فتحت عيني لأجد الظلام الدامس قد أحاط بي تماما حتى لم أعد أستطيع التفريق بين الإتجاهات في غرفة نومي ،ورحت أتحسس موضع هاتفي المحمول لإنارة الكشاف المدمج به عسى أن أرى موضع كشاف الطوارئ في غرفتي.
أنا متأكد تماما أن هاتفي كان بجوارى عندما بدأت النوم ولكن …
أين هو ؟!
وبمزيد من الحيرة رحت أحرك يدى على كامل استواء الفراش بحثاً عن الهاتف و ..
غريب !!
لماذا يبدو لي الفراش وكأنه ممتد إلي مالانهاية ؟!
افزعتني الفكرة ودفعتني للوثب فوق الفراش لعلى أصل إلي أرضية غرفتي التي لا أكاد أتبين حدودها وسط الظلام !!
مهلا !!
أنا متأكد أنني وثبت إلي الأرض ولكني لازلت واقفاً فوق الفراش ذو البطانة المرنة !!
هنا .. انتابني حالة من الفزع الحيواني ورحت أصرخ وأنا اعدو فوق الفراش باحثاً عن حافة أهبط منها إلي الأرض دون جدوى !!
الآن تحول فزعي إلي مايشبه الجنون وأنا أصرخ منادياَ … منادياَ من ؟!! …رباه …لقد نسيت أنني أبيت هنا وحدى بعد أن دب شجار بيني وبين زوجتي فآثرت ترك المنزل والالتجاء إلي بيت جدى رحمه الله بمنطقة دهشور !!
كنت قد اعتدت منذ طفولتي الاختباء من أمي في بيت جدى خصوصاً عندما تصر على اصطحابي إلي زفاف أحد الأقارب وأنا اكره الضوضاء بطبعي ..لذا تعمدت اخفاء نسخة من مفتاح منزل جدى رحمه الله معي لاستخدامه عند الضرورة و …
هناك شيء يومض في هذا الإتجاه ..ضوء خافت جدا يبدو كنجمة في سماء الغرفة المعتمة التي لا أدرى كيف تمددت مساحتها بهذا الشكل و ….
حمدا لله .. إنه هاتفي وهذا الذي يومض هو لمبة الاشعارات فيه و … ولكن …كيف وصل إلي هنا ؟! .. أشعر أنني سرت ساعة أو أكثر في الظلام حتى عثرت عليه !!
وفي لهفة قمت بتفعيل الكشاف المدمج به وأنا أوجهه إلي جنبات الغرفة قبل أن تتسارع نبضات قلبي وأنا أتطلع إلي جدران الغرفة و …
ودون أن أشعر …انهارت اعصابي فجأة و ..
وأغمى على.
انتهى الجزء الاول من قصة
الجزء الثاني من قصة
منزل_جدى
– استيقظ يا تامر ..لقد أعددت لك الإفطار ..هيا انهض قبل أن تتأخر عن عملك .
جاءني صوت زوجتي عابراً طبقات من اللاوعي تسيطر على عقلي قبل أن يسقط ضوء الشمس على وجهي ليمنعني من فتح عيني و …
– لماذا ازحتي الستائر ؟! ..أنا لا أطيق هذا الضوء ..
يا فااااااتن
ناديتها مراراً ولكن …
لا حياة لمن تنادي!!
يبدو أنني كنت أحلم بأنني في بيت جدى وأن غرفة النوم فيها تمتلىء بالافاعي على الأرض والجدران و ..
وكل شيء !
كابوس .. كابوس مزعج بحق.
يبدو أن وجبة العشاء قد أثقلت معدتي وأوصلتني إلي الوقوع في براثن هذا الكابوس ، وهاهي زوجتي كعادتها تقرب أنفاسها من وجهي وأنا لازلت مغمض العينين وتهمس في أذني بشيء لا أتبينه ..مجرد فحيح لا حروف مميزة !!
فحيح ؟!!
يا لتأثير الكابوس على حواسي !!
– فاتن من فضلك ..دعيني أغفو قليلا دون إزعاج .
توقفت عن الزفير في وجهي فور إنتهاء جملتي !!
ياللغرابة !!
أنا لم أعتد منها هذه الطاعة الفورية دون تذمر !!
دفعني ذلك للمزيد من التكاسل وأنا اجاهد محاولا تذكر تفاصيل هذا الكابوس المرعب و ..
تباَ لقد عاودت الكرة وقربت أنفاسها الحارة من وجهي وهي تهمس بشيء لا أتبينه وتعاود تكراره في إصرار استفزني حد الجنون ففتحت عيني وأنا أكاد أصرخ فيها أن كفى يا فا…
واختنقت الكلمات في حلقي واستحال غضبي فزعا !!
فما أن فتحت عيني حتي وجدتني أنظر إلى جدران غرفة النوم في بيت جدى وعلى الضوء الخافت المنبعث من هاتفي المحمول رأيتها !!
رأيت جدران الغرفة وقد تبدلت إلى ما يشبه جدران كهف مظلم تتدلى الخفافيش من سقفه ،فيما راحت تزحف فوق جنباته قبيلة من الأفاعي هابطة في إتجاه الأرضية ومتجهة ناحيتي و ..
وأمام وجهى تماما كان هناك رأس أفعى ضخمة فاغرة فاها تصدر فحيحا قوياً يختلط بأنفاس حارة وتستعد الانقضاض على عنقي دون رحمة !!
وبكل ما تبقى لي من قوة ..صرخت و….
وإنقضت الأفعى حاملة بين فكيها
إعلان وفاتي.
انتهى الجزء الثاني من قصة
منزل_جدى
الجزء الثالث من قصة
منزل_جدى
– تااامر …تاااامر .. استيقظ … استيقظ .
فتحت عيني في ذعر وأنا أطالع وجه فاتن المتوتر و …
– نفس الكابوس ؟!!
أومأت برأسي موافقاً وأنا ألهث من فرط الإنفعال فناولتني كوبا من الماء وهى تربت على كتفي في اشفاق قائلة في تساؤل:
– نفس التفاصيل؟!
أومأت برأسي أن نعم وأنا لازلت انتفض من تبعات الكابوس قبل أن أقول في صوت متوتر :
– نفس الكابوس بنفس السيناريو المعتاد ..كابوس داخل كابوس ..حتى أنني أشك أنني لازلت أحلم ولم أستيقظ بعد و ..
بترت عبارتي وأنا أصرخ منتفضا بينما فاتن لا تكاد تملك نفسها من الضحك !!
– تبا لك ..لماذا قرصتني ؟
قالت وعيناها تدمعان من كثرة الضحك :
– أردت أن أثبت لك أنك لا تحلم .
كدت انفجر فيها غاضباً ثم وجدتني اشاركها الضحك دون وعى قبل أن أقول :
– في المرة القادمة سوف أحرص على اصطحابك معى فى كابوسي ولنر من سيضحك أكثر .
قطبت جبينها ودفعتني في كتفي مغضبة ثم ذهبت وهى تردف :
– قم وخذ حمامك ريثما أعد لك الإفطار.
اعتدلت في فراشي وأنا أستعيد تفاصيل الكابوس الذي يتكرر بنفس تفاصيله لليوم السادس على التوالي حتى كاد أن يتلف أعصابي ويفقدني صوابي و….
مهلا ..
هناك شيء غير منطقي في القصة !!
شيء يعجز عقلي عن استيعابه ولكنه ..
ولكنه موجود ولا أدرى ماهو تحديدا !!
حسنا.. دعنا نراجع أحداث ماقبل اليوم الأول لبداية معاناتي مع الكابوس ولأرتب أفكارى أريدك أن تشاركني التفكير ..
القصة بدأت عندما اصطحبني صديقي رمزي إلي بيت الزواحف في حديقة الحيوان بالجيزة ..وهو مكان يمتليء بالكثير من انواع الأفاعي والزواحف الشبيهة بالتماسيح والتى لا أعرف اسمها وطبعا بحكم دراسته بكلية العلوم كان يعرف كل شيء عن كل زاحف في بيت الزواحف ..حتى أنني شعرت وكأنه يزور أقاربه !!
أخبرني يومها أن هناك قبيلة كانت تسكن أواسط أفريقيا وكانت تقدس الأفاعي !!
بل والأغرب من ذلك ..كان هناك يوم إحتفال لها يسمونه يوم التنصيب ..وفيه يتم تنصيب أحد أفراد القبيلة بناءاً على رؤيا يراها مكررة لستة أيام متتالية بعدها يتحول عند غروب الشمس إلى … إلى أفعى !!
وأخبرنى كذلك أن من يصل إلى هذه الدرجة من الصفاء الافعواني – على حد قوله – يمكنه الإختيار ما بين الصورة البشرية والصورة الافعوانية متى شاء للتعايش بها بين أفراد قبيلته !!
واختتم كلامه ضاحكاً وهو يشير إلى الأفعى الساكنة وراء جدار زجاجي متين قائلا:
– تخيل معى لو أن هذه الأفعى هى إنسان مثلي ومثلك …معنى هذا أننا وقعنا ضحية لعملية نصب ودفعنا نقودا لزيارة بعض أقاربنا الافعوانيين !!
وانفجر كلانا من الضحك وتذكرت عندما كنا نطلق على كل فتاة متلونة في الكلية لقب ..الحرباية ..لاريب أن الموضوع لم يأت من فراغ وأن له أصول في الأساطير القديمة!!
الآن خطر ببالي شيء هام فالتقطت هاتفي المحمول وطلبت رقم صديقي لأسأله عما جال بخاطري في مكالمة هاتفية قصيرة ..بعدها ناديت فاتن وأخبرتها برغبتي في تغيير روتيني اليومي .
نعم لن أذهب اليوم للعمل …سوف نذهب إلى بيت جدى!!
لم تناقشني كثيرا حول فكرتى المجنونة بالعكس وجدتها تهتف في حماس شديد:
– هذا هو زوجي تامر الذي أعرفه ..الذي يواجه مخاوفه بدلا من أن يهرب منها .
ونهضت لتعد حقيبتنا فقد قررت المبيت هذه الليلة .. بالذات..
في بيت جدى !!
انتهى الجزء الثالث من قصة
منزل_جدى
الجزء الرابع والأخير من قصة
منزل_جدى
نحن الآن في منزل جدى وشمس اليوم توشك أن تغيب وفاتن زوجتي منهمكة في قراءة أحد كتبها القديمة التي ورثتها عن جدتها والتى لا تكف عن قراءتها مؤخراً مما دفعني لسؤالها ساخرا:
– هل تستعدين لدخول امتحانات الثانوية العامة من جديد؟
رفعت بصرها عن الكتاب ونظرت إلى في شرود وهى تقول :
– ربما ..من يدرى؟
من المؤكد أنها تشعر بالقلق والتوتر من تواجدنا في هذا المنزل العتيق وفى هذه الساعة تحديدا ونحن نقترب من لحظة الغروب بينما التيار الكهربائي قد انقطع عن المنزل مما اضطرنا إلي إستخدام كشافات الطوارىء التي نصحبها دوما معنا في السيارة فلا نكاد نذهب إلى أي مكان دونها و….
قطع تفكيرى عبارتها الشاردة وهى تسألني:
– أليس من الغريب أن يكون المنزل نظيفاً كهذا رغم أنه مغلق منذ فترة ولم يدخله أحد ؟
وافقتها بإيماءة مني وأنا أتطلع إلي جدران غرفة النوم على ضوء كشاف الطوارىء حيث نجلس جنبا إلى جنب فوق الفراش ، قبل أن أنقل بصرى إلي شاشة هاتفي المحمول واراقب الساعة التى أشارت إلي أنه بقى على الغروب حوالى عشر دقائق من الآن .
لاريب أنك قد خمنت سبب مجيئنا إلي هنا ..واليوم تحديداً ..نعم تخمينك سليم رغم غرابته !!
يبدو أن الاسطورة توشك أن تتحول إلى حقيقة ..الكابوس الذي تكرر لم يكن سوى رؤيا ..والرؤيا تكررت لستة أيام متواصلة ..ونحن نقترب من غروب الشمس !!
أعتقد أن كل ذلك يشير إلى أنني ….
أنني المختار الذي سيتحول بعد ثمان دقائق من الآن إلي …
إلى أفعى!!
نسيت أن أخبرك أنني وزوجتي قد تعاقدنا في بداية زواجنا مع أحد شركات التأمين على وثيقة مشتركة بمبلغ ضخم يتم صرفه لأى منا عند وفاة الآخر !!
كان هذا نوعاً من الضمان الاجتماعي الذي فكرت في منحها إياه إذا ما وافتنى المنية في أي وقت حتى أضمن لها معيشة كريمة بعد وفاتي.
طبعاً كان ذلك قبل أن تظهر شيرين في حياتي لتقلبها رأسا على عقب حتى صرت أتمنى أن استيقظ يوماً فلا أجد فاتن ..
بل فقط شيرين …شيرين الرقيقة التي أعادت لقلبي الحياة بعد أن ظننت أنه قد كف عن الخفقان و….
– تامر …تااامر
أفقت من شرودى على صوت فاتن وهى تصرخ في وجهى ..تبا لقد انطفأ كشاف الطوارىء ..يبدو أن شحنة بطاريته قد نفدت !!
حاولت أن أهدىء من روعها ولكن عبثاً ..لقد ملئت الدنيا صراخا ولكن ..لا بأس ..نحن في منطقة نائية بعيدة عن العمران ..
الآن حسب الأسطورة يجب أن يتم التحول و…
– تااامر … أنا خائفة …تاااااامر …أين أنت ؟
لم أستطع التفوه بكلمة واحدة وأنا أشعر أن شيئا ما يتغير …لا أدرى كيف أصفه لك ؟!
بحثت عن هاتفي المحمول لإنارة الكشاف المدمج به …غريب !!
كان هاتفي بجوارى منذ قليل ..أين ذهب ؟!
رحت أتحسس موضع هاتفي فوق الفراش لعلى أصل إليه ولكن دون جدوى و….
مهلا .. أين ذهبت فاتن؟!
ولماذا يبدو الفراش وكأنه ممتد إلي مالانهاية ؟!
وبينما أنا أزحف فوقه باحثاً عن هاتفي .. لمحت الوميض الخافت المنبعث من هاتفي المحمول فمددت يدى لألتقطه قبل أن يأتيني صوت فاتن :
– تامر ..أين أنت ؟ ..أنا لا أريد البقاء هنا …تاامر .. أخرجني من هنا حالا… أنا لا أشعر أنني بخير .
ابتسمت سرا …يبدو أن الحاسة الأنثوية لديها قد أدركت أنها لن تخرج من هنا على قيد الحياة …فقط أنا من سيخرج من هنا .. أنا من سيصرف مبلغ وثيقة التأمين .. أنا من سيتخلص منك يا عزيزتي من أجل شيرين و….
أكملت زحفي في اتجاه صوتها ..يبدو أن تحولى لم يكتمل بعد ..وأنه قد اقتصر على الخدر الذي أصاب قدمى فصرت أزحف محتفظا بتكويني البشرى و …
– لا تخافي يا حبيبتي سوف ينتهي الأمر سريعا ..سامحيني ..ولكن تحولى إلي أفعى صار حتميا وأنت صرتي وجبتي الاولى لسوء حظك ..عموما أعدك أنها ستكون نهاية سريعة بدون عذاب أو ألم!!
وأضأت الهاتف وأنا اقترب من مصدر صوتها وأنا أتاهب للانقضاض عليها و….
رباااه …ما الذي حدث لك؟
كانت هذه العبارة مني أنا !!
بينما رددت الجدران ضحكة مجلجة لفاتن ..ضحكة لا تمت لزوجتى التى اعرفها بصلة …ضحكة غير آدمية!!
جاء صوتها ساخرا وهي تقول في شراسة :
– كنت تخطط لقتلى والزواج من تلك الحية الصفراء شيرين ؟!
طبعا خدعتك الرؤيا التي تكررت معك لستة أيام متتالية وظننت أنك المختار !!
وتعالت ضحكاتها الساخرة وهي تضيف:
– طبعا صدقت ما أخبرك به صديقك رمزى …هاااه… ظننت أنك المقصود وأن هذه ليلة تحولك ؟!
حسنا ..كل ما أخبرك به صديقك هو الحقيقة ..حقيقة قبيلتي التى لم تسألنى يوماً عن اسمها .. فيما عدا شيء واحد لم يخبرك به .
كانت تزحف في اتجاهي وقد استحالت إلي افعي عملاقة فيما عدا وجهها الذي راح يذوب في بطء وهي تضيف في مقت :
– نسى صديقك أن يخبرك أن الأفعي في كل الأساطير دائماً هى أنثي !!
واطلقت ضحكة تشبه الفحيح وهى تقول:
– نسى صديقك أيضا أن يخبرك بأنه وتبعا للطقوس فالزوج يرى الرؤيا بينما زوجته هي التى تتحول في النهاية وليكتمل تحولها إلي أفعى كاملة لابد لها من …
تجمدت الدماء في عروقي مع إكتمال تحول وجهها إلي رأس أفعى هائلة واتخاذها وضعية الانقضاض وهى تضيف :
– من افتراس زوجها !!
وإنقضت الأفعى …
وأصابت هدفها ..
بمنتهي الدقة.