وهخليك تشوف بعينك
دفعها مدحت بقوة وهتف بحدة قائلا
مدحت: اما اشوف هبقى اصدق، غير كده حسابك معايا
سارة: …

تركها بمنتصف الطريق حتى تعاود الوصول بمفردها منعاً لأثارة الشكوك حولها، في حين كانت إيثار تخطو خطواتها بمرح غير عابئة بدنياها التي من حولها، صعدت منزلها بفرحة غريبة لم تشعر بها من قبل، يتراقص قلبها فرحاً، فهذا هو أفضل وأسعد أيام حياتها على الأطلاق، نزعت عنها ملابسها بسرعة وهي تتلهف للأستذكار ولأستماع الموسيقي وتتلهف للطعام والحلوى و، و، و، الخ.

ترغب بفعل الكثير من الأشياء بوقت واحد، فقامت بالتقدم نحو المبرد وسحبت منه صحن من الأرز باللبن وملعقة معدنية ثم دلفت لحجرتها لتستمع لصوت كمانه وكأنه ينادي عليها، فقامت بوضع الحجاب علي رأسها وأطلت بجسدها من النافذة لتجده ينظر إليها بأعين عاشقة يملأها الشغف في حين لمح بيدها الملعقة الصغيرة فأبتسم وهو يهتف
مالك: بتاكلي اي؟
إيثار بعفوية زائدة: رز باللبن، عملته أمبارح.

مالك وقد أتسع مبسمه بإبتسامة واسعة: طب عايز أدوق، أبعتيلي طبق بسرعة
إيثار وهي تعض على شفتيها بحرج: مش هينفع، ابعته ازاي؟
مالك وهو يحك رأسة بتفكير: ابعتيه في السبت او حبل إي حاجة، المهم عايز أدوق عمايل مراتي المستقبلية، على الأقل أطمن على نفسي
إيثار وقد لمعت عيناها بالتفكير: طب ثواني.

ذهبت سريعاً لإحضار ما تبقى من حبل الغسيل الذي تركتة بالشرفة ثم عاودت لحجرتها سريعاً ثم قامت بربط الصحن من الأتجاهات الأربع ونظرت من النافذة بحذر ثم بدأت تهبط به بهدوء حتي ألتقطه منها بسرعة ثم أشار لها بيدة لتنتظر، وما هي إلا دقائق معدودة حتى عاود النظر إليها وقام بربط الصحن فارغاً مرة أخرى وأشار لها لتسحبه، وعندما رفعته تفاجئت بزهرة حمراء متفتحة أوراقها قد ألتصقت بالصحن من الأسفل ومشبوك بأوراقها الخضراء ورقة صغيرة، إبتسمت بحيوية ثم حلت التشابك لتقرأ بها.

تلثمت يداها بالحرير، وقلبي لحب غيرها، لضرير
تنهدت بإرتياح ثم وضعت الصحن جانباً وصبت حواسها أجمع على الحروف التي خط بها بيده، ثم لامست بأنفها الزهرة لتستنشق عبيرها.

بينما كان مالك يغلق النافذة فدلفت إليه عمته ميسرة وهي تتقدم نحوه بخطوات متمهلة، فألتفت هو ليُصدم من رؤياها في حين رمقته هى بنظرات متفحصة ثم هتفت
ميسرة: يارب تبقى مبسوط على طول ياحبيبي، بس ياتري أيه اللي بسطك أوي كدة
روان وهى تدخل عليهم لتشاركهم الحديث: وانا كمان ملاحظة حجات غريبة كدة
مالك وهو يحك مؤخرة رأسة بحرج: للدرجة دي باين عليا!
ميسرة بنبرة خبيثة: هو ايه بقى اللي باين عليك؟!

روان وهي تصطنع عدم المعرفة: اه هو ايه بقى!؟
مالك: مفيش حاجة ياجماعة، بس احتمال يحصل حاجة قريب تفرحكو ان شاء الله
جلست ميسرة على حافة الفراش ثم نظرت له بأهتمام أكثر وهى تنطق ب…
ميسرة: طب ما تفرحني من دلوقتي يامالك، مش هقدر أستنى
روان وهي تغمز لمالك: حاجة جاية من فوق، مش كدة يالوكتي
مالك وهو يحدق بها لتصمت: ياه لو تسكتي، هتكوني زي العسل ياروان
ميسرة وهى تهز رأسها بمكر: قولتولي بقى، هى الحكاية فيها فوق!

مالك وهو يجلس على مقعد المكتب المقابل للفراش: بصراحة كدة في بنت داخلة دماغي اوي، وان شاء الله اول ما اخلص سنة رابعة هنروح نطلبها من اهلها
ميسرة وقد على مبسمها الأبتسامة: بجد! وماله ياحبيبي، خلص على خير واللي انت عايزه هنعملهولك، بس هى مين!؟
مالك مطرقا رأسه: هتعرفي ساعتها ياعمتو.

كانت بديهتها أقوى مما يتخيل هو، فقد لاحظت منذ فترة تغييره وهيامه الدائم وشروده المستمر، علمت بالفطنة أنه أحب تلك الفتاة التي قطنت بعقارهم قريباً فشعرت بالراحة لأجله، فَطالما تمنت أن يكون گباقي الشباب في مرحلته العمرية وينتقي له الفتاة التي تناسب تفكيره وأرائه، فتاة تعوض عليه الحب وتسد فجوة الحرمان التي يشعر بها رغم وجوده وسطهم، تنفست بأرتياح وهى ترى صورته المتجسدة أمامها وهو يرتدي حُلته متأنقاً بها ليجتمع بنصفه المكمل فسيطر الفرح على ملامحها ثم شرعت تعد برأسها ترتيبات خاصة لهذا اليوم الذي تنتظره بفارغ صبر.

على الجانب الآخر كان يقف مدحت بالنافذة غير مصدقاً لما يراه، لقد رأي بعينيه إبنة أخيه وهى تتحدث بودّ لأبن الجيران بل وترسل له الطعام أيضاً، ياللكارثة! ماذا سيفعل الآن، لابد من اللحاق بالأمر قبل أن يتطور عن ذلك، فرأي أن ما عليه هو أن يحدث أبيها بهذا الأمر ليلحق بالأمر قبل أن يتفاقم ويتطور عن ذلك، وكانت زوجته تحبذ هذه الفكرة بصورة كبيرة بل وحثته عليها بشدة أيضاً حتي علقت الفكرة برأسه وقرر تنفيذها..

تحية: ايوه، ثواني ياللي على الباب
كانت هذه عبارة تحية عقب أن أستمعت لصوت قرع علي الباب، فألتقطت حجابها الطويل الخمار ثم أرتدته سريعاً وفتحت الباب لتجد مدحت أمامها، فأفسحت الطريق له وهي تهتف
تحية: أهلاً يامدحت أهلاً، أتفضل
مدحت مطرقا رأسه: هو رحيم هنا يامرات أخويا؟
تحية وهي تومئ برأسها إيجاباً: ايوه جوه، أتفضل أدخل ده بيتك
مدحت وهو يربت علي صدره بإمتنان: تشكري ياتحية.

دخل لمحيط الصالة بينما حضر رُحيم عقب أن أستمع لنبرته التي يعرفها، فأبتسم له بودّ ثم أشار له للجلوس وهو يقول
رحيم: أقعد أقعد، أعملي شاي ياتحية أوام
مدحت وهو يشير بكف يده: لالا ملهوش لزوم، انا عايزك في موضوع كده وهطلع تاني
رحيم بجدية: وماله يااخويا قول، بس لازم نشرب حاجة الأول
مدحت بإيجاز: هنشرب بعدين، في حاجة غلط شوفتها ولازم تعرفها، عشان مينفعش أسكت عنها يااخويا.

رُحيم وقد شعر بالريبة من المقدمة التي بدأ بها: في اي يامدحت قلقتني، اوعي يكون عمرو عمل مشاكل في الشغل ولا حاجه؟
مدحت وهو يهز رأسه نافيا: لا أطمن، عمرو ماشي كويس، المشكلة في إيثار
رُحيم وهو يبتلع ريقه بتوجس: إإ، إيثار! مالها إيثار؟
مدحت وهو يزفر أنفاسه بضيق: واضح أنها على علاقة بإبن الجيران اللي تحتيكوا
رُحيم وهو ينهض عن مكانه بعنف: إيه!

وضعت الزهرة بأحد الكتب القديمة التي تحتفظ بها ثم دسته بأحد الأدراج الخشبية بالكومود، ثم أمسكت بالورقات الصغيرة المطوية وأخذت تتحسسها بأناملها ثم وضعتهم بمظروف صغير بجانب الورقة التي أرسلها إليها مؤخراً، ثم دست المظروف أسفل وسادتها وجلست على فراشها تسترجع ذكرى أعترافه لها وكلماته الصادقة التي وقعت علي مسامعها گالسحر بل وأقوى تأثيراً، حتي قطع عليها لحظتها السعيدة صوت أبيها وهو يهدر بإسمها منادياً فأنتفضت فزعاً وأرتجفت أوصالها وقد شعرت بالخطر يحوم فوق رأسها، فقامت بالخطو بحذر نحو الخارج، في هذا الحين وصل عمرو من عمله وقد أستمع لصوت أبيه وهو يصرخ منادياً فدب الذعر بداخله وتسائل عن سبب ثائرة أبيه، فلم يتررد رُحيم في أخباره.

رحيم: أختك مديانا علي قفانا كلنا، بتصيع مع ابن ال، اللي ساكن تحتينا
عمرو فاغزا فاه: ااي!؟ انت متأكد يابابا؟
تحية وقد أغرورقت عيناها بالدموع: بنتي متعملش كده مش ممكن
إيثار وهي تخطو نحوهم بحرص شديد: نعم يابابا، حضرتك ناديت عليا!؟
شعر عمرو بالغليان يصل لرأسه وقد أمتلئت عينيه بالغضب فتقدم صوبها بعنف بيّن ثم جذبها من جذور شعرها حتي كاد يقتلعه بين يديه بشراسة لم تعدها منه من قبل، ثم هدر بها گالمجنون.

عمرو: بتعملي أي مع ابن الجيران يا، يا، ، مكفاكيش اللي حصل في مصر جاية تكملي هنا يا…
تحية وهي تحاول الصد عنها: يابني سيبها تكلم ونشوف هتقول اي!؟
إيثار وهي تصرخ من هول الآلم الذي أجتاح رأسها: والله ما عملت حاجة، في ايه بس اااه راااسي
رحيم وهو يجذبها من يديه ليصفعها بقوة: ياو، يابنت ال، ، ده انا هموتك النهاردة، بتحطي راسي في الأرض يا…

إيثار وقد علت شهقاتها وشعرت بالتمزق داخلها: ليه بس يابابا انا معملتش حاجة والله في اي فهمني
مدحت وهو يقبض على ساعد أخيه: يارحيم المواضيع دي متتحلش كدة أستهدا بالله
رحيم وهو يجذبها من رأسها نحو الأرضية لتسقط: ده انا همووووتها، مش هخليها تشوف الدنيا تاني.

أنهال عليها بالضرب المبرح حتى أن أخيه وزوجته فشلا في منعه عن ذلك، فكانت حالة الهياج التي وصل إليها لا توصف من هولها، لم يشفع لها صراخها وصوت نحيبها المتكرر وهي تهتف بعدم فعلها شيئا ولكن لم يهتم لها أحداً، وظلت والدتها ترجوه أن يصفح عنها ويكف عن إيذائها ولكن دون جدوي، كان الضغط النفسي والعصبي قد إشتد عليها فلم تتحمل كل هذا العبء، حيث سمحت لقواها أن تخور وتركت العنان لقدميها لتسقط مغشياً عليها فأنتبه الجميع لها و…

عمرو بقسمات فزعة وهو ينحني عليها: ماما، ماما ردي عليا
رحيم وهو يضرب على وجنتيها برفق: تحية، جرالك أي ياتحية
عمرو وهو يرمق أخته بنظرات ملتهبة: كله بسببك، هتفضلي سبب في المصايب اللي بتحصلنا كلنا
مدحت: يابني مش وقته، يلا نوديها على المستشفي اوام أحسن تكون حاجة وحشة والعياذ بالله.

نهض رحيم من مكانه حيث كان يجثو على ركبتيه ليرى زوجته، ثم توجه نحو إيثار الملقاة على الأرض وجذبها من ذراعها بعنف وهو يجرها على الأرض حتي وصل لحجرتها ثم دفعها بأنفعال وألتقط المفتاح وأوصد الباب عليها ثم توجه للخارج لنقل زوجته للمشفى في حين كانت إيثار تتلوى بجسدها من شدة الآلم الذي أقتحم جسدها على أثر عنف أخيها وأبيها معها، كانت تذرف الدموع بصمت فقط أصدرت بعض التأوه تألماً ولم تستطع حتي النهوض عن الأرض.

حمل رُحيم وعمرو السيدة تحية ثم هبطا الدرج بهدوء وحذر شديدين في حين سبق خطوتهم مدحت لكي يستأجر سيارة الأجرة التي ستقلهم للمشفى..

وعقب أن وصلا أمام بوابة المشفى أسرع عمرو بالترجل عن السيارة ثم ركض للداخل ليطلب المساعدة فلبى الممرضون طلبه وأحضروا الفراش النقال لحملها به، فى هذه الآونة كان مالك قد أنتهى من عمله وسار بضع خطوات ليستقل أحدى الحافلات التي تمر من هذا المكان فلمح بزاوية عينيه عمرو ورحيم وهم يلتفون حول الفراش النقال ويدلفون للداخل خلف الممرضين فأضطربت حواسه وأزداد الذعر بداخله فتقدم نحوهم سريعاً ليلحق بهم خوفاً من أن تكون تلك المحمولة على الفراش هي حبيبته، ولكنه عندما عبر بوابة المشفى كان الجميع قد أختفى من أمامه فتقدم بخطى متعجلة نحو الأستقبال وأستفسر عن الحالة التي حضرت للتو فأبلغته موظفة الأستقبال بأنه تم نقلها إلى قسم الطوارئ وأشارت له على الطريق فأنطلق مسرعاً.

عمرو وهو يتأفف بغيظ: سيبتولها السايب فى السايب لحد ما فضحتنا
رُحيم: كل حاجة لسه في إيدينا ياعمرو، أهدى وخلينا نطمن على أمك وبعدين نشوف حل مع الو، دي
مدحت وهو يضغط علي ساعد أخيه: خير إن شاء الله، بس كله بالهداوة يارحيم، لو اعرف انك هتتعامل مع الحكاية كدة كنت اتصرفت انا ومقولتلكش
عمرو بنبره متذمرة: انت بتقول أي ياعمي! ده انا هدفنها و…

جحظت عينيه بقوة وأشعل الغضب من رأسه فأندفع نحوه عندما رأه يتقدم نحوهم بينما أمسكه أبيه حتى لا ينفلت منه زمام الأمور و…
رحيم: رايح فين يابني أستنى مش كدة
عمرو وهو يكز على أسنانه بقوة: هروح أقوله أديني أختك ألف بيها لفتين عشان داخلة دماغي.

سحب عمرو ذراعه بعنف من أبيه ثم أنطلق بخطى أشبه للركض نحوه في حين كان مالك مصاباً بالذهول من هيئته ونظراته له حتى أفيق على تهجم عمرو عليه وقد أمسك بتلابيبه وصرخ به بعنف و..
عمرو: ياعديم الرجولة يا، ده انا هطلع، و…
مالك وهو يدفعه بقوة: انت أتجننت ياأخينا ولا أي، أوعى إيدك من عليا لأقطعهالك
عمرو: ده أنا لأقطع أيدك اللي أتمدت على حاجة مش بتاعتك
أنقض عليه عمرو بشراسة حتي أسقطه أرضاً و…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى