مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية كاملة جديدة للكاتبة شيماء جوهر والمليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية المليئة بالتضحيات , وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل التاسع والثلاثون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر.
رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل التاسع والثلاثون
رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل التاسع والثلاثون
“سلام…”
صرخت بشدة وقلبها انتفض رعبًا، صوت طلقات الرصاص يدوي في كل مكان مش شدة الفراغ، شديد وعالِ للغاية .
تشعر بالعجز وهي مقيدة لا تستطيع الفرار، حاولت بقدر المستطاع التحرر دون أي جدوى نافعة، حاولت مرة أخرى ومن فرط الحركة وقعت مولية ظهرها للأرض ليسمع أنينها .
لا ترى سوى حذاءه يقترب نحوها حتى جثى على ركبتيه ورفع ذقنها بأطراف أنامله ليقول بنبرة مرعبة:
– متحاوليش .. أصل أنا رابطك بذمة
نظرت له بكل الكره الذي تحمله في قلبها له:
– أنت فاكر بكل اللي بتعمله ده هبقى ليك؟ .. أنت كده بتكرهني فيك بزيادة يا عاصم .. أنا عمري ما عرفت الكره إلا بيك
ضغط على فكها بقوة لتشعر هي بالألم وتتأوى من شدة القبضة، ليقول بغضب:
– صح عندك حق .. قليل أوي اللي بعمله .. أنا هعرفك تحبيني ازاي
فك قيدها بسرعة ثم جذبها نحوه لتعتدل وسحبها خارج هذا المكان المظلم ليصعدا على درجات سلم ليس بطويل، لتدرك أنها كانت في قبو لتخرج إلى منزل بمساحة متوسطة، قليل الأثاث إلى الدور العلوي له، ليفتح إحدى الغرف ويلقي بها إلى الداخل بعنف شديد .
رجعت للخلف وهي تتأمل هذه الغرفة شديدة الكآبة كأن أشعة الشمس فقدت عنوانه، بها فراش وثير وأريكة صغيرة وفي الجانب الآخر حمام داخلي، وعلى الأرضية سجادة صغيرة .
قلبها يرتجف رعبًا وعيناها تصرخ قبل حلقها، لا تعرف ماذا ينوي أن يفعل بها كل ما تعرفه بأنها لا تتوقع أن تخرج من هنا سالمة على الإطلاق، فقد تم حبسها مع مريض نفسي معتوه في مكان ناءِ .. كلما تعود للخلف يقترب منها أكثر والشرر في عيناه، قسمات وجهه جافة شرسة لا تبشر بأي خير .. خلع حلته وألقى بها على الأريكة لتنظر هي على هذه اللقطة السريعة ليرتجف قلبها وتصيح بارتباك:
– أنت هتعمل إيه يا مجنون
ابتسم بخبث وقال:
– هعرفك أنا هعمل إيه دلوقتي ..
********************
تسيران في أرجاء المكان ذهابًا وأيابًا في توتر كبير، حاولن الإتصال بهم أكثر من مرة ولا يوجد رد، حتى هم لم يتصل أحدهم حتى يطمئن قلوبهن حتى، إن اقترحت سميحة جلوسهم هكذا دون أي نفع أو جدوى يجب أن يلحقن بهم إلى الشركة .. إلى أن صاحت بها تهاني:
– وبعدين يا سميحة .. ولا حد أتصل ولا بيردوا حتى .. نور وطارق محدش فيهم بيرد على تليفونه .. حتى محمود
جلست سميحة وقالت:
– حتى أمير كمان مبيردش .. تفتكري وصلوا لحاجة؟
ردت تهاني وهي تجلس قبالها:
– كان زمانه أتصل لو فيه حاجة .. أو مرضاش عشان ميقلقناش .. كان مستخبيلنا كل ده فين يا ربي
شردت سميحة كأنها تحدث نفسها:
– مخدرات يا هاشم!! هي حصلت لكده .. مخدرات!! .. يا عيني عليكِ يا فريدة ضيعتي عمرك هدر مع راجل ملوش أمان زي ده .. مش هو أخويا بس فعلًا ملوش أمان .. الدور جاي على بنته يا تهاني .. وردة في عز شبابها عايز يقصف عمرها زي أمها .. لا حول ولا قوة إلا بالله
بكت فقامت تهاني تجلس بجانبها وتربت عليها برفق، لقد أدمعت هي الأخرى وبحزن:
– سلمى بنتي أنا كمان يا سميحة .. مرار وحل علينا كلنا .. ومحمود ذنبه إيه عشان يربطه في المصيبة دي .. طول عمرنا واكلينها بالحلال وكفيين غيرنا شرنا يقوم يلبسه مخدرات!! منك لله يا هاشم يا جوهري على المرمطة اللي مايعلم بيها إلا ربنا دي .. دي فيها سجن يا سميحة والولاد هيعملوا إيه وأنا أروح لمين .. ده حياتي كلها وعشرة سنين عمري
نهضت سميحة وصاحت بها:
– أنا مش هقدر أستنى أكتر من كده .. روحي أنتِ على شركة هاشم وأنا هشوف أمير فين
نهضت تهاني وقالت بدهشة:
– عايزة تروحي القسم لأبنك يا سميحة؟!
ردت بضيق:
– طالما مبيردش وحارق قلبي يبقى يحصل اللي يحصل .. يلا مش هنقعد حاطين أدينا على خدنا لحد ما البنت يجرالها حاجة
مسكت ذراعها كي تلحق بها:
– يا ستي استني بلاش صربعة .. نتصل بيهم تاني نشوفهم فين وبعدين نعمل اللي عايزاه
أقتنعت سميحة وقامت بالإتصال بأمير، جرس دون إجابة .. نفس الوضع لدى تهاني لم يرد محمود وطارق، لتصيح بها سميحة مؤنبة:
– مش قلتلك .. مفيش فايدة من الإنتظار
استسلمت للأمر الواقع، هي أيضًا أعصابها لم تتحمل أكثر من ذلك:
– طيب يلا أنا جاية معاكِ
استقلت تهاني وسميحة سيارة أجرة متجهة إلى قسم الشرطة الذي يعمل به أمير .
**********************
في مكتب محمود، بعدما عادوا من شركة حامد السيوفي والمحادثة التي لم تجدي نفع لمعرفة مكانها، ولكن على الأقل تهديد هاشم له بتسليم نفسه للعدالة يمكن أن يتراجع فيما فعل، خاصًة أن كان له يد في الاختطاف مع ابنه سيؤثر عليه بكل تأكيد، وهذا هو أملهم الوحيد من هذه الزيارة .
صاح محمود بغضب
– أنا وقعت في عصابة ومكنتش داري .. أنا وبنتك كنا على عمانا أنتوا كلكوا كنتوا مدورينها لحسابكوا في أعمال مشبوهة .. عامل الأدوية ستار يا هاشم!!
صاح به هاشم بغضب مصاحب بلامبالاه فيما يقوم بأتهامه مبررًا
– اومال أنت كنت مفكر صفقة ربحها 90% من أدوية بس !! كانت الطريقة الوحيدة اللي أقدر أكبر بيها الشركة هي دي ولا من شاف ولا من دري .. الحاجة تتحط وسط الأدوية وتعدي من سكات
طرق على سطح المكتب بغضب:
– أنت غشيتني يا هاشم .. لما قريت الملف وقعدت تزن على دماغي إني أدخل شريك فيها بنص أسهم الشركة على أساس أن كمية الأدوية كويسة جدًا والدوا مش موجود منه في مصر لأنه علاج للكانسر وقلت ماشي هنكسب منه أضعافه لأن في مستشفيات كتير مش لاقية علاج والطلب هيزيد مكنتش مستريح من الأول للموضوع ده .. لكن إنك تحطني طعم معاكوا ولما حد يغرق فيكوا أروح أنا في الرجلين !!
ضحك هاشم ثم قال بنفس الأسلوب:
– معلش بقى يا صاحبي العملية كانت كبيرة ومحتاجة فلوس أكتر .. ملقتش غيرك اللي أدخله شريك معايا بس حقك محفوظ متقلقش
لم يصدق محمود ما سمعه للتو، كأنه في حلم غريب لا يستطيع الاستيقاظ منه، لقد خدع بالكامل في صديقه ولم يطن يعلم بأنه سيقوم بتوريطه في نشاط فاسد فقط من أجل ربحه!! .. رمقه بغضب وأزدراء:
– حد الله بيني وبين الحرام يا هاشم .. أنا نصيبي في الصفقة دي الجانب الحلال اللي فيها .. الأدوية لمرضى الكانسر .. إنما أنا مش عايز من خلقتك حاجة .. بقى بتبيع صاحبك عشان شوية فلوس!! مش غريب عليك ما أنت بعت مراتك قبل كده وهي اللي دفعت التمن غالي أوي وبنتك هتحصلها .. مفيش فايدة بجد منك وخسارة فيك العتاب
نظر له بأزدراء وتهكم وغادر الغرفة على الفور ومنها متجهًا إلى شركته .
حاول كثيرًا الإتصال بطارق ولكنه غير متاح، ذات المحاولة مع نور النتيجة واحدة .
********************
وصلت سميحة وتهاني إلى قسم الشرطة، ومنه سألت الأولى عن الرائد أمير، أنتظرن في الخارج قليلًا إلى أن دخلن بعد عدة دقائق .
تفاجيء أمير بوجود والدته بصحبة السيدة تهاني، أشار إليهن بالجلوس حتى ينتهي من التحقيق مع صلاح الذي يجلس في المقعد المقابل له .. حاول بقدر الإمكان أن يتمالك أعصابه ليقول:
– أسمع .. أنا لحد دلوقتي بتكلم معاك براحة عشان متقولوش الشرطة مفترية .. كده كده عاصم هيتجاب لو مقولتش على مكانه يبقى كده هعتبرك شريكه .. ها قلت إيه؟
فكر صلاح مليًا في حديث أمير إلى أن غلبته الحيرة، فأصر على موقفه:
– قلت اللي عندي يا باشا قبل كده .. كل علاقتي بيه في حدود الشركة وبس
لم يصدق أمير أقواله، وهو على أكيد أنه يعرف طريقه ويخشى الحديث فيتم عقابه بواسطة آمره:
– ماشي يا صلاح .. بس متبقاش تندم من اللي هيحصل بعد كده
ضغط على الجرس بجانبه ليدخل الحارس، يأمره قائلًا:
– رجعه الحجز
سحبه الحارس إلى الخارج، فعند سماع أسم عاصم دق قلبها وشعرت بالقلق على ابنة اخيها، وأن هناك خطبًا ما لا تعلمان عنه شيئًا بعد .
نهض من مكانه وذهب إليهن في قلق، جلس قبالهن وقال:
– في إيه يا أمي حد حصله حاجة ؟ جالك أخبار عن سلمى؟
نظرت سميحة لتهاني بدهشة ثم ألتفت إليه قائلة بتهكم:
– اومال أنا جاية هنا بعمل إيه! .. مفيش حد فيكوا فكر يكلمنا يطمنا حتى ولا حد بيرد .. كان لازم اجيلك وأفهم وصلتوا لإيه ..
تدخلت تهاني بقلق:
– مفيش أي أخبار؟ .. فين الباقي ؟
استكملت سميحة في انفعالها:
– اللي جبت سيرته ده كان عاصم خطيب سلمى !! .. اللي حصل ومين الراجل ده وشريكه في إيه
لقد وقع في الفخ، بين نظرات والدته والسيدة تهاني التي لاحقتها بعد ذلك وأدركت الحوار الذي كان يدور بينهم، لتندهش وهي على نفس حال ووضع سميحة لا تفهم شيء، بينما هو لا يستطيع أن يقول لهن شيء قبل إيجادها على الأقل حتى لا يصيبهن بالخوف والقلق عليها أكثر من ذلك .
يتمنى لو كان طارق أو يوسف هنا لأسعفوه من هذا الموقف ولكن سوف يجد مخرجًا منه بقدر المستطاع، تنهد أمير وقال بهدوء:
– ايوة هو بس متشغليش بالك .. الشباب راحوا يدوروا عليها وهيلاقوها إن شاء الله .. احنا مطمنين أن خطها لسة شغال ومتقفلش لغاية دلوقتي .. دي علامة كويسة متقلقوش .. ثم وجودكوا هنا ملوش داعي أنا مش فاهم بس اللي جابكوا القسم ما كنت كلمتكوا لو ورد أي جديد
لم تقتنع سميحة بكلامه ولا حتى تهاني، فردت عليه معترضة:
– كنت هتخاف تقولي لو حصل حاجة عشان مقلقش .. أنا عارفة .. عشان كده أنا جيت هنا عشان أفهم مالكوا كلكوا مختفين فين .. حاسة أن سيرة عاصم ده وراه حاجة .. فاكر زمان أيام ما بنت خالك كانت مخطوباله مبيجيش من قفاه إلا المشاكل ووجع الدماغ
تهاني على نفس منوالها، وتشعر بأن هناك علاقة وهو يخفيها:
– طيب ما تريحنا يا ابني .. عمل إيه عاصم السيوفي .. له علاقة باختفاء سلمى؟ .. أنا متأكدة إنك عارف حاجة ومخبي
أصبح الآن محاصر كليًا ولا يعرف ماذا يفعل، الحل الوحيد أن يتصل بالبقية ليعرف المستجدات لتلك الواقعة كي يطمئن ويطمئنهن أيضًا، ومنها حجة بسيطة للهروب منهن مؤقتًا:
– أنا هتصل بيهم هشوف وصلوا لإيه .. عن إذنكوا
خرج سريعًا وهو يتنفس الصعداء، ألتفت تهاني إليها قائلة:
– على فكرة ابنك عارف حاجة ولو عصرتيه مش ممكن يقولها
ردت سميحة بتفكير:
أنتِ هتقوليلي .. ابني وأنا عارفاه .. ربنا يستر
يوسف غير متاح، كذلك الأمر نور .. لا يوجد سواه يجب أن يصل إلى أحدهم، فلا يستطيع أن يصمد أمامهن أكثر من ذلك، خاصًة والدته فهي تفهم أسلوب حديثه جيدًا عندما يحاول اخفاء عنها شيء .
أخيرًا بعد عدة دقائق رد طارق، وكانت نبرة صوته لا تبشر بالخير على الإطلاق:
– ايوة يا طارق وصلتوا لإيه؟
رد طارق بنبرة انفعالية قليلًا:
– عرفنا ممكن يكون فين .. يا رب بس نلاقيه هناك وإلا مش هنعرف نوصلها والحيوان ده يكون عمل فيها حاجة
أطمئن قليلًا ثم قال بلهفة:
– فين يا طارق وازاي؟
رد طارق بذات الأسلوب:
– من الزفتة اللي كنت خاطبها بعدين هشرحلك .. احنا في طريقتنا دلوقتي للعجمي .. موصلتش لحاجة ؟
رد بضيق وهو يفكر في طريقة تجعله يقر بالإعتراف:
– قبضت على اللي أسمه صلاح .. ده يعتبر دراعه يمين وعارف عنه كل بلاويه .. مش هينطق بالساهل ورافض يقول ولا كلمة .. الظاهر أن عاصم ماسك بلاوي عليه عشان كده خايف يقر .. أنا وراه .. ابعتلي اللوكيشن بسرعة وشوف هعمل إيه مع أمي وأمك ألا أنا اتزنقت زنقة ما يعلم بيها إلا ربنا
صاح به في لهفة:
– اللي حصل حد عرف حاجة؟
رد أمير بجدية:
– لا بس شاكين .. جم القسم يا سيدي تصور!!
صاح في دهشة وعدم تصديق:
– إيه!! أمك راحت القسم!!
نظروا له بدهشة ليصيح يوسف:
– عمتي مالها يا طارق
أشار له بمعنى الإنتظار قليلًا ثم استكمل حديثه مع أمير:
– ايوة يابني اللي حصل طمنّي
أردف مسرعًا:
– محدش بيرد عليهم وقلقكوا خالص وأمي عارفها مبتعرفش تقعد كده .. أيام تعب سلمى واللي حصل ثبتها بالعافية إنما أكتر من كده مش هتتحمل .. ليقتهم طبين عليا زي القدر المستعجل وعينك متشوفش إلا النور
تداخل الأمور في بعضها البعض ولم يعد تركيزه في محله، فأستوقفه قائلًا:
– ثانية واحدة .. أنت بتتكلم بصيغة الجمع هو مين مع مدام سميحة
ضحك أمير رغم عنه:
– مدام تهاني يا حبيبي .. والدتك .. الظاهر أن الأمومة عندهم مقدرتش تتحمل أكتر من كده
اندهش طارق ورد صائحًا:
– إيييه أمي معاها !!
أمسكت به نور بلهفة وقلق وصاحت:
– ماما مالها يا طارق؟!
أشار إليها هي الأخرى وأكمل أمير:
– ايوة .. جم هما الاتنين وشاكين إني مخبي حاجة عليهم .. خاصًة ولو عرفوا اللي حصل هبقى في مشكلة
صاح به طارق في لهفة:
– لا لا لا مش لازم يعرفوا دلوقتي أي حاجة .. أفرض لقدر الله معرفناش نوصل .. أتصرف يا أمير وقولهم أي حاجة
تنهد بحيرة ثم قال:
– طيب أنا هحاول .. أول ما توصل لأي حاجة كلمني على طول .. سلام
عاد إليهم لينظرن إليه بفضول ليشعر هو إنه محاصر بين نظراتهم التي تكاد أن تقتلعه من مكانه، تنهد وحاول التحكم في ثباته الانفعالي قائلًا:
– في طريقهم لسلمى أن شاء الله .. طارق المنطقة اللي هو فيها مفهاش شبكة عشان كده مكنوش بيردوا .. أول ما يوصلوا لأي حاجة هيكلمني على طول .. وجودكوا هنا ملهوش لازمة .. ماما خدي مدام تهاني وروحوا عشان خاطري اديني كلمتهم وكل حاجة تمام
اضطرت سميحة تصديقه، ليطمئن قلبها قليلًا نظرت لتهاني التي فهمت نظراتها .. نهضت كل منها مستعدة للمغادرة قائلة:
– ماشي يا أمير .. لو وصلت لأي حاجة أبقى طمنّا .. خد بالك من نفسك
خرجن وهو عاد إلى مكتبه يفكر، حامدًا لله أن الموقف مر بسلام، وهو يعلم جيدًا بأنها مازالت على موقفها منه.
***********************
قاد سياراه مسرعًا إلى مكتبه، فكر اطمئنان زوجته ولكن لا يعرف ماذا يقول لها، هو لا يصدق بأن سلمى قد خُطِفت من ابن شريكه، وهو الآن متورط في تهريب مواد مخدرة وسط شحنات الأدوية، كيف لم يفكر في التأني من دراسة الموضوع بشكل جدي ؟ .. اقناع هاشم له وعن مدى الربح الذي سوف يحصلون عليه نظرًا لشُح وجوده في مصر شجعه على ذلك، وفي ذات الوقت كان غير مطمئن من نفاذها بسرعة لم يتوقعها مثل الصفقات السابقة .
استغرق بعض الوقت كي يحسم أمره ويقوم بالإتصال بزوجته ليطمئنها:
– ايوة يا محمود إيه الأخبار؟
قرر أن يقول لها نصف الحقيقة:
– احنا في مصيبة .. الظرف مش موجود في مكانه .. سلمى كانت في المكتب أخدته واختفت .. الكارثة لو لقوه معاها مش بعيد يموتوها
شهقت تهاني بخضة وخوف لتصيح به:
– أنت بتقول إيه .. طيب حد وصلها منهم؟
رد محمود بحيرة وقلق:
ـ مش عارفين لسة أي حاجة ولا عارفين طريقها
اندهشت تهاني لتقول بتلقائية:
ـ الولاد عرفوا مكانها وراحوا يجيبوها .. إن شاء الله ترجع سالمة غانمة .. أنا أعصابي باظت من التوتر خلاص
اندهش هو الآخر من المعلومات المستجدة التي طرأت عليه ليتسائل باهتمام شديد:
ـ أنتِ قولتي لاقوها ؟ عرفتي منين وازاي؟
ردت تهاني بتلقائية:
ـ سميحة صممت إننا نروح لأمير القسم .. ما هو محدش فيكوا بيرد علينا ولا حتى أتصل طمنّا على الأقل .. وهو أتصل بيهم وعرفنا .. بس حاسين إنه عارف حاجة ومخبي علينا من ساعة ما شوفنا اللي أسمه صلاح وهو بيحقق معاه وجاب سيرة عاصم في الموضوع ربط محمود الأحداث في بعضها البعض وأدرك بأنه توصل على طرف الخيط، عليه هو أيضًا التحرك معهم، الأهم الآن أن ينهي المكالمة مع تهاني ليستعد ولا يجعلها تشعر بأي شيء:
ـ طيب كويس جدًا .. أنا مضطر أقفل معاكِ دلوقتي عشان أكلم الولاد وأحصلهم
أكدت عليه بقلق قبل أن ينهى المكالمة:
ـ تبقى تطمني يا محمود ها
أبتسم قائلًا:
ـ متقلقيش
بمجرد أن أغلقت الخط أتصل مسرعًا بطارق منتظر الإجابة بلهفة:
ـ ايوة يا طارق أنا لسة قافل مع والدتك دلوقتي .. لقيتوها؟
رد طارق بهدوء بقدر المستطاع:
ـ ايوة .. في شاليه تبع الزفت اللي أسمه عاصم .. هبعتلك اللوكيشن
أقبل عليه بلهفة قائلًا:
ـ أنا جاي حالًا مسافة السكة
**********************
نزع حزام بنطاله، ربط جزء منه بين يداه واقترب منها .. أتسعت حدقة عيناها بشدة وهي تصرخ وتجري حول الغرفة بعشوائية تحاول تفاديه، وهو يركض وراءها مسوطًا إياه في الهواء، صوته كان يقشعر بدنها بشدة وقلبها يرتجف رعبًا، تفادت ضرباته أكثر من مرة وهي تصيح به وتنعته بالجنون وهو يزيد من ضرباته إلى أن أصابتها إحداها على ظهرها وهي تركض ، تألمت وأوت بشدة، وقفت مكانها وجثت على ركبتها تتوجع، أستغل ذلك لجذبها من شعرها ويلقى بها على الفراش وينهال عليها بالضربات المتتالية وهي تستغيث بزوجها واخيها، تنهار من البكاء ومن شدة الوجع لا تستطيع الكلام حتى، لقد جن جنونه بكل ما أُتى معنى للكلمة، لا تصدق قسوة ما تمر به على الإطلاق ..
ألقى بالحزام جانبًا لينظر لها بتشفى تام وارتسم على ثغره ابتسامة خبيثة، وجسدها يزرف الدماء لا تستطيع الحراك، فقط تنظر له في وجع وكره ليس له أول من آخر وهي تصيح به بانفعال:
ـ أنا بكرهك .. بكرهك من كل قلبي .. لا يمكن تكون طبيعي أنت مجنون ومش في وعيك .. منك لله عمري ما هسامحك على اللي عملته فيا وتشويهك ليا .. عمري ما هكون ليك يا عاصم .. لو قطعتني نساير نساير عمري ما هرجعلك ولا هسمحلك تلمس شعرة واحدة مني شعر بالضيق والغضب الشديد، رغم ما فعله بها إلا نظرة التحدي والغضب في عيناها، لا تخشاه ولكن ما سيفعله بها الآن سيجعلها تخضع له مستسلمة، ليرى نظرة القهر والذل في عيناها، نزع قميصه واقترب منها حاول
الاعتداء عليها وهي تقاوم وتتستغيث وهو لا يبالي بكلماتها:
ـ أبعد عني يا حيوان .. هوديك في ستين داهية .. أبعد عني يا سافل منك لله يا مجرم
يضحك ساخرًا محاولة منه كبح حركاتها الاندفاعية:
ـ أصرخي من هنا لبكرة محدش هيسمعك ولا هيحس بيكِ .. اللي مكنش عايز ياخده منك سي طارق أنا معنديش مانع فيه
قامت بضربه ضربات متتالية بقدمها وهي تعافر من أجل الخلاص من تحت يداه:
ـ ولا هتقدر يابن السيوفي .. القذارة اللي متعود عليها مع اللي بتشقطهم دول مش معايا أنا .. ورحمة أمي اللي عمري ما حلفت بيها كذب ما هسيب نفسي لواحد زيك وهوريك هاخد حقي منك ازاي .. جوزي اللي بتتكلم عنه ده هتشوف هيعمل فيك إيه .. أنت فاكر اللي عملته فيه يوم المستشفى !! ومرضاش يبلغ البوليس باللي حصل عشان خاطري .. ببساطة أوي ممكن يتهمك من جديد ويفتح القضية وألبس بقى يا معلم
قيد يداها بقبضته جيدًا وقام بصفعها بشدة وهو يصيح بها بعنف:
ـ أنتِ إيه عايز أفهم .. كل ده ومش همك أي حاجة أبدً!! ولا حاجة محوقة فيكِ !! أتعلمتي كل ده فين ها .. كنتِ قطة مغمضة فتحتي وبقيتي بتخربشي كمان .. أنا هخليه يندم ندم عمره لما يشوفك بقيتي ليا يا بنت الجوهري وشوفي أبوكِ هيعمل إيه لما الصفقة تتقلب عليه والظرف الأسود مش معاه .. تحبي تعرفي جواه إيه ؟ .. الصفقة الأصلية ورا الصفقة دي اللي أبويا وأبوكِ شركاء فيها .. ساعتها هيشرف في سجن الحضرة زي الباشا
تألمت من شدة الصفعة ولكن قاومت من أجل الأفلات من قبضته وتفر من أسفله بأي طريقة ممكنة، لا يمكن الاستسلام مهما يكون قدر الوجع والألم النفسي والجسدي الذي تشعر به الآن، يجب أن تتحمل كي تنجو بحياتها، فقامت بضربه بشده أسفل بطنه ليبتعد عنها قليلًا من شدة الألم لتنهض هي وهي تحاول ألتقاط أنفاسها بصعوبة وتقول بتحدي وهي تضحك بشدة وتمسك جسدها بألم:
ـ ههههههههههههههه ده على أساس أنكوا ملايكة نازلين من السما مثلًا يعني .. كلكوا هتروحوا ورا الشمس سواء هاشم بيه ولا أنت وأبوك .. فوق يا عاصم الصفقة شاملة التلات شركات .. واتورطت شركة الابياري معاكوا في عملية قذرة زي اللي عملتوها .. وعلى الظرف الأسود تبقى قابلني لو لقيتوه
قام وهو يحاول يوازن نفسه من شدة الضربة لينفعل بها بدون فهم:
ـ تقصدي إيه؟ .. تعرفي عنه إيه؟
ردت ساخرة ةهي تبتعد عنه للخلف وهي تمسك خسرها بوجع:
ـ كل حاجة ممكن تتخيلها .. من بداية التعاقد لحد تسليم الشحنات في أنصاص الليالي .. ده أنتوا طلعتوا عصابة ومحدش داري .. أنا متصدمتش فيك لأن اللي بيخون توقع منه أي حاجة .. صدمة عمري كانت من أبويا والصدمة الأكبر لما عرفت السبب الحقيقي لموت أمي .. مكنتش أتوقع أنكوا تبقوا بالحقارة دي
اقترب منها لترجع هي للخلف ويقول والشرر يتطاير من عيناه، على أستعداد فعل أي شيء ليحصل على الظرف الأسود وما يحتويه من أوراق في غاية الخطورة:
ـ أنتِ معاكِ الظرف مش كده؟ .. هاتيه وأنا هسيبك تخرجي من هنا
عادت إلى الخلف بحذر وهي تبتسم بتهكم وردت بنبرة ساخرة:
ـ على أساس إني هصدقك وإنك هتسيبني بجد عايشة بعد كل ده؟! .. تكنش فاكرني ساذجة للدرجة دي يا عاصم !! .. لا فوق .. أيوة الظرف معايا ومتقلقش في الحفظ والصون .. مش هسلمه إلا للنيابة عشان كلنا نرتاح ونستريح بقى .. مش فكرة جديدة وظريفة بردو !!
صرخ بها وركض خلفها، حاول خنقها وهي تبعد يداه عنه بكل ما أتاها من قوة، مش شدة القبضة أرخت جسدها وشعرت بدماء وجهها تنسحب من رأسها ودقائق وتفقد وعيها ولكن حاولت الصراخ بقدر المستطاع ..
**********************
وصلت السيارة أمام منزل صغير الحجم عبارة عن طابقان، أوقف المحرك وعم الصمت على الجميع، ألتفت للخلف ووجه حديثه إلى سارة:
ـ هو ده الشاليه؟
نظرت له بهدوء وهي تؤمأ ثم قالت:
ـ ايوة هو
أقبل عليه يوسف بجدية قائلًا:
– الخطة إيه؟
أجاب مليًا:
– هننزل نعاين الشاليه .. نشوف أي مدخل أو شباك حتى ونور هتفضل هنا مع سارة
صاحت نور معترضة:
– لا بقى معلش أنا رجلي على رجلكوا
زفر طارق ورد عليها بضيق:
– اومال هنسيبها لوحدها في العربية يعني ؟!
تدخلت سارة سريعًا وقالت:
– أنا عارفة مدخل من ورا الشالية .. بيودي على البدروم ومنه تطلع على جوة
نظروا الثلاثة إلى بعضهم البعض وفهموا ما تنوي عليه سارة، قطع الصمت طارق وهو يهم بفتح الباب:
– طيب يلا
ترجلوا جميعًا وذهبوا خلف المنزل ليجدوا بالفعل باب صغير، تناول هاتفه وأتصل بأمير:
– ايوة يا أمير أنت فين ؟
رد سريعًا:
– أنا وصلت .. قريب منك متقلقش
رد طارق باطمئنان وقال:
– طيب كويس أوي .. احنا هندخل الشاليه من ورا في باب .. لو حصل أي حاجة هنكلمك على طول
رد أمير بثقة:
– وأنا مستعد .. ربنا معاكوا
فتح يوسف الباب ودخلوا جميعًا بحرص وهدوء شديدين، ليجدوا حبال ومقابض حديدية والقليل من الأسلحة البيضاء متناثرة في الأرجاء، ومقعد في المنتصف عليه حبل طويل، نظر طارق لسارة مستفسرًا:
– إيه ده كله؟
ردت سارة بخجل وحزن:
– ساعات البنات اللي بيجيبهم بيستدرجهم هنا .. نسيت أقولك إنه سادي
توسعت أعينهم صدمة لا يصدقون ما سمعوا لتوهم، حمدًا لله أن سلمى لم تستمر بعلاقتها معه، ولكن الآن ما يدور في خاطرهم مصير سلمى مع إنسان سادي لا يعرف الرحمة مثله، يستلذ بألم الآخر أمامه، دب الرعب في قلوبهم وأكملوا السير حتى وصلوا لدرجات السلم ومنها وصلوا إلى المدخل الرئيسي .
صعدوا السلم بهدوء حتى لا يثيروا ريبته ويستطيعوا الانقضاض عليه بسهولة إلى أن سمعوا صرخات متقطعة، انتفضت قلوبهم ذعرًا وظنوا بسوء حدث لسلمى، وبالفعل ركضوا جميعًا إلى الغرفة مصدر الصوت، ليجدوا سلمى على الأرض وفوقها عاصم يصفعها ويحاول خنقها، انقضوا عليه جميعًا وقام طارق بسد ضربات متتالية لعاصم وهو يصرخ به بعنف شديد:
– أبعد عنها يا حيوان
الذي قام بعد ذلك ودبت مشاجرة عنفيفة بينهم الثلاثة وبدأوا في تحطيم أثاث وكل ما يقابلهم أثر المشاجرة .
ركضت نور لسلمى في لهفة وخوف وهي تصرخ بخوف تتفحصها وتحاول استعادة وعيها:
– سلمى .. سلمى ردي عليا أنتِ كويسة .. سلمى
شهقت سلمى ومازالت بمكانها لا تستطيع الحراك، لا تصدق أن نور أخيرًا أمامها لتقول بصوت ضعيف:
– نور .. نور
شهقت نور عندما شاهدت العلامات الحمراء والزرقاء المنتشرة في أماكن متفرقة من جسدها، ووجهها المصبوغ باللون الأحمر من شدة الصفعات، ضمتها إلى صدرها وأخذت تبكي وبلهفة:
– سلمى .. منك لله يا عاصم .. حسبي الله ونعم الوكيل فيك .. اللي عمله فيكِ الحيوان ده!! .. خدي نفسك يا حبيبتي
سارة تقف في ركن بالقرب من الباب لا تصدق ما تراه، تبكي من الخوف وعلى حال سلمى، صاحت بها نور في غضب شديد
– أنتِ واقفة تتفرجي عليا أجري هاتي كوباية ماية بسرعة
ركضت سارة وأسرعت بأحضار كوب من الماء وحاولت نور سقيها على قدر المستطاع، تدريجيًا بدأت سلمى استعادة وعيها من جديد ولكن تشعر بالألم الشديد في أنحاء جسدها ووجهها، حاولت استيعاب ما يدور حولها لتجد مشاجرة كبيرة بين عاصم وزوجها واخيها، صرخت وهي تنادي بأسمه، ساعدتها نور على النهوض وهي تشعر بالرعب والخوف الشديد لأول مرة على طارق ومنه اخيها .. لوهلة تناول عاصم مسدسه من جانب خصره وأطلق رصاصة في الهواء لتصرخ الفتيات من أثرها، ثم يركض ويجذب سلمى نحوه ويجعلها رهينة تحت سلاحه، نور تصرخ وتستنجد باخيها وطارق ويوسف يحاولان السيطرة على مدى تهوره:
– اللي هيقرب هفرغ المسدس ده فيها .. سامعين
قالها عاصم في حالة من الهياج والعنف الشديد، يبدو أنه غير طبيعي بالمرة، كأن أصابه الجنون .
تنظر سلمى لطارق وتقابلت عيناهم بتمعن شديد، لأول مرة يفهم لغة عيناها ولكن للآسف متأخرًا، كانت تحدثه .. تستنجد به .. تشتاق إليه .. لم يجد عتاب أو حزن أو بغض كما كان يرى من قبل، بل وجد خوف شديد ورجاء بأن لا يتركها، كأنها تودعه لآخر مرة في حياتها، كأنها لن تراه بعد ذلك، شعر بضربات قلبه تتزايد ومشاعره اتجاهها باتت حقيقية وصادقة، فقد أجمل شعور وأحساس يمكن أن يحظى بها في حياته ويوم لقاءه بها كان متأخرًا، أدمعت عيناه في خوفي حقيقي لأول مرة في حياته، بل رعب بمعنى الكلمة من فقدانها بأي حركة متهورة من هذا السادي اللعين ..
دام الصمت عدة دقائق والجميع ينظر لطارق وسلمى بدون فهم، شعرت نور بخوف أخيها وتوتره ونظراته لزوجته التي أثارت خوفها بشدة عليهم، طمئنها يوسف بأن لا تتحرك من مكانها وتظل ثابتة ليصيح به يوسف:
– آخرة اللي بتعمله ده مش كويس .. سيبها وخلي كلامك معانا
ثبت السلاح جيدًا على جبهتها وقال وهو ينظر لها بخبث:
– أنا حسابي معاها هي … والدور جاي عليك يا طارق متقلقش ..
صاح به طارق بغضب وكاد يذهب ويتشابك معه ، فمنعه يوسف حتلى لا يقوم بأذيتها :
ـ أنت عايز إيه بالظبط
قال بتعنت وثقة بالغة:
– عايزها .. طلقها
صدم الجميع ليصيح طارق بغضب شديد جدًا:
– أنت أتجننت ولا جرى في مخك حاجة؟ .. عايز تتجوز مراتي !!
ضحك ساخرًا وقال بتهكم:
– لا ما أنت هتطلقها .. تقدر تقولي متمسك بيها كل ده ليه .. مش بتحب خطيبتك ولا أنت عايز تكوش على كل حاجة
نظرت له سلمى منتظرة الإجابة، لا يجب أن يخذلها .. لا يجب أن تكون المشاعر التي ضربت قلبها وشعر بها فؤادها تكون كاذبة، إلى أن نطق أخيرًا ما كانت تود أن تسمع :
ـ بحبها وعمري ما حبيت غيرها ومش هطلقها .. كانت خطيبتي وأكتشفت إني عمري ما حبيبتها .. كل حاجة في حياتي كانت كذب وغش وخداع .. لكن أنا ميشرفنيش تكون مراتي واحدة لامؤاخذة .. كانت لغيري
قلبها كان يرقص فرحًا، تشعر بصدق كلماته ومشاعره، لا تصدق بأنه أخيرًا أعترف بما يكنه إليها أمامها، كانت تتمنى لو آتت مبكرة عن ذلك .. تحاول استيعاب كلماته لتظل محفورة في قلبها قبل عقلها ..
تبكي سارة بصمت وتهوي دموعها على وجنتيها دون أن تشعر، فقدت ما كانت تتمنى من أجل الصراع على من لديه سلطة ومال أكثر من الآخر، وفي نهاية المطاف لم تحصل على شيء، بل وجدت حالها خاسرة من جميع الجوانب، الإنسان الذي كان يحبها وشرفها وحياتها من أجل أوراق بنكنوت لا قيمة لها ولن تعيد لها ما فقدته .. صاحت وكأنها تهذي أمام الجميع:
ـ أنا آسفة يا طارق .. أنا كنت أنانية مفكرتش غير في نفسي وبس .. مش هنكر إني عرفتك عشان الفلوس وبس .. منه لله غواني وماسك عليا ذلة عشان أفضل معاه .. بس صدقني أنا لما عرفتك بجد حبيتك ومكنتش عايزة أسيبك .. مش بعد اللي وصلتلوا تسيبيني بسهولة كده .. أيوة أنا السبب في كل اللي حصلك وأنا اللي كنت قاصدة أجيلك يوم فرحك وبعده .. وأنا اللي بعت لسلمى رسالة عشان تشوفني معاك على المركب وتفكر إن علاقتنا أتطورت وتطلب الطلاق وترجعلي .. وكله من تخطيته .. عارف ليه كل ده عشان لقيتك متغير من ناحيتي وبقيت مشدود لها أكتر من الأول .. كل ما أجيب سيرتها تدافع عنها وتمنعني أقول كلمة وحشة في حقها .. ليه كل ده وهي مش طايقاك ولا بتحبك .. النار كانت بتاكل فيا ازاي واحدة زي دي تقش كل حاجة بالساهل وتتجوزها .. فيها إيه زيادة عني تحبها وتقربلها وأنا مبقتش معايا زي الأول .. ليييييييه
ألتفت إليها بوجع بعدما علم بحقيقة كبيرة كان غافلًا عنها، لا يريد حتى أن يتذكرها، ليقول بتهكم ومرارة في نبرته:
ـ جاية دلوقتي بتسألي ليه؟ .. أنا عطيتك كل حاجة .. مشاعري ووقتي وحياتي وكل ده بتجري على مين اللي يدفع أكتر !! الله الله .. والمفروض أصدق الحب اللي بتتكلمي عنه .. كفاية إني شوفتك على حقيقتك يا سارة أنا مش عايز أعرفك تاني .. صحيح الطيور على أشكلها تقع .. أنا بحب مراتي وعمري في يوم ما هخسرها عشان حب وهمي .. كداب مفهوش ريحة المشاعر الصادقة حتى .. أبعدي عني يا سارة وشوفي طريقك
ابتسمت سلمى بسمة كبيرة قد زينت ثغرها وقلبها يرفرف فرحًا، تشعر بأنها مازالت في حلم جميل .. لا تصدق أن هذه الكلمات والمشاعر التي دخلت لقلبها مقتحمة دون أذن منه، فاقت على صوت عاصم وهو يقول بتهكم:
ـ وأنا مش هسيبك تتهنى بيها ولا هي تتهنى بيك .. وهطلقها غصب عنك يا طارق والظرف يطلع دلوقتي حالًا
كاد طارق يرد ولكن نظرت لعاصم وتشعجت وصاحت به بغضب واعتراض كأنه أعطى لها قوة ودفعة لتحاربه:
– نجوم السما أقربلك .. قلتلك مية مرة إني بكرهك مبحبكش وعمري ما هكون غير إلا لإنسان أختاره قلبي وعقلي .. أنما أنت غلطة عمري اللي هفضل ندمانة عليها ودفعت تمن غلطتي بالقوي كمان .. ولو آخر نفس في حياتي هيبقى عايشاه بكرامتي مع شخص عرفت أد إيه بيحبني وبيخاف عليا ومستعد يضحي بحياته في سبيل إني أكون معاه وليه .. والظرف على جثتي يا عاصم .. كلكوا لازم تدفعوا التمن غالي أوي وأولهم دم أمي اللي راح هدر
استدارت بسرعة وحاولت شباك يده التي تحمل المسدس ليتشابك معهم طارق وتدخل يوسف على الفور لتخرج رصاصة في صدرها .. الصراخ يدوي الغرفة بأكملها وفي لحظة جاء أمير ومعه قوات الشرطة، تم القبض على عاصم ووضع الأصداف بين يداه .. حضر محمود متأخرًا مع أمير الذي لم يتحرك إلا بعدما سمع طلقات الرصاص وركض نحو سلمى في رب وهو يصيح:
ـ حد يطلب الأسعاااااااااف .. حد يتحرك
نور تصرخ وتبكي بشدة وطارق سلمى بين أحضانه في حالة من الذهول وعدم الاستيعاب لما حدث .. نظر لها ووضع وجهها بين كفيه وهو يصيحح بها بهستريا وبكاء شديد:
– لا سلمى بالله عليكِ متعمليش فيا كده .. هتعيشي وهنصلح كل يوم ضاع مننا .. مش بعد ما ألاقيكِ عايزة تضيعي مني .. أنا آسف سامحيني يا غالية .. ياااااااااااااااا رب لو عملت أي حاجة متعاقبنيش بيها .. سيبهالي ياااااااااااا رب .. متغمضيش عينك خليكِ بصالي
يوسف يجلس بجوارها يمسك يداها ودموعه تهوي في صمت، عقله مشلول بمعنى الكلمة، لا يصدق بأنه للتو فقد شقيقته الوحيدة، كل من يحبهم يفقدهم بمنتهى السهولة .. لا يستطيع أن يصدق بأنها سوف ترحل وتتركه كما فعلت والدته .. فقط ينظر إليها في ألم وحسرة كبيرتين ولا يستطيع التفوه بكلمة من أثر الصدمة .
رفعت يداها ببطئ وتدريجيًا إلى أن لامست وجهه، ارتسم على وجهها بسمة صغيرة ودموعها تهوى من عيناها وهي تنظر له في شوق كبير وتقول بأنفاس متقطعة:
– أااننا كنت عارفة إنك بتحبني وبتتكابر .. زي ما أنا كنت بحبك وبكابر وبنكر مشاعري من ناحيتك بسبب حبك لواحدة تانية وقسوتك معايا .. معرفش حبيتك ازاي وأمتى بس كل اللي عارفاه إني مبسوطة إنك آخر حاجة هشوفها في حياتي .. أخيرًا هقابل أمي وأحكيلها أد إيه حبيتني وخوفك عليا وكلامك خلاني كأني ملكة مالكة الدنيا وما فيها .. أمي وحشتني أوي يا طارق مش مصدقة إني هروحلها .. أنا مسمحاك ياريت أنت كمان تسامحني .. اللي شوفته في حياتي خلا قلبى يتقفل بالضبة والمفتاح .. كان نفسي أعيش معاك حياة طبيعية من غير جبر ولا خوف وقلق .. أنا آسفة بجد .. هفتقدك أوي
أبتسمت ودموعها هوت بألم إلى أن سقطت ياها لتستكن بجانبها .. صرخت نور ليدوي نداء وصياح طارق المنزل بأكمله وهي يحرك جسدها بكل ما أُتى به من قوة ببكاء هستيري ولا تستجيب:
– لا لا .. فوقي أبوس أيدك متعمليش فيا كده .. أنتِ عايشة قومي يا سلمى … ياااااااااااااااااا رب لااااااااااااااااااااااااا
لقد فقدت أخر نبضة في قلبها بالفعل ونفذت أنفاسها الأخيرة لتعود إلى بارئها ..
*********************
إلي هنا ينتهى الفصل التاسع والثلاثون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر