الحب رحمة ترجىروايات رومانسيه

الحب رحمة ترجى للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

فراغا قاتلا
كانت تروى زهور (الأوركيد فالاينوبسيس) أو(زهور الفراشة)كما يطلقون عليها، تدندن مع صوت( فيروز) الشجي والذي يصدح من هاتفها قائلة: راح بتطل من الشباك
الورده تقول تفضل
حمرا سطيحاتك حمرا كلها رفوفها عصافير
خضرا طرقاتك خضرا راح بتلفك وتطير
طل وسألني اذا نيسان دق الباب
خبيت وجهي وطار البيت فيي وغاب
حبيت افتح له وعالحب اشرح له
طليت ومالقيت غير الوردعندالباب
بعدك على بالي ياقمر الحلوين.

يازهرة تشرين يادهبي الغالي
بعدك على بالي يا حلو يا مغرور
يا حبق ومنتور على سطحي العالي
مرق الصيف بمواعيده
والهوا لملم عناقيده
ولاعرفنا خبر عنك ياقمر
ولا حدا لوحلنا بإيده
بتطل الليالي وبتروح الليالي
وبعدك على بالي على بالي
بعدك على بالي يا قمر الحلوين
يازهرة تشرين يا دهبي الغالي
جاءت خالتها من خلفها تقول بحنان: الله الله، يابخت الورد ياست رحمة، يعنى بترويه وبتدلعيه كمان بصوتك وصوت الست فيروز.

إلتفتت إليها (رحمة)، تغلق هاتفها قائلة بإبتسامة: يستاهل ياخالتي، على أد ما بديه دلع وحنية بيديلى راحة نفسية.
إتسعت إبتسامة خالتها وهي تقول: سيدى ياسيدى، المهم. أنا ظبطلك التلفزيون على ماجلال ييجى، إنتى عارفة إن هو اللى بيفهم في الحاجات دى، ونازلة أشوف ست إحسان، كانت بعافية حبتين، مش هتأخر ولو يعنى حصل ظروف وإتأخرت إبقى سخنى لجلال الأكل على ماآجى.
أشارت (رحمة)إلى عيونها قائلة: عيونى ياخالتي.

قالت(فاطمة)بحنان: تسلملى عيونك ياقلب خالتك، سلام.
قالت(رحمة): متنسيش توصلى سلامي لطنط إحسان.
قالت(فاطمة): يوصل.
ثم إستدارت مغادرة بينما عادت (رحمة)لأزهارها تمسك مقصها وتشذبها، لتتوقف (فاطمة)ثم تستدير إليها تطالعها للحظة قبل ان تقول: إلا قوليلى يارحمة، هو إنتى ليه إخترتى النوع ده من الورد تزرعيه رغم إنه غريب وبيحتاج رعاية كبيرة أوى؟

إبتسمت (رحمة)وكادت ان تجيبها لولا ان دوي صوت طفل صغير للغاية في رأسها وظهر أمامها كما لو كان حقيقيا وهو يقول بدهشة: إسمها إيه الوردة دى؟!

شحب وجهها بقوة ووقع المقص من يدها على قدمها فجرح إصبعها، لم تإن لألم هذا الجرح النازف ولم يبدو عليها أنها شعرت به بالمرة، تقف جامدة كتمثال تطالع صورة هذا الطفل التي تختفى ببطئ، أسرعت (فاطمة)إليها تقول بجزع: بسم الله الرحمن الرحيم، مالك يابنتى؟ واقفة كدة ليه وانتى مجروحة بالشكل ده؟ تعالى معايا.

لم تبدى أي ردة فعل، بل بدت مصدومة فحسب، أخذتها (فاطمة)من يدها وأجلستها، ثم أسرعت تحضر مطهر وقطن ولاصق طبى وشاش، لترفع قدم(رحمة)خائرة القوى من على الأرض، وتطهر الجرح ثم تضع القطن واللاصق الطبي وتربط الجرح، تطالعه لتتأكد من ان النزيف قد توقف تماما، قبل أن تنظر إلى (رحمة)الشاردة تقول بوجل: رحمة يا حبيبتي، مالك ياضنايا؟!
أفاقت(رحمة)من شرودها قائلة: ها، مالى ياخالتى؟ ما أنا كويسة أهو.

لتطالع قدمها ثم تعقد حاجبيها قائلة: إيه ده؟ هو إيه اللى حصل؟
قالت(فاطمة)بحزن: لا حول ولا قوة إلا بالله. إنجرحتى يابنتى بالمقص، مش تاخدى بالك من نفسك يارحمة.
إزداد إنعقاد حاجبي (رحمة) في حيرة قائلة: أنا دايما باخد بالى والله، وبعدين انتى مش كنتى رايحة لطنط إحسان، إيه اللى رجعك؟

قالت(فاطمة): كنت عايزة أسألك على حاجة بس خلاص بقى مالوش لزوم، المهم قومى ريحى نفسك ونامى حبة وأنا هروح لست إحسان ومش هتأخر. قومى يابنتى. إسندى علية.

نهضت (رحمة)وهي تشعر بوجع في رأسها صاحبه بعض الدوار، ترغب فعلا في أن تريح جسدها الذي يبدو منهكا ولا تدرى السبب، ربما إن نالت قسطا من الراحة يعود إليها نشاطها وتستعيد عافيتها، لتتذكر ماحدث. إستندت على كتف خالتها التي توجهت بها إلى حجرتها، ومددتها على سريرها ثم دثرتها جيدا قبل أن تربت على شعرها بحنان وتقبلها ثم تغادر الحجرة، تتوقف على بابها وتلقى نظرة على تلك التي أغمضت عيناها لتنام على الفور، هزت(فاطمة)رأسها بأسى ثم غادرت المنزل بخطوات بطيئة، حزينة. تبكى ألما.

قال (جلال): مساء الخير ياأمي.
فقالت (فاطمة)وهي تقلب محتوى القدر: مساء النور ياضنايا، حالا يكون الأكل جاهز.
تلفت حوله يقول بحيرة: أومال فين رحمة؟
جاءه صوتها من خلفه وهي تقول: أنا أهو.
إستدار يطالعها بإبتسامة مالبثت أن تجمدت ثم إختفت وهو يراها تعرج في مشيتها، ليطالع قدمها على الفور ويرى ذلك الرباط الطبي، يقول بجزع: رجلك مالها يارحمة؟
توقفت وهي تهز كتفيها قائلة بلامبالاة: المقص جرحنى.

عقد حاجبيه قائلا: جرحك إزاي بس؟
هزت كتفيها مجددا قائلة: مش فاكرة إسأل خالتى.
إستدار إلى والدته فطالعته بنظرة أدركها على الفور وهي تقول: وقع من ايدها جرح رجلها، ربك قدر ولطف.
هز رأسه قائلا: الحمد لله على كل حال، تعالى يارحمة أقعدى. متقفيش كدة عشان متوجعكيش.
تقدمت منهما لتجلس على الطاولة، بينما تحضر (فاطمة)أطباق الطعام وتضعها أمام (جلال)الذى قال: ماتفتحى نفسى وتاكلى معايا يارحمة.

قالت (رحمة): معلش ياجلال والله مالية نفس.
جلست(فاطمة)إلى جوارها، تربت على يدها قائلة بحنان: مالك بس يابنتي؟ دى عين وصابتك ياضنايا.
قالت (رحمة): والعين هتصيبنى ليه بس ياخالتي؟ زايدة عن الناس إيه يعنى؟
طالعها(جلال)بعينيه قائلا بحنان: لو شفتى نفسك بعيونا هتعرفى السبب.
تعلقت عيناها بعينيه فقطع تواصل الأعين صوت (فاطمة)وهي تقول: أنا بكرة لازم آخدك وألف بيكى على ضريح السيدة زينب وستنا نفيسة وسيدنا الحسين.

إبتسمت(رحمة)فى مرارة قائلة: ما ياما لفينا ياخالتي، إيه اللى إتغير بس؟ لسة بنسى، والله أنا حاسة انى عندى مرض خطير وهموت…
قاطعتها خالتها وهي تضمها على الفور قائلة: بعيد الشر عنك ياقلب خالتك، متقوليش كدة. هو إحنا مش أخدناكى للدكتور وأكدلك إن صحتك زي الفل وإن النسيان ده حالة نفسية.

إستكانت (رحمة)فى حضن خالتها بينما حاول (جلال)أن يتمالك نفسه، أطرق برأسه وهو يشعر بالعجز تجاه حزن( رحمة) وكلماتها التي أدمت قلبه، وخوفها من المرض والموت. يتمنى من كل قلبه لو كان هناك ما قد يفعله لأجلها، ولكن مع الأسف لا أحد قد يساعدها على تخطى كل أحزانها ومخاوفها سواها هي، رحمته.

حانت من (رحمة)نظرة إلى (جلال)فوجدته لا يأكل، فقط يطرق برأسه حزنا، لتخرج من حضن خالتها تنفض أحزانها جانبا، تدعى المرح وهي تقول: هو أنا نكدت عليك ولا إيه ياجلجل؟ اوعى أكون سديت نفسك عن الأكل؟! أزعل وربنا.
رفع رأسه يطالعها بحنان قائلا: وهو انتى ممكن تزعلى حد برده؟! ده انتى فرحة البيت كله يارحمة.

إبتسمت قائلة: طب عشان الكلمتين الحلوين دول هقوم أحضرلى طبق وآكل معاك، ييجى أستاذ خالد يتعلم منك إزاي يثبتني بكلمتين.
نهضت تحضر طبقا لها بينما نظر (جلال)لوالدته قائلا بإبتسامة حزينة باهتة: شوفى البنت زي القطط بتنكر خيره إزاي، وهو لو مكنش مثبتك كنتى هتحبيه بالشكل ده؟

أغروقت عينا والدته بالدموع، تسقط منهما دمعة على وجنتها، أسرعت تمسحها و(رحمة)تعود للطاولة وبيدها طبق الطعام قائلة: والله عندك حق، أنا زي القطط فعلا، بس تعرف أكتر حاجة مفرحانى إيه؟
طالعاها سويا لتنقل بصرها بينهما قائلة: إنه من يوم ماسافر الإمارات وهو بيبعتلى الجوابات باللغة العربية الفصحى، تفتكروا حبها هناك، ولا بيكتبهم بالشكل ده عشان عارف إنى بحبها؟
قالت(فاطمة) بطيبة: اكيد عشانك يابنتي.

إبتسمت قائلة: أنا بقول كدة برده، بمناسبة اللغة العربية.
نظرت إلى( جلال )تردف قائلة: حضرتك متأخر عن الدرس ساعة كاملة حضرتك.
إبتسم بهدوء قائلا: نخلص بس أكل وأديكى الدرس.
بادلته إبتسامته، قبل أن تشرع في تناول طعامها، غافلة عن هذا الذي لم يشح بنظراته عنها، قبل أن يبدأ بدوره في تناول طعامه وعيون (فاطمة)تبتهل بصمت، مع قلبها.

عقدت حاجبيها قائلة: يعنى إيه؟ مش فاهمة حاجة من الكلام ده.
أغلق الكتاب قائلا: هفهمك بطريقة أسهل، الكاتب هنا بيقول إن الكلمة الواحدة ممكن تختلف حسب النص اللى محطوطة فيه. وساعتها بتدى معنى تانى خالص.
قالت: زي؟!

قال: زي كلمة العين مثلا، لو سمعنا اللى جرير قاله(ولم أنس من سعد بقصوان مشهدا وبالأدمى مادامت العين تطرف)فهنا العين المقصود بيها عين الإنسان أو حاسة البصر، تعالى نشوفها في قول الله تعالى(فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا)هنلاقى هنا ان المقصود نبع المية، ممكن تيجى بمعنى جاسوس أو نفس الشيئ لو قلنا مثلا(هو عينه)يعنى هو ذاته.

لمعت عيناها وهي تقول: وزي كلمة قص، ممكن تبقى قص الورق، أو(قص الرجل الأثر)يعنى تتبعه أو (قص الراوى الحكاية)يعنى سردها.
إبتسم قائلا: بالظبط.
تأملته بإعجاب قائلة: ياخسارتك والله ياجلال، عليك طريقة في الشرح بتوصل المعلومة في ثوانى وبطريقة سلسلة، لو كنت كملت تعليمك كنت بقيت في حتة تانية خالص.

أطرق(جلال) برأسه قائلا: كل شيئ نصيب، كان لازم اكتفى بالثانوية العامة لما بابا مات، ماانتى عارفة إن أمى مكنلهاش حد غيرى وبابا مكنلوش معاش تتسند عليه، فكان لازم أشتغل.
مدت يدها تربت على كفه قائلة: طول عمرك راجل ياجلال.

رفع بصره إليها يطالعها بنظراته الغامضة تلك والتي تربكها مؤخرا فقد باتت محملة بمشاعر عجزت عن تفسيرها، ربما تحمل حنينا وألما إمتزجتا بمشاعر أخرى لاتفهمها ولكنها حقا تربكها، ترفع من درجة حرارتها وتوترها، لترفع يدها عن كفه مردفة بإضطراب: على فكرة بقى. أحلى حاجة في الدنيا إنك يعنى تكون قادر على تطويع أحلامك وتطويرها ولو حلم فشل متقفش عنده وتحلم بغيره وغيره، وانت ما شاء الله عليك، بدلت حلمك وبقيت أشطر كهربائي في المنطقة ومش ملاحق على الشغل، لدرجة إن الناس بقت بتطلبك بالإسم وده شيئ اكيد يتحسبلك.

هز رأسه قائلا: الحمد لله، نعمة وفضل، أحلامى كتيرة وبإذن الله أحققهم واحد ورا التانى.
إبتسمت قائلة: يارب تتحقق كل أحلامك ياجلال.
إبتسم قائلا: وأحلامك.
قالت: أنا مليش غير حلم واحد، ان خالد يرجع ونستقر بقى، تعبت من الغربة اللى أخداه منى دى.
نهض فجأة وهو يجمع كتبه دون ان ينظر إليها قائلا: بكرة يرجع، وتحققى حلمك، هستأذن انا عشان محتاج أرتاح شوية، ورايا نباطشية بالليل في المصنع.

قالت بحنان: ربنا يعينك ويقويك.

حنانها أرغمه على النظر إلى وجهها ليرى نظرتها تلك التي تطيح بقلبه وتسارع خفقاته، تعلقت عيونه مجددا بعينيها، لتشعر هي مجددا بالإرتباك، فهي تحاول بكل ماتملك من قوة أن تشيح بنظراتها عنه، ولكنها فقط لا تستطيع. وكأنها تقع تحت سحر ما يجذبها لتلك العيون السوداء كليل بلا قمر، وكأنها تحاول أن تفك طلاسمها التي تعجز عن فهمها في تلك الآونة الأخيرة وفهم مشاعرها التي تضطرب بسببها، حتى قطع هو ذلك السحر وهو يتنحنح مستأذنا ومغادرا بسرعة، يغلق الباب خلفه لتغمض عيناها عن ذلك الشعور المبهم الذي يجتاحها وكأنها فقدت للتو بمغادرته شيئا ما يترك فراغا بقلبها وشعورا غريبا بالوحدة، وكأن صحبته تمنحها سعادة وفراقه يحرمها تلك السعادة، ترجع شعورها ذلك لغياب زوجها الذي ترك بدوره في حياتها، فراغا قاتلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى