_الفصـل الثلاثــون_
تورونتو_كندا
الساعه 1 مساءً
توجه رياض إلي البيت حيثما تمكث والدته وأخيه، دلف إلي الداخل وإتجه علي الفور إلي غرفة والدته فلَم يجدها،عندها عَلِم بأنها من المؤكد أنها بغرفة شقيقه الآن!
بالتأكيد ذهبت للتأمل به قليلًا كما تفعل يوميًا، أو لتتفحص مؤشراته الحيويه وتطمئن عليه..
صعد إلي الطابق العلوي حيث توجد غرفة أخيه، تقدم وفتح الباب بهدوء سُرعان ما تحول إلي صدمه جعلت دقات قلبه تتسارع في تلاحق عنيف وانعقد لسانه وخرس عن الكلام.
إنه يري أخاه ولأول مره منذ ثماني سنوات وقد عاد إليه وعيه!!
نظر إليه وقد تسمر في الأرض كعمودٍ شد إلي الأرض شدًا، إزدادت دقات قلبه تعاظمًا وإرتفاعًا حتي شعر بأنه يكاد يخرج من بين ضلوعه!!
_مراد!!!!!
تمتم بصوتٍ خفيض غير مصدقًا ما يراه بينما منحهُ أخيه إبتسامةً من أعذب ما يكون جعلته يقتنع رويدًا بأن ما يراه حقيقه!!
كان واقفًا يستند إلي تلك المشايه الطبيه وهو يحاول أن يعتاد السير بعد أن تيبست عظامه إثر مرقده الطويل.
أسرع نحوه وبدون أدني مقدمات إحتضنه بقوه ساحقه.
لم يتوقع أبدًا أنه سيراه بتلك الحال ؛ يبتسم وينظر له ويحتضنه بل ويتحدث إليه أيضًا، بالرغم من أنه لم يتحدث بطلاقه كما كان ولكن علي الأقل لقد إستمع إلي صوته بعد كل تلك السنوات!
= وحشتني يا رياض.
طالعه رياض بإشتياقٍ چم وقال: إنت اللي وحشتني يا حبيبي، أنا مش مصدق عينيا إني شايفك قدامي بتكلمني وواقف علي رجليك بعد كل السنين دي!
تبسّم مراد وسأله بإشتياق: زهره فين؟
هنالك إنتبه مراد علي وقع أقدام صغيره فإنتبه وتحول نظره تلقائيًا نحو الباب ليتفاجأ بتلك الاميره الجميله التي تشبه أخاه كليًا، تقف بجوار باب الغرفه وهي تنظر نحوه بفتور قليلًا ثم تقدمت منهم ووقفت بينهما تطالعهما ليقول رياض : قولي لعمو مراد حمدالله على السلامه يا زهره!
نظرت إليه زهره وبدأ شبح إبتسامه يزحف إلي شفتيها ولم تنطق ليقول مراد: أنا مش فاكر شكلك أوي وإنتي صغيره، لكن اللي أعرفه إنك كنتي جميله، زي دلوقتي تمام.
إتسعت إبتسامتها و شبّت بأقصي ما إستطاعت وطبعت قبلة حانيه علي وجنته وقالت: حمدالله علي السلامه يا أنكل مراد.. إنت كمان شكلك جميل خاالص.
…….
هنالِك دلف الطبيب الذي وصَل للتو، صافح رياض بحراره مبتسمًا ثم ألقي أن: Mr. Riyad, our attempts succeeded and Murad regained consciousness
(سيد رياض، لقد نجحت محاولاتنا وعاد مراد إلي وعيه من جديد)
تطلع رياض نحو مراد الذي ينظر إليهم باسمًا بهدوء، ثم عاد بنظره إلي الطبيب وقال: Didn’t you say you’d give him a try first?
(ألم تقل أنه سيخضع لتقنية العلاج الجديده أولا)
إبتسم الطبيب وأومأ: Since I told you and got your approval I already started with him
(منذ أن أخبرتك و حصلت على موافقتك، وأنا بالفعل بدأت بتجربة العلاج معه)
وربت علي كتف مراد بتشجيع وقال: Our hero responded quickly to treatment and wanted to surprise you with his recovery
(لقد إستجاب بطلنا للعلاج سريعًا، و رغب في ان يفاجئك بشفائه.)
ثم أضاف: Murad was suffering from Parts of his brain are overactive which causes severe disturbances and somehow stops healthy brain activity. We have discovered that administering this hypnotic drug can stop unwanted excess brain activity, creating space for speech and the movement
( مراد كانت أجزاء من دماغه تعاني من نشاط مفرط يسبب اضطرابات شديدة ويوقف بطريقة ما نشاط الدماغ السليم. لقد اكتشفنا أن إعطاء هذا الدواء المنوم يمكن أن يوقف نشاط الدماغ الزائد غير المرغوب به، مما يخلق مساحة للكلام والحركة.”
وتابع: This treatment can be repeated once daily, before its effect begins to wear off
He must undergo a periodic examination to be assured of the integrity of the brain once and for all.
(هذا العلاج يمكن تكراره مرة واحدة في اليوم قبل أن يبدأ تأثيره بالتلاشي، ويتوجب أن يخضع للفحص بصفه دوريه حتي نطمئن علي شفاء الدماغ بشكل نهائي..
أومأ رياض موافقًا وقال: Sure.. what about Regular vitality When can he move normally
(وماذا عن إنتظام معدلاته الحيويه وتمكنه من الحركه بشكل طبيعي!)
_ The improvement is done gradually in the absence of subscriptions that contribute to the exacerbation of the condition again.
(يتم التحسن بشكل تدريجي في حال عدم وجود اشتراكات تساهم في تفاقم الحالة مجدداً.)
أومأ رياض موافقا وصافح الطبيب فغادر متمنيًا السلامه، حينها تقدم رياض من مراد وجلس إلي جواره ثم أحاطه بذراعه مبتسمًا وقال: حمدالله علي السلامه يا بطل.
_االله يسلمك يا حبيبي.. طمني عليك.. و سيرين!
تلبد وجه رياض و كستهُ عِتمةً عند ذِكر إسمها و إهتز الحزن الكامن في صدره، القابض لأنفاسه منذ سنين طويله.
تجاهل سؤاله عمدًا ونظر إلي والدته وقال: ليه مبلغتنيش إن مراد فاق، مانا كنت بكلمك قبل ما أجي فورا!.
تفهمت حالته وتخبطه وخوفه من القادم ؛ بماذا سيخبر أخيه وماذا سيقول له!
وكيف ستكون حالة مراد إن علِم بما حدث !
_ مراد حب يعملهالك مفاجأه، كان عايز يشوف فرحتك بيه بعنيه.
هز رياض رأسه بهدوء وتفهم ونظر إلي أخيه مبتسمًا قبل أن تتلاشي إبتسامته عندما قال حانقًا: رياض هو إنت مش بترد عليا ليه؟!
عَلِم أنه لا مناص من الإجابه ؛ فهو يعلم أخيه لن يتراجع قبل أن يحصل علي إجابة سؤاله.
حمحم بقوه محاولًا التحلّي بالشجاعه ليجيبه ولكن زهره سبقتهُ وقالت بصوتٍ ذا شجون: مامي ماتت!
قال وقلبه يقرع صدره بصدمه ووچل: ماتت!!
حاول رياض تهدأة أنفاسه المتلاحقه وقال وقد بدا الإضطراب عليه جليًّا: بعدين يا مراد، بعدين هحكيلك كل حاجه ونتكلم في مواضيع كتير لازم تعرفها.. مينفعش الكلام دلوقتي!
_ ليه مش دلوقتي!! تحدث بإصرار فنظر رياض إلي أمه التي فهمت المغزي من نظرته فإتجهت صوب زهره وقالت وهي تهامسها: إيه رأيك تيجي تساعديني نحضر لعمو مراد الاكل اللي بيحبه، وأحكيلك عن كل حاجه بيحبها ومش بيحبها وإحنا بنحضر الأكل!
أومأت زهره بموافقه وإنصرفت برفقتها ؛ فإتجه رياض إلي الأريكه الوثيره بزاوية الغرفه وهو يساعد مراد علي السير ممسكًا بيده كي يتكأ عليها..
جلس مراد وإلي جواره رياض فنظر إليه الآخر بإصرار وقال: هاا، أدينا بقينا لوحدنا، ممكن بقا تحكي!
تنهد رياض طويلًا، يشعر بالثقل لأنه سيدعس جرحًا لم يندمل بعد مضطرًا.
_ مراد أنا مش حابب أحكي معاك بخصوص الموضوع ده دلوقتي، أنا خايف عليك تتعب أو يحصل لك مضاعفات…
قاطعه الآخر بإصرار وتصميم: لأ متقلقش، أنا عايز أعرف كل حاجه.
أومأ رياض موافقًا وقال: طيب، عايزك تسمعني للآخر ومتقاطعنيش ومتحكمش علي اي حاجه غير لما تفهم الأول.
_أنا مش فاهم حاجه!! ليه كل المقدمه دي!
تجاهل رياض إصراره وإلحاحه وقال وهو يسرد عليه تفاصيل ما حدث: بعد ما إنت تعبت ودخلت المستشفي أنا كنت بسافر دايماا عشان أعرض التقارير الخاصه بحالتك علي دكاتره أصدقائي في فرنسا وبعدها إتجهت لكندا وبقيت أتنقل من هنا لهنا وبحاول أوصل لأحسن مستشفي وأحسن staff يقدروا يراعوك .. قعدت حوالي شهرين أو شهرين ونص بجاهد ما بين الشركه والشغل وما بين الدكاتره وبينك .. لحد ما جيت في يوم كان المفروض هغيب أسبوع في كندا.. هحضر مؤتمر وهخلص كذا حاجه تانيه… وقتها لو تفتكر أمي مكانتش بتحب تفضل عندنا كتير وخاصةً لما أنا سافرت، قالتلي أنا هرجع بيتي وهبقا أروح آشوف زهره كل يومين وأروح..
كان مراد يضع يده أسفل خده يستند إليها وهو يستمع إليه بإهتمام فنظر إليه وقال: أنا حاسس إنك بتماطل أو مش عايز تدخل في الموضوع!!
تنهد الآخر متعبًا، لقد تمثلت تلك اللحظات أمامه من جديد وكأنه يراها رأي العين أو يعيشها الآن!. أغمض عينيه وهو يستطرد بألم: وأول يوم سافرت فيه المؤتمر إتلغي! ولقيت إن الوقت اللي هيضيع ملوش لزوم فنزلت مصر تاني في أول طياره!….
” إسترجاع زمنـي ”
ـــــــــــ
بعد أن هبطت الطائرة التي تقله قام بالإتصال بمعتز الذي ذهب إليه وإصطحبه إلي منزله..
ترجّل من السياره ودلف إلي الڤيلا مباشرةً..
كانت الأجواء ساكنه للغايه، علي ما يبدو أنهم غادروا المكان!
صعد بخطيً هادئه ودلف إلي غرفة إبنته ولكنه لم يجدها لتجذب إنتباهه تلك الأصوات المتداخله القادمه من غرفته!
تقدم من الغرفه وأمسك بمقبض الباب وقبل أن يُديره إستمع إلي همهماتٍ أخبرته بأن هناك أمرًا غريبًا مما جعله يسحب مقبض الباب بهدوء ليىتفاجأ بأن الباب قد أُغلق بإحكامٍ من الداخل!
إبتعد خطواتٍ قلبله وهو يطالع الباب بغضبٍ عاصف ثم زمجر بشده وهو يدفع الباب بقدمهِ فإنفرج علي مصراعيه..
كاد يفقد صوابه! ، إرتجفت مفاصله إرتجافًا وشعر وكأن قلبه قد تحطم وتحول إلي شظايا!
لم يتوقع أبدًا أنه من الممكن أن يشهد مشهدًا كهذا بيوم من الأيام!!
يري حبيبته، زوجته المصـون بين ذراعيّ رجلٌ آخر!
غص حلقه بألم وشعر وكأن الصدمه قد شلّت حركته وتفكيره، إختل توازنه لولا أنهُ تمسك بالباب من خلفه لِئلّا يسقط.
_ريــاض!! برز صوتُها مرتجفًا وهي تحملق بهِ بعينان جاحظتان مذعورتان وطفقت تبحث عن ملابسها حتي تواري بها سوءاتها ولكنها جمدت مكانها عندما رأته يتقدم منهما وقد تطاير الغضب من عينيه و لو أنه أصابهما لأحرقهما علي الفور..
_رياض أناااا.. إسمعني وأنا هقوللك كل حاجه..
قاطعها بصفعةٍ قويه سقطت علي إثرها علي السرير المجاور لها وإستدار إلي الجانب الآخر حيث كان يقف شابًا في نفس عمره يحملق به بفزع ويتمتم بكلمات مبهمه..
إنقض رياض فوقه وإنهال عليه باللكمات والركلات العشوائيه وهو يردد بجنون: في بيتي!!
ونظر إليها مجددًا وقد إلتهب وجهه غضبًا وصاح بها في تشنج قائلًا: بتخـ.ـونيني! في بيتي وعلي سريري!!!!!
بلغت ذروة خوفها وقد تجمد الدم في عروقها وراحت تشير إليه أن لا وتتمتم بتلعثم: لالالا.. أنا.. أنا مش خايـ.ـنه يا رياض والله..
أطاح الجنون برأسه وأفقده آخر ذرات تعقله وسيطرته علي نفسه! أمسك برقبتها وهو يغرز أصابعه بعروقها بينما كانت تحاول نزع يديه من حول عنقها وهي تلهث وتقول: رياض إسمعني.. أنا هفهمك كل حاجه.. هتخنق… ريااااض!!!
_ في بيتي!! وعلي سريري يا ولاد الكلـ.ـب!!
أصيب بحالةٍ هيستيريه جعلته يردد بجنون وكأنه غاب عن الوعي وراح يصرخ بها وقد حانت منه دمعه علي جانب خده وهو يقول: إزاي تعملي فيا كده، إزااااي!!! بتخـ.ـونيني!! عملت لك إيه عشان تعملي فيا كده وتكسريني بالشكل ده!! قصّرت معاكي في إيه؟!!
أمسكت بيديه وإنحنت تقبّلهما بتوسل وقالت وهي تبكي بشده: عشان خاطري يا رياض إسمعني، والله العظيم أنا عملت كده عشان يبعد عني ويسيبني في حاالي.. صدقني يا رياض أنا مش خاايـ.ـنه!!!
إنتزع يدهُ من بين يديها بشده وإبتعد عنها بنفور وألقي إليها بأقذع سُبابٍ إستمعته منه علي الإطلاق!
بقت مذعوره تتلمس الخلاص مما حلّ بها وتتمتم بهيستيريه: بابا.. أنا لازم أكلم بابا.
_هتكلميه تقوليله إيه؟! هتقوليله إلحقني جوزي شافني نايمه مع واحد!!!!
أجهشت في بكاءٍ مرير وهي تراقبه يتجه نحو الصوانه المجاوره للسرير وسحبها علي آخرها فسقط الدُرج علي الأرض، إلتقط مسدسه بخفه ونظر إليهما من جديد بينما كانا يتبادلان النظرات المذعورة..
_ريـاض، صدقني أنا بحبك إنت.. أرجوك متقتلنيش!
توسلت إليه وهي تبسط كفيها أمامها بإستجداء، تقترب منه أكثر علّها تستطيع أن تُثنِه عن قراره وتابعت ببكاءٍ حار : عشان خاطر بنتنا، زهره يا رياض..
إلي هنا ولم يتحمل، أحكم قبضته حول شعرها بغضبٍ عاتٍ يكاد يفتك به ويهلكه وقال من بين أسنانه: متجيبيش سيرة زهره علي لسانك! إنتي متستاهليش تكوني أمها!
إستدارت بين يديه ونظرت إلي وجهه مباشرةً وقالت بتوسل: أرجوك يا رياض، أرجوك سامحني..
وأشارت إلي ذلك الذي يحملق بهما بخوف وقد شحب لونه وقالت: هو اللي وصلني لكده!! هو اللي كان بيهددني إني لو منفذتلوش اللي هو عايزه هيفضحني قدامك..
ضيّق عينيه محاولًا فهم مقصدها لتردف هي بعد أن فهمت نظراته المستفهمه وقالت بصوتٍ متقطع من بين بكاؤها: أنا وهو كنا نعرف بعض قبل ما نتجوز! صدقني أنا حبيتك إنت ومن يوم ما إتجوزنا وأنا مبعملش أي حاجه غلط!!
ثم عادت تنظر إليه وأردفت وهي تشير نحوه بأصابع الإتهام وقالت: هو إستكتر عليا إني أتجوزك وأعيش معاك مبسوطه، عشان كده كان عاوز يخليك تطلقني!
وأمسكت بيديه وهي تنظر إليه بتوسل، لا تهاب ذلك المسـ.دس الذي يمسك بيه وقالت: أنا عملت كده عشان متسيبنيش يا رياض، عملت كده عشان بحبك..
_كان بيهددك بإيه! .. برز صوته جامدًا لا روح فيه لتنظر أرضًا وإمتنعت عن الإجابه ولكنه باغتها بلكمةٍ بظهر يده وأردف: إنطقي، كان بينكوا إيه خوفتي إني أعرفه!!!
= أنا وهو كنا بنحب بعض قبل ما أعرفك وكنا….
_كنتوا مقضيينها هااا !!! قالها وإنفلتت منه ضحكه ساخره ما إنفكت أن إزدادت وتحولت إلي قهقهاتٍ عاليه أردف بعدها يقول: للدرجه دي أنا مغفل!! للدرجه دي أنا معرفتش أكشف كدبك ووساخـ.ـتك!!
هدأت نبرته قليلًا وأردف وهو يطالعها بإشمئزاز: بس هكشفك إزاي!! ما البركه في معالي الباشا بيلم وراكي.
_أنا آسفه، سامحني يا رياض عشان خاطري.. بلاش عشان خاطري، سامحني عشان خاطر زهره وأنا هعيش خدا*مه تحت رجليك طول عمري!!
=للأسف يا سيرين.. حسبتيهاا غلط!!
نظر إلي ذاك الذي كان يقبع بزاوية الغرفه ساكنًا بلا حراك وباغته بطلقةٍ أسقطتهُ صريعًا علي الفور ثم نظر إليها ليجدهاا وقد وضعت كفيها علي فمها تكتم شهقةً إنفلتت من أعماق نفسها وراحت ترتجف رجف الأوراق في مهب الريح..
_ ريااض…
بتر حديثها برصـ ـاصةٍ إستقرت بمنتصف رأسها تهاوت بعدها أرضًا وقد فارقت الحياه.
……….
قتـ.ـلتها ؟!! و إتسجنـ.ـت؟!!!
تسائل مراد بحده وإستنكار وإستطرد: أنا مصدوم!
قطب رياض حاجبيه بتعجب وقال: مصدوم؟!! اومال إنت كنت متوقع رد فعلي هيكون عامل إزاي!! هقعد جمبها أعيط مثلاا!!
رفع كتفيه إحتجاجًا وضيقًا في الصدر ثم قال: لا مقولتش كده، كنت إرميها لأبوهاا وهو حر فيهاا، إنما تقتـ.ـلها!!!
_ميحسش بالنار غير اللي ماسكها يا مراد، الكلام سهل لانك مكنتش مكاني ومحستش إحساسي كان إيه وقتها! أنا لو كنت دلقت عليها بنزين وولـ.ـعت فيهاا بردو مكانتش النار اللي في قلبي هتبرد!
بدا عليه عدم الإقتناع قليلًا ليقول الآخر: إنت عشانك عمرك ما حبيت ولا إرتبطت فـ بتبص للأمور بعقلانيه زياده عن اللزوم، تخيل معايا كده لو إنت راجل متجوز ومخلف ومراتك دي كانت بالنسبالك ملاك من السما!! وفي لحظه كل ده يتنسف وتشوفها بالوضع ده! كان وقتها هيكون إيه رد فعلك!!
إنزعجت ملامحه وبدا عليه النفور فقال رياض: شُفت إزاي إن مجرد التخيل مؤلم، ما بالك بالواقع!!
أخفض مراد رأسه أرضًا، لا يعلم بما يجيبه أو ماذا عليه أن يفعل! ، إنه حتي لم يستطع بعد أن يتبين أو يحسم موقفه!
_أنا مش بقوللك كده عشان أبرر لنفسي.. لا، اللي حصل حصل خلااص وأنا دفعت التمن، أنا بقوللك عشان نظرتك ليا متتغيرش.. مش عايزك تشوفني إنسان مجـ.ـرم، أنا مش هستحمل إنت بالذات تبصلي بصة إستنكار أو تخجل عشانك أخوياا.
إحتضنه مراد بقوه مقبّلًا جانب رأسه وقال بتلعثم قليلًا : عمري يا رياض، عمري ما أخجل إني أخوك، أنا طول عمري هفضل فخور إنك أخويا..
إبتسم رياض براحه رابتًا علي ظهره وقال: الحمد لله طمنتني.
زمّ الآخر شفتيه بأسف وقال: أنا آسف يا رياض، صدقني أنا مقصدتش أوصلك كده..
ربت رياض فوق كفه قائلاً: متتأسفش يا مراد، أنا فاهم كويس قصدك إيه.. أهم حاجة عندي زهره يا مراد.. ممنوووع تعرف حرف واحد عن الكلام ده.
_من غير ما تقول طبعا، متقلقش.
هز رأسه متنهدًا بهدوء ثم قال: أنا هحجز طياره خاصه ترجعنا مصر، خلاص مبقاش ليها لازمه القعده هنا.
هز مراد رأسه بموافقه وقال: ماشي اللي تشوفه.
هز رياض رأسه بموافقه ثم غادر الغرفه
رن هاتف رياض فأجابه مبتسمًا وقال: ألو، أيوة يا آصال.
حانت منه إلتفاته إلي مراد الذي نظر بغرابه فأكمل ضاحكًا: عندي ليكي مفاجأه..
برز صوت مراد حانقًا وهو يقول: إستني! مين دي؟
أشار إليه رياض أن ينتظر وتحدث إلي آصال وقال: مراد أخويا بيسلم عليكي.
_إستني بس أفهم هي مين الأول!
تجاهله رياض وتحدث إلي آصال مجددًا وقال: طيب بصي إنا هفهمه كل حاجه كده لإنه لسه مش عارف… وبعدين هكلمك تاني.
أنهي الإتصال ثم نظر إليه وقال: ناني مين وإقبال مين دلوقتي!! آصال تبقا خطيبتي!
_ لا والله!! خطيبتك بجد؟!
=اومال خطيبتي كده وكده!! خطيبتي وفرحنا كمان شهر!
_إحلف!! ده الظاهر إني فايتني كتير فعلا!!
ضحك رياض ثم قال: معلش هو يوم الصدمات بالنسبه لك، بس خلاص مش باقي حاجه معرفتهاش.
أومأ مراد متصنعًا الجدّيه وقال: مااشي.. علي كده بقا آصال دي حلوه؟!
=نعــم!! إحتد صوت رياض ليتراجع الآخر قائلاً: مش قصدي يعني، أقصد كشخصيه يعني..
=مممم، أيوة شخصيتها كويسه جداا.. لما نرجع مصر هتتعرف عليها أكتر.
_إن شاء الله.
=إن شاء الله ، يلا بقا عشان تتغدي وتاخد علاجك وبعدها نشوف موضوع الطياره والحجز!
نهضا سويًّا وإتجها إلي مائدة الطعام ليتناولوا جميعهم الطعام وسط جو يملؤه السرور والدفء.
…….
القاهره_مصـر
يقف معتز أمام مكتب رقيه وبيده صندوقًا مغلفًا وباقة ورد، طرق الباب ولمّا أذنت بالدخول فعل، رآها تجلس شاحبة الوجه، كسيرة الروح، يبدو عليها الحزن والألم واضحان..
تقدم منها ثم وضع باقة الورد أمامها علي سطح المكتب وقال: أنا آسف يا رقيه، متزعليش من الكلام اللي قُلته.
لم يتلقي منها أي رد،بل إنها حتي لم تلتفت إليه ؛ فجلس مجاورًا لها ممسكًا بوجهها يديره لمواجهته وهمس متوددًا: رقيه، بصيلي بقاا.
نظرت إليه بأعين تلتمع بحزن وخذلان وأمسكت بيده التي تمسك بوجهها وإنتزعتها بعيدًا عنها ثم قالت: لو سمحت يا معتز أنا مش عايزه أتكلم.
أدارت وجهها عنه ثانيةً وشخصت ببصرها بعيدًا هي تأبي النظر إليه و إرواء ظمأ روحه بنظرتها المحبه ليقول ملتاعًا من جفاها: رقيه، لو بتحبيني كلميني .
نظرت إليه وقد تساقطت دمعاتها وهي تقول: أنا بحبك يا معتز، بس إنت اللي للأسف مبتحبنيش.
أجابها بإستنكار شديد: أنا!!!
أومأت بتأكيد وقالت: أيوة إنت،لو كنت بتحبني فعلا مكنتش من أول خلاف بيننا تقوللي لو حصل كذا أنا من طريق وإنتي من طريق!
وأكملت ببكاءٍ جارف وقالت: للدرجه دي هُنت عليك!!
هز رأسه أن لا وقال: أبدًا ، عمرك ما هُنتي عليا أبدًا..
ثم إستطرد وهو يحاول أن يبسط الأمر إكثركي تتمكن من فهمه وقال: يا رقيه أنا عايزك تفهميني.. الكلام اللي سمعتيه ده ممكن يقلب الموازين في لحظه.. إنتي عارفه آصال لو عرفت كلام زي كده ممكن تعمل إيه؟! عمرها ما هتسامح رياض ولا هتنسي إنه داري عنها الحقيقه..
_طيب ماهو ده حقها! هكذا قاطعته بحنق ليقول: أنا فاهم إنه حقها، بس مش حقها علينا إحنا.. حقها عليه هو.. المفروض هو بس اللي يصارحها.. المفروض تعرف حقيقته منه هو مش مننا.. دي حياتهم هما مش حياتي ولا حياتك!
لم يَرُقها الأمر، علي الأغلب لم تقتنع بكلامه فقال: ثم إن رياض مؤكد هيصارحها بكل حاجه.. إمتا وإزاي بقا دي بتاعته هو.. هو اللي يقرر عايز يقوللها إمتا، لما هو يقولها ممكن تسامحه وتتفهم موقفه، إنما لما تعرف منك إنتي عمرها ما هتسامحه.
وتابع: أنا عارف إن ده مش صح، وعارف إنك زعلانه عشانها.. وأنا كمان صدقيني زعلان عشانهم هما الاتنين.. لكن للأسف مفيش بإيديا حاجه أعملها.. دي حياته هو ودي خصوصيته هو مينفعش عشان أنا قريب منه أقوم أتجاوز المسموح ليا.
أومأت بإقتناع إتسمت به ملامحها المنقبضه ليقول أخيرًا: رقيه.. عشان خاطري إوعي تكوني سبب بأي شكل ٱني أخسر رياض، أنا مليش غيره!
أومأت بتفهمت ليردف وهو يزيح خصلاتها التي تغشي وجهها وقال: ومليش غيرك إنتي كمان! إنتي كل حاجه حلوه في حياتي.
إبتسمت بسرور ليقول مبتسمًا: ضحكت يبقا قلبها مال، أفهم من كده إنك خلاص مش زعلانه؟
أومأت أن لا ليقول: الحمدلله، غمضي عبنيكي بقا عشان جايبلك هديه هتعجبك جدااا .
نظرت إليه بحماس وقالت بفضول: هدية إيه؟!
_,غمضي عينيكي الأول!
أغمضت عينيها وقالت: هااا..
_فتّحي!
فتحت عينيها سريعًا بإبتسامه سرعان ما تلاشت وهي تنظر له مردفه بحنق وإنزعاج: صبغه!! جايبلي صبغة شعر!!!
_أنا قولت بقالك كتير صبغاه أورانچ.. نغير بقا جايز النحس يتفك.
زمجرت بغضب ليقول: إيه هتتحولي ولا إيه!!
= إتفضل علي مكتبك يا معتز! يلاا وسيبني أخلص شغلي..قال صبغه قاال..
لكزها بكتفها بخفه مردفًا: وإنتي صدقتي بردو.. دي الصبغه دي حركه بس..
غاصت يديه في قاع الصندوق مجددًا ثم أخرج علبة قطيفه من اللون الأسود مستطيلة الشكل، فتحها لتتوسع عيناها بإعجاب وإنبهار ومدت يدها تلتقط ذلك السلسال وهي تقول: حلو أوي يا معتز..
ونظرت إليه مبتسمه بإمتنان وقالت: ربنا يخليك ليا.
إلتقطه من بين يديها وألبسها إياه وهو يقول: دي بقاا ياستي تفضل معاكي العمر كله، لحد ما ولادنا يكبروا ويسألوكي عليها وتقوليلهم إن بابا اللي جابهالي، عشان يعرفوا قد إيه أبوهم كان رومانسي وكله مشاعر..
_ إنت متفرج علي فيلم هندي قبل ما تيجي ولا إيه؟! سيبك من الشويتين دول يا معتز وإرجع معتز كراويه اللي أعرفه
نهض ضاحكًا وقال: أهي كراويه دي اللي بتفصلني من المود.. مش وش حالميات إنتي.
غادر مكتبها مسرورًا لأنه إستطاع كسب قلبها من جديد ورسم بسمةً خاصه به علي شفاهها مرة أخرى.
……….
كان رياض يجلس بمنزله وسط عائلته سعيدًا بعودة أخيه لعافيته وبوجوده ووالدته معه الآن، يقاسمانه فرحه ويشدان من أزره.
_أنا كلمت آصال وبلغتها إننا هنزورهم النهارده الساعه ٩.
ألقي إليهم مبتسمًا لتقول والدته مبتسمه بدورها: خير ما عملت يا حبيبي.
برز صوت مراد مبتهجًا وهو يقول: البيت هنا فيه مريح نفسيا..
أومأ رياض موافقًا وقال: صحيح، أمي بردو قالت نفس الكلام أول ما جت هنا.
_إنت هتقعد هنا أول ما تتجوز آصال؟
إختلس النظر إلي زهره والتي كانت تنظر إليه بترقب، تنتظر جوابه بإهتمام فقال: إحنا جهزنا بيتنا الخاص، لكن هنكون متواجدين هنا بردو، وطبعا زهره مكانها معايا منين ما أكون.. يعني لو هنكون هنا أو هناك فهي هتكون معانا.
إبتسمت الصغيره بسعاده أسعدته ثم حول بصره إليهم من جديد وقال: وطبعا سواء هنا أو هناك بردو كلها بيوتك يا أمي إنتي ومراد.
إبتسمت أمه مردفه بحنان: من غير ما تقول يابني، ربنا يهنيك ويسعدك.
قاطع حديثهم رنين جرس الباب ليقول رياض: ده معتز.
ثوانٍ وبعدها دلف معتز الذي أحدث جلبةً وفوضي بمجيئه حيث ركض سريعًا نحو مراد وإحتضنه بإشتياق بالغ.
كان عناقًا حارًا جاء بعد سنواتٍ طوال.. لم يبتعدا عن بعضهما البعض إلا أن قال رياض: خلااص بقا إنت وهو.. إيه الأوڤر اللي إنتوا فيه ده!
تفرق عناقهما، نظر معتز إلي مراد ثم لكزه بصدره وقال: ياااه يا مراد، كبرت يااض.
لكزه مراد بدوره بخفه وهو يقول: إنت اللي كبرت يا عم وشكلك كده بقيت جَد وخنيق!
أعاد معتز الكرّه ولكزه مجددًا وقال: يا عم والله أبدًا، أنا هلس زي ما أنا لسه.. إنت اللي شكل العيشه في كنداا غيرتك.
_عيشة إيه اللي في كندا إنت كمان! مانا كنت في غيبوبه يا غبي..
ضحك معتز قائلًا: أيوة صح، تصدق نسيت.. يلا الحمدلله علي سلامتك.
ربت مراد فوق صدره بمزاح وقال: الله يسلمك يا حبيبي ، قوللي أخبارك.. إتجوزت؟
إلتوي ثغره ساخرًا من حاله وقال: ولااااا الهواا. علي حطة إيدك من تمن سنين!
زمّ الآخر شفتيه متصنعًا الأسي وقال: لا حول ولا قوه الا بالله، إن شاء الله تتعدي من صاحبك قريب.
=علي الله التساهيل بقاأ.
نهضت والدته وذهبت لإعداد طعام العشاء ببنما تجمع الجميع حول المائده وبدأوا بتناول الطعام.
……..
في تمام التاسعه..
كان رياض قد وصل أمام منزل آصال وبرفقته كلّا من مراد وزهره ووالدته..
إنفرج الباب وظهر مهدي مبتسمًا بطلاقة وجه وقال مرّحبًا: يا أهلا وسهلا، إتفضلوا.
دلف رياض تتبعه والدته يتلوهما مراد الذي متكئًا علي تلك العصا التي يستند عليها أثناء سيره، صافح مهدي بتقدير فإحتضنه الآخر رابتًا علي ظهره وقال: حمدالله علي سلامتك يابني، الدنيا كلها نورت!
_ده بنورك يا عمي، متشكر جداا .
دلف إلي الداخل ومن بعده زهره التي مدت يدها تصافح مهدي بود وإرتسمت على محياها إبتسامه من ألطف ما يكون لينحني مقبلًا يداها بحنان كما فعل سابقا مما جعلها تسأله بود: إزي حضرتك يا جدو.
سلبت عقله وأسرت قلبه فإحتضنها بحنانٍ خالص وقال: يا حبيبة جدو، أنا كويس وزي الفل عشان شوفتك يا زهره.
إتجهت هي للجلوس إلي جانب والدها بينما جلس مهدي علي مقعده المخصص ورحب بهم ثانيةً: البيت نوّر بيكوا والله..
_طيب إيه بقاا مش هنشوف عروسة أخويا الغالي، ده أنا فايقلها من الغيبوبه مخصوص..
تحدث مراد بمرح، مبتسمًا بإتساع مما أثار ضحكاتهم جميعًا ليقول مهدي بإبتسامه ودوده: متتخيلش كلنا فرحانين بسلامتك قد ايه..
ربت مراد فوق صدره بتقدير وقال: ربنا يخليك يا عمي، عقبال ما تفرحوا بخطوبتي إن شاء الله.
هز رياض رأسه مبتسمًا بسعاده لعودة أخيه إلي مرحه ومزاحه وإنتبه جميعهم لمجئ آصال التي تقدمت منهم تحمل آنية العصير ثم وضعتها أمامهم و إعتدلت لتصافح مراد الذي ستتعرف عليه لأول مره .
نظرت إليه بإبتسامه سرعان ما تحولت إلي صدمه وحملقت به بعينان مشدوهتان وهي تقول: مراد.. مراد عبدالرحمن!!!!
_ آصال المهدي!!!!!
ساد الصمت بين الجميع و نظروا لبعضهم البعض بترقب وإستغراب..
_معقوله!! شكلك زي ما هو ماتغيرش خاالص . قالها وهو لا يزال يطالعها بصدمه فإذ بها تبتسم بإتساع وقالت: بس إنت إتغيرت.. طولت!!
إنفجرت ضحكاتهما سويًا ليقول ممازحًا: ٨ سنين نايم بقا مبعملش حاجه، بطول بس.
تضاحكا غافلين عن تلك الأعين المرتابه المترقبه ، عن زوج العيون ذاك الذي يشتعل غيرةً وتعصف به الظنون.
فهم مهدي ما يدور بخلد الجميع، والذي كان يراوده هو أيضًا فقال مديرًا دفة الحديث: إنتوا تعرفوا بعض ولا إيه يا آصال!
نظرت آصال إلي أبيها مبتسمه وقالت: أيوة يا بابا، مراد كان زميلي في الكليه وكان الأول علي الدفعه، وبعد امتحانات سنه أولي إختفي تمامًا وإتقطعت أخباره..
ثم نظرت إلي مراد وقالت: دلوقتي بس عرفت إنت ليه إختفيت فجأه..
نظر إليها مصطنعًا الضيق وقال بصوتٍ متقطع: مهو أنا طلعت الاول علي الدفعه من هنا … وإتمددت في غيبوبه ٨ سنين من هنااا..
_قصدك تقول إنك إتحسدت يعني مش كده؟
مازحته لترتفع ضحكاتهما سويًا وهما يتذكران تلك الأيام التي جمعتهما من قبل بينما كان رياض يطالعهم والحنق يزداد بداخله حتي بلغ منه مبلغه.
نظر إليها وهي تبتسم بإتساع وتتعالي ضحكاتها وهي تحكي له وتذكره بكل ما مضي وتحكي له عما صار بكل رحابة صدر حتي ضاق صدره!!
_مراد.. كفايه تهريج بقا! .. برز صوته حادًا وقد أخذ منه الضيق كل مأخذٍ مما أثار إنتباههم وأولهم هي التي نظرت إليه بإستفهام ليجيبها هو برمقاتٍ ناريه أخبرتها أن القادم لا يبشر بالخير.
نظر إليه مراد متعجبًا ضيقه وهمس إليه: في أيه يا رياض مالك؟!
_مفيش حاجه ، بس إحنا مش جايين نهزر ونهرج، إحنا جايين عشان تتعرف عليهم.
أردف ببساطه وتلقائيه: طيب مانا بتعرف عليهم أهو!!
أومأ محاولًا تصنع التفهم وقرر غض الطرف عن مزاحهم الذي يثير الغيرة في قلبه وأن يتجاوز قليلًا حتي تنتهي تلك المقابله وليخبرها بعدها ويذكرها بتحذيره الذي صار في طي النسيان.
إنقضي الوقت سريعًا وغادر رياض وعائلته بينما إتجهت آصال إلي غرفتها ليستوقفها والدها مناديًا: آصال إستني!
نظرت إليه بإنتباه وقالت: محتاج حاجه يا بابا؟
أشار إليها بالإقتراب وقال: تعالي عايز أتكلم معاكي شويه!
عادت إلي حيث يجلس وجلست إلي جواره ليقول بهدوء: أنا عارف إنك إتفاجئتي بمعرفتك لمراد، وإتبسطتي إنك شُفتي زميل ليكي من أيام الجامعه وده خلاكي تنسي إن زميلك ده أخو خطيبك اللي هيكون جوزك كمان شهر او اقل، وبدأتي تهزري وتهرجي وكإن الراجل اللي قاعد ده ملوش أي إعتبار عندك!
تعجبت نبرة والدها ولهجته الحاده التي تلهج بعا فأردفت بتساؤل: وأنا عملت إيه يا بابا! أنا كلامي مع مراد كان كلام عادي جداا وقدامكوا كلكوا.. وكل كلامنا كان علي أيام الجامعه والدكاتره بتوعنا…
_إنتي مش فاهماني يا آصال، يا بنتي خطيبك بيغير.. إنتي مشوفتيش منظره كان قاعد عامل إزاي!
تمتمت بدهشه: بيغير من أخوه! إستحاله!
= ليه إستحاله؟! أخوه ده مش عيل صغير، ده شاب ماشاءالله طول بعرض.. وبعدين هي الغيره تعرف أخوه ولا إبن عمه!! الغيره غيره والقلب واحد..
سكنت قليلًا، تردد كلامه بعقلها وقلبها وتتمعن به، بدا عليها الإقتناع بحديثه ليردف مستكملًا: لازم تكوني حريصه و حذره في تعاملاتك وكلامك مع أي حد.. مش عشانه زميل قديم وأخو خطيبك أو جوزك فيما بعد يبقا نهزر ونقضيها كلام.. خلي دايماا رياض قدامك وفي بالك وإعرفي إنه بيغير عليكي..
ثم تابع مشددًا أحرف كلماته وقال: و خلـــي بالــــك، الغيره بتخلي النفوس تشيل من بعضها.. فكري كويس في كلامي وإنتي تعرفي إني معايا حق.
أومأت بإقتناع وتفهم وقالت: معاك حق يا بابا.. إن شاء الله مش هتتكرر، هي كانت لحظه حماسيه بس مش أكتر..
_أنا فاهم وعارف ده كويس أوي، أصل إنتي بنتي عاجنك وخابزك بإيدي وعارف إنتي بتفكري في إيه من قبل حتي ما تعرفي إنتي.. إنما رياض لأ، رياض أه بيحبك و بيحبك جداا كمان.. لكن كل معرفته بيكي كام شهر.. بلاش تديلو عنك إنطباعات مش موجوده فيكي، بسبب تصرفاتك العفويه زياده عن اللزوم.
أومأت بتوكيد وقد ترسخ كلامه بعقلها وقلبها وأدركت حينها أنها لا شئ بدونه حقًا.
إحتضنته بحب وقالت: ربنا ميحرمنيش منك يا بابا.
مسد رأسها مبتسمًا وأضاف بحنوٍ فيّاض وقال: ربنا يباركلي فيكي يا بنتي وأفرح بيكي، يلاا روحي إنتي نامي وأنا هصلي ركعتين وأنام أنا كمان.
إنصرفت آصال إلي غرفتها وهي لا تزال تفكر بما قاله والدها، لقد أدركت فداحة ما صنعت بغير قصد أو تعمد منها وراحت تحسب حسابًا لمقابلتها معه غد!
الآن فقط فهمت سر نظراته التي كانت تتقد غضبًا وحنقًا، لم تلق لها بالًا أبدًا ! .. وعلي ما يبدو أن نظرته الأخيره كانت ذات مغزي.. لم ينظر إليها بتوعد هكذا هباءً!
قررت أن تبدأ بمراضاتِه قبل أن يتفاقم غضبه منها فأخرجت هاتفها وقامت بالإتصال به.. مره، إثنتان، ثلاثة مرات ولم يُجِب إتصالها!!!
لا بد أنه شَرَع في تنفيذ معاقبتها منذ الآن! علي ما يبدو أنها ستواجه غدًا صعيبًا!
كعادتها، لجأت إلي دفتره المكتظ بالآلام والآمال، أخرجته من خزانتها وأمسكت بقلمها و خطّت له تلك الرساله علّها تكون المنقذ.
…
” أحببتك حتي رأوك في عيني ، وسمعوك في ضحكتي، وشعروا بك في حديثي .. أحببتك حتي صار بعضك أغلبي!
فـ أنت لي، و أنا لك.
لا تناسبك أنثي سواي ، و لا يليق بي رجلٌ سواك.
إمتلأت بك عيناي و كفّايّ وحواسي أجمع!!
أحببتك حتي علمت بأنك عالم يسكن بداخلي ؛ فأضيع بك ولك وإليك.”
….
في الصباح..
ترجلت من سيارة الأجره ودلفت إلي مبني الشركه وإتجهت علي الفور إلي مكتبها .
بدأت بترتيب تلك الملفات التي ستحضرها إلي مكتبه وإستعدت ثم ذهبت إلي غرفة مكتبه وطرقت الباب..
طرقاتٍ متواليه ومن بعدها أمرها بالدخول ففعلت..
نظرت إليه لتجده منكبًا علي تلك الأوراق يتفحصها بإهتمام ؛ فإقتربت من مكتبه ثم وضعت ما بيدها أمامه.
رفع ناظريه إليها قليلًا ليراها تنظر إليه وقد فاض الشوق من عينيها، أخفض عنها عيناه دون أن يُبدِ إهتمامه ثم قال: تمام، إتفضلي إنتي علي مكتبك!
إرتفع حاجبيها وتوسعت حدقتيها بدهشه من كلماته المقتضبه!! إنه يعاملها برسميه شديده كما لم يفعل من قبل!
_رياض…
ودت أن تستفسر عن ملامحه المنقبضه بإنزعاج، عن لهجته الآمره التي لم يستخدمها معها من قبل! لكنه قاطع حديثها بحده أكثر من ذي قبل وقال وهو لا يزال يطالع الأوراق: بعدين يا آصـال..
ثم رفع ناظريه إليها وأضاف بنبره شبه متوعده: بعدين نتكلم.
هزت رأسها بكبرياء وإنصرفت علي الفور إلي مكتبها بينما زفر هو بضيق وألقي ما بيده بإنزعاج..
نهض ووقف أمام نافذة مكتبه وأشعل سيجارةٍ سمحت له بالتفكير و التروّي قليلًا..
إنه لم يخطأ، لو تعلم هي أنه لم يذق طعم الكري ولم يكحل النعاس جفنيه من فرط ضيقه! ظل يتقلب علي فراشه كمن يفترش الجمر من أسفله وهو يحاول إخماد الغيره التي نشبت في قلبه وضربته بجنون!
لو تعلم كل ما أصابه لأشفقت عليه!
تنهد بضيق وهو يتذكر ضيقها وإنسحابها بصمت فسحق السيجارة في المنفضه وإتجه إلي مكتبها علي الفور.
كانت تطرق الأرض بقدميها بتوتر وهي تجاهد كي لا تنفجر في بكاءٍ مرير.
إستمعت إلي طرقاته المميزه علي باب مكتبها فسحبت شهيقًا طويلًا ملأت به رئتيها ثم أذنت بالدخول بعد أن تصنعت الإنشغال بمهامها.
دلف بهدوء وعيناه لا تفارقها وهي تتعمد تجنب النظر إليه .. جلس علي المقعد المقابل لها ينتظر أن تنتبه إليه ولكنها لم تفعل.
كان يفهم شعورها، يفهم ما تقصد فعله وكيف أنها تثأر لكرامتها كما تظن!
_آصـال. .. ناداها كي تلتفت له ولكنها أثارت حنقه عندما أجابت نداؤه بإقتضاب وهي لا تزال تثبت ناظريها بالورق أمامها: أفندم؟
إحتقن وجهه بدماء الغضب و مد يده وإنتزع قلمها من بين يديها وهو ينظر إليها بثبات..
ثوان ورفعت عيناها بإتجاهه ببطء ثم نظرت إلي القلم بين يديه و مدت يدها لتلتقطه فأبعد يده عنها بخفه ووضع القلم بجيب بنطاله..
زفرت هي بحنق وقالت: من فضلك القلم.
نظر أمامه دون أن يعير ضيقها وغيظها إهتمام وأردف ببرود: عيزاه تعالي خديه!
إرتفع حاجبيها بتعجب ثم فتحت درج المكتب وأخرجت واحدًا غيره وعادت تكمل عملها وتجاهلته.
إنتزع القلم من بين يديها مرة أخرى وقال بصرامه: كملي شغلك بعدين!
نظرت إليه بعينان غاضبتان وأردفت بإستياء: هي كل حاجه هنا بأمرك!! هنتكلم بعدين، كملي شغلك بعدين!! وأنا عليا السمع والطاعة وبس، أتكلم وقت ما تحب وأسكت وقت ما تحب.
نظر إليها قاصدًا إثارة غيظها وقال: الكلام ده ليا أنا؟!
إستولي عليها الغضب أكثر وقالت وهي تصر على أسنانها بغضب: إنت شايف إيه؟!
نظر إليها وقال: والله اللي شايفه غير كده خاالص، حضرتك بتتكلمي وقت ما تحبي وتسكتي وقت ما تحبي.. بتهزري وتضحكي وتهرجي براحتك جداا من غير ما تعملي حساب للنطع اللي إنتي هتتجوزيه!
ثار فجأه وإحتقنت عيناه غضبًا وقال: أفتكر أنا حذرتك قبل كده لو شفتك بتتكلمي مع أي راجل هتكوني إنتي المسئوله عن اللي هيحصل!
نظرت إليه بغير تصديق وقالت: بس أنا ماتكلمتش مع أي راجل.. ده أخوك، والمفروض إنه كان زميلي في يوم من الأيام.. ثم إن هو كان جاي يزورنا عشان نتعرف علي بعض!
علا صوته فجأه وزاد تشنجه غير مبالي بدهشتها وقال: تتعرفوا علي بعض شئ وتقضيها هزار وذكريات وضحك من الودن دي للودن دي شئ تاني!! ده كان ناقص تضربوا كف علي كف!!
إمتنعت عن الحديث وظلت تطالعه بصمت مثلما يفعل هو تمامًا.
لا تعرف كيف عليها أن تصلح ما أفسدت! ربما عليها أن تشرح كثيرا وتخبره أنها لم تتعمد إثارة غيرته.. ربما يجدي نفعا!
نهض هو بعد أن أثقله الحديث تعبًا وقال وهو يغادر غرفتها: علي كلا متشغليش بالك وركزي في شغلك!
إستدار و هم بالإنصراف لتستوقفه هي قائله: رياض!
لم يلتفت، نظر إليها بجانب عيناه وقد حرك رأسه بإتجاهها قليلًا و هز رأسه بإستفهام فنهضت هي من خلف مكتبها ووقفت خلفه مباشرةً وآثرت الصمت حتي إستدار لها بكامل جسده وتنهد ثم نظر إليها وضع يده بجيبه وهز رأسه بتساؤل صامت لتقول وقد أغشت الدموع عيناها: أنا آسفه، مكنتش أقصد أضايقك صدقني.
زفر طويلًا وإنتزع يداه من جيبه و بيده اليمني إجتذبها إليه مقبّلًا جبينها وأردف بحب: متتأسفيش يا حبيبي، أنا مش مضايق منك أبدًا..
سالت دمعاتها علي جانب خديها وهي تستعتبه قائله: اومال ليه كلمتني بالاسلوب ده في المكتب وكأنك مكنتش طايقني..
ضحك وهو ينظر إليها بهيام مردفًا: وقتها مكنتش طايقك فعلا بس دلوقتي بحبك..
وبيده اليسري مسح آثار الدموع من علي وجنتها برقه وعاتبها بحب قائلا: أنا كنت متضايق بس من الهبل اللي حصل إمبارح، لكن أول ما شوفتك نسيت كل حاجه..
وضغط بإصبعيه علي أذنيها بقوه طفيفه مردفًا: لكن ده لا يتعارض مع إنك كان لازمك قرصة ودن صغيره كده وخدتيها..
لم تنقشع إبتسامته وهو يتحدث إليها لتشعر بالسعاده تغمرها وهي تستمع إليه يغدقها بحبه ويحتويها بحنانه.
إبتعدت عنه خطوةً للخلف وقالت بإبتسامه عريضه: طيب ممكن بقا تخلص شغلك بدري عشان تيجي معايا البروڤا..
أشار إلي كلتا عيناه واحدة. تلو الأخري مردفًا: من عنيا الاتنين.. ولو عايزاني أسيب كل حاجه ونروح دلوقتي معنديش مشاكل.
قاطع حديثهم رنين هاتفه فأجابه قائلا: أيوة يا معتز!
_رياض تعالالي دلوقتي حالا…
ـــــــ