رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الخامس والثلاثون
اتفق بعدها مالك مع مدير المطعم على الحضور في العطلة اﻹسبوعية للعزف، أما في باقي أيام الأسبوع والخاصة بعمله في الشركة كان يبذل قصاري جهده لتحقيق ذاته، وإثبات كفاءته..
وخلال تلك الفترة استطاع أن يستغل موهبته في عزف أعذب اﻷلحان وأكثرها شجناً وتأثيراً فأصبح له جمهوره الخاص..
عرفت لانا أنه هو منذ رأته صبيحة اليوم التالي في الشركة..
لم يكن وهماً، كان متجسداً أمامها…
طيفه لم يفارقها للحظة، هو أسرها بهالته الحزينة، شيء ما به يدفعها للبقاء إلى جواره..
ألحانه كانت إنعكاساً لما به، هي واثقة من هذا..
لم تتوقف للحظة عن التفكير فيه، أصبح هو شاغلها الأكبر..
وبدأت في التحري عنه بدقة..
عرفت نوع وظيفته، ومهامه، وبدأت توليه الإهتمام دون أن يدري بهذا..
لاحظ مالك وجودها المتكرر في الطاولة اﻷمامية خلال حفلته الأسبوعية بالمطعم، هي باتت معجبته الهامة، بل الأهم على الإطلاق..
دائماً تطالعه بنظرات هائمة، وهو دوماً يبتسم لها بحزن..
وكيف يشعر بها وهو جريح الفؤاد، مكسور الروح..
لقد عرف هويتها منذ اليوم التالي للقائهما..
هي لانا ابنة رب عمله السيد سلمان..
ولذلك حافظ على طبيعة حدود العلاقة بينهما..
دائماً ما كانت تحضر له باقة ورد بيضاء تقدمها له بعد انتهاء فقرته..
فيشكرها بإمتنان، وهي تطمع معه في المزيد..
مرت الأيام وزاد تعلقها به رغم ثباته على موقفه معها..
لكنها لم تلتزم بالقواعد، وحطمت العادات، وأصرت على البقاء قريبة منه، والتودد أكثر إليه..
لم يتجاوز آداب الحديث معها، لكنها كانت الأقرب إليه خلال تلك الفترة الموحشة..
وبقلبها الطيب هونت عليه غربته، واستطاعت أن تحفر مكاناً لها في قلبه وعقله..
لكن مازال هناك بقايا جرح حب الذي يحول دون شعوره بالسكينة..
تعلمت الحديث بالعربية لأجله، واجتهد ليتواصل معها بقليل من اللغة التركية ومزيج من الانجليزية والعربية..
نال الاستحسان في عمله، وحقق فيه نجاحاً معقولاً، وأصبح معروفاً بين أقرانه بالموظف العازف..
وذات يوم تفاجيء بها عقب انتهائه من عزف تلك المقطوعة المميزة تطلب منه:
مالك، أريد الزواج منك!
نظر لها مدهوشاً، لم يستوعب ما قالته بعد، وظن أنها تمازحه، لكنه وجد الجدية في ملامحها وفي إصرارها العنيد، ففغر فمه ليقول:
ماذا؟ تتزوجين بي؟
حدقت فيه بنظرات عاشقة رومانسية، وأومأت برأسها بخفة وهي تجيبه موضحة:
نعم، أنا أحبك مالك، أنا أعشقك بكل جوارحي لا أستطيع العيش بدونك
رمش بعينيه غير مصدقاً ما لفظه لسانها..
هو متأكد من مشاعرها نحوه، لكنه لا يكن لها أي مشاعر سوى الصداقة، فحاول أن يثنيها عن رأيها، وأردف قائلاً:
ولكني لا آآ…
قاطعته قائلة بعناد وهي تضع إصبعها على شفتيه لتمنعه من الحديث:
أرجوك لا تقاطعني، دعني أكمل!
هز رأسه بالإيجاب، فابتسمت له بنعومة، ثم تابعت بنبرة رقيقة:
أنا أعشقك مالك، منذ رأيتك وأنا أحبك، لا أعرف كيف حدث هذا، لكن أنت العالم بالنسبة لي..
صمتت للحظة قبل أن تستأنف حديثها بنبرة شبه حزينة وقد لمعت عيناها:
أعلم أن هناك جزءاً منك لا يشعر بي، ولكني لا أملك سلطان قلبي، فهو قد اختارك أنت ليحبك!
عض على شفتيه متأثراً، وهمس لها:
لانا، أنتِ فقط اعتدتِ على وجودي معك، وآآ…
قاطعته قائلة بتنهيدة حارة:
مالك، أنا أحبك، ألا تفهم ما أقول، أحبك وكفى!
لم يستطع مالك أن يقاوم تلك المشاعر الصادقة فهو كان بحاجة ماسة إليها لتهون عليه الكثير..
استجمع شجاعته، وتقدم إلى خطبتها من أبيها السيد سلمان الذي أبلغه بموافقته قائلاً بجدية:
لم أكن لأوافق على زواجك بها لولا أني أراى سعادتها معك وإصرارها عليك فقط، أنت أعدتُ البسمة إليها
شعر مالك بحجم المسئولية الملاقاة على عاتقه، ورد عليه بهدوء:
أعلم هذا سيدي
تابع سلمان قائلاً بتحذير:.
مالك، أنت تأخذ قطعة غالية مني، بل هي كل قلبي، فحافظ عليها!
أومأ مالك برأسه وهو يتعهد له:
أعدك سيد سلمان أن أكون نعم الزوج لها!
حذره سلمان مجدداً بنبرة شديدة اللهجة:
إن قصرت في حقها أو أحزنتها يوماً، صدقني ستعاني الكثير!
ابتسم له وهو يرد بهدوء:
لا تقلق، سأوفر لها كل ما تريده
ربت سلمان على كتف مالك، وقال مبتسماً:
أنت بالفعل شاب جيد، لن أجد من أئتمن عليه ابنتي مثلك، ولكن قبل أن تتزوجها عليك أن تعرف بمرضها!
رد عليه مالك بهدوء دون أن تطرف عيناه:
السكري، لقد أخبرتي لانا
مط فمه ليقول بتعجب:
هي لم تخفِ عنك شيء!
برر له مالك سبب معرفته بمرضها وهو يقول بهدوء:
سيد سلمان لا تنسَ أني ساعدتك من قبل حينما فقدت الوعي في المصعد
هز سلمان رأسه بإيماءات ثابتة ومتكررة وهو يردد:
أها، أذكر ذلك اليوم التعيس، لقد كدت أموت رعباً عليها
ابتسم مالك وهو يكمل بجدية:
اطمئن، سأرعاها، وأسعدها
رفع سلمان حاجبه للأعلى وهو يضيف:.
أنا واثق أنك ستفعل
لم يكن السيد سلمان ليعارض تلك الزيجة بعد تصريح ابنته له بحبها لمالك ورغبتها في الزواج منه..
هي ابنته الوحيدة، وسعادتها هي أسمى ما يصبو إليه
كانت مسألة تقدم مالك لخطبة ابنته رسمياً ما هي إلا أمر صوري ليحفظ لها كرامتها، لكنها لم تكن لتأبه بهذا، هي تريده وتريد حبه..
كذلك قام السيد سلمان بترقية مالك في منصب أعلى ليليق بوضعه الجديد، واجتهد هو ليثبت أنه يستحق تلك الثقة الكبيرة..
وبالفعل في خلال شهرين كانت لانا تزف إلى زوجها مالك في نهار ذلك اليوم المشمس في تلك الحديقة الجميلة..
سعادتها كانت لا توصف، فهي ستكمل حياتها مع من اختاره قلبها..
ارتدت خاتمه، وظنت أنها ملكت قلبه، لكنها كانت مخطئة..
أكثر ما كان يؤلمه أنه لم يشعر بحبها الجارف إليه..
كان يحترمها، ولكنه لم يتمكن من مبادلتها تلك المشاعر بصدق..
مازال طيف الماضي يسيطر عليه..
ومازالت بقايا عشقها له تتخلل جسده المنهك..
بذلت لانا قصاري جهدها لتملأ حياته العاطفية، لتعوضه عما يعانيه، ولكنها لم تصل أبداً معه لدرجة الكمال..
دائماً تشعر بوجود تلك الفجوة بينهما، حتى وإن كان معها بجسده، فقلبه معها، صاحبة الصورة المنبعجة، تلك التي يحدق بها في الساعات المتأخرة من الليل..
تلك التي تراه يبكي في صمت
ألتلك الدرجة كان يعشقها فلم يستطع أن يرَ حبها له؟
تحملت من أجله، وبكت حزناً حينما كانت تختلي بنفسها..
ألا يرق قلبه لها يوماً؟
هو كان لطيفاً مهذباً يعاملها برفق وحنية، لكنها لم تشعر بدفء مشاعره..
أرادت أن توطد وتعمق حبهما بشيء أخر..
أن تعطيه ما ينسيه آلام الماضي، فقررت أن تخاطر بحياتها، وتجازف بالحمل..
لقد حذرها الطبيب مسبقاً بعدم التسرع في مسألة الحمل لخطورته على صحتها، ولكنها لم تهتم، هي كانت تسعى لإرضائه، والشعور بحبه الصادق إليها فقط ولو للحظات…
كان يجلس شارداً في مكتبه، و ممسكاً بصورتها..
وجوم وعبوس يسيطر عليه حينما يتذكر خيانتها له، هو أحبها بكيانه، وهي تخلت عنه..
رأته لانا على حالته تلك، فاعتصر قلبها آلماً، وتملكها شعوراً بالقهر والعجز، لكنها حافظت على ثابتها، وأخفت ببراعة حزنها، ورسمت ابتسامة سعيدة على ثغرها، ثم هتفت بمرح:
حبيبي مالك
انتبه لوجودها، فأخفى سريعاً الصورة في درج مكتبه، ثم استدار برأسه ناحيتها، ورد بصوت شبه متحشرج:
لانا!
اقتربت منه وهي تقول بنبرة رقيقة:
عندي لك خبراً سيسعدك
نهض عن مقعده، وحدق بها بثبات، وسألها بجدية:
ما هو؟
ابتسمت قائلة بعبث:
خمن!
مط فمه ليجيبها بإبتسامة مهذبة:
مممم، هل ربحنا الصفقة الأخيرة؟
هزت رأسها نافية وهي تقول معترضة:
لا
سألها مجدداً بمرح:
هل سنأخذ عطلة؟
لكزته في كتفه برقة وهي تعاتبه:
اوه، كسول!
حاوطها من خصرها بذراعيه، وتنهد بتعب وهو يردد:
لقد فشلت، هيا أخبريني حبيبتي!
أمسكت بكف يده الذي يحاوطها، فاستسلم لمسكتها، ووضعته على وجنتها لتشعر بملمسه الجاف على بشرتها الناعمة، ثم أغمضت عيناها لتستمع بإحساسها المرهف..
طالعها بنظرات غريبة، وسألها متوجساً:
ما الأمر لانا؟
أخفضت يده ببطء للأسفل، وفتحت عيناها، ثم رسمت ابتسامة رقيقة على شفتيها، وهمست له بنعمومة:
س، ستصبح أباً حبيبي!
فغر فمه مصدوماً، وشعر بيده موضوعة على بطنها، فحدق فيها بذهول، ثم رفع بصره لينظر نحوها بعدم تصديق..
تابعت قائلة بنظرات دامعة:
أنا حامل منك!
تنهد بعمق، وتلاحقت أنفاسه بعدم تصديق، وتحولت قسماته الحزينة إلى تعابير مهللة فرحة، وهتف بصدمة سعيدة:
أنا أب، لا يمكن، أنا سأكون أباً!
رأت في عينيه فرحته الحقيقية، فأيقنت أنها قد وصلت إلى مبتغاها حتى لو كان المقابل، حياتها..
مرت عليها أشهر الحمل بصعوبة بالغة، كانت تموت كل يوم من فرط الآلم، لكنه لا يقارن بآلم قلبها..
رأت اهتمامه بها، خوفه عليها، لكنها لم تشعر بعد بحبه الكامل لها..
هناك ذلك الحاجز الخفي بينهما..
ذلك الشيء الذي يحول دون إتمام سعادتها..
أبلغه الطبيب بخطورة حملها، وصعوبته في الأشهر الأخيرة، وربما تأثيره على حياتها، خاصة أنها مريضة بالسكري، فشعر مالك بالذنب الشديد..
هو دفعها لهذا، هي يئست من الحصول على حبه، وفعلت ما استطاعت لتناله..
تقرب إليها كثيراً، واجتهد ليعوضها عما فات..
أراد أن يشعرها بأنها تمثل دنيته الجديدة، وأنه سيظل دوماً معها يمنحها كل ما تريد مثلما منحته هي ذلك الجنين الغالي.
حانت لحظة ميلاد صغيرتها، فمنذ أن علمت بأنها ستنجب فتاة وهي تتمنى أن تكون شبيهة لأبيها الذي تعشقه حد الجنون..
تنهدت في إرتياح لأنها أخيراً قد حظت على اهتمامه الكامل، ولم يعد يشرد في صاحبة الصورة..
بل كان مرافقاً لها، ملازماً لها في كل الأوقات يشاركها أدق التفاصيل..
ومع ذلك كانت تشعر أن سعادتها مؤقتة، لن تدوم..
قلبها ينبؤها بهذا..
وقبل أن تلج إلى غرفة العمليات طلبت منه أن تتحدث إليه على انفراد..
تعجب من طلبها، فهو دائماً معها..
لكنها أرادت تلك المرة أن تكون صادقة معه ومع نفسها..
جلس على طرف فراشها الطبي، وأمسك بكف يدها، واحتضنه براحتيه، ثم رفعه إلى فمه ليقبله، ومسح بيده على جبينها، وانحنى ليقبلها وهو يهمس لها:
سأكون إلى جوارك، تشجعي!
نظرت له بحزن وهي تقول بصوت يحمل الإنكسار:
مالك، أنا أعلم أنك لم تحبني حقاً.
مسح بيده على وجهها وهو يقول بنبرة معاتبة، لكن قلبه كان يخفق بتوجس شديد، فهي قد تعلم ما جاهد لإخفائه:
لماذا تقولين هذا؟ أنا آآ…
قاطعته قائلاً برجاء هامس:
دعني أكمل من فضلك
صمت رغماً عنه، فتابعت مشفقة على حالها:
قلبك ليس ملكك، وأنت كنت ومازلت تحبها، هي حقاً كانت محظوظة بك!
ترقرقت العبرات في مقلتيها وهي تقول بصوت خفيض:
هي شبح الماضي، وأنا كنت طيف الحاضر، فعدني مالك أن تكون ابنتنا هي حب المستقبل!
همس لها بصعوبة وهو يدرك تماماً صدق ما قالته:
أنا أحبك لانا!
استأنفت لانا حديثها بنبرة حزينة وهي تتأمله بنظراتها العاشقة:
مالك، ابنتي هي أقصى ما استطعت تقديمه لك بعد قلبي!
وضع إصبعه على شفتيها لتتوقف عن الحديث، وانحنى ليقبل مقدمة راسها وهو يتوسلها هامساً:
لا ترددي هذا الكلام!
تابعت قائلة بصوت مختنق:
أحبها بقلبك، لا تجعلها تعاني مثلي من حب بلا مقابل!
أدمعت عيناه وهو يرجوها قائلاً:.
لانا، أرجوكِ توقفي عن قول تلك السخافات! أنا أحبك يا غبية!
ابتسمت له وهي تقول بأسف:
أعلم أنك حاولت
في تلك اللحظة ولج الطبيب إلى الغرفة، وهتف صائحاً بجدية:
حان الموعد
هزت لانا رأسها، ورددت بخفوت:
حسناً!
قبضت على كف زوجها مالك، ووضعته على صدغها، ثم همست له وهي ترمقه بنظرات أخيرة:
الوداع حبيبي!
استشعر من نبرتها أنها تودعه للمرة الأخيرة، أنها تعلن عن رحيلها الأبدي عنه، فانقبض قلبه بخوف، واستعطفها بحنو وهو يجاهد لرسم ابتسامة مطمئنة على ثغره:
لا تقولي هذا، أنا سأنتظرك هنا مع ابنتنا، لانا!
همست له بصدق وهي تتأمله بنظرات رومانسية لامعة:
أحبك مالك!
وكأنها كانت تعلم أنها النهاية، فخرج الطبيب بعد برهة ليبشره بميلاد الصغيرة، ويواسيه في خسارة الأم الجميلة..
يا لها من فاجعة قضت عليه..
هي أهدته قطعة منها، ورحلت مبتعدة لترقد في سلام تاركة إياه يعاني من جديد مرارة فقدان الغالي..
إنهار في مكانه باكياً بحرقة، و متمنياً لو استطاع إعادة الزمن للوراء ليقدم لها حباً لم يستطع تقديمه بحق في حياتها..
دفن وجهه بين راحتيه يشهق بأنين يدمي الفؤاد..
اقتربت منه الممرضة تحمل ملاكه الصغير، فرفع عيناه الدامعتين نحوها، ومد ذراعيه المرتعشتين ليلتقط منها صغيرته..
تعلق قلبه بها، بل إختطفت حبه بهالتها البريئة..
أسماها ( ريفان ) مثلما أرادت أمها الراحلة..
لم يتحمل والدها السيد سلمان الخبر، فإنهارت قواه، ومرض بشدة، وظل طريح الفراش عاجزاً عن الحركة حتى أسلم الروح لربه…
صدق من قال لا تأتي المصائب فرادى!
أصبح مالك بين عشية وضحاها أباً أرملاً ومسئولاً عن أهم المؤسسات العريقة..
تولى هو إدارة كل شيء، وجاهد للحفاظ عليه، فهو وابنته هما الورثة الشرعيين لكل تلك الثروة الطائلة، وهو لن يضيعها هباءاً..
مرت عليه ليال طوال كابد فيها آلام الفراق والخسارة حتى يراعي كل شيء إلى أن لم يعد بمقدوره المقاومة أكثر من هذا والبقاء بعيداً عن أحبته..
فيكفيه تلك الخسارة العزيزة ليستمر في عناده وغربته الموحشة..
لذا قرر تصفية كل شيء، والعودة إلى موطنه للبدء من جديد…
أفاق مالك من ذكريات ثلاث سنوات وهو يبكي بآسى..
أغمض عيناه، وتنهد بعمق لعله يخرج تلك الهموم الثقيلة التي تجثو على صدره..
رأت عبراته تنساب بغزازة لتغرق وجهه بالكامل..
بكت هي الأخرى تأثراً به..
(( آهٍ يا حبيبي، لو كنت أعلم ما تركتك لحظة ))
أخذ نفساً مطولاً، وزفره مرة واحدة وهو يكمل بصعوبة:
مقدرتش أنساكي للحظة، في كل وقت كنتي معايا، حتى، حتى في أحلامي!
اختنقت نبرته عندما تابع:.
وهي ظلمتها معايا، حبتني، وأنا مقدرتش أقدملها الحب اللي كانت عاوزاه!
أخرج تنهيدة مريرة من صدره مصحوبة بعبرات أكثر غزارة وهو يقول:
كان صعب أنسى كل حاجة بالساهل! حاولت أكرهك، وعملت ده، بس، بس معرفتش، مقدرتش!
ضغطت إيثار على شفتيها لتمنع شهقتها الحزينة من الخروج، بينما تابع بآسى:
حبك عذبني وكسرني أوي يا إيثار…!
صمت لبرهة لينطق بعدها من بين شفتيه خاطرة أخرى كانت سلوى فؤاده المعذب:.
(( وبيأس أنتظر نسمة هواء تحمل عطرك..
فينعش روحي البائسة..
فرائحتك دوماً تسبقكِ أينما كنتِ..
فتشعلي دون قصد شوقي إليكِ…
حقاً، كسرني عشقك! )).