_الفصل السـابع عشر_
كان المهدي قد عاد للتو من عملهِ، إلتقي بـ متولي في طريقهِ ليتجها سويًا إلي المقهي.
_إيه أخبار أحمد يا ابو أحمد؟
أجابه متولي بعبوس: الحمد لله كويس، جهز ورقه وخلاص هيسافر..
هز مهدي رأسهُ وقال: كلمني إمبارح وقاللي، ربنا يسلم طريقه ويوقفله ولاد الحلال يارب.
تمتم الآخر مؤمنًا: ياارب اللهم آمين، وآصال جت ولا لسه؟
_لسه، كلمتها الصبح قالت طيارتهم الساعه ١٠ زمانهم علي وصول إن شاء الله.
بتر حديثه عندما ترجلت آصال من سيارة الأجره أمام المنزل ليبتهج وجهه ونهض وهو يقول: بنت حلااااال، جت بالسلامه الحمدلله.
إتجه نحوها علي الفور وإحتضنها قائلا: تعرفي لو قولتي مسافره تبع شغل تاني هقعدك من الشغل ده للأبد.
ضحكت وهي تحتضنه بإشتياقٍ مماثل فقال: وحشتيني يا آصال.
_وإنت كمان وحشتني يا بابا، إيه هنفضل واقفين كده في الشارع!
صعدا إلي شقتهما، أعدت هي طعامًا سريعًا وجلسا يتناولانه سويًا..
_قوليلي،اللي إسمه رياض ضايقك تاني؟
خفق قلبها بقوه لذكر إسمه وقالت وهي تواري ناظريها عنه: لا ابداا.
_تعرفي لو كنتي بتخبي..
قاطعته متعجبه: هخبـي ليه بس يا بابا! مستر رياض علي فكره مش سئ للدرجه، زي ما فيه عيوب فيه مميزات كتيره..
تسائل والدها وهو يتناول الطعام: مميزات زي أيه يا لولو؟
إنها طفلتهُ، صنع يديه، يعلم أنه بتدليله المقتضب ذاك بإمكانه أن يسحب منها جميع الإعترافات..
_شهم، ده أولا.. يعني مبيحبش يشوف حد محتاج مساعده ويتخلي عنه.. ثانيا والأهم بقا إنه حنين، عنده قدره رهيبه إنه يخلي اللي قدامه يبتسم وبيعرف يحتوي اللي قدامـ….
أدركت فداحة ما تفوهت بهِ لتسعل بشده عندما توقف الطعام بحلقها ونظرت إلي والدها الذي أعطاها كوبًا من الماء وهو يقول: إشربي!
تناولت منه كوب الماء وتجرّعتهُ كاملًا ثم وضعت الكوب علي الطاوله ونهضت دون أن تنظر له وقالت: الحمدلله شبعت..
_اقعدي!
برز صوته الآمر بصرامه لا تقبل النقاش فجلست لينظر إليها بثبات وقال: بتقولي عنده القدره إنه يحتوي اللي قدامه! مش فاهمها الجمله دي، مش وصلالي.
إرتبكت وتلعثمت أحرفها وهي تقول: لا ماهو..مش بالمعني اللي حضرتك فهمته!
رفع كفيه كعلامة الإستسلام أو الإنسحاب وهو يقول: أنا مفهمتش حاجه والله، محتاجك إنتي تفهميني.
إزدردت ريقها بتخبط وأصابها التوتر وهي تقول: بص يا بابا بصراحه، أنا حاسه إني معجبه بيه..
توقف عن مضغ الطعام للحظه دون إبداء أية تعبيرات ثم لاكَ الطعام بفمهِ من جديد وتسائل: وهو؟
رفعت كتفيها بجهل وقالت بتوتر: مش عارفه، بس ساعات بردو بحس إن في مشاعر نحيته من تجاهي، قصدي يعني العكس.. إن في مشاعر نحيتي من نحيته يعني..
وضيقت عيناها وكإنما تتوسله وقالت: فاهمني يا بابا؟
كان لا يزال يرمقها بوجهٍ جامد، خالٍ من التعبيرات لتتسلل الإبتسامه إلي شفتيهِ شيئًا فشيئًا ثم إتسعت حتي تحولت إلي قهقهاتٍ عاليه جعلتها تتوتر أكثر.
_فاهمك يا آصـال، فاهمك يا بنت قلبي.
إطمئنت وتبسّم محياها لا إراديًا عندما نعتها بذلك النعت المحبب إليها…
_تعرفي يا آصال، حالتك دي ولخبطتك والحيره اللي إنتي فيها بيفكروني بأيام ما كنت شاب في ثانوي ولسه متعرف علي أمك..
إبتسمت بحنين ليردف مستكملًا: كنت أول مره أحب وكنت دايما تايه ومتلخبط زيك كده الوقتي، بتحبي يا آصال؟
تسائل مبتسمًا فأومأت هي بشده وهي تقول: لأ طبعًا يا بابا إيه الكلام ده!
قطب حاجبيه متعجبًا وقال: ومالك كده كإني قولتلك إنتي عامله جريمه؟! هو الحب عيب ولا حرام؟؟! ده الحب ده أسمي شئ في الوجود، بس الحب البرئ النقي النضيف، الحب الحـلال.
كانت تفرك أصابعها بتوتر بالغ ليضيف هو قائلًا: وطالما صارحتيني ومخبينيش علي أبوكي هيبقا حب حلال إن شاءالله ،ويا سلام بقا لو كان حب من الطرفين، يبقا ربنا منّ عليكي..أصل الحب اللي من طرف واحد ده يا آصال بيبقا لعنه، مبتسيبش صاحبها الا لما تهلكه وتدمره.
إرتعد قلبها لوصفهِ ليستأنف حديثه وقال: أهم حاجه يا آصال إنك تخلي حبك في قلبك، اوعي تبدأي ولا تاخدي انتي الخطوه الاولي، متسسمعيش لكلام بنات اليومين دول ولا كلام النت والكلام الفاضي بتاع الايام دي اللي يقوللك مفيش فرق بين الراجل والست..
إنتبهت لهُ فأكمل: لأن فيه فرق طبعا، أنا كراجل ليا القوامه.. يبقا حتما لازم أنا اللي أبدأ، أنا اللي أعافر وأتعب عشان أوصل للي بحبها، أنا اللي أشق البحور عشان تبقا مراتي وأم عيالي، والست ست، تتحب وتتدلع كده وهي معززه مكرمه متعملش أي مجهود..
إبتسمت وقد راقها حديثه ليقول بزهو: امشي ورا كلام أبوكي تكسبي يبت..
أومأت ولم تُعقّب ليضيف قائلًا: واوعي، اوعي تلفتي إنتباهه ليكي، خلي حبه ليكي هو اللي يحركه، هو اللي يخليه يسعي عشانك.. وربنا يبنتي يكتبلك كل الخير والهنا اللي في الدنيا.
نهضت من مكانها وإستدارت حول الطاوله لتذهب حيث يجلس وإحتضنته وسالت دمعاتها تأثرًا بما قاله ليحتضنها بدوره مربتًا علي ظهرها وقال: أنا فخور بيكي يا آصال.
نظرت إليه وهي لا زالت تبكي بفرحه فأضاف: خدي بالك أنا حاسس بيكي و باللي في قلبك من فتره، ولو كنتي خبيتي عليا أكتر من كده كنتي هتخذليني، وكنت عارف ومتأكد إن سفرية شرم دي هتلقلق الساكن، مش كده بردو؟
أشاحت بعينيها بخجل ليقول: لكن بردو كنت واثق ومتأكد إن بنتي بمية راجل وميتخافش عليها، ومش هنكر يعني إن سفر رقيه معاكي كان مطمني بزياده.
إحاضنته بحبٍ چمّ وقالت: أنا بحبك أوي يا بابا.
شدد نن إحتضانها إليه وقال: أومال ايه يبت، مش الأب ده أول حب في حياة بنته، ييجي جمبي إيه سي رياض ده.
ضحكت بسعاده، لم تتوقع أن يتناول والدها ذلك الموضوع بتلك البساطه!
لطالما أرّقها الكتمان و ودت لو باحت لوالدها بذلك السر، خاصةً وأنها لا تثق بأيًّ سواه.
وإن كانت تدرك بأن والدها سيكون أحن عليها حتي من نفسها لأخبرتهُ منذ دق القلب أول دقاتهِ.
_يلا ادخلي إنتي إرتاحي بقا وأنا هقوم أصلي العصر وأريح شويه.
قبّلت وجنتهُ بسعاده وإنطلقت نحو غرفتها بينما ظل ينظر في أثرها داعيًا: ربنا يبنتي يسعد قلبك وتنولي ما تتمني يارب.
دلفت هي إلي غرفتها وركضت سريعًا إلي فراشهاا بحماس وراحت ترقص بعشوائيه سرعان ما تحولت إلي هدوء وشجن وراحت تتغني بصوتٍ عذب..
you
إنه أنت
It’s always you
دائما أنت
If I’m ever gonna fall in love
إذا كنت سأقع في الحب
I know it’s gon’ be you
أعلم أنه سيكون عليك أنت
التقى الكثير من الناس
Met a lot of people
لكن لا أحد يشعر مثلك
But nobody feels like you
لذا من فضلك لا تحطم قلبي
So, please don’t break my heart
لا تمزقني
Don’t tear me apart
أعرف كيف تبدأ
I know how it starts
……..
جلست رقيه إلي جانب والدتها التي كانت تشاهد التلفاز وبيدها طبقً من التسالي فقالت ببساطه: بت يا رقيه، مش كان بليغ بيكلمني النهارده قبل ما ترجعي..
جلست رقيه إلي جانب والدتها وتناولت بعض التسالي وهي تنظر إلي التلفاز بدورها وهمهمت بتساؤل غير مكترث: همممم، وكان عايز إيه سي بليغ الملزق؟
أشاحت والدتها بيدها دون إهتمام: كان عايز يجيب أمه وييجي يتقدملك..
لمعت عينا رقيه ببريقٍ متحمس وتسائلت بترقب: وقولتيله إيه؟
_قولتله رقيه مبتفكرش في….
قاطعتها رقيه بحنقٍ خالص وقالت: لييييه يا مامااااا، هو انتي كنتي سألتيني وقولتلك بفكر ولا مش بفكر!!!
نظرت إليها بتعجب ووضعت من يدها طبق التسالي جانبًا وقالت بصوتٍ عالٍ: وحياة امك؟ مش انتي اللي كل ما يجيلك عريس ترفضيه! دنتي رفضتي المهندس والدكتور، هتوافقي علي بليغ؟!
تجاهلت نظرات أمها المتهكمه وقالت: ومالو بليغ! شاب زي أي شاب..
ثم نظرت إليها وقالت: كلميه..
_أكلمه أقولله إيه إن شاء الله؟
=قوليله رقيه موافقه..
إرتفع إحدي حاجبيها وتحفزت ملامحها وقالت: هقولله موافقه ازاي بعد ما قولتله مبتفكرش في الخطوبه دلوقتي!
زفرت الأخري بإحباط: مليش دعوه بقا يا ست ماما، زي ما طفشتيه ترجعيه..
ونهضت متجهه نحو غرفتها وهي تقول: وقوليله يعمل حسابه خطوبتنا تكون بالكتير أوي آخر الاسبوع!
أوصدت باب غرفتها وعقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتحدٍ ساخر: أنا وانت والزمن طويل يا ابن كراويه.
أمسكت والدتها بهاتف المنزل وقامت بالإتصال بوالدة بليـغ وقالت بحرج: أيوة يا أم بليغ عامله إيه يا حبيبتي؟
أجابتها الأخري بود: الحمد لله يا أم رقيه بخير، وإزي رقيه؟
_الحمدلله والله..
=بس أنا عاتبه عليكي يا أم رقيه، كده تعزي رقيه علينا؟ طب ده حتي بليغ متربي معاكوا من صغره وعارفينه..
تصنعت الأخري الضيق وقالت: والله يا أم بليغ من ليلتها ما نمت، حاسه بالذنب الشديد وعماله أقول يعني مكنتش ضغطت غالبت كمان شويه، جيتلك أنا بقا مسكت البت رقيه إييييه، سمعتها من المنقي خيار، تقوللي مش عاوزه أتجوز يا ماما والنبي متضغطيش عليا يا ماما، قولتلها يارب تعدميني لو ما وافقتي..
_بعد الشر عليكي يا حبيبتي إنشالله عدوّينك..
=قوملك بقا البت لما دعيت علي نفسي إنهارت، آااه منا رقيه بنتي دي روحها فيا،قالتلي خلاص يا ماما اللي تشوفيه كلمي طنط عنايات وقوليلها إني موافقه
علي الفور أطلقت الأخري زغرودةٍ فَرحه وقالت: بجد والله؟ يعني رقيه وافقت؟
_وافقت بس بعد إييييه.. لما طلعت عيني..
=ده بليغ هيفرح أوي بالخبر ده، أول ما يرجع من الشغل هيفرح أوي.
زفرت الأخري براحه وقالت: يلا هنعمل إيه بس إحنا كل اللي يهمنا راحتهم، إبقي سلميلي عليه كتير.
_تسلمي يا حبيبتي، وسلامنا للعروسه علي ما نيجي نشوفها.
أنهت المكالمه وزفرت وكإنما قامت للتو بواجب وطني ثم تمتمت بحنق: بقا بتخليني اكذب وأنا في السن ده يا بنت العبيطه، لما أشوف أخرتها معاكي.
….
_وشوفي دي كمان!
قالها رياض وهو يعرض تلك الملابس التي إنتقاها لإبنته وأضاف: أول ما شفتها قولت أكيد هتعجب زهره..
طالعتها زهره بإعجاب وإحتضنته بإمتنان وحب وهي تقول: so cute يا بابي.
إحتضنها بإشتياقٍ صادق وقال: وحشتيني خالص يا زهره.
جلست بدلال علي قدمه وهي تنظر إليه ببراءه وقالت: كمان إنت وحشتني،ومعزوزي كمان وحشني..
رنّ جرس الباب ولم يستغرق الأمر ثوانٍ حتي ظهر هو ضاحكًا بإتساع: زوووووزي..
قَلَب رياض عينيه بملل ليرمقه معتز قائلًا: شوفتك علي فكره..
دلف معتز و قبّل رأس زهره ثم مدّ يدهُ إليها بحقيبةٍ إلتقطتها هي بحماس وهي تتسائل: فيها ايه دي يا معزوزي؟
لم يُجِبها ففتحتها بلهفه لتتسع عيناها بفرحه وهي تردد: واااو، معقول جبتهم لي كلهم؟
نظر رياض إلي تلك الكتب التي تحملها إبنته وأحسّ بالضيق قد تسرّب إليه خاصةً عندما إقتربت منهُ وهي تقول: شوف يا بابا، معزوزي جابلي كتب “أجاثا كريستي” كلها..
نظر معتز إلي رياض فـ لمح الضيق الذي بدا واضحًا علي ملامحه وأحس بالذنب لتفهمه شعوره..
_ميرسي يا معزوزي.
برز صوت الصغيره فَرِحًا متحمسًا ليبتسم لها بهدوء وأومأ دون أن ينطق..
إنزوت زهره إلي ركنٍ قصيّ وبدأت تفض ذلك الغلاف من حول الكتب وتشاهدهم واحدًا تلو الآخر وعلي وجهها إبتسامة رضا لم يَرَها رياض منذ زمنٍ بعيد.
تحدث إليها بخفوت: أنا هطلع أغير يا زهره وآجي نتغدا..
نظرت إليه وهي لا تزال علي حالها وقالت: وأنا هشوف الكتب لحد ما تخلص.
إبتسم لها إبتسامةً لم تصل إلي عيناه وأومأ منصرفًا..
دلف إلي غرفتهُ وتقدم من فراشهِ بخطواتٍ مثقله ثم ألقي بجسده متسطحًا علي الفراش وشرد في تقطةٍ وهميه..
لحظات وإنفرج الباب ودلف معتز دون أن ينطق بحرف وتوقف أمام رياض الذي نظر إليه بصمتٍ تـام فأردف: رياض أنا آسف بجد..
أطلق ريـاض تنهيدةٍ حـاره وقال وهو يعتدل: آسف علي إيه بس يا معتز!
جلس معتز إلي جوارهِ ليكمل رياض قائلًا: أنا اللي آسف لنفسي ولبنتي في المقام الأول إني طلعت جاهل بحياتها للدرجه دي!
زمّ معتز شفتيه بشفقه وقال: متقولش كده يا رياض صدقني إنت أب عظيم بجد…
قاطعهُ بحده منفعلًا وقال: عظيم ازاي يا معتز! متبقاش منافق إنت كمان.
وتابع بضيق: ازاي اول مره آخد بالي إن بنتي بتحب تقرأ!! ازاي مكنتش أعرف حاجه زي دي! للدرجه دي أنا مشغول عنها وعن إهتماماتها!!
حاول الآخر مواساته وقال: متحملش نفسك فوق طاقتها يا رياض، بتحصل عادي وكل الأبهات بنقصر..
_إلا أنا يا معتز! أنا بالذات مينفعش أقصر، لأن زهره ملهاش غيري.
هكذا قاطعه متحدثًا بغضب من نفسهِ وهو يُلقي اللوم علي حالهِ و يجلد ذاتهِ دون رحمه.
ربت معتز علي كتفه وقال: معلش يا رياض حصل خير، إنت محتاج بس تفضي شويه من وقتك ليها وتقرب منها زياده وكل حاجه هتبقا فل إن شاء الله.
أومأ مؤيدًا دون النبس بكلمه وقال: إن شاء الله.
نهض معتز قائمًا وقال: انا هروح بقا عشان فاصل شحن..
ونظر في ساعة يده وقال: الساعه ٤ العصر، يدوب ألحق أنام وأصحا ٧ الصبح عشان الشغل.
نظر إليه رياض متعجبًا وقال: هتنام كل ده! ليه هتعمل بيات شتوي!
مازحهُ معتز قائلًا: طب والله عسل وانت بتنكت كده ودمك خفيف..
إبتسم رياض بسخريه مردفًا: ميجيش من بعد خفة دمك..
_ده أكيد طبعًا، يلا أطير أنا بقا.
غادر معتز علي الفور بينما إتجه هو إلي المغسل ومن بعدها خرج ليتناول طعام الغذاء برفقة زهره.
…….
في الصباح، تأنقت رقيه إستعدادً لمقابلة معتز وهي تتأهب لإبلاغه بذلك الخبر الذي حتمًا سيمكنها من الأخذ بالثأر منهُ..
في تمام الثامنه دلف هو إلي الشركه و دنا منها لتتصنع هي الإنشغال..
_صباح الخير يا رقيه.
برز صوتهُ هادئًا فإلتفتت إليه بهدوء مماثل وقالت: صباح النور يا مستر معتز.
_رياض في مكتبه؟
=مستر ريـاض إعتذر النهارده وقال مش جاي.
قطب جبينه متعجبًا وسرعان ما أدرك غاية رياض فأومأ متفهمًا وقال: طيب هاتيلي ورق مشروع زايد وأي إجتماعات أجليها لبكره.
أومأت بإمتثال لأوامره فدلف إلي مكتبه لتشرد هي متحدثه إلي نفسها وقالت: اممم.. شكلك مش رايق عالصبح، ومستر رياض مش جاي! أكيد في حاجه حصلت..
بدأت في إعداد الأوراق المطلوبه ثم دلفت إلي مكتب معتز ووضعتها أمامه و همّت بالخروج ليستوقفها قائلًا: رقيه بعد إذنك عايز تقرير مفصل عن آخر دفعات صدرناها من الفحم وياريت تجيبيلي الـ…..
بتر حديثه عندما حكّت هي مقدمة أنفها بحرج فقال: في إيه؟
تصنّعت الضيق وهي تقول: أصل الحقيقه يا مستر معتز أنا كنت ناويه أستأذن من الشغل وأمشي بدري النهارده..
_تمشي بدري ليه؟! خيـر؟!
=كان ورايا كذا مشوار..
قاطعها هو بنفاذ صبر وقال: مشوار إيه يا رقيه هانم اللي أهم من الشغل؟
واتتها الفرصه أخيرًا لتبتسم بإنتصار مستتر وقالت: أصل خطوبتي الخميس الجاي وكنت هجهز يعني، فستان وميكب وشبكه وكده…
رمقها بهدوء نقيض تلك النيران التي إشتعلت بصدره وأومأ قائلاً: طيب تخلصي شغل وإتفضلي زي منتي عاوزه.
_بس حضرتك كده مش هعرف..
قاطعها مجددًا بحنقٍ غاضب: مش مسئوليتي، قولتلك خلصي شغل وإتفضلي، إنتي و همتك بقا تخلصي في ساعه وتمشي، تخلصي في عشر ساعات وتمشي، مش مسئوليتي!
زفرت بحنقٍ مماثل وأومأت بموافقه ثم إنصرفت بينما ظل هو ينظر في أثرها بشرود وقد شعر بالإحباط وألقي قلمه من يده بإهمال ثم نهض من علي مقعده ووقف أمام نافذة مكتبهُ وظل يطالع تلك المباني العاليه من حوله وهو لا يزال شاردًا..
لقد شعر بوخزاتٍ بقلبه منذ قليل لم يشعر بها أبدًا!
هل ستتم خطبتها حقًا؟!
رقيـه، تلك المشاغبه التي إعتاد وجودها في حياتهِ و ألفَ مشاكساتها وكإنهما صديقين أحيانًا و عدوّين أحيانًا أخري..
_طب وأنا مالي تتخطب ولا تتهبب!
تمتم مستاءًا ثم أخرج هاتفه وقام بالإتصال بـ رياض..
_أيوة يا رياض، إيه الأخبار؟
=كله تمام الحمد لله، إيه الدنيا عندك؟
_الدنيا حلوة، إنت مع زهره؟
=ممم.. خرجنا الصبح فطرنا علي البحر ورايحين أهو المكتبـه.
_حلو ده، have a nice time
=إن شاء الله.
أنهي الإتصال و صفّ سيارتهُ أمام المكتبه ثم ترجل منها وإستظار ليفتح الباب المجاور لـ زهره وقال بإبتسامه: إتفضلي يا برنسيس زهره..
ترجلت بدلال وأمسكت بيده ثم دلفا سويًا إلي المكتبه.
إنطلقت هي تركض بحماس ليبتسم لسعادتها و أنّب نفسهُ كثيرًا لأنه حرم نفسهُ وإياها تلك السعادة حتي وإن كانت لحظيه!
إتجها إلي قاعة القراء لتبدأ بتفحص كل الكتب الموجوده بشغف غير مسبوق، رافقها كي يساعدها في إنتقاء الكتاب الأفضل..
رآها تمسك بكتاب لـ ” وليم شكسبير” فإبتسم إليها وقال: ليه إخترتي وليم شكسبير؟! ليه مجربتيش تقرأي أدب عربي؟!
_مش عارفه حد.. إختار لي.
=مممم، ممكن مثلا تجربي تقرأي لـ د. أحمد خالد توفيق، أنا شخصيًا بحب كتاباته جدًا..
تفحصت زهره جميع كُتُبهِ ثم إختارت كتابًا يحمل عنوان “سافاري” فقال لها رياض: طيب إختاري لي بقا كتاب علي ذوقك.
تحدثت بفصاحه قد فاقت توقعاته وقالت: ممكن تقرأ لـ فيكتور هوجو..
رفع حاجبيه بإعجاب شديد وقال: مممم، واضح إن أنا فايتني كتير أوي يا مودمزيل زهره..
ضحكت هي وذهبت برفقته يختارون كتابًا له ومن ثم جلسا يقرأان..
……
في اليوم التالي..
كانت آصال تجلس في مكتبها ولسانها لا يتوقف عن الدندنه بكلمات تلك الأغنيه..
إستمعت إلي طرقات علي باب مكتبها فأذنت بالدخول ليدخل معتز مبتسمًا فقالت دون وعي:
_إتفضل يا مستر ريـاض!
_أنا معتز يا آصال.
أخبرها بهدوء وتريث نقيض تلك الفوضي التي يعتمل بها صدره وأكمل: آآآ.. كنت عايز أسألك، بدأتي في تنفيذ التصاميم بتاعة مشروع زايد؟
أجابته بحرج: أنا already شغاله عليهم..
أومأ موافقًا: تمام.. ربنا معاكي، أخبار والدك إيه؟
قطبت جبينها بإستغراب وقالت: كويس الحمدلله.
_طيب الحمد لله….. بصراحه أنا زهقت من الشغل وكنت عايز…
بتر حديثه عندما إنتبه إلي رياض الذي يقف علي باب المكتب يطالعهما بأعين حاده ونظرات ثاقبه..
_بتعمل عندك إيه يا معتز؟
تحدث بغضب لم يستطع السيطره عليه ليقول الآخر ببساطه: لسه كنت بقول لآصال إني زهقت من الشغل وحسيت إن طاقتي خلصت..
_وجاي تعمل refresh هنا مثلا؟!
تسائل بسخط ونبرة صوت منزعجه وسرعان ما صاح منفعلًا: بقا أنا أتحرق في الشغل والزفت وعمال أتصل عبي مكتب حضرتك متردش، أرن علي تليفونك متردش، أتاريك سايب الشغل وماشي تتنطط في مكانب الموظفات..
نظر إليه معتز بغضب وقال بإنفعال مماثل: لآخر مره هقولهالك يا رياض، أنا مش شغال عندك عشان كل شويه تكلمني بأسلوبك اللي زي الزفت ده، إنت مدير تنفيذي وأنا مدير زفت تنفيذي زيك بالظبط، يعني أنا مش عيل قدامك عشان تزعقلي كده والموظفين كلهم يتفرجوا.
رمقه أخيرًا بغضب ثم تركه وإنصرف إلي مكتب رقيه، لا يعلم لما أتي هنا ولكنهُ أتي علي كل حال.
و جرت الأمور كما خطط لها.
سنحت لهُ الفرصه بتعنيفها وإفراغ غضبه وحنقه بها خاصةً عندما رآها تمسك بهاتفها فقال بعصبية: حضرتك سايبه شغلك وقاعده تتكلمي في التليفون! محدش هيتخطب غير سيادتك ولا إيه؟
نهضت وتمتمت بإستياء من أسلوبه: وإيه دخل الخطوبه دلوقتي!
لم يجد ما يقوله فنظر حوله لتقع عيناه علي تلك الأوراق فقال هادرًا بها: أهو، شويه ملفات بقالك نص قرن بتراجعي فيهم، لو جبت حماده إبن ياسر بتاع الأمن كان خلصهم، لكن ازاي وحضرتك راكنه شغلك ومقضياها غراميات.
رفع سبابتها في وجهه بتحذير وقالت: مستر معتز أنا مسمحلكش.
أشاح بيده بلا مبالاه وهو يغادر قائلاً: بلا تسمحي بلا تتنيلي بقا.
صرت علي أسنانها بغضب وراحت تتمتم: بقا بتتجنن عليا يبن المجنونـ.ـه! مااشي أنا وإنت والزمن طويل.
……
كان ينظر إليها بضيقٍ بيّن بينما ترمقه هي بإنزعاج وصاحت بغضبٍ لاذع: علي فكره خليت منظري قدام الشركه كلها زي الزفت، وكإن أنا اللي روحت قولتله يجي المكتب..
_حضرتك كان ممكن بمنتهي البساطه تقوليله إنك عندك شغل ومش فاضيه تتسايري معاه..
إنتفخت أوداجها بغضب وقالت: لو سمحت يا مستر رياض..
قاطعها عندما إقترب منها وتحدث بنبرة صوت أقرب للفحيح ولكنها كانت مسموعه بوضوح وقال: لو سمحتي إنتي يا آصال بلاش تختبري صبري مره تانيه، لو حصل وشوفتك واقفه ولا بتتكلمي مع أي راجل مره تانيه إنتي المسئوله عن اللي هيحصل!
…..
رواية اين انا الفصل الثاني عشر 12 بقلم ضحي ربيع