السرداب
١
قد أتي بي الزمن لموضع قد افتقدته من سنوات عديدة لسر عاش بداخل انسان توفى من سنوات عديدة.
أنا صبحي عبدالله الخير.. عرقي أسيوطي، بس عيشت معظم حياتي في مصر لدرجة إني مشوفتش جدي غير مره واحده في حياتي بالصعيد والعلاقات بنا تكاد تكون منقطعة تمامًا من ساعة أمي، بكن حالية ابويا مات وبقيت وحيد في شقة 3 اوض وصالة في المنيل عشان أخوض تجربة جديدة في الويك أند بتاعي اني هروح بيت جدي في الصعيد، في حته بتتسمى بأرض الغنايم.. وبعيدًا يعني عن اللي بيتقال عن المكان ده، بس جدي ساكن في البيت هنا سنين حياته ومرضيش يسيبة أبدا رغم الخلافات اللي حصلت مع ابويا عشان يسيبوا البيت لكن جدي كان رافض ده لغاية ما ابويا جابنا المنيل، وفي الحقيقة انا مبسوط في المنيل فمش هقول ان ابويا غلطان في اللي هو عملوا..
من غير ما أطول ونعدي بعض الاحداث والاجرأت فانا وصلت القطر وخدت عربية لغاية البيت اللي روحته بالشبة وبالسؤال الكتير بعد ما كنت بقلب في جوابات قديمة عندي في البيت ولقيت جواب قديم لي بيتنا مبعوت بالعنوان لابويا، فخدت الجواب عشان اوصل للعنوان والحمدلله ولاد الحلال قدروا يوصلوني للبيت، لغاية ما فعلا كنت قصاد البيت ولقيت واحده واقفة على الباب بقولي:
-انت مين؟
-انا مين!!.. انا صبحي.
لقيتها بصالي بقرف وقالت:
-وايه جابك لبيت خير يا ولدي.. مالجتش غيرة يا ولدي.
– لا يا حاجه اصل..
– مش حاجه يا ولدي لسه..
-يا أمي أنا جيت هنا عشان ده بيت جدي.. جي أشم من ريحته واقضي يومين هنا.
-ولد خير جي يشم نسيم في أرض الغنايم… الله يعينك يابن رجب، عيلة مچنونة واصل.
كنت لسه هقولها انا مش ابنه، لكنها كانت شتمتني ومشيت.. في الحقيقة مفهمتش لية هي شتمتني، بس مش دي القضية.. القضية لما دخلت البيت ولقيت كل حاجه في البيت مكسرة خاصتًا اوضة المعيشة زي ما بيقولوا… هتسألوني دخلت ازاي فالباب كان مفتوح الحقيقة، وده عادي في بلاد الصعيد، فماكنتش متفاجيء من الموضوع، لكن التفاجيء الحقيقي لما شوفت جدي اللي الحقيقة كان مش كبير في السن، يعني زي ماتقول كده انه كان قادر يمشي ويتكلم لدرجه انه لما شافني كان طاير من الفرحة وخدني بالحضن وهو بيقول:
-وحشتي يابن عبدالله، بقى كده ابعت له جواب وهو ولا يسأل فيا ويحرمني منك السنين دي كلها،بس هو فين يا ابني على كده؟
-هو!!.. هو الله يرحمة يا جدي.
لقيت الحزن بان في عيونه لما قال:
-ابني!!.. عبدالله مات ومحدش قالي!!.. ازاي يابني.
-ونقولك ازاي يا جدي، ما زي مانت عارف انت وابويا ماكنتوش على وفاق بسبب البيت ده، وفي الحقيقة انا مش جي عشان اتكلم كتيرعلى البيت ده، انا بس عندي اجازة 5 ايام من الشغل وجي اعرف حاجه واحده، البيت ده ايه اللي في يخلي ابويا يقاطعك المده دي كلها.
استغربت من صراحته جدًا لما قال:
-ارض الغنايم يا ولدي.. يعني أثار، و راصد… ده غير اللبش اللي بيحصل بليل.
-يعين ايه يا جدي مش فاهم.
-يعني تخش تتحمم يابني وتلبسلك جلبية من جلاليب ابوك القديمة جوه، بعدها تيجي نقعد نتحدث شوية ياولدي.. لحسان بقالي سنين متحدثتش مع حد كده..
دخلت استحمى فعلا من بعدها دخلت أوضة أبويا واللي عرفتها من صورة اللي كانت موجودة في المكان في كل حته، بعدها فتحت الدولاب وشديت جلبية متربة شوية، وزي ما بيقولوا كده في الصعيد كان فيها ريحة أبويا لما نفضتها ولبستها وحقيقي كم الراحة اللي كنت حاسس بيها يومها متتوصفش..
جاتلي مكالمة من صديق ليا بقالة سنين تقريبًا مكلمنيش من حوالي 3 سنين أو أكتر.. فتحت عليه وقولت:
-ايه يا عشري ياخويا.. بقالك كتير انت مبتسألش خد بالك.
-سسسسسس
مبيردش.. لا بيتكلم ولا بيعمل حاجه غير صوت انفاسة.
كررت كلامي وقولت:
-ايه يابني بقالك كتير مبتسألش، أنت سامعني طيب؟؟
بردو مبيردش، صوت نفسه بس اللي كان على التليفون، لكن في لحظتها سمعت صوت خطوات أقدام، اصوات الأقدام دي توقفت من بعدها السكة قطعت وحسيت باصوات الانفاس دي في ضهري أنا.. استعذت بالله من الشيطان الرچيم وفضلت أسمي الله في سري:
-بسم الله.. بسم الله، اعوذ بالله من الشيطان الرچيم.
بعدها حسيت بقطرات ميه نازلة على كتفي.. قطرات الميه دي كانت ساقعة جدًا، وفي نفس الوقت لزجة، لكن مع التركيز حسيت انها مش قطرات ميه.. بالعكس كانت قطرات لشيء لزج او بمعنى أصح تقيل نسبيًا، مالحقتش وقتها اميز لأنتهاء الثواني الفاصلة بين إيد الشخص اللي ورايا قبل ما يلمس كتف ويقول:
-ايه ياصبحي، مالك واقف كده ليه بتبص على الدولاب وماسك اللي بتسموا موبايل ده من غير ما تتحدث.
جمعت شتات نفسي من الخضة اللي كانت فيها وقتها لما التفت بضهري وحطيت ايدي على فلبي عشان اهدي نفسي من الكام ثانية المرعبة اللي فاتوا وقولت:
-معلش يا جدي، اصل في واحد اتصل بيا اسمه عشري كان في بيني وبينه خلاف من سنين، بس لما فتحت عليه ماكنش بيتكلم لدرجة اني افتكرت اللي ورايا ده انت.
لفيت جدي ابتسم ابتسامة هادية وقال:
-كيف يعني يبقى وراك، من ارض الغنايم هو با ولدي!!
بلعت ريقي وتبادلت الابتسامة مع جدي وقولت:
-ارض الغنايم ايه بس.. تلاقي كان عايز يعتذر بس غير رأيه لما سمع صوتي.
-ويعتذر لك على ايه يا ولدي.
-ولا حاجه يا جدي.
بعدها غيرت الموضوع وقولت:
-بس ألا أنت يا جدي ايه اللي كان في ايدك ده.
-ايدي!!… اااااه، ده كنت بعمل عيش طازة يابني بدل البايت اللي عندي، زي مانت عارف لا حدي بيزورني ولا بيحدثني.
-طب تعالى يا جدي نقعد برا نتكلم بقى في اللي كنت عايزة بالذات.
بالفعل طلعنا برا قعدت انا على الكرسي وجدي قفل الفرن ودخل المطبخ عشان يجيب الغدا الظاهر انه مدلعني النهاردة.. لكن الحقيقة الاكل ماكنش فارق معايه على قد ماكان فارق معايه اللي كنت جي عشانه.. ففي اللحظة دي افتكرت كلام عشري لما قالي انه جدي ده وراه سر كبير ولو عرفناه هنبقى اغنياء.. في نفس الوقت صوت أبويا كان واضح قصادي لما قالي ابعد عن جدك.. جدك لا عنده عزيز، ولا حتى غالي…
لكن جه الوقت اللي اعرفه في الحقيقة حتى لو هستخدمها لصالحي وبالفعل ده اللي عملتوا لما جدي جاب الأكل وحطه على الطبلية.. لكن قبل ما أغمس حتة عيش بسيطة في الملوخية اللي قصاد قولت لجدي:
-ايه سبب خصامك انت وابويا يا جدي؟
لقيته ابتسم بدون اي خروج عن النص للتهرب عن الاجابة وقال:
-انه مش شبهي يابني.
-صح يا جدي.. ابويا قالي كده كتير، بس مش شرط تبقوا شبه بعض، بالعكس.. طبيعي جدًا يبقى في اختلاف بينكوا، بس مش لدرجة أنا أسف يعني.
-نقاطع بعض ويقولك متكلمنيش ولا تتعامل معايه.. مش كده؟
-مظبوط يا جدي.
-طب بينا ناكل لقمة ترم العضم مع بعض يا ولدي، وانسى كلام ابوك واصل.. اديك قاعد بقالك كام ساعة معايه محصلش حاجه واصل.
-بس يا جدي
-مبسش يا ولدي.. تقعد تاكل، ونتحدث مع بعض بعدين.
-حاضر يا جدي.
بالفعل قعدنا كلنا أكلة متينة نزلت عليا زي المنوم خليتني أخد بعضي أخش أريح ساعتين على السرير جوه بعد ما جدي سابني وقام يعمل مشروب ملعون، الكتير منكوا بيحبوا.. لكني ضده وشايف انه غير صحي بالمره، وغير أدمي.. المشروب ده كان كوباية الشاي المشهورة بعد أي أكلة تقيلة عشان تحبس وتظبط المزاج، واللي من رائي شايف إنه بيقلب المزاج.
أول ما دخلت ألأوضة اللي كانت بتخص ابويا زمان لقيت نفسي نزلت تحت بطنية متربة وعيني بتغمض لوحدها وانا مكشوش تحت البطانية بتكتك ببرد محستش بي غير دلوقتي تقريبًا.. بعدها بساعة قومت من تحت البطانية حران بشر ميه، وده طبيعي لأني متغطي ببطانية في عز الصيف في مكان اصلا صيف شتا بيبقى حر، قعدت أدور على نقطة ميه في البيت مالقتش لغاية ما شغلت حنفية قديمة من الواضح ان بقالها سنين متشغلتش لانها كانت فشغلتها تصفي الصديد اللي فيها لغاية مافتكرت التلاجة… بس فين التلاجة!!، فضلت ألف البيت مره تاني وانا واخد حظري مصحيش جدي، لكني لما اكتشفت مكان التلاجة اللي كانت في اوضة جدي اتبعة اكتشافي ان جدي اصلا مش في الاوضة.. نسيت موضوع عطشي تمامًا وفضلت ادور على جدي في كل حته بس ماكنش لي اثر.. قربت من باب موارب كانت الدنيا مضلمة بعديه، واللي كان قايلي جدي عليه انه اوضة الكراكيب، لكن مش من الطبيعي ان اوضة الكراكيب يكون عايش فيها كائنات فضائية بتتكلم بلغة غريبة، ده غير صوت حد بيضحك.. دخانة كانت طالعة من الاوضة بتختفي عند عتبة الباب اكنها وصلت لنقطة النهاية.. زقيت الباب وانا بقول:
-بسم الله.. خير انشاء الله، وقتها كان في نور بسيط جي من الأرض وكان واضح جدًا بسبب ظلمة الأوضة، لما قربت من الضوء اكتشفت إنه جي من باب بيودي لحته تحت الأرض… فتحت الباب ده اللي بكان بيودي لسرداب جي منه ضوء بسيط جدًا… ضوء للمبة جاز قديمة فاكر نورها من سنين، مع لحظة وصولي للأرض ندهت على جدي بصوت بيترعش:
-جدي، يا عم خير… أنت فين يا عم خير.
لكن من الواضح إن من الغلط الشديد إني كنت أنده على الأسم ده، لأن وقتها المكان كله اتكرهب، بدأت لمبة الجاز والكشاف اللي في ايدي ينور ويطفي بدون مبرر.. بصيت على بطارية الكشاف اللي في ايدي لقيته قرب يفصل شحن بعد ما كان مشحون على الأخر.. وقتها شوفت ضل حاجه قصيرة جدًا قصادي.. لكن الضل كان بيكبر أكتر واكتر قصادي أكن في شخص كان بعيد عني وبدأ يقرب مني، الشيء اللي كان بيقرب مني ده كان اختفى.. اختفى مع لحظة فصل الكشاف، واتبقى بس لمبة جاز شغالة على نور هادي… في الحقيقة دي كانت أكتر لحظة اترعب فيها بحياتي.. بالذات لما شوفت الشخص اللي كان بيقرب مني ده يبقى مين… الشخص اللي قدامي ده كان…
تتبع
السرداب
٢
في الحقيقة دي كانت أكتر لحظة مرعبة مريت بيها في حياتي.. بالذات لما شوفت الشخص اللي كان بيقرب مني ده يبقى مين… الشخص اللي قدامي ده كان عشري!!.. اول ما شوفته بلعت ريقي وقولت:
-انت.. انت ايه اللي جابك هنا؟
لقيه قرب مني لدرجة إن لمبة الجاز كانت في وسطنا وهي الفارق بنا، وشة كان بينقط عرق واطراف من شعره كانت نازلة على عينة، كان بيلحس في شفايفة زي المجنون، ونيني عينه كان بيتحرك بسرعة مش طبيعية بالنسبة لأنسان.. بدأ يتكلم وهو بيتهته في كل كلمة يقولها أكنه خايف من حاجه:
-هيموتك يا صبحي، هيموتك زي ما حاول يموتني… ابوك السنين دي كلها بعدك عنه عشان مياخدش الكنز اللي تحت بيته، طلع كل حاجه وناقصلها أهم حاجه.. مقبرة.. م م م مقبرة يا صبحي فيها كل اللي تتخيلة، وانت جيتله هنا برجليك.. أنت لازم تقتلة يا صبحي قبل ماهو يقتلك، حاول كده تقوله انك هتمشي من هنا هتلاقيه منعك، هو ما صدق يا صبحي تجيله برجلك لحد هنا.
-اهدى بس يا عشري وفهمني، انت ايه اللي جابك هنا اصلا!!.. وجي تعمل ايه اصلا، وايه المكان اللي انت قاعد في ده؟؟؟؟
في اللحظة دي سمعت صوت باب السرداب بيتفتح، فعشري وطى صوته وقال:
-جيت هنا عشان انقذك.. قلبت في ورقك القديم عرفت ابوك منعك من الوصول هنا ليه، عرفت انه كان عايزك قربان لمقبرة كبيرة هنا والراصد اللي فيها مش هيفتح المقبرة غير بدم الحفيد، بس للأمانة انا جيت في الأول عشان اعمل تقرير عن الموضوع، لكن جدك اتجنن وحاول يقتلني، وفعلًا فهم ده لما ضربني على دماغي وسيحت في دمي قصادة لدرجة انه سابني وجري.. فجيت هنا عشان اقفل اللي فتحه.. حاول تلهية بس من هنا عشان اقدر اهرب.. بس افتكر يا صبحي، لو مقتلتوش.. هيقتلك.. هيقتلك بدم بارد.
بعدها سمعت صوت خطوات اقدام ورايا، ببص أشوف مين بخوف لقيته جدي، سألني وقال:
-بتعمل ايه هنا يا صبحي وبتكلم مين؟
بصيت لعشري لقيته اختفى من قصادي، فقولت لجدي بصوت مرتعش:
-انت اللي بتعمل ايه هنا يا جدي، وايه المكان ده!!!. هو ده اللي خلى أبويا يمنعني اجيلك عشانه!!!
لقيت جدي اتلجلج في الكلام وقال:
-نطلع بس يابني من السرداب الملعون ده وبعدين هعرفك كل حاجه.
انتهزت الفرصة وفعلنا طلعنا من السرداب لكني طول الوقت كنت واخد حذري لخوفي من أي حركة غدر ممكن تحصل من جدي بعد الكلام اللي سمعته من عشري، لكن جدي كان فتح معايه كلام وقال:
-بس ايه اللي منزلك بالكشاف ده يابني، الكشاف ده بايظ اصلا بيهرب.
-وده اللي فارق معاك يعني يا جدي ولا ايه مش فاهم؟
-لا والله يابني مش القصد، بس انت اللي عرفك بمكان السرداب ده؟
-قومت قلقان فلقيت…
بعدها سكت وقولت:
-فلقيت رجلي خدتني للاوضة دي لما مالقتكش في الشقة يا جدي.
-انا هقولك يابني القصة كلها يابني، بس مش طالب منك غير انك تسمعني للأخر.
-مش عايز اسمع حاجه يا جدي، انا هاخد حاجتي من هنا واتوكل على الله ارجع بيتي.. هو انا هستنى لغاية ما تقتلني؟؟؟
-اقتلك!!.. مين قالك الكلام يابني؟؟
-مش محتاجة يا جدي، مستني ايه تاني من دجال وبتاع اثار.. ارض الغنايم مشهورة باثارها تحت البيوت.. وفي اللي بيتفتح بدم قطة، واللي يتفتح بدم معزة.. لكن في الغالي، والغالي ميحبش غير الغالي، وانت فاهم ياجدي ايه هو الغالي اللي اقصده.
لقيت جدي بيضحك ضحكة متطمنش، ضحكة بتقول كلام كتير وراها… طلع سكينة من جيبوا وبدأ يقرب مني بسرعة والسكينة كانت في رقابتي، بدأت قطرات تنزل من السكينة معناها ان دمي بدأ يسيح مني، لكني ماكنتش حاسس بأي ألم الحقيقة، لأني اكتشفت ان اللي نازل من السكينة ده كان مجرد قطرات ميه على السكينة، جدي اتكلم وقال:
-أنا لو عايز أقتلك يابني كنت قتلتك من زمان، من ساعة ما جيتلي برجليك، لكن أنا يابني…
بعدت السكينة عن رقابتي في اللحظة دي، وقولت بكل توتر:
-متكملش… أنا هتوكل على الله يا جدي، هاخد حاجتي وهمشي، ولو حاولت تخلص مني كده ولا كده هتلاقيني بالمرصاد واقفلك.
بكل حزن رد عليا جدي وهو بيرمي السكينة من ايده:
-حقك يابني، بس على الاقل اسمعني.
فضلت ارجع بخطوات بطيئة للأوضة:
-متحاولش تقرب يا جدي، انا خدت قراري.. همشي، همشي زي ما جيت بالضبط من غير دم.
بالفعل وصلت لباب الاوضة وقلبي كان بيدق بصوت عالي لدرجة انه كان اعلى من اغنية للست أم كلثوم.. لميت لبسي كله وجيت أتحرك عشان أمشي لقيت صوت عشري بينده عليا.. ببص على الشباك اللي بيودي للشارع لقيته واقف هناك فعلًا وماسك في ايده ورق ودوسية، رماهم في الأوضة، بعدها هو كمان نط وراهم وقالي وهو بينهج:
-جدك.. جدك عايز يقتلك متأمنلهوش، وهو فعلًا ابتدى في العملية دي، لأنك مش هتقدر تطلع من الباب بسبب السحر اللي جدك سحرهولك عشلن يقدمك قربان وتفتح المقبرة اللي في السرداب تحت.. المقبرة دي عمرها ما هتتفتح غير بدم اصغر عنقود في العيلة… وأظن هي وصلتلك.. وأنت أصغر واحد في العيلة فعلًا.
-يعني ايه الكلام ده!!
-يعني انت في عداد الموتى زي ما بيقولوا… يا تخلص على جدك، يا هو هينفذ اللي بيخططله بقاله سنين، انت فاهم؟
دخلت في صدمة من اللي بيتقال، شديت شنطتي وطلعت برا في الصالة اللي كانت فاضية تمامًا، حاولت أخرج من باب الشقة لكني حسيت بصداع شديد، كهربة ضربت جسمي كله، وقعت على الأرض وأنا عمال أتشنج زي المجنون، حاسس بصداع رهيب اتبعة صوت حد بيتكلم وبيقول:
-الحقني يا صبحي، جدك هيقتلني يا صبحي.. قولتلك لازم نقتله.
وقعت على الأرض واخر حاجه شوفتها كان جدي وهو ماسك عشري وبيحاول يخنقة، وانا يا ولداه واقع على الأرض مش قادر اعمل اي حاجه، حتى الأستغاثة كانت صعبة عليا ومقدرتش استغيث بحد..
حلمت وقتها بحلم مرعب، كنت في مكان مظلم جدًا، قطرات الميه كانت بتنقط عليا كأنها قطرات دماء مخففة للزاجتها، لكن ريحة الرطوبة كانت غالبة على احساسي.. أما بقى صوت خطوات الأقدام مُرعب.. لغاية ما اصوات الاقدام دي توقفت، ومع توقفها حسيت ان انا في الحلم، ده لأن خطوات الأقدام توقفت جنبي بسنتيمرات بسيطة، شعوري بإن حد مبتسم جنبي كان غالب على احساسي بالموت بعد لحظات من دلوقتي… لكن احساسي التاني كانوا هو الصح لما سمعت صوت ابتسامة بسيطة اتبعها شعور بالثقة في كلام اللي بيكلمني لما قال:
-شوفت يا صبحي، لو كنت سمعت الكلام من الأول كانت كل حاجه خلصت من بدري.
في اللحظة دي اكتشفت ان اللي حاسس بي مش حلم، دي حقيقة.. حقيقة اتأكدت مع جملة قالها مش هنساها:
-السرداب ده، يا تطلع منه مرتاح، يا تطلع منه مرتاح بردو.. الفرق البسيط في الموضوع انك يا مرتاح في موتك، يا مرتاح بالفلوس اللي هتطلعلك من المقبرة اللي هتتفتح، لكن اتطمن انا هريحك.. هريحك من الدنيا كلها قريب أوي.
-ليه كده يا جدي!!.. بقى ده جزاية اني رجعتلك بعد السنين دي كلها، بعد ما شوفت رسايل اعتذارك لأبويا وانك بتتوسلة عشان يرجع!!
-كانت صدمة شديدة أنا عارف يا صاحبي لما قرأت الرسايل وقررت تيجي تزور جدك، وكل ده سليم على فكرة وزي الفل مفيهوش أي حاجه، بس الغلط انك توري الورق ده لواحد دني.. قال يعني فاكر انه هيواسيك وكده، بس بالعكس انت ساعدتني في كل حاجه الفترة الأخيرة الصراحه.. دخولك في حالة نفسيه من بعد ما شوفت الجواب اللي مبعوت بتاريخ لقديم جدك قايل فيه انه تعبان وهيموت بحصرته وندمة.. اتبعة جواب من البلد بتنبهك تيجي تستلم الجسمان.. لكن من الواضح كده انك نسيت الجثة والجواب وكل حاجه.
بعدها حط ايده في جيبي وكمل وهو بيقول:
-اهو الجواب ده كان جواه الحل كله، بس للأسف يا لولو.. اتجننت خلاص وعايز تروح مصحة.
في اللحظة دي فتح الغطا اللي كان محطوط على عيني واني مستسلم، باصص للارض مش بتكلم، عمال اراجع كل اللي حصل ببطيء… بدأ جسمي كله يطلع ميه اكني ادلق عليا جردل ميه ساقعة فوقني.. بدأت افتكر لما كنا في البيت وبدأت افتح في جوابات قديمة محطوطة تحت بلاطة سرير ابويا وامي واكتشف بعد السنين دي كلها ان امي مماتش في حادثة!!.. امي اتقتلت على ايد ابويا بعد ما حرضة جدي على كده.. واعرف بعد السنين دي كلها ان ابويا بيبعد عن جدي عشان يكفر عن ذنبة وشايف ان جدي هو اللي غلطان، بعد السنين دي كلها اكتشفت مين القاتل الحقيقي.. اكتشفت اني كل ده كنت عايش مع مجرم عايش في توب التوبة، بيصلي، بيصوم… صدمتي اكتملت لما عرفت ان جدي مات.. مات بحسرته من ابويا بعد ماتجنن هو كمان في اخر ايامة والبلد كلها كانت بتجري وراه يحدفوا بطوب كان ارحم من الطوب اللي كان بيتحدف في قلبة كل يوم من ابنه وذنب مراته اللي عاش معاه.. بعد كل ده…. بدأ لساني يفك وينطق بكلمة واحده:
-اقتلني.
رد غير متوقع كان نتيجتة استخفاف عشري بي لما قال:
-بالسهولة دي؟
-اقتلني.
فضلت اكرر في الجملة وانا مستسلم للواقع اللي كنت عايش في وقتها.. عشري شد خشبه من الخشب اللي ساند السرداب وبدأ يولع فيها عشان يبتدي مراسم تقديم القربان، بعدها بدأ يفكني وانا مستستلم تمامًا لقدري، لكن من الواضح ان القربان الوحيد اللي كان هيتقدم هو عشري لما السرداب اتضرب بهزة خفيفة بسبب الخشبة اللي سحبها عشري تسببت في وقوع أجزاء من السرداب على عشري، كان سايح في دمه قصادي لكن ده ماكنش هاممني، اللي كان هاممني هو نفسي لما زقيت الصخرة اللي على رجلي وطلعت من السرداب بجري في الشوارع لدرجة ان البوليس قبض عليا لما افتكروني مجنون، او افتكروني مجنون ايه بقى، مانا كده فعلا..
بعد مرور اسبوعين
بدأت اتعافي، المهدأت اللي باخدها خليتني اعيش طبيعي نسبيًا، رجعت بيتي مره تانية وهي كانت مستقبلاني بكل ترحاب في الشقة بأكلة ترم عضمي زي مابيقولوا.. هي مين، فهي ست الكل امي… لكن المرعب ان امي لقوا هيكلها العظمي في السرداب بعد التفتيش في، واتقبض على عشري بعد ما لحقوا وهو بياخد انفاسة الاخيرة.. اما ابويا وجدي، فهسيبلكم انتو التعليق عليهم.
تمت
أندرو_شريف