روايات شيقه

رواية صفقة حب الفصل 36

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

 

رواية صفقة حب الفصل 36 “القرار النهائي”

في صباح اليوم التالي استيقظت سلمى في وخم، فتحت عيناها لتنتفض من مكانها وهي تكتم صراخها وتلهث بشدة .. ماذا تفعل في فراش طارق بهذا الشكل وماذا حدث بينهم ؟ .. عقلها شًل تحاول تذكر أي شيء ولكن لا يوجد، دقائق ثم خرج طارق من الحمام عاري الجذع، تلتف منشفة حول خصره، ولت وجهها في توتر وهي تصيح به:

– إيه ده .. أستر نفسك

رد وهو يخفف شعره في هدوء:

– صباح الخير .. كل ده نوم .. كأنك منمتيش بقالك سنة

نهضت من مكانها وأردفت باندفاع:

– أنا اللي جابني هنا

استغل دهشتها واقترب منها بشدة وقال بخبث:

– بجد مش فاكرة ؟

توترت من قربه نحوها بهذا الشكل الحميمي لتعود هي للخلف، ردت بجمود عكس ما بداخلها:

– لا مش فاكرة حاجة .. اللي حصل امبارح .. ماترد !!

نظر لعيناعا مطولًا وقال بنفس الأسلوب:

– ده أنتِ كنتِ ومحدش سمى عليكِ

غلت الدماء في عروقها فانتفضت من مكانها كالإعصار وصاحت بغضب شديد:

– أنتِ بتقول إيه اللي حصل بينا

ضحك وقرر أن يكتفي إلى هذا الحد .. فقد تلفت أعصابها ليقول بنبرة هادئة كي تهدء من روعها قليلًا:

– أهدي يا سلمى والله العظيم محصلش حاجة كنت بهزر معاكِ .. كل الحكاية إنك مكنتيش مرتاحة في نومك والكنبة صغيرة وضيقة طول التلات شهور دول .. شوية وكنتِ هتقعي فصعبتي عليا شيلتك ونيمتك جنبي

هدأت قليلًا ولكن من سمح له بذلك، فانزعجت قائلة:

– هو أنا كنت اشتكيتلك ثم ده هزار ده .. سيبت ركبي يا مفتري

ابتسم واقترب أكثر بخبث:

– طيب أفرضي حصل .. إيه يعني ما أنتِ مراتي على سنة الله ورسوله هو أنا جايبك من الشارع .. هيجرى حاجة ؟!

قلبها دق بعنف وأحمر وجهها خجلًا لتدفعه بقوة وهي تنهض وتقول بتحدي:

– أنت بتحلم .. متفقناش على كده

ضحك وقالها بمرح لأول مرة:

– لا ما الحاجات دي مفهاش إتفاق .. ثم احنا متفقناش أصلًا

دخلت الحمام سريعًا دون أن ترد عليه وقلبها مازال بنبض بشدة في توتر، وهي تندهش من أسلوبه معها لأول مرة .

*********************

نزل طارق وهو يشعر بشيء غريب لا يجد له تفسير، يحب مناغشتها فتغضب وتصيح أمامه مثل الأطفال، يحب أن يرى خجلها وابتسامتها التي تحاول جاهدة إخفائها .

تجمعوا على المائدة ووجهت تهاني حديثها لطارق:

– اومال سلمى فين يا طارق؟

رد بهدوء:

– بتاخد شاور ونازلة على طول

ربتت على يداها وقالت بحب:

– خد بالك منها يا طارق .. سلمى أصيلة ومتلاقيش ضفرها

 

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قصه متسولة كعابيش

رواية زواج لم يكن في الحسبان الفصل الاول

رواية الشادر الفصل الثامن

تنهد بقوة وقال وهو يرشف فنجال القهوة:

– والله قوليلها هي يا ماما وحنني قلبها عليا شوية

ضحكت تهاني ليتدخل محمود قائلًا:

– عمرها ما تحن عليك إلا لما تتعدل معاها الأول

كاد أن يرد فسمع صوت جرس الباب، ذهب الخادم ليفتح، لحظات وظهرت أمامهم سارة، الجميع اندهش من وجودها خاصًة طارق الذي نهض من مكانه وصاح غاضبًا:

– أنتِ اللي جابك هنا

مسكت يداه برفق وقالت بتوبيخ بسيط، على الرغم من الموقف السابق بينهم:

– ميصحش كده يا طارق .. دي في بيتك

ردت بحزن مصطنع:

– بقى دي مقابلة تقابلني بيها يا طارق .. عجبك يا عمو

رد محمود بجدية و وهو على مضض:

– خير يا سارة .. إيه سر الزيارة المفاجئة دي؟

ابتسمت وقد سنحت لها الفرصة للتقرب منهم، وقالت بود زائف:

– طارق وحشني قلت أجي أشوف خطيبي وبالمرة أصالحه واشيل سوء الفهم بتاع الفرح

ردت تهاني بغضب مكتوم، فكلمة “خطيبي” لم تبتلعها وتتمنى أن تنفض هذه الخطبة بأي شكل:

– سوء فهم!! المهم إنك تكوني معترفة بغلطك .. أنا مبقولكيش إنك متزوريهوش بس للزيارة حدود وأنتِ تخطتيها يا سارة

ابتسمت وقالت بود:

– ماهو عشان كده أنا جاية أعتذر .. ياريت متكونيش زعلانة مني

قالت تهاني بضيق:

– ياريت اللي حصل ده ميتكررش تاني .. حدودك هنا فوق أنسي

ابتسمت وقالت بجراءة:

– يبقى خلاص صافي يا لبن

وجاءت كي تجلس بجانب طارق صاح بها وقال بصرامة:

– ده مكان سلمى

شعرت بالإحراج والضيق، فابتسمت تهاني ونور من مراعاة لشعورها في غيابها، لتردف سارة بضيق:

– وهي فين دي

سمعت صوت قريب جدًا من خلفها يقول:

– أنا هنا في حاجة؟

ألتفوا جميعًا إلى مصدر الصوت، فابتسمت تهاني وتوتر طارق من وجود سارة في وجودها وتذكر ما حدث أمس، أقبلت عليها تهاني وقالت باسمة:

– صباح الفل يا حبيبتي .. يلا مستنينك

جلست بجانب طارق في المقعد المخصص لها، لا تنكر إنها كانت فرحة من داخلها على موقفه من ناحيتها ولكن ليس مبررًا كي تشفع له بعد ..

أما سارة فكانت تشعر بالغليان في داخلها، فذهبت وجلست بجوار نور وأصبحت مقابلة لهما والحقد بدأ يتسرب مليًا إلى عقلها قبل قلبها .

بدأوا في تناول الطعام، ابتسمت سلمى على المشهد الذي أمامها من نظرات سارة الغاضبة لطارق الذي يبادلها نفس النظرات، إلى أن تصافَ قليلًا من ناحيتها، فقد ناولته قطع الخبز وقامت بحشوه بنفسها، لترفع سلمى إحدى حاجبيها بأزدراء ولم يروق لها الوضع، ونور تكتم ضحكتها على تعابير وجه صديقتها، على عكس الزوجان متعجبان من هذه التصرفات أمام سلمى ومدركان إنها تعرف لا يجب أن تتعامل معه بهذا الشكل أمام زوجته على الأقل .. لذا قررت أن تعكر صفوها بكل تلقائية .

كل هذا وهي على قصد أن ترى سلمى مدى حبهما، وما يشعر سلمى بالضيق هو تجاوب طارق معها .. إلى أن فجرت سارة تلك القنبلة في وجههم جميعًا، موجهة حديثها لطارق:

– عايزين بقى نحدد ميعاد الفرح زي ما اتفاقنا امبارح يا طارق

نظرا والداه إليه في تعجب مما سمعوا، كل منهم لا يريد هذه الزيجة من الأساس، نور وسلمى حالة من اللامبالاه لكل ما يجرى أمامهن، وهن على علم بذاك القرار من قبل فقط منتظرين سماع إجابته، ولكن لم تنتظر نور وقالت ببلاهة وهي تتفحص ملامح اخيها:

– جواز !!

ابتسمت سارة وقالت ببرود وثقة عالية:

– آه طبعًا جواز يا نور .. مش أخرة الخطوبة والحب اللي بينا تلات سنين هيكون إيه غير كده

حاول طارق الإفلات من نظرات شقيقته التي توحي بالغضب والاستنكار، لتقبل تهاني بسؤاله:

– صحيح الكلام ده يا طارق ؟

ليردف محمود هو الآخر ولكن بجدية وتفهم:

– من أمتى وأنت بتتخذ قرارات مصيرية زي الجواز من غير ما ترجعلنا يا طارق؟

رد طارق بهدوء وهو يشعر بنظرات سلمى تلاحقه، الذي كان بمثابة سكين طعن في قلبها:

– حضرتك عمرك ما اجبرتنا أنا ونور على حاجة أبدًا خاصًة الجواز .. واللي حصل كان خارج إرادتي وإرادتنا كلنا لظروف معينة وأهي خلصت … إنما دلوقتي من حقي أعمل اللي أنا عايزه جوازي من سلمى مكنش إختياري إنما سارة قراره كان باختياري وكامل إرادتي

قبضت سلمى يداها بقوة وهي تستمع إليه، محاولة منها جمع شتاتها والتماسك أمامهم وأن لا تظهر ضعيفة وتُريها بأنها حققت هدفها، شعرت بها نور من رعشة يداها فأمسكتها حتى لا يلاحظ أحدًا منهم .

أكمل محمود بنفس النبرة:

– بس كنت هتحدد ميعاد الجواز قبل ما ترجعلنا يا أستاذ

رد طارق سريعًا كي ينقذ الموقف:

– لا طبعًا أنا لسة مدتهاش كلمة كنا بنتناقش بس

ابتسمت سارة ووجهت حديثها إلى محمود وهي تنظر لسلمى بطرف عيناها:

– ما خلاص بقى يا عمو مش الشرط أتنفذ .. أنا استحملت طارق كتير عشان يمر من الورطة دي الله أعلم مين السبب فيها عشان نتجوز بقى والحمد لله إنها خلصت نستنا إيه تاني!! .. أصلي بحبه أوي يا نور

وجهت الجملة الأخيرة لسارة ومازالت عيناها معلقة على سلمى، التي جمدت قبضتها أكثر من ذلك ونور استشاطت غضبًا، كادت أن ترد أوقفتها سلمى عندما ضغطت على يدها وقررت أن توقف هذه المهزلة، فابتسمت ساخرة:

– تخيلي يا نور سارة من كتر حبها في طارق راحتله وهو عريس الاوتيل يوم الصباحية .. ما هي دي اللي سابني عشانها يوم الصباحية تخيلي .. حرام مش قادرة على بعده .. ربنا يهنيكوا ببعض

وكان هذا كالصاعقة فوق آذان تهاني ومحمود، والصدمة الكبرى لطارق وسارة الذين لم يتوقعوا أن يكون هذا رد فعلها على الإطلاق .

نظروا إلى طارق بصدمة وعدم استيعاب، وسلمى نور يشاهدان في صمت وعلى ثغرها بسمة صغيرة .

صاح محمود بغضب:

– اللي سمعته ده!! مش كنت ساعتها في الشركة ؟!

هنا تبادلت تهاني نظراتها بين محمود وطارق، ولأول مرة تسمع عن هذا الموضوع حتى من زوجها .. توتر طارق وأرتبك وهو بنظر لسلمى بغيظ وقال بتلعثم:

– لا ماهو ددد ده بعد ما جيت من الشركة اتفاجأت بيها بتقولي جاية

أكمل صياح وهو يوجه نظره نحو سارة:

– كنت بتعملي إيه عنده .. مش جيتي الفرح وقبله !!

لم تستطع الرد، نظرت لسلمى التي تبتسم لها بإنتصار وتحدي بحقد وغل، وحاولت أن تجد مبرر قوي لوجودها:

– أنا معرفتش أنام الليل يا انكل وأنا واثقة ومتأكدة

إنه مع واحدة تانية حتى لو جوازه كده وكده

عقدت تهاني جبينها وقالت بعدم فهم:

– قصدك إيه بكده وكده؟

ابتسمت سارة وقالت:

– يعني جواز قدام الناس وبس .. على ورق يعني وأنه لحد دلوقتي ملمسهاش

رمقها نظرة غاضبة وحارقة للغاية، وهي حاولت أن تتفاداها، فصاح بها في غضب:

– ساااااارة ..

توترت سلمى كثيرًا هي وطارق، وضِعت في موقف محرج للغاية وهو شيء خاص بينها وبين زوجها، فقد صرح الأخير به لسارة دون علمها وهذا الشيء قد أثار غضبها .

كانت صدمة كبيرة على الجميع، كانوا يعتقدون أن زواجهم بات طبيعيًا ولكن تلك المفاجأة الأخرى قد أثارت ريبتهم ودهشتهم، فجميع العيون انصبت عليهم بتساؤلات كثيرة، ما كان على خفاء ظهر أمام الجميع .

نظرت لها تهاني وأردفت بعدم تصديق:

– صحيح الكلام ده يا سلمى ؟ .. ما تتكلم يا طارق .. أنتوا طبيعة علاقتكوا إيه بالظبط؟

لم يرد أحدًا منهم، تجمعت الدموع في عيونها وكادت أن تسقط، تحملت قدر المستطاع طيلة هذه الفترة وأيقنت أن اتفاقهم مستمر ولن يعرف به أحد، فقد أفشى سرهم وجاء اليوم للإعلان به .

يجلس محمود في صمت وعدم تصديق، ينتظر أي رد فعل منهم، ينتظر إجابة تشفى ما بداخله .. كذلك نور التي أدركت إنها لا تعرف أي شيء على الإطلاق عن طبيعة علاقتهم ولم تتحدث سلمى إليها بشأنهما .

صاح محمود بجمود:

– ما تتكلمي يا بنتي

رفعت رأسها وحاولت أن تتماسك، وقالت وهي تحاول الحفاظ على أتزانها بجدية:

– سواء الكلام ده حقيقي ولا لأ دي حاجة تخصني أنا وجوزي .. ومش من حقه إنه يطلع كلامنا برة .. لسة كلامنا مخلصش

وجهت آخر جملتان لطارق بعتاب كبير وحزن أكبر، نهضت ثم غادرت المنزل على الفور .. نهضت نور وقبل أن تلاحقها قالت لوالديها:

– بعدين الكلام .. لما نرجع من الكلية مفيش وقت

ذهبت الفتاتان ولم يتبقى سواهم، يشعر بالندم والضيق والغيظ من تصرف سارة، ألا يكفي ما حدث على اليخت وعلاقته نوعًا ما أصبحت مستقرة معها لتأتي اليوم وتدمر كل شيء في ثواني، وقبل أن يقبل عليه والده بالحديث نهض هو الآخر ورحل .. نظرت تهاني لمحمود بصدمة وعدم تصديق، لتستغل سارة لحظة تشتتهم كمن يضع السم في العسل:

– سوري يا طنط كنت فاكراكوا عارفين .. عن أذنكوا

ابتسمت بمكر ورحلت، خفض محمود رأسه بين طيات يداه وهو يحاول استيعاب ما حدث للتو، كل هذا يجري دون علمه أو حتى الشعور به، وهما يعيشان معًا تحت سقف واحد، يشعر بأنه في حلم غريب ولا يعرف من الأساس شكل علاقتهما بيعرف إلى أي مدى يمكن أن ينتهي .

ويراجعان تصرفهما في الشهور الماضية، إلى دقة متناهية للتعبير عن واقع مخادع غير الذي يعيشون فيه ليوهموا الناس أجمع بأنهم كأي زوج وزوجة .

رفع رأسه وبدأ بالحديث معها محاولًا وزن الأمور:

– تلات شهور غير شهر العسل وهما عايشين مع بعض زي الاخوات !! واحنا ولا عارفين حاجة لا وكمان ده كان إتفاق ما بينهم جوازهم يبقى على ورق وبس .. عارفة ده معناه إيه؟

تنهدت تهاني وقالت بحزن:

– عارفة .. الاتنين مش طايقين بعض ولا عايزين يعيشوا مع بعض .. بس للدرجة دي يا محمود!! معقول تحت سقف واحد .. ازاي ؟! كأنهم محترمين على بعض .. واضح إنهم مخططين للفراق من أول يوم .. عايشين مع بعض ازاي ؟ .. وأنا اللي كان نفسي أشوف ولادهم وبدعي ربنا يهدي سرهم .. سلمى شايلة ومعبية .. مشوفتش من ساعة ما سارة جات وعمالة تلقح بالكلام ازاي وقاصدة تضايقها !!

بعد تفكير في كلامهما أكتشف أنها لديها الحق في كل كلمة، خاصًة ما يتعلق بسارة لذلك أردف بجدية:

– زي ما هي عايزة تهز علاقتنا بيها إنها خبت علينا الإتفاق اللي ما بينهم .. بتحاول توقع ما بينا من الآخر يا تهاني .. طريقة كلامها كلها غيرة منتظرة تاخدها بالحضن مثلًا !! .. البنت دي مش سهلة أبدًا وواضح إنها لاعبة بدماغ ابنك .. حرصي منها على أد ما تقدري

تنهدت تهاني وقالت بحزن أكبر:

– معاك حق يا محمود .. أنا كنت ماسكة نفسي بالعافية والله العظيم ومستغربة هدوء سلمى وسكوتها، واحدة تانية مكنتش سكتت عن اللي حصل ده

نهض محمود وقال:

– يرجعوا بس ولينا كلام تاني معاهم .. لازم نفهم أصل الموضوع من جذوره .. متحاوليش تتكلمي مع أي حد فيهم .. عايز اواجههم ببعض .. أنا لازم أطلع على الشركة دلوقتي وهرجع على الغدا ..

ابتسمت رغم عنها مودعة إياه:

– مع ألف سلامة .. في انتتظارك

**********************

قلبها يؤلمها بشدة، لم تتصور بأن يفعل بها هذا، ولم يبوح ؟ سارة !! .

لا تعرف كيف واجهت أهله ولكن ردها كان سليم، هي حافظت على علاقتهما على عكسه، كانت تريد أن تبقى الصفقة التي عقدت بينهم على مساحة من الحرية بينهم ولا يعرف بها أي مخلوق إلا بعد تنفيذها حتى لا يحدث مشكلة وتتعقد الأمور مثلما سوف يحدث بعد ذلك، وهذا الموقف أثبت لها بأنها كانت على حق في قرارها ولن تتنازل عنه مهما كان بعد الآن، وخير دليل ما تفوه به كلاهما، يجب أن تستمر في صفقتها الجديدة ولا تخون العهد كما خان هو .

لم تستطع حتى الحديث إلى نور، ولم تعطيها الفرصة لذلك .. فانطلقت مسرعة بسيارتها كالبرق حتى تهرب من تلك المواجهة، والتي سوف تنتظهر المواجهة الكبرى عند عودتها .

وصلت نور الكلية والأحداث تشغلها، وتفاصيل قد ظهرت أمامها وغيرها مخفية لم تعلم عنها شيء بعد، حزينة على وضعها الذي لم يكن بأختيارها، على الرغم من ذلك فهي مقدرة كل التقدير السبب ويذهب العامل الأساسي في هذا الأمر، يجب أن تسمع من كلاهما .

********************

رشف إيهاب من فنجال القهوة الذي أمامه، ويسلم على المارة بجواره، فالكفاتريا تعتبر في ساحة الكلية بالقرب من مبنى المحاضرات .

نظر له وهو يفكر في الأمر كثيرًا، فقد لفت انتباهه ولم يعيره، بدأ الريب يتسرب إلى قلبه ولا يثق في كلام أو تصرفات سارة بعدما حدث منذ قليل، لا تفعل ذلك إلا بهدف واضح وصريح، ولكنها لم تتعظ بعد المشادة بينهم كأنها تعرف …

رنين الهاتف لم يصمت، تأفأ إيهاب وقال:

– ما ترد يابني بدل الصداع ده

صاح به غي غضب:

– بعد كل اللي حصل من تحت راسها عايزني أرد عليها!! .. مش متنيل وادي الفون أهو

أمسك بهاتفه وأغلقه تمامًا، ثم ألقاه أمامه على الطاولة في غضب وضيق .. تنهد بعمق وعاد لشروده من جديد يفكر في تلك المشكلة التي تصادف بها أمام أبواه .. قطع الصما صوت إيهاب:

– ما تتكلم يابني وطلع اللي جواك ألا يطقلك عرق

صاح به طارق في ضجر

صاح به منفعلًا:

– أقول إيه أكتر من اللي أنا قولته!! أنا بجد مش مصدق هي ليه بتعمل كده .. لو بررت أن ده حب مستحيل، بتصرفاتها دي بدل ما تقربني منها بتبعدني عنها .. أهلى ميعرفوش الصفقة اللي بيني وبينها غيرك أنت وسارة .. والمفروض محدش يعرف إلا بعد ما يتم كل حاجة ع الأقل وبقيت في نظرها دلوقتي خاين للأمانة متعرفش ان كل التخطيط ده حصل من قبل ما أعرضه عليها .. اللي صعبان عليا في الموضوع ده أمي اللي كل ده مفكرة إن جوازنا بجد

نظر له مطولًا ثم أردف بجدية:

– وليه ميبفاش بجد يا طارق .. اللي ناقصها؟

لم يخطر بباله هذا السؤال من قبل، ولكن على ما يبدو أن الإجابة غير متوافرة لديه الآن، صمت قليلًا ثم أجاب:

– عمري ما فكرت فيها بالشكل ده .. لأنها بالنسبالي أمر واقع واتفرض عليها .. أنا معرفهاش ولا بحبها ولا بكرهها .. بجد مش عارف

ابتسم وهو يقترب منه بعدما شعر بالتداخل والحيرة التي وقع فيها:

– أنا بقى عارف إنك بتحبها .. في مشاعر بس مستخبية لأنك ببساطة مدتش نفسك فرصة عشان تعرفها ولا حتى تقرب منها .. سلمى من واقع كلامك عنها أنها مبتجيش أبدًا لا بالصوت ولا بالعناد صدقني بالسياسة هتكسبها .. أنا خايف لو سيبتها هتندم ومتنساش إن الزفت اللي اسمه عاصم ده بيحوم عليها ومش هيسيبها من آخر مرة راحلها الكلية

زفر وقال بضيق:

– مستحيل يكون حب لأ .. ممكن أكون اتعودت على وجودها .. وعلى أساس إنها عطياني فرصة .. تصرفتها كلها جافة وصد مش طيقاني أفهم .. غير أنها مصممة على الطلاق

تنهدت وشعر بأنه أقترب على اقناعه:

– عشان أنت السبب في كل ده .. هي مش حاسة إنها متجوزة ولا فيه راجل في حياتها .. هي حرفيًا لوحدها ولا أنت مش حاسس بكده!! وقتك كله مع سارة ضحك وهزار هتجيبلها وقت منين عشان تحبها ولا حتى تعرفها

أراح ظهره وقال بتهكم:

– تفتكر كل ده هيشفع عن الصورة اللي وخداها عني وطول ما سارة في حياتي !! مش كفاية اللي قالته الصبح

إيهاب بعد تفكير ليس بطويل:

– رتب أولوياتك يا طارق وساعتها هتعرف أنت عايز إيه

نظر له بتفكير وشعر إيهاب إنه بدأ بالميل في هذا الحديث وأخذ خطوة جدية على الأقل فيها، وأهم خطوة أن تبتعد سارة عن طريقه .

تركه طارق بعد قليل مع موعد بمشرف رسالة الماجستير الذي يقوم بتحضيرها .

*******************

مر اليوم ليس على ما يرام ولكن الجميع حاول أن يترك الأمر جانبًا حين وقته .

وبالفعل أنتظر محمود عند عودته في موعد الغداء عودتهم كي يتمكن من الحديث معهم ويفهم منهم أكثر سبب أقدامهم على هذا الإتفاق .

أتصل بطارق وأخبره إنه بمكتب الدكتور يناقش معه بعض الأمور وحينما ينتهى سيعود على الفور .

وكذلك سلمى التي لم تستطع الرد فقامت نور هي بدلًا منها، وتفهم محمود السبب .

حضرت الفتيات أولًا ثم طارق بفارق عدة دقائق، استقبلتهم تهاني وأخبرتهم إنه في غرفة المكتب وهل قد جاء وقت الحساب ..

دخلوا ثم جلسوا في هدوء، وسلمى تحاول جمع شتات نفسها حتى لا يثار عصبيتها بما تكتمه في داخلها دون البوح به، حاولت التحلي بالهدوء قدر المستطاع .

نهض من مقعده وجلس بالقرب منهم .. نظرت له تهاني نظرة معينو بمعنى صبرًا عليهم حتى نفهم الموضوع من جميع جوانبه، تنحنح وقال بهدوء وحكمة:

– أنا بعتبرك بنتي يا سلمى اللي مخلفتهاش وأنتِ عارفة كده كويس .. مش عايزك تخافي من حاجة وتفتحيلي قلبك .. كنت متصور أن الموضوع هياخد فترة لحد ما تاخدوا على بعض وحياتكوا تبقى زي أي اتنين متجوزين

ابتسمت بحزن وقالت بتهكم دون أن تنظر إليه:

– متحرمش منك يا انكل .. الكلام ده لما يكون الاتنين في ما بينهم قبول لكن احنا من اللحظة الأولى مفيش

يسمع هو وتهاني بتمعن بعد ذلك قالت الأخيرة باهتمام:

– واتفاقكوا ده تم ازاي؟

نظرت له لتنهدت هي وردت بهدوء:

– بعد الميتنج طارق كلمني وطلب يقابلني وخلاصة الكلام نسمع كلامكوا ونريحكوا ونتجوز عشان نبعد عن الشرط وفي نفس الوقت جوازنا يكون على ورق .. من الآخر اللي ما بينا مجرد صفقة حب قدام كل الناس عايشين مبسوطين وبنحب بعض لحد ما الصفقة تتم وكل واحد يشوف حياته

كان محمود حزين بداخله وهو يسمع منها، وهو بعرف بأنه طرف فيما وصلوا اليه، فأكمل:

– وإيه اللي جد في الموضوع وخلاكوا تقلبوا على بعض كده؟

توترت سلمى بداخلها ولا تعرف ماذا تقول، لا تستطيع أن تفشي ما يحدث بينهم أمام والديه، مشاكلها معه هي قادرة على حلها دون تدخل أحدهم، قررت البوح بنصف الحقيقة:

– يوم الفرح لما قعدت مع نفسي براجع حساباتي لقيت نفسي مش قادرة أكمل واخوض التجربة دي للنهاية .. كنت خايفة من حاجات كتير أوي مترتبة بعد الجواز أنا مليش ذنب فيها .. حسيت إني مخنوفة وبرمي نفسي في التهلكة مرة تانية برجليا .. خفت من طارق ورد فعله لما نكون لوحدنا وبتقفل علينا باب .. من اللي جاي ومستقبلي اللي ملوش ملامح .. لقيت نفسي بهرب من غير ما أحس كأني بهرب من نفسي أنا شخصيًا .. أنا عارفة اللي عملته ده غلط بس صدقني كان غصب عني مكنش بإرادتي

الجميع يستمع لها بعناية وتأثر، شعر طارق بالذنب ناحيتها، وخطر على باله في هذا الوقت حديث إيهاب له وأدرك من كلامها أنها لا تشعر بالأمان معه، تفتقده بشدة بمعنى أصح .

نظرت تهاني لطارق بعتاب وقالت:

– وليه مقولتيش على اللي حصل يوم الصباحية يا سلمى ؟!

ابتسمت سلمى بتهكم:

– مكنش ينفع أزود مشاكلكوا وهمكوا بعد كل اللي حصل ده واللي أنا متهمة بالسبب فيه .. عايزاني كنت أقول إيه ابنكوا كان بيخوني في الصباحية !! .. لا وسايبني ورايح الشركة كمان !!

نظرت له بعتاب شديد للغاية وضيق، ليشعر هو بالخجل من نظراتها، ثم تلتفت لمحمود معاتبة إياه:

ليه مقولتليش يا محمود باللي عمله ؟

رد بضيق مشحون من تصرفات ابنه دون أن ينظر إليها، بل كان منصب على طارق بعتاب:

– أنا مصدقت أن الموضوع أتلم ولحقته بس مكنتش عارف إنه هيكمل لما يرجع

صاح طارق مبررًا:

– يا بابا هي اللي جات واتفاجئت بيها .. كنت بحاول أهديها واصبرها لحد ما الوضع يعدي .. متنساش أنها خطيبتي بردو وأكيد بتغير عليا جدًا

صاح ساخرًا:

– لا والله مبرر منطقي يا سي طارق .. خايف على مشاعرها ومش خايف على مشاعر مراتك .. كان في أيدك إنك توقفها لحدها مش تتجاوب معاها لحد ما مراتك تشوفك .. أفرض حد كان شافك وراح قلها كان موقفك إيه ساعتها بس حظك المهبب خلاها تشوفك وأحمد ربنا إنها كملت معاك لحد اللحظة دي

لم يستطع الرد، معه حق في كل ما يقول، نظرت له سلمى معاتبة إياه والدموع في عيناها وهو يحاول الهروب منها، لقد تناست كل هذا ولكن هذه المناقشة أو المواجهة العائلية قد فتحت الباب مرة أخرى .

نهضت سلمى وقالت:

– أنا هطلع استريح شوية .. بعد أذنكوا

مسكت تهاني يدها وقالت بحنو:

– استني يا سلمى نتغدا سوا

أردفت بابتسامة باهتة:

– مليش نفس دلوقتي

تركتهم وصعدك على غرفتها، بعدما تأكدت تهاني من اختفائها ألتفت لطارق وقامت بتوبيخه:

– أنا مرضتش احرجت قدامها كفاية أبوك .. البنت استحملت وشافت منك كتير .. مش ناوي تعقل بقى وتشوف مستقبلك؟! .. هتفوق أمتى وتفهم إن سارة عمرها ما كانت مناسبة ليك

انفعل عليها طارق وقال:

– سلمى هي اللي مناسبة يعني!!

رمقته بضيق مردفة:

– اللي ميشوفش من الغربال يبقى أعمى .. ربنا يرجعلك بصيرتك يابني

نهضت هي ومحمود الذي وجه حديثه إليه:

– قوم صالح مراتك متبقاش قفل .. وهبعتلكوا الغدا .. اتلحلح قوم

نهض ومر بجانبهم ليقف على صوت أمه الهامس معاتبة:

– اللي بينك وبين مراتك ميخرجش برة مرة تانية .. فاهم؟!

أومأ برأسه وهو يشعر بالخجل منها يعرف إنه مخطأ ولكن في داخله يبرر ذلك .

*********************

دخل غرفته ليجدها بدأت مذاكرتها، جلس أمامها ولا يعرف من أين يبدأ، تنهد ثم قال:

– ممكن تسيبي اللي في أيدك ونتكلم شوية

ردت بهدوء دون النظر له:

– مفيش حاجة نتكلم فيها خلاص ..

قاطعها قائلًا بصياح وبدأ صوته في العلو رغم عنه:

– لا فيه يا سلمى .. لازم تفهمي إني مش خاين زي ما أنتِ شايفاني ومبرري اللي قولته أنا مقتنع بيه لو شايفة غير كده أنتِ حرة .. كنتِ عايزاني ابررلها جوازي منك بإيه وهي خطيبتي من ما تكوني مراتي وهي شايفاني هتجوز واحدة غيرها

انفعلت به في غضب:

– لا مش مبرر تقنعها على الاقل فترة وهتعدي لكن اللي بينا مايخرجش برة .. لا وبتقولهم بمنتهى البجاحة زي تصرفاتها علاقتنا اللي المفروض متتخطاش اوضتنا

اقترب منها وقال بضيق:

– تقصدي إيه ببجاحة دي .. هي عملت إيه؟

نظرته له ببلاهة وبعدم تصديق، لتقول ساخرة:

– أديك قلتِ خطيبتك …يعني فيه حدود في العلاقة ما بينكوا اللي منها ألتزامكوا بالضوابط اللي هي مش موجودة أصلًا، لمس واحضان وحاجة تقرف .. كل ده مش بجاحة وقلة أدب كمان!! مفيش واحدة تعمل كده مع خطيبها ولو المبرر الحب .. كل شيء في الدنيا له حدود .. بس فعلا الكلام معاك ملوش فايدة ولا العتاب نافع .. اتفاقنا هيتم زي ما أنت عايز وبعدها مش هتشوف وشي تاني

حملت أغراضها وأوراقها وخرجت بعدما ارطدمت الباب بقوة، دخلت غرفة نور وهي تلتقط أنفاسها وأدركت أن النهاية اقتربت، جلست على فراشها وبدأت مذاكرتها .

********************

قد سمعوا المشاجرة القائمة بينهم وهم حزانا عليهم، زوجان لم يكملا أربعة أشهر ووصلا إلى هذه المرحلة، إلى النهاية قبل أن يتخطوا البداية حتى .

أمر محمود الخادم تقديم الطعام لغرفة طارق وزوجته، استلامها منه طارق وجلس ينظر إلى الصينية دون شهية وهو يفكر في حديثها، وشعر ما بينهم ما هو الا لاب موصد، واصبح في حيرة بين زوجته العنيدة خطيبته الذي لا يستطيع أن يأخذ من ناحيتها موقف .

بعد الإنتهاء من الطعام صعدت نور للاطمئنان عليهم وجدت طعامهم كما هو والغرفة خالية، سمعت صوت الماية قادمة من الحمام فعلمت بأن طارق بالداخل وسلمى غير موجودة فاندهشت من ذلك، دلفت إلى غرفتها لتجدها تذاكر على فراشها اندهشت واقتربت منها وجلست أمامها وقالت بتفهم:

– صوتكوا كان أد كده .. ماكلتيش ليه يا بنتي الأكل زي ما هو

نظرت لها وقالت بانفعال:

– مش متزفتة يا نور سيبيني في حالي مليش نفس

ضحكت نور وقالت بمرح:

– وذنب معدتك إيه بقى في الخلافات بينك وبين جوزك ها .. اكليها بلاش افترى

نظرت لها بضيق وأردفت:

– مش فايقة لهزارك ده يا نور .. اقعدي جنبي ياختي عندها هم ما يتلم وفكك من اخوك اللي هيشيلنا السنادي

لم تستطع نور التماسك وضحكت بأعلى صوتها:

– احيييه لو سمعك .. بس عندك حق والله شجعتيني

نهضت نور وآحضرت أغراضها وجلست بجانبها وذاكروا معًا .

**********************

عاد طارق مع والده إلى الشركة بعد قليل ومر اليوم بسلام وهو يفكر فيها، وقرر أن يترك الأيام تجري كما تشاء ..

في المساء صعد إلى غرفته وجد سلمى نائمة على الأريكة ويبدو إنها لا تشعر بالراحة، حملها ووضعها جانبه على الفراش، وأخذ يتأمل فيها قليلًا ويبتسم دون إرادة منه حتى غلبه النوم .

استيقظت في صباح اليوم التالي لتجد نفسها نفس الوضع وتستمر المجادلة بينهم، ليتكرر الوضع يوميًا لمدة أسبوع ولا تعرف سر ذلك إلى أن سأمت وفي إحدى المرات أعترضت على تصرفه هذا

– أسمع بقى مش كل يوم هصحى ألاقيني جنبك

رد بهدوء على غير عادته:

– هو حد لاقي الراحة ويقول لأ

صاحت به بضيق:

– وأنت مالك هو أنا كنت اشتكيتك .. كل واحد ينام على الجنب اللي يريحه

زفر بقوة وقال بنفاذ صبر:

– ماهو انا مش هقدر استحمل الفترة اللي هنفضل فيها مع بعض وأنتِ بالوضع ده .. ضهرك هيوجعك من النومة دي

ردت بنبرة ساخرة:

– اللي يسمعك يقول قلبك عليا أوي .. أنا مرتاحة كده

سأم من نبرتها الساخرة الباردة، التي لا يجدوى من تغييرها ليقول بنفاذ صبر:

– اللهم طولك يا روح .. تخيلي !! .. وأنا يا ستي مش مرتاح الكنبة صغيرة ومش مريحة أصلًا أنا مش عارف مستحملاها ازاي

ردت سلمى بتهكم وسخرية:

– زي ما أنا مستحملة صاحبها بالظبط .. هتفضل تشيلني كل يوم كده !!

رفع يداه للسماء وهو يحاول أن يتغاضى عن كلامها وبرودها:

– الصبر يا رب .. طالما أنتِ مش عايزة تنامي عدل بستناكِ لما تروحي في النوم وبعدها بنقلك على السرير .. ما أنتِ عنادك ده هو اللي بيضطرني أعمل كده

اقتربت منه وعقدت ذراعها وقالت بطفولة وتحدي:

– طب إيه رأيك بقى إني مش نايمة .. هطبقلك للصبح شوف بقى هتشيلني ازاي ها

خرجت وجلس هو على الفراش يضحك على طفولتها وعنادها .

********************

نزلت الحديقة لتجد تهاني تجلس شريدة في حوض السباحة، ابتسمت واقتربت منها إلى أن شعرت بوجوها خلفها، اعتدلت وجلست سلمى بجوارها وقالت بمرح:

– الجميل سرحان في إيه ؟

ابتسمت تهاني وقالت بحب:

– هيكون في إيه غيركوا .. أخبارك إيه أنتِ وطارق؟

تنهدت سلمى بحزن ولكن ردت برضا:

– الحمد لله علاقتنا مستقرة متقلقيش

تشعر تهاني إنها بالتأكيد تخفى عنها الكثير، وإنها لن تشكو لها ما يحدث بينهم، وهي تحاول رغم كل ذلك أن تلطف بينهم لعل وعسى يتراجعوا عن فكرة الإنفصال قليلًا .. ربتت على يدها وقالت بتفهم:

– أتمنى فعلًا .. ربنا يهدي سركوا يا بنتي ويبعد عنكوا العين .. أدي لنفسك الفرصة يا سلمى أنا عارفة إنك فاهمة قصدي كويس

شعرت بخفقان قلبها وهي بالفعل تدرك ما ترمي عليه، ابتسمت وقالت بود:

– مش الواجب بردو حضرتك تقومي بالخطوة دي الأول ؟

عقدت جبينها بعدم فهم:

– تقصدي إيه؟

اقتربت منها وقال بابتسامة رقيقة:

– أنا شايفة من ساعة ما اتجوزت طارق والمعاملة بينكوا ناشفة أوي .. اللي كنت بسمعه من نور غير اللي بشوفه حاليًا

تنهدت تهاني بحزن وقالت:

– تعرفي يا سلمى أنا من ساعة اللي حصل وأنا قلبي مش مطاوعني إني أبقى بالجفاء ده من ناحيته ولا مرتاحة .. بس أعمل إيه في تصرفاته كان لازم يتاخد منه موقف عشان يعرف إن الله حق وإن اللي عمله ده مش هين ولا أنا ولا والده ولا اخته ممكن نتقبله .. لازم يتعلم الدرس ويشغل مخه شوية

شعرت بالغرابة مما سمعت لتتسائل في اهتمام:

– اللي حصل لكل ده ؟ .. تقصدي اللي عملته سارة يوم الفرح ؟

صدمت تهاني وأعتدلت في جلسها وهي لم تتصور معرفة سلمى بالأمر:

– نور قالتك حاجة ؟

ردت سريعًا حتى لا تلقي اللوم على نور:

– لا طبعًا يا طنط نور لا يمكن تقولي حاجة زي كده عن طارق قدامي .. سمعتها وهي بتتكلم

حزنت تهاني وسألت باهتمام:

– وأنتِ سكتي يا سلمى ؟ ليه ؟

ابتسمت بتهكم وقالت بحزن وقلة حيلة:

– ويفيد بإيه الكلام ؟ هل هيغير الواقع ولا كنتِ عايزة الفرح يتفشكل بعد كل اللي مرينا بيه .. وتفتكري لو كنت أتكلمت بابا كان هيسكت !! مستحيل .. المهم .. أكيد ده مش السبب الوحيد مش كده ؟

نظرت لها وقالت وهي تتذكر:

– أنتِ مبقتيش غريبة يا سلمى .. طارق غلط في نور جامد أوي .. جرحها وجرحنا كلنا بكلامه ساعة غضب بسبب اللي حصل .. لحد دلوقتي كلنا مش عارفين نتخطى اللي حصل ولا أعتذر حتى من اللي عمله

فهمت سلمى ماذا تقصد، وجدت إنها اللحظة المناسبة فأردفت:

– طارق عرف غلطه وأعتذر لها وهي سامحته

اتسعت عيناها وصاحت بلهفة وفرحة:

– بجد !! وأنتِ عرفتي منين؟

ابتسمت عندما شاهدت الفرحة في عيناها وكل شيء بها يتحدث بفرحة:

– المرادي بقى من نور .. حكتلي على كل حاجة .. وجاه دورك عشان تسامحيه وانكل كمان .. طارق خلاص أتعلم الدرس وحس باشتياقه لاخته وأد إيه هو كان ندمان بجد طول الفترة دي .. بقى ينفع أنا أحن وأسامح وأنتِ مصدر الحنان كله ومتسامحهوش ؟ .. سيبك مني دلوقتي حضرتك أهم .. حقيقي طارق مضايق من الوضع ده وأهله بعاد عنه ونفسه علاقتكوا ترجع زي الأول وأحسن كمان .. اللي حصل ده قلب حياتنا كلنا كفاية بُعد وجفا .. مهما كان ابنك وقلب الأم حضرتك عارفاه كويس مسيره هينخ .. ثم يا ستي صاحبة الشأن خلاص سامحت والماية رجعت لمجاريها

كانت تهاني تتمعن في كل كلمة وحرف فيما تقوله، وشعرت بالصدق والمحبة في كلماتها ونبرة صوتها، ومدى محبتها لهذه العائلة ومحاولة إصلاح العلاقة بينهم على الرغم من إنها أكثر ما تحتاج إلى ذلك .

شعرت بقبولها لحديثها والميل لها، تشعر بأن أول خطوة باتت بالنجاح .

كان يستمع لحديثهم محمود .. فقد جاء في موعده مثل كل يوم وبحث عن تهاني فلم يجدها، فتوقع أن يجدها في الداخل وصدفة أن وجدهن يتحدثن فجذبه هذا الحديث وأستمع هو الآخر بعناية فائقة وكلامها دخل فؤاده مباشرة بحسن كلامها وحبها الذي لاحظه في نبرة صوتها، فدخل بعدما تنحنح:

– قلبك كببر يا سلمى

ألتفت إلى مصدر الصوت وابتسمت، جلس بجوار تهاني:

– أنتِ عندك حق .. واحدة غيرك كان زمانها قالت وأنا مالي

تنهدت وقالت بصدق:

ـ أنتوا بقيتوا عيلتي اللي ربنا عوضني بيها على حاجات كتير كنت مفتقداها .. ويهمني أن جوزي يكون علاقته حلوة بأهله

ابتسم وقال بمحبة:

ـ وأنتِ بقيتي جزء من العيلة دي من أول يوم يا بنتي .. ربنا يبارك فيكِ ويهدي جوزك .. يلا قومي نتغدا وبعد الأكل عايزك في موضوع مهم

ابتسمت وهي تشعر بمحبته وقالت بنوع من المرح:

ـ بس ياريت حضرتك كمان تخف عليه شوية وتسامحه .. كفاية اللي حضرتك عملته والصلاحيات اللي أخدتها منه الفترة اللي فاتت

ده حتى السفر حضرتك مانعته ومن الصفقات اللي جات الشركة برة مصر وفيها سفر .. كفاية كده نور اتصافت الدور عليكوا بقى

ضمتها تهاني إلى صدرها كأبنة لها بكل حب وحنان، تنهدت سلمى باسمة وهي تشعر براحة ليس لها مثيل وتتمنى أن لا تخرج منه بعد الآن .

نزل طارق بعد قليل وشعر بأختلاف المعاملة من والديه عما سبق، وبدأ يأكل وهو يتأملها في صمت وهي شعرت بنظراته الخاطفة أتجاهها .. لا تزال غاضبة من دفاعه عنها بهذا الشكل وكأن كل تصرفاتها عادية ومقبولة، خاصةً عندما تقوم بالأتصال به ويرد عليها، ترمقه بعتاب وضيق ثم ترحل .

جلست مع محمود في مكتبه بعد ذلك وهي تستمع له بتمعن ومندهشة لما يقول، لقد مر عليها ذلك ولم تعير في خاطرها تلك المواعيد المتأخرة، لم تلاحظ وصول شحنات لوقت متأخر .. فلم تتكرر هذه الشحنات إلا كل حين وآخر ووالدها هو من يستلمها بنفسه ولا تعرف عنها شيء، تشعر بأمر غريب يحدث في الشركة وهي لا تعلم عنها شيء .. وظلت منشغلة في هذه الشحنات الليلية .

***********************

جاء المساء وهي جالسة على الأريكة كالعادة، تعمل على حاسبوها تتفحص الشحنات السابقة الواردة للشركة ومواعيد وصولها، لتجد بالفعل شحنات في مواعيد متأخرة من دول عربية وأجنبية خاصًة البرازيل وبيروت، مما زادت دهشتها ولا تعرف ماهيتها بعد .

ظلت هكذا لوقت متخر من الليل تعمل وتبحث وتتفحص في كل صفقة ولم تصل لشيء، احتارت أكثر وفضولها زاد أكثر، كيف لا تنتبه لهذا من قبل ؟ .

يتفحص حاسوبه هو الآخر وبين الحين والآخر يسترق النظر إليها ليجدها منغمسة في عملها بتركيز شديد جدًا، قطع الصمت بينهم الذي دام أكثر من ستة ساعات وهي تجلس لا تنهض إلا للصلاة

– مش ناوية تنامي ولا إيه؟

ردت عليه وهي تكمل عملها دون أن تنظر إليه:

– مش شايفني مش فاضية .. ورايا شغل

ابتسم ساخرا وقال قاصدًا استفزازها:

– ولا خايفة عينك تيجي في نوم ؟

تذكرت الحوار الدائر بينهم في الصباح، وإنها من المفترض أن تاخذ حذرها منه، فقد تحدته هروبًا من مواجهته، فقررت ألا تتراجع، فقالت بهدوء وبرود كالعادة:

– وأنا اخاف منك ليه أن شاء الله .. مش نايمة

ابتسم وقال باستفزاز:

– هنشوف

رمقته بضيق وعادت لحاسوبها، بعد مدة لم تستطع سلمى السيطرة على نفسها، شعرت بالنعاس الشديد، فقد سهرت أكثر ما ينبغي لقد أصبحت الساعة الواحدة والنصف صباحًا وتخشى في داخلها أن يغفو جفنها دون أن تشعر، تغفل لثواني وتستعيد وعيها سريعا مرة أخرى، وهو يراقبها في صمت ويبتسم من عنادها وتحديها وقوة تحملها حتى لا تبدو أمامه ضعيفة، أشفق عليها ليقول بهدوء:

انتِ معذبة نفسك ليه .. نامي

ردت وهي ناعسة للغاية ولكن بنبرة ضيق:

– وأنت مالك هو أنا قاعدة فوق دماغك

زفر بنفاذ صبر:

– مفيش فايدة في لسانك ده أبدًا ! .. هتفضلي كده للصبح يعني .. ما كده كده هتغفلي وهتنامي وكده كده هشيلك جنبي على السرير تعالي برضاكِ أحسن

فر النوم من عيناها وأعتدلت في جلستها وصاحت بغضب:

– ده أنت غلس بجد .. نام يا طارق يا رب تنام

ابتسم ببرود وقال:

– من بعدك إن شاء الله .. عنادك ده مش هيوصلك لحاجة وهتنامي في الآخر متأخر وعندك كلية الصبح .. فأستهدي بالله يا سلمى أرحمي ضهرك يا أمي .. هتتزنبي للصبح أنتِ حرة وكده كده هتصحي على نفس الوضع

زفرت وعقدت ذراعها في غضب شديد، لا مفر من ذلك ولن تجد مكان آخر لتبيت فيه، ولا تستطع أن تنام في غرفة نور .. فما العمل إذا لا محال .

ظلت ساكنة في مكانها تفكر في هذا الوضع، معه حق بكل آسف ضياع للوقت ولديها محاضرات صباحًا والساعة أشارت إلى الثانية، وهو ينظر إليها منتظرًا ردها .. بعد مدة قطعت الصمت قائلة بجمود:

– بس بشرط

لم يصدق موافقتها فابتسم ورد باهتمام:

– شرط إيه ده كمان

نهضت واقتربت منه وأكملت بجدية وجمود:

– تنام باحترامك ماشي .. لو قليت أدبك هسيبلك الأوضة كلها واللي يحصل يحصل

رفع حاجبه باستنكار وقال ساخرًا:

– حاضر يا ابلة هربع أيدي وأنا نايم ولما اتقلب هرفعها وأخد الإذن

عقدت حاجبيها بغضب وصاحت به:

– أنت بتهزر !!

قال متهكمًا:

– والله أنتِ اللي بتهزري

تنهدت وبتسمت ببرود وقالت بلامبالاه وهي تعقد ذرعها أمام صدرها:

– والله ده شرطي عجبك أهلًا وسهلًا .. وأنجز بقى عشان محاضراتي الصبح

تنهد وقال بنفاذ صبر، بعدما قرر أن يجاريها وينفذ رغبها، تعتبر خطوة أولى في إصلاح علاقتهما .. ولكن تعجب من تصرفها، أخذت وسادة ووضعها في نهاية الفراش ومددت جسدها عكس وضعيته ليقف باندهاش:

– إيه ده معلش !!

ردت ببرود كالعادة:

– إيه هنام .. عكس عكاس اومال أنت مفكر إني هوافق كده مثلا!!

زفر وتنهد بقوة ونام عكسها ثم قال ساخرًا:

– اومال لو مكنتيش قايلة نام باحترامك

ابتسمت وقالت ساخرة هي الأخرى:

– يا للي مآمن للرجال يا مآمن للماية في الغربال

سكت بغيط ولم يرد حتى لا يفتعل مشكلة معها لتبتسم هي .. ظلا على هذا الوضع قرابة عشر دقائق لا يستطع كل منهم النوم في هذا الوضع الغرب خاصًة سلمى التي كانت تختلس النظر إليه تراه إن كان ذهب للنوم ام لا حتى أن تستطع النوم هي الأخرى، وكل منهم يقوم بمراجعة يومه والأحداث التي مروا بها سويًا، قطع الصمت صوته:

– شكرًا يا سلمى

صمتت ولم ترد .. إنتظرت إلى أن يكمل حديثه:

– حسيت بتغيير معاملة أبويا وأمي ليا النهارده .. لأول مرة بعد تلات شهور أحس بحنية أمي عليا بعد جفا .. وأبويا صبره طال والتغيير اللي حصل في الشركة بعدها .. نور وعلاقتنا رجعت زي الأول ويمكن أحسن كمان .. حسيت بقيمة كل حاجة حوليا

نظر لها بتمعن في عيناها دقائق معدودة، نظرة لها معنى لتشعر بتوتر وقشعريرة تسري في جسدها

ابتلعت غصتها في حزن لتقول بجمود:

– تصبح على خير يا طارق

اغمضت عيناها كنوع من الهروب من الإجابة عليه، فلم تجد جواب مناسب ولم تستطع أن تقول شيء حيال ذلك، قلبها مازال موجوع ولم تنسى بعد ما تحملته بسبب تصرفاته التي لا ترعى وجودها في حياته من قبل، ولا تفهم ما يرمي عليه هذه الجملة .

*********************

في صباح اليوم التالي استيقظت سلمى على صوت منبه هاتفها، لولاه ما كانت استطاعت ان تستيقظ في هذا الوقت بكل آسف .. وجدت نفسها بنفس وضعها فتنهدت براحة وابتسمت على الرغم انها لم تشعر بالراحة كثييرا بسبب نومها وهي بكامل وعيها ولم تتفاجيء باليوم التالي .

ولكن الغريب انها وجدته مازال نائمًا .. الساعة السابعة ولم يستيقظ بعد على غير عادته، نهضت وفي طريقها إلى الحمام فكرت أن توقظه بعدما ترددت قليلًا ثم حسمت أمرها واقتربت منه بهدوء:

– طارق .. طارق قوم الساعة سابعة

فتح عيناه ليجدها أمامه هي من توقظه بنفسها، ابتسم وقال:

– صباح الخير

ردت بهدوء:

– صباح النور .. يلا قوم

تركته ودخلت الحمام، غسلت وجهها وتوضأت ثم خرجت صلت فرضها وهو مازال نائمًا فايقظته مرة أخرى .

نزلت هي بينما هو نهض ودخل الحمام، جلست على مائدة الطعام وهي ناعسة إلى أن لمحت الخادم وهو قادم ليضع باقي الاطباق وأوقفته:

– لو سمحت عايزة قهوة مظبوطة بس بسرعة

رد باحترام:

– حاضر يا هانم

ذهب وغفلت هي على سطح المائدة إلى أن تجمع جميع أفراد الأسرة وأحضر الخادم القهوة، يبدو عليها عدم التركيز والشرود بوجهها الناعس .

تعرف نور أن سلمى ليست من هواة أحتساء القهوة، خاصة في الصباح بوقت مبكر .. بعد قليل نزل طارق وطلب القهوة هو الآخر ومحمود اعتاد إنه يحتسي قهوته في منتصف اليوم .. فتسائل باهتمام:

– مالكوا أنتوا الاتنين .. مش عادتكوا تشربوا قهوة على الريق والصبح بدري أوي كده

نظرا طارق وسلمى بعضهم البعض ولم يجدا رد .. فقال طارق على الفور:

– نمنا متأخر أوي .. كنا سهرانين سوا ومحسيناش بالوقت

اندهشوا جميعًا ولم يعقبوا على رده، ولكن محمود وهاني فرحوا قليلًا إن كان ما يقول حقيقة، إذا تحدثوا سويًا أي يوجد ولو أمل بينهم .. بعد ذلك كل منهم ذهب إلى وجههته وتبقى تهاني وحيدة بالمنزل .

**********************

رن جرس الباب لعدة مرات، ليفتح عاصم باب شقة وهو عاري الجذع وفي يده سيجار، نظر للفتاة ساخرًا ثم أشار لها بالدخول خلفه ..

دخلت الفتاة بعدما أغلقت الباب واقتربت منه بتوتر وهي تقول:

– مش عادتك يعني تجيبني بدري هنا يا عاصم

جلس على أريكة وثيرة وقال وهو يطلق الدخان بكثافة، وكأنه يحدث نفسه:

– عشان تكوني فاهمة كويس اللي ممكن يحصل النهارده .. يعتبر القرار النهائي لكل القرف اللي وصلتله بسبب شرط تافه ملوش أي ستين لازمة في صفقة .. موضوع سلمى لازم أنتهى منه النهارده قبل بكرة

ثم نظر إليها وقال بتحذير:

– تصرفاتك بقت أوفر أوي يا سارة .. مش نبهت آخر مرة بعملتك السودة اللي أنتِ عملتيها .. اتجننتي عشان تبعتيلها مسدج وتعرفيها إنك مع جوزها!! .. إيه كانت النتيجة أن أول واحد شكت فيه يكون عملها هو أنا .. وبدل ما أقرب بتبعديها عشان يخلالك الجو مع البيه ابن الابياري

انفعلت به وقالت:

– اومال عايزني أعمل إيه أتفرج لحد ما يقربلها هي أكتر .. مش كفاية البلوة اللي اتحطيت فيها بسببك

نهض والشرر ينطلق من عيناه كالسهام الحارقة، أمسك ذراعها بقوة وجذبها إليه بعنف:

– كله بمزاجك يا حلوة محدش ضربك على أيدك .. أنتِ هتنفذي اللي بقولك عليه من سكات .. فاهمة ؟!

نظرت له بخوف وأومأت بالموافقة، أخذت حقيبتها وخرجت من الشقة والدموع في عيناها .

في ذلك الوقت كان إيهاب مارًا بجوار إحدى العقارات القريبة من منزله، ليتفاجئ بسارة تخرج منه باكية، ماذا تفعل هنا وليس هذا مكان سكنها، فهو يعرفه جيدًا، ترجل من السيارة واقترب من الحارس متسائلًا:

– صباح الخير يا ريس

رد الحارس وهو رجل بسيط بجلباب طويل:

– صباح النور يا أستاذ خير

ابتسم إيهاب وقال بتودد:

– متعرفش مين الآنسة اللي لسة نازلة دلوقتي دي ؟ ..

رد الحارس بتلقائية:

– دي واحدة كده بتتردد على شقة هنا في العمارة كل فترة زيها زي غيرها

لم يفهم بعد فحاول استدراجه أكثر:

– قصدك إيه بتيجي لمين يعني .. هي مش ساكنة هنا؟

رد سريعًا:

– لا يا أستاذ دي بتيجي لواحد عاذب ساكن في الدور الرابع .. بتيجي بليل ساعات وبتمشي الصبح .. الله يستر على ولايانا يابني

صدم إيهاب وشعر بأن عقله شُل تمامًا وغير مستوعب لأي شيء، رد على الحارس بشرود وهو في عالم آخر:

– شكرًا يا حج

تركه واستقل سيارته وهو يحاول استيعاب هذا الحوار وهذا المشهد، مستحيل ما توصل إليه أن يكون حقيقة، لا يستطيع أن يخبر طارق بأي شيء حدث حتى يعرف ماذا يفعل .

قاد وذهب إلى مقر عمله وعقله يحاول رفض هذه الحقيقة، التي لو حقًا كما سمع وتبين مدى صحتها ستكون كارثة وصدمة لطارق .

********************

طيلة المحاضرة وهي لا زال موضوع الشحنة يشغل تفكيرها، تريد التأكد بنفسها ولكن لا تريد الذهاب إلى الشركة وهو موجود، ولا تستطيع مسامحته فكيف لها أن تدخل الشركة دون أن يعرف، لو إنها تعرف أن

يوسف لا يذهب إليها منذ فترة طويلة لكلفته للقيام بهذه المهمة، إلى أن جاء في بالها فكرة وقررت تنفيذها بعد المحاضرات وما تبقى لها في الكلية .

في كافتريا الكلية تجلس هي ونور في شرود، لتخرجها منه بتساؤل:

– مالك يا سلمى من الصبح وأنتِ مش هنا خالص .. المحاضرات مفيش تركيز من أصله

ألتفت إليها وقالت بتفكير:

– في موضوع شاغلني جدًا يا نور .. تصوري أول مرة أخد بالي منه، كنت بكبر دماغي أو من كتر الشغل بعدي

عقدت جبينها وقالت باهتمام:

– موضوع إيه ده؟

نظرت لها وقالت باهتمام هي الأخرى:

– في شحنات بتيجي للشركة في وقت متأخر .. كنت يستغرب بس بقول عادي .. كلام باباكِ حسسني أن الموضوع في أنّ

أومأت نور وردت بجدية:

– سألني في الموضوع ده وقت الهاني مون … هو فيه إيه؟

تنهدت وقالت بتفكير:

– أفهم أنا بس الأول

*********************

رن الهاتف الخاص به، نظر له بتوتر ولم يرد، رن مرة أخرى ورد الفعل واحد .. بعد دقائق أُرسل إليه رسالة، تناول هاتفه بقلب غير مطمئن ليظهر عليه الغضب بعد قرائتها، ليقذف الهاتف بعيدًا في غضب وبدأ يظهر عليه شيء من الخوف .. أرتدى حلته المعلقة وغادر الشركة على الفور .

بعد قليل أتت سلمى إلى الشركة وهي تدعو الله في داخلها أن يكون غير متواجد الآن، وإن حدث ما لا تتمنى تستطيع مواجهته وتبرير وجودها .

اقتربت من السكرتارية، التي بمجرد رؤيتها ابتسمت السكرتيرة ترحيبًا بها:

– أهلًا بيكِ يا باشمهندسة نورتي الشركة .. ومبروك على الجواز

ابتسمت وحاولت ألا تظهر توترها أمامها فقالت بثبات

شكرا يا عبير الله يبارك فيكِ .. بابا هنا؟

ردت سريعًا:

– لا ده لسة نازل مفيش ربع ساعة بس كان شكله مضايق جدًا

أردفت سلمى باهتمام:

– طيب متعرفيش ليه؟

قالت بتفكير:

– تقريبًا بعد المكالمة اللي جاتله من شوية .. وفي فاكس جاه وملحقتش اديهوله

مدت يدها في الأوراق الموضوعة جانبًا على سطح المكتب وأعطت لها رسالة الفاكس .

أكيلت لها لتتناولها هي باهتمام وتقول وهي تنصرف:

– أنا في مكتب بابا يا عبير .. ابعتيلي النسكافيه بتاعي

دخلت المكتب وجلست على المقعد وبدأت تقرأ الرسالة بلهفة واهتمام، لعل وعسى أن تجد أي شيء لحل هذا اللغز .

فتحت فاها بشدة وصدمة كبيرتين مما قرأته، شعرت بقشعريرة كبيرة تسري في جسدها، وأخذ عقلها يعيد لها أحداث من الماضي وهي تحاول استيعاب وربط الخيوط في بعضها البعض، ضربات قلبها ازدادت بشدة وتعرق جبينها ووجهها سريعًا من شدة توترها وانفعالاتها الداخلية وهي لا تصدق ما تقرأه بين يداها.

تركت الرسالة جانبًا وأخذت تبحث في الملفات الموجودة على سطح المكتب وفي الأدرج عن الملف الخاص بهذه الصفقة، وأي ملف ميعاد تسليمه مغاير عما هو فيه .

لتجد الملف أخيرًا وبدأت تدرسه بعناية فائقة، كأنها تطلع على الصفقة لأول مرة، وبسبب ما حدث لوالدها من تعرضه لأزمة قلبية أدت إلى دخوله في غيبوبة لم تتمعن في الملف جيدًا .

وجدت تسليم الشحنات على ثلاث دفعات بالفعل، ولكن الدفعة الأخيرة في وقت متأخر من الليل .. بحثت جيدًا في باقي الملف لم تجد تفسير لهذا إلا ورقة واحدة بداخل ظرف أسود اللون، فتحت وأخرجت ما بداخله .. شهقت واتسعت بؤرة عيناها أكثر وبدأت اللآلئ تتجمع في عيناها البنية، واليد الأخرى أناملها على فاها في غير استيعاب .

أخذت الظرف ووضعته في حقيبتها .. ثم بحثت في باقي الملفات لتجد ما لا يسره العين وما لا يصدقه العقل، سريعًا ألتقتت عدة صور بيد مرتعشة من الصدمة، وأعادت كل شيء بمكانه .. ثم ألتقطت صورة من الرسالة وتركتها على السطح وخرجت من المكتب على الفور وجسدها يرتعش .

مرت على السكرتارية وقالت بنبرة جامدة:

– سكي على النسكافيه يا عبير .. بابا ميعرفش إني جيت هنا ولا أي حد .. سامعة !!

توترت من نبرتها لتومأ برأسها قائلة:

– حاضر يا باشمهندسة .. أنتِ كويسة ؟

أومأت وقالت بتوتر نوعًا ما:

– ايوة .. أنا لازم أمشي دلوقتي .. سلام

*******************

خرجت من الشركة واستقلت سيارتها، تركت الدموع المنحبسة داخل مقلتيها تفر وتهرب، لا تستطيع كبتها لوقت طويل أكثر من هذا .

لا تصدق أي حرف مكتوب فيما كانت تقرأه، ولا تعرف متى حدث ذلك وهي لا تعلم عنه شيئًا، كيف كانت غافلة طيلة هذه المدة ؟ .. سوف تُجن بكل تأكيد ولا تريد استيعاب أي شيء، لم تتصور أن الحال قد يصل به إلى هذا الحد مهما كان .

تسير في طرقات مزدحمة، وسيارات كثيرة من خلفهت وجانبها، لا تعرف إلى أين ذهبت وهي في عالم آخر، تركيزها منصب في شيء واحد فقط لا غير، فجأة وبدون أي مقدمات صرخت بعدما كانت ستصطدم بسيارة أحدهم ..

*********************

إلي هنا ينتهى الفصل السادس والثلاثون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى