أين تجد سعادتك؟
إلى أين ذهبتي بأفكارك أيتها الفتاة السخيفة؟ أحدثك منذ ساعة كاملة وأنت فقط تتمتمين. نعم. اممم. حسنا. فيم أنت شاردة؟
في رائف.
قالت أحلام بدهشة: رائف؟!
من رائف؟ هل قلت رائف؟
تراجعت أحلام في مقعدها تحدجها بنظرة فاحصة تدرك من اختلاجة جسد صديقتها واضطرابها مايحدث تماما، هناك جديد بحياة صديقتها. لتقول بابتسامة متفهمة: أخبريني عن هذا الرائف الذي يبدو أنه قد سلب لبك منذ اللحظة الأولى؟ ترى أين إلتقيته وقد تركتك هنا فقط منذ ساعات وكنت خالية القلب مرتاحة البال؟
رفعت بسمة حاجبيها قائلة: ولماذا أشبع فضولك وقد تركتني أكاد آكل نفسي فضولا هذا الصباح؟
قلبك أسود يافتاة، حسنا لنعقد اتفاق، سأخبرك عن العازف بعد أن تخبريني عن رائف.
قالت بسمة ساخرة: تتذاكين أليس كذلك؟ حسنا لن أخبرك شيئا حتى تدلين بكل مالديك.
تنهدت أحلام قائلة: وهل لدي شيء لأقوله؟ أنا حتى لم أسمع صوته و لا أعرف عنه شيئا. فقط أدركت حين رأيته أنه قدري. أتعلمين؟ حين وقع ناظري عليه دق قلبي بقوة وكأنه يناديه، وجدت نفسي أنجذب إليه كانجذاب الفراشة للنار، قد يحرقها لهيب القرب ولكنها لا تبالي.
تبا، هذا بالضبط ما شعرت به بسمة تجاه رائف. هل وقعت بدورها في الحب من أول نظرة؟ وهل يوجد في زمنهم هذا مثل ذاك الشيء؟
حين عزف ألحانه وجدتني أقع بالحب حتى أنني شعرت بالغيرة من كل الفتيات حوله واختطفته منهن. حرفيا. لا تندهشي. وجدتني رغم إرادتي أضرب بتحذيرات عقلي عرض الحائط وأنهض متجهة إليه أطالبه بالرقص معي وقد استجاب لطلبي دون تردد، وما ان أصبحت بين ذراعيه حتى انتقلت إلى الجنة وخرجت منها فقط حين ابتعد عني دون كلمة. تدرين ما الذي فعله بي هجره بتلك الصورة؟ أصابني بألم هنا.
أشارت إلى قلبها مردفة: تعلقت خفقاتي به فأدركت شيئا واحدا. انا لاشيء بالنسبة إليه. وبينما يهتف الجميع. فتاة سحرت العازف ورقصت معه رقصة الخلود. يسأل قلبي ماذا لو كنت له مجرد فتاة فرضت نفسها عليه فلم يردها خائبة لطيبة قلبه؟
وبماذا تجيبين قلبك؟
أحاول منحه الأمل رافضة ان أستمع لعقلي الذي يحثني على النسيان ويمنعني مما أنتوي فعله.
عقدت بسمة حاجبيها قائلة: ألا وهو؟
سأطارد العازف من حفل إلى حفل حتى أجعله يستسلم للحب.
هل جننتي؟ ماذا ان حطم قلبك؟
في هذه الحالة سأتزوج ابن عمي وانا على يقين من أنني لن أجد الحب مجددا.
ألهذه الدرجة تعلقتي به ياأحلام؟
لا أدري ما الذي أصابني وكأنه مس ملك على جوارحي يابسمة. أختك شارفت على الجنون بحب رجل رأته مرة واحدة بحفل وكأن لعنة السندريلا قد أصابتني.
بل أصابتنا ياأختاه.
كادت بسمة أن تعقب على كلمات أحلام حين قاطعها رنين جرس الباب فنهضت لتفتحه، ظهرت على ملامحها الدهشة وهي ترى جارها الأستاذ هشام يقف أمامها يعدل من وضع نظارته قائلا بتوتر: مساء الخير آنسة بسمة.
مساء الخير أستاذ هشام.
عدل مجددا من وضع نظارته قائلا باضطراب: هل الآنسة أحلام…
قطع عبارته وهي تطل برأسها من خلف الباب تقول بحيرة: أستاذ هشام!
مد هشام يده بمجموعة من الكتب قائلا: وجدت هذه الكتب في مكتبتي، قد تساعدك في بحثك حول الحضارة اليونانية مابين الماضي والحاضر.
أخذتهم منه بلهفة تقلب فيهم قائلة بحماس: انهم رائعون. لا أدري كيف أشكرك حقا. ولكن لماذا تحتفظ بكل هذه الكتب عن اليونان؟
في فترة ما كنت شغوفا بتلك البلد حتى اني فكرت في الهجرة إليها، اعشق تفاصيلها بالماضي والحاضر معابدها وجزرها خاصة جزيرة كورفو. زرتها كثيرا واستمتعت هناك بالمناظر الطبيعية قلاعها وتلالها الخضراء الممتدة لذا ستجدين عندي كل ماتريدين معرفته عن هذه المدينة الجميلة.
ابتسمت أحلام قائلة: لقد سمعت عنها الكثير وتمنيت زيارتها يوما ما. تزيد الاهتمامات المشتركة بيننا يوما بعد يوم، الموسيقى ثم اليونان ومن يدري ربما هناك المزيد.
ربما. سأتركك الآن لتباشري العمل ببحثك وان احتجتي لأي شيء لا تترددي. هذا الكارت الخاص بي. تستطيعين محادثتي في أي وقت.
تناولت الكارت منه قائلة: لك جزيل الشكر أستاذي.
لا داع للشكر لقد صرنا أصدقاء أليس كذلك؟
بكل تأكيد.
حسنا. بإذنكما.
غادر فقامت بسمة التي ظلت صامتة طوال الوقت بإغلاق الباب قائلة بدهشة: ما كان كل هذا؟ ومنذ متى وانت صديقة لأستاذ حدوة؟
لا تناديه بهذا الاسم.
ماالذي أصابك؟ هل ينتابك الحنق لأجله؟ أتهتمين بأمره أم تهتمين بالعازف؟ لقد حيرتني يافتاة.
العازف بالطبع، أنا فقط لا أحب هذا اللقب الذي يطلقه عليه الجميع، ماذنب الرجل إن خلقه الله بهذا الشكل؟ حدوة كبيرة داكنة اللون على جانب وجهه. ليست سيئة إلى هذا الحد. أكره التنمر كما تعلمين.
حسنا إهدئي. معك حق. ولكن أخبريني كيف صرتما هكذا صديقين؟ حتى البارحة كان فقط يلقى السلام ذهابا وإيابا حين تتلاقى وجوهنا، اليوم يأتي إلى المنزل ويمنحك كتبه. هناك أمر غريب يحدث من وراء ظهري، تدركين أن عيبي الوحيد الفضول فلا تتمهلي في إخباري.
لا لن أخبرك شيئا.
ماذاااا؟
ابتسمت أحلام قائلة بخبث: ربما أفعل إن أخبرتني عن رائف.
ابتسمت بسمة بدورها قائلة: سأفعل ولكن دعينا أولا نعد طبقا من البوب كورن ونجلس بعدها لنحكي قصصنا.
لتوكز صديقتها مردفة: يبدو أن القدر قد ابتسم لنا يافتاة وشابت حياتنا بعض الحماسة بعد أن كانت تشبه المياه الراكدة.
هزت أحلام رأسها وتبعت صديقتها لا تدري هل هي سعيدة حقا لهذا التغيير بحياتهما أم يوما ما ستفتقد تلك الحياة الرتيبة؟
كانت تطالع صوره على شاشة حاسوبها المتنقل، تتتبع أخباره وكل كبيرة وصغيرة قد نشرت عنه، علمت أنه الابن الوحيد لوالديه حاصل على شهادته كطبيب ولكنه لا يمارس المهنة بل يشارك أباه العمل في شركته، هوايته لعب الشيش، منفصل عن خطيبته ملكة جمال مصر السابقة منذ ثلاث سنوات ولم يرتبط مجددا.
عقدت حاجبيها. شعور غامر بالارتياح لإكتشافها عدم ارتباطه، ينتابها حدس ما حول انفصاله عن خطيبته في نفس الوقت الذي توفيت فيه والدته.
همست قائلة: ترى هل بينهما علاقة ام أنها فقط محض صدفة؟
تتابعين أخباره وتشاهدين صوره ثم تحدثين نفسك. اممم. لقد أصابك جنون الحب بكل تأكيد.
لا أستطيع أن أقول حبا، فمازال الوقت مبكر جدا على وصف شعوري بالحب ولكنه بالتأكيد حاز على اهتمامي وأستطيع القول فضولي أيضا، يمتلك شخصية تختلف كثيرا عن كل من صادفت، لا تدري معه موقعك من الإعراب. هل تروقين له؟ أم يكره صلابتك؟
لا رجل يحب الصلابة والقوة في المرأة، يريدها رقيقة لينة كالبسكويت.
لو كان من هؤلاء فوداعا لقصة حب لم تبدأ بعد، تعرفيني جيدا نشأت كالصبيان وأتعامل مثل الرجال إن لم أرق له فلن أبالي.
بل تبالين. اعترفتي لي بنفسك، تهتمين بالرجل أليس كذلك؟ إذا عليك أن تصبحي إمرأة، لا أطلب منك التغيير كلية فلكل منا مايميزه وأكثر مايميزك هو قلبك الوفي المخلص وتفانيك في إسعاد كل من حولك ووقوفك بجسارة ضد كل من يحاول أذيتك وأذية أحبتك ولكن حين تحبين يجب أن تدعي المرأة الرقيقة بداخلك للظهور، الرقة ليست ضعفا والأنوثة ماخلقنا الله عليها عزيزتي.
حسنا سأحاول ولكني لا أضمن النجاح، فقد واريت تلك الفتاة في أعماقي طويلا حتى أنني بت أظن أنها ضاعت إلى الأبد.
مستحيل.
بالمناسبة هناك حفل بالفندق الملكي غدا وسيكون العازف هناك.
أعلم. قرأت الخبر.
حسنا هيا سأختار لك فستانا لتحضرين به الحفل بينما تختارين لي طقما أستطيع الذهاب به إلى النادي لأوقع العقد و إلا ذهبت ببنطال وبلوزة فضفاض.
قالت أحلام بابتسامة: تفعلينها ورب السماء. بالمناسبة لا يمكنني أن أستعير منك فستانا آخر، سأذهب بأحد فساتيني.
هل جننتي؟ تذهبين إلى الحفل بتلك الفساتين التي أحضرها لك والديك إنها تضيف إلى عمرك سنوات وسنوات، لن تلفتي نظره مطلقا بإحداهن، ثم هل يرضيك أن تترك فساتين أختك مهملة بخزانتها لايمنحهن أحد اهتمام؟ ستذوي. ستموووت. تعلمين أنني لن أرتديهن. انها ثياب أنثوية بشكل تلتاع له نفسي. لا أدري أين كان عقلي حين ابتعتهن؟ هيا. أجبري خاطرهن وارتديهن حبا في الله.
ابتسمت أحلام قائلة: حسنا هيا سأفعل وأجبر بخاطر احداهن عسى يوما أن تجبري أنت بخاطرهن.
مستحيل.
قالتها بسمة باستنكار قبل أن تنهض وتسبقها لتهز أحلام رأسها بيأس يظلل ثغرها ابتسامة أمسكت هاتفها وبعثت رسالة لأستاذها قائلة: موعدنا في الغد بالفندق الملكي. أعد نفسك لليلة من الألحان لن تنساها.
ثم اغلقت هاتفها وهي تسرع إلى صديقتها التي استعجلتها بالنداء.
حسنا لقد أمضينا العقود وصار كل شيء قانوني، مرحبا بك في نادينا آنسة بسمة.
شكرا لك. أرجو أن أكون عند حسن ظنكم وأشرف النادي في كل المسابقات.
ستفعلين.
قالها بثقة فوجدت ابتسامة تعتلي ثغرها دون ارادة منها تطالعه بنظرة لابد وأنها أربكته فقد ظهر الاضطراب على وجهه للحظة قبل أن يتمالك نفسه قائلا: حسنا ان انتهينا هنا نستطيع أن ننضم لبقية الفريق و…
ألن نحتفل؟
عقد حاجبيه قائلا: نحتفل؟!
نعم. صراحة أنا لم أتناول الغذاء وحين لا تأكل بسمة يصيبها الهذيان. هل تود لو لاعبت شريكة لي أن أراها شطيرة جبن رائعة أو أصبع محشي لذيذ؟ ستكون العواقب وخيمة.
اتسعت عيناه للحظة قبل أن ينفجر ضاحكا، تبا. هل يصير الإنسان حين يضحك بتلك الوسامة؟ بل هل تستطيع المرأة إلا أن تقع في حبه أكثر بعد أن صار قلبها الآن يردد. كفاك لا تزد لقد صرت كل آمالي ومع كل لحظة تمر أوقن من شيئا واحدا. أنك قدري الذي انتظرت فهلا جعلتني قدرك؟
توقف عن الضحك وقد سمع نداء قلبها على مايبدو فقد طالعها بنظرة غامضة احتارت في تفسيرها وهو يقول بهدوء: وماذا نفعل لتفادي التهامك لإحدي شريكاتك باللعب؟
أخبرتك سنحتفل، أدعوك للغذاء معي بمناسبة توقيع العقد، لا أحب أبدا ان أتناول الطعام وحدي، أجده وقتها بلا طعم. فلا طعام دون ثرثرة.
ثرثرة؟
بالتأكيد. هل جربت يوما ان تأكل في صمت؟ ممل للغاية.
تذكر وحدته وأكله الدائم دون كلمة واحدة، لم ينتبه يوما كم صار روتيني في أفعاله حتى حين يتناول طعامه، عندما دلفت تلك الفتاة حياته بالأمس أضفت شيئا عليها. قوتها. إثارتها التحدي في قلبه. جسارتها ومهارتها إلى جانب خفة دمها التي لاحظها الآن. كل هذا جعله يدرك شيئا واحدا. كم صارت حياته مملة فارغة وربما آن الأوان لتغييرها. لذا فليستهل التغيير بدعوة غذاء.
ابتسم قائلا: هل نأكل في النادي؟ أم هل تقترحين مكانا آخر؟
ظهرت الفرحة على ملامحها والتمعت عيناها بشكل محبب قائلة: بل أعرف مكانا رائعا ستأكل فيه بيتزا لم تتذوق مثيلتها قط. تحب البيتزا أليس كذلك؟
ومن لا يحبها؟
قالت بحماس: إذا هيا بنا. سيارتك أم سيارتي؟
سيارتي بالطبع، في حياتي أنا القائد آنسة بسمة.
فلتقود يا أميري كيف تشاء، كم تقت لقائد مثلك يشعرني بأني أنثاه. يخضعني دون قيود. يجعلني أدرك كم أحتاجه وكم كانت حياتي فارغة قبله. يجعلني أوقن شيئا واحدا. تحت إمرته سأكون دوما سعيدة وسأعيش بأمان.
ياالله لم آكل هكذا منذ زمن. البيتزا رائعة حقا.
ابتسمت قائلة: بالهناء والشفاء ولكن لا تأتي وحدك فلن يكون لها طعم دون…
ثرثرة. بت أدرك هذا الآن.
قاطعها مبتسما فابتسمت بخجل، زادها الخجل جمالا دون شك. تحيره هذه الفتاة. انها جميلة مفعمة بالحياة قوية وتحمل قلبا رقيقا خجولا رغم ذلك. ربما تختلف عن الأخريات وربما لا المهم ان بها شيء يجذبه. يجد نفسه سعيدا قربها. لم يشعر بتلك السعادة منذ، لا. لا داعي للتفكير بالماضي الآن فهو مسخن بالجراح والآلام.
حين تكون سعيدا لا تفكر، فقط عش هذه اللحظات واستمتع بها، الأفكار تجلب ذكريات حزينة تلون لحظاتك بالأسود وتسحب منها الألوان.
طالعها بحيرة فأردفت: كنت مثلك حين أمر بلحظات من السعادة أتذكر الماضي فأجد خفقات قلبي التي كانت تقفز فرحا باتت تؤلمني وحين أحاول تنحيتها واستعادة هذه اللحظات، أجدها قد ذهبت بلا عودة فالحزن محتل طاغ يقهر لحظات السعادة ويجعلها تذوي.
وهل في حياة فتاة مثلك مازالت في مقتبل عمرها مايدعوا إلى الحزن؟
ربما ستصدم إن عرفت ولكن دعك مني وأخبرني أين تجد سعادتك؟
سعادتي؟!
نعم سعادتك. أجدها أنا في كوب قهوة تجذبني رائحته فيدخل إلى قلبي سرورا يدوم لدقائق أو فيلما رومانسيا تخطفني مشاعره فأسعد لساعات أو قد أجدها في بسمة أحدهم كنت أنا سببا فيها فأسعد لأيام أو قد أجدها في قلب مخلص وفي يحبني بصدق ويشاركني لحظاتي فأسعد طوال العمر.
وهل هناك مثل هذا القلب؟
لا أدري فلم أجده بعد. ماذا عنك؟
ماذا عني، اممم.
تنهد مردفا: لا أذكر أنني شعرت بالسعادة منذ زمن وكأنها رحلت مع…
صمت فاستحثته قائلة: رحلت مع ماذا؟ هيا. يمكنك إخباري.
ها. ربما في وقت لاحق. أما الآن فقد تأخرنا علي التدريب. هيا اسبقيني الى السيارة، سأحاسب النادل وأتبعك.
دعوتك للطعام لذا أنا من ستدفع.
أخبرتك. في حياتي انا من يقود، فهيا كوني فتاة لطيفة واسبقيني إلى السيارة وإلا عاقبتك وجعلتك تبارزيني اليوم بدلا من إحدى صديقاتك.
ياريت.
اتسعت عيناه للحظة قبل أن يضحك بقوة قائلا: لا فائدة ترجى منك، اسبقيني يابسمة على السيارة. هيا.
بسمة. لقد قالها دون أن يضع ألقابا قبلها. ربما لم يفتح لها قلبه بالكامل بعد ولكنه بالتأكيد قد وارب الباب لذا ستكتفي بذلك، مؤقتا.