روايات شيقهرواية العازف

نوفيلا العازف للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

رقصة الخلود
صديقاتي العزيزات.
هل سمعتن يوما عن سحر يجعل الدنيا في عيونكن أكثر إشراقا؟ عن وهج يجعل القلب ينبض بحروف ملونة ويخفق بصخب؟ عن نيران تشعل الجسد فيرحب بإحتراقه؟ هل سمعتن عن نغمات تجعل الروح ترقص وتشعر بضمة الألحان؟ ترى هل هذا هو الحب الذي انتظرته طول الزمان؟
أتمنى لو كان…

فما شعرت به اليوم كان شيء خيالي ظننته حلما بعيد المنال فصار بالإمكان. أتتذكرن هذا الحلم الخيالي الذي لطالما راودني؟ أن أكون سندريلا هذا الزمان، أذهب إلى حفل فأقابل أميري، نرقص ونرقص وقبل ان اخبره اسمي تدق الساعة معلنة منتصف الليل فأجري مخلفة ورائي حذائي السحري ليقلب المملكة ويقعدها حتى يجدني ثم نعيش السعادة إلى الأبد. هذا ماحدث بالفعل ولكن في حكايتي تبدلت الأدوار.

في حفل إلتقيته. لا أدري عنه شيئا. لا اسم. لا ملامح. لا شيء مطلقا ولكن في قلبي أعرف شيئا واحدا. هو وحده من استطاع جعل خافقي يدق وكأنه سر الحياة ومنبعها. هو وحده من أريد قضاء لحظاتي معه. فمعه ومعه فقط تلونت هذه اللحظات وصار لها معنى. لقد حان الوقت لأبحث عنه. أقلب مملكتي واقعدها حتى أجده رغم أني لا احمل حذاءا سحريا ولكن لدي ثقة بأنني سأجده. ربما نغمات عازفي سترشدني. أو ربما قلبي سيدلني على مكانه أليس كذلك؟ فقط لا تنسوني من الدعاء.

صديقتكم سندريلا
أغلقت حاسوبها ثم اغمضت عيونها فتناهي إلى مسامعها صوت نغماته. بسمة رقيقة حالمة احتلت ثغرها، فتحت عيونها لتنهض وتتجه نحو خزانة ملابسها تخرج فستانا مازالت رائحته عالقة به، تضمه إليها وهي تدور في الأرجاء تغلق عيناها مجددا فتدوي نغمات أخرى في رأسها تحملها إلى هناك. حيث ضمها بين ذراعيه وأخذها في رحلة إلى الجنة.
يسمعني حين يراقصني
كلمات ليست كالكلمات
يأخذني من تحت ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات.

والمطر الأسود في عيني
يتساقط زخات زخات
يحملني معه، يحملني
لمساء وردي الشرفات
وأنا كالطفلة في يده
كالريشة تحملها النسمات
يهديني شمسا، يهديني صيفا
وقطيع سنونوات
لا أكاد أصدق أنه قد فاتني عرض العازف.
فاتك عرض آخر أكثر تشويقا يافتاة.
عقدت بسمة حاجبيها قائلة: عن أي عرض تتحدثين؟
لقد رقصت مع العازف. رقصنا على أنغامه الرائعة.
هل كنت هذه الفتاة التي يتحدث عنها الجميع؟

عقدت احلام حاجبيها بدورها قائلة: هل يتحدث عني الجميع؟

قالت بسمة بحماس: نعم نعم. كان لابد وأن أعرف، فلقد احتار الجميع وضربوا أخماس في أسداس يتسائلون عن هوية هذه الفتاة الجميلة التي حازت على انتباه العازف ورقصت معه ليخرج بها عن مألوفه. لم يكن هناك في الحفل غرباء، انهم فقط أصدقائي بالجامعة، أنت وحدك كنت الغريبة بينهم. صديقتي القادمة من جامعة أخرى لا يعلمون عنها شيئا خاصة بتلك الأقنعة التي ارتديناها بالأمس. مرحي يافتاة لقد نلتي ماعجزنا جميعا عن نيله. رقصة مع العازف. ياويلي أكاد أرقص حماسة. كنت ترفضين الذهاب أليس كذلك؟ انظري الآن. انظري إلى ماجعلتك صديقتك بسمة تعيشينه. إنها ليلة الأحلام. ليلة يتحدث عنها الجميع. تبا لقد فاتني العرض الأكثر تشويقا وإثارة على الإطلاق، اللعنة على قلبي الطيب الذي رفض التخلي عن صديقة تتقيأ بالحمام، مالي أنا إن كانت افرطت بإحتساء المشروب. أخبرتها مرارا ان تقلع عن الخمر فهو يضر بصحتها ولن ينسيها مطلقا خيانة صديقها طارق، أحلام!

نعم.
كيف كان العازف؟ وما شعورك حين رقصتي معه؟
نهضت أحلام تحمل كشكول محاضراتها قائلة: اقرأي يوميات السندريلا وستعلمين أما الآن فسأسرع بالذهاب إلى الجامعة لأنني تأخرت. إن أردتي تفاصيل أكثر فسأخبرك حين أعود.
هل ستتركيني هكذا اتلظي بنيران فضولي حتى تعودين؟
إنها الإثارة يافتاة، وهل أجد فارس أحلامي كل يوم؟

فارس أحلامك. هل وجدته؟ انه العازف أليس كذلك؟ أحلام. عودي وأخبريني. تبا ستقتلني تلك الفتاة يوما بأفعالها. حسنا فلنقرأ يوميات السندريلا حتى عودتها وسأحرص على تلقينها درسا بعد أن تقص على مسامعي قصتها الخيالية.

أغلقت باب الشقة وخرجت مسرعة فاصطدمت في طريقها بأحدهم، التقطها قبل أن تسقط يسندها بكلتا يديه فعقدت حاجبيها وهي ترى أمامها جارها وأستاذها بالجامعة. الأستاذ حدوة. هكذا يطلقون عليه زملاؤها تستنكر في بعض الأحيان.

هذه الألقاب التي يدعون بها جميع أساتذتهم بالجامعة وتصمت في البعض الآخر. انها ألقاب تليق بهم رغم كل شيء، فالأستاذة علية يليق بها جدا لقب الأستاذة نادمة فلا تخلو لها عبارة من كلمة آسفة او نادمة. يسمعونها تردد دائما. أنا آسفة لإنني درست لكم هذا العام. انا نادمة على مابذلته من جهد في الشرح لأغبياء. نادمة لإني سمحت لكم بإبداء آرائكم، وهكذا حتى بات الندم لقبا ملاصقا لها.

أما الأستاذ عزيز فيليق به لقب الأستاذ فرقع لوز فهو لا يمكث في مكان قط للحظات، يتنقل مابين سبورة الدرس والمدرجات بل انه يقفز فوق تلك المدرجات ذهابا وإيابا أحيانا كفرقع لوز. ولكن لا تدري لماذا حين يدعون أستاذ هشام بالأستاذ حدوة تشعر بألم في قلبها، ربما لإنه لا ذنب لنا في صورة خلقنا الله بها، وجدته يتركها ويلمس جانب وجهه بإضطراب إمتزج بلمحة ألم أطلت من مقلتيه، أصابها الحنق. لابد وأنه رآها تحدق في وجهه. اللعنة. هل كان عليها أن تحدق هكذا؟ تنحنحت قائلة: احمم، شكرا لك أستاذي.

لا داع للشكر. أستأذن فقد تأخرت على الجامعة.
قالها على عجلة وهو يلتفت مغادرا فنادته قائلة: أستاذ هشام.
تجمد جسده للحظة ثم إستدار يطالعها مترقبا فأجلت صوتها قائلة بخجل: احم. هل يمكنك توصيلي؟ لقد تأخرت بدوري ولدي محاضرة هامة في علم النفس يشرحها لي أستاذ لا يقبل أبدا بدخول اي طالب بعده.

يدرك انها تقصده. كاد أن يبتسم ولكنه أحجم نفسه وهو يكتفى بهزة من رأسه مشيرا لها بتقدمه فابتسمت هي بامتنان تسبقه إلى الخارج، جاهلة كلية عن مدى تأثير ابتسامتها هذه على خفقاته.
كانت تتابع آخر الأخبار على اليوتيوب، تحاول أن تقضي الساعات الطويلة بإنتظار صديقتها حين ظهر أمامها فيديو عنوانه
كما يسحرنا العازف بألحانه وجد من تسحره بفتنتها ليرقصا معا رقصة الخلود. تري من هي هذه الفاتنة؟

ياالله. يقصدون صديقتها. ودت لو صرخت. إنها صديقتي. إنها أحلام. لم تعودي حديث الجميع في الحفل يافتاة بل صرت حديث المدينة بأكملها. مرحي مرحي.

فتحت الفيديو بحماس لترى رقصة تمنت لو حضرتها لتصير أمنيتها حقيقة في دقائق معدودة. اتسعت عيناها تفغر ثغرها ببلاهة، فأمامها تجسدت رقصة السندريلا حية واقعية وليست في عالم خيالي كما اعتادوا رؤيتها على شاشة التلفاز. رقصة رومانسية حالمة امتزج فيها الجسدين فصارت حركاتهما متناغمة كنوتة موسيقية لأعذب لحن أسطوري. يصعب على أي إمرئ أن يظن ان هذه هي رقصتهما الأولى. إنها رقصة الخلود كما وصفها الخبر تماما.

هاجس خطر ببالها فجأة. ماذا إن رأي والدي أحلام تلك الرقصة سيحضران من الضيعة ويرجعونها معهما يجبراها على الزواج من ابن عمها لتكون نهاية لأحلام وأحلامها. هدأت خفقاتها وقد أخبرها عقلها أنه لن يتعرف عليها أي منهما فقد ارتدت أحد فساتين بسمة التي لم ترتدي مثلها أبدا قبل الحضور إلى المدينة. إلى جانب هذا القناع الذي يخفى وجهها.
رن هاتفها فأوقفت الفيديو تجيبه قائلة: مرحبا ميوش. متى؟ الآن؟

نظرت إلى ساعتها قائلة: حسنا لدي بضع ساعات قبل أن تعود أحلام. قد أستغلها في ممارسة الرياضة. انتظريني. سآتي على الفور. لن أتأخر. سلام.

أغلقت الهاتف. تريد منها صديقتها مي ان تنضم إليها في في قاعة لعبة الشيش بالنادي. لا شريك لديها وقد تغيبت صديقتها. يصر المدرب عليها أن تجد شريكا آخر ولم تجد غير صديقتها البارعة في اللعب بسمة. الشيش. فكرة لا بأس بها. لم تتدرب منذ زمن وتخشي ان تصدأ. ستذهب ولكن بعد أن ترى رقصة صديقتها الأسطورية مع العازف. أدارت الفيديو مجددا تطالعهما بنظرة حالمة وثغر ارتسمت عليه ابتسامة ناعمة بينما انسابت الألحان لتعزف لغة قدت من مشاعر وبعثت في الروح، سلام.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى