بس ، هي دي! مش محتاجة أدور على شقق تانية. أنا كده، بعرف بالضبط اللي عايزاه، بعرف أنه مناسب ليا من أول ما أشوفه. وده اللي حصل أول ما دخلت الشقة ولفيت فيها، شقة الزمالك، بالذات لما وقفت في البلكونة وبصيت على النيل، هو ده بالظبط اللي محتاجاه، هي صحيح كانت أول شقة أشوفها، بس كنت متأكده أن مفيش أحسن منها، متقدر ليا أني اقعد فيها ، ومش عارفه ممكن حد يصدقني لو قلت إنها كانت مألوفة جدًا بالنسبة ليا، كأني رجعتلها، مش أول مرة أروحها.
الموضوع كانت متيسر، أنا والمؤجر كنا متفقين جدًا، في السعر ومدة الإيجار وكل حاجة، لحد ما قال لي شرط غريب جدًا….
الشقة هتبقى بتاعتي طول اليوم، إلا أربع ساعات….
أربع ساعات كل يوم، لازم أسيب فيهم الشقة من 4 الفجر ل 8 الصبح!
يعني أقوم من عز نومي وفي الضلمة دي أنزل الشارع واشوفلي حته أقعد فيها ل 8 اللي هو أصلًا الميعاد اللي المفروض أقوم فيه عشان أروح الشغل؟! وليه؟؟
من غير أسئلة ومن غير تفاوض يأما أشوفلي شقة تانية.
الموضوع كان مريب جدًا، أي حد مكاني كان هيمشي ومش هيبص وراه، بس أنا مقدرتش! الشقة دي كنت عايزاها، عايزاها أوي ومستعدة أعمل أي حاجة عشان أقعد حتى…لو هنفذ كلامه.
في الحقيقة أنا مكنتش أصلًا محتاجة أجي! وجودي في القاهرة مكنش ضروري، شغلي كان ممكن أكمله من بيتي في المنيا، كتابة المحتوى بالنسبة للشركة اللي بشتغل عندها مش محتاجة أني أتحرك من مكاني، بس أنا اللي أصريت أجي، اقعد في الزمالك وأروح مقر الشركة زي أي موظف عادي.
مقدرتش أنسى المرات اللي زورنا فيها القاهرة وأنا صغيرة وعدينا فيها على أجمل مكان في الدنيا “الزمالك”. ويمكن ده يكون كويس لحالتي، يساعدني في علاجي، يمكن لما نفسيتي ترتاح أفتكر ولو مشاهد، في فجوات كتير أوي في ذاكرتي من ساعة الحادثة، أنا أصلًا مش فاكره الحادثة نفسها، معتمدة بس على اللي أهلي وأصحابي بيحكهولي ونفسي المس الواقع والحكايات دي، لما أفتكرهم هبقى لمستهم، غير كده بالنسبة ليا أطياف مليش تحكم فيها ولا ليها علاقة بيا.
هاخدها، وقبل أربعة بربع ساعة مش هتلاقيني في الشقة ومش هرجع أصلًا غير لما يومي ينتهي وفي الاجازات همشي في الميعاد وهرجع بعد 8.
ابتسم لي وهز راسه من غير تعليق، سمحلي حتى أني أقعد قبل ما يجيب العقد ونمضيه! غريب أوي الإنسان ده، غامض، مخيف، ومطمناله جدًا!
**********
جالي إحساس في أول يوم إني مش عايزه أخرج، مش عايزه أواجه العالم بره، الشقة دي كفاية بالنسبة لي، وجودي فيها مع أني لوحدي، كأني مش وحيدة، لأول مرة من كتير مش وحيدة، مع إني ببقى وحيدة جدًا في وسط الزحمة…
لو مفيش حاجة استدعت حركتي هفضل قاعده كده في التراث، باصه في النيل، معايا مج القهوة، مفيش قوة تقدر تحركني…
مقدرتش أنفذ وعدي، متحركتش قبل 4، قلت يمكن ينسى، يمكن كلام فاضي، يمكن بيختبرني، بيشوفني مستأجر مطيع ولا لأ، وهيكتفي بإني وافقت على الشرط العجيب، ويسيبني ف حالي… قعدت قدام الساعة المتعلقة في السقف، براقبها، براقب عقرب الثواني لحد ما جت 4…..
3 خبطات، بالضبط مع وصول الساعة ل 4!
فتحت، لقيته، كانت فارد دراعاته وحاطط كفينه على بعض، مبتسم إبتسامة خفيفة…
من سكات أخدت بعضي ونزلت وهو دخل…
الموضوع اتكرر كل يوم، كل يوم بيبقى عندي أمل ينسى وكل يوم بييجي. الوضع كان مزعج جدًا في الأول ، جسمي بقى تعبان وأعصابي متوترة وفضولي هيقتلني، ايه اللي بيحصل في الأربع ساعات دول، بيعمل فيهم ايه جوه، بيشتغل مثلًا night shift في مكان قريب وبيحتاج يريح بعد ما شغله يخلص؟ طب ليه يأجر من الأول، محتاج الفلوس أوي كده؟
بس بعد فترة بدأت أتعود ، جسمي خد على الروتين ده ومبقتش مرهقة وتعايشت مع اللي بيحصل ومبقتش أحسه غريب، بس في حاجة تانية…
كنت بشوف في عينيه نظرات، الست مش ممكن تغلط فيها، نظرات إعجاب، وأنا عارفه أني المفروض أكون منزعجة من ده، بس من جوايا كنت مبسوطة وكمان… زي ما أكون بستنى المعاد عشان أشوفه، زيه زي الشقة كأني أعرفه من زمان….
**********
يومها عملت نفس اللي كنت بعمله كل يوم، حضرت نفسي وكنت جاهزة الساعة 4 ، استقبلته، اتكلمنا كلمتين مغلفين بإنجذاب شديد لبعض وبعدين سبته ومشيت، نزلت على السلم استعدادًا للإنطلاق في طريقي وبعدين، رجعت….
طلعت تاني بهدوء، وقفت في ركن مستخبي وبصيت على الشقة….
فضلت مراقبة دقيقة والتانية والتالتة و…خرج!
كان متلهوج، وشه عرقان وايده بتترعش، بيتحرك بسرعة، كأنه بيهرب من حاجة، قفل الباب وطلب الاسانسير ومشي!!
يوم والتاني والتالت والرابع، كل يوم نفس النمط، بيدخل ولما يتأكد إني مشيت بيمشي، كأنه بيعمل كده بس عشان يضمن إني مكونش في الشقة خلال الساعات دي… ايه اللي بيحصل جوه، اللي مش عايز يخليني أشوفه، وهو بيحصل له إيه في الدقايق اللي بيدخلها، بيهرب من إيه؟؟
بقيت واثقة، قررت هعمل ايه…
بعد ما اتأكدت أنه مشي كعادته، دخلت أنا….
يجوز، لأ ، أكيد الراجل ده مش متزن نفسيًا، أعصابه تعبانه، مفيش تفسير غير كده، كان لازم بس أخده على قد عقله وبعدين أرجع لشقتي أرتاح لحد معاد الشغل، كده اتحلت…
**********
ولا في أي حاجة، زي ما اعتقدت ، “هود” تعبان نفسيًا، بس مش مؤذي، مش محتاجة أقلق، أنا على يقين أنه مش ممكن يأذيني..
يا سلام على الراحة، نمت ساعتين كمان، نمت بعمق كأني طفلة، حلمت ، الحلم كان غريب أوي، مشاهد صغيرة متلزقة ف بعض بتظهر وتختفي بسرعة، زي ما تكون شريط سينما قديم مش عالي الجودة، شفت وشه في كذه وضع وحالة، وش “هود”، وهو بيبصلي بحب وهو منهار وهو مخضوض وهو حزين، حزن الفراق. مشاهد ملهاش أي معنى، العقل الباطن هيسوحني!
قمت بمنتهى الروقان، سلام محستش بيه قبل كده، عملت لنفسي كوباية القهوة بوش وقعدت في البلكونة…
كالعادة سرحت في النيل، مفيش حاجة شاغلة بالي ولا مركزة، بس قرب ما خلصت القهوة…. مع آخر حبه فيها، اتهيألي إني شفت، لأ، كنت متأكده إني شوفت، حرف “ق” مرسوم على وش القهوة بالفوم بتاعها، نقطتين واضحين ودايره صغيرة مقفولة تحتيهم ودايره أكبر بتنزل منها مش مقفولة، حرف القاف!
أكيد مفكرتش في الموضوع كتير، كانت مجرد ملاحظة، تجليات الصبح بقى قبل الفوقان ويوم شغل شاق. أدي الأربع ساعات اللي “هود” ماسكلي فيهم ومحرض عليا أمشي من الشقة وأتكدر ونومي يقلق وبس…
تاني يوم رجعت الشقة بعد ما مشي ودخلت على أوضتي برده أكمل نوم…
في حاجة قلقت نومي، لا صوت ولا حركة ولا ضوء، حاجة مش عارفه أوصفها، إحساس، مجرد إحساس، فتحت عيني ببطء، الأوضة كان فيها نور خفيف، خيوط الشمس المستحيه بعد ضلمة الليل، شفت إنعكاسي في المرايه، بس… كان في حاجة مميزة، الإنعكاس كان قريب أوي، مش المفروض يكون أبعد من كده؟ وبعدين إفتكرت… المرايه أصلًا مش في الاتجاه ده، المرايه الناحية التانية!
بعد ما الرؤية اتضحت، قدرت أميز الانعكاس اللي واخد نفس وضعيتي، لا هو أنا ولا انعكاس من الأساس! كانت واحدة تانية، رجليها زيي ضامة على بعض في وضعية الجنين، كانت جنبي واخدة غريبة بتراقبني….
عيني اتفتحت على آخرهم في ذعر، لساني اتشل، مقدرتش أصرخ وفي ثواني البنت اتلاشت!
معقول كنت لسه مفقتش ودي بواقي أحلام؟ أو مجرد هلاوس زي النقط والأشكال اللي بنشوفها أول ما عنينا بتفتح وتختفي في لحظات؟
دخلت استحمى ، الحمام كله كان بخار، مش شايفه حتى ايدي، ولما البخار هدي شوية، واختفى تدريجيًا من على مراية الحمام، كان متركز بس في حته، خط بالطول، خط مش مستقيم، حرف ال”أ”!
الف من غير همزه، الف مرسومة بحرفة، أكيد كان حرف الف! إمبارح “ق” والنهارده “ا”، مش صدفة، أبدًا مش صدفة…
**********
بدأت أخاف، واتأكدت أن في سبب حقيقي للمحاذير بتاعة حظر التجول “4 ل 8” ، هي دي الساعات اللي بيحصل فيها ظواهر غريبة في الشقة، “هود” مش إنسان مجنون أو تعبان نفسيًا، “هود” إنسان مخبي سر كبير، مش واثقة أن من مصلحتي أعرفه، بس حسيت إني لازم أعرفه، حتى لو هحفر قبري بإيدي، أنا هكمل في الشقة….
الليلة التالتة… المرة دي أنا قعده مستنية، مستعدة أسمع وأعرف، أيًا كان…
الساعة 5، هدوء، هدوء الغابات، بأشجارها الضخمة وغصونها المتشابكة، هدوء مش مريح أبدًا….
ريحة بشعة، زي لحمة بتتحرق، لحمة فاسدة، ريحة لا تحتمل، حطيت كمي على مناخيري، كنت هتخنق، مشيت للمصدر، كل ما أقرب منه الريحة تزيد، فتحت باب الحمام وصوابعي بتترعش، مشيت لحد البانيو، دود كان مالي الأرض حواليه، وخيوط دم بتنزل منه..
ولا حاجة، البانيو كان فاضي، الريحة والدم والدود إختفوا، أنا اتأكدت ، دي مكنتش ريحة لحمة بتتحرق، دي كانت جثة!
سمعت صوت خبطة جامدة ، جريت بره الحمام، الجزامة وقعت، وجزمي اتفرقت على الأرض، رحت بس وقفت على بعد خطوات، الجزم كان ليها نمط معين، مش متبعترة وخلاص، كانت على شكل حرف ال”ت”، الحرف التالت..
“ق”، “ا”، “ت”، مظنش إني محتاجة أعرف الحرف المتبقي، أكيد هيكون “ل”! واللي شفته في الحمام كانت جثة القتيل، “هود”، هو ده سر “هود”، هود قتل حد هنا! والحد ده أو المكان بيحاولوا يوصلولي، يستنجدوا بيا ويعرفوني عشان ميفلتش بجريمته، أكيد قتله في الحمام وحط جثته في البانيو، وقدر يهرب بالجريمة، بس مش لوقت طويل، أنا هعرف أكتر وهساعد اللي اتقتل!
**********
لما جه اليوم ده مرضتش امشي، عرف من نظراتي أني أدركت حاجة، بدأت استوعب…
حكيت ليه إني مكنتش بمشي، أني رجعت، وحكيت اللي شفته…حاول يقنعني إنها تهيؤات بس في نفس الوقت مكنش راكز، حركته عصبية وبيبص في كل الاتجاهات…
-مش بتفكري ترجعي المنيا؟
-لأ، أنا مش هسيب الزمالك ومش هسيب الشقة.
-موحشكيش كشري بندقة، شارع طه حسين والكورنيش؟
ازاي؟ عرف إزاي المكان ده وأني بحب أروحه؟
-مش هسيب هنا…
-إحنا لازم نمشي، دلوقتي!
قام بعصبية ، مسك دراعي، كنت مرعوبة أوي، كان هيعمل فيا حاجة، أكيد، قرار غبي إني أواجهه، أواجه قاتل باللي عمله، مهو أكيد هيأذيني، مكنش في مخرج، أنا وقعت في ايده خلاص…
الكنب والساعة وهو إختفوا من حواليا، قدامي كانت طرابيزة الأكل والكاونتر والبوتاجاز، بقيت في المطبخ، اتنقلت امتى وإزاي، معرفش… حسيت بحركة ف ضهري، بصيت قدامي لقيت سكينة ناقصة من الكوليكشن، سكينة كبيرة، الم فظيع في رقبتي، حاد، كأنه جرح، مدرتش بنفسي ووقعت، أغمي عليا…
فوقت لقيته جنبي على أرضية المطبخ، عينه كانت كلها خوف عليا… “حصل إيه؟ سألته، رد أنه فجأة ملقنيش جنبه وبعدين سمع صوت جسم بيقع على الأرض من ناحية المطبخ، جري عليا، وشافني بالمنظر ده، مرمية على الأرض وفي جرح بينزف في رقبتي!
الجرح مكنش كبير، خط صغير، على بعد خطوات السكينة كانت مرميه ، نصلها فما فوق متغطي بالدم وتحتيها بحر دم، أكيد مش بتاعي، جرحي منزفش كده، لما ركزت لقيت دايرة الدم من تحت السكينة اللي محطوطة بشكل مستقيل مش متكملة، كان حرف “ل”، “ق..ا..ت..ل”، قاتل!
قمت كأني أسد متحفز، لقيت نفسي بزقه، بطرد “هود” من الشقة وهو بيترجاني أمشي، أمشي خالص، أسيب الشقة، كان جوايا غضب رهيب ناحيته، الموضوع أكبر حتى من جريمة قتل ارتكبها، كأنه اذاني أنا شخصيًا، غلط في حقي، بس مش عارفه ايه الغلط ده.
**********
الليلة اللي بعدها من 4 ل 8 سمعت طول الوقت صوت، صوت ست، صوتها مكنش عالي، أقرب للهمسات، مجرد همسات كانت هتجنني، كيان عايش معايا، كيان مسيطر عليا، الشقة في الحقيقة ملكه، بيتحكم في اللي بيحصل فيها، الشقة مش بتاعتي ولا بتاعة “هود” ، الشقة بتاعتها هي ، صاحبة الصوت، بتضحك وتتكلم في مواضيع مختلفة، كأني مش موجودة، عارفه، عارفه باللي بيحصل فيا والرعب اللي عايشاه، والشلل اللي مخليني مش قادرة أهرب حتى من الشقة، مش قادرة أروح أفتح الباب ل”هود” اللي هيكسر الباب تخبيط بعد ما فشل يفتحه بالمفتاح.
يقين بدأ يزيد بأنها هتأذيني، مش مجرد عايزاني أعرف واللي قتلها يتحاسب، ومع إزدياد اليقين، بدأت استسلم لقدري، هديت واستنيته. الليلة اللي بعدها إتوجهت بهدوء ناحية الحمام، مليت البانيو ميه ومددت جواه بهدومي، شفت الميه بتتحرك وحسيت بحضورها معايا، ايديها اتلفت حواليا والميه اتحولت احمر، سبتها، متحركتش، سبت ايديها على وشي، سبتها تسحبه لتحت الميه، سبتها تغرقني….
كأني استحق، استحق اللي بيحصل لي، حقها تأذيني، تاخد روحي….
خلاص، كنت بغيب ، شايفه الدنيا ضبابية من تحت الميه، وعلى آخر لحظة، قبل ما الفظ آخر أنفاسي، حاجة انتشلتني، صوت باب الشقة بيتفتح ، كأنه اتزق، وايديها اختفت، مبقتش شداني، قمت وانا بنهج، طلعت بالعافية من البانيو، مشيت بره الحمام، لمحت “هود” في آخر الطرقة، جريت بسرعة قبل ما يلحقني، قفلت على نفسي أوضة…
من حركتي السريعة وقعت برواز، كان جواه صورة ل”هود”، الإزاز اتكسر والصورة خرجت منه ، نزلت ببص في حركة تلقائية، ببص على الازاز المتفرق، لقيت حاجة ورا صورته، صورة متطبقة، “هود” وجنبه…أنا!
أنا و”هود” مع بعض كأننا، كأننا حبيبين، الطريقة اللي فيها قريبين من بعض، مش مجرد حبيبين، عارفين بعض من زمان، الراحة دي، كأنه جزء مني وأنا جزء منه….
أخيرًا…ظهرت قدامي، الست، القتيلة، واقفة قدامي بعينين مش مفتوحين على آخرهم ، رقبتها بتنزف، كلها دم، قربت مني، بتهاجمني، حطت كفينها على وشي وبصت ف عيني، ساعتها شفت….
عارفاها، أنا عارفاها، كانت “صديقة” ل”هود” حبيبي، اللي عنده شقة في الزمالك هو وأهله، بس هو أصلًا من المنيا، أنا وهو بنحب بعض من سنين، كبرنا مع بعض، كانت ما بينا مشاكل كتير، كنا بنأذي بعض دايمًا ، بنسم حياة بعض، بس زي المغناطيس بنرجع ننجدب لبعض، حب رهيب ، قاسي ومؤذي زي حمم البركان، محدش عرف يفرقنا ولا حتى إحنا، و”الصديقة” دي ظهرت ف حياته فجأة، ست بمعنى الكلمة، لبس ضيق وmakeup وأنوثة طاغية، كنت متأكده أن ما في بينهم حاجة، وأن دي اللي هتسحب البساط من تحت رجلي وهخسر “هود”، خصوصًا أنه بقى بيشتغل وعايش في القاهرة، بعيد عني، واتأكدت شكوكي ، ظبطتهم مع بعض، مدرتش بنفسي إلا وانا في طريقي للمطبخ اللي حافظاه، زي ما حافظه باقي الشقة، مسكت السكينة وجريت عليه، ودبحتها، عديت السكينة مرة واحدة على رقبتها، خط صغير، فجر الدم ده، أنهى حياتها، وحياته وحياتي، قتلتها، إتخلصت من الخطر…
باب الأوضة إتفتح، “هود” كسره زي ما كسر باب الشقة، جري عليا ولحقني قبل ما اقع، خدني في حضنه، كان بيدمع…
-هي دي كانت الحادثة؟
-أيوه يا “سليمة” هي الحادثة اللي خلتك تفقدي جزء من ذاكرتك، الجزء المتعلق بيا وبأي حاجة تخصني.
-حصل إيه بعد ما قتلتها؟
-جرتها على البانيو، قطعت جثتها هناك، وأنتي واقفة مشلولة بتتفرجي، حطتها بعدها ف أكياس واتخلصت منها.
-من 4 ل 8، الأحداث دي حصلت؟
-ايوه.
-أنت السم بتاعي وأنا سمك، مش كده؟
-أنتي نور حياتي.
قالها بصوت مهزوز وهو بيعيط.
-أنا اللي قتلتها مش أنت…
-إمبارح، اليوم الخامس، الحيطة اللي ف أوضة المكتبة.
-أيوه فيها ميه منشعة من الجيران.
-ليها نمط وشكل، مش مجرد ميه.
-؟
-ته مربوطة، الحرف المتبقي.
-“قاتلة”، أنا…
ضحكت بصوت عالي، كده اللغز اتحل، الأحجية كملت، أنا اللي قتلتها مش هود…
-يعني مش ذاكرتي اللي بتسبب كل ده، مش عقلي بيحاول يرجعلي الفجوات، روحها فعلًا هنا، ومش هتسيبنا؟
مردش عليا، فضل ماسك فيا وعينه مركزة على الفراغ قدامه…
وأنا شفت سواد بيزحف على الحيطة ، اتسلل للأركان والأرضية وهي ظهرت بالسكينة من وراه….
“تمت”
#ياسمين_رحمي