رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الثاني عشر
لعينيكِ ما يلقى الفؤادُ وما لَقي
وللحبّ ما لم يبقَ منّي وما بقي
وما كنتُ ممّن يدخلُ العِشقُ قلبَه
ولكنّ من يُبصِر جفونَك يَعشَقُ
اعتذر عمرو عن الذهاب إلى عمله في اليومين التاليين، وقدم على أجازة ( عارضة ) مما سبب الإزعاج والضيق لمحسن الذي كان يريد مفاتحته في أمر التقدم لخطبة أخته..
ضرب كفاً على الأخر، وصر على أسنانه قائلاً بحنق:
وده وقت تغيب فيه! ده أنا كنت هاخد خطوتي وأنفذ المطلوب!
نفخ بصوت مسموع، ثم فرك طرف ذقنه، وهو يتابع قائلاً:
كده أنا مضطر أفكر في حاجة تانية، وأعرف الجماعة عندي بالجديد!
على الجانب الأخر، وقف مالك أمام المرآة، وارتسم على محياه ابتسامة سعيدة للغاية، وطالع نفسه بنظرات متأملة..
عدل من وضعية ياقة قميصه، ثم أحكم ربط عقدة رابطة عنقه، ومشط شعره للخلف..
كان اليوم مميزاً بالنسبة له، بل هو أفضل يوم في حياته على الإطلاق، فقد تمكن زوج عمته من مقابلة الأستاذ رحيم، وطلب منه تحديد موعد رسمي للتقدم لخطبة إيثار..
اعترض الأخير في البداية، ولكنه وافق في النهاية بعد محاولات مقنعة على تلك الزيارة العائلية حتى توضع الأمور في نصابها الصحيح..
إستندت روان بجسدها على باب الغرفة، وعقدت ساعديها أمام صدرها، ورمقت أخيها بنظرات إعجاب، ثم هتفت ي تغمز له:
ايوه يا عم مين أدك!
التفت مالك ناحيتها، ورمقها بنظرات حنونة وهو يردد بسعادة:
ها ايه رأيك؟
أرخت ساعديها، واقتربت منه، وأجابته بثقة:
مز الصراحة.
حرك رأسه قليلاً، وسألها بإبتسامة عريضة:
ماشي يا روني، يعني أعجب؟
أجابته دون تردد:
ده انت تعجب الباشا يا مالوك
تنهد بعمق وهو يتابع قائلاً بتوتر:
ادعيلي ربنا يسرها معايا لأحسن مقلق أوي من أبوها!
يارب يتمهالك على خير!
أمين
صاحت ميسرة من الخارج بنبرة مرتفعة:
جاهز يا مالك
أجابها بصوت عالٍ:
ايوه يا عمتو، أنا جاهز
طب يالا يا حبيبي
حاضر
وبالفعل اجتمعت العائلة عند باب المنزل، وتحركوا إلى الخارج حيث المقابلة المنشودة..
لم تصدق إيثار أذنيها حينما أبلغتها والدتها بحضور مالك وعائلته اليوم لخطبتها..
ظنت أنها تتوهم ما سمعته منها، لكنها طمأنتها قائلة:
أبوكي بنفسه اللي وافق
احتضنت والدتها بعاطفة قوية، واستعدت بفرح واضح على جميع تصرفاتها لهذا اليوم الهام في حياتها..
فإرتدت فستاناً طويلاً من اللون الزيتي، ولفت حجاب رأسها بطريقة جميلة، ووضعت لمسات باهتة من مساحيق التجميل لتزيد من إشراقة وجهها..
كان عمرو هو الوحيد المعترض على تلك الخطبة، فبدى متذمراً وغير راضي على الإطلاق..
اضطر أن يوافق على الجلوس من أجل أبيه، فهو لا يريد تصغيره أمام الغرباء، بالإضافة إلى نيته في تعقيد الأمور عند مالك حتى لا يظن أنه فاز بأخته ببساطة..
سمع عمرو قرع الجرس، فنفخ بضيق، ثم اتجه ناحية الباب ليفتحه..
استمعت إيثار هي الأخرى لصوته، فقفز قلبها في صدرها، وتلاحقت أنفاسها بشدة..
فركت أصابع يديها بتوتر، وحاول أن تضبط أنفاسها اللاهثة، لكن شعور السعادة بداخلها لا يمكن أن يوصف..
اقتربت من باب غرفتها، وألصقت رأسها به لتستمع إلى صوت مالك وهو يلقي التحية على الجميع، فتنهدت بحرارة كبيرة..
تراجعت بجسدها للخلف، ورفعت كفيها وبصرها للسماء، وهمست بتضرع:
يا رب كملها على خير يا رب!
استقبل الأستاذ رحيم عائلة مالك بترحاب رسمي، وجلس الجميع في غرفة الصالون..
تنحنح رحيم بصوت خشن وهو يقول:
منورين يا جماعة
رد عليه ابراهيم بنبرة هادئة:
البيت منور بأصحابه، ازيك يا حاج رحيم؟
أجابه الأخير قائلاً بنبرة شبه منهكة:
الحمدلله في أحسن حال
يدوم يا رب
راقبت روان عمرو بنظرات حادة، فقد كانت تبغض وجوده، وبادلها هو نفس الشعور بالإضافة إلى كرهه لوجود مالك، لكن ما بيده حيلة..
بعد لحظات ولجت تحية وهي تحمل صينية كبيرة مليئة بالمشروبات، تناولها منها ابنها عمرو وأسندها على الطاولة التي تنتصف الغرفة..
نهضت ميسرة لتقبلها، وهتفت بسعادة:
ازي أحوالك يا ست تحية
بخير يا حبيبتي
قالتها الأخيرة وهي تقبلها من وجنتيها
ثم أضافت بحماس:
ده البيت نور بوجودكم فيه، ده احنا زرنا النبي
رد الجميع بخفوت:
عليه الصلاة والسلام
تساءل ابراهيم بإهتمام وهو يتلفت حوله:
أومال عروستنا الجميلة فين؟
ردت عليه تحية بحماس:
جاية اهي
تجهم وجه عمرو بصورة واضحة، ولم يكلف نفسه العناء لتصنع الرضا..
تحركت إيثار في الغرفة ذهاباً وإياباً بتوتر بائن عليها..
جلست على طرف فراشها، وتمتمت مع نفسها بإرتباك:
يا رب مايكونش حلم، يا رب كملها على خير
حانت منها إلتفاتة للجانب، وسلطت أنظارها على الكومود، ففي درجه العلوي تضع تلك الرسائل الغرامية التي جمعتها من مالك، وشرد عقلها لوهلة في مواقفهما السابقة، ووجدت نفسها تبتسم تلقائياً..
استمعت هي إلى صوت والدتها ينادي عليها من الخارج.
فازدردت ريقها بتوتر أكثر، وأخذت نفساً عميقاً حبسته في صدرها لتسيطر على انفعالاتها العصبية، ونهضت بحذر عن الفراش، ثم ألقت نظرة أخيرة على هيئتها في المرآة، واستعدت للخروج.
ولجت إيثار إلى داخل غرفة الصالون وعلى وجهها حياء جلي..
جلست بإستحياء على أقرب أريكة بعد أن رحبت بميسرة وروان..
اختلس مالك النظرات نحوها، وحاول ألا يبدو أمام أخيها وقحاً بالتحديق فيها..
استطرد ابراهيم حديثه قائلاً بهدوء جدي:
شوف يا حاج رحيم إحنا جايين النهاردة عشان نطلب إيد بنتك المصون إيثار لابننا الغالي مالك، فإيه رأيك
كانت تحية على وشك الرد، ولكن أشار لها رحيم بكف يده، وأجابه قائلاً بنبرة ثابتة:.
والله المواضيع دي محتاجة ناخد وندي مع بعض الأول في تفاصيلها
إن شاء الله مش هانختلف
تدخل عمرو قائلاً بنبرة شبه متهكمة:
وهو ال، الأستاذ مالك قادر يفتح بيت، ولا هياخد المصروف منكم؟!
رد عليه مالك بهدوء حذر:
أنا قولت لحضرتك قبل كده يا استاذ عمرو إن عندي شقة أهلي في القاهرة، هابعها، وأجيب حاجة مناسبة هنا، غير إني بأتدرب في مكتب محاسبة، وآآ…
قاطعه عمرو بنبرة جافة وهو يحدجه بنظرات قاتمة:.
كل ده أنا عارفه، بس هاتقدر على مصاريف الجواز، ولا هاتقضيها حب؟!
تلك المرة رد عليه إبراهيم بجدية:
أستاذ عمرو، احنا مش هانسيب ابننا لوحده، هنسانده لحد ما يقف على رجله
بينما أضافت ميسرة بنبرة شبه حادة:
مالك ابن أخويا الله يرحمه هو رزق من ربنا ليا، وأنا استحالة مكونش واقفة معاه
استشعرت إيثار اضطراب الأجواء، وبدى رفض أخيها جلياً للعيان..
تضرعت لله في نفسها ألا يسوء الوضع..
لم يختلف حال مالك عنها كثيراً، فقد كان مثلها، ولكنه تحامل أكثر على نفسه كي يبدو هادئاً أمام عمرو، فمبتغاه في النهاية هو الظفر بحبيبته..
ظلت الأوضاع ما بين شد وجذب حتى اتفق الطرفان في النهاية على قراءة الفاتحة ولكن بشروط تضمنت عدم مقابلة مالك لإيثار بمفردهما، أن تكون اللقاءات بينهما مقتصرة على الزيارات المنزلية، وكذلك إعطاء مهلة لمالك لبيع منزله القديم وشراء أخر وتجهيزه في أقرب وقت..
تنفست إيثار الصعداء بعد أن قرأ الجميع الفاتحة، وصدح صوت الزغاريد في المكان..
نهضت تحية لتوزع المشروبات والحلوى على الجالسين..
دنت روان من إيثار، وقبلتها بشغف من وجنتها، وهمست لها بسعادة:
مبروك يا ريري، هاتبقي أحلى عروسة
ميرسي
قالتها إيثار بخجل واضح في نبرتها
إعتلى ثغر مالك إبتسامة سعيدة، وسلط أنظاره على عروسه المرتقبة..
في حين كانت نظرات عمرو له حادة للغاية، لكنه عقد النية في نفسه ألا يجعل تلك الخطبة تستمر طويلاً..
استمعت سارة وهي ممددة على فراشها إلى صوت زغاريد عالية، فإعتدلت في نومتها، وأغلقت هاتفها المحمول، وانتبهت جيداً لمصدر الصوت..
تكررت الزغاريد مرة أخرى، فهبت من فراشها، واتجهت إلى الخارج، وتساءلت بإستفهام:
سامعة صوت الزغاريد دي يا ماما؟
ردت عليها والدتها إيمان قائلة بهدوء:
ايوه
ثم هزت كتفيها في عدم إكتراث وهي تتابع:
بس مش عارفة جاية منين!
صدح الصوت لمرة ثالثة، فتحركت سارة ناحية باب المنزل، وفتحته، ووقفت على عتبته، وإشرأبت بعنقها للأعلى، ولكنها انتبهت لقدومه من الأسفل، فتحركت نحو الدرابزون، وسلطت أنظارها على الطابق السفلي، وتمتمت بضيق واضح على تعابير وجهها:
لأحسن يكون اللي في بالي!
عاد مالك مع عائلته إلى منزلهم بعد ذلك اللقاء العصيب، وشكر عمته وزوجها بإمتنان كبير، وأضاف بسعادة:
أنا مش عارف من غيركم كنت هاعمل ايه
احتضنه إبراهيم بذراعه، ونظر له بحنان أبوي وهو يجيبه معاتباً:
عيب تقول كده، ده انت ابننا الغالي
هتفت روان بنزق:
بس اخوها ده يتفاتله بلاد
ردت عليها ميسرة قائلة بتنهيدة منهكة:
مالناش دعوة بيه، احنا يهمنا إيثار
أضاف مالك مؤكداً:
بالظبط، هو ولا يفرق معايا، أنا عاوز إيثار وبس.
تابع إبراهيم حديثه قائلاً بتحذير:
أهم حاجة يا بني تلتزم بالاتفاق معاهم، انت عارف أخوها بيتلكك
لوى ثغره وهو يقول بإمتعاض:
مع إنه قاصد انه يقرفني بس هاستحمل عشان خاطرها.
خاصم النوم جفني إيثار، فقضت ليلتها هائمة في أحلامها الوردية مع حبيبها..
لم تصدق أنها بالفعل ستخطب إليه..
فقد اتفق مع والدها على كل شيء، واليوم كانت أولى خطوات تحقيق أحلامها..
ظنت أن السعادة عرفت طريقها إليها بعد فترات مجحفة من الظلم البين..
ما لم تعرفه أنها ستطعن من أقرب الناس إليها..
في اليوم التالي، عاد عمرو إلى عمله، فإستقبله محسن بعتاب زائف وهو يصافحه:
بقى كده يا عم تغيب وتقول عدولي!
أجابه عمرو بتنهيدة مطولة:
دول هما يومين مش أكتر
جلس محسن على المقعد المقابل لمكتبه، وسلط أنظاره عليه ليتفرس ملامحه العابسة، وتابع قائلاً بمكر:
أنا حاولت أكلمك بس إنت طنشتني
رد عليه عمرو بفتور:
معلش، كنا مشغولين
سأله محسن بإهتمام وقد ضاقت نظراته:
خير يا أبو نسب؟
تعجب عمرو مجدداً من تكرار مناداته بهذا اللقب، وشعر بالحرج منه..
فأسبل عينيه بعيداً، وأجابه بحذر:
احم، آآ، كنا بنقرى فاتحة أختي!
اتسعت مقلتي محسن في صدمة، وكأن دلواً مليئاً بالماء المثلج قد سقط فوق رأسه فصعقه..
هتف بنزق وقد تبدلت تعابير وجهه لتتجهم:
هي اتخطبت؟
رد عليه عمرو بنبرة شبه منزعجة:
ايوه، مع اني مش موافق
أصر محسن قائلاً بضيق:
لأ احكيلي كل حاجة بالتفصيل
لوى عمرو ثغره وهو يردد بعدم إكتراث:.
معدتش يفرق الكلام في الموضوع ده!
إعترض محسن قائلاً بحنق:
لأ يفرق معايا، ده أنا كنت ناوي أخطبها!
إندهش عمرو من عبارته الأخيرة، وفغر ثغره مصدوماً، وردد بتلعثم:
هاه، ت، تخطبها!
أومأ برأسه بحركة واضحة وهو يكمل:
ايوه، بس كنت مستني الفرصة المناسبة عشان أفاتحك فيها!
شعر عمرو أنه في مأزق حقيقي، وبدى حائراً في التصرف معه، فوالده قد وافق على الخطبة رغم اعتراضه عليها، وفي نفس الوقت هو يرى في زميله الشخص المناسب لها…
لم يتركه محسن لهواجسه، وهتف بلؤم:
شوف يا عمرو دي لسه خطوبة، وأي حاجة ممكن تحصل فيها، فمتشلش هم!
قطب عمرو جبينه، وسأله بعدم فهم:
قصدك ايه؟
التوى ثغر الأخير بإبتسامة ماكرة وهو يجيبه:
هافهمك!
عرفت سارة بخطبة إيثار فإستشاطت غضباً، وثارت ثائرتها، وهتفت بإهتياج وهي تلوح بذراعها:
بقى دي تتخطب يا ماما، وأنا، أنا اللي أحسن منها أفضل كده!
ردت عليها إيمان مواسية إياها:
بكرة يجيلك نصيبك يا حبيبتي
هزت رأسها معترضة، وصاحت بغل:
لالالا، يعني عمي رحيم رضى باللي كانت بتعمله، ووافق يجوزها لمالك، وأنا قدامه من سنين!
تقوس فم والدتها وهي تقول بإمتعاض:
خلاص بقى يا سارة، شيليها من دماغك
اعترضت بإصرار أشد:.
لأ مش هاسكت يا ماما، الموضوع ده فيه إن!
سألتها والدتها بإهتمام:
تقصدي ايه؟
ضاقت نظرات سارة وتحولت للقتامة، وتساءلت بخبث:
ايه اللي يخليهم يوافقوا على مالك بعد اللي عرفوه عنه، والكلام اللي اتقال؟!
ردت والدتها بنبرة عادية:
يعني، جايز بيحبها!
تشنجت تعابير وجه سارة أكثر، وهتفت بسخط:
حب ايه يا ماما، أكيد في حاجة غلط عملوها، فضيحة وبيداروا عليها
ردت عليها والدتها متساءلة بإستنكار:
قصدك بيتستروا عليها؟
أضافت سارة قائلة بإزدراء:
مش بعيد، هي أول مرة يعني! ماهو حصل قبل كده في القاهرة، إنتي نسيتي يا ماما
لطمت والدتها على صدرها، وهتفت بصدمة:
يا لهوي!
أكملت سارة بنبرة أكثر خبثاً:
قولي كده لبابا وشوفي هايقولك ايه، وأنا متأكدة إنه رأيه هايكون زي
هتفت والدتها بذهول:
حقة لو كان ده حقيقي!
ثم هزت رأسها بإيماءة خفيفة، وأضافت بعزم:
أما يرجع أبوكي من سفره هاقوله
عقدت سارة ساعديها أمام صدرها، وصاحت بغضب:.
أنا مش نازلة أباركلها
براحتك
ثم حدثت نفسها بتوعد:
من الأخر كده أنا مش هاخلي بنت تحية تتهنى بمالك، ومابقاش أنا سارة إن ما عملت كده!
خلال الأيام التالية، اجتهد مالك في عمله كثيراً، وطلب من صاحب مكتب المحاسبة تكليفه بمهام أكثر خارجية مع من يعرفه من رجال الأعمال أو حتى التجار ومستخلصي الجمارك حتى يتمكن من توفير أكبر قدر من المبالغ المالية ليشتري بها ( مصوغات ذهبية ) تليق بحبيبته..
لم يعبأ بالمجهود المضاعف الذي يبذله، فكل شيء يهون من أجل الظفر بمن ملكت قلبه…
ورغم قلة اللقاءات المنزلية بينهما، إلا أنه كان راضياً بها، فبعد أن كان محرماً عليه رؤيتها، أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه معها..
رسم الاثنين سوياً الخطوط العريضة لحياتهما معاً..
كذلك لم يتركهما عمرو بمفردهما إلا في لحظات معدودة، حينما تناديه والدته، فيضطر أسفاً لترك الغرفة..
همس مالك لإيثار بإنزعاج:
أخوكي صعب أوي
ابتسمت له إبتسامة رقيقة وهي ترد عليه بخفوت:
معلش، استحمل يا حبيبي.
إرتفع حاجبه للأعلى، وسألها بتلهف:
بتقولي ايه؟
ردت عليه بإيجاز:
استحمل
هز رأسه نافياً، وهمس بإصرار:
لأ اللي بعدها
توردت وجنتيها خجلاً منه، وأسبلت عينيها للأسفل وهي تقول بصوت خفيض:
ماتكسفنيش بقى
أصر مالك قائلاً بتنهيدة حارة:
ماتحرمنيش يا حبيبتي إني أسمعها منك، قوليها تاني!
ضغطت إيثار على شفتيها بإرتباك، وفركت أصابع يديها بتوتر، ثم همست بتلعثم:
ح، حبيبي
أرجع مالك ظهره للخلف، وهتف بحماس:.
الله! كمان مرة وحياتي عندك
لمحت إيثار أخيها وهو يقترب، فإبتعدت عن مالك، وهتفت بقلق:
ششش، عمرو جاي!
نفخ مالك بضيق، وغمغم بخفوت:
برميل الرخامة
وقف عمرو قبالة مالك، وحدجه بنظرات باردة، ثم هتف بإيجاز:
أهلاً
رد عليه مالك بإبتسامة باردة:
شكراً
سأله عمرو بنبرة وقحة:
انت هاتفضل أعد كتير، ماوراكش حاجة تعملها؟
شعر مالك بالحرج الشديد من عبارته الأخيرة، وكأنه يتعمد فيها أن يطرده ولكن بأسلوب مستفز، فأدار رأسه ناحية إيثار، فرأى في عينيها نظرات حزينة، فلم يرد أن يزيد الطين بلة، فنهض عن الأريكة، وتنحنح قائلاً بخشونة:
احم، لأ هاقوم..!
ثم رسم على ثغره إبتسامة مهذبة وهو يضيف:
سلملي على الحاج رحيم!
رد عليه عمرو بنبرة جافة:
إن شاء الله، مع السلامة
ثم تحرك مالك مسرعاً إلى الخارج..
استشاطت إيثار غضباً، ونظرت إلى أخيها شزراً، وصاحت فيه بعتاب:
ليه كده بس يا عمرو؟ انت ناقص تقوله اطلع برا!
رد عليها بفظاظة:
عاوزاني أعمله ايه، هو هايفضل مبلط هنا
صاحت فيه بحنق:
عامله كويس! دي فيها ايه!
ضاقت نظرات عمرو، وهتف مهدداً:
ده أسلوبي معاه، ولو مش عاجبك أفركشهالك الخطوبة دي!
اتسعت حدقتيها في صدمة، واستشعرت جدية ما يقول، فهتفت مدافعة:.
الله! في ايه يا عمرو، ده مالك بيعمل أقصى ما عنده عشان ينفذ طلباتنا كلها، ومش بيعترض، وإنت بتقول تفركشهالي؟
رد عليها ببرود مستفز:
اه، لأنه مش عاجبني
هتفت إيثار بغيظ بعد رده المثير للضيق:
أنا اللي هاتجوزه مش انت
حضرت تحية على إثر صوتهما العالي، وتساءلت مستفهمة:
في ايه يا ولاد بتتخانقوا ليه؟
لوحت إيثار بيدها وهي تجيبها بصوت حاد:
يا ماما عمرو بيعامل مالك باسلوب مش ظريف، وده وحش في حقه
هدر بها عمرو بصوت غاضب:.
وانتي هاتعلميني إزاي أتعامل مع الناس؟ معدتش إلا انتي!
هتفت تحية بجدية وهي تشير بكفيها:
خلاص يا ولاد!
ثم التفتت برأسها ناحية إيثار، وأضافت بهدوء:
هو يعامله زي ما هو عاوز
احتجت إيثار قائلة:
بس آآآ…
قاطعتها والدتها بجدية:
ماتعدليش على أخوكي، هو بيعمل اللي فيه مصلحتك
هتفت إيثار بعصبية:
ده ظلم والله
أشارت لها والدتها بإصبعها وهي تأمرها
روحي يا إيثار على أوضتك، وشوفي اللي وراكي، وقفلي السيرة في الموضوع ده!
تعصبت إيثار في مكانها، وركلت الأرضية بقدمها، ثم تحركت للأمام وهي تتمتم مع نفسها بغيظ:
كده كتير والله، يا رب هون باللي جاي.
كذلك سعى زوج عمته إبراهيم في البحث عن منزل مناسب ليشتريه له بعد أن يبيع منزل عائلته الراحلة الموجود بالقاهرة..
وبالفعل وجد ضالته المنشودة، ورتب المسائل المادية مع صاحب المنزل، واتفقا سوياً على سعر مناسب للبيع، وأبلغ مالك بهذا، والذي تحمس كثيراً للأمر، وطلب منه تجهيز كل شيء ريثما يبيع منزله بالقاهرة..
كما وضع في إعتباره ألا يغفل حق اخته روان، وعقد العزم على وضع نصيبها في حساب مصرفي بإسمها تستخدمه حينما تبلغ سن الرشد..
عاد مدحت من سفرته القصيرة، وسأل عن أحوال عائلته، فسردت له زوجته إيمان ما حدث في غيابه، وخاصة خطبة إيثار، في البداية فرح لها، ولكن بعد أن أضافت إيمان لمستها الخاصة من أكاذيب باطلة، تبدلت ملامح وجهه للتجهم، وأظلمت نظراته، وتملكه الغضب، وقرر التصرف فوراً وعدم السكوت عن الأمر
هتف مدحت بنبرة محتقنة للغاية:
لو أخويا سكت عن الحكاية دي، فأنا مش هاسكت، وهاتصرف! كله إلا الشرف وسمعة العيلة…!