روايات شيقه

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_1]

 مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص والروايات حيث نغوص اليوم مع رواية رومانسية مصرية كاملة جديدة للكاتبة شيماء جوهر والمليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية المليئة بالتضحيات , وموعدنا اليوم علي موقع قصص 26 مع الفصل السابع والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر.

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل السابع والعشرون

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

 

رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر – الفصل السابع والعشرون

 

“كفى عذابًا”

صعدوا درجات السلم راكضين إلى أن وصلوا غرفتها، حاول الشباب كسر الباب بكل ما أتاهم من قوة حتى تكسر بأيديهم ليجدوا سلمى جثة هامدة على فراشها شاحبة اللون .. ركضوا جميعًا نحوها في رعب وفزع شديدين يصيحون بأسمها وكل منهم نار تشتعل في داخله بشدة، يؤنبون أنفسهم وتحملهم جزء من المسؤلية لما وصلت إليه .

يوسف بعجزه وضعفه الشديدين أتجاهها منذ البداية، كان له أن يمنع والده منذ البداية، والآن تأزم الوضع بطارق، فلا يكفي صياحه بوالده آخر مرة .. ولكن الآن لن يسمح لأي أحد أي كان من هو أن يتحكم بها بهذا الشكل بعد، كأنها دمية ليس لها رأي أو حرية .

وطارق يشعر بحالة غريبة من عدم الاستيعاب لما رأه ومما سمعه، وذهل عندما وجدها شبه ميتة هكذا أمامه .. فقد كان يريد الهروب بعيدًا عن أفكاره التي تراوده، لم يكن يريد منذ البداية الزواج بها بهذا الشكل، وأن نهايتها تكون هكذا لمجرد رفضها أياه .. فهو لم يتمسك بها حينها، فكر فقط بكلماتها الأليمة التي تفوهت بها بغضب وألم شديدين، كان يشعر بكل كلمة وحرف وأعتصر قلبه على حالها .. لذا قرر الأبتعاد عن الجميع حتى هي، وفكرة معاقبته ومعاتبته إياها تخلى عنها عندما شاهد إنهيارها .. لم يتدخل ينقذها من براثن أبيها، فقط تركها ترحل أمامه بهذه الطريقة ونظرة عيناها توحي بالكثير، استغاثة .. عتاب .. حزن .. ألم .. غضب .

حملها طارق بين ذراعيه سريعًا وكاد يوسف أن ينهشه بعيناه، وضعها بالأريكة الخلفية لسيارته وجلست نور بجوارها، أما يوسف جلس بجانبه وقاد طارق بسرعة جنونية يكاد لا يرى الطريق من شدة شروده .

وصلوا إلى المشفى ليحملها طارق في سرعة وهو يركض بها دالفاَ من باب المشفى وهو يصيح بصوته الجهور الذي كاد أن أن يزلزل أرجاء المكان، ليقبل عليه بعضاَ من الأطباء والممرضات بترولي يضعها عليه ويركض هو ويوسف ونور معها التي كانت تبكي بصمت ودموعها أنسابت بحرية تامة على وجهها حتى كستهم بالكامل .. انتظروا في الخارج على نار أشد من جمر في قلق وخوف إلى أن خرج لهم الطبيب ليركضوا نحوه ليطمئنهم على حالتها، إلى أن صاح به يوسف:

ـ طمنَا يا دكتور عليها أرجوك

أقبل الطبيب يصيح بهم بجدية:

ـ إللي حصل عشان توصل للمرحلة إللي هي فيها دي .. كانت هتموت لولا أنتوا لحقتوها في آخر لحظة

صاحت نور هي الأخرى بقلق:

ـ إللي حصل فهمنا

تنهد الطبيب وقال بحزم وجدية:

ـ واضح إنها لا بتاكل ولا بتشرب بقالها تلات أيام .. جسمها ضعيف جدًا .. علقتلها محاليل وأن شاء الله تكون كويسة .. الحمد لله أن جسمها قوى وقدرت تتحمل أنها تعيش الفترة دي من غير أي حاجة .. واحدة غيرها كان زمانها ماتت .. بس خلي بالكوا منها .. عن أذنكوا

رحل عنهم الطبيب وظلوا واقفين يتبادلون النظرات في دهشة وتحدي وغضب .. يوسف يعاتب نفسه بأنه ترك المنزل وهي وحيدة مع هاشم، لو كان موجود ما كان حدث ما حدث على الأقل .

****************

إنها الثانية ظهرًا، موعد عودة محمود إلى منزله ليتناول وجبة الغداء بصحبة زوجته تهاني، التي أستقبلته كعادتها ببسمتها الحانية، فهو يحتاجها الآن أكثر من أي شيء .

جلسا معاَ على المائدة يتناولون الطعام في صمت، تختلس النظر إليه بين الحين والآخر .. شارد .. صامت ليس كعادته، نعم فهي مقدرة حالته جيدًا في هذه الفترة، صعبة على الجميع .. قطعت الصمت لتقول بتساؤل:

ـ وإيه العمل دلوقتي يا محمود؟ .. الفترة قربت تنتهي ومعندناش أخبار عن سلمى

رد بهدوء شديد تعجبت له تهاني:

ـ وابنك لسة مرجعش البيت لغاية دلوقتي .. كلام سلمى آخر مرة كان صعب جدًا .. يوجع الحجر .. أن هاشم يحس بيها

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قصه متسولة كعابيش

رواية زواج لم يكن في الحسبان الفصل الاول

رواية الشادر الفصل الثامن

وبألمها لأ .. جرها قدامنا ومشي بيها .. وطارق سبق ونهى الموضوع بس مستحيل هاشم يرجع عن إللي في دماغه .. نور فين؟

تركت الملعقة من يداها لتتنهد بحيرة وتقول بحزن:

ـ بتخلص كلية وبتطلع على المرسم بتاعها تشتغل شوية وبعدين بتعدي على سميحة تقعد معاها شوية وبترجع البيت تقفل على نفسها وكل يوم على الحال ده

تنهد بعمق وحزن:

ـ نور حساسة ومتأثرة جدًا باللي حصل لاخوها وصاحبتها .. وكل ده على نفسيتها خاصًة الكلام الأخير إللي سمعته من طارق، أتجنن صحيح .. نفوق بس من إللي احنا فيه وحسابه معايا بعدين، إتصلي بيه

زفرت تهاني بحزن وهي تقوم بالإتصال بطارق، وفي داخلها تدعو الله أن يرد على الهاتف إلى أن قام بالرد بالفعل لتصيح بلهفة:

ـ أنت فين يا طارق .. كده تقلقنا عليك يابني

مد محمود بجدية وحزم وهو يقول:

ـ ايديهولي (تناوله) بتهرب لتاني مرة يا طارق !! .. أنا ربيتك على كده .. أنت فين كل ده وقافل تليفونك ليه

نفسية طارق في الوقت الحالي لا تتحمل أي أتهامات ولا عتاب، يكفي ما به لرؤية سلمى فى هذا الوضع الذي لم يتوقع يومًا ما أن يراها فيه، فقد تحمل أكثر من الازم، ليرد عليه بصوت مختنق:

ـ ايوة يا بابا .. من فضلك مش وقته اتهامات ولا عتاب أنا اللي فيا مكفيني .. خلاصة الكلام أنا في المستشفى أنا ونور ويوسف وسلمى

تفاجئ محمود لما سمع، أقتحم القلق والتوتر قلبه .. خيوط كثيرة تشابكت أمام عيناه تحتاج إلى تفسير ليصيح بلهفة واهتمام كبيرين:

ـ إللي حصل وخرجتوها ازاي؟

رد طارق بنفس الأسلوب:

ـ مش وقته الكلام ده دلوقتي .. ننقذ حياتها قبل أي حاجة وبعدين نبقى نتكلم

تفهم محمود الوضع وحالته النفسية التي مر بها، ليقول باهتمام:

ـ طيب أنتوا في مستشفى إيه دلوقتي؟

رد طارق في الحال:

ـ مستشفى …….

نهض محمود بفزع من مقعده لتنهد تهاني هي الأخرى بقلق كبير لما سمعت من ردود محمود، ليقول لها بلهفة وهو يتناول هاتفه من سطح المائدة:

ـ أنا لازم أمشي دلوقتي حالًا .. عرفوا يخرجوا سلمى وهي دلوقتي في المستشفى

أقبلت عليه تهاني بلهفة :

ـ أستنى يا محمود هاجي معاك

أطلق جملته الأخيرة قبل أن يختفي من أمامها:

ـ مفيش وقت يا تهاني خليكِ .. هطمن عليها وهكلمك على طول

تنهدت بحزن وقلق شديدين ومقلتيها لمعت بالدموع:

ـ ربنا يطمنكوا عليها أن شاء الله .. ألطف بيها يا رب

********************

وصل محمود إلى المشفى ودلف إلى الداخل سريعاً يسأل عليها .. ثم سار بخطوات أشبه بالركض

ـ ايه إللي حصل يا ولاد .. طمنوني

قامت نور هي بالرد نيابة عن الجميع:

ـ لسة فاقدة وعيها أدعيلها يا بابا .. تلات أيام من غير أكل ولا شرب .. وطبعًا أنكل هاشم ميعرفش عنها حاجة وهو حابسها إن كانت عايشة ولا ميتة

هناك سؤال وحيد يثير فضوله لذا قام بسؤاله سريعًا:

ـ اومال انتوا خرجتوها ازاي؟

ليقوم طارق هنا بالرد عليه بهدوء وحزم:

ـ بالقوة .. زي ما حبسها بالقوة طلعناها بالقوة .. مش هسمحله يأذيها بأي حاجة بعد كده .. أنا اللي هقف له

الجميع يستمع بدهشة، لم يتوقع أحدهم أن يكون هذا رد فعله .. شعروا ببداية تغيير طارق نوعًا ما .. ليتنهد محمود براحة، شعر بفرحة خفية بقلبه لدفاع طارق عن سلمى بهذا الشكل الحماسي، طالما لم يكفوا عن مشاكسة بعضهما البعض وبينهم العديد من المناوشات ليقود بنبرة هادئة :

ـ تقوم بس بالسلامة واللي عايزه ربنا هيكون

هالة من الصمت حلت على الجميع .. الكل يقف ومشاعر وأفكار متضاربة بداخلهم، لأول مرة يشعر بالمسؤلية نحوها، بأن يهمه حقًا أمرها .. حتى هي نائمة مثل الطفل الصغير بكل هدوء وبراءة على قسمات وجهها تبدو قوية ذات إرادة وتحدي .. تعجب حقاً من شخصيتها التي طالما لم يرا مثلها من قبل .

*********************

بعدما عاد إيهاب إلى منزله كان يفكر بوضع طارق الحالي .. لا يعرف ما الشيء الطارئ التي تستدعيه نور القدوم سريعًا بشأنه، لابد من إنه لأمرًا هام .. تردد كثيراً في أن يقوم بالإتصال به ليطمئن عليه ليسمع رنين هاتفه وكان المتصل سارة، زفر بشدة وضيق بعدما شعر بالاختناق فجأة بمجرد أن رأى أسمها على شاشة هاتفه .. فهو يعلم ما ستقوله وهو يعرف كيف يتم الرد عليها، فهو لا يريد أن يتهور بكلماته حفاظاً على مشاعر صديقته .. فبعد محاولات عديدة فاشلة للإتصال به رد في المحاولة الأخيرة ببرود تام لم تعهده عليه سارة من قبل:

ـ نعم يا سارة في حاجة؟

ليجد من يصيح به بشدة وزاد غضبها بعدما لمست برودة رده:

ـ بدي أفهم إيه حكايتك أنت وصاحبك بقالكوا كام يوم مختفيين وقافلين فونكوا ليه ها

تلقائياً أبعد الهاتف عن أذنه من شدة صياحها وعلو صوتها، ليرد بنفس النبرة الباردة التي ثارت أستفزازها .. فلم يعد يتحمل أسلوبها بدون وجه حق:

ـ مالك طايحة فيا كده زي التور الهايج كده ليه .. ومين عطاكِ الحق في كده أصلاً ؟! .. أسمعي يا سارة أنا أستحملتك بما في الكفاية عشان خاطر طارق .. لكن لحد هنا وكفاية بقى .. عندك خطيبك تعملي معاه مابدالك لكن لحد عندي تلزمي حدودك معايا فاهمة !!

فتحت فاها بصدمة ودهشة مما سمعت للتو، إنه لجانب آخر من إيهاب كأنها لم تعرفه من قبل .. لقد تحول معها 180 درجة بشكل واضح وملحوظ .. لترد عليه بغضب:

ـ إيهاب .. أنت ازاي تكلمني كده .. كل ده عشان عايزة أطمن على طارق

تنهد بنفاذ صبر ليقول:

ـ سيبي طارق في حاله اليومين دول يا سارة بعد أذنك .. طارق بيمر بظروف وحشة ومش ناقص .. سلام دلوقتي عشان مرهق ومحتاج أستريح شوية

أغلق معها المكالمة دون أن يستمع لردها .. لتنظر للهاتف بعدم فهم وضيق شديد أسلوبه معها وهي تتوعد له .

لتقوم هي على الفور بالإتصال بطارق، ليقطع رنين هاتفه هالة الصمت .. تنهد بعمق عندما شاهد أسمها على شاشة هاتفه، يعرف بأنه مصرًا في علاقته معها في الفترة الأخيرة، خاصًة أسلوبه معها بنفاذ الصبر وهذا يرجع لأسلوبها معه .. رد على الفور بهدوء:

ـ ايوة يا حبيبتي

ليجد من حوله يلتفتون إليه، نظر لهم بإحراج وذهب ليتحدث بعيدًا عنهم

ـ أخبارك إيه .. وحشتيني

كادت أن تصيح به ولكن توقفت عندما سمعت رد الحاني، نبرة صوته بها هالة من الهدوء .. فقررت أن تستغل ذلك لصالحها لتقول بحزن ودلال مصطنعين: ـ بقى كده تسيبني اليومين دول من غير ما تسأل عن حبيبتك

ابتسم طارق، كان يتوقع صياحها ولكن وجدها تحدثه بدلال وحب:

ـ عارف إني مقصر معاكِ بس غصب عني يا حبيبتي ما أنت عارفة الورطة اللي أتحاد فوق دماغي .. قريب الكابوس ده ينتهي

حاولت نتش ما بداخله قدر المستطاع لتقول بتلقائية مصطنعة:

ـ أخبارك إيه مع سلمى على كده .. من يوم ما الهانم وصلت وأنت مختفي

زفر بضيق وقال وهو يحاول أن يتحكم في أعصابه: ـ ممكن تتكلمي عنها بأسلوب أحسن من كده

هنا شعرت بالغضب الشديد فصاحت به بضجر شديد:

ـ ومالك بتدافع عنها بالشكل ده ليه زي ما تكون سحرالك

زفر بشدة من طريقة تفكيرها وردها وهذا ما يجعله ينفر منها ليقوم بغضب مكتوم:

ـ إيه سحرالك وهبل إيه اللي بتقوليه ده .. هو عشان بحترمها ومقبلش إهانتها تبقى سحرالي وبدافع عنها !! .. أعقلي الكلام إللي بتقوليه يا سارة بدل ما تندمي على اللي بتقوليه ده بعد كده

ترد سارة بنفس النبرة:

ـ أندم على إيه يا طارق .. لما أشوف خطيبي بيدافع عن واحدة بالشكل ده عايزني أقول إيه يعني!!

صدم من ردها كثيرًا ليقول بانفعال:

ـ أنتِ مستوعبة بتقولي إيه؟! .. شايفاني يا بنتي بحب فيها!! .. أسلوبك ده يا سارة من غير مبرر هو اللي بيخليني أبعد عنك

شعرت سارة بأنها على وشك فقدانه بعدما أستطاعت على الأقل قربها منه، لتتراجع سريعًا وتقول بدلال مصطنع:

ـ غصب عني يا حبيبي بحبك وبغير عليك

زفر براحة ليقول بهدوء:

ـ وأنا كمان بحبك يا سارة بس مش كده

استئنفت حديثها بنفس الطريقة:

ـ طيب هنخرج فين النهارده ؟

تنهد وقال بجدية:

ـ مش هينفع يا سارة النهارده خالص

لترد بضيق بعد جملته:

ـ ليه بقى إن شاء الله ؟

تنهد وأكمل بنفس النبرة:

ـ الدنيا مدربكة عندي على الآخر .. سلمى في المستشفى مقدرش أسيبها دلوقتي

صاحت به بضيق، يبدو أن محاولتها للقرب منه بادت بالفشل:

ـ ماشي يا طارق .. لما هتخلص هتعرف تلاقيني كويس .. سلام

أغلقت معه المكالمة وهي لا تعرف سر إنجذابه نحوها هكذا، لكنها لن تستسلم وسوف تجد طريقة أن تزيح سلمى من طريقها .. إلى أن وجل لخاطرها فكرة شيطانية لتبتسم بخبث ومكر.

*****************

في المساء قرابة الساعة الثامنة مساءًا، عاد هاشم إلى الفيلا وهو في حالة مزاجية جيدة نوعًا ما .. دلف إلى غرفة مكتبه ووضع الحقيبة على أقرب مقعد ثم جلس يستريح قليلًا .. بعد قليل جاءت سلمى في خاطره فخرج من مكتبه متجهًا إلى غرفتها ليرا إلى مدى وصل تفكيرها في هذا الأمر .. وقف أمام الغرفة في ذهول مما رأه .. باب الغرفة مفتوح، متسع على آخره وسلمى غير موجودة بالداخل، شل عقله وتفكيره كيف خرجت وعصت أوامره، إلى أين ذهبت تلك الحمقاء .. يخشى ألا تكون قد هربت للمرة الثالثة بلا رجعة، مسه الجنون ليجعله يصرخ ويصيح بالخدم وهو يركض على السلم إلى أن وصل إلى البهو.

حضر جميع من بالفيلا على صوت صياح هاشم، ليقترب هو من أحدهن وصفعها لتنظر له الخادمة بألم وعدم تصديق من تغير السيد الذي تعمل لديه ليكون بهذه الوحشية، فحمداً لله أن سلمى تمكنوا من إخراجها من غرفتها .

جذبها من ذراعها بعنف وهو تنظر له بوجه باكي وعيناها ترتجفان في رعب وفزع، نظر لها وعيناه تطلق الشرار:

ـ مش أنا قلت محدش يهوب عند اوضتها!! وألا مش هيحصلك طيب حصل ولا محصلش ؟ .. أفهم بقى خرجت منها ازاي وأنا قافل عليها بالمفتاح .. أنطقي

بكت الخادمة بشدة وأدركت أن هذه نهايتها، حاولت تنظيم تنفسها لتقول بتعلثم وبكاء وخوف:

ـ أنا مليش دعوة يا هاشم بيه والله أنا نفذت كل أوامرك بالحرف الواحد ولا كان في نملة تقدر تهوب عند اوضتها … يوسف بيه هو إللي جاه وكان معاه اتنين شباب وآنسة نور وكسر الاوضة وخرجها وأنا والله وقفته وقلتله حضرتك هتزعل بس هو هددني .. والله ده إللي حصل

ألقى بها على الأرض بقوة إلى أن أرتطدمت بها وهي تبكي .. ليصرخ هاشم بمنتهى العصبية:

ـ يوسسسسسسف الكلب .. أنا هعرفه مين هو هاشم الجوهري عشان يعرف يتحداه كويس .. صبرك عليا بس أنتِ وكل إللي معاكِ ..

خرج من الفيلا في عصبية وغضب شديدين ودلف سيارته وقاد سريعًا وهو يتوعد لهم .

********************

يجلس عاصم على مقعده المتحرك، يهتز به في جميع الجهات مفكراً في تلك المكالمة الوارده له منذ بضع ساعات، تلك الطريقة التي كانت تتحدث بها تثير استفزازه وتجعله يركض ويهشم رأسه، ولكن أنتظر إلى أن يفكر في طريقة للخلاص منه قريبًا …

بينما كان يجلس على مكتبه يفحص بعض الإوراق التي أمامه سمع رنين هاتفه ليجد المتصل سارة .. ابتسم وقام بالرد:

ـ حبيبة قلبي اللي وحشاني .. فينك يا وحشة مبتسأليش ليه؟

ابتسمت لتقول بدلال:

ـ على أساس إنك بتسأل أوي

رد بنفس الأسلوب:

ـ ما أنتِ عارفة الظروف المنيلة اللي سلمى حطيتنا فيها .. هربت وقالت عدولي .. سلمى ليا أنا وبس

رأت بأنها الفرصة المناسبة لتثيره لتقول بخبث:

ـ هو أنت متعرفش إنهم لاقوها ولا إيه

أعتدل جلسته ليصيح باهتمام:

ـ أنتِ بتقولي إيه!! .. لاقوها أمتى وفين .. أخلصي يا سارة

ابتسمت بخبث وإنتصار على تلك المحاولة الناجحة لتستئنف:

ـ بقالها مدة مش طويلة أوي .. طارق مقليش أي تفاصيل .. بس شكلك نايم على ودانك ومنتاش داري باللي بيحصل حواليك

انتفض من مجلسه بضيق شديد ليصيح بها بشدة:

ـ مرة ألاقيها عملالي صفقة مع البيه .. والتانية ماشي وراها لحد المستشفى وعلى علاقة بيه .. ومرة اتفاجئ بجوازها منه .. اللي حصل تاني وأنا نايم على وداني

شعرت بالضيق الشديد على تلك الكلمات التي جعلتها تشعر بأنها مغفلة، ولا تعرف بأن كل هذا يعتبر أوهام .. ولكن يكفي اللحظة التي تفوه بها لهذه الكلمات ليشعل داخلها لذة الإنتقام من سلمى لتقول بخبث:

ـ السنيورة في المستشفى .. أي كان السبب إيه بس قاعد هناك لازق لها حتى مرضاش نتقابل النهارده .. مش كان الواجب بردو تكون أنت مكانه .. مهما حصل أنت خطيبها وهتيبقى جوزها

حاول أن يتماسك بالقدر المستطاع فقال بنبرة صوت رخيمة:

– طيب أقفلي دلوقتي يا سارة

أغلق معها المكالمة وهو يشعر بالإختناق والغيظ الشديد من داخله .. كل ما خطط له في السنوات السابقة فقد تهدم في ثواني معدودة عندما تخطى ابن الإبياري قدمه حياتها وكل شيء أنقلب رأسه على عقب، ولكن لن يقف مكتوف اليدين بعد الآن ولن يسمح بأستكمال هذه الزيجة .

أما سارة كانت تشعر بالفرح الشديد على قوة تأثير كلماتها الشيطانية عليه، وارتسم على ثغرها ابتسامة إنتصار كبيرة لهذا الفوز المؤقت لتفكيك العلاقة بين طارق وسلمى بقدر الإمكان، ولم تكن تفعل ذلك إلا بمساعدة عاصم لها بكل تأكيد .. فهو له دور وتأثير من الزاوية الأخرى دون أن تظهر هي في الصورة في جميع الأحوال .. لهذا لم تتشاجر مع طارق كعادتها لأنها تعرف من سينفذ خطتها بطريقة غير مباشرة وينتقم لها .. يا لها من ماكرة.

**********************

وصل هاشم إلى منزل شقيقته سميحة، أول مكان خطر على باله يمكن لسلمى أن تلجئ إليه .. أو بمعنى أصح من قاموا بتهريبها ليصبح منزلها مخبًا لها في نهاية الأمر .. لا يرى أمامه شيء سوى أن يجدها ومن هنا سوف يعاقبها أكثر ما فعل حتى وأن وصل به الأمر بقتلها مثلما حدث مع فريدة ونالت حتفها .

رن جرس الباب بطريقة مفزعة جعلت سميحة تنتفض من فراشها في سرعة وقلق، حسبت بأن هناك خطباً ما قد حدث لهم ولا تدري العاصفة التي سوف تهب عليها بعد دقائق معدودة .. ركضت مسرعة لتفتح باب الشقة لتجد أمامها شقيقها هاشم والشرار يطلق من عيناه سهاماً لتتخشب أمامه وتقول بغرابة:

ـ هاشم !!!!

اندهشت كثيًرا لرؤيته في منزلها .. فهو لم يقم بزيارتها منذ سنوات لهذا اندهشت من تلك الزيارة التي تبدو غير سعيدة بالنسبة لهاشم .

توقعت لقدومه في هذا الوقت ما هو أسوء، هل كشفت خطة الأولاد بالفرار بسلمى ؟! .. نعم هو كذلك بالطبع وإلا ما كان جاء إلى هنا بعد تلك السنوات الطوال .. قلبها كان يرتجف قلقًا حقًا إن كان أحدهم قد أصابه مكره ما، تماسكت على الأقل أمامه وحاولت بقدر الإمكان أن تبدو في حالة أتزان عصبي بالرغم من ضجرها الشديد منه ومن تصرفاته في الآونة الأخيرة :

ـ أهلاً يا هاشم .. أتفضل

تجاهل ترحابها لينفعل ويثور في وجهها كالقطار السريع:

ـ هي فين .. وديتوها فين ؟

ردت عليه ببرود غير متوقع منها على الإطلاق ليندهش منه هاشم:

ـ واضح إنك نسيت سجنك ليها بقالها كام يوم

ليرد عليها بتهكم وغضب شديد:

ـ لا منستش وده عقاب ليها عشان تعرف أن الله حق .. بس يصح إللي عملوه شوية عيال يتهجموا على بيتي وأنا مش موجود .. وتاخدهم الجراءة ياخدوا بنتي من غيرما أعرف

من هنا لم تستطع تحمل ما قاله للتو .. يا لها من بجاحة وجراءة وتلك الثقة التي يتحدث بها لتوه وكأنه لم يفعل شيء على الإطلاق لتنفجر به ولأول مرة بحياتها تحدثه بهذا الأسلوب:

ـ بس متقولش بنتي.. أنت نسيت يعني إيه أبوة من أصله .. في راجل عاقل يعمل في بنته إللي أنت عملته ده، بتاجر في بنتك يا مفتري ..

قاطعها ولم يعتريه ما قالته لتوها:

ـ أنا حر يا سميحة .. أعمل إللي عايز أعمله

لتستئنف صياحها ويعلو صوتها وتنفعل أكثر من قبل :

ـ لأ .. مانتاش حر يا هاشم واضح إنك فاهم الحرية غلط .. مضايق من إللي عملته بنتك ؟ كل ده من عمايلك وضغطك عليها وتبيع وتشتري فيها خلاها تهرب وتغور من وشك ومن تحكماتك .. اللي جرالك يا هاشم أنت مكنتش كده في إيه مالك يا ابن الجوهري .. شوية العيال اللي بتتكلم عنهم دول عملوا اللي كان لازم يتعمل من زمان أوي .. كنت عايزنا نسيبها ونسكت على عمايك دي لحد ما تحصل أمها ؟! .. فاكر فريدة يا هاشم ولا نسيتها ؟

وكأن سميحة ضغطت على زر قديم غلقه منذ سنوات ولم يرد في يوم من الإيام أن يقوم أحدهم بفتحه، حاول أن لا يتأثر بكلامها ليرد بكل برود وتهكم:

ـ إللي حصل لفريدة قضاء وقدر .. وبنتي أنا عارف مصلحتها كويس وإلا فعلًا هتحصل أمها

قال هذه الجملة ورحل على الفور بكل برود .. لم تستطع سميحة أستيعاب ما قال قبل رحيله، فتحت فاها في صدمة كبيرة لا تصدق، وشعرت بقدوم خطر وارد على تلك المسكينة التي لا يوجد أخبار عنها حتى الآن .. ولكن كلماته لا تبشر بالخير على الإطلاق لتقوم على الفور بالإتصال بأمير ويداها ترتجف من القلق والخوف إلى أن آتاها الصوت من الجهة الأخرى لتصيح بقلق:

ـ ألحق يا أمير

زعر أمير من الطريقة التي بدأت بها الحديث والدته ليصيح بقلق هو الأخر:

ـ في إيه يا أمي .. اللي حصل؟

استئنفت حديثها بنفس النبرة:

ـ خالك لسة نازل من عندي دلوقتي وشكله مش ناوي على خير أبدًا .. أنتوا فين يابني؟

قلق أمير ليحاول أن يقول بثبات حتى لا يقلقها بزيادة:

ـ في المستشفى يا أمي سلمى كانت تعبانة .. هشرحلك كل حاجة بعدين .. سلام دلوقتي هكلمك تاني

أنهى المكالمة ولأول مرة لا يشعر بالخوف من شيء نظر له يوسف في لهفة:

ـ خالي لسة نازل م عندنا دلوقتي وعرفت اللي عملنا

نظر يوسف للفراغ وقال بجدية وتحدي:

ـ بس أنا ولا يهمني اللي ممكن يعمله .. مش هسيبه يأذيها ونقف نتفرج بعد كده

نظر له طارق في ألم وهو يتذكر كلمات سلمى الأخيرة له:

ـ عندك حق .. مكنتش متصور أب يعمل في بنته الوحيدة كده أبدًا

ألتفت إلى نور لتبادله نظرة عتاب وألم والدموع كاللؤلؤ في عيناها .. حزينة شريدة في الحال الذي وصلت إليه سلمى من أجل شيء فانِ لا يستحق .. على كلمات اخيها التي لا تزال تدوي في أذنيها حتى الآن فيحترق طارق ألمًا على ما بدر منه ولا يعرف كيف يقوم بإصلاح ذلك في الوقت الحالي .

*********************

عاد هاشم إلى الفيلا والشرار ينطلق من عيناه، كلمات سميحة زادت من غضبه وانتقامه ولم تؤثر فيه .. عرف من إحدى الخادمات بأن طارق حملها وخرج بها هو من معه راكضين بها إى المشفى .

أستقل سيارته وأثناء القيادة قام بإجراء مكالمة هاتفية لأحدهم يخبره بالبحث في جميع المستشفيات القريبة من الفيلا، فالحالة الصحية التي بدت عليها سلمى في الفترة الأخيرة تستدعي الإنتقال بها إلى أقرب مشفى من هنا .. وبالطبع بعد قرابة ربع ساعة رد على الإتصال وأخبره بمكان تواجدهم .. انحرف بسيارته إليهم في غضب وقاد بمنتهى العصبية إلى أن وصل إليهم .

دلف هاشم الى الداخل متجهًا نحو قاعة الاستقبال ليسأل عن مكان تواجدهم بالتحديد، ثم صعد الطابق الخامس حيث توجد العناية المركزة .. وجدهم جميعًا مجتمعين أمام العناية المركزة وتقابلت العيون في مواجهة وتحدي جديدين ليس لهما مثيل من قبل، كانوا في أشد إستعداد لهذا الموقف الذي سوف يحدث في جميع الأحوال سواء كان الآن أو في وقتًا لاحق .. توترت نور كثيًرا وفي داخلها تدعو الله أن يمر هذا الموقف على كل خير وسلام، ساد الصمت على الجميع منذ أن هل عليهم هاشم إلى أن قطعه بنبرة حادة للغاية مليئة بالغضب والثوار:

ـ والله عال .. فاكرين نفسكوا هتفلتوا بعملتكوا دي ولا هعرف أجيبكوا!! .. تدخلوا بيتي وتاخدوا بنتي من غير أذني

رد أمير بنبرة جادة للغاية وعيناه مصوبة نحوه ولا يخشى شيئاً على الإطلاق ليقول بتحدي لم يشاهده هاشم من قبل:

ـ زي ما أخدتها من بيتي بدون أي مقدمات احنا عملنا نفس إللي عملته بالظبط .. إيه رأيك في المفاجأة دي يا هاشم بيه؟

ابتسم هاشم بتهكم وقال بسخرية :

ـ والله وطلعلك صوت يا ابن سميحة

تعصب أمير من تلك الجملة الساخرة والتي تحمل الكثير من نبرته، لم يشعر إلا وصوته بدأ في العلو:

ـ طول عمري عندي صوت .. طول عمري وأنا مش راضي على أفعالك بس مبرضاش أتكلم ولا أنطق حرف عشان خاطر أمي وسلمى .. لكن من النهارده أنسى .. محدش هيسمحلك أبدًا إنك تأذيها بعد كده

رد هاشم ساخرًا ولم يعير حديثه أي اهتمام:

ـ وهي من أمتى وكلتك محامي عنها

رد أمير في تحدي:

ـ من النهارده يا .. يا خالي

كاد أن يرد هاشم إلى أن قاطعه صوت جهورًا وإذ به صوت عاصم من خلفهم وهو يصيح .. تفاجيء الجميع بوجوده وزاد توتر نور وخوفها أن يزداد الأمر سوءً بتواجده في هذه اللحظة الساخنة أن يشتغل الصراع والنزاع بينهم أكثر من الآن :

ـ الله الله .. لا جميل أوي التجميعة الحلوة دي

تشجعت نور لإنهاء الموقف قبل أن يثور أكثر من ذلك بشيء من القوة على عكس داخلها تشعر بالخوف والتوتر الشديدين ولكن حسمت أمرها وردت هي بجدية:

ـ عاصم!! .. أنت بتعمل إيه هنا ؟ وعرفت مكانّا ازاي ؟

صاح بها عاصم بغضب شديد:

ـ جاي أشوف أخرة المهزلة إللي بتحصل من ورا ضهري دي .. مش خطيبتي بردو إللي خبيتوا ظهورها

نظر له طارق في ضيق لتفوهه بتلك الكلمة وكاد أن يرد فقامت نور بإستئناف حديثها بنفس النبرة :

ـ تقصد إللي كانت خطيبتك يا عاصم .. نسيت إنها رمت دبلتها في وشك ولا إيه .. أنت ملكش أي حق عشان تيجي تشوفها إللي بينكوا خلاص إنتهى وهي دلوقتي مرتبطة بحد تاني

ألتفت عاصم إلى طارق ورمقه نظرة غاضبة الذي الأخير بدوره ينظر له بتحدي وبرود شديد .. ليصيح عاصم في الجميع موجهاً عيناه نحو طارق:

ـ أنا لا يمكن أوافق على المهزلة إللي بتحصل دي ولا على شرط الصفقة المتخلف ده .. كله منك من ساعة ما دخلت معاها الصفقة دي وحياتنا اتشقلبت

لم يتحمل يوسف الصمت أكثر من ذلك لينفجر به وهي يمسك به من أعلى قميصه:

ـ على أساس حياتها معاك كانت في جنة يالا .. ده أنت موريها العذاب ألوان بنجاستك كل يوم مع واحدة شكل ومش مراعي إنك خاطب واحدة بضفرك ومتحملة قرفك وساكتة عشان أبوك وأبوها .. فاكرني مش هعرف إللي بتعمله معاها .. صحيح سلمى كتومة ومبتتكلمش بس أنا حاسس بيها من نظرة عينيها وكل ما أجي أدخّل بتمنعني .. لكن ورحمة أمي لو هوبت ناحيتها تاني مش هيحصلك طيب

تدخل هاشم لفض النزاع فصاح به:

– كفاية بقى يا يوسف بلاش فضايح .. فرجت علينا المستشفى

ألتفت له وابتسم بتهكم ليرد بسخرية:

– فضايح !! ومين السبب في الفضايح دي ؟ مش أنت بردو ولا حد غريب يا هاشم بيه

صرخت بهم نور كي تفض هذا النزاع بغضب شديد :

ـ بس بقى كفاية .. مش مكان نتخانق فيه ولا وقعت عتاب يا أستاذ يوسف .. نطمن عليها الأول قبل كل حاجه

رمقها بنظرة غاضبة بعدما أطال النظر بينهم لثوان معدودة، ليغادر المكان بدون إبداء أي كلمة .. هل حقًا غضب مما حدث؟، أما من كلمة أستاذ التي أصبحت ملازمة كلامها كلما وجهت الحديث إليه ؟.

لم يريد عاصم الإمداد في الشجار أكثر من ذلك، فموقفه أصبح ضعيف خاصة أمام نور .. ألتفت إليها ثم قال بغضب وتحذير:

ـ لما تفوق هيبقى ليا تصرف تاني معاها

أنصرف هو الآخر وحالة من الصمت هلت على المكان ولكن كان مشحوناً الغضب والتوتر والإنفعال من كل الحاضرين .. لم يتبقى سوى نور ووالدها وطارق وامير .. مر قرابة خمسة عشر دقيقة على هذا الحال صمت رهيب إلى أن قطعه محمود مردفًا:

ـ أتمنى تكون مبسوط بالنتيجة إللي وصلتها دلوقتي .. متتوقعش أن معاملة بنتك هتبقى زي الأول بعد إللي حصل ده .. أدعي بس إنها تقوم بالسلامة ويا رب تعقل وتعرف قيمة إللي معاك قبل فوات الأوان

نظر لنور واستئنف حديثه:

ـ طمنيني عليها يا نور أول ما تفوق .. مش قادر أنتظر أكتر من كده

فهمت نور ما يرمي له والدها، رمق هاشم بغضب ثم هم بالإنصراف على الفور .. استأذنت نور وقامت بالدخول لسلمى غرفة العناية المركزة بعدما سمح لها الطبيب ولكن لن تطيل الزيارة أكثر من عشر دقائق.

تركت الشباب سوياً والحال أصبح حرب أو منافسة أيهما أقرب بين طارق ويوسف، بعد تبادل تلك النظرات الحارقة بها الغضب والسخرية والضيق الشديد .. وعين كل منهم توحي بالكثير وأمير يشعر بالمشاحنات بينهم ويخشى رد فعل كل منهم خاصًة يوسف .

أبتعد عنهم أمير قليلًا يجري مكالمة .. تحدث إلى سميحة على الفور كي يطمئنها على سلمى وعلى الحال العام الذي بدى فيه الآن وقبل ذلك الحين .. عندما أتاه صوتها تكلم بصوت متعب:

ـ ايوة يا أمي

صاحت سميحة بلهفة وقلق:

ـ طمني يابني عملتوا إيه .. وهي ازاي حالها .. خرجتوا بيها ولا لسة ؟

صاح بها برفق مقدرًا لكمية المشاعر المتلهفة منها وقلقها عليها، تحدث بنبرة هادئة كي يطمئنها:

ـ أطمني يا أمي خرجناها وكله تمام .. احنا حاليًا في المستشفى

شهقت سميحة في فزع وضربت صدرها بكفها لتقول:

ـ مستشفى !! .. عمل فيها إيه المفتري

تنهد بحزن ليقول بضيق:

ـ كانت قاطعة النفس .. بقالها تلات أيام من غير أكل ولا شرب .. لولا ستر ربنا جينا في الوقت المناسب وجسمها قوي قدر يتحمل كنا زمنّا بنترحم عليها

زفرت سميحة بحزن وأسى لتقول وهي تفكر في حالها:

ـ لا حول ولا قوة الا بالله .. هي عاملة إيه دلوقت؟

تنهد بارهاق ليقول بهدوء:

ـ أدعيلها يا أمي ربنا يقومها بالسلامة .. حاليًا في العناية المركزة ونور دخلت تطمن عليها جوة

تريست دقيقة ثم قالت بتوتر وحذر:

ـ خالك جاه المستشفى ؟ عملتوا معاه إيه؟

زفر أمير بحنق ليقول:

ـ جاه وزعق فينا على اللي عملناه بس يوسف مسكتلهوش .. واللي زاد وغطا وجود عاصم والدنيا كانت هتولع لولا تدخل نور في آخر لحظة

ابتسمت وهي تمسح دموعها من وجنتيها:

ـ أصيلة نور .. مش عارفة تلاقيها منين ولا منين .. الغريب هموت وأعرف خالك والزفت اللي أسمه عاصم ده عرفوا مكان المستشفى منين .. ومين قالهم إنها في مستشفى أصلًا

ابتسم أمير بتهكم ليقول ساخرًا:

ـ حاجة زي دي بسيطة بالنسبالهم .. الحمد لله إنهم معرفوش يعتروا عليها من الأول وإلا كان زمانها في خبر كان

زفرت براحة لتبتسم وتقول بحنان:

ـ خد بالك منها يا أمير.. متسيبهاش لوحدها يابني

ابتسم أمير كي يطمئنها:

ـ متقلقيش يا أمي احنا معاها أهو مش سايبينها .. على العموم نور معاها ومعتقدش إنها هتروح وهي في الحالة دي وسلمى عمرها ما هتفوق الساعة دي .. مضطر أسيبك حاليًا عشان سايب طارق ويوسف لوحدهم ومفيش حد فيهم طايق التاني ألا هيمسكوا في بعض

عاد أمير إليهم ليجدهم مازالوا على نفس الحال، واقفين في صمت تام ولكن لم يكن هذا الصمت عاديًا على الإطلاق بل كان يشبه بحرف ضارية بينهم، يصارعون مشاعرهم وكل الأحداث التي مرت عليهم وكل منهم يتهم الآخر بأنه السبب في كل ما حدث .. حاول أمير بلطف قطع هذا الصمت المريب وتغيير الجو العام الذي أمتلئ بالتحدي والغضب الشديد من ناحية كل منهم، وتنمنى لو كانت نور موجوده معه الآن لصدت معه الموقف .

دقائق معدودة وخرجت نور من العناية ليقتربوا منها جميعاً للأطمئنان على حال سلمى .. ليقبل عليها طارق بنبرة باردة وهادئة للغاية:

– هي أخبارها إيه دلوقت؟

تعجبت نور من تغير اخيها .. أين الخوف واللهفة التي كان عليها سابقًا ؟ .. ما كان الذي تراه بعيناها ونبرة الرعب التي كانت تسمعها بأذنها منذ قليل؟ .. يوجد شيء خطأ وغير مفهوم بالمرة ولكن عليها أن تعرف ماذا حلَ به .. لترد عليه بهدوء وإرهاق شديد واضح في ملامحها ونبرة صوتها:

ـ الحمد لله بخير .. بس لسة حالتها غير مستقرة محتاجة تفضل في العناية لحد ما تتحسن

أقبل عليها يوسف بلهفة حقيقية لأول مرة تراها في عيناه:

ـ عايز أشوفها أنا كمان وأطمن عليها

ردت سريعًا لتقول:

ـ الدكتور مانع الزيارة حاليًا .. ده كويس إني دخلت من غير ما ياخد باله واطمنت عليها .. لسة مخرجني

ليخرج الطبيب من العناية خلف نور ليقول:

ـ كلام الآنسة مظبوط .. الزيارة ممنوعة حاليًا ووجودكوا دلوقتي ملوش أي فايدة .. مش هتفوق النهارده بأي حال من الأحوال .. تقدروا تيجوا تشوفوها بكرة لما تفوق بإذن الله

صاح به يوسف نافيًا:

ـ وأنا مش همشي من هنا من غيرها

رد الطبيب بنفاذ صبر:

ـ مفيش داعي لوجودك هنا يا أستاذ .. أتفضلوا بعد أذنكوا

تركهم الطبيب وغادر على الفور .. أقترب منه أمير مربتًا على ظهره ليقول برفق:

ـ الدكتور عنده حق وجودنا هنا دلوقتي مملوش أي لازمة .. وكفاية واحد فينا دخل لسلمى وأطمن عليها .. يلا بينا والصباح رباح

********************

غادروا جميعًا المشفى، فعاد يوسف مع أمير إلى سميحة وأستقل كل من نور وطارق سيارته وعادوا إلى المنزل في صمت تام .وصلوا ودلفوا إلى الداخل، طارق طوال الطريق يفكر كيف يقوم بمصالحة شقيقته على ما بدر منه من كلمات بلحظة غضب عارمة من المفترض وإن كان يشعر بها لا يقذفها بوجهها بهذا الأسلوب الذي تحدث به حينها .. يريد حقاً أن تعود علاقتهم مثلما كانت من قبل، هو يدرك إنه من الصعب الآن ولكن غير مستحيل .. فمهما كان نور شقيقته الوحيدة وتحبه كثيرًا، طيبة القلب يتسع قلبها للجميع وسوف تغفر له هذا الخطأ في حقها .. وقد تعقدت مهمته بغضب والديه عليه هما أيضاً، على كل حال أصبح وحيدًا يشعر بالخنقة الشديدة .. لا أحد يشعر به ولا بجانبه في الوقت الحالي .. حبيبه التي يتبدل أحوالها بين الحين والآخر ولا يعرف لماذا، أوقات يشعر بحبها حقًا وأوقات أخرى بأنه غير مهم في حياتها ولا تكترث بشأنه، حتى شقيقته الوحيدة التي كانت تزيل عنه الكثير ومن بعدها تهاني تلك الأم الحنونة التي لم يرى مثلها من قبل قد حرم الآن من ضمتها إليه في وقت ما يحتاج إليها بسبب تلك المجنونة الحمقاء التي تسمى “سلمى” إن كانت مطيعة في بادئ الأمر لم يكونوا قد وصلوا إلى ما هم فيه الآن .. ولكن تلك العنيدة لن تستسلم بسهولة أبدًا على كل حال .

دلفوا إلى الداخل في صمت تام، حاول التحدث إليها ولكنها لم تعطيه أي فرصة وصعدت مسرعة إلى غرفتها.. شعره بحنق وغضب على ما صلوا إليه.. ليجد أمامه تهاني تنظر له بهدوئها المعتاد ولكن امتزج بها العتاب وهو لا يستطيع تحمل تلك النظرة منها .. لتقترب نحوه عاقدة ذراعها في صمت مهيب لتقطعه قائلة بلوم وعتاب:

ـ ينفع اللي عملته ده يا طارق؟ .. كده تسيب البيت وتختفي؟ !! .. أنت عارف أنا كنت قلقانة عليك ازاي وعقلي عمال بيودي ويجيب

ليجيب ببرود غير معتاد وهو يحاول بقدر الإمكان أن يتماسك:

– هي جات عليا يعني .. ما مرة والهانم عملتها قبل كده

صاحت به تهاني فلم يروق لها تلك الطريقة التي تحدث بها:

– أنت بتجيب نفسك لسلمى يا طارق !! سلمى غلطت ولها مبرر في اللي عملته .. أنت بقى مبررك إيه عملت إيه عشان تسيب كل حاجة وراك وتمشي؟

لم يعد يحتمل أكثر من ذلك حتى الآن، يشعر ببركان يشتعل في صدره لا يستطيع أخماده وجاءت والدته تزيد ذلك الأنصهار أكثر وأكثر بكلماتها .. فتعالت نبرة صوته دون إدراك وصاح بمنتهى الغضب والضجر:

– في إني بشر زيها .. مش قادر أتحمل كل اللي بيحصل ده أكتر من كده .. أنتِ متعرفيش قالت إيه .. متعرفيش كلامها وجعني ازاي وأنا شايفها بتنهار قدامي ومش قادر أعملها حاجة وأبوها بيجرها قدامنا واحنا كلنا واقفين من الصدمة واللي بيحصل .. متعرفيش أن جوازي منها بيدمرها أكتر ما هي مدمرة أصلًا .. عشان كده كان لازم أبعد وأختفي لحد ما أعصابي تهدى عشان أشوف هعمل إيه في المصايب اللي عمالة ترف على دماغنا دي واحد ورا التاني

زفر بشدة وعمق واستئنف حديثه بألم ومرار محافظة على تلك الدمعة التي تجمعت في مقلتاه من النزول:

– حتى أنتِ يا أمي بعدتي عندي في أكتر وقت محتاج فيه لحضنك أنتِ وبابا بسبب المشادة بيني وبين نور .. اللي اتحرمت من كلامها وهزارها وضحكتها معايا .. كل ده اتحرمت منه في لحظة غضب وانفعال من الضغط اللي اتحطيت فيه .. وبقيت لوحدي أول مرة أحس بالضعف بالشكل ده وملقيش حضن اترمي فيه .. أنا تعبان أوي يا أمي حسوا بيا بقى

تركها وصعد هو الآخر إلى غرفته وتهاني لازالت تقف مكانها في صدمة مما سمعت من ولدها والدموع تسيل بغزارة من مقلتيها التي أصبت مثل البندورة، لهذه الدرجة يحمل كل هذا بداخله دون أن يشعر به أحد .. وراء تلك الصلابة والقوة من الخارج جرح وألم من الداخل يحتاج لمن يداويه .. لهذه الدرجة يكتم ويتحكم بمشاعره ببراعة دون أن يظهرهها لأحد؟ .. شعرت بأنها قاست عليه في الفترة الأخيرة ولكنه في ذات الوقت مخطئ وهو معترف بذلك ولا تدري ماذا تفعل الآن .. هل تذهب إليه وتضمه بحنان لصدرها أم تتركه معاتبة إياه كما فعلت من قبل ؟

كل هذا ونور بالأعلى تستمع لحديثه عندما شعرت بعلو صوته خرجت من غرفتها بقلق وشاهدت بعيناها التي لم تتوقف عن زرف الدموع لما سمعت من اخيها .. شعرت بألآمه وحزنه، فهي كانت ملاذه الوحيد من يعود إليها ليتكلم ويمزح، تهون عليه الكثير وفجأة دون أي مقدمات لم يعد شيء بينهما مثلما كان من قبل .. هي أيضًا حزينة للغاية على تلك العلاقة التي أحظت بها منذ نعومة أظافرها حتى اللحظةالتي دب فيها الخلاف بينهما وهي تشعر بالفراغ والحزن الشديد على تلك المساحة التي كانت بمثابة جزء كبير من حياتها .

دلفت لغرفتها وجلست على فراشها تبكي بشدة على ذلك الألم الذي يقطع قلبها .. تريدأن تسامح اخيها على ما بدر منه من كلمات خارجة وفي ذات الوقت قلبها تمزق عندما رأته بهذه الحالة الثائرة منذ قليل ولا تستطيع مسامحته عندما أخطأ في حقها .

*******************

في صباح اليوم التالي استيقظت نور مبكرًا تؤضأت وصلت فرضها، ثم قامت بالاستحمام سريعًا قبل أرتداء ملابسها وخرجت من غرفتها على الفور .

وجدت تهاني في الحديقة ساهمة تنظر إلى المسبح في صمت تام ولم تشعر بنور وهي تجلس قربها، تذكرت ما حدث الليلة الماضية من أحداث لم تتوقع يوماً ما أن تمر بها ولكن الحمد لله على كل حال .. تتذكر نبرة انفعال اخيها وكم من صمود يبدو عليه ليكون بهذه القوة أمامهم، ولكن لم تفهم بعد تحوله للبرودة في المشفى بعدما كانت حالة الخوف والوهل الشديد واضحة كوضوح الشمس على قسماته ولو أنكر ذلك، لا تفهم ما سر هذا الجمود الذي لاحق تلك البرودة .. أيكون ذلك الخوف والقلق ما يكنه عكس ما يظهر ؟ .. حقًا لا تعرف وقد يأست من تحليل مشاعره إن هو أو تلك المسكينة الراقدة بين الحياة والموت في المشفى .

قطعت الصمت لتربت على منكب والدتها بهدوء:

– الجميل سرحان في إيه يا ترى؟

فاقت تهاني من شرودها لتجد نور تجلس بجانبها، لا تعرف متى وهي على هذا الحال، لتجد نفسها تقوم بسؤالها:

– أنتِ هنا من أمتى؟

ابتسمت نور في وهن:

– مفيش عشر دقايق كده .. إيه مالك يا ماما؟

تنهدت بقوة وألم شديدتين وهي تتذكر كلمات طارق التي قطعت قلبها أشلاء من الحزن:

– قلبي وجعني على اخوكِ وعلى الحال إللي وصلناله ده .. مين كان يصدق أن كل ده يحصل ولا فرحتي بابني البكري تكون كده .. بالغصب .. أنا مش معترضة على سلمى بالعكس .. أتمنى من كل قلبي إنها تكون من نصيبه بس وهما الاتنين راضيين وموافقين ببعض .. أنتِ عارفة إني مش هلاقي زوجة أحسن منها لابني بس أديكِ شايفة الحال اللي هما فيه وطريقة معرفتهم ببعض كانت ازاي

ارتسم على ثغرها ابتسامة لم تصل لعيناها بحزن شديد، معها حق تهاني بكل ما تفوهت به للتو، هي أيضا ً حزينة وتتمنى ذلك .. ولكن لا هذا ليس كل شيء، لتنظر لتهاني وتقول باسمة:

– بذمتك هو ده بس سبب زعلك ؟ .. مفيش حاجة تانية ؟

ابتسمت تهاني في حزن ووهن على تلك الليلة لتقول وهي تتصنع الجدية:

– مفيش حاجة يا حبيبتي

ضحكت نور وردت بمزاح:

– يا توتو على نور الكلام ده بردو .. مفيش حد في البيت ده يقدر يهرب مني أبدًا ً كلكوا مكشوفين قدامي .. أنا سمعت كل حاجة

ألتفت إليها تهاني في دهشة لتقول بلهفة:

– سمعتي إيه ؟

اندهشت نور لتلك اللهفة التي رأتها في قسمات والدتها لتبتسم قائلة:

– إللي قاله طارق امبارح .. على الرغم إللي حصل بينا وأنا أد إيه موجوعة من إللي قاله .. بس كلامه مسني أوي يا ماما ووجع قلبي.. زي ما أنا عارفة ومتأكدة إنه كمان وجع قلبك .. ولقيت نفسي حيرانة أسامحه على إللي قاله ولا أكمل عتاب ولوم فيه

أدمعت عيناها وتركت دموعها تنساب بحرية لعلها تداوي الحزن الذي تشعر به:

– نفس حالي .. محستش بنفسي غير وأنا داخلة اوضته ومن غير كلام أخدته في حضني

مسحت نور الدمعة التي كادت أن تفر من عيناها وحاوطت منكبيها بذراعها في حنان، لتسند رأسها على إحداهما:

– ربنا يعدي الأيام دي على خير بقى .. أنا خلاص قربت أجيب أخري

ربتت تهاني على يدها لتقول:

– إن شاء الله يا حبيبتي .. طمنيني إيه الاخبار امبارح؟

أبتعدت عنها قليلًا وردت بحزن:

– أدعيلها تفوق يا ماما وتبقى كويسة .. واليومين دول يعدوا على خير بس أهم حاجة

ابتسمت تهاني:

– يا رب يا حبيبتي .. تعالي نقوم نفطر بقى عقبال ما أصحي بابا

نهضت نور لتقول بعجالة:

– لا معلش أعفيني مليش نفس .. هطلع على المستشفى هطمن عليها

نهضت تهاني هي الأخرى لتقول بإعتراض:

– مينفعش تنزلي على لحم بطنك يا بنتي بالشكل ده .. اصلوبي طولك بأي حاجة

قبلتها على وجنتيها لتقول بمرح كالعادة:

– معلش يا أمي هاكل أي حاجة في السكة بعدين .. يلا سلام بقى

تركتها وذهبت على الفور دون أن تسمع ردها .. أومأت برأسها يميناً ويسارًا اعتراضًا ونفيًا على حالها لتقول لنفسها بقلة حيلة:

– مفيش فايدة أبدًا ً في العيال دي .. ربنا يصلح حالكوا يا ولادي يا رب وتعدي الأيام دي على خير بقى

********************

صفت سيارتها أمام المشفى ودلفت للداخل وهي تدعو في داخلها أن تعود سلمى لوعيها مرة أخرى، لقد أشتاقت إليها كثيرًا وتعلم بالرغم من تغيرها في الفترة الماضية ألا إنها لا تزال صديقتها المقربة وشقيقتها التي لم تلدها أمها .

جلست في الإنتظار قرابة نصف ساعة لحين يبدأ موعد الزيارة للعناية المركزة، التي تبدأ في تمام الساعة الثامنة صباحًا .. دخلت بعدما سمح لها الطبيب .. جلست بمقعد بالقرب من فراشها ولمجرد رؤيتها في هذا الشكل أدمعت عيناها وبكت وظلت بجانبها تحدثها وتقص لها عما حدث في الأيام الماضية بدونها .

في ذلك الحين وصل يوسف وأمير وسميحة إلى المشفى، توجهوا إلى غرفة العناية وكادوا أن يدخلوا ألا أوقفهم الطبيب:

-ّ ممنوع الزيارة دلوقتي إلا لما إللي جوة يطلع .. اتنين اتنين

تسائل أمير بجدية:

– مين إللي جوة ؟

رد الطبيب برسمية:

– الآنسة اللي كانت موجودة امبارح

فهم كل منهم أن من بالدخل هي نور، يوسف في قرارة نفسه مشتت لا يدري هل اشتاق لها ليلة كاملة ويريد رؤيتها ولا يريد أن تغفل عن عيناه، أم سيبتعد عنها ويعاملها برسمية كما كان من قبل، ولكن في السابق كانت علاقتهم بالرغم من رسميتها ألا أن بها لين في المعاملة وليس جفاء كما يحدث الآن .

بعد مرور عشر دقائق دخل الطبيب يستأذن نور بأن وقتها قد إنتهى وحان دور الآخرون، أدركت أن اخيها ومن كانوا معها قد آتوا للاطمئنان عليها، خرجت وهي لا تريد مواجهة يوسف أمامها ولا تريد أن تراه .. ولمجرد رؤيته تلاقت عيناهم في صمت تام، فأشاحت نظرها عنه وألتفت إلى سميحة باسمة أقبلت عليها تختبأ في صدرها، لتربت عليها الآخرى بحنان:

– صباح الخير يا طنط

أبتعدت عنها وردت باسمة:

– صباح الفل يا حبيبتي .. عاملة إيه النهارده؟

اصطنعت نور البسمة لتقول:

– الحمد لله بخير .. هبقى كويسة لما تفوق بإذن الله

ربتت على منكبها لترد ببسمة ممزوجة بحزن:

– إن شاء الله يا حبيبتي تقوملنا بألف سلامة

ألتفت سميحة ليوسف الذي لم يشيح نظره عن نور منذ لحظة خروجها، شريد .. حزين .. مجهد محاولًا الأتسام بالبرود أمامها بقدر المستطاع، لتقترب هي ممسكة بذراعه:

– يوسف .. مالك يا حبيبي مسهم كده ليه؟

رد مرتسماً بسمة صغيرة على محياه محاولًا إخفاء مشاعره ويبدو هادئ على قدر الإمكان وأن سميحة تفهمه من عيناه:

– مفيش يا حبيبتي .. أنا يمكن بس منمتش كويس

سميحة على علم بأنه يخفي شيئًا، فهي ملاحظة منذ البداية نظراته لنور، فقررت أن لا تضغط على أعصابه الآن يكفي الموقف الذي وضع به لا يحسد عليه وسوف تتحدث معه فيما بعد، لتجاريه فيما قال:

– ومين سمعك يا بني .. ولا أنا نمت كويس امبارح وعقلي عمال بيودي ويجيب .. إن شاء الله هتبقى كويسة .. هندخل احنا بقى نطمن عليها .. لولا أمير أصر كنت جيت امبارح

تنهد بقوة وشدة:

– يااااااا رب .. ماشي يا عمتو

دخلت سميحة وأمير وصدروا خلفهم الثنائي الغاضب، كل منهم متجنب النظر للآخر، يتحاشاه بمعنى أدق .. نور لا تعلم سبب تغيره المفاجئ معها بهذا الشكل، فلم تتوقع منه أن يعاملها تلك المعاملة يومًا من الأيام، تريد النظر إليه ولكن كبرياءها يمنعها أشد المنع، هو من أخطأ بحقها وتجنبها بدون مبرر أو سبب مقنع حتى .. طالما هو من بدأ معاملته الرسمية معها سوف تستمر كما يشاء لترى ما نهايته .. بينما هو كان أكثر غضبًا منها، فتلك المعاملة رغم عن إرادته، تألم كبرياءه بعد تلك الكلمات التي لقنها طارق له ولهذا السبب يتمنى لو أصبح بين يديه ليهشم رأسه؛ قلبه يعتصر ألمًا وهو يعالمها بهذا الجفاء، كرامته يمكن أن تكون أكبر من المشاعر التي يكنها إليها، فهو يبدو من الخارج غير مباليًا بينما من الداخل قلبه يشتغل أشد من الجمر .

مازال الصمت الهالة التي تحاوطهم، هو يسترق النظر إليها بين الحين والآخر .. يريد أن يبدأ معها بالحديث مثلما يفعل من قبل، ولكن لا يستطيع .. كلمات طارق لازالت تتردد في مسمعيه، لا يريد إثارة مشاكل في ظل الأوضاع التي محاوطون بها وبدلًا من مشكلة واحدة العديد منها.

بعد قرابة خمسة عشر دقيقة خرجت سميحة وأمير ويبدو عليهم الحزن الشديد خاصًة سميحة .. دخل يوسف هو الآخر وترك نور خلفه تشتعل من الضيق والحزن، لا تعرف لما يفعل بها كل هذا، لماذا بعدما أقترب أبتعد عنها فجأة دون مقدمات؟ .. الفضول ينهش في قلبها تريد معرفة السبب .

لم تستطع الإنتظار بوجوده أكثر من ذلك، يتعبها ويشتت عقلها وتركيزها، قررت الإبتعاد عنه إلى أن يرحل، وبالفعل أبتعدت دون أي مقدمات حتى سميحة وأمير اندهشوا من ذلك دون إبداء أي كلمة .

*****************

جلس بجانبها يتأملها في صمت، أمسك يداها وقبّلها باشتياق، وبدأت الدموع تتجمع في عيناه، لقد اشتاق إليها حقاً طيلة هذه الأيام الأربعة، يعرف أنه أخطأ بحقها بأسلوبه الأخير معه، ولكن غضبه كان يسيطر عليه فلم يجد منفذ لخروجه إلا بها .. يشعر بالضيق والعجز الشديد لما انتابه الشعور بأنها من الممكن أن يفقدها في أي لحظة لعدم تمكنه من منع والده عن أفعاله التي اندهش منها مؤخرًا، يشعر بأن هناك شيئًا خطأ .. لا يريد أن يفقدها مثلما فقد والدته بسبب أبيه، وهو سيكون السبب في فقدانها هي أيضًا إذا أستمر الوضع على هذا الحال .

بدأ يتحدث معها لعله يشفى من ألآمه.

“أنا آسف يا سلمى .. عارف إني ضايقتك بالكلام الفترة الأخيرة لما سألتيني عن نور .. بس والله والله غصب عني .. مكنتش عارف أقولك إيه عشان متكرهيش طارق بزيادة .. زي ما أنتِ أضايقتي أنا كمان أضايقت على فكرة إني عاملتك بالأسلوب ده .. بس سامحيني .. سامحيني على كل مرة معرفتش أخد حقك وأوقف قصاد بابا .. إني مقدرتش أحميكِ بما فيه الكفاية .. أنا حاولت معاه كتير بس للآسف معرفش إيه إللي بدله بالشكل ده .. وحشتيني أوي يا سلمى قومي بقى أنا مليش غيرك .. عايزك تكوني عارفة ومتأكدة إني بحبك أوي .. أنا آسف بجد”

طبع قبله على جبينها ومسح دموعه جيدًا وخرج

بحث عنها بعيناه فلم يجدها، كبريائه يمنعه من السؤال عنها ولكن شيء بداخله يحثه أن يفعل ذلك .. ودون أن يشعر ألتفت إلى سميحة قائلًا:

– هي نور فين؟

سمع صوت رخيم يرد عليه بدلاً من سميحة التي كادت أن ترد:

– وأنت بالك بيها .. مش قلتلك أبعد عنها وملكش دعوة بيها خالص

ألتفت لمصدر الصوت ليراه يقف بالقرب منهم، ينظر له بغضب واضعًا كفيه في جيب بنطاله .. كان يحترق من الداخل على تلك الكلمات وهذا الهجوم الشرس عليه، ولكن رد ببرود ولا مبالاه مغايًرا لما بداخله:

– كلامي مش معاك دلوقتي .. موجه لعمتي ولا حابب تسمع رد مش هيعجبك

غضب طارق بشدة وكاد أن يقترب نحوه ويهشم رأسه ولكن تماسك نظراً لوجودهم في المشفى، وكاد أيضاً أن يقوم بالرد عليه ألا أن سميحة تدخلت على الفور قبل أن تحدث كارثة وتكبر المشاحنات بينهم:

– خلاص يا ولاد .. ميصحش إللي بتعمله ده يا يوسف

كل هذا ولم يزيح عيناه عليه والشرر يتطاير .. رد بغضب:

– بعد إذنكوا أنا داخل أطمن عليها

دخل للغرفة بينما يوسف قال ساخرًا وبضيق شديد:

– حنين أوي يا خويا

لم يحتمل أمير تعبيرات وجه يوسف وهو يسخر من طارق وضحك بأعلى صوت، ليرمقه كل من والدته ويوسف بغضب، ليتوقف هو ويقول وسط ضحكاته:

– أنا آسف والله غصب عني .. بس مشوفتش شكلك وأنت بتتريق عليه يفصل من الضحك

رمقته سميحة لتقول بجدية :

– وبعدين معاك يا أمير هو ده وقته .. أسكت

وضح يداه على فمه محاولًا السيطرة على نفسه، وأزاح يوسف وجهه إلى الناحية الأخرى بغضب، وتقف سميحة حائرة بينهم .

نور تقف بعيدًا عنهم تشاهد كل ما حدث، زفرت بشدة على ابتعادها في الوقت المناسب قبل ظهور طارق، ولا تعرف متى سوف يرحل يوسف من هنا .

بعد قرابة خمسة عشر دقيقة خرج طارق مهرولًا ليصيح في الجميع برعب، ليلتفتوا إليه في هرع شديد وهو يقول:

– الدكتور .. فين الدكتور .. سلمى قلبها وقف ..

*********************

إلي هنا ينتهى الفصل السابع والعشرون من رواية صفقة حب بقلم شيماء جوهر

[ad_2]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى