روايات شيقهرواية الضحية

رواية الضحيه الفصل التاسع

الفصل التاسع
اقتحم سياف غرفة والده ليراه طريح فراشه ويقف أمامه جاسر وقد احتل الحزن ملامحه، أخبره رجاله أن جاسر كان برفقة أبيه وقت تعرضه لهذه الأزمة التى يثق أن جنون نارا هو السبب الرئيسي فيها فرجل مثل أبيه لا يسقط بسهولة ولا يمكن إسقاطه أيضاً
_ حصل إيه يا جاسر ؟
_ هو دخل أوضة نارا وفضل يتلفت حواليه شوية وبعدين قال مستحيل تعمل فيا كده ووقع علطول، انا طلبت عربية إسعاف زمانها على وصول
_ إسعاف!! انت اتجننت يا جاسر ؟ انت عارف لو حد عرف أن أدهم الزناتى وقع ممكن يحصل إيه ؟ الدنيا هتطربق فوق دماغنا فى يوم وليلة ، لما توصل اتصرف معاهم وابويا هيتعالج هنا بطريقتنا إحنا
تنهد جاسر واتجه للخارج مخفيا بسمة انتصاره فقد كان واثقا من رفض سياف نقل أبيه للمشفى فسيعمل أعداءه فورا على استغلال حالته كما إعتاد أن يتعامل معهم مستغلا كل أزمات وكوارث تتاح أمامه لإخضاع الجميع.
غادر إلى الحديقة حيث صرف عربة الإسعاف التى كانت وهمية من الأساس وبدأ يفكر كيف يتحكم في سياف نفسه، عليه دفعه لتشغيل ذلك الموقع بأقصى سرعة ، سيمنحه كل دعمه ويذلل أمامه الصعوبات ليصل بنفسه إلى نهايته.
………….
ارتدت نوارة للخلف بصدمة مع رفض نارا لها كما اعتادت منها، ظنت أن الوضع تغير وأن نارا ستتقبل تواجدها وحمايتها، ظنت أن بإمكانها التكفير عن هجرها لها في الماضي وانقاذها مما عاشت عليه.
اقترب يامن ليقف بالقرب حيث توقفت نارا عن الصراخ فور اقترابه منها وهو ينظر نحو نوارة
_ لحظة يا مدام نوارة إحنا لازم نراعى حالة نارا ونراعى أنها عاشت عمرها كله مع ناس غير اسوياء نفسياً وممكن يكون عندهم خلل عقلى كمان خلينا نديها وقتها.
نكست نوارة رأسها فهى تعلم أنه محق ، تعلم أدهم وتعلم مدى النرجسية التى وصل إليها لتمكنه من تهميش الجميع وإيلامهم نفسياً فقط ليحافظ على صورته القوية وتعلم أيضاً رد الفعل الذى يلاقيه من يتجرأ ويرفض سطوته وجنونه.
نظر يامن إلى نارا التى لازالت نظراتها تحمل الرفض والعدائية ثم تحدث بهدوء
_ نارا أنا بخاطب عقلك اللى متأكد أنه راجح، انت رغم تعرضك لكل اللى حصل في حياتك عقلك محافظ على كيانه والدليل على كلامى هروبك من كل ده ووصولك عندى هنا سواء النهاردة ولا أول مرة
ض
بدأت نارا تتراجع لتجلس صامتة وهادئة ظاهريا بينما كلمات يامن تتسلل إلى إدراكها ووعيها وهو يتابع
_ بصى لمامتك كويس لو كانت زيهم ماكنتش سابته زمان كانت قبلت ورضيت بالغلط لا مامتك ولا زوجها خطر عليك، الخطر الحقيقي انت عارفة فين وعارفة قدرتهم كويس واللى يخلى جاسر بالجنون اللى يسمح له يوصلك فى بيتك يبقى يقدر يوصل هنا ، انا هنا هقدم لك الدعم النفسى بس مش هقدر اوفر لك الامان اللى موجود فعلا في بيت مامتك. إحنا هنخرج برة وهنبقى قدام الباب لحد ما تاخدى قرار بس لو حبيتى تبقى هنا هنحتاج بردو مساعدة من مامتك ومن زوجها.
أشار إلى نوارة لتغادر لكنها كانت تتطلع إلى ابنتها بألم وقلبها يرفض المغادرة لذا أتجه إلى الباب ليجد زوجها يقف متأهبا فيشير إليه أن يخرجها من الغرفة ورغم تردد محمد ومخاوفه من تبرير نارا قربه تقدم بهدوء ليجذب زوجته خارجا مغلقا الباب بهدوء.
نظرت نارا إلى الباب الذى حال بينها وبين أمها ونظرات عينيها التى تحمل من الشغف مثل ما تحمل من الفزع
هل يمكنها أن تقبل مساعدة أمها بعد كل هذا البعد؟
وهل تملك خيارات أخرى ؟
يعلم يامن أنها لا تملك خيار آخر لكنه أراد أن يمنح عقلها الفرصة لرؤية الصورة بكل ما تحمله من قبح وجنون، تعلم أن جاسر سيصل إليها هنا خلال ساعات كما تعلم أنه لن يقبل الرفض وسيكون رد فعله هو الأسوأ.
اغمضت عينيها وهى تشعر بإنهاك روحها ولا تعلم لأي مدى بعد يمكنها أن تتحمل.
نهضت بهدوء واتجهت للباب لتفتحه فتتعلق بها الأعين
_ انا جاية معاكم بس همشى وقت ما احب
_ طبعا يا حبيبتي محدش بيقيد حريتك ولا حركتك إحنا بس عاوزين حمايتك
نظرت إلى يامن الذى ابتسم
_ مجرد انك قادرة تميزى الخطوط من الصورة بيحطك على بداية الخلاص وكونك قادرة تطلبى المساعدة دليل أنك لسه قادرة تحاربى وتقاومى، انت بس محتاجة مساعدة وكلنا جاهزين نساعدك
_ خديها يا نوارة واسبقونى على العربية وانا هحصلكم.
ارتفعت عينيها وكأنها تبحث بين ملامحه على ما يدينه لكنها لم تجد سوى الهدوء الذى لا يعبر عن أي أفكار داخليه لتنكس عينيها وتستسلم بينما جذبتها أمها برفق لتتحرك قدميها وهى تتطلع إلى وجه أمها كما لم تفعل من قبل
…………….
أصبح أدهم بمفرده ليشعر بالمزيد من العجز القاتل، لطالما كان قوياً قادراً على حماية نفسه وحماية الجميع حوله، وحدها نوارة تمردت عليه وفرت من عالمه، عالم القوة الذى لا مكان فيه للضعفاء، القوة التى تسخر الحياة أسفل قدميه بلا جهد مهدر.
يعلم أن سياف لن يغامر بنقله للمشفى وقد علم فوراً طبيعة العقار الذى حقنه به جاسر والذى سيجعله بهذا الضعف حتى ينهي حياته، لقد دربهم على هذه القسوة، هو خلق هذه الوحوش وحرص على تجميلها بصورة آدمية مبهرة ليضمن المزيد من النجاح ، وقد كانت حياته سلسلة من النجاحات المبهرة لكن هذه النجاحات لم تخلق له شخصاً واحداً يبحث عنه فى توقيت كهذا، هو بالفعل لا يملك من قلوب الناس سوى أسوأ المشاعر ولا يرى له مهربا من براثن جاسر.
تحركت عينيه يمينا ويسارا ولأول مرة تحمل نظراته الفزع ، انحدر دفء من جانب عينيه ليزيد فزعه فهو لا يتذكر متى كانت اخر مرة حرر فيها دموع عينيه؟
اغمض عينيه وهو يتذكر بداية التصاق جاسر وقاهر بابنه سياف، كان هو الظل الخفى الذى يختار اصدقاء سياف دون أن ينتبه الأخير لذلك بنقده اللاذع الذى كان سياف يتبع إشاراته الخفية بلا تردد وقد كانا مثاليين تماما ومعدين لتحكمه فقد جاء قاهر من بيت فككته الرفاهية الزائدة وعاش مدللا حتى الفساد بينما جاء جاسر عكسه تماماً جاء من القاع حيث يتخلى الآباء عن الأبناء هربا من المسئولية فكان كل منهما صورة ممتازة لما يبحث عنه وكانا له كما أراد .
ذلك اليوم الذى رأى فيه جاسر يصيح غضبا حين عنفه مدربه لتعاطيه المنشطات التى أمده بها، سكب المزيد من الغضب في قلبه واخبره أن هذا المدرب لا يملك الحق في تعنيفه وليس له فضل فى نجاحه وعليه ألا يسمح له بالتجاوز ويريه قوته، فقط القوة هى ما تصنع الرجال ، وبعد ذلك اليوم بعدة أيام دخل جاسر إلى مكتبه ركضا يخبره أن أثناء تعنيف المدرب له حمل أحد الأوزان وهوى به على رأسه ليحطمه فوراً ، كانت فرصة أدهم الذهبية لأسر عقول الثلاثة الذين رأى أنهم صفوة الشباب لذا تحرك فورا إلى صالة التدريب وبقوته أخاف الجميع لتنكس الرؤوس وتكمم الأفواه ويؤيد الجميع قوله أن المدرب اختل توازنه أثناء التدريب لتسقط الأوزان فوق رأسه وتودى بحياته.
كانت الجريمة الأولى التى طمس ملامحها لصالح جاسر ثم توالت الجرائم وهو يمهد لثلاثتهم طريقه الذى رسمه ليجمع من قوتهم الجسدية وقسوة قلوبهم وسواد أرواحهم ما يلبى أطماع روحه ويغذى فساد نفسه.
فتح باب الغرفة ليدخل جاسر ويقف أمام الفراش وعينيه تحاصر أدهم الذى يتهرب من نظراته
_ انا عرفت نارا فين، فى بيت جوز أمها ، اكيد هياخد نصيبه منها زى ما اخد نصيبه من مراتك ، إلا قول لى يا أدهم اشمعنا نوارة سمحت لها تخرج برة العالم بتاعك؟ غرورك صور لك أنها هترجع صح؟ كبرياءك كان مستنيها ترجع علشان الطبيعى ماتقدرش تستغنى عنك مش كده؟ اه صحيح انت اتخرست مش هتقدر ترد . عموماً مش عاوزك تقلق لما أجيب نارا هجيب نوارة معاها واديها هدية لسياف يموتها على الهوا لكن نارا اسمح لي هتفضل ليا انت عارف أنها ملكى أصلا بس هنلغى فكرة الجواز مالوش لازمة انا هقتلك واسجن سياف ونوارة هتموت يعنى نارا مالهاش أهل علشان اتجوزها ، هتبقى واحدة من اللى كنت بتجيبهم لرجالتك من الشارع يلعبوا ويتسلوا بيهم، بس انا مش هزهق منها.
.
طرق الباب ليدخل طارق يتبعه شاب يعرفه جاسر جيداً ويعرف مهمته فهو سيعمل على تحليل دماء أدهم للتأكد من سبب إصابته والتمكن من علاجه كما يعلم أيضا أنه شخص بلا ضمير مثلهم جميعاً وما أسهل شراء ضمائرهم.
انتظر حتى أنهى مهمته وغادر بصحبة طارق لينظر نحو أدهم
_ طبعا انت مش محتاج اعرفك أن النتيجة هتطلع زى ما انا عاوز، سلام
طفرت الدموع من عيني أدهم بعد مغادرة جاسر وعادت عينيه تتأرجح بين أركان الغرفة قبل أن ترتسم ابتسامة عريضة فوق شفتيه وفى اللحظة التالية اختلطت دموعه بضحكاته فى صورة مضطربة تعبر عن اختلاله.
…………….
تعلم نوارة أن زوجها يراعى كل ما تمر به فقد شعر بما عانته طوال سنوات رغم أنها أنجبت منه فتاة جميلة إلا أن قلبها ظل مكسورا لفقدها سياف ونارا .
_ محمد معلش انا هبات مع نارا، انت شايف حالتها وخايفة من الحراسة حتى لو مش بتتكلم
_ براحتك يا نوارة أنا عارف أنها محتاجة تحس بالأمان الدكتور فهمنى حالتها بس أكد لى أنها هتتحسن مع المتابعة
_ وسياف؟
_ سألته وقال مع الصورة اللى وصلتها نارا صعب جدا يتعالج لأنه مؤمن أنه صح ومصدق أنه طبيعى.
ظهر الحزن يكلل ملامحها كالعادة لكنها نفضته فورا وهى ترفع رأسها متجهة للخارج .
…………
جلس سياف مظهرا المزيد من الكبر رغم أنه محاط برجال محمد ضياء الدين ومهما بلغت قوته فلن يتغلب على هؤلاء بطريقة نزيهة ولسوء الحظ فهو لا يملك هذه اللحظة سوى الطرق النزيهة ، اقترب منه محمد مبديا مودة لا تليق بالموقف
_ أهلا يا سياف، اخيرا قررت تزور والدتك ؟
_ انا امى ماتت يوم ما ابويا رماها من حياتنا
وقف سياف أمامه مستعرضا بنيته الجسدية بينما رفرف الضيق فوق ملامح محمد الذى وقف مكانه وانتهت مدة الترحيب بنظره
_ امال جاى عاوز ايه ؟
_ عاوز نارا واظن دى ماتخصكش!
_ لا تخصنى، كل اللى يخص نوارة يخصنى، نارا هنا في بيتى مش هتخرج منه وتحت حمايتى ومحدش هيقدر يوصل لها لا انت ولا ابوك ولا الحيوان اللى اسمه جاسر.
برزت عروق رقبة سياف ليرى محمد كم وصل به الغضب لكن لم يرجف له جفن بل تنحى جانبا مشيرا لرجاله
_ وصلوا سياف بيه للبوابة
_ خلينى اشوفها على الأقل
_ هى مش مستعدة نفسيا تشوف حد لما تتحسن هبلغك إذا هى حبت تشوفك
إنهاء المقابلة بهذا الشكل المهين زاد من غضبه لكنه ليس بالحماقة التى تدفعه لدخول نزال فى بيئة غير ملائمة لمكاسبه لذا أتجه للخارج يطوى الغضب خطواته ليظهر الأسف مظللا وجه محمد وهو يرى بعينيه أي شيطان تحكم في زوجته مسبقاً.
_ حطوا عينكم فى وسط راسكم، الهانم الصغيرة محدش يقرب منها أبدا ومش عاوز كلاب فى الجنينة واحد منكم يمشى بيهم لوحدهم لا، مفهوم
_ امرك يا فندم
غادر الجميع ليتجه للدور العلوى مرة أخرى محاولا تجاوز تلك الزيارة غير الودية .
………..
كانت نارا تجلس بقلب الفراش حين دخلت أمها للغرفة، ارتفعت عينيها تتساءل عن سبب تواجدها لتجلس بالقرب منها
_ انا هنام جنبك النهاردة علشان تطمنى، لو مش حابة هنام على الكنبة بس مش هسيبك لوحدك
تنحت نارا قليلا تعلن عن قبولها هذا العرض المغرى بالنسبة لها لتقفز أمها بجوارها كأنها طفلة صغيرة فتشعر نارا أن هذه المرأة تحمل قلبا بريئا أكثر مما تظن.
_ انت عندك ولاد؟
_ عندى إيثار متجوزة وعايشة مع جوزها جنبنا هنا فى الكمبوند ، جوزها دكتور في الجامعة عبقرى فى الكمبيوتر والبرمجة . هتفرح اوى لما تشوفك انا كنت بكلمها عنك كتير اوى.
اومأت نارا بلا حماس بينما فتح الباب لتدخل الخادمة تحمل الطعام والحليب لتنظر لها نارا بتشكك
_ كلى من الأطباق واشربى من اللبن
نظرت لأمها بدهشة فور إصدارها هذا الأمر الحازم خاصة مع تلك النبرة التى تسمعها منها لأول مرة وبالفعل كان بطرف الطاولة أدوات جانبية لتبدأ الخادمة تذوق كل الأطباق قبل أن تفرغ كمية من الحليب فى كوب وتشربه لتزول كل معالم الحزم عن صوت أمها
_ اطمنى يا نارا أنا واثقة فيها بس بطمنك اكتر
………..
اقتحم سياف المكان معنفا كل من يقع عليه نظره لينفس عن الغضب الذى يحترق بصدره بينما وجد جاسر يجلس بهدوء
_ ماانكرش أنها عنده واتحدانى انى اوصل لها
_ اقعد بس واهدا انا هخليه هو يجبها لحد عندك
_ ازاى يعنى؟
_ انت جاهز تشغل الموقع؟
ظهر عدم الفهم مكللا نظرات سياف التى تستنكر هذا السؤال بهذا التوقيت
_ موقع إيه بس يا جاسر دلوقتى ؟
_ جاهز ولا لأ ؟
زفر بضيق فهو لا يحتمل المزيد من الحدة ولا يقبل أن ينهره جاسر بهذه الطريقة ويفهم الأخير هذا جيدا فيبدأ تغير نبرته والتخلى عن الحدة
_ دلوقتى أدهم باشا وقع ودى مش حاجة سهلة والدكتور قال دى جلطة ولازم هتسيب أثر يبقى إحنا لازم نقوى نفسنا ونبنى كيان تانى لأن موضوع الحراسات من غير أدهم باشا مش هيمشى هنبقى مجرد شركة حراسات أمنية زى ألف شركة تانية ده غير أن انا خلاص حددت لك اول ضحية وهى اللى هتخلى ضياء الدين يجيب نارا لحد هنا ويبوس رجلينا علشان ناخدها
_ قصدك مين؟
أخرج جاسر هاتفه لتظهر على شاشته صورة لفتاة راقية في عقدها الثالث
_ إيثار محمد ضياء الدين ، بنته الوحيدة
#الضحية_قسمةالشبيني

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

قربان الهلاك الفصل الثالث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى