وما قيمة الحياة بعد فراق الأحبة وما أصعب الأنين حين يخترق القلب بحسرة الوداع، تغصّ الحناجر وتغشى العيون الدموع ونختنق حتى تُزهق الأنفاس وكأن الفراق هو موت صغير يحملنا في النهاية إلى لحدٍ أبديّ.
وصل (عز)بسيارته إلى منزلها فوجد العم(عبد الحميد )يمسك بيد العمة(تهانى)المنهارة لتصعد إلى سيارة الإسعاف ثم صعد خلفها فإنطلقت بسرعة، سقط قلبه بين قدميه وهو يقود سيارته خلف سيارة الإسعاف، يبتهل إلى الله أن تكون حبيبته بخير بينما يده على هاتفه يتصل ب(هبة)مرارا وتكرارا ولكن، لا مجيب.
رأيت في عينيك سحر الهوى مندفعاً كالنّور من نجمتين
فبتّ لا أقوى على دفعه من ردّ عنه عارضاً باليدين
يا جنّة الحب ودنيا المنى ما خلّتني ألقاك في مقلتين.
تراءت عيناها امامه تناظره من بين الصفحات، فأغلق الكتاب وهو يغمض عيناه متعجبا، يتساءل بحيرة عجز عن إيجاد مبرر لها..
كيف إستطاعت أن تنفذ إلى قلبه بتلك السهولة والسرعة، لقد بعثرت ثوابته بوجودها، لطالما اعتقد ان العشق يحتاج وقتا ليكون، ولكنها أثبتت له ان المرء يستطيع إدراك نصفه الآخر ماان يرى عينيه ليشعر وكانهما خُلقا من أجله هو، فكأنها روح سكنت روحه منذ الازل، وكأنه عصفور مجروح طيبت هي جروح جناحيه وجبرت كسرهما فجعلته يحلق مجددا في السماء، يجذبه الشوق إليها وكانها هي وهي فقط من خُلقت من ضلعه فصارت جزءا منه، كتب لهما القدر أن يجتمعا معا ليواجها العالم سويا ويصبح كل منهما وطنا للآخر إلى الأبد.
تبا، تبا، تبا
رسم احلامه معها ولم يضع في حسبانه ان تكون مشاعرها تجاهه مُظللة بالشفقة، ووضع امانيه ولم يدرك أنها قد تكون عالقة في الماضى او لديها حاضرا يحيطها بالمشاعر كهذا المحامى الذي ظهر مع والديه عند زيارتهما له، ماذا كان إسمه، نعم، (عز)، ترى هل تحبه؟ وهل يهواها؟
وكيف لا يهواها؟وهي جميلة رقيقة، طيبة القلب إبتسامتها وعيونها الجميلة تسرق القلوب على الفور.
شعور بالغيرة يراوده ويجعله حانقا، فتح عيونه على صوت(عزيز)الذي قال بحيرة:
-بتقرا لإيليا ابو ماضى ووشك يبقى مكشر بالشكل ده!طب إزاي ياجدع؟
لانت ملامح (حمزة)قائلا:
-انا لا مكشر ولا حاجة، إزاى صحتك دلوقتى ياعم عزيز؟
جلس (عزيز)جواره قائلا:
-بخير ياابنى، خدت الدوا وبقيت كويس الحمد لله.
ربت(حمزة)على يده قائلا:
-لازم تاخد بالك من نفسك، النوبات بتزيد وكدة هبقى قلقان عليك لو خرجت براءة.
وضع(عزيز)يده على يد(حمزة)قائلا بحنان:
-متقلقش علية، المهم تاخد براءة وتخرج من قضبان الزنزانة اللى اتحبست فيها سنين ظلم، انا بقى مش مهم، كبرت ومبقاش في العمر كتير والله اعلم هخرج ولا مش هشوف اللى برة تانى…
قاطعه(حمزة)قائلا:
-متقولش كدة ياعم عزيز، هتعيش وهتشوفهم اكيد، انا لما هخرج من هنا هرفع قضية…
قاطعه (عزيز)قائلا:.
-ولو رفعت ميت قضية مش هيخرجونى غير في حالة واحدة بس، ان النظام يتغير وييجى حاكم عادل ينظر في شئون رعيته بجد ويعرف قد إيه فيه فساد حواليه، يدور على الظالم ويجازيه والمظلوم يرفع عنه الظلم و يجيبله حقه وده ياإبنى حلم الله أعلم هيتحقق وأنا عايش ولا وانا ميت وجايز ميتحققش خالص، ماهو احنا في الزمن اللى الرسول عليه الصلاة والسلام قال عليه، الزمن اللى فسد فيه الشعب فسلط عليه الغلاء وفساد الحكام والأوبئة بس الامل في ربنا كبير يرحمنا ويرفع عنا البلاء والظلم.
قال(حمزة):
-ونعم بالله.
قال(عزيز):
-اهم حاجة ياحمزة انك لما تخرج تروح لاهلى وتطمنهم علية، قولهم ان لُقانا الجنة وان ربنا بيبشر الصابرين وانى فاكرهم في كل لحظة لحد ماييجى ميعادى.
قال (حمزة):
-بعيد الشر عنك، ربنا يديك الصحة ويخليك لينا ويباركلنا فيك ياعم عزيز.
قال(عزيز):
-محدش مُخلّد ياابنى، كلنا هنموت ولن يبقى سوى وجه الله الواحد الأحد.
لينهض مرددا وهو يسير بإتجاه سريره:.
-لِمن الملك اليوم؟لله الواحد القهار، لِمن الملك اليوم؟لله الواحد القهار.
نزلت دمعة من عيون (حمزة)وقد إنتابه شعور موحش وكأن العم(عزيز)يودعه، ليستغفر ربه وهو يقول:
-أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الخوف من الفراق يمزق المشاعر، يحترق القلب خوفا وقلقا، تغص الحناجر ويمتنع الكلام عن الخروج وقد عجز عن التعبير، نطالع أحبتنا بوجل وكاننا نرجوهم الا يرحلوا، نُقسم عليهم ألا يكسروا ظهورنا بوداعهم، نتوسل إليهم..
ظلوا حدنا…
ونعدكم ان لا نكون سببا في دموعكم مجددا..
نعدكم ان نبعد عنكم الحزن دوما ولكن فقط، لا ترحلوا.
هكذا كان شعور العم(عبد الحميد)وهو يطالع ابنته من النافذة الزجاجية والطبيب مع طاقم التمريض يحاولون إنقاذ حياتها، بينما تقف بجواره زوجته تطالعها بدورها وهو تبكى بحرقة، و يقف (عز)بعيدا عنهم قليلا وإلى جواره وقفت (هبة)وملامحهما يظللها القلق والالم، ليقول (عز)بغضب:
-تعرفى لو جرالها حاجة انا مش ممكن هسامحك ياهبة، أبدا.
قالت(هبة)دامعة:.
-وانا كنت اعرف منين بس ياعز إنها هتمنع الأكل بجد وتنهار كمان؟انا قلتلها تمثل، مكنتش اتصور ابدا انها تعمل كدة.
إلتفت إليها (عز)قائلا بحنق:
-كان لازم تعرفى…
ليطالع (نور)من بعيد قائلا بنبرات حزينة:
-نور شفافة اوى ومستحيل تعرف تمثل، هيبان عليها فكان لازم تنفذ الخطة حرفيا عشان تقدر تحبكها، غبية بس بحبها ومش هقدر اعيش من غيرها صدقينى.
خرج الطبيب في تلك اللحظة ليقول بهدوء:.
-آنسة نور بخير دلوقتى وبعد المحاليل ماتخلص وتفوق هتقدروا تشوفوها، حالة المريضة متتحملش اي ضغط عصبى فياريت تريحوها قدر الإمكان.
زفر الجميع بإرتياح وظهر البشر على وجوههم، خاصة العم (عبد الحميد)الذي شكر الله بصوت مسموع، قبل ان تتجهم ملامحه قليلا وهو يرى ابن اخيه (هشام)مقبلا عليه ليطالع (عز)وكأنه يطالبه بالإنصراف، كاد(عز) ان يغادر المبنى مؤقتا حتى انصراف ابن عمها فلا داعى لإثارة اي جدال الآن وقد اطمأن على محبوبته ولكن كلمات (هشام)استوقفته وهو يقول:
-خليك مفيش داعى تمشى.
عقد (عبد الحميد)حاجبيه بينما اردف (هشام)موجها حديثه لعمه:.
-إزيها دلوقتى؟
قال(عبد الحميد):
-بخير ياابنى لسة الدكتور خارج من عندها ومطمنا.
قال (هشام):
-الحمد لله، فاضل نطمن عليها علطول وده مش هيحصل غير لما احلك من وعدك ياعمى.
كاد (عبد الحميد)ان يقول شيئا ولكن (هشام)قاطعه قائلا:.
-احنا الاتنين عارفين ان سبب دخولها المستشفى هو رفضها الارتباط بية وانت عارف كويس انى مش ممكن هتجوزها غصب عنها ياعمى، لا رجولتى ولا اخلاقى ولا حتى دينى هيسمحوا بكدة، وان كان على كلمتك اللى اديتها لوالدى فانا هفهمه انى انا اللى رافض الجواز من نور لاننا مش متفقين، وهخليه يرجعلك ارضك كمان.
قال(عبد الحميد)بعيون غشيتها الدموع:
-مش مهم ياابنى الأرض خلاص مبقتش تهمنى، اللى يهمنى هو بنتي وبس.
قال (هشام)بإبتسامة باهتة وهو يمسك يد عمه:
-وبنتك رجعتلك ياعمى، حافظ عليها وجوزها اللى بتحبه وبيحبها ومتغلطش غلطة جدودنا تانى، البنات مش بيعة وشروة دول أرواح في رقابتنا ليوم الدين.
ربت عمه على يده بامتنان، فطالع (هشام)(نور)من النافذة الزجاجية بنظرة طويلة مودعة قبل ان يستدير وهو يرسل ل(عز)و(هبة)إيماءة من رأسه بادلاه إياها قبل ان ينصرف بهدوء تاركا خلفه عيون تابعته بنظرات امتزج فيها الإعجاب بالعرفان.
اشتقت إلى همساتك فقد كانت تجعل من قلبى يخفق ووجهى يُشرق وجسدى يرتعش توقا..
اشتقت لوجودك..
فهلا عدتِ لى؟
كان يمسك بيدها يهمس لها بكلمات عشقه يطالبها بان تفتح عينيها وتعيد إليه روحه التي غادرته بمرضها، يعلم انها الآن بخير، فقط يعوض جسدها ما افتقدته بقلة الطعام والشراب، يجلس حدها ويقسم ان يكون اول من تقع عليه عيناها ليخبرها بأنه يعشقها وأن وقت العذاب انتهى وقد وافق والدها على خطبتهما، يخبرها انه برّ بوعده لها وانها صارت له ولن تصير لغيره أبدا كما وجب ان يكون منذ ان خُلقت، فلقد خُلقت من ضلعه لتصبح جزءا منه للأبد.
طالع (حمزة)نفسه في تلك المرآة الصغيرة ليعدّل من رباط عنقه قبل ان يستدير على صوت سُعال العم(عزيز)، اقترب منه بسرعة يحمل له كوبا من الماء منحه إياه فتجرع منه رشفة قبل ان يتركه، ليقول (حمزة)بقلق:
-انادى العسكرى عشان ياخدك للدكتور ياعم عزيز؟
قال (عزيز):
-لا ياابنى مش مستاهلة، خلاص هتمشى وهتسيبنا؟
قال(حمزة)بحزن:
-مش يمكن أرجع تانى؟
قال(عزيز):.
-خلى ثقتك في الله كبيرة ياحمزة، ربنا هيفك كربك النهاردة، انا شفت رؤيا في المنام، كنت واقف قدامى زي ماانت كدة بالظبط وكان حواليك سور كبير فاصل مابينى وبينك، وقعت فجاة ففضلت أناديك عشان تنجدنى بس انت مكنتش قادر تعمل حاجة، حاولت تكسر السور معرفتش فجاة السما انفتحت بطاقة نور ونزل منها شعاع على مكانك فهدم السور وادالك جناحين، ونفس الشعاع نزل علية وقفنى على رجلى وادالى جناحين، احنا الاتنين طرنا ولفينا في السما الواسعة وبعدين طرنا ناحية طاقة النور، وده اكيد فرج لينا احنا الاتنين، انت النهاردة هتتفتحلك طاقة نور وتاخد براءة باذن الله وانا اكيد هفرح لفرحك، ماانت ابنى ولا إيه ياحمزة؟
قبل(حمزة)جبين العم(عزيز)ثم قال:
-يشرفنى طبعا انى اكون ابنك ياراجل ياعجوز، خد بالك من نفسك لحد ماأشوفك تانى عن قريب باذن الله.
هز العم (عزيز)رأسه، فجاء الحارس ليأخذ (حمزة)، الذي ودعه(عزيز) بإبتسامة وعلامة النصر ليغادر (حمزة)بينما يردد العم (عزيز):
-اللهم انى اشهدك انى احبه في الله فاجمعنى به في الجنة ياارحم الراحمين.
قبل أن أبدأ مرافعتي في هذه القضية، أقول أن الاتهام الذي وجه إلى المتهم جاء على نحو جائر وغير مدعم بالأدلة و هذا لا يكفي لإدانته.
يقولون الحكم القائم على الظلم لا يدوم، أعترض حضرة القاضي فمازال قائما ووجود العديد من المظلومين بين غياهب السجون كحمزة خير دليل.
يقولون المصيبة في ظُلم الأشرار، أعترض حضرة القاضي فالمصيبة الأكبر في صمت الأخيار وإدراكهم الظلم ثم غضّ الطرف عنه.
يقولون أننا نُندد بالظلم لإننا نخشى ارتكابه، أعترض حضرة القاضي ولكننا نُندد به لإننا نخشى ان نعانى منه وقد عانى العديد منه على مر الزمان حتى طفح الكيل.
يقولون ان الظلم يجعل من الظالم بطلا، اعترض حضرة القاضي فما يجعله سوى مُجرما جار على بريئ فلُعن في الدنيا والآخرة وجزاؤه جهنم وبئس المصير وقد آن لعدالتكم ان تنصروا المظلوم وتقتصّوا من الظالم الذي اودعهم السجون دون ذنب.
يقولون برفقة الظُلم تجتاز العالم، اعترض حضرة القاضي فبرفقته لا تعبر حتى عتبة بيتك ووجب على عدالتكم ان تجعلوا الناس تدرك ذلك بعدلكم.
يقولون أن الظُلم لا يقتل، أعترض حضرة القاضي فهو يقتل كرامة الإنسان ويودى بخفقاته كمدا، فاوصيكم بالعدل والقصاص حتى لا تجدوا انفسكم وقد ارتكبتم جرائم قتل دون أن تشعرون.
إن العدالة بوجهين، الإدانة وهي ما تراه النيابة العامة والبراءة التي نراها واضحة مشرقة ربما القانون أعمى ولكنكم حضرة القاضى والسادة المستشارون بصيرته، أثقل حِملا من أمانة الدفاع عن المتهمين في هذه القضية هي أمانة الحكم فيها.
فنحن المحامون نجتهد ونتمنى أن نوفق في اجتهادنا بينما على الجانب الآخر ثلاثة قضاة أجلاء، يتداولون ويقررون معا ويعين بعضهم بعضا مجتهدين أن يكون بالحق نطقهم وبجوهر العدل حكمهم، يراقبهم في خلوتهم رقيب لا يغفل ولا ينام، يستحضرون في كل لحظة قول الله لنبيه (فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين).
خُلق المواطن بريئا حتى تتم إدانته، ولكن في قضيتنا خُلق في زمن اعدوه فيه مجرما ولا براءة له حتى جاء اليوم الذي استطعنا فيه ان نقول كفى ظلما، ننتظر من سيادتكم أن تنطق ألسنتكم بالحكم فتبرئوا نفسا أصابها جورا فلجأت بعد الله لكم تطالبكم بقصاص عادل.
لقد أسندت النيابة العامة إلى المتهم حمزة مصطفى بتاريخ ٢٠١٠/٣/١٥ تهمة قلب نظام الحكم.
رغم ان الشاهد وهو رائد في أمن الدولة أكد في ذلك الوقت على خلو ملف موكلى من اى نشاط سياسى، ولكن حذفت شهادته وأقصى من التحقيق دون ادنى حق، فهل من الممكن أن يُساق الشخص إلى الاتهام دونما دليل جازم على ثبوت ارتكابه جريمة ما؟ إذن بأي جُرم تم إحالة المتهم إلى المحاكمة في الدعوى الماثلة أمامكم؟
لقد إستند المحققون في دعواهم إلى حقيبة تعج بمنشورات تدعو إلى قلب نظام الحكم وجدوها مع موكلى، ولكنهم لم يتسائلوا ابدا عن مالكها، بل أكدوا أنها تخصه دون الرجوع لشهادة أحد او تقصى التحريات، وقد ثبت بالدليل القاطع ان تلك الحقيبة تخص المدعو عماد الأسيوطى هذا الى جانب شهادة الشهود الذين دعموا الحقيقة وأثبتوا بما لايدع مجالا للشك ان موكلى بريئ كلية من التهم المنسوبة إليه ولذلك اطالب عدالتكم بإطلاق سراحه ودفع التعويض اللازم عن سنوات قضاها في السجن جُورا وظلما والتحقيق مع المسئولين عن تلك الواقعة وتوقيع اقصى العقوبة عليهم جزاء لافعالهم، ولكم منى كل التقدير والاحترام.
قدمت (هبة)بعض الأوراق إلى القاضى الذي نظر بأمرها وبعد مرور بعض الوقت والسماع إلى شهادة الشهود حكمت المحكمة ببراءة (حمزة) من التهم المنسوبة إليه، ومنحه الحق في رفع دعوة يطالب فيها بالتعويض عن هذا الظلم الجائر الذي تعرض له.
سعادة اهتزت لها القاعة والبشر يطغى على الوجوه، يتلقى (حمزة)التهانى من الجميع، انتظرت (هبة)حتى انفضوا من حوله ثم هنأته وهي تمد له يد مترددة إستقبلها بإمتنان وتمسك بها وكأنه لا يود أن يفارقها أبدا، اخبرته بقلب مضطرب من نظراته التي تشملها وخفقات قلب تنتفض من كف يحتضن كفها بحنو، انها فقط بعض الاجراءات التي لن تستغرق سوى ساعات قبل ان يطلق سراحه كلية، فشكرها على معروفها وكاد ان يخبرها بإمتنانه لوجودها في حياته ولكن صوت هاتفها قاطعه، لتستأذنه في الإجابة وما إن اجابت الهاتف حتى علا صوتها فزعا فتقدم منها على الفور حين وقع الهاتف من يدها وظهرت تائهة زائغة الأعين تتساقط دموعها على وجهها دون وعى منها ليقول بجزع:.
-فيه إيه ياهبة، سيف جراله حاجة؟
التفتت تواجهه بوجه شاحب قائلة:
-خطفوا ابنى، سيف راح منى ياحمزة.
لتتسع عينا (حمزة)في جزع.
كانت تبكى بحرقة، بينما تجلس بجوارها أمها تشاركها البكاء، ينتظرون تفريغ الشرطة للكاميرات ورفع البصمات، رغم انها تعلم علم اليقين ان الخاطف هو طليقها، انتحل شخصية عامل النظافة وخدر والدتها حين فتحت له الباب ثم اختطف الطفل بكل سهولة، قالت (مها)بحسرة:
-أنا آسفة ياهبة، معرفتش احافظ على سيف، سامحينى يابنتي.
قالت (هبة)من خلال دموعها:.
-انا اللى غلطانة ياماما، كنت عارفة انه عايز يخطفه وبرده سيبته ونزلت، انا اللى أستاهل كان لازم أخده في حضنى ومسيبوش أبدا، ياحبيبى ياابنى ياترى عامل ايه دلوقتى؟
اقترب منها الضابط في تلك اللحظة قائلا:
-مدام هبة ممكن تيجى معانا عشان تتعرفى على المجرم من الكاميرات.
نهضت بجسد يرتعش وهي تتقدم من الضابط الذي أسندها بذراعه وقد رآها على وشك الوقوع ارضا، حتى توقفت امام الشاشة وهناك رأته يدلف إلى المنزل يرتدى قبعة تغطى نصف وجهه ولكنها تعرفت عليه بكل سهولة وكيف لا تتعرف عليه وقد كانت زوجته يوما؟وكيف لا تتعرف عليه وقد أخبرها انه آت من أجله؟!تبا له، ألم يكفه مافعله بها بالماضى ليعذبها من جديد، انتفضت على صوت الضابط وهو يقول:
-هو ده طليقك؟
هزت رأسها بعيون تلتمع بالدموع مالبثت أن سقطت بغزارة وهي تراه يغادر بطفلها ويركب سيارة زرقاء اللون ينطلق بها بأقصى سرعته، ليربت الضابط على يدها متعاطفا، وهو يعيدها إلى أمها التي كانت مازالت تبكى بحرقة وما إن رأتها حتى وقفت على الفور واخذتها في حضنها لتقول (هبة)بصوت مرتعش:
-هو ياماما، هو، منه لله، حرق قلبى بعملته السودة دى، منه لله.
خرجت من حضن والدتها على صوت العم (مصطفى)الذي جاء في تلك اللحظة قائلا:
-هيرجعلك يابنتي، ربنا مش ممكن يضر واحدة زيك.
اقتربت منها (ناهد)تربت على كتفها بعطف قائلة:
-قومى يابنتي صلى ركعتين لله واطلبى منه المدد، خلى ثقتك فيه كبيرة وهو مش هيخذلك ابدا.
انصرف الضابط في تلك اللحظة بينما نقلت( هبة )بصرها بينهم للحظة قبل ان تهز راسها وتتجه إلى الحمام لتتوضأ، ربتت (ناهد)على يد(مها)فإرتمت الأخيرة في حضنها تبكى بضعف.
لساعة كاملة كانت(هبة)تصلى تضرعا إلى الله، كى يحمى طفلها ويعيده إليها سالما، أنهت صلاتها وهي تبكى وترفع يديها إلى السماء قائلة:.
-لا إله إلا انت سبحانك انى كنت من الظالمين، يارب رُدلى ابنى وقِرّ عينى بيه، يارب متخسرنيش فيه، مليش غيرك ملجأ فلا ترُدنى خائبة وانت ارحم الراحمين.
مسحت وجهها بيديها قبل ان تعقد حاجبيها وهي تسمع جلبة بالخارج، نهضت تتجه إليهم بقلب وجل وما إن خرجت من الحجرة حتى وجدت والدتها قد ظهر البشر على وجهها قائلة:
-عمل حادثة ياهبة، يوسف عمل حادثة.
اتسعت عينا (هبة)قائلة بجزع:
-وسيف، سيف جراله حاجة؟
قالت بسرعة وهي تمسك يدها:
-سيف بخير، ربك حفظه بحفظه، دى معجزة يابنتي، يوسف هو اللى في حالة خطر ونقلوه المستشفى.
قالت(هبة)وهي تنقل عيونها بين الجميع بدموع اغرقت وجهها:
-سيف بخير، الحمد لله الحمد لله.
قالت(ناهد)بلهفة:
-واحنا مستنيين إيه؟يلا بينا على المستشفى.
اسرعوا جميعا إلى المشفى وقلوبهم شاكرة حامدة لله على رحمته، تلك التي وسعت كل شيئ.