التاسع والعشرين
علم عثمان أنها تفكر في كذبة لائقة بينما لم تفكر لحظة فى الكذب فقط فكرت في طريقة لعدم صدمه بالحقيقة فعثمان عكسها تماما متعلق بوالدته لدرجة كبيرة وتعلم أن له كل الحق في هذا لذا لم تفكر كثيراً وتحدثت بهدوء
_ بعدين هبقى اكلمك عنها
اومأ دون تعليق بينما اتجهت نحوه سارة لتجلس بالقرب منه وهى تتلمس أطراف حجابها الذى أعادت ضبطه وهذا يعنى أنها عادت للمنزل، فهل تركتها سهى هناك؟
أبعد أفكاره عن الواقع قليلا وهو يبتسم لها بحنان
_ إيه القمر ده شوفتى الحجاب كده احلى ازاى ؟ بقيتى عروسة وأحنا مش واخدين بالنا
اتسعت ابتسامة سارة ليتأكد عثمان أن الفتاة تفتقد والدها كثيرا ، لها كل الحق في هذا فهو نفسه يفتقده فقد كان عمه نبعا للحنان لا يتوقف تدفقه ، عليه أن ينبه والده إلى هذه النقطة فهو الوحيد القادر على القيام بدور الأب البديل لسارة .
……..
وصلت وفاء لمنزل عمها بعد انتهاء دوام عملها ، شعر عزيز بالرضا النفسى لمجرد رؤيتها ترتدى ملابس الحداد فهذا يعنى أن محاولة والده لم تذهب أدراج الرياح.
استقبلتها ليلى التى تعرفت إلى شخصها بالأمس دون أن يحدث أي تفاعل بينهما لكنها صافحتها بود وتساءلت
_ ريم عاملة إيه النهاردة ؟
_ تعبانة يا بنتى والله ضغطها عالى ونايمة فى السرير
_ لازم تشوف دكتور
_ جوزها غلب معاها مفيش فايدة
_ تسمحى لى اشوفها؟
تقدمت ليلى لتتبعها للغرفة حيث ترقد ريم بهيئة مزرية استرعت مخاوف وفاء التى بدأت تحاول أن تدفعها لرؤية الطبيب فهى بحاجة لفحص طبى سريع فقد بدأ يظهر عليها بعض التورم حول عينيها لكن ريم تابعت البكاء ورفضت بشدة
_ انا مش هروح فى حتة انا عاوزة انام هنا في سرير بابا
لا تفهم وفاء كثيرا طبيعة العلاقة الودية التي تنشأ بين الابنة وأبيها لكنها لا تضع فقدان أي إنسان دافع لقتل النفس بهذه الطريقة التي ترى ريم تتبعها والغريب صمت المحيطين بها لذا غادرت الغرفة متجهة نحو البهو الذى يجلس به الجميع ودون استشارة أي منهم أخرجت هاتفها ليلتفت لها الجميع وهى تطلب رقما ثم تقول
_ الإسعاف؟ من فضلك عندنا حالة طارئة عاوزين عربية إسعاف بسرعة، هى حامل وضغطها عالى وبدأ يظهر تورم في وشها.
انتفض بعض الجلوس فزعا إلى الغرفة ومنهم شاب ظنت أنه زوج ريم بينما ظل عزيز يراقبها وهى تتحدث بثقة وحدة حتى أنهت المحادثة على أن يتواصل معها فريق الإسعاف ليقف عزيز معترضا
_ ينفع تطلبى الإسعاف من غير ما تاخدى رأى حد؟
_ لو كان في حد عنده قلب ماكنتش وصلت للدرجة دى
_ إحنا حاولنا وهى رفضت
تهكمت ملامح وفاء وهى تعتبره أقبح عذر لتتابع بنفس الحدة
_ وهو فى حد عاقل يدى واحدة في حالة ريم النفسية والجسدية حق القرار؟ من حقها تقرر لما تكون متزنة وقادرة لكن وهى مشوشة وضعيفة الاستسلام عندها هيكون اسهل ولازم الحد ده يقرر عنها علشان نحافظ على حياتها
يعلم عزيز أنها محقة وأن الوقت ليس مناسبا للتناحر والمجادلة العقيمة لذا أتجه إلى غرفة أبيه حيث ترقد أخته ليرى أن حالتها تسوء وأنها تزداد إنهيار ورفض لمغادرة غرفة أبيها ، الوضع مؤلم نفسيا وحالتها تنحر القلب ببطء شديد ، هى بالفعل تحتاج إنقاذ من نفسها.
وصلت سيارة الإسعاف وبعد الفحص السريع تم حملها للمشفى فوراً ولحق بها الجميع.
وقفوا جميعاً ووفاء تنأى بنفسها عنهم حتى غادرت الطبيبة حجرة الفحص بملامح غير مبشرة
_ ازاى تسيبوها توصل للحالة دى، ده تسمم حمل وهى والجنين فى خطر
زاغت الأبصار ليسرع زوجها راجيا
_ ارجوك يا دكتورة اعملى أي حاجة بس انقذى حياة ريم
_ لازم الضغط ينزل الأول وهتدخل عمليات فورا وتولد قيصرى وربنا يستر، خليكم هنا تحسباً للظروف مفيش حاجة مضمونة .
ارتجفت القلوب حتى وفاء شعرت بالفزع رغم أن علاقتها بريم لم تصل ليوم واحد وكالعادة حين تشعر بالفزع اتخذت من دونهم مجلسا لتتحدث إلى أمها فوراً.
مرت الساعات بطيئة واخيرا غادر فراش ريم غرفة الطوارئ متجها لغرفة العمليات ويبدو أنها فاقدة للوعي.
المزيد من القلق عليهم معاقرته وقد تصلبت الألسن ولم يحاول أي منهم النطق بكلمة واحدة فقط تتضرع القلوب وتتعلق الأبصار بالباب الذى ظل مغلقا لساعة كاملة قبل أن تظهر الطبيبة مرة أخرى فتهرول إليها قلوبهم
_ الحمدلله هى تحت الملاحظة ساعتين بس وتقدروا تشوفوها بس الجنين هيحتاج حضانة
_ يعنى ريم كويسة ؟
_ الحمدلله لحقناها فى الوقت المناسب اتفضلوا راجعوا الحسابات
تحرك هذا الشاب بخطوات مهزوزة ليتبعه عزيز يشد من أزره ، غادرت الطبيبة لتبحث وفاء عن كلمات تناسب الموقف لكن لم يجد عقلها ما يمليه على لسانها ليلزم الأخير الصمت بينما اتجهت ليلى لأحد المقاعد لتجلس صامتة وهى تقدر لهذه الفتاة التى كانت تراها غريبة حتى الأمس هذا المعروف الذى تعجز عن رده وقلبها يشكر سميحة على تربية فتيات يحملن هذا القدر من التعقل والإنسانية فلم تسمح وفاء لكل جروح الماضى أن تقف عائلا أمام إنقاذ ريم التى عجزت هى أمها عن إنقاذها .
………….
اخيرا غادرت خالته ليعم الهدوء المنزل وقد قرر أن يمنحها الوقت حتى تخبره عن تلك الصديقة، لن يتعجل حديثها وسيحفظ لها عهد بالثقة لم يعلنه لها.
اقتربت منه بنفس صفاء ملامحها
_ عثمان ما تقوم ترتاح اكيد تعبت من القعدة
_ القعدة مع الحبايب ماتتعبش يا سهى تعالى جمبى
أسرعت تلبى طلبه بلهفة انبثقت لها ابتسامته وهى تندس بالقرب منه ليحيط كتفيها هامسا
_ وحشتينى
زادت إلتصاقا به لتتسع ابتسامته وينتشى قلبه الذى يبشره بسعادة ستخيم على هذا المنزل مستقبلاً عليه أن يحافظ عليها
_ قولى لى بقا جاهزة للدراسات العليا ؟
_ انا مش هتحرك غير لما تخف وترجع الورشة ، قولى انت بقا مافكرتش تشتغل فى مصنع كبير ؟
_ صراحة لا انا لما كنت صغير كنت اروح مع بابا الورشة اشوف عمى الله يرحمه وهو بيرجع العربية بعد ما كانت خردة تجرى ، كنت اشوف الفرحة بتنطط فى عيون الناس وقلبى يتنطط معاها ، ومن وقتها وانا بحلم اكون زى عمى وبقيت الحمدلله
_ وليه دخلت صنايع ؟
_ علشان ادرس اكتر طبعا، ادخل ثانوى ليه وادرس مواد مش هتفيد حلمى فى حاجة .
رؤية جديدة تماماً للأمر الذى طالما رأته بشكل عكسي ، كانت تراه يبحث عن الأيسر بينما كان هو يبحث عن الأكثر إفادة.
تنهدت من جديد فحقا فقدان لغة الحوار قد يصل بأي علاقة لمنحدر قاتل .
…………
تجمعوا بغرفة ريم التى بالكاد تدرك ما حولها وترى المكان مشوشا مهتزا ، جلست ليلى بجوار فراشها
_ الحمدلله انك قومتى بالسلامة يا ريم ، شوفتى اخرة العند كنت هتضيعى نفسك
الوقت ليس ملائما للوم يدرك الجميع هذا ورغم ذلك لم يعترض أي منهم على حدة ليلى لتتأكد وفاء أن الغلظة صفة اعتادوها منها، اتجهت نحو الفراش
_ حمدالله على سلامتك يا ريم ، معلش انا اتأخرت ولازم اروح بس هطمن عليك بكرة إن شاء الله وسلمى ومنى جايين فى الطريق
_ طيب ما تستنى اخواتك احسن!
_ معلش يا طنط ماما لوحدها من الصبح
_ طيب سلمى لى عليها
دهش الجميع عدا وفاء التى حاولت أن تبتسم قبل أن تغادر ليلحق بها عزيز .
نظرت إليه بعد أن غادرت وهو يلحق بها
_ انت رايح فين ؟
_ وفاء انا تعبان كفاية علشان اسكت لبكرة الصبح انا هوصلك ومش عاوز مناقشة .
وصلت وفاء بصحبة عزيز الذى وقف أمام الباب
_ وفاء انا متشكر جدا انك انقذتى حياة ريم، إحنا فعلا غلطنا لما سمعنا كلامها ، انا نفسى اشوف طنط سميحة بس انت شايفة حالتى ماتسرش إن شاء الله الدنيا تستقر واجى ليها مخصوص.
غادر فورا دون أن ينتظر منها تعليقا بينما اتجهت للداخل فهى أيضاً بحاجة ماسة للراحة .
بعد نصف ساعة فقط وصلت لفراشها أخيراً ، أغمضت عينيها تحاول أن تستجيب لإلحاح دبيب الخمول الذى يتقدم من وعيها لكن تلك النظرة التى رأتها بعينيه اليوم عادت تطل من أحداث اليوم لتتسارع لها خفقات قلبها فهى ترى هذا الحنان من رجل يشملها لأول مرة بحياتها.
عادت تفتح عينيها وتنظر لأعلى ليصر قلبها على عرض نظراته فتنهر نفسها ( وفاء بلاش جنان إحنا يادوب خلصنا من وجع القلب مع محسن هنرجع نعيده تانى)
نبع صوت الود من صدرها مدافعاً ( محسن إيه مفيش وجه مقارنة طبعا)
جذبت وسادتها لتخفى وجهها بين ظلمتها وكأنها ترفض هذه المناقشة وسرعان ما تغلب الخدر ليسحب وعيها بترحيب منها
مرت عدة أيام وعادت الحياة تأخذ مجراها الطبيعى فى حياة وفاء مع حرصها على تفقد ريم كلما استطاعت لتجد أن ليلى تعلن عن تقدير مساعيها بمحاولة التودد إليها كما أنها لم تشعر بسعادة يوماً مثل اليوم الذى أختارت فيه ريم اسم صغيرتها تيمنا بها.
عملها يسير على نحو ممتاز وكلما تقدمت خطوة وجدت لها صدى كبير بين زملائها وعمار نفسه الذى لا يتوقف عن إعلان دعمه لها وتشجيعه أيضاً.
دخلت مكتب عمار بنفس الحماس الذى يرى أنه جزء منها لتستقبلها ابتسامته المرحبة
_ تعالى يا وفاء
تقدمت نحوه ليفتح حاسوبه
_ اتفرجى على تنفيذ افكارك فى القرية، محمد باعت لنا فيديو والناس هناك مبسوطين جدا من الشغل . انا واثق أنها مجرد بداية
نظرت إلى الشاشة بشغف ليتابع
_اعملى حسابك لما الشغل يكبر شوية هتاخدى المشروع من أوله لاخره. انا شايف أن احسن واحد يتابع التنفيذ هو اللى صمم لأن اكيد ليه رؤية مختلفة عننا ، اقعدى يا وفاء واقفة ليه؟
جلست وعينيها لاتزال معلقة بالشاشة وهى تشير إليها
_ هو فعلا في شوية تفاصيل مختلفة عن تخيلى وانا كان ممكن اروح عادى
_ لما يبقى مشروعنا ونقدر نتحكم فى كل حاجة ابقى روحى لكن مشروع مشترك يبقى الخلاف وارد جدا وانت صراحة عصبية لكن محمد باله طويل هيقدر يتصرف بسياسة
اتجهت عينيها نحو وجهه وقد بلغت الصدمة مبلغا واضحا منها لتتساءل
_ وحضرتك عرفت منين انى عصبية؟
لم ترجف ثقة ابتسامته ولم تتحرك عينيه فور أن التقط عينيها بين ناظريه
_ لأنى مهتم عرفت
_ مهتم !!
_ وفاء انت بقى لك معانا شهر واربع ايام ، انا عارف أنها فترة قصيرة أن حد يعرف التانى فيها بس انا راجل عملى وعمرى يخلينى اقدر احكم أسرع.
_ تحكم على إيه يا استاذ عمار ؟
_ على مشاعرى، انا بحبك يا وفاء وعارف أن بنا فروق كتير أهمها العمر بس انا من أول مرة شوفتك اثرتى فيا حاولت أشد قلبى بعيد عن طريقك ماقدرتش
رفرفت اهدابها بتوتر وهى تحاول أن تبحث عن كلمات لكنه لم يمهلها فيبدو بالفعل حازم لأمره وهو يتابع
_ ومش طالب منك أي حاجة غير انك تفكرى لو ليا فرصة هكون أسعد راجل فى الدنيا، ماليش عرفينى بس وصدقينى مش هتسمعى منى الكلام ده تانى ولا رفضك هيكون عائق فى شغلك هنا، انت مبدعة وإضافة للشركة وشهادتى فيك مجروحة.
تحرك رأسها عدة حركات بلا معنى وهى تنهض لتبتعد عن المكتب هاربة منه للخارج دون أن تهتم بالتأكد إن كانت تهرب منه هو ام تهرب من نفسها.
………
تحرك عثمان تجاه خارج الغرفة ينادى سهى التى لازالت تستعد لتصحبه للطبيب
_ يلا يا سهى بابا وصل برة
اقبلت مهرولة وهى تنهى ارتداء الحجاب
_ خلاص لبست
توقفت ونظرت إليه بتركيز وعادت تهرول للغرفة
_ فى دبوس ناقص
_ياألله
صرخ عثمان وهو يتجه نحو الباب لائما نفسه على تعجل أبيه الذى ينتظر خارجا لكنه بالفعل ينتظر نهاية هذا الفحص وكأنه ينتظر نتيجة اختبار سيتوقف على نتيجته حياته القادمة .
بعد ساعتين تقريبا كان عثمان فوق فراش الفحص بينما الطبيب يراجع الأشعة ليبتسم
_ ممتاز ممكن نفك الجبس النهاردة بس راحة تامة لمدة أسبوع وبعد كده حركة خفيفة واشوفك تانى
انشرح صدر عثمان ليظهر الرضا مظللا ملامحه والجميع أيضاً بينما تخفى وجهها من الطبيب خوفا من فرار الكلمات التي تخبر الطبيب أنه يتحرك بالفعل وأن نصائحه له لن يلتزم بها.
دخل عثمان للمنزل يتكأ على عكاز واحد ويسير قدر استطاعته لتهلل سهى
_ حمد الله على السلامة يا عثمان
نظر لها لتسعده سعادتها بينما اتجهت إلى الأريكة لقد وعدته أن تخبره عن صديقتها التى زارتها عدة مرات خلال الشهر الماضي دون أن يعلم من هي ولم يضغط عليها.
وقد تملل قلبه فقط لأن هناك من يشاركه فيها دون أن يعرف شخصيته لكنه يثق أن ما تخفيه لسبب مقنع .
جلس ثم انحنى يتحسس ساقه وقدمه برفق لتتساءل
_ إيه فى وجع ؟
_ لا ابدا انا مش مصدق انى اخيرا فكيت الجبس
_ اسكت انا كنت خايفة الزفت اللى بيفك بيه يعورك
ضحك عثمان لتلك الفكرة الطفولية بينما جلست
_ انا وعدتك اعرفك على صاحبتى اللى بروح ازورها ومش بقولك هى مين
رأت الشغف بين عينيه لتتابع
_ أول حاجة اوعدنى تسمعنى للآخر وتتصرف بهدوء
_ اوعدك يا سهى فى إيه قلقتينى؟
_ وانت في المستشفى خالتى تعبت شوية والدكتور قال سكرها عالى بس هى ماعندهاش سكر فقال ممكن حالة عارضة من الزعل بس لما خرجت من المستشفى تعبت تانى وعملوا سكر تراكمى واتضح أن فعلا عندها سكر فطبعا العلاج بقى يتعبها شوية لحد ما اتعودت وهى دلوقتى الحمدلله كويسة .
_ قصدك انك كنت بتروحى لماما ؟
_ ايوه وانا ماكدبتش عليك انا وهى بقينا أصحاب فعلا .
نهض عثمان فورا متجها للباب لتستوقفه
_ استنى يا عثمان
لكنه لم يستمع واتجه للخارج وبينما تلحق به فتح هو باب الشقة ليجد وفاء أمامه ، تراجعت للخلف وقد أوشكت على طرق الباب
_ حمد الله على السلامة يا بشمهندس ، ازيك يا سهى ؟ انت خارجة اجى لك وقت تانى؟
تابع عثمان تقدمه
_ لا يا بشمهندسة اتفضلى إحنا كنا برة وانا رايح عند امى ، خدى راحتك انت وسهى.
تعلقت به عينا سهى لتقترب منها وفاء وقبل أن تتساءل وتطرح فضولها قالت سهى
_ عرف أن خالتى جالها سكر
_ طيب انا همشى وروحى وراه
_ لا تعالى خالتى هتقدر تطمنه وانا اصلا قلقانة عليك
دخلت وفاء وأغلقت سهى الباب وبدأت فورا تتساءل عن أحوال وفاء التى تجيب بلا مراوغة ويبدو لها أن كل أمورها بخير ، بدأت سهى تفك الحجاب فور جلوسها
_ يعنى مرتاحة فى الشغل، وطنط بخير، وولاد عمك بيسألوا عنك علطول وبقيتوا أصحاب كل ده كويس بس انت فى حاجة مخبياها اتكلمى من غير لف ودوران
اختطفت وفاء نظرة نحوها تؤكد حديثها ثم قالت
_ صراحة ايوه فى
بدأت تقص عليها ما اخبرها به عمار وما طلبه منها وهى تستفيض فى شرح دعمه لها وفخره بها ، منحتها سهى الوقت الذي تحتاج وهى تبحث ما تخبرها به قبل أن تقول
_ انا مش هقولك خمستاشر سنة كتير اوى انا شايفة ده حاجة مش مهمة انا عاوزة أعرف انت بتحسيه ازاى ؟ شايفة عمار ازاى؟
_ انا بحب اوى بصته ليا
تساءلت نظرات سهى مع صمتها لتتابع وفاء
_ عنيه فيها حنية ماشوفتهاش أبدا حنية لما بيبص لى انا بس
_ وفاء خدى بالك أن انت اتحرمت من والدك ممكن يكون تعلقك بيه علشان تروى الجزء ده جواكى
_ مش عارفة يا سهى انا مش قادرة احدد مشاعرى
_ هو كلمك امته ؟
_ من اسبوعين تقريبا ومن يومها بيتعامل معايا عادى جدا لكن لما عينه تيجى فى عنيا
_ ايوووه بيحصل إيه ؟؟
_ كل حاجة بتتلخبط ، قلبى يدق وكلامى يتلخبط وعقلى يتشوش وهو زى ما يكون عارف وبيتعمد يلخبطنى
ضحكت سهى فما تخبرها عنه وفاء عشق خالص لكن وفاء نفسها لازالت عاجزة عن تقبله ، وكزتها وفاء مستنكرة ضحكها
_ خلاص مش هضحك، عموما اسبوعين فترة قليلة انك تحددى فيها مشاعرك خصوصا ان عندك تجربة فاشلة وواضح انك حاطة عينك عليها
طال الحوار بينهما لترى سهى أن وفاء تخشى أن تعترف بالحب خوفا من الألم، هى تتقبل كل مخاوفها فالقلب حين يعيش الألم طويلا يصبح هذا الألم هاجسه وقد عاشت وفاء الكثير والكثير من الألم.
عادت تلتقط الهاتف الذى يرن للمرة الثالثة وهى تتأفف
_ عاوز ايه عزيز دلوقتى ؟ ايوه يا عزيز
راقبت سهى المحادثة لحظات قبل أن تمنحها بعض الخصوصية وتتجه للمطبخ لتحضير كوبين من العصير وحين عادت كانت قد أنهت المحادثة
_ عزيز جاى عندنا ومصمم اكون فى البيت مع أنه هو وامى بقوا أصحاب وهو عندنا اكتر ما بيروح بيتهم
ضحكت سهى فمن الجيد أن تحظى صديقتها بأسرة ترعاها لطالما كان الفقد عامل سلبى يزيد من انفعال وفاء وانغلاق عالمها لكن حان الوقت الذى تحصل فيه على نصيبها من الدعم .
……….
دخل عثمان لمنزل والده مهرولا يقوده فزعه وكانت أمه وخالته تجلسان أمام التلفاز فى مشهد معتاد وقد انتفضتا معا لرؤيته وقد تحرر ساقه من الجبيرة وقبل أن تتلقاه أذرع هنية كان مستقراً بصدر هالة بشكل أسرى بعض الوخز الناتج عن الغيرة بصدر هنية بينما عثمان لم يلتفت لها من الأساس وبدأ يطرح انفعاله
_ ماما انتو ازاى تخبوا عليا انك تعبانة؟ لما انا ابنك مااكونش جمبك مين هيكون؟ انت عاملة إيه دلوقتى ؟ منتظمة على العلاج ؟ بيتعبك؟
ترقرت الدموع بعينى هالة وهى ترى الفزع يحتل قلبه لأجلها بينما شعرت هنية أنها طالما عاشت دورا غير دورها هى لم تكن أما لعثمان مطلقاً ، بالطبع لها مكانة خاصة بقلبه لكن اختها ؛ أمه هى صاحبة الجزء الأكبر منه
_ أهدأ يا عثمان انا كويسة ، اقعد يا حبيبي ماتخفش
جذبته ليستقر بجوارها وقد نسى تماما أمر هنية التى عادت للجلوس وهى تطمر الغيرة التى طالما شعرت بها تجاه هالة.
…….
وصلت وفاء للمنزل وكان عزيز يجلس برفقة أمها التى تضحك بسعادة لتقترب متسائلة
_ ازيك يا عزيز ؟ وريم والبيبى عاملين ايه ؟
_ كلنا بخير ووفاء الصغيرة عمالة تحلو وشكلى هاكلها قريب
عادت أمها تضحك وهى تتجه للمطبخ
_ وعلى إيه تاكل البنت وامها تعبانة فيها؟ اتجوز وخلف وابقى كل عيالك زى القطط
ضحك عزيز وهو ينظر نحو وفاء التى تبتسم وقد جلست محافظة على المسافة بينهما متسائلا
_ إيه رأيك ؟
نظرت له بدهشة
_ فى إيه ؟
لتكن إجابته سؤالاً آخر
_ تتجوزيني!!!