الجزء الثاني
الشاب بعد ما فاق للحظات من غيبوبة الكيف، ضيق عينه وركز في ملامحنا واحد واحد، عينه وسعت على اخرها ورجع بضهره لورا ورفع كف ايده وضرب بيها تحية وهو بيقول:
-اسف يا بهوات، حقكوا على راسي .. اتفضلوا، اتفضلوا كملوا طريقكوا.
جه الشاب التاني وقرب منه وقاله:
-استنفعت من الزباين بحاجة:
خبطة في كتفه وهو بيسحبه عشان يرجعوا مكانهم:
-يلا يا عم، امشي قدامي هتودينا في داهية.
بصيت لصاحبي بعدم فهم، وهو كان بيبادلني نفس النظرات!
لفيت وشي ناحية صاحب البيت اللي ابتسم وقال:
-دي عيال صيع، المخدرات مطيرة عقلهم.. كل يوم والتاني، تنزل الحكومة وتلف الشوارع وتلمهم في البوكس.. ومايكملوش كام يوم ويرجعوا تاني.
قلقت من كلامه اللي مايطمنش، ولما لاحظ الراجل ارتباكي، كمل كلامه وهو بيبتسم:
-دي حاجات اتعودنا عليها، يمكن بس عشان بقالك فترة بعيد عن البلد، فمستغرب.
هزيت راسي وانا بكمل مشي، استأذن الراجل ودخل شارع جانبي، وكملت انا ومحمد لحد ما وصلت بيتي.. ومع وصولي قولت له اني هتصل بيه بكرة، بعد ما اكون خدت واديت مع نفسي..
سيبته ودخلت البيت وكان كل اللي فيه ناموا، ودي حاجة في صالحي، دماغي ماكانتش متحملة اسئلة او اي نوع من النقاش.. وبكل بهدوء اتسحبت لحد ما وصلت للسرير، بصيت على مراتي اللي كانت نايمة وماحستش بوجودي، قعدت جنبها وركنت ضهري لورا، حطيت ايدي ورا راسي وبصيت للسقف، وبدأت استرجع الساعات اللي فاتت، كل حاجة شوفتها وحصلت في البيت، بس مخي كان مشوش بالأفكار السلبية، عقلي مبدأيا كان رافض اكمل شرا البيت، حتى لو ببلاش.. وده على النقيض احساسي اللي رافض كلام عقلي.. بصيت في وش مراتي، وافتكرت اولادي وراحتهم لما يكون لينا مكان مستقل وخاص بينا، بس اللي حصل مريب ومش مريح، واي حد مكاني هيرفض في نفس اللحظة، وده طبعًا بعد السلبيات اللي واضحة زي الشمس وشوفتها هناك.. واخر ما تعبت من التفكير، حطيت راسي على المخدة، كُنت بستعطف النوم عشان اقدر بكرة اركز واشوف هعمل ايه.. لحظات وماحستش بأي حاجة، لحد ما فوقت على صوت تليفوني، حسست بأيدي جنبي، مراتي ماكلنتش موجوده، اتعدلت ومسكت التليفون، كُنت بفتح عيني بالعافية عشان اشوف الساعة واعرف مين بيتصل بيا، وفي اللحظة دي دخلت مراتي.. الابتسامة كانت ماليه وشها، حركت شفايفها وهي بتصبح عليا، فابتسمت.. وفي نفس الوقت صابني الذهول، الساعة كانت قربت على اذان العصر، وكان المتصل محمد اللي رديت بكسل:
-صباح الخير يا محمد.
ضحك وقالي:
-صباح مين يا عمنا، قول مساء.. قول العواف عليك.
-بطل رغي، راحت عليا نومه وماحستش بروحي.
مراتي قربت مني وقعدت جنبي، وقت ما محمد كان بيكمل كلامه:
-الراجل صاحب البيت كلمني، ها.. نويت على ايه؟
-يا عم هو سلق بيض، ده بيت هشتريه، وفلوس قد كده هتدفع.
رد عليا بحماس:
-موضوع الفلوس هيريحك فيه اخر راحة.
-ده اللي هو ازاي؟.. ناوي يدهولي ببلاش!
-وسعت منك شوية يا صاحبي، الراجل يشكر إنه بلغني اقولك، انه هيقسملك سعره اللي قالك عليه على جزئين، جزء وانتوا بتكتبوا العقد، والجزء التاني زي ما يجيلك شوقك.
استغربت من كلامه وفي نفس الوقت فرحت، وده بسبب ان باقي فلوسي برة مصر، وهتبعتهالي الشركة اللي كنت بشتغل فيها بعد 3 شهور لأن التحويلات واقفة بسبب الفيرس.. خدت شوية وبعدهم رديت عليه وقولت له:
-شوق ايه بس، انا اقصى حاجة هدفعله الباقي بعد 3 شهور.
-يعني افهم من كلامك انك هتشتري البيت؟
والرد كان “ايوه هشتريه”.. ما هو اللي ساعدني في القرار السريع ده، الابتسامة والسعادة اللي كانت على وش مراتي، وكلامي عن البيت من قبل حتى ما تعرف تفاصيله، كل دي حاجات كانت كفيلة اني اخد اي قرار حتى لو ماكنتش مقتنع بيه.
كملت كلامي مع صاحبي ان ساعة بالكتير وهكون عنده، وبعد ما قفلت معاه المكالمة، شلال من الاسئلة غرقني، فين البيت ده؟.. وليه ما قولتليش؟.. وامتى وحصل ازاي؟.. الاجابة على كل الاسئلة كانت مختصرة “المهم انه يعجبك انتي والولاد وتكونوا مبسوطين فيه”.. بعد كده وصفت لها البيت زي ما شوفته بالظبط، وفهمتها اننا بلاش نجيب سيرة لمخلوق، لحد ما اخلص الموضوع واخدهم يشوفوا البيت بنفسهم..
اكلت لقمة بسرعة وغيرت هدومي وخرجت، روحت القهوة اللي بقابل فيها محمد، والمرة دي ماكنش قاعد لوحده، كان معاه “حوده” صاحب البيت.. بعد السلام.. قعدت وبدأ “حوده” الكلام:
-وصلك استاذ محمد تسهيلات الدفع؟
-ايوه قالي.. الف شكر والله.
-طب الخلاصة، البيت عجبك.. نتوكل على الله، ولا لسه عندك كلام تاني؟
برغم اني كنت متحمس اني اشتريه، بس في نفس الوقت كنت متردد لسبب مجهول، او يمكن احساس عدم الراحة هو السبب اللي ورا ترددي ده، او يمكن انا خايف من التسرع، في النهاية اتلخبطت جوايا تناقضات كتير، بس الغالب كانت الموافقة عشان اخلص من الحيرة اللي وقعت فيها… ف في النهاية هزيت راسي بالموافقة وطلبت من الراجل يجهز اوراق بيع البيت وعقد الملكية، وبكرة ان شاء الله اجيب نص المبلغ، وده طبعا لان البنوك في الوقت ده كانت قفلت.
قرينا الفاتحة على عقد النية وقعدت معاهم شوية وبعدها رجعت البيت، حكيت لمراتي على اللي حصل عشان تجهز نفسها بكره بعد العصر وتروح معايا البيت الجديد..
وفعلا، تاني يوم كل حاجة خلصت وتمت زي ما اتفقنا، وعلى الساعة 4 العصر اتصلت بمراتي عشان تسيب العيال مع امي وتنزل تحت البيت، دقايق وكانت نازلة.. خدتها وروحت البيت اللي اشتريته، وبعد ما وصلنا قصاده.. وقفت للحظات جابته من فوقه لتحته وهي ساكتة، بس اتكلمت بعد ما دخلت جوه ولمحتها حطت ايدها على صدرها وخدت نفس طويل وهي مغمضة عينها وقالت:
-بسم الله الرحمن الرحيم.
قربت منها وحطيت دراعي على كتفها:
-مالك؟
ردت عليا:
-مش عارفة يا صلاح، حاسة ان قلبي اتقبض اول ما دخلت البيت ده.
-معلش… هو بس عشان عتبة جديدة، استعيذي بالله كده وادعي ان ربنا يجعله عتبة خير علينا.
وبعد ما طلعنا فوق، اتفاجئت مراتي بالعفش اللي في البيت، ف عرفتها اللي قاله صاحب البيت، وسيبت لها حرية القرار، فاختارت اننا نتخلص من العفش، ونجيب مكانه العفش بتاعنا، ومفيش داعي لتكلفة دهان الشقة اللي هنسكن فيها، ودي اللي كانت في الدور التاني، وباقي الشقق نوضبهم على مهلنا.. ونقلنا… ومن بعد ما خلصنا توضيب البيت ونقلنا العفش، استأذنت من ابويا اني خلاص هستقر في البيت، كان نفسه يروح يشوف بيتي، بس كبر السن كان حكمه نافذ.. ولما سألني عن مكانه وعنوانه، وصفت له المكان.. فكر مع نفسه شويه وسألني:
-ماتعرفش البيت ده كان ملك مين؟
رديت عليه بتلقائية:
-كل اللي اعرفه انه ورث بنات، متسجل اساميهم في عقد الملكية، ابقى اجيبهولك تقراه.
وسكتنا في الكلام لحد هنا..
اما عن اول يوم لينا في البيت، كان عادي، الولاد فرحانين باوضهم الجديده، ومراتي كمان مايقلش احساسها عن ولادها، وبعد ما اتعشينا دخلوا العيال اوضهم، وانا ومراتي من تعب اليوم دخلنا ننام، جفني تقل في لحظات، بصيت في الساعة كانت قربت على 11.. اتسحبت للنوم وكانت سبقتني مراتي، الوقت.. الوقت مع لحظات القلق بيصنعوا هواجس العقل الباطن، اللي بدورها بتصنع فيلم مشاهده اصعب من الحقيقة، وبيكون المتفرج فرد واحد، فرد واحد فقد القدرة عن الحركة او الاختيار، فالمشاهدة اجباري.. وده اللي حصل معايا لما شوفت نفسي في مدخل بيتي الجديد، بتحرك بثبات ناحية اوضة البدروم، قربت من الباب وانا بحاول بكل قوتي اكسر القفل، وفجأة سمعت صوت القطط، اتفزعت ولفيت ناحية الصوت، بس ماكنش في قطط موجودة، هي قطة واحدة، لا.. ده كمان كان في واحد قاعد تحت فتحة السلم، ضامم رجله عليه وحاطط راسه بينهم وبيبكي، بكائه اقرب لمواء القطط.. في اللحظة دي كُنت بفكر اني اروح ناحيته واسأله هو مين، او ليه بيبكي؟.. بس قبل ما اتصرف التصرف الغير عقلاني اللي كُنت هعمله، بدأ يرفع وشه ببطء، وهنا اتصدنت.. الراجل كأن عضم العامود الفقري هو اللي مثبت راسه مكسورة، اه راسه كانت مكسورة… ده بيتطوح شمال ويمين، ماكنش قادر يثبتها.. وكل ما تترفع شوية، تقع تاني، ونهاية المعافرة.. ساب راسه واقعة على صدره وحط كفوف ايده على الارض، ضغط بقوة وبدأ يزحف ناحيتي.. فضل يزحف بسرعة، لحد ما بقي الفاصل بيني وبينه ما يتعداش الخطوة..
وكل ده بدون ما اشوف ملامحه، بسبب راسه اللي واقعه على صدره، رجعت لورا وبعدت عن الحيط بضهري عشان ابعد عنه، وساعتها اتخبطت في الباب التاني، باب القهوة، ومع خبطتي الباب اتفتح ووقعت على الارض، لمحت ضل المخلوق اللي بره بيقرب من الباب، فجريت بسرعة ناحية الباب وقفلته، اتلفتت حواليا، ماكانتش قهوة زي ماكُنت متوقع، دي كانت الشقة اللي في الدور الاول، الترابيزات المتكسرة.. والبلاط القديم، سمعت خطوات حد جاي، استخبيت ورا ترابيزة، كان أكتر من شاب، ملامحهم مش واضحة.. زي ما يكون فيه ضباب اتكون، فطمس معالم وشوشهم.. وكل اللي سامعه كلام واحد منهم، وهو بيقول:
-ده كلب ولا يسوى، هو عاوز يعمل راسه براس الكبير، ده انا ادفنه صاحي.
ومع نهاية جملة الشاب، كل حاجة اتبدلت، الحيطان بدأت تتغير والارضية اتكسرت واتشققت، وفي لحظة اتقلب شكل الشقة لقهوة، ترابيزات مترصصة جنب بعضها، وناس كتير اشكالهم غريبة، بيضحكوا وفي بوقهم شيشة، مجموعة منهم بيهمسوا لبعض بكلام مش سامعه، لحظات مرت وانا بتفرج على اللي بيحصل، لحد ما دخلوا القهوة ناس بلبس ميري، او بتعبير ادق.. رجالة الشرطة، والرجالة دول خدوا مجموعة كبيرة من الموجودين وخرجت بيهم بره القهوة، وفجأة.. سمعت صوت حد بيتألم، لفيت وشي ناحية الصوت، كان واحد اقرب في الشبه من اللي شوفته قاعد عند بير السلم، بس حجم جسمه اكبر واضخم.. قاعد بنفس قعدته وجسمه بينزف، بلعتني دوامة الحيرة والتردد، مش عارف اخرج لمصير مستنيني بره، ولا استنى مكاني.. وبسرعة خدت قراري وفتحت الباب، كان قاعد الشاب اللي رقبته مكسورة في بير السلم، جريت بأقصى سرعة على السلم، كل خطوة بخطيها كُنت بسمع معاها صرخات عالية، مش من مكان واحد.. ده من البيت كله، كل مكان في البيت خارج منه اصوات عالية واصوات ناس بتتخانق، وقفت قصاد شقتي، سديت وداني وغمضت عيني، واول ما فتحتها لقيت نفسي نايم على السرير، ومراتي كانت نايمة جنبي.. قُمت وسندت ضهري، لفيت وشي ناحية تليفوني ومديت ايدي وجيبته، شغلته وبصيت في الساعة كانت 1بعد نص الليل، حسست بأيدي على الكومودينو، عشان اجيب علبة السجاير، بس مالقتهاش.. اتعدلت في قعدتي ونزلت رجلي على الارض، روحت عند شماعة الهدوم وجيبت من جيب البنطلون العلبة، خدت منها سيجارة وطلعت بره الاوضة ادخنها، وقتها لقيت ان من الافضل، اني اخرج ادخن بره الشقة خالص، اشرب السيجارة واريح اعصابي شوية بعد اللي شوفته.
فتحت باب الشقة وقعدت على عتبة السلم، ولعت السيجارة وبدأت انفخ دخانها في الهوا، مع شوية تركيز في الحلم اللي شوفته وانا نايم، بس قطع تركيزي صوت.. صوت خبط شديد جاي من تحت، حد كان بيخبط على الباب، لما ركزت اكتر.. كان الخبط جوه البيت، مش على الباب الرئيسي!
قومت من مكاني بحرص مصحوب بقلق، بصيت عند بير السلم، النور كان مطفي.. الاضاءة من عندي كانت يادوبك كاشفة المكان؛ كان في خيال حد واقف عند الاوضة وبيخبط عليها، ضله بيتحرك لحد ما وصل قصاد ما انا واقف، رفع وشه لفوق وبص عليا.. بعدها اتحرك ببطء وراح ناحية السلم، رفع رجله وحطها على اول درجة في السلم وبدأ يطلع بخطوات تقيلة، كأنه بيشد رجله بالعافية وبيسحبها سحب، برقت عيني برعب وخوف وبسرعة رميت السيجارة من ايدي ودخلت شقتي، قفلت باب الشقة ووقفت وراه اخد نفسي، في اللحظة دي كنت بتمنى ان اللي شوفته يكون باقي الكابوس، ودلوقتي هصحى وافوق.. بس دي مجرد أمنيات، واللي اكدلي اني صاحي ومش بحلم، صوت الخطوات اللي طالعة على السلم وقربت جدا، لحد ما وقفت قصاد باب الشقة، عدت ثواني في صمت تام، بعدهم سمعت حد بينقر على الباب، او بيخربش بضوافره من بره، للحظات فضلت واقف مكاني وعقلي كمان واقف عن التفكير، ما انا مش عارف مين ده؟.. كان الحل الوحيد اني ادخل اوضتي، وقبل ما ادخل.. سمعت صوت حد بيتكلم بره الشقة، بس كان صوت مبحوح لواحدة ست، وبرغم خوفي، ابتسمت واتكلمت مع نفسي.. ” لا.. الموضوع كده كبر اوي”.. ركزت في الصوت اللي بيتكلم بره وسمعتها بتقول:
-تعالى يا حبيبي، تعالى ننزل.
بعدها سكتت، وسمعت خطواتهم بينزلوا للدور الارضي، وفي لحظات الدنيا هديت.. دخلت أوضتي ونمت، ما انا ماعنديش حل غير النوم!
عدا اسبوع بعد ما سكننا في البيت، الفترة دي ماحصلش حاجة غريبة، فحمدت ربنا اني ماتسرعتش وحكيت لمراتي عن اللي شوفتها، لحد ما في يوم بالليل، سهرنا لقرب الساعة 12، ولما حسيت براسي تقلت قولت لمراتي اني هدخل انام، ساعتها ابتسمت وقالتلي:
-هخرج السجادة بره الشقة عشان تتهوى واحصلك.
سيبتها ودخلت الاوضة، وماعداش دقايق وسمعت صراخ مراتي بره الشقة، جريت بسرعة وخرجت اشوفها بتصرخ ليه، ولما خرجت.. لقيتها واقفة قصاد باب الشقة وحاطة ايدها على خدها ومبرقة عينها، هزيتها بقوة وسألتها:
-في ايه.. مالك؟.. بتصرخي كده ليه؟
رفعت ايدها وكانت بتشاور ناحية السلم والادوار اللي فوق، فسألتها تاني بعدم فهم عشان تتكلم وتفسرلي ايه اللي حصل، وبرضه رجعت شاورت تاني على السلم، فرفعت وشي لفوق عشان المح ايد حد بتتسند وطالعة فوق، فيه خيال حد طالع في اتجاه سطوح البيت، اترعبت واتكلمت بفزع:
-اوعي.. خليني اطلع اشوف مين، لايكون حرامي.
لفت وشها ناحيتي بخوف، مسكتني من دراعي وشدتني جوه الشقة وقفلت الباب، ثواني واتكلمت بصوت مهزوز:
-تطلع فين؟.. ولا ورا مين؟.. دي او ده مش حرامي.. انت بعد ما سيبتني ودخلت الاوضة، فتحت الباب وانا شايلة السجادة وخرجت، بس فجأة سمعت صوت حد طالع على السلم من تحت، سيبت السجادة من ايدي وقربت من درابزين السلم، ومع بصتي اتفاجئت في وشي بواحدة ست، وشها شاحب ومخيف، بطنها مليانه ثقوب بينزل منها دم، الدم كان بيقطر منها على السلالم وهي شايلة على ايدها سجادة، من المنظر دمي اتجمد، انا نفسي اتجمدت مكاني، بصت ناحيتي وكملت جر في رجلها وطلعت لفوق، وبعد ما اختفت، خدت نفسي وصرخت..
بعد ما خلصت مراتي كلامها انهارت في العياط، حاولت اهديها واقنعها بحاجة انا مش مقتنع بيها، وهي انه اكيد بيتهيألها.. كنت بكدب عليها وعلى نفسي، ووقت ما كانت مستمرة في عياطها.. سمعنا اصوات عالية، صوت ضرب نار وصواريخ من اللي بتضرب في الافراح، وفجأة.. شمينا ريحة حاجة بتتحرق، الريحة مصدرها بلكونة البيت، جريت بسرعة انا ومراتي عند البلكونة وفتحتها، عشان اتفاجئ بستارة البلكونة النار ماسكه فيها وبتتحرق، شديتها بأيدي وحدفتها في الشارع، والمنظر اللي شوفناه فزعنا.. اكتر من 20 شاب بيتخانقوا بالسكاكين والاسلحة البيضا، ده غير اللي بيضرب نار في الهوا وصواريخ، صواريخ بسببها اتحرقت الستارة، دخلت مراتي جوه الشقة، عشان تروح اوضة الولاد بسرعة، اتداريت في جنب من البلكونة لا اتصاب بطلقة طايشة ولا حاجة، ساعتها كان في واحد واقع ودمه مغرق الارض، سمعت شاب من اللي واقفين بيشتم بأقذر الالفاظ، وبيتكلم بطريقة واحد شارب والصنف مطير عقله:
-“ياولاد كذا وكذا”.. انتوا يا ولاد ال…… تتعدوا على منطقتنا، احنا هنعمل فيكوا وهنسوي، ده انتوا بعد الفلوس اللي كلتوها علينا، جيتوا لقضاكوا برجليكوا، واللي خلق الخلق مش هتخرجوا من هنا صاحيين.
واشتغلوا بقى يحدفوا بعض بالشماريخ، وازايز مليانة سبرتوا.. ازايز بمجرد ما تنزل عالارض بتنفجر ونارها بتقلب الشارع ضهر، ووسط ده كله سمعت صوت سرينة الشرطة قربت من الشارع، حمدت ربنا انهم جم يلموا العيال الشمامة دي، بس اللي حصل عكس توقعاتي، العيال استمروا في الضرب على بعض، ووسط الهيصة، سمعت واحد بيقول:
-ماهو مش هنسيب حقنا، ولا عشان ولاد “حتاتة” اختفوا، لمامة الشوارع هيفكرونا لقمة سهلة.
وطبعا الشرطة ما اقدرتش عليهم، فاضطروا انهم يفصلوا الكهربا عن المنطقة كلها، الدنيا ضلمت خالص، لكن اللي كان كاشف الخناقة، نور الشماريخ اللي كانت بتتضرب في السما.. دخلت شقتي وقفلت البلكونة، وبعد ما ضرب النار زاد، مابقتش محدد بقى.. هل ده من العيال اللي بيتخانقوا ولا من ناحية الشرطة.. واستمرت الخناقة لقرب الفجر..
دخلت الشقة وانا بترعش، كانت مراتي قاعدة جنب الولاد ووخداهم في حضنها، قربت منهم وهديتهم بكلمتين.. قولتلهم إن اللي بيحصل ده مجرد خناقة بين شوية شباب.. واليوم ده نمت انا ومراتي مع الولاد، وماتكلمناش في اي حاجة، غير جملة واحدة بس قالتها مراتي:
-بكرة ان شاء الله يا صلاح، تجيب شيخ الجامع يقرا قرأن في البيت ويحصنه.
هزيت راسي بالموافقة، وده فعلا اللي كنت ناوي اعمله، وبالنهار، على الساعة 10 كده.. قامت مراتي وجهزت الفطار، وبعد ما فطرت قولت لها:
-هنزل اصلي الضهر في الجامع، واتصل على صاحبي محمد يجيلي ونجيب معانا شيخ الجامع يحصن البيت.
نزلت الشارع اللي كان مقلوب، مافيش كلام بيتحكي غير عن خناقة امبارح، لكن وانا ماشي سمعت واحد بيقول:
-وهم مفكرين انهم لما يتعدوا على رجالة “حتاتة” هيطلعوا بالساهل!.. ده لسه اللي جاي اصعب.
بقيت مش فاهم ولا عارف مين اصلا”حتاتة”، كملت مشي لحد ما وصلت الجامع، وهناك قابلني “محمد”.. حكيت له كل حاجة حصلت وشوفتها، وكان رأيه ان البيت عاوز يتقري فيها قرأن، لانه مقفول من مدة طويلة، وعلى طول بعد الصلاة، اتكلمت مع شيخ الجامع، ووافق انه ييجي معايا بيتي عشان يحصنه، وطبعًا واحنا في طريقنا دردشنا في خناقة امبارح، واتكلم الشيخ وقالي:
-دول تجار مخدرات ماسكين المنطقة كلها، حتى الشرطة مش قادرة عليهم، الناس في الشارع، قالوا ان العيال دي هتتهد بعد اللي حصل، بس دم “حتاتة” النجس، ورثوه ومتأصل جواهم.
سكت الشيخ لثواني، وبعدها قالي:
-قولي يا ابني، انا اول مرة اشوفك هنا، انت ساكن جديد؟
لحظة ما خلص سؤاله كنا وصلنا قرب البيت، وقفت ورديت عليه:
-ايوه يا شيخ، انا لسه مكمل اسبوع انا وولادي.
فسألني:
-طب وفين البيت؟.. قربنا عليه ولا لسه شوية؟
شاورت له بايدي على البيت، وقف مكانه وهو بيبص عليه، عقد حواجبه وضيق عينه وقال بقلق:
-مالقتش غير بيت “ولاد حتاتة” وتشتريه؟!
الدنيا لفت بيا بعد ما قال جملته وبصيت له بأستغراب:
-ماله البيت يا شيخ؟.. وهم مين “ولاد حتاتة” دول؟
“يتبع”…