روايات شيقهرواية المستحيل

نوفيلا المستحيل للكاتبة شاهندة الفصل الثاني

ما ان رأته يدلف من الباب معها حتى ابتدرته قائلة بغضب: بقى بتوديها لدكتور تاني من ورايا ياعادل؟ دلوقتي الدكتور بتاعي بقي كخة. روح يااخويا أما نشوف آخرتها. ماهو عشم إبليس في الجنة. هي الأرض البور بينصلح حالها ياموكوس؟
ماما! من فضلك؟
أسرعت هند تجاه حجرتها تدلف إليها باكية بينما قال عادل بحزن: عاجبك كدة؟

طالعته بحنق قائلة: خايف قوي على زعلها طيب مخفتش على زعل أمك ليه وأنا بكتشف انك موديها لدكتور تاني ومخبي عليا؟
أهو أنا خبيت عليك مخصوص بسبب اللي عملتيه ده. ياماما ياحبيبتي هند بنت رقيقة مينفعش كل شوية تسميها بكلامك.
ظهرت الصدمة على ملامحها وهي تقول: بقى كدة ياعادل؟ أمك كلامها سم. هان عليك تقولها؟ أهو ده اللي كنت خايفة منه. غيرتك مراتك وخلتك تقسى على أمك حبيبتك اللي ملهاش غيرك في الدنيا.

اقترب منها بسرعة يمسك يدها ويقبلها بحنان قائلا: ماعشت ولا كنت لو للحظة قسيت عليك ياأمي، انت عارفة غلاوتك عندي وعارفة كمان ان لو الدنيا كلها في كفة وانت في كفة هختار كفتك ياحبيبتي.
ربتت بيدها الحرة على رأسه قائلة بحب: الله يرضى عليك ياابني.
رفع وجهه إليها قائلا: بس عشان خاطري. حاولي متزعليش هند. انت عارفة غلاوتها في قلبي وزي ما بقدرش على زعلك وبيوجعني، زعلها برضه بيوجعني.

أصابها الحنق مجددا، يقارنها بهذه الفتاة السخيفة. كادت أن تقول شيئا ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة لا تقوى في هذه اللحظة على نظرات عينيه المتوسلة إليها، ستخضع مؤقتا حتى تستطيع أن تجعله هو بذاته يلفظ هذه الهند من حياته، للأبد.

لذا هزت رأسها بهدوء فأسرع يقبل يدها بسعادة ثم يتجه إلى الحجرة بلهفة، لتنظر والدته في إثره بغيظ تقول بهمس حانق: روح ياأخويا وراها وأقعد صالح في البرنسيسة للصبح، يلا معلش. مسيرك ياملوخية تيجي تحت المخرطة وساعتها…
ضمت قبضتها بينما أفكار شيطانية تداعب مخيلتها. وتزيد من رغبتها بالتخلص من هذه الفتاة.

اللونين حلوين قوي مع بعض. مكنتش متوقعة انهم هيطلعوا بالشكل ده أبدا.
وضع يده على قلبه يقول بطريقة مسرحية: كنت شاكة في ذوق حبيبك محمد؟ آه ياقلبي.
وكزته قائلة: بلاش أفورة. الراجل بيدهن في الأوضة اللي جنبنا وممكن يسمعك.
ماهو ده اللي موقفني عن اني أستفرد بيكي ياجميل.
تستفرد بيا. ده بعينيك. ولا هتلمس ضافر مني قبل مانكتب كتابنا.

أهو أنا نفسي أكتبه بس الحاجة نبيلة مش راضية مش عارف ليه مع اني ابن عمك. يعني من العيلة والله.
انا كمان طلبت منها كتير ورفضت، عموما مبقتش قضية يامحمد، كلها أسبوعين ونتجوز ووقتها كدة كدة هتوافق نكتبه.
قال بمزاح ساخر: وليه تيجي على نفسها؟ مانأجل كتب الكتاب لبعد الفرح.
وكزته مجددا قائلة: ماتهزرش. هو ينفع فرح من غير كتب كتاب؟
إيه ياصفية هو كله زغد زغد مفيش شتيمة؟
فيه ياخفيف. تحب تسمع؟

لا وعلى إيه. خلينا مؤدبين أحسن.
أيوة كدة ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا.
نظرت إلى ساعتها قائلة: بقولك ايه. أنا إتأخرت قوي همشي بقى عشان يادوب ألحق أوصل البيت قبل المغرب. انت عارف تعليمات الحاجة صفية.
عارفها طبعا، استنى هاجي أوصلك.

لأ خليك مع عم ناجي. احنا عايزينه يخلص وميبلطش في الخط. ولو نزلت هياخد راحة وهو خلاص مبقاش قدامه غير أوضة الضيوف اللي شغال فيها دلوقت وتبقى الشقة تمام قوي. تتساب بقى تنشف أسبوع قبل ماأفرش.
ماشي يااسطي.
طالعته بحنق فأسرع يقول: بهزر معاك. انت مبتهزرش يارمضان؟
لأ بهزر. بس مش الهزار السخيف ده. فيه حد في الدنيا يقول لخطيبته ياأسطي؟
في دي معاك حق. ممكن تتقبلي أسفي ياجميل؟
اتقبلناه. يلا بقى أشوفك بخير. سلام.

سلام.
أسرعت تغادر يتابعها بعينيه قبل أن يتنهد وهو يضع يده على قلبه قائلا: هانت ياحلو وهتبقى ملكك وساعتها أحلامك معاها كلها هتتحول لحقيقة.

كانت تقف على أول الطريق تنتظر سيارة أجرة تقلها إلى المنزل حين سمعت صوتا يبدو كما لو أنه إنفجارا، ثم ساد الهرج والمرج وتعالت الصرخات على مقربة منها، غصة أصابت حلقها تزامنا مع قبضة اعتصرت قلبها جعلتها تقترب من المكان الذي يأتيها منه الصراخ بسرعة، لتتسع عيناها بصدمة فأمامها كانت العمارة التي تقع فيها شقتها حطاما بينما الجميع يهرعون إلى هذا الحطام بحثا عن أحياء. ولكن من قد يستطيع النجاة من حطام كهذا؟ شعورها أخبرها أنه لم يعد على قيد الحياة. لتخبو خفقاتها رويدا رويدا مع خفقاته حتى وجدت نفسها فجأة تسقط أرضا مغشيا عليها.

خلاص بقى متبقيش عبيطة وتاخدي على خاطرك من كلمتين قالتهم ست كبيرة. انت مش قلتيلي هتعتبريها زي والدتك الله يرحمها؟ فيه حد بياخد على خاطره من والدته برضه؟
قالت من وسط دموعها: أنا فعلا قلت كدة. بس كنت فاكراها هتعتبرني هي كمان زي بنتها وتعاملني بما يرضي الله. انا استحملت كتير ياعادل بس خلاص فاض بيا. كلامها بيوجعني قوي. بيكسرني.

سحبها بسرعة إلى حضنه يضمها بين ذراعيه، يملس بيده على خصلاتها قائلا بحنان: متزعليش ياقلبي حقك عليا أنا، أقولك امسحيها فيا وأنا ياستي هنبه عليها متزعلكيش تاني، وأنا يهون عليا برضه كسرة قلبك. ده حبيبي انا وروحي وحياتي كلها.
استكانت بحضنه قائلة: هو كمان ملوش في الدنيا دي غيرك. ساكن فيه ومش طالب في الدنيا دي غير رضاك عنه.
طب ماتيجي ندلعه حبة.
خرجت من حضنه قائلة: لأ آجي فين. انت ناسي الدكتور قال ايه؟

قال بحنق: لأ مش ناسي. 3 أيام بلياليهم أبعد عنك. طب وجاله قلب يفرقنا بالشكل ده؟
لازم نتحمل. كله عشان خاطر ابننا ياعدولة.
أهي عدولة دي اللي مودياني في داهية، ماشي ياستي نتحمل وأمرنا لله أما نشوف…
قاطعه رنين هاتفها المتواصل، فأخرجته من حقيبتها تطالع شاشته قبل أن تجيب ابنة خالتها قائلة بمرح: صافي حبيبتي…

صفية مجددا تقاطع لحظاتهم الحلوة. هكذا فكر عادل بينما عقدت هند حاجبيها قائلة: مش فاهمة حضرتك. هو ده مش تليفون…
صمتت ليعقد عادل حاجبيه حين شاهد هلع زوجته وشحوب ملامحها وهي تقول: انا جاية حالا.
أغلقت الهاتف بينما يقول عادل بحيرة: خير ياهند؟
قالت هند بحسرة: مش خير أبدا ياعادل، العمارة اللي فيها شقة صفية اللي هتتجوز فيها وقعت.
لا حول ولا قوة الا بالله. ربنا يعوض عليهم.

بدأت دموع هند في السقوط وهي تقول: العمارة وقعت وكان فيها خطيبها وقتها، محمد مات ياعادل وصفية في المستشفى عندها انهيار عصبي زي ماالدكتور بلغني دلوقت ولازم أروحلها وأبلغ خالتي قبل ماأروح وانا مش عارفة هعمل كدة ازاي؟

قالت جملتها الأخيرة وهي تجلس على السرير تنخرط في بكاء حار فأسرع يجثو أمامها يمسك بيدها قائلا: مش وقت انهيار ياهند، خالتك وصفية محتاجينلك، قومي معايا نروحلهم. أزمة وهتعدي. والحزن هو الشيء اللي بيتولد كبير وبعدين بيصغر.
طالعته بعيون حزينة وهي تقول: كل حزن ممكن يصغر الا حزن الفراق لحد بتحبه وروحك فيه، بتبقي نار قايدة بتشعلل بزيادة كل ماتفتكره.

انت جنبها هتخففي عليها حزنها، هتسنديهم زي مااتعودتي منهم يسندوكي. قومي ياهند خلينا نروح.
طالعته للحظة قبل أن تتمالك نفسها وتقرر أن تسمع كلامه وتصير سندا لعائلتها كما كانوا لها دوما، لتنهض معه وتستسلم ليده التي تقودها للخارج، تتمنى لو كانت حماتها قد خلدت للنوم فلا قبل لها بسماع كلمات تؤلمها أكثر. فهي الآن تتألم بما يكفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى