على الساعة ستة ونص المغرب، نزلت من باب بيتي عشان اروح شغلي الجديد، وده تاني يوم ليا في الشغل.
يمكن أكون مش مرتاح في الشغلانة بس أهو ..الموجود بقى..
قررت اتمشى لحد السوبر ماركت، خصوصا إنه قريب أوي من بيتي، احلى حاجة إن المكان اللي بشتغل فيه إنه جنب سينما الفن، أينعم هي مقفولة والزمن جه عليها وخلى اليافطة بتاعتها متربة، والحيطان بتاعتها اتاكلت من الشمس، ده غير الحكم والشعارات اللي مكتوبة علي حيطانها وخلت شكلها وحش اوي، بس أنا بحب أشوف افيش فيلم عصر القوة اللي موجود على السينما، الأفيش بتاع الفنانة نادية الجندي وهي واقفة وماسكة مسدس ووراها الأبطال، أنا مشوفتش الفيلم الحقيقة، بس بيضحكني صورتها وهي بتتظاهر بالقوة زي باقي أفلامها، وباين كده ان ده أخر فيلم اتذاع في السينما، خسارة والله إن سينما زي دي تتقفل.. بس اللي شوفته امبارح خلاني اترعب واتخض منها، وكمان خلاني احس ان السينما دي وراها حكاية كبيرة اوي.
امبارح وأنا قاعد فجأة لقيت باب السينما بيتفتح، وبتدخل من الشارع قطة سودة لجوه، لأ وكمان قبل ما تدخل بصت عليا، وكأنها عاوزاني اشوفها او اروح وراها… قومت فعلا ووقفت ناحية باب السينما، ولما دققت بنظري اكتر لقيت واحدة ست بتجري وباين عليها الخوف، استغربت وقولت في عقلي:
-ازاي يعني، السينما دي مقفولة من سنين.. ازاي في حد جوه!
كنت عاوز ادخل جوه اشوف إيه الحكاية، بس وقتها لقيت عم كارم بيحط ايده على كتفي وبيقولي:
-انت رايح فين؟!
اتخضيت وبصيتله وانا العرق بينزل مني وبشاور على السينما:
-أنا.. أنا.. أنا شوفت واحدة بتجري جوه السينما، ف كنت عاوز يعني اتأكد إذا كان حد موجود ولا لا، يمكن يكون حد دخل بالغلط ولا حاجة.
ضحك باستهزاء وهو بيقولي:
– مين ده اللي جوه؟!.. ما باب السينما مقفول اهو، سلامة نظرك، أنت بتتخيل ولا ايه!
رجعت بصيت على باب السينما تاني كان فعلا مقفول!
-ايه ده بقى، هو انا اتجننت ولا ايه.
لما شاف عم كارم الحيرة في عينيا، طبطب على كتفي ودخل بيا المحل وقعد على كرسي المكتب بتاعه، وبعد ما قعد شاورلي اقعد على كرسي من الكرسين اللي قصاد المكتب ولما قعدت قالي:
-اسمع ياوليد ياابني، إياك أي حاجة تشوفها في السينما دي تصدقها، دي مجرد خيالات مش اكتر، واوعاك تقعد ناحية السينما، اقعد ناحية اليمين.. ماتروحش شمال، سامع؟!
-حاضر حاضر، بس انا اللي شوفته ده…
قاطعني عم كارم:
-لا تتكلم عنه مع حد ولا حتى تحكيه، أي حاجة تشوفها اعمل نفسك ماشوفتهاش، ولا تحكيها لحد، ولا حتى تفكر فيها، اللهم ما بلغت، اللهم فاشهد.
-حاضر.. اللي تشوفه.
سمعت كلامه وبصراحة مقتنعتش برضه، واضح أوي إن في سر كبير ورا قفل السينما دي ومسيري هعرفه، أنا اه كنت بعدي من عندها كتير، بس عمري ما فكرت هي اتقفلت ليه، ولا حتى أنا واهلي غاويين ندخل سينما، احنا بنستني الفيلم يتعرض على التليفزيون ونتفرج عليه، هو ده اخرنا، وساعات مبنتفرجش كمان، اصل الدنيا مخليانا منركزش في الرفاهيات بتاعت الناس اللي عايشة حياتها بالطول والعرض دي.
فضلت ماشي في الطريق، وأنا بفتكر شريط اليوم اللي فات وعقلي عمال يتكلم بأفكار روشتني، مش راضي يقف عن التفكير.. عادي.. ما ده العادي يعني، إيه الجديد، كنت ماشي وبقول لنفسي:
-الزمن ده وحش اوي، عمري ما كنت اتوقع إني اشتغل بياع في سوبر ماركت بمرتب ميعديش ال ٢٠٠٠ جنية، بس هعمل إيه.. كله عشان خاطر أمي واختي، وعشان اعرف اكفي مصاريفهم ومصاريف جامعتي أنا كمان.
اه.. بالمناسبة.. أنا في كلية تجارة، ماختارتهاش بنفسي، تنسيق الثانوية العامة هو اللي اختارها لي، بعد ما خيبت أمل ابويا الله يرحمه اللي كان عاوزني ادخل كلية سياسة واقتصاد وارفع راسه في وسط الحتة كلها.. يلا الله يرحمه.. ماكنش مصدق إن الامتحانات صعبة، او ده اللي كان ظاهر، انما الحقيقة اللي أنا واهلي عارفينها كويس، إني ماشي في التعليم بالزق، ولولا إنهم فوق دماغي وبيخلوني اروح الدروس بالعافية، وبينصحوني دايما.. ماكنتش اتعلمت من أساسه.
هيييه.. الله يرحمك يابا، سيبتني للدنيا تمرمط فيا، وكأنك بتردلي اللي عملته فيك زمان، بس أنا كنت طفل برضه، وأكيد كل الأطفال كانوا مغلبين أهاليهم كده.
وصلت اخيرا الشغل، بصيت للست نادية الجندي وقولتلها:
-سلامو عليكو ياأستاذة نادية، هتفضلي رافعة المسدس في وشي كتير كده؟
وقعدت اضحك بيني وبين نفسي، بس ضحكي مطولش لما لقيت عم كارم مستنيني قصاد السوبر ماركت وهو متعصب، وجنبه زميلي اللي ببدل معاه، بصلي بغضب وقالي وهو وشه مكشر:
-ساعتك كام؟!
بصيت في الساعة:
-الساعة سبعة..
– وخمسة!
– دول خمس دقايق، مش حاجة يعني ياعم كارم.
– بالنسبالي أنا حاجة، الشغل شغل، ومش معني إن أبوك الله يرحمه كان صاحبي، إنك تتدلع، الدلع اللي أنت فيه خلاص، زمنه راح، أنت كبرت وبقيت مسئول عن عيلة، لازم تتعلم الانضباط.
قولتله وانا صوتي بيترعش من طريقة كلامه الحادة:
– أنا والله خارج من ستة ونص، وجاي مشي، معلش أخر مرة، هحاول بعد كده اخرج بدري شوية.
بصلي عم كارم وكأنه زعل إنه قسي عليا في الكلام:
– خلاص حصل خير، بس هتقعد لحد الساعة ٧ وخمسة الصبح، عشان يبقى خدت وقتك كله، ودلوقتي رتب الدنيا كده واقعد على كرسيك، الزبون اللي يشتري حاجة منك، تبعتهولي جوه عشان يحاسب.
– حاضر.
كنت قاعد بشتغل وانا متكدر بعد ما عم كارم زعقلي، وفي اللحظة دي كان قصادي واحد شغال على الناحية التانية من السينما.. شاب شغال في محل هدوم، بص لي ورمى السلام، فابتسمت له وردتله السلام..
وعلى الساعة ١١ بليل كده، الدنيا بدأت تخف من الزباين، بصلي الشاب ده تاني وقالي بصوت عالي شوية عشان يوصلي كلامه:
-أنت جديد هنا؟!
هزيت له راسي بحركة معناها اه، قام من مكانه وقرب مني، روحت أنا كمان قربت ووقفت قدام السينما ولقيته واقف بعيد عني وبيقولي:
-تعالي اقف معايا هنا.
-طب خلينا في النص، بحيث إن لو جه زبون عندي ولا عندك نروحله بسرعة.
رد وقالي بتوتر:
-لا لا لا، يا تيجي تقف عندي، ياما اقف عندك، انما عند السينما لا، خلينا بعيد عنها احسن.
روحت وقفت ناحيته وسألته:
-هو ايه حكاية السينما اللي انتوا خايفين منها دي، حتى عم كارم بيقولي إني مقعدش عندها، هو في إيه بقى؟!
-ولازم تسمع كلامه، العمر مش بعزقه، هو خايف عليك، وبيقولك الصح واللي المفروض تعمله طول ما انت شغال في المنطقة دي.
-خايف عليا من ايه؟!.. هو إيه الحكاية بالظبط… ما تفهمني؟
-اقولك انا ياسيدي، السينما دي بتاعت واحد غني اوي، كانت من أشهر السينمات الموجودة في وقتها، كل الافلام تقريبًا كانت بتتعرض هنا، بيقولوا بقى إن الراجل الغني ده، واحدة ضحكت عليه، رقاصة باين، او واحدة من الوسط الفني، حاجة كده، المهم بقى، الولية دي خدت كل اللي وراه واللي قدامه، والراجل مات بقهرته بعد ما السينما فلست، وولاده من مراته الاولى، اترموا في الشارع بعد ما خدت كل املاكه، ومش بس كده.. دي السينما اتقفلت كمان بسبب الحاجات اللي الناس كانت بتشوفها.
-حاجات إيه دي اللي كانوا بيشوفها، مش فاهم؟
-الناس في وسط الفيلم، كانوا بيصرخوا، وبيأكدوا إن فيه عفاريت جوا المكان، ومش عفاريت وبس.. دول بيقولوا انهم بيشوفوا ناس ماسكين سكاكين وبيجروا ناحيتهم، ده غير ان في اتنين ماتوا جوه السينما بالسكتة القلبية، وواحد اتجنن حرفيًا ودخل مستشفي المجانين، وكل اللي كان على لسانه جملة واحدة.. أنا شوفتها وهي بتموت، وواحد خرج من السينما وقعد يحلف مليون حلفان، ان السينما مسكونة وفيها عفاريت وأشباح، وأنه شاف بعينه حد بيتقتل، وفضل يحذر الناس انهم ميدخلوش السينما تاني، ومن ساعتها والسينما اتفقلت، وظهرت إشاعة تانية إن في جريمة قتل حصلت جوه المكان، وإن عفريت اللي اتقتل اللهم احفظنا يعني، كان بيطلع بشكل مستمر.
-وهي السينما فيها أشباح فعلا، ولا كل ده كلام؟
-كل اللي شغالين حوالينا في المنطقة بيقولوا إنهم شافوا حاجات زي دي، أصوات غريبة، ناس بتصرخ جوه، الباب بيتفتح لوحده، وساعات بيقولوا إن في ناس عايشة جوه السينما، بس في الاخر دي مجرد أوهام وإشاعات، محدش عارف إذا كانت صح ولا غلط.
-ايوه فعلا.. انا اتخيلت اني شوفت واحدة بتجري، وطلع مفيش حاجة، بس بصراحة انا مش بصدق في حكايات العفاريت والجن والحاجات دي.
-والله تصدق او متصدقش دي حاجة ترجعلك، بس نصيحة مني، متقربش ناحية السينما، ولا حتى تقعد ناحيتها، اقعد دايما الناحية التانية، الحذر واجب برضه يازميلي، محدش ضامن عمره.
-حاضر… إن شاء الله.
شاور واحد من اللي شغالين في محل الهدوم للراجل اللي كان واقف معايا وقاله:
– تعالى ياسعيد، يلا عشان هنقفل.
قاله سعيد بعلو صوته:
-حاضر.. جاي أهو.
ابتسملي سعيد وسلم عليا:
-اشوفك بكرة بقى ياصاحبي..
-ماشي ياسعيد.. مع السلامة.
-بس زي ما قولتلك بقى، اوعي تقف عند باب السينما، وخصوصًا دلوقتي، لأحسن حد يطلعلك منهم ولا حاجة.
-بس ياعم بقى بطل هزار في الحاجات دي.
-أنتي خايفة يابيضة ولا ايه؟.. لا وبتقولي مش بتصدق في العفاريت.
-ايوه مش مصدق، وبقولك ماتهزرش يعني عشان انا مش مقتنع بكلامك.
-اه.. واضح، عموما خلي بالك من نفسك، سلام.
وسابني ومشي، اتضايقت أوي من طريقته في الكلام وتريقته عليا، خصوصا إنه خد عليا اوي، وهو لسه ميعرفنيش، وساعتها قولت لنفسي بتريقة:
-قال خايف قال، ده أنا لو شوفت العفاريت دي مش بعيد يخافوا هم مني، ويتمنوا كده ارحمهم من اللي هعمله فيهم، مش صح يا أستاذة نادية ولا أنتي ليكي راي تاني أنتي كمان؟
بصيت للأفيش وقولت وأنا متعصب:
-والله لاخلي أستاذة نادية الجندي تضربك بمسدسها ده بكرة واخلص منك.
وفجأة لقيت عم كارم بينادي عليا وهو بيزعقلي:
-ايه ياوليد، أنا عمال انادي عليك من جوه، أنت فين يا ابني؟!
جريت ناحيته:
-أنا هنا أهو، حقك عليا.
-لا بقولك ايه.. صحصح كده، احنا داخلين على نص الليل، فوق لاحسن حد يغفلك وياخد حاجة، خلي بالك.
-ماتقلقش.
بصلي عم كارم وهو باين عليه أوي إنه قلقان مني وقالي:
-ربنا يستر.
سابني عم كارم ودخل، ومع دخوله قررت اني لازم اتحدي سعيد الزفت ده، لازم اثبتله اني مابخافش، وإن مفيش حاجة اسمها عفاريت، اخدت الكرسي بتاعي، وحطيته قصاد باب السينما وقعدت جنب الحاجة، مفيش أي حاجة حصلت، الدنيا طبيعية، هادية، كله تمام، كنت ببيع للكام زبون اللي بيجيوا وشكرًا، لحد الساعة واحدة بعد نص الليل، وفي الوقت ده الدنيا بتبقى طبيعية جدا..
قعدت مكاني وبصيت للشارع وانا بقول لنفسي بصوت عالي:
-قال عفاريت قال.. ما الدنيا هادية وزي الفل اهي ومفيش أي حا…
وقبل ما أكمل جملتي، سمعت صوت باب السينما من ورايا بيتفتح وبيترزع جامد اوي، قومت من على الكرسي وانا مفزوع وببص ورايا، لقيت باب السينما مقفول، مفيش أي حاجة غريبة!
اتوترت ورجعت تاني اكلم نفسي بس بصوت اوطى:
-في إيه بقى؟!.. ده باينه حقيقة ولا ايه.
بعدت الكرسي شوية عن السينما وقعدت تاني:
-مفيش حاجة، ممكن أي باب من أبواب العمارات اللي حوالينا اترزع بسبب الهوا الشديد، مش بابها لا.. اصله هيكون إيه يعني، مش معقول يكون باب السينما يعني، لا لا لا.. سعيد بيهزي اكيد.
ماكنش في هوا شديد ولا حاجة، بس أنا كنت بقنع نفسي إن في هوا، او تقدر تقول بطمن نفسي وأنا من جوايا لسه قلبي مخلوع من الخضة، ايدي عمالة تترعش، ضميت ايدي على بعض وانا عمال اهز في رجلي، لحد ما سمعت ناس ورايا بتتكلم خلتني ابطل هز، اتنين كانوا بيتكلموا، واحد منهم بيقول للتاني:
-روح انت، وانا هشيل الحفلة الأخيرة بدالك.
والتاني بيرد عليه:
-والله مش عارف اقولك ايه.
-لا لا، متقولش حاجة، ياراجل احنا اخوات.
قومت من مكاني وانا العرق بينزل من كل حتة في جسمي، عمال اتلفت حواليا، بحاول اشوف مصدر الصوت، مين اللي بيتكلم، بصيت في البيوت اللي حواليا، يمكن اتنين بيتكلموا مع بعض في البلكونات ولا حاجة، بس مفيش حد، حتى المحلات اللي حواليا قفلت، والكلام كده بيقول ان اتنين بيشتغلوا مع بعض!
بقيت بتلفت وانا متأكد من مصدر الصوت، وعارف انا سامعه من أنهي ناحية، بس بحاول أكدب نفسي، ما هو مستحيل يكون الصوت جاي من السينما، ولا هو فعلًا في حد جوه؟!
كنت حاسس إني قربت اتجنن، دماغي هتنفجر من التفكير، غمضت عينيا لثواني، وفي اللحظة دي شوفت واحدة بتصرخ وبتجري، نفس الست اللي شوفتها امبارح وهي بتجري جوه السينما، فتحت عيني بسرعة ومسكت الكرسي عشان انقله قريب من المحل، واضح ان كل الكلام اللي انا سمعته طلع حقيقة..
وقبل ما انقل الكرسي، لقيت باب السينما بيتفتح لوحده، ومع فتحته شوفت السينما منورة من جوه، وظهرت قدامي.. نفس الست اللي أنا شوفتها من شوية وشوفتها امبارح، بتبسملي ابتسامة جميلة وبتشاورلي بأيدها وهي بتقولي:
-تعالى!
أنا معرفش ازاي رجلي خدتني لحد جوه، بالرغم من إني كنت خايف.. ومش بس خايف، أنا كنت مرعوب، العرق بينزل من جيبني، بس أنا كان لازم اعرف إيه حكاية الست اللي بتظهرلي كل شوية دي، وعشان كده سمعت كلامها ودخلت.. اتمشيت جوة السينما زي المتخدر لحد ما وصلت للقاعة.. واول ما دخلت كان الفيلم بتاع نادية الجندي شغال، وتقريبًا هو ده الفيلم اللي كان محطوط على الافيش، وفجأة.. الفيلم طفى، وشوفتهم قدامي.. الأشباح اللي كل الناس بتتكلم عليهم.. يتبع
(ده الجزء الأول من قصة سينما الأموات، )
سينما الأموات
٢
اتمشيت جوة السينما زي المتخدر لحد ما وصلت للقاعة.. واول ما دخلت كان الفيلم بتاع نادية الجندي شغال، وتقريبًا هو ده الفيلم اللي كان محطوط على الافيش، وفجأة.. الفيلم طفى، وشوفتهم قدامي.. الأشباح اللي كل الناس بتتكلم عليهم.. شوفتهم وكأن فيلم سينما بيتعرض قدامي، كنت واقف قدامهم بالظبط، بس مش شايفنني، وكأن أنا في عالم وهم في عالم تاني خالص.. واحد منهم خرج وانا خرجت وراه.. ماكنش مجرد شبح.. كان واحد من اللي شغالين في السينما بيكلم واحدة في تليفون السينما وبيقولها:
-ايوه ياحبيبتي، هستناكي النهاردة، متتأخريش عليا، أصل أنتي وحشتيني أوي، بقولك إيه، أنا همشي المغفل وانتي تعالي على طول، اوعي تتأخري.
ومن الناحية التانية شوفتها قدامي وهي ماسكة سماعة التليفون، وبتلعب في شعرها.. زي ما اكون شوفتها في خيالي او جوة عقلي انا وبس:
-امتى بقى يجيي اليوم ونبقى مع بعض ومانبقاش بنعمل كده زي الحرامية.
بصيت للراجل وهو بيرد عليها:
-هانت ياروح الروح.. هانت، انتي بس امشي على الخطة اللي اتفقنا عليها وهو هيطفش.
-لا ماتقلقش كله تحت السيطرة.
-يلا تعالي بقى بسرعة، متتأخريش.
-هحاسب السنترال وجاية اهو، بس انت مشيه قبل ما اجي، لاحسن يشوفني.
-في ثواني ويكون مشي، مع السلامة ياقلبي.
هنا بقى حسيت ان روحي بتتسحب مني للحظة.. لحظة بعدها شوفت الراجل وهو بيحط السماعة، واتكلم مع صاحبه صاحبه اللي شغال معاه، صاحبه اللي كان واقف مهموم، ناوله سيجارة، واخد سيجارة لنفسه من العلبة، وولع السجاير ليهم هم الاتنين:
-ياعم روق بالك بس واهدى، هي الستات كلهم كده نكديين، كبر دماغك منها، عارف لو طنشتها هترجعلك راكعة.
خد عبد المقصود نفس من سيجارته:
-لا مش كده.. أنا تعبت والله، دي سابتلي العيال وقالتلي انها هتروح تقعد عند امها، بتلوي دراعي، وقال ايه.. يا اشتغل شغلانة تانية تكفي طلباتها، يا أما تتطلق، دي قالتلي كمان ماروحش اتحايل عليها ولا اكلمها، دول حتى عيالها مش فارقين معاها، أنت متخيل.
سكت عبد المقصود شوية وخد نفس تاني، وهو بيطلع غله في السيجارة:
-بس عارف، حتى لو طاوعتها واشتغلت، برضه مش هيعجبها العجب، ما هو في ستات كده، هدفها في الحياة انها تنكد على الراجل اللي متجوزاه وبس.
-خلاص.. طالما كده ما تطلقها وترتاح، ليه جايب لنفسك وجع القلب.
-مقدرش، أنا بحبها، بالرغم من اللي عاملاه فيا ده كله وبرضه بحبها، مقدرش اطلقها، تفضل تتخانق معايا ليل نهار، وعلى قلبي زي العسل، تقولش عاملة لي عمل ياسمير، ده أنا محبتش ولا هحب حد زي ما حبتها.
رمي سمير سيجارته في الأرض وهو باين عليه الغيظ:
-طب ربنا يهني سعيد بسعيده، بقولك ايه… روح أنت دلوقتي لعيالك وأنا هقفل بعد الحفلة الاخيرة أنا ومحسن، عيالك زمانهم جعانين ولا يكونوا عملوا في نفسهم حاجة.. روح اطمن عليهم وماتقلقش، احنا موجودين.
-ربنا ما يحرمني منك ياسمير، دايما واقف جنبي كده، أنا كنت عاوز اقولك كده من بدري، بس كنت محرج، أصل أنتوا هتشيلوا همي وهم مشاكلي لحد امتى؟!
-مش وقته الكلام ده دلوقتي، روح لعيالك، وخليك جنبهم، مش هيبقى أنت وامهم والزمن عليهم.
بعد كده لقيت عبد المقصود خارج من باب السينما وسمير رايح عند محسن الموظف التالت في السينما، وبيحطله فلوس في جيب قميصه وبيقوله:
-بقولك إيه ياض يامحسن.. اخلع أنت دلوقتي، روح اشربلك حاجة ولا شوفلك واحدة تقضي معاها الليل.. الحفلة اللي جوة هتخلص وهنشطب.. صاحب السيما قال اخرها نص الليل.. الجو هادي ومش هنشتغل حفلة لتلاتة الصبح.. يعني هخلص انا الحفلة دي وهقفل.
-وده ليه يعني؟!
-ليه ايه يا بجم.. في واحدة جاية لي بعد الحفلة.. هخلص معاها وهقفل انا.
بص محسن في جيبه وعد الفلوس اللي حطهاله سمير بنظره ورجع بص له تاني:
-مش كفاية ياصاحبي.
طلع سمير من جيبه فلوس تانية وحطها في جيب محسن:
-يلا.. يكش يطمر.
حدف محسن بوسة في الهوا لسمير وقاله:
-اعتبرني اختفيت.
وخد محسن بعضه ومشي، ساعتها راح سمير ناحية الباب الوراني، وكان مستني سامية عشيقته ورا الباب، لحد ما وصلت وخبطت خبطتين، تقريبًا شكلها متعودة تعمل كده كل مرة.. فتحلها واول ما شافته خدته بالحضن وقالتله:
-وحشتني اوي، ربنا يخلصني من الزفت عبد المقصود ده عشان نكون انا وانت لبعض..
-هيحصل.. بس قوليلي، امك عرفت انك عاوزة تتطلقي.
-لا انا مروحتش عندها، انا قاعدة عند واحدة صاحبتي، انا لو قعدت عندها مش هعرف اشوفك ياحبيبي ولا هترضى تنزلني، امي وانا عارفها… هتقولي لما تروحي عند جوزك ابقي اخرجي براحتك، وتقعد تخنق فيا وتضغط عليا.
-عين العقل، كده احسن عشان اعرف اشوفك كل ما اعوز، وليكي عليا اقنعه يطلقك في اسرع وقت، ونكون انا وانتي لبعض.
-ياريتك كنت ظهرت في حياتي قبل عبد المقصود، كان زمانك أنت جوزي.. مش هو.
وفجأة الدنيا ضلمت، وقبل ما ارجع خطوة لورا عشان اهرب من المكان، الدنيا رجعت نورت تاني.
وساعتها شوفت عبد المقصود وهو بيقفل الباب الوراني للسينما وبيهجم على سمير وبيخنقه بكل قوته، وسمير مش عارف يهرب منه، لحد ما مات في أيده، اما مراته بقى، فكانت بتصرخ وبتحاول تهرب، لكنها ماكانتش عارفة تفتح الباب لأنه تقريبًا كده بيتفتح بمفتاح مع عمال السينما وبس، قرب منها عبد المقصود.. وقبل ما يهجم عليها قالتله:
-صدقني أنا كنت جاية عشان اصالحك، حقك عليا، سامحني، مش أنا.. مش أنا.. ده هو والله اللي ضحك عليا، واستدرجني لحد هنا.
مسك حديدة كانت واقعة على الارض وفضل يقرب منها، وهي تبعد عنه، لحد ما لزقت في حيطة من الحيطان ومعرفتش تهرب منه، وفي اللحظة دي نزل ضرب بالحديدة على راسها لحد ما جابت دم ووقعت على الارض، ماتت، تف عليها، وبعدين رمي الحديدة على الارض، وبعد عشر دقايق قعد جنبها يعيط، ويبوس ايديها ويقولها:
-سامحيني، حقك عليا، انا بحبك، أنتي اللي مقدرتيش حبي ليكي وروحتي تخونيني مع واحد مايسواش.
بعد كده قام من مكانه وفضل يلف حوالين نفسه وهو بيطلم على وشه:
-اعمل ايه انا دلوقتي.. هخبيهم فين؟!
وفجأة وقف مرة واحدة وبص ناحية الباب الوراني اللي جنب شاشة العرض على طول.. قام وطلع مفتاح من جيبه وفتح الباب وجرجر الجثتين لحد ما طلعهم برة، وبعد ما خرجهم، خرجت انا وراه عشان اشوفه هيعمل ايه، كان بيخلع في بلاط المكان اللي ورا، وبعدها قعد يحفر كتير، وابتدى يحط جثة ووراها التانية وردم عليهم، وقبل ما يحط البلاط تاني، حسيت انه شايفني، بس ماكنتش متأكد، وخصوصا اني كنت طول الوقت شايفاهم وهم مش شايفاني، وفجأة لقيته بيزعق فيا:
-أنت بتعمل إيه هنا؟!
ومسك الحديدة اللي قتل بيها مراته وخلع بيها البلاط، وكان بيجري ناحيتي، كنت عاوز اجري بس حسيت ان رجلي اتشلت ومش عارف اتحرك، وقبل ما يضربني بالحديدة، ماحستش بنفسي وغيبت عن الوعي!
فوقت بعد فترة لقيت نفسي في بيتي، وقاعد جنبي عم كارم وبيتسم لي:
-حمد لله ع السلامة.
قومت اتعدلت وبصيت حواليا:
-أنا وصلت هنا ازاي.. أنا كنت في…..
سكتت.. خوفت لا عم كارم يعرف اني دخلت السينما، بس لقيته هو بيكمل الكلام اللي كنت عاوز اقوله:
-كنت في السيما؟.. مش كده!
بصتله وأنا مخضوض، ف ابتسم لي وقالي:
-مش أنا قولتلك ياابني بلاش تركز مع السيما دي؟
وقبل ما اسأله أنا جيت هنا ازاي، لقيت نفسي بسأله عليها:
-هو ايه حكاية السينما دي بالظبط، سعيد اللي بيشتغل في محل الهدوم بيقول ان صاحب المكان فلس والسينما قفلت، وبيقول انها قفلت عشان كان فيها عفاريت، ايه الصح.. فهمني؟!
– اللي اعرفه إن القصتين صح، السينما فعلا فلست وفي ناس كانت بتشوف عفاريت، انا كنت بشوف الناس وهي طالعة تجري من السينما قصاد عيني، وبيقولوا انهم شافوا عفاريت.
-طب والعفاريت دي ظهرت امتي، ما كانت السينما شغالة عادي؟
-والله في ناس بتقول ان في جريمة قتل حصلت في المكان، بس مفيش دليل بيثبت إن في جريمة حصلت ولا احنا شوفنا حاجة، وبيقولوا كمان إن اللي بيشوفوه ده قرينهم لأنهم عفريتين.. عفريت ست وراجل.
-طب وعبدالمقصود واللي كانوا شغالين معاه دول، راحوا فين؟!
-وأنت عرفت منين ان كان في واحد اسمه عبد المقصود شغال في السيما؟!
لما قالي كده ابتديت احكي لعم كارم كل اللي شوفته، حكيت كل حاجة بالتفصيل، حتى المكان اللي اندفن فيه الجثث، كان بيبصلي باستغراب وبعد ما خصلت قالي:
-يبقى كلام الناس عن ان حصلت جريمة قتل، ده كلام حقيقي، ومش بعيد كمان يكون قرينهم بيحاول يوصل رسالة طول السنين دي واحنا ماكناش فاهمين.
-طب وبعدين ياعم كارم.. هنعمل ايه؟!
-هنبلغ البوليس طبعا.
-بس هنقولهم إيه.. أكيد مش هنقولهم إني شوفت أشباح في السيما… صح؟!
-لا طبعًا.. احنا هنقولهم إننا بنسمع أصوات صريخ وناس بتتكلم، واننا شاكين ان في حد ميت جوه، ويبقى عملنا اللي علينا.
وفي القسم وقدام الظابط، حظنا كان حلو، لأنه كان متفهم الموضوع وقالنا بعد ما حكيناله كل حاجة:
-أنا سمعت فعلا عن السينما دي، وعن الحاجات اللي الناس بيشوفوها ويسمعوها، وواضح كده إن الموضوع وراه حكاية كبيرة، أنا هأمر دلوقتي بتفتيش المكان كويس، وهناك هنشوف وهنتأكد من الشكوك اللي قولتوها.
وبعد ما رجالة البوليس فتشوا المكان ووصلوا عند المكان اللي جنب الباب الوراني وورا شاشة العرض.. لقوا بلاط عالي عن الأرض وشكله متكسر ومتلصم كده وخلاص.. شالوه وحفروا وطبعًا لقوا هياكل عظمية، أنا ساعتها كنت مبهور ومصدوم في نفس الوقت، ليه قرين اللي ماتوا خلاني انا بالذات اكشف الموضوع، ولا عشان أنا فضولي بزيادة فالحقيقة ظهرت، ولو كان أي حد عنده فضول زيي ودخل كان هيعرف الحقيقة؟؟!
بصراحة أنا مش عاوز افكر في الموضوع ده، المهم اننا عرفنا إيه حكاية السينما دي.
وبعد البحث وتحليل للهدوم اللي اتلاقت جنب الهياكل العظمية، اكتشفوا وعرفوا هم مين.. وعرفوا كمان إن عبد المقصود لسه عايش لحد دلوقتي بس طبعًا بقى راجل عجوز، وبعد ما اتقبض عليه قال:
-أنا كنت عارف إن الحقيقة مسيرها تبان، بس الحمد لله إنكوا اتأخرتوا شوية في القبض عليا، عشان اكون وصلت ولادي لبر الأمان، أبوس أيديكوا محدش يقول لعيالي إن ابوهم قتل امهم، مش عاوزهم يتفضحوا، كده كده انا في اواخر أيامي، ومبقتش عاوز حاجة من الدنيا.
لما قال كده، سأله الظابط:
-احنا لقينا بصماتك في المكان، والحديدة اللي قتلت بيها مراتك كانت مركونة بدمها المتجلط ورا الشاشة، وبعد ما المعمل الجنائي فحص الهدوم، وشوفنا بطاقتها وبطاقته في وسط التراب.. عرفناهم.
-أنا مش ندمان إني قتلتها، دي لو كانت لسه عايشة، كنت هقتلها تاني، سمير ومراتي خانوني، صاحبي اللي كان بيمثل انه اخويا وسندي في الدنيا كان بيخوني مع مراتي، كان بيخليني امشي من هنا ويجيبها السينما يغلط معاها من هنا، كانوا بيعاملوني كأني قرطاس.
الدموع كانت بتنزل من عبد المقصود وهو بيتكلم، وايده بتترعش وهو ماسك العكاز بتاعه، بعد كده كمل كلامه وقال:
-أنا كنت عملت لمراتي ايه، ده أنا كنت قايد لها صوابعي، العشرة شمع، اللي كانت بتطلبه مني، كنت بستلف واتداين عشان اجيبهولها، وياريته عجبها.
سأله الظابط:
-وأنت اكتشفت خيانتها ازاي؟!
-مراتي كانت سايبة البيت وسابتلي العيال وراحت تقعد عند حماتي، أو انا كنت فاكر كده، وده لما طلبت الطلاق، ويومها.. سمير قالي اروح اشوف عيالي، وفعلا سمعت كلامه وروحت.. كنت سامع صوت عيالي وهم بيعيطوا من قبل ما افتح باب الشقة، ولما فتحت الباب، لقيت العيال مفطورين من العياط، وبيجروا ناحيتي وبيحضنوني، قلبي كان بيتقطع عليهم، كنت حزين على الحال اللي وصلناله، كنت فاكر إني هعيش حياة هادية مع الست اللي بحبها، بس الحقيقة طلعت عكس كده..
ليلتها طبطبت عليهم وقولتلهم:
-خلاص ياولاد، بطلوا عياط، حقكوا عليا عشان اتأخرت عليكوا.
ابني الكبير أحمد بصلي بصة بيترجاني فيها:
-احنا عاوزين ماما، والنبي يابابا هاتلنا ماما.
وبنتي سجدة الصغيرة، قالت نفس كلام اخوها، وفضلوا هم الاتنين يتحايلوا عليا كتير، كانوا صعبانين عليا اوي، بس مش عارف اعملهم ايه، ولا اقولهم ايه، ما انا مستحيل اقولهم امكوا رمتكوا ومشيت، او اقولهم انها مش عاوزاكوا، كنت ببصلهم بحزن، ولساني مش قادر ينطق، بس قولت مايضرش.. لما اعمل محاولة ونروح نتحايل على سامية، يمكن ترجع…
طبطبت عليهم وقولتلهم:
-طيب، امسحوا دموعكوا، انا هوديكوا عند ماما، يمكن لما تشوفكوا وانتوا بتعيطوا، توافق وترجع معانا البيت.
العيال كانوا فرحانين اوي انهم هيشوفوا امهم، وانا كمان كنت فرحان، وبصراحة الكدب خيبة، أنا كنت بتحجج بالعيال عشان اروح اشوفها واحاول ارجعها، أنا محبتش حد في الدنيا زيها.
اخدت عيالي، وروحنا عند بيت حماتي، حماتي اللي اول ما شافتني، سألتني سؤال مكنتش متوقع انها تسألهولي:
-اهلا يا عبد المقصود، ازيكم ياحبايبي، ايه.. جاي لوحدك يعني، امال فين سامية؟!.. مجتش معاكوا ليه؟!
بصيتلها باستغراب:
-هي مش.. مش عندك ياحماتي، دي قالتلي انها جاية تقعد عندك يومين عشان تروق دماغها مني انا والعيال، ولا هي اللي قالتلك انك تقوليلي كده عشان مشوفهاش.
زقتها ودخلت الشقة وبقيت انادي بعلو صوتي:
-سامية، أنتي فين ياسامية.
دخلت حماتي ورايا وهي بتقولي:
-سامية مش موجودة، صدقني، وربنا ما موجودة.
-امال هي فين، أنا كل ده فاكر إنها عندك.
لطمت حماتي وعيطت:
-البت فين ياعبد المقصود، بنتي راحت فين، لا تكون اتخطفت ولا حصلها حاجة وهي جاية عندي.
اتخضيت وخوفت عليها، وفضلت الف حوالين نفسي وقولتلها:
-خلي العيال عندك لحد ما ادور عليها.
ونزلت زي المجنون اجري في الشارع، مش عارف اروح فين، ولا ابدأ تدوير منين، انا غصب عني لقيت رجلي وخداني ناحية السينما اللي كانت قريبة من بيت حماتي، قولت اروح لصاحب عمري سمير ينجدني ويقولي اعمل ايه، ولما وصلت هناك، فضلت انادي، وادور عليه، بس ماكنش فيه رد، الدنيا كانت هادية خالص، كنت مستغرب.. هما مشيوا بدري ازاي ولسه في حفلة بعد ١٢ بالليل!
والغريب بقى ان باب السيما كان متوارب والدنيا ضلمة!
لفيت من ورا وفتحت الباب الوراني، ولما فتحت الباب، شوفت اصعب منظر ممكن أي حد يشوفه، شوفتهم هم الاتنين سوا.
عيط عبد المقصود بصوت عالي وهو حاطط ايده على وشه، وبعد شوية رفع راسه وكمل كلامه:
-عاوزني اعمل ايه بعد اللي شوفته ده، اسيبهم وامشي، واعمل نفسي ماشوفتش حاجة، انتوا ماتعرفوش انا كنت حاسس بإيه ساعتها ولا حاسين بالنار اللي انا فيها لحد دلوقتي، انا الدم غلي في عروقي، ومارتحتش غير لما قتلتهم هم الاتنين بأيدي، انا مغلطتش، أنا كنت باخد حقي وبرجع شرفي اللي راح، أنا اذيتهم في ايه عشان يعملوا فيا كده، هم خدوا جزاءهم اللي يستاهلوه.
وبعد ما خلصت التحقيقات مع عبد المقصود، اتسجن، ومستنين حكم المحكمة، ولحد دلوقتي انا مش قادر انسى منظر عياله وهم بيعيطوا عليه وهو بيركب عربية الترحيلات، مانا ساعتها روحت عشان اشوف عبد المقصود، ضميري كان مأنبني لأني كنت السبب في كشف سره اللي فضل مخبيه لسنين طويلة، بس في النهاية الحق لازم يظهر، حتى لو كانوا هم الاتنين غلطانين.
كان بينادي بأعلى حسه وهو جوه العربية، وباصص من الشباك الصغير:
-سامحوني ياولاد، ولو في حاجة تشفعلي عندكم سامحوني، امكوا مغلطتش، انا اللي غلطان، امكوا طول عمرها ست شريفة.
والعربية اتحركت وهو بيكرر نفس الكلام، وأحمد حاضن اخته سجدة وهم الاتنين بيعيطوا، وبصراحة مش قادر استوعب لحد دلوقتي الحكمة ورا حب الراجل ده لمراته بعد اللي شافه، هل فعلا فيه حد ممكن يحب مراته لدرجة انه بعد ما يشوف خيانتها بعينه ويقتلها.. يفضل يحبها؟ بس كل اللي اقدر اقوله إن مراية الحب عامية، وممكن نحب الناس اللي متستاهلش اصلا اننا نبصلهم.
عدت الأيام والشهور، والدنيا رجعت لطبيعتها، بس لسه الناس خايفة من السينما، الناس اللي اتعودوا انهم مستحيل يقفوا عندها، وحتى بعد ما مبقاش في أصوات زي زمان، ولا حتى حد بيشوف حاجة، بس برضه لسه الخوف جواهم موجود من المكان، حتى بعد ما الموضوع اتحل.
اما انا بقى، ف أنا شوفت مرات عبد المقصود سامية وهي بتبسملي وبتشاورلي، ولما عم كارم شافني باصص للسينما وسرحان قالي بصوت عالي:
-وليييييد.
اتفزعت بصيتله وانا حاطط أيدي على قلبي من الخضة:
-في إيه ياعم كارم؟.. خضتني.
بصلي بلؤم:
-مش خلاص طلعنا الجثث ولا ايه؟.. كفاية بقى ياوليد، ركز في أكل عيشك.
-والله انا بحاول.
-مفيش حاجة اسمها تحاول، خلاص خلصنا.
وفي عز ما احنا بنتكلم مع بعض ومندمجين، لقينا بلدوزر كبير جاي ناحيتنا، وناس لابسين بدل ونضارات، وعربيات منتشرة في كل مكان، وواحد من اللي لابسين بدل دول، قال للراجل اللي راكب البلدوزر:
-قرب يا ابني عشان تهد ياابني!
قربت منه وقولتله:
-في إيه ياأستاذ؟!
-أبدًا، قرار إزالة للسيما، ناس كتير اشتكت والمكان قدم وبقى آيل للسقوط.. فكان لازم يتزال.
بص تاني للراجل اللي راكب البلدوزر:
-يلا يابني بسرعة، مفيش وقت.. وانتوا يا اصحاب المحلات.. اقفلوا لحد ما نخلص شغلنا النهاردة.
واتهدت سينما الفن قصاد عيني، وشوفت أفيش نادية الجندي وهو بيقع على الارض، الناس حوالينا كانت بتهلل وفرحانين ان السينما بتتهد، واخيرا هيخلصوا من شبح السينما دي للأبد، لكن أنا الوحيد اللي كنت زعلان، ليه معرفش!
بس كل اللي عرفته، إن الأسرار مابتستخباش، وإن الحقيقة مسيرها تبان، ومهما كنت عامل فيها حويط وتقدر تقتل وتجري وتعمل جريمة مكتملة الاركان، لازم تخاف، عشان لو ماسبتش دليل او خيط يثبت انك القاتل، هيظهر قرين الميت اللي مش هيسيب حقه ابدا… بالظبط زي قرين سامية اللي ظهرلي من جوة سينما الفن.. السينما المهجورة… سينما الأموات.
تمت