كنت واقفة في مكان شِبه فاضي، حواليا مباني مش كاملة، الدنيا تقريبًا كانت ضلمة، إلا من نور لمبة بسيط لقيت نفسي بقرب له، ومع قربي منه، شوفتهم، تلات أشخاص واقفين.. ووسطهم على الأرض، كان في شخص تالت بيضربوه، لكن الغريب في ده كله بقى إن الاربعة ملامحهم ماكانتش واضحة، فركت عنيا بإيدي على أمل أن الرؤية تضح، برضه مش باين منهم اي حاجة.. عارف انت لما تحس ان عينيك مزغللة وشايف المشهد اللي قصادك طشاش، اهو ده بالظبط اللي كنت شايفاه، إنما وسط القلق والتوتر والمنظر الغريب ده… سمعت صوت، صوت لحد بيستنجد، وكأنه بينازع او بيطلع في أنفاسه الأخيرة…
وعند سؤال صاحب الصوت ده، سمعت من بعيد صوت رنة موبايل، معاها ابتدا المشهد يبعد شوية بشوية وكأني بنسحب من المكان الغريب اللي فجأة لقيت نفسي فيه، وفي لحظة، الدنيا ضلمت!
فتحت عيني المرة دي بصعوبة اكتر، عشان الاقي نفسي على سريري وموبايلي بيرن بنغمة المنبه!
طفيت النغمة وقومت، دخلت الحمام غسلت وشي وبعد كده دخلت المطبخ عملت الإسبرسو المعتاد بتاعي وقعدت على الكنبة في الصالون.. مسكت موبايلي وفتحت الواتس اب، رغي رغي رغي.. جروب الدكاترة زمايلي في المستشفى، ورسايل من صحباتي، ورسايل اكتر على جروب المربع السكني اللي انا عايشة فيه، ووسط كل الرسايل دي، لَفت نظري رسالة من بابا..
(فاطمة.. وحشتيني اوي يا حبيبتي، انا عارف أن بسبب فرق التوقيت ممكن تكوني نايمة دلوقتي، بس لما تشوفي رسالتي دي اتصلي بيا وصحيني لأني عايز اسمع صوتك)
بعد ما قريت الرسالة، خرجت من الواتساب واتصلت ببابا..
-الو.. ازيك يا حبيبي، انا تمام، ماتقلقش عليا، المهم انت طمني عليك، طب الحمد لله.. ياااه يا دُكتور.. ده انا مستنية الأجازة تيجي بفارغ الصبر عشان تنزل مصر واشوفك، ربنا يرجعك بالسلامة، طيب.. خد بالك من نفسك واطمن عليا.. بنتك ب ١٠٠ راجل.. مع السلامة يا حبيبي.. مع السلامة.
ده كان مخلص كلامي مع بابا.. الدكتور شكري، كل ما ليا في الدنيا بعد وفاة أمي الله يرحمها، بيشتغل محاضر في واحدة من جامعات الولايات المتحدة، اما انا بقى.. فانا بنته الوحيدة، فاطمة شكري.. دكتورة بشرية، بشتغل في واحدة من المستشفيات الخاصة.. بعد ما ماما اتوفت، بابا اضطر يسافر عشان شغله، بس قبل ما يسافر، أصر إن انا لازم اتنقل واعيش في فيلا جديدة اشتراهالي من واحد صاحبه، وصاحبه ده يبقى البشمهندس حسان صاحب الكومباوند اللي فيه فيلتي الحالية.. وحقيقي أصرار بابا على أن انا اسيب فيلتنا القديمة بسبب تعبي النفسي لما كنت قاعدة فيها لوحدي، لأنها بتفكرني بماما وذكرياتنا سوا.. كانت خطوة مش بطالة، اصل الجو هنا والكومباوند الجديد والمربع السكني اللي فيه اربع فيلل وفيلتي واحدة منهم، مربع هادي ويساعد على الاسترخاء والهدوء، ولحد هنا اقدر اقول إن حياتي كانت تمام، مافيهاش جديد، من المستشفى للكومباوند، ومن الكومباوند للچيم، واحيانًا بقعد مع اصحابي شوية في كافيه اتعودنا نتقابل فيه، وده طبعًا عشان كل واحدة ترغي عن حبيبها او خطيبها او جوزها، بس انا بقى ماكنتش بحكي، وده ببساطة لأني ماليش علاقات عاطفية كتير.. انا جربت الخطوبة مرة من دكتور كان زميلي في الجامعة، ولما ماتفقناش، كل واحد راح لحاله والموضوع اتقفل.. ومن يومها.. من يومها ولحد النهاردة وانا حياتي فاضية، مافيهاش جديد، او بالتحديد يعني فِضلت فاضية لحد ما فتحت جروب المربع السكني عشان اقرا الرسايل اللي كانت فيه.. والرسايل دي كان مضمونها، إن المفروض كل سكان او مُلاك الاربع الفلل، هيتجمعوا النهاردة الساعة ٧ بالليل في فيلا المحامي المعروف (احمد راجح).. والمستشار احمد فيلته بعد فيلتي بفيلا واحدة بس، وقبل ما اسأل نفسي ايه سبب التجمع العجيب ده، قريت رسالة في الجروب من راجح نفسه بتقول..
(موضوع الحرامي الخفي اللي بنشوفه في المربع بالليل ده، لازم نلاقيله حل.. احنا مش قاعدين في الشارع، المفروض إن ده كومباوند محترم ومتأمن كويس.. انا هستناكوا عندي النهاردة زي ما اتفقنا عشان نلاقي حل جذري للموضوع ده)
بعد ما قريت الرسالة، ماخدتش ولا اديت ولا سألت كتير.. قال يا خبر دلوقتي بسؤال ووجع دماغ، الساعة ٧ بالليل هيتعرف في الاجتماع وهيبقى ببلاش، وعشان اريح نفسي من وجع الدماغ ده خالص بقى، قومت لبست وركبت عربيتي وروحت على المستشفى، وبعد ما خلصت شغل على الساعة ٥ بعد العصر كده، رجعت الكومباوند واتغديت وغيرت هدومي وقعدت اتفرج على التلفزيون شوية، وعلى الساعة ٧ بالدقيقة كنت قاعدة مع سكان التلات الفيلل..
رقم واحد، وده اللي احنا قاعدين عنده، وزي ما قولت عنه قبل كده، المستشار احمد راجح، عنده بنت وولد بيدرسوا في كليات مختلفة، عايش في فيلته هو ومراته وعياله، محامي معروف.. له شنة ورنة زي ما بيقولوا.. اما رقم اتنين، فهي فريدة غزال.. سيدة أعمال وصاحبة جمعية خيرية، ست مُسيطرة وشخصيتها قوية، عايشة في فيلتها اللي جنب فيلا المستشار راجح، عايشة هي وابنها ومرات ابنها وحفيدتها اللي عندها ١٢ سنة.. اما الجار التالت ليا، فهو البشمهندس طاهر، وده ساكن في الفيلا اللي جنب فيلتي على طول، عايش لوحده معظم الوقت لأنه مطلق، عنده بنت واحدة بس، سنها ١٠ سنين، عايشة مع والدتها..
طاهر كان قاعد ساكت زي حالاتي بالظبط، وفضلنا احنا الاتنين ساكتين لحد ما فريدة بدأت الكلام لما قالت..
-اللي بيحصل ماينفعش يتسكت عليه، انا اه ماشوفتش الحرامي اللي بتقولوا عليه ده لأن انا مابقعدش في الفيلا كتير، لكن ابني ومراته وحفيدتي شافوه.. وانا بصراحة كده بقى ماعنديش أهم منهم، ده غير إن الفيلا فيها ورق مهم وحاجات غالية اوي ممكن تتسرق.
بعد ما فريدة قالت كده، بصلها المستشار احمد باهتمام وابتدا كلامه لما قال..
-معاكي حق يا مدام فريدة.. انا كمان ماشوفتش الحرامي ده، لكن المدام والأولاد أكدوا لي إنهم شافوه.. ودي مصيبة، ايوه مصيبة يا حضرات، هو اه مافيش حاجة اتسرقت مننا الحمد لله، بس برضه الوضع مايطمنش.. ماهو معنى إن في حد غريب بيدخل ويخرج من الفيلل بتاعتنا، إن كده الدنيا سداح مداح، والأمن اللي على البوابات الرئيسية برة ده، مالهوش أي لازمة.. واهو، اللي ماسرقش امبارح ولا أول، احتمال كبير اوي يسرق بكرة، او يمكن النهاردة كمان، ولا انت أيه رأيك يا بشمهندس؟!
لما المستشار وجه كلامه للبشمهندس طاهر، بص له باهتمام وبتوتر وقال له..
-معاك حق.. احنا لازم نتصرف ونلاقي حل، انا برضه لمحت شخص بيجري في جنينة الفيلا عندي من كام يوم بالليل، ولما نزلت عشان اشوف مين ده، مالقتش حد!.. وده معناه أن كلنا تقريبًا شوفناه، وده بيأكد إنه مش مجرد تهيؤات.
بعد ما طاهر خلص كلامه، بص لي احمد راجح وقال لي..
-وانتي يا دكتورة فاطمة، شوفتيه انتي كمان؟!
هزيتله راسي بالنفي وبتلقائية جاوبته..
-لا.. ماشوفتوش، بس ده مش معناه إنه مش موجود، انا مش بكدبكوا لما بقول إن انا ماشوفتوش، بل بالعكس، انا رأيي من رأيكوا، ماهو طالما كلكوا متفقين على إن في حرامي بيدخل المربع بالليل وبيتجول بين الفيلل، فأكيد هو موجود ولازم نشوف حل.
لما قولتلهم كده، بصت مدام فريدة للمستشار احمد وسألته..
-وانت ايه الحل من وجهة نظرك يا سيادة المستشار؟!
مسك احمد تليفونه وبص فيه وهو بيقول بصوت مسموع..
-حسان.. احنا لازم نتصل بحسان القاضي صاحب الكومباوند وناخد منه معاد عشان نقعد نتكلم معاه، هي مش سويقة، ده احنا دافعين ملايين عشان نشتري راحة بالنا ونبعد عن العشوائيات.
وفعلا.. اتصل المستشار احمد بحسان وفتح الاسبيكر، وبعد كام رنة رد عليه، وبصراحة الراجل اتكلم بكل ذوق وقالنا نروح نقابله في مكتبه اللي في مكان ما في الكومباند، واللي قاله عملناه، بعد دقايق كلنا اتحركنا وروحناله على المكتب، انا وفريدة واحمد راجح وطاهر.. وبعد ما رحب بينا وقعدنا، حكاله احمد على كل اللي حصل، وأيد كلامه كلام فريدة وطاهر.. والحقيقة إن حسان كان بيسمعهم باهتمام لحد ما خلصوا كلامهم، وبعد ما سكتوا قال لهم بجدية عشان يطمنهم..
-ماتقلقوش.. انا هكلم شركة الأمن اللي بتأمن الكومباوند وهخليها تبعت كام واحد من عندها يأمنوا المربع بالليل، مع إن يعني كاميرات المراقبة اللي انتوا مركبينها وبحسب كلامكوا، بتقول إنها ماجابتش حد لا دخل ولا خرج من الفيلل.
لما قال كده، رد عليه احمد بسرعة..
-ايوه يا حسان بيه، ما دي مصيبة اكبر.. اصل لما حرامي يدخل ويخرج من غير ما كاميرات المراقبة تجيبه، يبقى أكيد حافظ أماكن الكاميرات وبيدخل ويخرج من أماكن هو دارسها كويس عشان مايظهرش، ولو انت يعني تقصد بكلامك ده إن اللي اتشاف مُجرد تهيؤات، فلأ.. مش معقول يعني كل اللي شافوه دول هيبقى بيتهيألهم، ولا ايه!
بلع حسان ريقه وهو بيحاول يبان متماسك قدامنا..
-صح.. معاك حق، وعشان كده انا هعمل زي ما قولتلكوا.. النهاردة هكلم شركة الأمن وهخليها من وردية بكرة بالليل، تبعت رجالة يلفوا في المربع بتاعكوا لحد الصبح.. تمام كده يا بهوات؟!
كل اللي قاعدين هزوا راسهم بالموافقة وكان باين على ملامحهم الرضا، وبعد اتفقنا معاه على اللي هيتم وبعد ما قعدتنا انتهت، كل واحد روح فيلته.. بما فيهم انا.. انا اللي بعد ما دخلت فيلتي كنت حرفيًا هلكانة من تعب اليوم، وعشان كده طلعت أوضتي واترميت على السرير وماحستش بالدنيا، روحت في سابع، لكن وانا نايمة، او وانا بحلم بقى، سمعت صوت ضعيف اوي بيقول من بعيد…
(الحقووني.. حراام عليكوا.. الحقووني).. وابتدا الصوت يقرب شوية بشوية لحد ما حسيت إنه جنب ودني بالظبط، في اللحظة دي ووقت ما الصوت قرب مني، فتحت عيوني عشان اشوف نفس الحلم إياه، نفس الحلم اللي بشوفه بقالي كذا يوم.. تلاتة ملامحهم مش باينة، ملمومين على واحد ملامحه مش باينة هو كمان ونازلين فيه ضرب، وطبعًا الصوت اللي كان بيستنجد ده، كان طالع من الشخص اللي بيتضرب.. وقبل ما اقرب منه او حتى اتحرك من مكاني، ابتدت الدنيا تضلم وفَتحت من تاني… الدنيا كانت الضلمة، بس انا مش في مكان غريب ولا لسه في الحلم، انا كنت فعلًا صحيت ولسه على سريري.. لكن الغريب بقى إن انا أول ما فتحت عيني، حسيت إن جسمي مشلول، عارفين احساس الجاثوم!.. اهو ده بالظبط اللي كنت حاسة بيه، إنما الاحساس ده ماكنش هو المشكلة الأكبر، المشكلة الكبيرة بالنسبة لي هي إني لمحت برة أوضتي خيال.. لا لا.. ده مش خيال، ده شخص واقف، ثابت، مش باين منه أي ملامح، يا ليلة مش فايتة، معقول هو ده الحرامي اللي بيقولوا عنه!
كنت عاوزة اصرخ او استنجد بأي حد، بس ماعرفتش، انا كل ذرة فيا كانت مشلولة، حتى لساني.. لساني هو كمان كان مشلول ومش قادر ينطق، وفضلت في الوضع ده لمدة ثواني، ثواني مروا عليا كأنهم سنين، لحد ما فجأة الشخص ده اتحرك وطلع يجري على تحت.. وقتها حسيت إن جسمي اتفك وقومت جري عشان الحقه وانادي على حد يساعدني في إننا نقبض عليه، ومع نزولي من الدور اللي فوق واللي فيه أوضتي للدور اللي تحت، مالقتلوش أي أثر، ولا حتى كان في مكان مفتوح ممكن يخرج منه!
وقفت في مكاني وانا مرعوبة، الحرامي ممكن يكون لسه معايا في الفيلا!.. لكن انا ماعنديش حاجة مهمة ممكن تتسرق زي احمد راجح ولا فريدة او طاهر، انا.. ايه ده!
وانا واقفة بكلم نفسي وبحاول افكر بسرعة في أي حاجة ممكن تتعمل، لمحت على حيطة من حوائط الصالة كلام مكتوب بالدم!.. قربت من الكلام عشان اشوفه، وساعتها برقت، اللي مكتوب بالدم ده مش مُجرد كلام، ده أسم!
جريت بسرعة على فوق وجيبت موبايلي، طلعت رقم البشمهندس طاهر واتصلت بيه، ايوه.. هو ده اقرب حد ليا ممكن يجي يلحقني، وفي لحظة ما كنت بتصل بيه ولسه ببص على حيطة، مالقتش الأسم اللي كان مكتوب، زي ما يكون اتمسح.. بس اتمسح ايه، ده زي ما يكون ماتكتبش من اساسه!
-الو.. دكتورة فاطمة.. يا دكتورة، انتي كويسة؟!
كان طاهر اللي صوته طالع من التليفون، رديت عليه بقلق وبصوت واطي قولتله..
-الحقني يا بشمهندس، الحرامي عندي في الفيلا.
رد عليا بسرعة ومن غير أي تردد..
-حالًا.. استخبي في أي مكان مايقدرش يوصلك فيه وانا جايلك حالًا.
واول ما قال كلمة حالًا دي، سمعت انا وهو صوت صرخة، ووراها صوت صرخة تانية لطفلة.. الصوتين كانوا جايين من برة..
يُتبع
جثة المربع
٢
-الحقني يا بشمهندس، الحرامي عندي في الفيلا.
رد عليا بسرعة ومن غير أي تردد..
-حالًا.. استخبي في أي مكان مايقدرش يوصلك فيه وانا جايلك حالًا.
واول ما قال كلمة حالًا دي، سمعت انا وهو صوت صرخة، ووراها صوت صرخة تانية لطفلة.. الصوتين كانوا جايين من برة، وده معناه أن بقية السكان ممكن يكون الحرامي وصل لهم، بس الحقيقة إن الموضوع ماطلعش بالبساطة دي… طاهر لما جالي وخرجنا انا وهو عشان نشوف أيه سبب الأصوات دي، اتفاجأنا بمصيبتين، المصيبة الأولى إن بنت المستشار احمد راجح وقعت من بلكونة أوضتها والأسعاف جت خدتها، والمصيبة التانية، هي حفيدة فريدة.. البنت اللي عندها ١٢ سنة.. البنت امها وجدتها بيقولوا إنها فضلت تصرخ وتصرخ وهي نايمة في أوضتها، ولمادخلوا عليها، لقوها فاقدة الوعي وواقعة على الأرض، وهي كمان الأسعاف جت خدتها!
ليلة غريبة ومش معدية، ليلة قضيتها بين المستشفى اللي فيها بنت راجح، واللي فيها الدكاترة قالوا إنهم أنقذوها من نزيف داخلي، وهي دلوقتي في غيبوبة الله أعلم هتفوق منها أمتى، وبين المستشفى اللي اتنقلتلها حفيدة فريدة، واللي فيها قالوا إن كل وظايفها الحيوية سليمة، بس هي اتعرضت لصدمة عصبية خلتها فقدت الوعي، والله أعلم هتفوق امتى هي كمان!
كانت ليلة صعبة بجد، حقيقي ماتتنسيش، ليلة في نهايتها روحت انا والبشمهندس طاهر اللي مارضيش يسيبني ودخل معايا الفيلا عشان يطمنني، وبوجوده جنبي ووقت ما كان باب الفيلا مفتوح طبعًا لأن انا عايشة لوحدي وماينفعش انا وهو يجمعنا مكان مقفول، بصيت للباب وبعد كده بصيت للحيطة اللي كان مكتوب عليها الأسم بالدم واختفى..
-مالك يا دكتورة.. سرحتي في ايه؟!
لما طاهر سألني السؤال ده، جاوبته وانا لسه مركزة مع الحيطة..
-مش حرامي يا بشمهندس، اللي بيظهر ده مش حرامي.
-أومال هيكون أيه يعني؟!
-مش عارفة.. حقيقي مش عارفة، بس اللي انا شوفته بيقول إن الحد ده بيظهر عشان يوصل رسايل.. مش عارفة، حقيقي مش عار..
قطع كلامي صوت رنة موبايل طاهر، طاهر اللي لما بص على أسم المتصل، ملامحه اتبدلت للضيق وقال لي..
-معلش يا دكتورة.. تليفون مهم.
هزيتله راسي بحركة معناها ولا يهمك، بعدها خد التليفون وخرج برة الفيلا وابتدا يتكلم، ماكنتش عارفة هو بيقول ايه ولا بيتكلم مع مين، بس كان شكله متضايق ومتعصب اوي، وعرفت هو متضايق ليه بعد ما خلص المكالمة وجه ناحيتي، لأنه قالي بضيق..
-دي طليقتي، طالعة تقضي شهر العسل مع العريس الجديد، وطبعًا قالتلي تعالى خد البنت تقعد معاك شوية، حبكت هي أصلها.. انا مش عارف هلاقيها منين ولا منين، هلاقيها من الشغل ولا من اللي بيحصل ده ولا من البنت اللي المفروض اروح اخدها دلوقتي وبعد كده اطلع على شغلي.
بصيتله ب حيرة، وبحزن وسألته..
-طب لما انت هتروح على شغلك، البنت هتروح فين؟!
-عند اختي.. هروح اخدها واوديها عند اختي لحد ما اخلص شغل وابقى ارجع اخدها منها، يلا.. منها لله بقى.
انشغلت في كلامه ومأساة بنته ونسيت كل المشاكل اللي احنا فيها، حقيقي الطلاق وعدم الاتفاق بين الزوجين، الطرف الوحيد اللي بيبقى خسران فيه هم الأطفال.. وبالرغم من حزني ومن إنشغالي في مشكلة طاهر وبنته، إلا إنه طمنني لما ابتسملي ابتسامة بهتانة وقالي..
-ماتقلقيش، كده كده استاذ حسان قال إن في أفراد أمن هيحرسوا المربع من النهاردة، بس دلوقتي انتي مش هينفع تقعدي لوحدك.. اصل انا همشي حالًا عشان مشواري، وطبعًا الفيلتين التانيين فاضيين، يعني مش هينفع تقعدي هنا لوحدك.
ابتسمتله ورديت عليه بتعب من الليلة اللي ماشوفتش فيها نوم دي…
-لا ماتقلقش، انا كده كده هجهز نفسي عشان اروح المستشفى، يعني ماعنديش وقت إن انا حتى ارتاحلي ساعتين.
-طب تمام.. انا هستناكي برة لحد ما تجهزي ونخرج سوا، ولما ترجعي بأذن الله هتلاقيني، انا كده كده هحاول اقضي في الشغل نص يوم بس وهرجع بدري عشان البنت.
ابتسمتله، وبعد ابتسامتي خرج يستناني، وفي خلال دقايق كنت غيرت هدومي وخرجت انا وهو من الكومباوند وروحت على المستشفى، وطبعًا طول اليوم ماكنتش مركزة بسبب الإرهاق وقلة النوم.. وبسبب تعبي وعدم تركيزي، استأذنت من الدكاترة زمايلي إن انا محتاجة ارتاح ساعتين في أوضة المبيت.. ويارتني ما كنت عملت كده، انا لما طلعت الأوضة وريحت جسمي على سرير من السراير وروحت في النوم، حلمت بنفس الصوت، نفس الصوت اللي بيستنجد، بس المرة دي بقى ماكنش نفس الحلم.. انا المرة دي حلمت إن انا في أوضتي ونايمة على سريري، وقصادي بالظبط كان واقف نفس الشخص اللي لمحته قصاد باب أوضتي، كان واقف ثابت بنفس طوله وهيئته، وبما إنه المرة دي كان اقرب، فقدرت اشوف منه شوية تفاصيل.. هو بني أدم لابس جلابية لونها رمادي، ملامحه مش باينة بسبب الدم اللي مغرق وشه!.. قرب مني بالراحة ورفع من صوابعه تلات صوابع مليانين دم، وبعد ما عمل كده.. راح ناحية الحيطة اللي جنب سريري وكتب نفس الأسم اللي قريته بالدم اللي مغرق صوابعه!
برقت للأسم وبرقتله، وقبل ما اسأله انت مين ولا الأسم ده أسم مين، قرب مني بسرعة وصرخ في وشي بنفس الأسم اللي مكتوب!
فتحت عيني وانا بشهق وكأني كنت بغرق، قومت بسرعة من على السرير اللي في أوضة المبيت وفتحت النور، وبمجرد ما الأوضة نورت، شوفت على حيطة من حيطانها نفس الأسم المكتوب بالدم، ركزت معاه.. لحظات وابتدت عنيا تزغلل، حاولت افوق او اركز، ماقدرتش.. فغصب عني فركت فيها لأنها ابتدت تحرقني اكتر.. غمضت لثواني واول ما فَتحت تاني، لقيت الأسم اختفى!
لا.. انا كده هتجنن، اسم مين ده وايه علاقته بالكومباوند واللي بيحصل فيه!
طلعت موبايلي بسرعة واتصلت بواحدة من اقرب الناس ليا، مريم صاحبتي، واللي خلاني اتصلت بيها مش بس لأنها قريبة مني، ده كمان لأنها صحفية وبتشتغل في قسم الحوادث في واحدة من الجرايد المعروفة، ولحسن الحظ إنها ردت عليا بسرعة.. وبعد ما ردت وسلمت عليها وسألتها عن اخبارها وكل الكلام المعتاد ده، سألتها عن الأسم اللي بشوفه مكتوب على الحيطة بالدم، والحقيقة إنها قالتلي إنها ماتعرفش الأسم ده، بس هو مش غريب عليها، وفي نهاية المكالمة، قالتلي إنها هتسأل لي عنه، ولو عرفت أي حاجة هتتصل بيا تقولهالي، ده لو وصلت لحاجة يعني!
بعد كده حاولت تهديني لحد ما قفلت معاها وقومت غسلت وشي وخرجت من المبيت وكملت شغلي، وبعد ما اليوم انتهى، روحت الفيلا، وطبعًا ماروحتش فيلتي على طول، انا خبطت على فيلا البشمهندس طاهر اللي لقيته موجود هو وبنته، سلمت عليها وقعدت اتكلم معاها شوية وبعد كده خرجنا قعدنا في الجنينة، كانت البنت بتلعب ورانا وانا وطاهر قاعدين جنب بعض، كنا ساكتين.. مافيش كلام يتقال، مافيش تفسير لكل اللي بيحصل، واستمر الصمت لفترة مش طويلة لحد ما بدأ طاهر الكلام لما قالي..
-كلها شوية والأمن اللي قال عليه أستاذ حسان هينتشر في المربع.. بس بعد ايه بقى، بنت المستشار احمد لسه تعبانة، وحفيدة فريدة هانم لسه مافاقتش.. دول ربنا يكون في عونهم والله، بس.. بس معلش، في السؤال شاغلني، هو ليه احنا اللي شوفنا الحرامي ده في الأول وانتي ماشوفتيهوش ولا مرة إلا ليلة امبارح بس؟!
رَفعت كتافي وانا بقوله..
-ماعرفش.. مش يمكن مايكونش حرامي من أصله؟!
-مش فاهم!
سكتت لثواني وانا سرحانة، بعدهم اتنهدت وبدأت اتكلم وانا باصة قصادي وسرحانة..
-أمي الله يرحمها كانت بتقولي إنها بتحلم بالحاجات اللي حصلت وإنها عندها شفافية، يعني في مرة كنا بنصيف، وقتها ماما ماكانتش بتنام كويس، ولا انا كمان.. كنا احنا الاتنين بنحلم بكابوس باستمرار، كان كابوس غريب.. كابوس فيه واحد بيخنق واحدة ست في نفس الفيلا اللي كنا مأجرينها وبنصيف فيها، والغريب بقى في موضوع الكابوس ده، إن بابا قال لنا بعد ما أيام المصيف خلصت، إن في واحد صاحبه حكاله إن الفيلا دي كان عايش فيها واحد قتل مراته اللي خانته.. يعني احنا شوفنا اللي حصل في نفس الفيلا جوة احلامنا، لكن الاغرب من ده كله بقى إن انا من يوم ما جيت هنا وانا بحلم بكابوس مش مفهوم، بيبقى فيه تلات رجالة ملامحهم مش واضحة، والتلاتة دول بيبقوا واقفين حوالين شخص وبيضربوه، واللي بيخليني اقولك إن الكابوس ده أغرب من اللي شوفته قبل كده.. إنه بيبقى في مكان شِبه صحراوي، فيه مباني مش كاملة، بص.. انا مش عارفة ولا لاقية تفسير، إنما برضه في حاجة مهمة تانية انا شوفتها غير الكابوس.. انا شوفت..
وقبل ما اكمل كلامي، سمعنا من جوة فيلة طاهر صوت صرخة بنته!
قومنا جري على البنت اللي لقيناها واقفة قصاد حيطة وعمالة تصرخ وهي بتشاور عليها!
شالها طاهر وخرجها للجنينة وحاولنا نهديها، وبعد ما هديت خالص وابتدت تتكلم، قالت إنها شافت على الحيطة كلام مكتوب بالدم، والكلام ده طبعًا اختفى فجأة قبل ما احنا نروحلها!
وقتها اول ما البنت قالت كده، طلعت موبايلي وكتبت عليه الأسم اللي كنت تملي بشوفه مكتوب على الحيطان، والمتوقع حصل.. لما وريت الأسم للبنت وسألته عنه، قالتلي إن هو ده نفس الكلام اللي شافته هي كمان مكتوب على الحيطة بالدم واختفى فجأة!
كان طاهر قاعد بيبص لنا وهو مذهول، ماكنش فاهم حاجة، وقبل ما اتكلم او اشرحله، موبايلي رن، والمتصل كانت صاحبتي الصحفية، صاحبتي اللي لما رديت عليها قالتلي..
-ايوة يا فاطمة.. انا عرفتلك أصل الأسم ده ايه، مش انا قولتلك إنه مش غريب عليا وإن انا شوفته قبل كده، اهو ظني طلع في محله.. زين درويش ده يا ستي شاب من الاسماعيلية، كان شغال فرد أمن في الكومباوند اللي انتي عايشة فيه ده وقت ما كان بيتبني، زين كان بيشتغل ايام وبيسافر أيام تانية بلده، وفي مرة خلص شغله وسافر ومارجعش.. اختفى يعني، ومع اختفاءه، أهله قلبوا الدنيا عليه، بس زمايله التلاتة اللي كانوا شغالين معاه، أكدوا إنه فعلًا مشي ليلتها، وده فتح الباب لكذا احتمال، أولهم إنه اتخطف من عصابة من عصابات تجار الأعضاء، وتانيهم إنه ممكن يكون اتثبت في مكان ما واتسرقت كل متعلقاته واتقتل واترمى في حتة مقطوعة.. كل دي احتمالات، بس الأكيد إنه لسه مُختفي لحد النهاردة، ولما مراسل من عندنا راح لبيوت زمايله وسألهم عنه وقت ما الموضوع كان تريند، قالوا نفس الكلام اللي اتقال في التحقيقات، زين سافر يومها وكان كويس، وكذلك أهله.. عمه وبنت عمه لما المراسل راح لهم الاسماعيلية، قالوا إنه ماكنش له خلافات مع حد، واهو.. من يومها لحد يومنا هذا القضية محفوظة، ولا حد يعرف زين راح فين، ولا حتى حد لقى جثته لو كان مات.
بعد ما صاحبتي قالتلي كده، طلبت منها عنوان أهله وعنواين زمايله اللي كانوا شغالين معاه، والحمد لله العناوين طلعت معاها، وبمجرد ما كتبتهم من وراها، بصيت لطاهر وحكيتله كل حاجة، والحمد لله إنه صدقني.. ومش بس صدقني، ده كمان تاني يوم الصبح بعد ما نمنا انا وبنته في الفيلا عندي وهو نام في فيلته، استأذنا انا وهو من أشغالانا وبنته وداها عند اخته، وفي اليوم ده، خدنا بعضنا وروحنا على بيت أهل زين في الاسماعيلية، العنوان كان في منطقة هادية، أهلها ناس بسيطة، خبطنا على باب البيت وساعتها فتحتلنا شابة ملامحة هادية، ابتسمنا لها وحكينالها عن السبب اللي احنا جايين علشانه، زين درويش!
لما قولنلها الأسم ده وكذبنا عليها وقولنا لها إننا صحفيين وبنفكر نفتح الموضوع من تاني، دخلتنا.. ومع دخولنا للبيت، قعدنا معاها هي وراجل كبير في السن عرفنا إنه ابوهاوعم زين، وأول ما سألنها عن زين وحكايته، ابتدت تحكي من غير أي إلحاح مننا..
-زين ابن عمي.. بعد وفاة والده، عمي درويش اللي ماكنش له غيره، فضل فترة مكتئب، اصل عمي كان بيشتغل صياد، مراته اتوفت وقت ما زين كان عنده عشر سنين وهو اللي رباه، مارضيش يتجوز ولا يجيبله مرات أب، كان له هو الأم والأب في نفس الوقت، وفي يوم، طلع عمي على مركب مع شوية صيادين، يومها كان الجو وحش اوي، وعشان كده طلب من زين إنه مايطلعش معاهم، ومن يومها عمي مارجعش.. المركب غرقت وكل اللي عليها ماتوا، بما فيهم عمي، وبعد انتشال الجثث ودفنها، دخل زين في حالة حزن واكتئاب، بس انا ماسيبتوش، اصل احنا كنا بنحب بعض من واحنا صغيرين، وعشان كده ماسيبتوش، انا فضلت جنبه لحد ما واحدة واحدة ابتدا يفوق من حالة الحزن اللي كان فيها واتخطبنا، ومش بس كده، ده ابتدا كمان يدور على شغل عشان نتجوز، وطبعًا موضوع الصيد والبحر ده كان مقفول بالنسبة له، وعشان كده ابتدا يسأل اصحابه على أي شغلانة، حتى لو برة الاسماعيلية، وفضل يسأل ويدور لحد ما واحد صاحبه جابله شغلانة في شركة أمن في القاهرة، شغلانة ٨ ساعات، فيها سكن وأكل، وده معناه إن زين ممكن يشتغل شغلانة تانية جنبها وهو في القاهرة، وبكده يقدر في وقت قليل يجمع مبلغ يوضب بيه بيته اللي ورثه عن ابوه لأنه كان قديم، وكمان يجيب عفش جديد غير العفش اللي كان بيقول عليه قديم ومتكسر، وفضل زين شغال كام شهر لحد ما في الفترة الأخيرة كان متغير معايا، كان متغير رغم إنه كان بيقول خلاص.. هانت، كلها شوية والدبلة اللي في إيدك اليمين هتبقى في الشمال، لكن ده ماحصلش، زين مارجعش تاني، وزمايله بيقولوا إنه فعلًا سافر وهو مبسوط، ده حتى قال لهم إنه خلاص هيتجوز قريب.
كانت البنت بتحكي وهي بتعيط، قربت منها وطبطبت عليها وسألتها بهدوء..
-إن شاء الله ربنا يعتركوا فيه، بس انا في حاجة لفتت نظري، انتي قولتي إنه في الفترة الأخيرة كان متغير معاكي، ازاي يعني؟!
مسحت دموعها وبصت لابوها وبعد كده بصت لي..
-بابا مايعرفش الكلام اللي هقوله ده، بس زين في الفترة الأخيرة ماكنش بيكلمني باستمرار زي ما كان متعود، دي حتى الكلمة الحلوة زي ما اكون كنت بشحتها منه.
بعد ما قالت كده فضلنا ساكتين، حقيقي ماكنتش عارفة اقولها ايه، انا اه فهمت حكاية زين وابتدت الصورة توضح قدامي، بس لا.. الناس اللي كانوا شغالين معاه دول وراهم سر، والسر ده انا لازم اعرفه، وأكيد مش هعرفه غير لما اروحلهم واتكلم معاهم زي ما اتكلمت مع خطيبة زين.
بعد ما اتكلمت مع نفسي وانا سرحانة، استأذنتها هي ووالدها وقولتلها إننا هننزل مقالات عنه في موقع الجريدة اللي بنشتغل فيها، ووعدتها إننا كمان هنفتح الموضوع من تاني على أمل إننا نوصل لحاجة، ورغم إن كلامنا كله كان كدب، إلا إنها صدقتنا وحسيت إن الأمل رجعلها من تاني.. وبالفعل صدقتنا وسلمت علينا ومشينا، رجعت انا وطاهر القاهرة، ومن بعد رجوعنا على طول، عدينا على عناوين زمايل زين.. كانوا تلات عناوين، العنوان الأول، قالوا لنا إن صاحبه ساب بيته وعزل، والتاني، لما روحناله لقيناه.. كان ساكن في بيت بسيط اوي اوي في منطقة شعبية، لما خبطنا على الباب، فتح لنا شاب شكله بيقول إنه حرفيًا الدنيا مبهدلاه، لبسه مبهدل زي بيته ودقنه طويلة وتحت عينه أسود، بص لنا باستغراب وسألنا..
-خير.. عاوزين مين؟!
يُتبع
جثة المربع
٣
لما روحناله لقيناه ساكن في بيت بسيط اوي اوي في منطقة شعبية، لما خبطنا على الباب، فتح لنا شاب شكله بيقول إنه حرفيًا الدنيا مبهدلاه، لبسه مبهدل زي بيته ودقنه طويلة وتحت عينه أسود، بص لنا باستغراب وسألنا..
-خير.. عاوزين مين؟!
بص له طاهر وقال له بثقة وشجاعة..
-مش ده بيت استاذ محمد حامد؟!
-ايوه انا محمد حامد.. انتوا مين؟!
بص لي طاهر وبعد كده بص له تاني..
-احنا صحفيين، جايين ناخد منك كلمتين بخصوص زميل كان شغال معاك، اسمه زين درويش..زين ده اختفى و..
اول ما الشاب سمع أسم زين اتعصب.. اتعصب وابتدا يزعق وهو بيشاور لنا ندخل..
-زين زين زين.. مش كلنا خلصنا من أم حوار زين ده، اتفضلوا، ها.. عاوزين تعرفوا ايه، انا ماعنديش كلام اقوله غير اللي قولته في النيابة وللصحفيين وقتها.
دخلت انا وطاهر اللي رزع الباب وبرق لمحمد ده وقال له بنبرة تهديد..
-احنا مش صحفيين، احنا سكان الكومباوند، ساكنين في المربع اللي كنتوا بتحرسوه وقت ما كان بيتبني، ومن الأخر كده.. احنا حياتنا اتقلبت جحيم وفي ناس عيالهم اتأذوا، واتأذوا بسبب ايه، انا ماعرفش، بس اللي اعرفه كويس إن الناس دول واصلين اوي.. واصلين لدرجة إنهم لو عرفوا إنك لو كنت بس السبب في اللي حصل لعيالهم، صدقني.. مش هيكفيهم رقبتك انت وكل اللي تعرفهم.
لما طاهر قاله كده،حكيتله على اللي احنا بنشوفه، واول ما خلصت كلامي، قعد محمد وحط إيده على راسه وابتدا يعيط، بصينا انا وطاهر لبعض بعدم فهم، وقبل ما نسأله عن سبب عياطه، رفع إيده من على وشه وبص على صورة كانت متعلقة على الحيطة اللي قصاده.. والصورة كانت لواحدة ست سنها كبير، واضح من الشبه كده إنها قريبته، وعلى البراوز بتاع الصورة من فوق، كان في شريطة سودة.. بص لها محمد وابتدا يتكلم من غير ما نضغط عليه، او اقدر اقول إنه حرفيًا إنهار..
-سامحيني يا اما.. انا السبب، بس انا وافقت عشان خاطرك.. وافقت عشان تعملي العملية وتفضلي عايشة، بس الظاهر اني كنت غلطان.
سكت وبص لنا، وبعد كده ابتدا يكمل كلامه..
-انا وزين وعبد الدايم ومصطفى، كنا شغالين أمن في الكومباوند وهو بيتبني، كنا بنبات سوا وبناكل سوا وبنشرب سوا.. كنا زمايل، بس مش قريبين، انا كان اقرب صاحب ليا منهم هو زين، زين كان شاب شاطر، بعد ما كان بيخلص شغله في الكومباوند ماكنش بينام في المكان اللي المفروض ينام فيه، ده كان بيخرج يقلب عيشه في شغلانات تانية برة، مرة نقاش ومرة سباك ومرة كهربائي، وفي كل مرة كان بياخدني معاه في أي مصلحة، إنما بقى في الفترة الأخيرة، زين اتغير، بقى بعيد عن الكل، وعلاقته بالشركة اللي بتبني اللي الكومباوند وبالمهندسين بقت أكبر، وده خلاه يبعد عني والمسافة ما بيننا ابتدت تكبر، لكن والله العظيم انا عمري ما كرهته، انا فضلت احبه واعتبره زي اخويا لحد ما في يوم جه عبد الدايم ومعاه مصطفى، في اليوم ده او في الوقت ده بالتحديد، زين كان نايم في أوضته لأنه كان بيساعد الناس اللي بيبنوا الكومباوند بالنهار، ولما حس بالتعب دخل نام وفضلت قاعد انا ومصطفى وعبد الدايم.. عبد الدايم اللي لقيته بيقرب مني وبيعرض عليا عرض غريب لما قال لي..
(شوف يا محمد يا اخويا، الواد اللي اسمه زين ده مش هيجيبها لبر، عامل زي المنشار، طالع واكل نازل واكل.. مقضيها شغل برة ومصالح مع المهندسين جوة، وبصراحة كده بقى احنا بنسف التراب وهو شايلهم على قلبه قد كده)
لما قالي كده، رديت عليه وانا ببصله باستغراب..
(وماله يا عم عبد الدايم، ربنا يزيده ويزيدنا معاه)
اتنرفز مصطفى ورد عليا بعصبية..
(يا عم واحنا هنزيد منين وهو واكل دماغ المهندزين اللي شغالين في المشروع.. ما تفتح مخك معانا بقى، دلوقتي انا مديون وعليا جمعيات بالعبيط، وعمك عبدالدايم عياله محتاجين فلوس عشان عيانين، وانت زي ما بتحكيلنا دايمًا، أمك تعبانة ومحتاجة يجي عشر تلاف جنيه عشان تعمل العملية اللي المفروض تعملها وتبقى كويسة.. والواد ابن الحرام ده مابيشيلش فلوسه في بنوك، ده بيربطهم على وسطه وبينام بيهم، يعني سهلة وفي بيتها)
برقتلهم هم الاتنين وانا مذهول من كلامهم.. مصطفى كان بيكدب، هو اه مديون بس مش بسبب الجمعيات، ده مديون بسبب القمار اللي بيلعبه كل يوم بالليل على القهوة الشمال اللي في منطقته، وبعد الدايم.. عبد الدايم اصلًا رامي مراته وعياله ومقضيها جري ورا الحريم، وأكيد عاوز فلوس عشان يصرفها على اللي بيعرفهم، بس انا لأ.. انا مش زيهم، انا امي محتاجة تعمل عملية ضروري وألا هتموت، والعملية دي هتتكلف خمستاشر ألف جنيه، معايا منهم خمسة بس، وانا بصراخة كده ماليش حد في الدنيا غير امي واختي من بعد موت ابويا، لكن لا.. لا.. قومت وقفت وصرخت فيهم..
(لا.. مش هنسرقه.. ده شقاه وتعبه)
قام مصطفى وقف قدامي ومسكني من دراعي بكل قوة وقالي وهو بيبص في عيني..
(الواد ده معاه ٢٠ ألف جنيه، هنضربه وهناخدهم منه وهنديك نصهم، قولت ايه؟!.. ولا انت عاوز امك تفضل مرمية في البيت لحد ما تموت وذنبها يبقى في رقبتك؟!)
لما قالي كده سكتت، الشيطان اتملكني وسكتت، ومش بس سكتت، ده انا كمان سكتت ووافقت، وعلى الساعة واحدة بالليل، خرجوه هم الاتنين من أوضته، كانوا بيجرجروه زي الدبيحة وفضلوا يضربوا فيه لحد ما قلعوه الحزام القماش اللي كان رابطه على بطنه وحاطط جواه الفلوس، وفي وسط ما كانوا بيضربوه، قام وقف وابتدا يضربهم ويقاومهم، ساعتها ماحستش بنفسي غير وانا بقرب منهم.. كنت هنقذه، بس هو مادانيش فرصة، ده قرب مني وابتدا يضرب فيا لما حس إن انا معاهم، وهنا بقى كانت البداية، احنا التلاتة اتلمينا عليه وفضلنا نضرب فيه، كنت زي المتخدر.. فضلت اضربه معاهم لحد ما قطع النفس ومات، بعدها دفنناه في مكان ما متطرف في الكومباوند.. في نفس المربع، وكمان على عمق كويس، ده غير إن المكان كان بعيد عن المباني اللي بتتبني.. يعني أمان، وبعد ما كل ده حصل، ماحدش فينا فتح بوقه، انا خدت العشر تلاف جنيه وهم خدوا العشرة التانيين وبعد شوية أيام كل واحد مننا راح لحاله، الشركة اللي كنا بنشتغل فيها سابت المشروع، وعبد الدايم ومصطفى سابوا الشغل.. بس مش دي النهاية، ربنا إسمه العدل، عبد الدايم عرفت بعد كده إن الأنبوبة انفجرت بيه وهو في شقته ومات، ومصطفى وهو بيعدي الشارع عربية نقل خبطته ومات، اما انا بقى، فامي ماتت.. هي اه عملت العملية ونجحت، بس برضه فضلت تعبانة، وبعد أيام من خروجها من المستشفى، قلبها ماستحملش الألم وماتت، ودلوقتي أديني اهو.. عايش عشان اختي وبس، عايش اه بالأسم، إنما في الحقيقة ميت.
بعد ما محمد خلص كلامه، قرب منه طاهر وقال له بغضب..
-انت هتيجي معايا دلوقتي وتبلغ الحكومة باللي قولته ده، وألا وديني ما هسيبك ألا لما..
زق محمد إيده وقال له بعصبية..
-بس بس يا عم، انا مش هروح في حتة، واجري اثبت كلامي لو عرفت، انا مافيش شهود غيري، وبعدين مافيش حاجة تثبت إني حكتلك أصلًا.. اه.. ما انا مش هودي نفسي في داهية واسيب اختي لوحدها، انا ممكن اجي معاك واوريلك المكان اللي اندفن فيه ونطلع جثته وندفنها في مقابر زي الناس عشان تخلصوا من اللي انتوا بتشوفوه ده، إنما تبليغ مش هبلغ، ولو حاولت تسلمني هسيبكوا وهجري، انا كده كده هاجي اوريكوا المكان اللي اندفن فيه وهقول يا فكيك، ولو الحكومة استجوبتني إذا بلغتوا، هقولهم إني ماعرفش حاجة، واصلًا مافيش حاجة تثبت إني عملت حاجة، حتى اللي عملوا معايا كده ماتوا.
سكتت شوية وبعد كده قربت من طاهر وقولتله إننا لازم نسمع كلامه ونوافقه وألا هيهرب، المهم يجي يورينا المكان اللي اندفن فيه زين ونطلعه منه وندفنه دفنة محترمة تليق بيه، وفعلًا ده اللي حصل، خدنا محمد وروحنا بيه المربع، المربع اللي بمجرد ما دخلناه كان هادي وساكت!
فضلنا نتمشى سوا احنا التلاتة لحد ما قربنا للمكان اللي محمد قال عليه، وهنا بقى كانت المصيبة، احنا أول ما وصلنا لقينا ناس واقفين بيحفروا في الأرض، ومع الناس دول كان واقف مين بقى.. اخر حد كنت اتوقعه، استاذ حسان صاحب الكومباند!
اول ما شافنا برق لنا وبعد كده حاول يتماسك وقال بارتباك..
-دي دي.. دي أعمال صيانة في ال.. في ال..
وقتها بص له طاهر بذهول وقال له..
-ومين اللي طلب منك أعمال صيانة او بلغ عن أعطال، وبعدين انت من أمتى بتنزل من مكتبك وبتباشر أعمال الصيانة بنفسك!
في اللحظة دي واحد من اللي بيحفروا بص لحسان وقال له..
-لقينا ال..
قربت انا وطاهر بسرعة ناحية الحفرة عشان نشوفه، هيكل عظمي لابس جلابية وجنبه قماشة كبيرة، الظاهر إن دي القماشة اللي كان بيلفها زين على وسطه.. زين اللي في الوقت ده كان هيكل عظمي جوة الحفرة وانا وطاهر ومحمد وحسان ورجالته، واقفين حواليه!
بس في اللحظة دي، ووقت ما كنت سرحانة في الهيكل العظمي، سمعت صوت تكات، لما بصيت حواليا، لقيت حسان ورجالته رافعين مسدسات وموجهينها ناحيتنا!
زقنا محمد وحاول يهرب، بس واحد منهم ضربه بالنار ورقده في مكانه، بعدها قرب حسان مني انا وطاهر وقال لنا..
-الواد اللي اتقتل وجثته جوة الحفرة ده، كان عاوز ياخد مني بنتي، لف عليها وقت ما كانت مشرفة على الكومباوند وهو بيتبني ولف دماغها بالكلام، خلاها حبته وكان عاوز يهرب معاها عشان فلوسها، ولما انا عرفت.. سفرتها برة مصر وسلطت عليه اتنين من بتوع الأمن عشان يقتلوه، والتالت الاهبل ده ضحكوا عليه وادوله نص فلوس الكحيان، ولما حاولوا يستغلوني وياخدوا مني فلوس اكتر من اللي خدوها بعد ما نفذوا، موتتهم، يعني في الأول زين وبعده عبد الدايم اللي بعتت حد فتح عليه الانبوبة وخدره وفجرله بيته، وبعده مصطفى اللي سلطت عليه عربية خبطته، وبعدهم الاهبل ده اللي تمامه رصاصة، والدور دلوقتي عليكوا بقى.. بس مش مهم، المهم إن انا احمي مشروعي وبنتي وسري.
بص له طاهر بتحدي وقال له..
-طب وبنت المستشار راجح وحفيدة فريدة، ذنبهم ايه في اللي انتوا نيلتوه.. وانا، انا والدكتورة.. ذنبنا ايه؟!
-ذنبكوا انكوا دورتوا وشوفتوا.. انا ماكنتش ناوي اقتلكوا، انا كنت عاوز احل الموضوع، انا استغليت ان المربع فِضي وكنت جاي اشيل الجثة من المكان اللي مدفونة فيه عشان زين مايظهرش لحد تاني والكومباوند يفضل محافظ على سمعته.
خبط على راسه وبص للحفرة بضيق..
-اغبيا.. هم اه نفذوا اللي قولتلهم عليه بس أغبيا.. انا اللي طلبته إنهم يقتلوه ويضحكوا على الواد ده ويفهموه إنها مجرد سرقة، بس هم كانوا طماعين وماتوا، وانتوا فضوليين ونبشتوا في المدفون وبرضه هتمو..
وقبل ما يكمل كلامه كانت أصوات عربيات الشرطة انتشرت في المكان، ايوة.. اصل انا وانا جاية في العربية مع طاهر ومحمد، بعتت كل اللي وصلتله لصاحبتي الصحفية وللمستشار احمد راجح على الواتس، وطلبت منهم في نهاية الرسايل اللي بعتتها، إنهم يبلغوا البوليس ويبعتوه على المربع.. والحمد لله البوليس جه في وقته، ورجالة حسان خافوا وطلعوا يجروا وطبعًا اتقبض عليهم، اما حسان نفسه بقى، فبص لنا وفضل يلف حوالين نفسه زي المجنون وهو بيقولنا..
-انا مش هينفع اتسجن، مش هينفع اواجه بنتي لما تعرف ان ابوها قاتل.. ولا هينفع ارفع عيني في الناس ولا المجتمع، انا مش هينفع اواجه الناس، انا مش هينفع اتسجن ولا اعيش باقي عمري مذلول.
وفي لحظة سكت.. سكت ومسك المسدس وحطه جوة بوقه وضرب طلقة عشان يقع جثة في نفس الحفرة اللي جواها جثة زين!
وبس.. انتهت القصة، بعد كده بنت المستشار راجح فاقت، والمربع ده اتقفل خالص والكومباوند كمان معظم سكانه سابوه بعد اللي حصل، اما حفيدة مدام فريدة، فالحمد لله فاقت.. والحاجة المتوقعة طبعًا إن الاتنين لما فاقوا، قالوا إنهم شافوا نفس اللي انا شوفته.. بنت احمد راجح كانت واقفة في البلكونة وشافت قرين او شبح زين وهو وشه مليان دم، ولما اتخضت ورجعت لورا وقعت من البلكونة، اما حفيدة فريدة، فقالت إنها شافت في أوضتها بالليل، نفس اللي انا شوفته في الحلم اللي في المستشفى، شبح مفزع وملامحه متغرقة دم..اول ما شافته فضلت تصرخ لحد ما فقدت الوعي.. اما انا وطاهر بقى، فاحنا الاتنين عزلنا طبعًا زي راجح وفريدة وغيرهم كتير من سكان الكومباوند، بس المختلف إن انا وطاهر اتجوزنا ودلوقتي عايشين سوا في فيلا جديدة.. فيلا مافيهاش كوابيس ولا فيها حد اتقتل، بس لسه.. لسه لحد النهاردة لما بدخل أي مكان حصلت فيه حاجة بشوفها في أحلامي، ومش انا بس اللي بشوف علامات لو المكان فيه كارثة، دي كمان رودينا بنت طاهر اللي بتيجي تقعد معانا من وقت للتاني.. هي كمان بقت بتشوف علامات زي اللي شافتها في الفيلا، وحقيقي ماعرفش هي بتشوفها ليه.. هل عشان هي طفلة والاطفال عندهم شفافية، ولا هي زيي وواخدها وراثة من حد في عيلتها او عيلة مامتها، ولا.. ولا اللي بتشوفه ده بقت بتشوفه من بعد اللي شافته في الفيلا قبل ما نكشف جريمة المربع.. حقيقي مش عارفة، الله أعلم… اصل مافيش حاجة أكيدة في دنيتنا دي، ومش كل الحاجات اللي بنمر بيها ممكن نفهمها، في بلاوي كتير متدارية او مدفونة تحت الأرض، ويا عالم هتتكشف امتى او هتتكشف ازاي، او حتى هتتكشف اصلًا ولا لأ!.. تمام زي جثة زين درويش، جثة المُربع.
تمت