قصص

قصه غرفة التشريح

القصة حقيقية من تجميعي الخاص على لسان راويها.
الحق هيرجع لصحابة… والظالم عقابة شديد، اما بقى المظلوم فحقة عند ربنا…
كل الجُمل دي بتدور حول هدف واحد وهو الظالم والمظلوم، قصتنا النهاردة نوعها غريب، ممكن كتير من الي هيقرأ يبقى عارف مغزاها، لكنه مش عارف طريقتها.. وعلى قد ما القصة دي هتكون صعبة ومأسوية.. على قد ما هتبين حاجات كتير اوي صعبة.
أنا عوض حمدلله، انسان بسيط.. بخاف من ربنا، فلما الدنيا تبتدي تتغير ويبتدي حاجات غريبة تظهرلي بالشكل ده لازم اخاف، ولو مش هخاف من بكره فهخاف من النهاردة واللي هيحصل في، انا عندي خمسة وعشرين سنة عايش مع عمتي توحيدة الوحيدة.. اسم غريب شوية، بس هما في المستشفى عندها بيقولولها يا وحيدة عشان دايمًا بتحب تقعد لوحدها ومبتحبش حد يساعدها، وفي فترة لما سيبت الشغل، او بمعنى اصح اتطردت منه بسبب مدير معندوش ضمير بيسرق الناس وعايزني ابقى واقف بتفرج، لكني وقفت قصادة مع اني عارف ايه النتيجة اللي هتحصل لو عملت كده والفعل زي ماكنت متوقع اتطردت، فلما عمتي توحيدة لقيتني مش لاقي شغل وقاعد في البيت من غير شغلة ولا مشغلة، نزلتني شغل معاها في المشرحة اللي هي شغالة بس شيفتات متنقلة، مره الصبح، مره بليل، مره الضهر… يعني بعيد عن عمتي اللي شغالة شيفت بليل، واهو اكل عيش.. هتسألوني شغال ايه فانا عامل نظافة.. شغلانة مش كبيرة، لكنها شريفة عقبال ما الاقي شغل تاني.. وفي يوم واحد شغال معانا سافر الصعيد ومبقاش غير انا وحسام فهو خد شيفت الصبح ، وانا خدت بليل الاسبوع ده لما قولتله اني كده كده فاضي.. في اول ليلة ليا في الشيفت لما نزلت مع عمتي واول ما وصلنا المشرحة لقيتها سابتني اكنها متعرفنيش.. حطيت في ودني السماعات وفضلت مشغل اغاني للست ام كلثوم وانا مندمج وشغال بنضف في المكان اللي كان قذر بمعنى قذر.. دم متجلط في كل حته.. ريحة فيران ميته… ده غير ريحة الدم الطازة اللي طالع من كل جثة.. لكن اكل العيش مُر وكان لازم استحمل ده كله بردو..
في نفس الليلة الملعونة دي لقيت عمتي توحيدة ماشية في الطُرقة وهي عمالة تتلفت حواليها من غير ما تنطق ولا كلمة.. ملحوظة عمتي توحيدة هي ممرضة في المشرحة.. فأنها ماشية ناحية اوضة التشريح ومفيش جثث جديدة وصلت اصلا دي غريبة على قد علمي يعني، معرفش ايه اللي خلى رجلي تشدني ورا عمتي أشوفها رايحه فين.
وبالفعل وقتها كانت رايحة ناحية اوضة التشريح اللي كان طالع منها صوت واحده بتعيط بصوت عالي، قربت من الاوضة ورميت وداني زي ما بيقولوا وانا سامع عمتي بتقول:
-معلش يا أم حسام… ازاي يعني اللي بتقولي ده.
ردت عليها وهي بتبكي:
-والله العظيم زي ما بقولك كده يا توحيدة، كنت هناك ومش شايفه اي حاجه.. وصلت المطار بتاع السعودية وكل اللي في جيبي لقيتوا اختفى، حتى الباسبور كان ضاع مني، ماكنتش عارفة اروح فين ولا اعمل ايه لغاية ما واحد ابن حلال ساعدني عشان اعرف ارجع مصر، فبدل ما المدير هنا يساعدني يبقى عايز يمشيني عشان ليلة زيادة غيبتها عن الشغل وسط الظروف دي.. لا والاقي رميني انضف بعد كل اللي عملته.. على اخر الزمن انضف المشرحة يا توحيدة..
ردت عليها عمتي وكلها حزن:
-معلش يا حبيبتي، خير خير.. انتي عارفة مفيش حاجه بتيجي بالساهل زي ما بيقولو… بس زي مانتي عارفة يعني ماكنش ينفع تضيعي حاجاتك.
في اللحظة دي ام حسام انفعلت:
-اتسرقت.. اتسرقت يا توحيدة، اعمل ايه طيب؟؟.. اروح اقول للي سارقني اللي اصلا معرفوش ونبي رجعلي الباسبور عايزة اروح بيتنا.
-طب اهدي بس خير خير.. وانا هساعدك في تنضيف اوضة التشريح.
-لالا تساعديني ايه، هو ذنبك انتي يعني!!.. أنا هتصرف وهخلصها بسرعة، وهشوفلي صرفة مع المدير ده.
في اللحظة دي كانت عمتي توحيدة في طريقها للخروج فكان لازم استخبى عشان متشوفنيش، لكن الغريب انها كانت لسه بتتلفت حواليها لما لقيتها وصلت لثلاجات الموتى ولقيتها بتفتح تلاجة من التلاجات وهي بتاخد حاجه منها.. اه والله العظيم في لحظة لقيتها دبت ايديها في الجثة بكل هدوء وخدت حاجه حطيتها في شنطة وهي بتتلفت حواليها يمين وشمال وخرجت من الأوضة وكأن شيء لم يكن!!..
تبقى مش فاهم حاجه لما تفتكر ان الليلة تنتهي على كده!!.. في لحظة خروج عمتي من الأوضة لقيت حد لمسني من ضهري، فبكل تلقائية صرخت صرخة بصوت عالي من الخضة، بعدها سمعت صوت شخص بيقول:
-اهدى كده اومال، انا لو مش شاكك فيك انك بتعمل مصيبة، هبقى شكيت فيك دلوقتي.
لفيت ضهري وانا بقول بكل خوف:
-والله العظيم ما بعمل حاجه، هكون بعمل ايه مع الميتين يعني، لا ينفع اواسيهم ولا حتى ينفع اسرقهم.. فا ايه اللي هعملوا بقى؟
وقتها كان دكتور اللي بيكلمني وهو بيقول:
-لا ينفع تعمل كتير، انت عارف عضو واحد في جسم الأنسان يجيب كام.. ده عين واحدة تعيشك ملك.
-والله يا دكتور انا مبفهمش في الحاجات دي، انا كل اللي افهمه اني لقيت واحده داخلة الأوضة دي مشوفتش وشها لقيتها حطت ايديها جوه جثة من الجثث وطلعتها مره تاني.. لكن انت فاهم طبعا الايد لما تطلع بتطلع مليانة.
لقيت ملامح الدكتور اتغيرت وهو بيقول:
-انت متأكد من اللي انت شوفته ده؟!
-اه والله يا دكتور، حتى حطت ايديها على التلاجة رقم 5، لو مش مصدقني ممكن تشوفها بنفسك.
بالفعل فتح الجثة دي مره تاني واكتشف ان الكبد منها متاخد.. في لحظة كان دايس على زرار في الحطية، ومن الصوت اللي طلع بعد ما داس على الذرار اتضح انه ذرار الأنذار، وفي ثواني المستشفى كلها كانت اتجمعت عند الأوضة وكلهم محاوطني، وفي وسط الدايرة المعمولة عليا دي لقيت مدير المستشفى داخل وسطها وهو بيزعق وبيقول:
-ايه المصيبة الجديدة يا دكتور عمر.
رد عليه دكتور عمر بكل غيرة عن شغلة:
-المصيبة واقفة قصادك اهي يا دكتور عبد المنعم.. احنا في مصيبة.
من الواضح من كلام دكتور عمر ان المصيبة دي كانت انا، لان ماكنش في حد متوسط الدايرة دي غيري انا والمدير ودكتور عمرى، فبكل تلقائية قولت:
-اقسم بالله ما عملت حاجه، انا شوفت واحده دخلت الأوضة واخدت….
بعدها شوفت عمتي توحيدة قصاد عيني بتبص في الأرض ومتوترة، اتبعها ام حسام وهي بتجري على الأوضة تشوف في ايه.
اتبع اللي شوفته صوت المدير وهو بيقول:
-ماتنطق قول شوفت ايه الا وديني هحبسك دلوقتي.
كملت كلامي وانا مستسلم للي بيحصل تمامًا لأني خلاص لبست المصيبة:
-شوفت واحده ست بتحط ايديها جوه جثة وبتاخد منها حاجه.. الله واعلم بقى ايه هي الحاجه دي، لكن دكتور عمر قال انه الكبد.
المدير بص لدكتور عمر وقال:
-صحيح الكلام ده؟
رد دكتور عمر وهو باصصلي وقال:
-صح يا دكتور عبد المنعم، والممرضين كلهم موجودين اهم، يعني الباشا اكيد هيعرف يميز مين اللي عمل الجريمة دي يا إما.
كمل المدير وقال:
-يأما يكون هو اللي عمل كده او حد تبعة.. ومفيش حد يعمل الحركة دي غير أم حسام عشان نسهل تدوير عن صاحب المشكلة.
في اللحظة دي ام حسام صرخت وقال:
-وربنا ما عملت حاجه، انا كنت بنضف اوضة التشريح زي ماطلبت مني…
قولت وانا الدمعة هتنزل من عيني ومش عارف اللي بعملة ده صح ولا غلط، لكني كنت مُضطر:
-اللي عملت كده توحيدة… عمتي.
كل اللي واقفين اتصدموا من اللي قولته اولهم المدير لما قال:
-انت متاكد يابني!!.. توحيدة دي اشرف من الشرف!
-ايوه متأكد يا دكتور.
بعدها بصيت لعميتي وانا الدمعة هتنزل من عيني:
-ليه كده يا عميتي؟؟.. ليه تسرقي اعضاء.
عمتي كانت بتعيط وقتها وهي بتبص في الأرض وساكته تماما مش بتنطق غير كلمة واحده:
-انا معملتش حاجه.
حاولوا ينطقوها يخلوها تقول كانت بتعمل ايه، لكنها كانت ساكتة تماما مش بتنطق، الشرطة جت واخدتها وانا كنت قاعد في المستشفى مش مقتنع بكل اللي حصل ده، حاسس ان في حاجه غلط، في حاجه ناقصة أنا مش عارف ايه هي… كنت هروح البيت لكن هروح فين.. هروح بيت الست اللي حبستها، وفي نفس الوقت فضلت قاعد في المستشفى عشان اقرر الخطوة الجاية هعمل فيها ايه وهبات فين، لكن القدر بيخليني اعدي قصاد اوضة فيها راجل وست بيتكلموا، صوتهم هما الاتنين كان مميز بالنسبالي بالرغم من وصولي المستشفى النهاردة.. لكن في بعض الحاجات اللي بتعلم معاك في فترة صغير.. بالذات لما تكون الحاجات دي مشتركة في حبس عمتي، اللي كانو بيتكلموا هما ام حسام ودكتور عمر لما دكتور عمر كان بيقول:
-يعني ايه مش هتكملي يعني!… متستعبطيش، انتي عارفة لولا ان وردية دكتور مصطفي مبعرفش اشتغل فيها ماكنتش اتحوجتلك.
ردت عليه وهي خايفة:
-بقولك ايه يا دكتور.. احنا متفقناش انك تحبس الست الغلبانة.. هي عشان بتساعدني وبتسترني تروح راميها في الزنزانة.. دي ساعدتني وخدت بايدي رغم اللي بعملوا ومرضتش تفتن عليا وعلى اللي بعملوا، اروح بكل برود حبساها واكمل في الشغلانة الشمال دي..
في اللحظة دي طلعت موبايلي وصورت صوت وصورة.. بعدها دكتور عمر كمل كلام وقال:
-شمال ايه يا ام حسام، ده انتي من كتر شغلك الشمال روحتي تعملي عمرة اتسرقتي واتحبستي هناك لغاية ما حد عطف عليكي.
ولا شغلك الشمال اللي خلى المدير قافش عليكي لما فطعتي عليه حنفية الراحة.. الشغل ده مبيخشش عليا بقولك، ولو مكملتيش فالفديوهات اللي في اوضة المدير هتطلع وانتي اللي هتزعلي، انا حبست الست عشان متنطلناش زي كل مره وتبوظ الشغلانة، تقومي انتي تخلعي.
ردت عليه والدموع بدأت تنزل من عنيها:
-خلع كتفك يا بعيد زي ما بتشردني كده.
-الكتف ده يا روح امك اللي بتحطي بالعمل بتاعة في الجثث قبل ما ندفنه.
بدأت تعيط وتحب على رجلة انه يسيبها لكن في اللحظة دي كان لازم اتدخل واقطع الحوار بينهم قبل ما اسلم اللي سجلته للشرطة لما دخلت الاوضة وانا بسقف تعبيرًا عن فوزي بمعركة كانت مبدأتش مع لحظة رزع الباب وراه اتبعة صوت تسقيف مع صوت المدير وهو بيقول:
-شاطر.. قفشتنا، بس مش ذكاء.. بالعكس، ده غباء من البية اللي سايب الباب مفتوح للي رايح واللي جي يسمع بيقول ايه… بس ملحوقة، حقنة هتقعدك في السرير اسبوعين مرضي مبتنطقش بعدها هتقابل رب كريم، واهو نستفيد من جثتك بعمل بس المرادي العمل هيبقى بتاع ناس تقيلة اوي، وشوف هيدفعوا كام بقى.
ايدي كانت شغالة مع على الموبايل وانا بتكلم بكل توتر وبقول:
-هتتحبسوا.. هتتحبسوا على كل جريمة عملتوها.. مش بس كده، هتتدعموا وتبقوا عبرة لمن يعتبر.
المدير ضحك وهو بيقول:
-وهتبقى عبرة ازاي بقى طالما هتكون لمن تعتبر.. سيبك انت من الكلام ده وقولي انت بالغباء ده ازاي عشان تحبس عمتك بكل سهولة كده، يا أخي ده مهما كان دي خيرها عليك.
رديت عليه بسؤال بيدور في ذهن كل واحد فيكوا دلوقتي:
-انت ازاي طابخ معاهم الحوار ده كله، وكنت عايز تلبس الست الغلبانة دي الموضوع كله، مادنتش خايف تعترف عليكوا لو اتقبض عليها؟
-محدش هيصدقها، ولو صدقوها.. اثبت، مفيش حاجه علينا.. بالعكس انكارها كان هيفدها اكتر.
في اللحظة دي دكتور عمر نتش من ايدي الموبايل وهو بيقول:
-الحق يا يا باشا ده بعت التسجيل لعمته… مكتوب توحيدة اهو.
ضحك وقال:
-وده هتفتحوا ازاي بقى؟.. في التخشيبة انشاء الله؟
وش عمر اتقلب وهو بيقول:
-اتفتح يا دكتور، اتفتح هو وفويس مبعوته بكل اللي قولته حالا… احنا لازم نهرب حالا يا دكتور.
بكل ثقة قولت:
-لحظات الشرطة هتبقى على باب المستشفى، اصل الميزة في عمتي توحيدة انها على قد ما هي ساكته وطيبة، على قد ماهي غلبانة مالهاش في التكنولوجيا بتسيب الداتا بتاعتها مفتوحة دايما.
كملت كلامي بسخرية وقولت:
-عشان كده تلاقيها بتخلص بسرعة، ومن ستر ربنا الامين وهو بيفضي احتياجتها الفضول جابة يفتح التسجيلات.. حظك بقى يا دكتور.. حظك انت وكل واحد فاكر ان شغلة الشمال مش هيبان .
في لحظة لقيت مشرط كان في رقابتي، دمي كان بيسيل واتنين لابسين بالطوهات بيجروا بره، مفيش غير ام حسام قاعدة بتوقف نزيفي، نبضات قلبي كانت بتبطيء اكتر من الاول.. صوت طلق ناري سمعتة في الطرقة اتبعه ترولي جه ياخدني للعمليات..
بعد مرور اسبوعين.
طبعًا كلكوا مش فاهمين حاجه صح، وده الطبيعي على فكرة يعني متتخضوش.. لكن اللي مش طبيعي ان مدير المستشفى ودكتور عمر وام حسام التلاتة كانو بيعملوا مخطط اجرامي كبير في انهم بيتفقوا مع دجاليين عشان ياخدوا عضمة الكتف عليها اسحار ويحطوها، وطبعا بياخدوا ملايين من الموضوع ده لانها ماكنتش اي اعمال، دي كانت اعمال لناس كبيرة، جزارين على تجار خشب وغيرة.
انا فين بقى فأنا في الشارع، مقدرتش ابص في عين عمتي توحيدة ثانية واحده بعد ما طلعت من الحجز وانا متهمها زور، وده بعد ما فوقت من غيبوبة قعدت معايه اسبوعين ودلوقتي بشتغل وبدفع ايجار اوضة صغيرة على سطح لغاية ما ربنا يفرجها.
تمت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى