قصص

قصه عجوز المقابر

عجوز المقابر
موت الفجأة.. فكرة مرعبة، إن شخص يختفي من حياتك كده فجأة بدون مقدمات، بدون وداع، موضوع مرعب.. مش كده؟
بس خليني أقولك إن موت الفجأة، أرحم بكتير من الموت اللي بتبقى عارف من قبله ومحضرله.
انا ابويا كان تعبان بمرض خطير في مراحله الأخيرة، ولما روحنا للدكتور قال إن قدامه 6 شهور بالكتير ويموت، ده لو قدر يعيشهم أصلاً، 6 شهور بس، رقم قليل قدام الفراق الطويل اللي هيبدأ بعدهم، 6 شهور وانا بعيش معاه كل يوم على إنه الأخير، بودعه قبل ما أخرج، بس بالنظرات عشان مايحسش بحاجة، 6 شهور كل يوم وانا بره مستني تليفوني يرن واسمع جملة واحدة “أبوك مات”.
سيناريوهات كتير كانت بتدور في دماغي.. يا ترى هيموت وانا جنبه وبتكلم معاه، ولا هيموت وانا نايم، ولا مش هكون موجود معاه ساعتها؟.. طب يا ترى لو مات، انا هعمل ايه؟.. اسئلة كتير ماكنتش بلقى لها اجابة، وكان الحل إني اقعد واستنى اجابات القدر، وعشان ماتقولش إني يأست وتغلطني إني ازاي كنت مستني موته، فانا ميأستش، وكنت دايماً بدعيله، بس حالته وكلام الدكتور هم اللي وصلوني لكده، لكن الدعاء فعلاً بيغير القدر، والدي عاش سبع سنين كمان، الدكتور في اخر ايامه حاول يخفف عني لما قالي “احمد ربنا على اللي عاشه معاك، وجوده حي لحد دلوقتي يعتبر معجزة”.. وفاكر كمان إنه قالي “والدك عنده إصرار غريب على الحياة” وحقيقي ماكنش بيكدب في دي، لان ابويا فعلاً كان بيحب الحياة، بس تخيل بقى إني عيشت سبع سنين زيادة بنفس الاحساس.. احساس القلق والانتظار، كل يوم بودعه وانا خارج، بقف على باب أوضته بالليل وأسمع صوت أنفاسه عشان اطمن إنه حي، بقلق لو اتأخر بره لوحده لانه كان بيرفض يقعد في البيت، لحد ما في يوم تعب جداً، اتنقل على المستشفي وهناك الدكتور سحب عينة من بطنه وساعتها قالنا “خلاص الحالة منتهية، مسألة ايام مش أكتر.. “.. وفعلاً كانت ايام، 13 يوم بالظبط، 13 يوم ومات، وساعتها عيشت سيناريو من السيناريوهات اللي كنت بتخيلها، بس المرة دي عيشته في الواقع، كان في اختلاف بسيط بس، وهو إن في ناس غابت من الصورة وناس تانية ظهرت وقامت بدورهم، اما الاختلاف الجوهري، فهو إني ماقدرتش اقنع نفسي انه حلم وهينتهي واصحي الاقيه قاعد جنبي، أول يوم عدا وبعده أول خميس وبعده الأربعين، وبعد الأربعين بقى بدأت الحياة تاخد شكل تاني، وده مش لسبب معين أو لانك بتتنسى، بس ده لان بالنسبة للناس الموسم بتاعك خلص، يعني مش هتلاقي التعازي والأسئلة اللي كانت موجودة طول الفترة اللي فاتت، وبصراحة ده شئ مريح جداً، لان الأسئلة دي على قد ما بتكون لافتة جميلة من ناس بتحبك وبتحاول تكون جنبك، إلا انها بتخليك دايماً متوتر.
اما بعد الفترة دي، ف بتبدأ تحاول تستعيد تفكيرك وتستوعب إنه خلاص، الشخص ده مش موجود في حياتك تاني، هو صعب، بس لازم تعمل كده، وده اللي انا ماقدرتش اعمله للأسف، ماقدرتش استوعب انه مش هيرجع، واكتر حاجة كانت وجعاني، هي اني كنت محتاج لحضن، حضن أجلته سنين عشان كنت خايف يموت بعده، بس اديه مات ومالحقتش أحضنه.
فضلت كتير حاسس بفراغ سابه الحضن ده جوايا، وعشان كده بقيت بعوض ده باني أروح اقعد معاه في المقابر، كنت كل يوم بروح اقعد قدام القبر واتكلم معاه، ساعات كتير كنت بشوف طيفه، بس أول ما اجي أحضنه بيختفي، فضلت كده شهور طويلة، أروح الشغل وبالليل وانا راجع أعدي على المقابر اقعد معاه، كان بيبقي مستنيني دايماً، ده انا حتى مرة كنت تعبان وماقدرتش أعدي عليه، لقيته تاني يوم بيعاتبني و زعلان مني، وفضلت طول الساعتين اصالح فيه، بس من فترة حصلت حاجة غريبة جداً، يومها خلصت شغل وعديت على المقابر زي كل يوم، فتحت المدفن ودخلت…
– السلام عليكم، ازيك يا حاج؟.. عامل ايه النهاردة؟
قعدت على الأرض قدام التربة وانا بقوله…
– اه، الواحد جسمه واجعه أوي يا ابويا، كان عندي ضغط شغل النهاردة رهيب، مش عارف والله يا حاج امتى الواحد هيرتاح من الشقى ده؟.. انا عارف.. عارف إن الحياة كلها شقى وتعب، بس برضه الواحد عنده طاقة، طب انا هحكيلك اللي حصل النهاردة عشان تعرف إن الواحد مستحمل ناس في الشغل، ولو بايده كان ضربهم بالنار والله، الواد عفيفي بتاع الاتش آر.. ما اننت عارفه، حكيت لك عنه قبل كده، تخيل ابن الـ… بعتلي الصبح ولما روحت له لقيته بيقولي…
– انا همشي محسن؟
– ليه؟!.. ده واد مجتهد ومحترم، غير انه الوحيد في الشركة اللي محقق التارجت بتاعه الشهر ده.
تخيل ابن اللذين قالي ايه…
– ما انا عارف، بس محتاج اعين واحدة متوصي عليها، ولازم حد يمشي عشان ميزانية الشركة ماتسمحش اننا نعين موظفين زيادة.
– طب وطالما الشركة ميزانيتها ماتسمحش، بتعينوا ليه؟
– قولتلك متوصي عليها من حد تقيل ولازم تشتغل.
– خلاص مشي علي، كده كده مابيعملش حاجة وقاعد زي قلته.
– لا علي ماينفعش يمشي، انت نسيت ان المدير يبقى خاله ولا ايه؟
– اااه، طيب، اقولك، مشي كوثر، هي كمان مالهاش في الشغل وبتيجي تتدلع بس.
– كوثر!.. دي عسل يابني، ده هي اللي مهونة على الواحد الشغل هنا والله.
– مهونة عليك الشغل، طب بص بقى، محسن مش هيمشي، ده أهم واحد عندي ومش هستغنى عنه، ولو مشي هيبقى ليا تصرف تاني.
– تصرف تاني ايه يا رامي، انت صدقت نفسك ولا ايه؟.. انا بتكلم معاك كده بصفة ودية عشان كنا زمايل في تيم واحد في يوم من الايام، لكن انا كده كده خدت القرار وحبيت ابلغك بس عشان تظبط تيمك، ودهعشان عارف إن محسن أهم واحد عندك في التيم.
شوفت يا ابويا الناس بقت عاملة ازاي؟.. اهو الأخ ده مايعرفش إن محسن شاب غلبان وفي رقبته عيلتين، مراته وبنته من ناحية، و أمه وأخته اليتيمة من ناحية تانية، مايعرفش إن الواد كان بيبقى ميت من التعب حرفيًا وخايف يغيب يوم واحد عشان يدوب مرتبه بيكفيه بالعافية، وهو عايز يمشيه عشان يرضي سيده، وعايز يقعد كوثر جنبه عشان تهوي عليه، الناس بقت وحشة أوي يا حاج، السواد بقى مالي قلوبهم، والطمع عمى عينيهم، والمشكلة بقى إن كل واحد فيهم عامل ملاك، اهو عفيفي ده مثلاً كل يوم ينزلك بوستات دينية ويقولك، من يتق الله يجعل له مخرجاً، أو اتقوا يومًا تُرجعون فيه إلي الله، وساعات تلاقيه كاتب، أكتر حاجة بكرهها في حياتي ظلم البشر لبعضها، وهو فاحت خلق الله، اومال لو كان بيعمل بالكلام ده كان عمل فينا ايه؟.. ده مش بعيد كان ركب جناحين وافتكر نفسه ملاك، انت بتضحك يا حاج؟… طب والله الواحد نفسه يجي جنبك عشان يرتاح من القرف ده كله، يلا.. انا هقوم بقى أروح واسيبك ترتاح، معلش بس انا تعبان أوي النهاردة، هعوضهالك بكرة إن شاء الله ونقعد مع بعض وقت أطول، تصبح على خير يا حاج، صحيح.. أمي بتسلم عليك، بتقولك انها مش قادرة تيجي تزورك اليومين دول عشان التعب شادد عليها، ما انت عارف، لا أختي كويسة الحمدلله، بنتها نطقت اخيرًا واتكلمت، من كام يوم وريتها صورتك وقولتلها ده جدو، كان نفسي تسمعها منها، نطقتها زي العسل، هبقى اسجلها فيديو واسمعهولك المرة الجاية، ايه؟.. لا ماتقلقش عليهم ياحاج دول في عينيا، حاضر يوصل، هسلملك عليهم، يلا سلامو عليكوا.
******
وانا خارج لقيت ظرف على عتبة باب المدفن، شكله كان نضيف، وعشان كده وطيت جيبته من على الأرض، فتحت الظرف وساعتها لقيت فيه ورقة صغيرة مش مكتوب فيها غير جملة واحدة “ماتجيش هنا تاني”.. ايه السخافة دي؟ مين ده اللي بيقولي ماجيش أزور ابويا تاني، خرجت وقفت في الشارع وانا ببص يمين وشمال، لكني مالقتش حد، ماقدرش أنكر إني حسيت بالخوف خصوصًا لما العمود اللي في الشارع اتقفل فجأة، ركبت العربية بسرعة وخرجت من الترب، ياترى مين اللي ساب لي الورقة دي؟. مش يمكن عفريت؟.. عفريت ايه بس اللي هيسيب لي رسالة!
طب ممكن حرامي؟.. بس هو يعني هو الحرامي هيحذرني قبل ما يسرقني؟.. اومال مين يعني اللي عمل كده؟ ماعرفش!.. بس ايًا كان اللي عمل كده لازم اعرفه.
تاني يوم في الشغل كنت حاطط الورقة قدامي على الكونتر وقاعد ابص لها كل شوية، ماكنش فيه في دماغي غير سؤال واحد، مين اللي عمل كده؟.. اصل اناهعرفه ايًا كان، الجملتين كانوا بيتكرروا في راسي بايقاع سريع زي البينج بونج، لحد ما فوقت فجأة على صوت عفيفي…
– رامي، يا رامي.
انتبهت وبصت له بهدوء…
– خير يا عفيفي؟
شاور على بنت واقفة جنبه قبل ما يقولي…
– عايز اعرفك على يمنى، هتكون عضو جديد في التيم بتاعك.
بصيت عليها، كانت بنت عادية عكس الصورة اللي كانت في دماغي، أو مش زي كوثر مثلاً اللي قاعدة في الشركة لحد النهاردة بسبب جمالها، سرحت وبعد ثواني كده قولتله…
انت برضه عملت اللي في دماغك؟
– انا قولتلك القرار كده كده اتاخد خلاص، اتفضلي يا يمنى اقعدي مع استاذ رامي وهو هيفهمك الشغل ماشي ازاي، عايزك ترفعي راسي.
ردت عليه بخجل المبتدئين…
– حاضر يا استاذ عفيفي.
سابنا عفيفي ومشي، وفضلت يمنى واقفة مكانها شوية، لحد ما قولتلها في الاخر…
– تعالي اتفضلي، اقعدي.
قعدت قدامي وهي ساكتة وانا كمان ساكت ومش عارف اقولها ايه، كنت من جوايا بغلي بسبب الظلم اللي محسن اتعرض له، وعشان كده لقتني بقولها…
– بصي، انتِ عينوكِي هنا على حساب راجل غلبان كان بيراعي ربنا في أكل عيشه عشان خاطر اللي في رقبته، وبسببك في عيلتين اتشردوا.
حسيت براحة جوايا لما قولتلها كده، استنيت اشوف رد فعلها، كانت ملامحها جامدة، مافيش أي ردة فعل باينة على وشها، لحد ما اتكلمت بكل ثقة وقالت…
– عادي بتحصل كتير، المهم خلينا في الشغل، انا مطلوب مني ايه؟
كلامها صدمني، وعشان كده فضلت ساكت دقيقة أو اتنين، كانت بتبص لي بنفس الملامح الجامدة، ف قولتلها بارتباك باين في صوتي…
– اتفضلي قومي معايا عشان أوريكِي المطلوب منك.
قعدتها على جهاز محسن وبدأت أعرفها الشغل ماشي ازاي، بصراحة كانت مركزة جداً، يعني عكس أغلب الناس اللي بيتعينوا بوسايط وبيبقوا جايين يتدلعوا، لدرجة إن حماسها وتركيزها في اللي بقوله نساني الطريقة اللي جت بيها وبدأت اتعامل معاها عادي جدًا، وبعد ساعة تقريبًا كنت شرحت لها أساسيات الشغل وطلبت منها تنفذ شوية حاجات باللي اتعلمته، رجعت قعدت على مكتبي وبدأت أشوف شغلي، وبعد فترة قليلة لقيتها جاية وبتقولي…
– انا خلصت اللي حضرتك طلبته مني، ياريت تيجي تبص عليه.
– خلصتِي ايه؟
– الشغل اللي طلبته مني.
انتِي لحقتي!.. الشغل ده المفروض ياخد ساعة على الأقل، يعني معاكِ انتِي ساعتين.
– بس انا خلصت، تعالي حضرتك شوف بنفسك.
استغربت من كلامها وقومت عشان اشوف اللي عملته، لقيتها فعلاً عملت كل اللي طلبته منها ومافيش أي غلطة واحدة، وعشان كده قولتلها وانا مندهش…
– تمام، تمام.
ف قالت لي وهي فرحانة بشغلها…
– يعني انفع؟
ابتسمت نص ابتسامة…
– اه تنفعي، دلوقتي بقى هتقعدي طول اليوم تتدربي على الكلام ده اكتر وبكرة هعلمك حاجات جديدة، تمام.
قعدت على الكمبيوتر بحماس…
– اشطا.
– اشطا!.. ايه اشطا دي؟
بصت لي باستغراب وقالت…
– اشطا، يعني زي تمام، فل، كده يعني، هي اشطا عيب هنا عندكوا ولا ايه؟
– اه عيب عندي، انا مابحبش الطريقة دي، اشطا دي ممكن تقوليها لواحدة صاحبتك و انتوا بتظبطوا خروجة، لكن احنا هنا في مكان شغل.
رفعت كتافها وهي ببتبص لي باستغراب…
– طيب خلاص، انا اسفة، ماكنتش اعرف ان اشطا هتزعل حضرتك أوي كده، خليها تمام.
– ايوا كده، اتفضلي شوفي شغلك.
– تمام.
سيبتها و رجعت مكتبي أكمل شغل، فضلت قاعد لحد ما كان فاضل خمس دقايق على نهاية اليوم، كنت مركز في الساعة جدًا وقتها عشان مستعجل أروح المقابر وأعرف مين اللي ساب لي الورقة دي، وفي وسط تفكيري لقيتها واقفة قدامي وبتقولي…
– انا خلصت، لو حضرتك حابب تبص على اللي عملته.
– لا مش النهاردة، بكرة هبقى اشوفه، تقدري تروحي، مع السلامة.
رفعت حواجبها وبصت لي بغيظ وبعدين خدت بعضها ومشيت من غير ما تقول كلمة واحدة، انا كمان قفلت شغلي وقومت مشيت.. مشيت وانا طول الطريق كنت بفكر في طريقة اقدر اعرف أمسك بيها اللي ساب الورقة، وبصراحة ماكنش في حل غير اني اقعد استناه، بس ياترى هيجي؟.. تليفوني رن ساعتها، كان محسن هو اللي بيتصل…
– ايوه يا محسن، ازيك؟
– ازي حضرتك يا استاذ رامي؟
– تمام الحمدلله، انت اخبارك ايه؟.. طمني عليك.
– والله تمام الحمدلله، ماشي الحال، انا قولت اتصل بحضرتك بعد الشغل عشان نتكلم براحتنا.
– انا كمان كنت هكلمك بالليل.
– شوفت اللي عملوه معايا يا استاذ رامي، استاذ عفيفي كلمني النهاردة الصبح وقالي ماتجيش الشغل النهاردة، وانا هبقى اكلمك تيجي تاخد بقيت مستحقاتك.
– والله يا محسن انا متخانق معاه امبارح خناقة كبيرة بسببك، بس انت عارف ولاد اللذينة دول ماعندهمش عزيز.
– انا عايز اعرف بس انا عملت ايه لكل ده؟.. ده انا عمري ما قصرت في الشغل، بالعكس، انا كنت أكتر واحد بشتغل في الشركة وحضرتك تشهد على كده.
– انا عارف يا محسن والله وعارف انك مالكش ذنب في كل اللي حصل ده، بس انا بجد حاولت معاهم وهم مصممين على قرارهم.
– منهم لله، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم، ان شاء الله ربنا هيعوضني بالأحسن عشان خاطر اللي في رقبتي.
– ان شاء الله، وانا هكلملك كام واحد من صحابي في شركات تانية كده، ولو حد عنده فرصة هبعتلك والله.
– ربنا يخليك يا استاذ رامي، انت الوحيد في الشركة دي اللي الواحد زعلان انه مش هيشوفه تاني.
– تسلم يا محسن، وبعدين مش هتشوفني تاني ليه ياعم، هبقى اكلمك ننزل ونتقابل، هو الشغل بس يعني اللي هيجمعنا يعني.
– ما حضرتك عارف ان انا ماعنديش رفاهية الخروج، بس اتمنى والله اقابلك تاني.
– ان شاء الله نبقى نظبط يوم ونتقابل.
– ياريت، انا هقفل بقى عشان ماطولش عليك، مش عايز أي حاجة؟
– تسلم يا محسن، خلي بالك من نفسك، وابقى طمني عليك.
– هنتكلم تاني بإذن الله، مع السلامة.
– مع السلامة.
عارف لما تبقى موجوع وهتموت وتصرخ بس تفتكر فجأة انه ماينفعش، اهو ده احساس محسن في المكالمة، كان عايز يصرخ، عايز يعترض، لكنه ماقدرش، كرامته منعته، الاحساس بالظلم صعب أوي، كنت وصلت المقابر ساعتها، دخلت جوة وانا ببص من شباك العربية يمين وشمال، كنت بحاول المح أي حد ممكن يكون قاعد، بس ماكنش في حد خالص، وقفت بالعربية قدام المدفن وسيبت نورها والع، خصوصًا إني لقيت العمود لسه مضلم، نزلت وفتحت باب المدفن ودخلت، قعدت جنب تربة ابويا وسندت ضهري وانا بقوله…
– سلامو عليكوا يا حاج، عامل ايه النهاردة؟.. معلش بقى اسمحلي اسند ضهري علي التربة، ماهو انت من ساعة ما سيبتني وانا مابقاش ليا حد اسند ضهري عليه، عارف يا ابويا، انت وحشتني أوي، بس انا النهاردة مش عايز اتكلم، انا عايز اقعد معاك وتحس بيا من غير كلام زي ما كنت بتعمل معايا زمان، مش انت كنت بتعرف انا زعلان ولا فرحان من غير ما اتكلم.
وفضلت ساند ضهري على التربة وانا بفتكر كل لحظة عديت بينا، حسيت بالدموع بتنزل على خدي، سيبتها، محاولتش امنع نفسي، انا فاكر يوم الجنازة منعت نفسي من العياط، ومن يومها وانا حاسس ان في شلال جوايا محبوس وعايز ينفجر.
عدت حوالي نص ساعة وبعدها من التعب أو من البكا ماعرفش بقى، ماحسيتش بنفسي و روحت في النوم.
كنت واقف في مكان ضلمة جدًا، فجأة ظهر قدامي محسن، كان متقيد بالسلاسل، كان في اتنين ماسكينوا وماشيين بيه في طريق انا مش شايف نهايته، بس كان في شعلة حمرة على مرمى البصر، محسن كان منهار من العياط، وعمال يستغيث عشان يسيبوه، لكنهم كانوا جارينه وماشيين بيه، وقف عند اخر الطريق وبدأ يصرخ، بعدها لف وبص لي والدموع مغرقة عينيه وبعدين قالي.. “مراتي وأمي أمانة في رقبتك”.. فجأة واحد من الواقفين زقه، محسن اختفى، ماكنتش سامع غير صراخه اللي كان وصلني كأنه وقع في بير غويط، حاولت اتحرك ناحيته، لكن في اللحظة دي اكتشفت إن رجلي غارزة في الوحل، بحاول اخرج رجلي بس مش عارف، وفجأة لقيت ست كبيرة في السن ومعاها واحدة في التلاتينات تقريبُا، كانوا واقفين والحزن باين على وشهم، دول أكيد أم محسن ومراته، حاولت أخرج نفسي عشان اروح لهم، ماقدرتش، بس سمعت صوت طفل جاي من ورايا، بصيت لقيت بنت جميلة زي القمر ماسكة في رجلي من ورا وبتعيط، حاولت اشدها، لكن هي كمان كانت رجليها غارسة في الوحل، الاتنين كانوا لسه واقفين مكانهم، مرات محسن كانت باصة على بنتها اللي جنب رجلي وبتمد ايدها كأنها عايزة توصلها، اما أمه، فكانت ثابتة بس الدموع على وشها، فجأة لقيت تعبان كبير خرج من الأرض، كان بيني وبين الستات، بص عليهم وبعدين رجع بص لي، وفي الاخر جه ناحيتي، كان بيقرب ببطء، بصيت على البنت وحاولت اخرجها بأي شكل، رجليها كأنها ملزوقة في الأرض، التعبان كان بيقرب أكتر، البنت صراخها بيزيد، بصيت للستات، كانت مراته بتصرخ من غير صوت، الام كانت حاطة ايدها على بوقها ومغمضة عينيها، التعبان لف نفسه على جسمي و رقبته بقت تقريبًا في وشي، بص في عينيا وبعدين بص على البنت اللي تحت، وفجأة نزل برقبته ناحيتها و…
قومت مفزوع وانا بصرخ…
– لااا، البنت لا.
كنت نايم قدام التربة، بصيت حواليا يمين وشمال، وبعدين نفخت وانا بقول.. “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.. في اللحظة دي لقيت عند عتبة المدخل ظرف جديد، قومت بسرعة جيبته وفتحته، كان في ورقة ومكتوب فيها.. “ده اخر تحذير لك، انفد بعمرك”.. بصراحة كنت مرعوب، بالذات إن الكابوس اللي لسه شايفه كان مأثر عليا، عشان كده قفلت المدفن بسرعة وركبت العربية ومشيت، كنت طاير بالعربية وانا بخرج من المقابر، خبطت على الدريكسون مرتين تلاتة وانا بلوم نفسي، ازاي نمت، ازاي؟.. وبعدين مين اللي كانوا مع محسن دول، وليه بيوصيني على مراته وامه، والبنت.. البنت ذنبها ايه، وليه التعبان عايز يموتها؟ اسئلة كتير بحاول القى لها اجابة لكن بدون فايدة، وصلت البيت، كانت أمي قاعدة في الصالة وبتقرأ قرآن، قربت منها وساعتها وقفت قراية وبصت لي…
– ازيك يا حبيبي، كنت فين كل ده، قلقتني عليك.
– عاملة ايه يا أمي؟
– انا الحمدلله بخير، انت كنت فين؟
– مافيش، خلصت الشغل و روحت قعدت مع أصحابي شوية على القهوة.
– طيب يا حبيبي، جعان، اقوم احضرلك الأكل؟
– لا ماتتعبيش نفسك، انتِ خدتي الدوا بتاعك؟
– اه ياحبيبي، اختك كانت هنا من شوية وادتهوني قبل ما تمشي.
– هي عاملة ايه صحيح، والعفريتة الصغيرة عاملة ايه؟
– بخير الحمدلله، البت فضلت تدور عليك النهاردة كتير اوي، ولما مالقتكش، قولتلها خالك في الشغل ولسه مجاش، بس برضه كل شوية تتدخل أوضتك وتدور عليك.
ضحكت وانا بقولها…
-حبيبتي دي، هخلص شغل بكرة إن شاء الله و أروح لها.
– إن شاء الله يا حبيبي.
– مش عايزة حاجة قبل ما انام.
– عايزة سلامتك.
– تصبحي على خير يا حاجة.
– وانت من أهل الخير يا حبيبي.
سيبتها ودخلت أوضتي، حطيت الظرف على الكومودينو وغيرت هدومي وبعدها قعدت على السرير، بدأت أفكر في اللي بيحصل، انا لازم أركز كويس مع اللي بيرمي الورق ده، لازم أعرف هو مين وعايز ايه، بس انت لما بتروح هناك بتنسى نفسك وبتنام أو بتسرح مع ابوك، لا لا انا ان شاء الله هركز وبكرة هعرف أوصله، نمت بعدها عشان ابقى فايق تاني يوم.
كنت بجري في وسط صحرا، بجري بكل سرعتي، سألت نفسي انا بجري ليه وايه اللي جابني هنا؟.. وقفت وحطيت ايدي على ركبي في وضعية الركوع وانا بحاول اخد نفسي، فجأة سمعت صوت فحيح جاي من ورايا، لفيت وساعتها شوفت نفس التعبان، كان جاي ناحيتي بسرعة غريبة، في اللحظة دي جريت تاني، فضلت أجري من غير ما أبص ورايا، لحد ما لمحت خيال ضخم غطاني وكأن السما غيمت، خوفت أكتر و زودت سرعتي، لكني مش قادر أعدي الخيال، مهما جريت بجري في المساحة اللي خيال التعبان مغطيها.
قومت من النوم وانا حاسس بجسمي مليان عرق ونفسي سريع كأني كنت بجري في الحقيقة، مديت ايدي وجيبت ازازة الماية من على الكومودينو، شربت ورجعت الازازة مكانها وساعتها ايدي جت على الظرف، مسكته وبصيت فيه، مش عارف ليه حسيت إن الرسالة دي لها علاقة بالأحلام اللي بدأت أحلمها، وعشان كده قررت أنفذ الكلام الموجود فيها وماروحش المقابر تاني لفترة كده يمكن أبطل احلم بالكوابيس دي.
والصبح روحت الشغل، دخلت الشركة سلمت على التيم كله، وقتها لقيت يمنى قاعدة على مكتبها، حسيت اني زودتها معاها امبارح وعشان كده قربت من المكتب وقولتلها…
– ها اخبار الشغل ايه؟
– تمام الحمدلله.
– يا ترى الشغل هنا سهل ولا صعب؟
– لحد دلوقتي مش حاسة انه صعب، بس ربنا يستر في اللي جاي بقى.
ضحكت وانا بقولها….
– لا ماتقلقيش كل حاجة سهلة ان شاء الله، وبعدين انتِ ذكية وبتتعلمي بسرعة.
– شكرًا لحضرتك.
– العفو دي حقيقة، دلوقتي بقى خلينا ندخل على الشغل اللي بجد.
علمتها بقية الشغل و زي امبارح اديتها شوية حاجات تعملها كنوع من التدريب، بعد كده رجعت مكتبي وبدأت أعمل شغلي انا، وقبل ميعاد الشغل، جت يمنى وطلبت مني أراجع اللي هي عملته، روحت معاها و زي ما توقعت كانت عاملة الشغل على أحسن وجه، بعد كده نزلت ركبت عربيتي، وساعتها بدأت افكر.. ياترى أروح المقابر ولا ما أروحش؟.. في النهاية قررت إني همشي ورا الرسالة ومش هروح، عديت على أختي وقعدت معاها هي وبنتها، ضحكنا وهزرنا وبعد كده سيبتهم ورجعت البيت، كان يوم لطيف، حسيت براحة نفسية ماحسيتش بها من زمان، وفضل ده روتين يومي لمدة اسبوع، لحد ما في اخر الاسبوع دخلت عشان انام، وساعتها شوفت كابوس مرعب…
كنت واقف في المدفن بتاع ابويا، وهو واقف قدامي، كان باين على وشه الغضب لما قالي…
– هان عليك ابوك، تسيبه الوقت ده كله؟
انت عارف يا ابويا انك عمرك ما تهون عليا، انا بس…
انت ايه؟.. انت خلاص نسيت ابوك والحياة خدتك.
– لا انا ماقدرش انساك أبدًا.
سابني ومشي، فضلت انده عليه، لكنه ماكنش بيرد عليا، فجأة ظهر قدامي محسن، كان جسمه محروق وشكله بشع، قرب مني وهو بيقولي…
– حطيت ايدك في ايد اللي ظلموني، انت وهم واحد.
– انا مظلمتكش، انا ماعملتش أي حاجة تضرك.
– قولتلك مراتي وأمي امانة في رقبتك، وبدل ما تخلي بالك منهم روحت وساعدتهم يظلموني.
كان بيقرب مني، فضلت ارجع لورا لحد ما خبطت في التربة، ساعتها ضحك ضحكة مرعبة قبل ما يقرب مني وهو بيقول…
لازم تدوق اللي انا دوقته، انت وهم واحد، انت وهم واحد.
حط ايده على رقبتي وفضل يخنق فيا.
قومت من النوم وانا بحاول اشيل ايده من على رقبتي، كنت بنهج بشكل فظيع.. “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.. انا ليه بشوف محسن في أحلامي، طب ابويا معاه حق يزعل مني عشان ما بزروش، لكن محسن زعلان مني ليه، وبعدين يعني ايه اخلي بالي من أمه ومراته، هو مامتش عشان أخلي بالي منهم، انا مش فاهم حاجة، فضلت قاعد على السرير وماعرفتش انام تاني، لحد ما جه ميعاد الشغل، قومت لبست ونزلت، ووانا في الطريق اتصلت بمحسن وقولتله اني عايز اقابله على الساعة سبعة، وصلت الشركة ولما دخلت قعدت على مكتبي من غير ما اسلم على حد من الموجودين، بعد شوية لقيت يمنى جاية وبتقولي…
انت كويس؟
– اه الحمدلله، في حاجة؟
بصت لي باستغراب وبعدين قالت…
– لا انا قولت بس اطمن عليك.
– تطمني عليا!!.. بصفتك ايه تطمني عليا؟.. اتفضلي يا استاذة على مكتبك.
مشيت من غير ولا كلمة، انا دلوقتي فهمت قصد محسن ايه؟.. قربي من يمنى هو الظلم اللي ظلمته لمحسن، بدل ما اقف معاه، قاعد بساعد اللي جت مكانه وقطعوا عيشه بسببها وقاعدين بنضحك ونهزر ولا في دماغنا اللي حصله، انا ازاي ماخدتش بالي من ده.. محسن معاه حق، انا وهم واحد، فضلت قاعد مستني اليوم يخلص بأي شكل، تقريبًا ماكلمتش حد خالص طول اليوم، لحد ما جت الساعة ستة ونص، قفلت كل حاجة ونزلت، كلمت محسن لقيته في الطريق، استنيته في المكان اللي هينزل فيه من الميكروباص، و أول ما ركب العربية، سألته…
– عامل ايه يا محسن؟
– تمام الحمدلله، حضرتك عامل ايه، شكلك تعبان أوي؟
– انا الحمدلله، انا عايزك تيجي معايا مشوار، ممكن؟
– تحت أمرك.
اتحركت بالعربية ناحية المقابر، أول ما لقانا داخلين جوة سألني بتوتر…
– احنا داخلين التُرب ليه؟
– هنزور حد هناك.
– حد مين ده اللي هنزوره دلوقتي؟
– ابويا الله يرحمه، ماتقلقش يا محسن انا باجي هنا كل يوم لوحدي في نفس الميعاد.
– ماقلقش ايه بس يا استاذ رامي، حضرتك مش شايف الدنيا كُحل، وبعدين انا بخاف ادخل التُرب بالنهار، اقوم ادخلها بالليل.
– قولتلك ماتقلقش انا معاك.
أول ما وصلنا قدام المدفن نزلت من العربية واستنيته ينزل، لكنه كان بيبص لي من الازاز بخوف، ابتسمت وانا بشاور له ينزل، فتح الباب ونزل، بعدها فضل يبص حواليه وانا بفتح المدفن، دخلت جوة وقولتله…
– تعالي، تعالي ماتخافش.
دخل بتردد وهو بيقول…
– السلام عليكم دار قوم مؤمنين، انتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون.
شاورت له على المدفن وانا بقوله…
– احب اعرفك، ده ابويا الحاج عثمان، ده محسن زميلي اللي حكيت لك عنه يا حاج، قولت اجيبه معايا وانا جاي عشان عارف انك زعلان مني، واهو يحاول يحنن قلبك عليا شوية.
محسن كان بيبص لي بقلق وخوف باين على وشه، بعدها سألني…
– هو في ايه يا استاذ رامي؟.. حضرتك جايبني هنا ليه؟
ابتسمت وانا بقرب من التربة وبرد عليه…
– عمك عثمان يا سيدي، زعلان مني وقال ايه بيسيبني امبارح في الحلم ويمشي، مايعرفش اني ماقدرش اسيبه ابدًا مهما عمل.
– الحاج زعلان منك، حضرتك زعلان منه دي مسائل عائلية، انا جاي مع حضرتك ليه؟
– ما هو انت كنت معاه في نفس الحلم.
– حلم ايه؟
– هو جالي وقالي انه زعلان مني، وبعدها على طول انت ظهرت لي وقولتلي لازم ادوق نفس اللي انت دوقته عشان ظلمتك زيهم، فانا عايز اعرف انا ظلمتك في ايه؟
بص لي بتعجب وقالي…
– ظلمتني!.. حضرتك ماعملتليش أي حاجة وحشة عشان أقول انك ظلمتني، انا مش فاهم حاجة.
في اللحظة دي سمعنا صوت حد بيقول…
– انا افهمك يا محسن، رامي خايف يجي لوحده، فجابك معاه عشان تونسه، وعمال يقول أي كلام عشان مايخوفكش، لكنه في الحقيقة جاي يدور عليا انا.
محسن رجع لورا ساعتها وهو بيقول…
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، انت مين ياعم انت كمان، انس ولا جن؟
ضحكت على منظره وقولتله…
– اهدى، اهدى يا محسن، ماتخافش.
بصيت بعدها للعجوز اللي كان واقف عند مدخل المدفن وساند على عصايته، بصيت له وسألته…
– كنت بتسيب لي الرسايل دي ليه؟.. ليه مش عايزني أجي أزور أبويا تاني؟
قرب مني بهدوء وبعدها قعد قدام التُربة وقالنا…
– اقعد وانا هفهمك كل حاجة، اقعد يا محسن.
قعدنا احنا الاتنين جنبه، وبعدها بدأ هو يتكلم…
– انا كنت متجوز ست ولا كل الستات، كانت أجمل واحدة شوفتها في حياتي، ومش بقول كده عشان كانت مراتي، لا، هي فعلاً كانت جميلة، بعد ما اتجوزنا بسنتين ربنا رزقنا ببنت شبهها في كل حاجة، كنت أسعد واحد في الدنيا وقتها، بس لان الدنيا دار ابتلاء، فلازم كل شوية تحطك في اختبار، وتشوفك هتتصرف فيه ازاي، وده اللي مافهمتوش وقتها، وفي يوم رجعت من الشغل، لقيت زحمة قدام البيت وعربية مطافي واقفة، جريت بسرعة وسألتهم في ايه؟… قالولي شقتك بتولع ومراتك وبنتك جوة، اتجننت، جريت ودخلت البيت، حاولوا يمنعوني لكن ماقدروش، دخلت وسط النار، و أول ما دخلت الشقة شوفتهم، كانوا مرميين على الأرض والنار ماسكة فيهم، مراتي كانت حاضنة بنتي، كانوا لازقين في بعض زي تمثال جميل بس النار طالته، حاولت أوصلهم، لكن الحريق وقف بيني وبينهم، بوليس وتحقيقات ونيابة وفي الاخر اكتشفوا انه تسريب غاز ومافيش أي شبهة جنائية، يعني ايه؟.. مراتي وبنتي راحوا فطيس كده، مافيش حد أخد منه حقي وأفش غلي فيه؟ النار اللي في قلبي ماكنش يقدر يطفيها نهر بحاله، من يوم ما ماتوا وانا جيت هنا قعدت جنبهم، سيبت دنيتي كلها، مابقيتش بعمل حاجة في حياتي غير اني قاعد قدام تربتهم، كان جوايا احساس اني السبب في موتهم، وكنت حاسس إني بكفر عن الذنب اللي انا ماعملتوش، في الوقت ده سألت ربنا، ليه، ليه انا بيحصلي كل ده، ليه خدتهم مني؟.. وطبعًا موصلتش لاجابة ساعتها، العمر كان بيجري بيا وانا في مكاني، فاكر ان قعدتي جنبهم هترجعهم، أو هتغير القدر، حقيقي حياتي وقفت بموتهم، وعملت زيك كده بالظبط، لحد ما كنت خلاص قربت اتجنن وامشي في التُرب زي المجاذيب، بس في يوم قابلني راجل، قرب مني واتكلم معايا، وقالي…
– الحياة اتوبيس كبير له بابين، لما بيوقف في أول محطة وبنركب مابناخدش بالنا من الناس اللي نازلة من الباب التاني، بندخل الأتوبيس ونتعرف على الناس اللي فيه، ونسمع حكاياتهم ونعيش معاها، وفجأة في نص الحكاية الأتوبيس بيوقف والناس اللي عرفناهم بيسبونا وينزلوا، اللي بيوجعنا وقتها هو انا الحكاية ماكملتش، بس مابناخدش بالنا إن الرحلة لسه طويلة وماخلصتش، بنفضل باصين عليهم من الشباك وبننسى نبص حوالينا، مع اننا لو بصينا هنلاقي ناس تانية بحكايات جديدة، ناس شبهنا والكرسي اللي جنبهم يساعنا.
فهمت قصده وقتها، وهو اني لازم أكمل حياتي، ورجعت تاني للبيت، وبدأت أصلي وأقرب من ربنا، وفي نفس الوقت بدعيلهم وباجي ازورهم، لكن حياتي مابقيتش واقفة، لحد ما في يوم بالصدفة اتأخرت في الزيارة ولمحتك وانا مروح، قولت عادي، يمكن اتأخر زيي، بس بعد فترة وانا بزورهم لقيتك قاعد نفس القعدة، ساعتها شوفت نفسي من تلاتين سنة، بصراحة فكرت اجي واتكلم معاك بس قولت يمكن كلامي ميأثرش فيك، وعشان كده قررت اخوفك.
– ومين كان بيرمي الظرف؟
– ابني.
– ابنك؟.. انت اتجوزت تاني؟
– مش انا بقولك الحياة ماوقفتش، بصيت جنبي ولقيت حد أكمل معاه الحكاية، لكن كمان عمري ما نسيت أبص من الشباك و ارمي السلام.
– طب والأحلام اللي انا بشوفها.
– احلام ايه؟
حكيتله الاحلام اللي شوفتها، كان بيسمعني باهتمام شديد وبعد ما خلصت قالي…
انت تايه، الست الكبيرة ومرات محسن والطفلة كل دول مقصود بهم عيلتك انت، مش عيلة محسن، التعبان هو مخاوفك اللي بتطاردك، موت أبوك حسسك بعدم الأمان، وانك مش قد الحمل اللي سابه، بس عقلك الباطن استخدم محسن كاسقاط لتفسير افكاره، اما حلمك الأخير بابوك ومحسن فده شيطان، شيطان عايز حياتك تفضل واقفة ماتتحركش، ولما لقاك بطلت تيجي هنا وبدأت تعيش حياتك، صور لك إن أبوك زعلان منك وحسسك بتأنيب الضمير ناحية محسن عشان بتشتغل وبتشوف شغلك، الموت يابني قدر مكتوب علينا كلنا، ابتلاء ربنا بيختبرنا به، و أعظم أجر هو أجر الصابرين، اصبر واحتسب، وعيش حياتك، وتعالى زور ابوك و ارمي عليه السلام بس اياك تفضل واقف مكانك.
اتكلم محسن ساعتها وقالي…
– استاذ رامي حضرتك عمرك ما ظلمتني ومالكش ذنب في اللي حصل معايا، وانا الحمدلله ربنا كرمني ولقيت شغل تاني بقالي يومين فيه، عيش حياتك وماتبصش وراك.
ومن اليوم ده وانا خرجت من الدايرة اللي كنت عايش فيها، ركزت في شغلي، وبقيت بخرج مع اصحابي تاني، يمنى بتحاول تقرب لي بس بصراحة لسه ماخدتش قرار، مع اني حاسس بحاجة من ناحيتها، وبرضه بقيت بروح المقابر.. بس كل فين وفين، وبرغم كده، ابويا مش زعلان مني، بالعكس.. ده جالي في الحلم وكان فرحان اني كملت حياتي و رجعت أعيش تاني، الميت عمره ما هيرجع واحنا عمرنا ما هننسى، بس هي سُنة الحياة.. ولازم نكمل.
تمت
شادي_اسماعيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى