روايات شيقهرواية الغزال الباكي

رواية الغزال الباكي الفصل الخامس

الفصل الخامس

امسگ الملف وقام بفتحه بفضول شديد، وحين قرأ أول حروف سردت منه شعر أن مقلته اجبرته على الغوص والابحار داخل بحور من الأحزان، اخذته موجه تلو الاخرى، لم ينتبه لما تقوله وتقصه “آلاء” عنها، وعندما ايقنت أنه ليس مستمع لها، تركته وتوجهت للمطبخ تعد لهما قدحان من القهوة، ولاحظت اندماجة معها، ولمعة عيونه من التأثر.
وضعت القهوة أمامه، وقدمت فنجانه ليتناوله، ثم سألته في فضول:

– اخدگ للدرجة دي كلامها؟

رفع بصره وما زال في يده متشبث لما جاء صدفة إليه، ووقعت عيناه عليه وقال في استسلام:

– هو مأخدنيش وبس، تقدري تقولي أنه خطفني من أول نظرة؟
– للدرجة دي؟
– وأكتر من كده كمان !!
اية كمية الوجع اللي سردته ده، للدرجة دي في رجاله، لا سوري في اشباه رجال عايشة في وسطنا.
– مع كل آسف في كتير من عينة جوزها؟
– عندگ حق، بس هي مش حلوة عشان يشوفها بالبشاعه دي؟

ردت باندفاع شديد نافيه قوله:

– ابدا يا أمان !! روحها قبل شكلها غاية في الجمال، ورقتها واسلوبها راقي، وفوق كل ده موهوبه جدا في شغلها، لكن نصيبها وقعها مع شخص مش مناسب، وعشان كده حلها عندگ انت.
– ازاي؟
– هو اية اللي ازاي؟ انت مش دكتور تغذية ومشهور، وبيجيلگ ناس مشاهير تخس، والنتايج بتكون موفقه جدا، مستحيل غزال هتستعصي عليگ يادكتره.

كان يستمع لها ولا يعلم لماذا ازدادت نبضات قلبه حين سمع حروف اسمها الغير متداول كثيرًا، لكن اذناه احبت سماع حروفه، وهذا ما ازعجه وارهبه، أيعقل أن من بعد هجرانه لكل شيء انثوي بعد وفاة زوجته، لماذا حدث غير ذلگ الآن، وقلبه خانه في خفقاته، وهو لا يعلم عنها أي شيء غير اوجاع واحزان..؟!
ظل صامت ولا يرد، ولم يجد ما يقوله غير أنه امسگ الملف وسار نحو الباب وفتحه تحت انظار “آلاء” المتعجبه، ونزل أسفل لشقة والدته التي فتحت الباب متعجبه من حالة شروده، سأل عن صغيره الذي جاء للتو عندما سمع صوته، واخذه وانصرف دون حديث، وتوجه لمنزله وحالته في غنى عن أي حديث، اطعم ابنه ثم تركه يلعب في غرفته بألعابه، ودخل إلى غرفته ليأخذ حمامًا ينعش جسده، وينسى أي احساس طرأ عليه للحظة، مر وقت طويل عليه وهو مغمض العينان، والمياة تتساقط عليه شعورٍ غريب اجتاح اوصاله وسيطر عليه، فهو ليس بمراهق لما يحسه، لكنه ربما اشفق على حالتها لا أكثر، نعم هو مشفق لمعاناتها، حين توصل لهذا الحل، انهى حمامه وارتدى ملابسه، وخرج ليستلقي على فراشه، ولمح هذا الملف موضوعًا جانبه، اخذه واضاء الاضاءة بجانبه، وأعاد قراءته مفصلا وبتركيز عالي، استفاق من حالة التيه التي اصابته على رنين هاتفه، وحين رد قالت “آلاء” متعجبه:

– مشيت ليه يا أمان من غير ما تقولي رأيگ اية في حالة غزال؟
– رأي من ناحية اية بس يا آلاء؟
– طبعا في قبول الحاله، امال هيكون في اية مثلا؟
– عشان اقبل غزال، لازم يكون عندها الدافع والارادة والتحدي لدخول مرحلة العلاج.
– هي عندها طبعا، لكن مهزوزه.
– يبقى دورگ معاها انگ تأهليها نفسيًا على التغيير، ولما تيجي هيكون ليا كلام تاني معاها.
– اشطااات اتفقنا يادكتره، شكرا جدا يا أحلى دكتور تغذية، واجمل اخ.
– كل ده عشان وافقت، ماشي يا لولو، أنا تحت امرگ ومقدرش ارفض طلب ليكي ابدا.
– عارفة يا أمان، وربنا ميحرمنيش من اخوتگ ابدا يارب، اسيبگ بقى عشان أنا ميتة من التعب ونفسي أنام.

اغلقت معه ثم غاصت في نوم تمنت أن يأتي فارسها ليخطفها في اعماقه؛ لكنه ابى أن يلبي نداءها، بل هاجمها بوابل من الذكريات التي جعلتها تغوص معه في عالم الخيال مع من أحبته وتمنت أن تكمل الباقي من حياتها بجواره، لكن القدر حكم عليهما بالفراق، انسالت ادمعها فوق اخاديها، فحفرت شق لتجري فيه بقوة حتى تسرب داخل كهف مظلم في ثنايا قلبها لترسى في النهاية داخل بئر عميق مليئ من الدموع الحارقة عندما تذكرت اخر لحظاتها معه، فقد كان يلوح لها بيده من اسفل شرفتها، مودعها في اخر وداع وهي بعيدة عنه، كانت ساعات قليلة ويجتمعان تحت سقف منزل واحد، وبمجرد أن اولاها ظهره وسار ليعبر طريقة، حدث ما شقلب حياتها وجعلها تكاد ان تقفز من الشرفة بمجرد أن جاءت سيارة مسرعة وأودت بحياته في الحال، فـ صوت نواحها عليه يصل لعنان السماء، هرولت نحوه تطاير سرعة الرياح احضنته وصوتها منبحوح باسمه تترجاه بالا يتركها، بينما هو أخر كلماته لها كانت توصيته لها بأنها لا تنساه مهما مر عليها الزمان.

استفاقت من ذكراها على صوت شهقاتها وبكاءها احتضنت صورته وقالت:

– عمري ما هقدر انساگ يا أحمد، مهما يحاولوا يطفوا نور حبي ليگ، عمري ما هسمح هقيد الف شمعه وشمعه عشان تفضل منوره ومتوهجه جوة قلبي، انا قفلت قلبي وروحي عليگ، انا على عهدي معاگ.. استناني يا حبيب العمر مهما اتاخرت عنگ، هيجي يوم والقاگ.

استمرت في البكاء لوقت لا تعلم مداه، وغفت من كثرته. ونامت في رحلة جديدة في الهروب من واقع مرير.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

انتظرت والدة غزال شروق الشمس بفارغ الصبر، عيونها لم تذق طعم النوم، متشوفة بلهفه أن تراها وتطمئن على حالتها، الساعات تمر ببطئ شديد، وها هو جاء موعد الزيارة، حملت حفيدها، وتوجهت برفقة ابنها إليها، وصلت إلى المشفى وركضت نحوها تضمها بحنين، لاحظ تغيرها الجزري، عادت لها ابتسامتها بعد طول هجران، اخيرًا تفتحت ورودها وهل الربيع إلى وجنتيها وتوردت من جديد، تناولت ابنها “شادي” من اخاها فكم اشتاقت لضمة صغيرها الوحيد، اغمضت مقلتيها واخذت زفيرًا عميقًا اشتمت رائحته، وغمرته بوابل من القُبل في كل أنش وَفي وجهه، ودموعها تتساقط بغزارة على ماصلوا إليه من فراق لأيام، ظلت تبكي وتتأسف له وتعتذر بأنها لم تجيد له اختيار الأب المناسب له، رق قلب “سند” وربت على كتفها ثم ضمهما تحت جناحة رادفًا:

– وانا روحت فين يا غزال، ابنگ في مقام ابني ويارب يقدرني ومحسيهوش ابدا انه محروم من حنان ابوه، هما مش بيقولوا الخال والد برضو؟
– امال يابني ربنا يخليگ لينا وميحرمناش من عطفگ يا سند يا ابن بطني ابدا.

ابتسمت” غزال” وقالت وهي تشتد على يده مأكده:

– ربنا ميحرمنيش منگ يا سند، انت مش اخويا وبس؛ انت اخويا وابويا وصديقي وكل حاجة ليا، كنت ابويا اللي بيغمرني بعطفه بعد بابا ما مات، عمري ما حسيت انه توفى، ووقت النصيحة بتكون اخ يشد ظهري ويسندني، ودلوقتي ابني هيتربى في حضنگ، هحتاج اية تاني، الحمدلله على كل حال ونصيبي انا رضيت بيه.
– وانا ربنا يقدرني واسعدكم ومخلكمش محتاجين لأي حاجة يارب.

آمنت كلا من الأم وابنتها على قوله، ثم جلسوا يتسامرون مع بعض، وتسائلت “غزال” عن ابنها الذي طمنها اخاها بأن زوجته ترعاه مثل ابنها، شكرته ودعت لها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

و جاء موعد رحيل “فؤاد” وسفره بعيدًا عن كل العيون التي تلاحقه وتتهمه بأنه من تسبب في هدم منزله، ودع والده والحزن يعتليه كل منهما، فقال له والدموع متعلقه على طرف اهدابه مهدده بالسقوط:

خلاص هتسبني وتسافر يا فؤاد؟ ده العمر مش باقي فيه الكتير يا بني؟
– ربنا يديگ طولة العمر يا حج، ليه بتقول كده بس؟ هي سنة ولا سنتين واجيلگ، ولو عجبني الحال هناگ هاخدگ معايا.
– اللقا نصيب يابني، وانا حاسس أن دي هتكون اخر مره تشوفگ عيني فيها وايدي تحضن ايديگ.

لم يتحمل سماع حديثه، وارتمى داخل احضانه يبكي مثل الطفل الصغير الذي يودع أباه في اول يوم دراسي له، لكنه في هذه المره لا يعلم حقًا متى العوده، واللقاء متى سيكون؟
ربت “محمود” على كقته ودعا له أن يوفقه فيما اختار، فكم مره نصحه بأن الهروب ليس هو الحل لمشاكلة، وانه لا بد من مواجهتها، لكنه كما اعتاد منذ صغره مبدأ الهروب هو الحل الأمثل بالنسبه له.
سافر لبلاد بعيده دون أن يفكر مجرد تفكير في رؤية صغيرة وتوديعه في اخر لحظة، لم يفكر في شيء إلا البعد لعله يهدأ ويعود في يوم أفضل مما هو عليه، ويستطيع مواجهتها والنظر في عيناها مره ثانية.
ولكن بقى السؤال متاح امام ناظره؛ هل سيعود من جديد؟ وكيف سيواجهها بعد ما فعل بها؟
سافر بفؤاد خالي وبتأنيب ضمير يعذبه، ولا يجد طريقة لوأد هذا الضجيج وصمته ليخرس دون رجوع.
ولا يعلم كيف سيكون مصيره في بلاد غريبه، جاهلا بكل عاداتها وتقاليدها، لكنه هو من اختار، وعزم على تنفيذ اختياره دون أي اجبار من احد، فعليه الصمود مهما عانى من غربه وجفا بعيدًا عن أحبابه؛فـ احيانًا يكون الهروب أفضل الطرق من وجة نظره.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

ومرت الأيام تلو أسابيع و حالة “غزال” النفسية تحسنت بشكل ملحوظ للجميع، ويرجع ذلگ في فضل وجود احبابها بجانبها، وايضًا جلسات العلاج النفسي مع الدكتورة “آلاء” و تعودها للحديث وعدم كتمان أي شيء بداخلها، وجاء اليوم الذي ستخرج منه بعد أن اطمئنت عليها بأنها أصبحت “غزال” غير التي دخلت من قبل، عانقتها بحب واخذت منها عنوان وارقام الدكتور “أمان” وقررت أن تذهب إليه في أقرب وقت.
وعندما دلفت بقدمها داخل شقتها، شعرت بنقباضة ووخزه بفؤادها، كل ركن من أركانها يذكرها بكل حرف نهرها فيه، حاولت أن تجد ذكرى واحده تمسح كل الذكريات السيئة، فـ لم تجد إلا المرار، جذبتها والدتها لتجلس وتستريح، استقبلتها زوجة اخيها بالترحاب الشديد والقبلات الحاره، ثم قالت في خجل:

– آسفه يا غزال اني مروحتش ولا مره المستشفى اشوفگ، بس معرفتش اسيب الولاد فين.
– انا اللي آسفه يا سمية اني تقلت عليكي الفتره اللي فاتت وتحملتي فيها شادي.
– ازاي تقولي كده؟ احنا اخوات وعشرة وابنگ زيه زي ولادي، و ماما ربنا يديها الصحه وسند كانوا معايا، كلنا لازم نكون سند لبعض ومفيش شكر بين الحبايب.

ابتسمت لها “غزال” بحب، وردت والدتها في فخر وتقدير:

– طول عمرگ بنت اصول وبتعرفي في الواجب يا سمية، والله زين ما اختار سند ابني، عرف ينقي شريكة حياته بصحيح، ونعم التربية.

اقتربت منها “سمية” وقبلتها بحب وقالت:

– ربنا ميحرمنيش من رضاكي عليا يا ماما، هدخل اغرف الأكل على طول زمانكوا واقعين من الجوع.
– اه وحياتگ ياحببتي، انا حرفيًا واقع من الدور العاشر.
– هوا يا روحي.
– مش عايزة طيب مساعدة؟
– لو الحماس قاتلگ اوي، تعالى اعمل السلطة.
– عيوني يا قمر، هغير هدومي وهاجي فريره.

دخل ليبدل ملابسه بثياب مريح، ثم توجه إليها لينفذ ما طلبته، وعيون “غزال” تلاحقه وأذناها تستمع لعذب حديثة، وتتذكر كم من المرات كانت تطالبه بمشاركتها في عمل أي شيء، لكنها كانت دائما تستمع نفس الرد المتكرر؛ انه ليس من تخصصه فعل اي شيء داخل المنزل، وهذا من عملها، يكفي عليه تعبه وإرهاقه في العمل، اغمضت مقلتيها بوجع، ثم نهضت داخل غرفتها، وحينما دخلت وجدت كل شيء في مكانه وكأن شيء لم يكن، فـ “سند” قام بتغيير المرآه المكسوره بأخرى، ويا ليته يستطيع اصلاح ما كسر بداخلها مثلما فعل بمرآتها ؟!
اما زوجته رتبتها كما كانت، و وضعت كل شيء في مكانه، تبسمت على حنيه وعطف اخاها، وضعت صغيرها النائم في مهده، ثم بدلت ملابسها وتوجهت نحو المطبخ وقالت له:

– شكرًا على كل حاجة عملتها ولسه هتعملها عشاني، شكرًا على وقفتكوا جنبي، اللي خلتني اقدر اقف من تاني.

ترگ تقطيع الطماطم، وامسح يده في منديله، وضمها بحب وقال :

– مفيش بين الأخوات شكر، انتي بنتي يا غزال من قبل ما تكوني اختي، وقولتلگ مليون مره قبل كده، انا سندگ وظهرگ، وطول ما انا عايش متشليش هم لحاجة ابدا.

قبلها من جبهتها، ثم اخرجها لترتاح ورفض بشده مساعدته، ابصر زوجته فوجدها عيناها تلمع بسعادة، فسألها:

– مالگ ياحبيبتي بتبصيلي بعيون بتلمع ليه كده؟

تقدمت نحوه وهمست بحب وعيناها تحتضنه بشوق رادفة:

– عيني بتلمع من الحب والفخر انگ جوزي وحبيبي وابو عيالي.
انت مفيش ست في الدنيا متتمناش واحد زيگ، في حنيتگ عليها وعلى اختگ و والدتگ، انت جايب كل الحنان ده منين؟
– من عند ربنا، زرعة في قلبي عشان اغرق بيه كل اللي بحبهم، بس خلي بالگ لتغرقي.
– هو أنا لسه هغرق فيه؛ أنا غرقت من زمان، ونفسي مطلعش من بحر حنانگ ابدا.
– أنا بقول نلم نفسنا عشان احنا مش في بيتنا يا بنت الناس، ولو حد لمحنا شكلنا هيبقى مش حلو، نخلص غدا ونشوف موضوع الحنان ده بعدين.
– اوگ يا سندي، زي ما تحب ياروحي، انا من ايدگ دي، لايدگ دي.
– سمية اعملي معروف مش وقت دلع، انا جعان، وانتي عارفه لما بجوع مش بعرف اشوف قدامي، اغرفي الأكل الله يرضى عليكي.

ضحكت عليه و غرفت الطعام، ونادت على “غزال” لتناوله اياه وتضعه على المائدة، وتجمعت الأسره كلها وتناولوا الطعام في راحة بال كانت غائبة عنها والآن فقد عادت من جديد، احساس الغربه مميت كانت تشعر أنها مثل الطائر المهاجر الذي ترگ عشه دون ارادته بفعل الاعاصير، واجبرته على الرحيل، والآن عاد لنفس المكان وبنى عشه واكمله، و اكتملت فرحته من جديد.
لم تتناول الكثير برغم تعدد اصناف الطعام ومذاقها الجيد، سعادتها جعلت معدتها تمتلئ، ونهضت لترتاح في غرفتها، فسألها “سند” :

– قومتي ليه ياغزال، الأكل معجبكيش، تحبي اطلبگ البيتزا اللي بتحبيها؟
– لا والله الأكل جميل جدا، لكن أنا الحمدلله شبعت، تسلم ايديگ يا سمية، فرحتي بلمتنا شبعتني، ربنا ميحرمنيش من لمتكوا حواليا يارب.
– بالف هنا وشفا عليكِ، انا بقول على بليل كده اخد العيال واروح شقتي.
ليه يا سند، ارجوگ خليگ معايا، أنا بطمن لما تكونوا جنبي، بلاش تسبني الفترة دي، الشقة كبيرة، ماما هتنام معايا، وانت وسمية في اوضة الأطفال، والأولاد في اوضة المعيشة، نفرد الكنبه هتبقى سرير، عشان خاطري خليكوا معايا، ولا انتي مش عايزة تقعدي معايا يا سمية؟
– لا والله ما اتكلمت يا غزال، انتِ عارفة انا بحبگ اد اية، ومعنديش مانع خالص، واللي يقول عليه سند انا موافقه عليه من غير كلام.
– خلاص يا سند مراتگ موافقه، ملكش حجة.
– حاضر يا غزال هفضل معاكي الفترة دي، بس لما احس انگ مش محتجاني هرجع شقتي فورا.

ضحكت واشرق وجهها بابتسامه عريضة وقالت بمزاح:

– يبقى مش هتروح ابدا شقتگ، لاني عمري ما هقدر استغنى عنگ يا سند.

قالت كلامها وذهبت لابنها واستلقت على فراشها تحاول أن تغفى قليلا لتصمت تلگ الذكريات التي تجمعت داخل عقلها وتطاردها بكل وحشية لتنال وتثأر منها على ظلمها لروحها وتحملها مالا يتحمله بشر، وقفت فجأة، وخرجت لتجلس معهما، تهرب مما يثيره عقلها عليها ويذكرها بما لا تريد ذكراه، كانت جالسه تشاهد معهم التلفاز، وذهنها في مكان آخر، كلما وقعت عيناها على ركن ترى موقف مؤلم عاشته من قبل، تهرب لركن اخر ترى اشد منه قسوة، تنهدت بحرقة و تمنت ان تمحو كل ما يذكرها بماضي اسود، تحاول استبداله بمستقبل مشرق وبذكريات أجمل، استفاقت على سؤال اخاها مردد:

– ياترى نويتي تروحي لدكتور التغذية امتى يا غزال؟

– بكرة أن شاء الله هروح، بس هكلم دكتورة آلاء وابلغها تحجزلي عنده.
ليه تشغليها، اديني عنوانه وانا اروح احجزلگ.
– مش عايزة اتعبگ، هي بس أول مره طلبت مني ابلغها، وبعدين هو انت هتيجي معايا؟
– طبعا هروح معاكي، آمال اسيبگ تروحي لوحدگ، مش لازم اطمن عليكي.
– يا سند متقلقش عليا، أنا لازم أتعلم اواجهه الدنيا لوحدي، وكمان أنا مش صغيرة على فكره، اطمن يا سند؛ أنا مش غزال اللي تعرفها، التجربة اللي مريت بيها كانت صعبه عليا، واتعلمت منها حاجات كتير اوي، ومش هسمح لأي حاجة في يوم تكسرني تاني، و لا هسمح لأي مخلوق يوجعني مرة ثانية.
– ايوة كده، هي دي اختي القوية اللي عايز اشوفها دايما قصادي، وانا هروح بس معاكي أول مره وبعدين روحي انتي لوحدگ، ولو عايزة تاخدي سمية معاكي تونسگ براحتگ.
– اتفقنا على خير ان شاء الله.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *

هاتفت “غزال” الطبيبة “آلاء” لتبلغها بزيارتها لدكتور التغذية، وطلبت منها ان تحجز لها وتبلغه بحضورها، اعجبت من نبرة حماسها الذي تسمعه، طال الحديث معها، ثم انهت المكالمه وهاتفت “أمان” الذي حين انتبه لحروف اسمها رد :

– لولو ازيگ، اخبارك ايه؟
– سيبگ من الأخبار والجمهورية، بكره غزال هتجيلگ، مش عايزة اوصيگ اهتم بيها اوي، علاج غزال متوقف على نتيجة نقصانها لوزنها، لو نجحت ثقتها لنفسها هترجع من تاني، وهتبقى واحده تانيه خالص.

لا يعلم لماذا تراقصت نبضاته للمره الثانيه حين سمع اسمها، أغمض عيونه وحُلم بلحظة اللقاء، تشوق لرؤية الغزال الباكي كما قالت في دفترها، هل حقًا مازالت باكية، ام جفت الدموع داخل محرابها؟!
متى ستمر تلگ الساعات البطيئه ويلتقي بمن شغلت فكره دون أن يحادثها.

وإلى هنا يتنهي لقاءنا عند هذا الحد لنتعرف غدا ماذا سيحدث مع الغزال مع امان؟
وهل شعور امان شفقه، ام انه سيتحول مع الوقت؟
وهل ستصمد غزال في هذا التحدي؟
هذا ما سنعرفة مع الاحداث القادمه في روايتي المتواضعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى