_الفصـل السادس والثلاثون_
في مطـار القاهـره الدولـي..
كانت الطائره قد أوشكت علي الإقـلاع لينظر حينها معتز إلي رقيه قائلًا: أحلي حـاجه في الدنـيا الطيـران ، إنك تكون طايـر كده بين السما والأرض وبتتفرج علي الكون كله من حواليك إحساس ولا أروع!
كانت رقيه تهز رأسها بتأييد دون أن تنظر إليه وعلي شفتيها ترتسم إبتسامه ساخره ليقول: ضحكتك الصفـرا دي مش مريحاني..
وبتر كلماته عندما حلّقت الطائره بالجو لتمتد يده المجاوره ليدها ويتشبث بها مغمضًا عيناه وهو ينطق الشهادتين بشفتان ترتجفان من فرط الخوف..
كانت رقيه تقاوم ألا تنفجر ضاحكه علي تناقض حالتهُ السريع فقالت: إنت هتفضل مكلبش فيا كده؟ المفروض أنا اللي أكون ماسكه فيك علي فكرا..
نظر إليها بإنزعاج وقال: هي أي شكليات وخلاص؟ تمسكي فيا ليه مانتي قاعده وَحـش في الكرسي بتاعك أهو، الدور والباقي عليا أنا اللي عندي فوبيـا من ركوب الطيارات.
طالعتهُ بحنق مردده بإستياء: ولما إنت عندك فوبيا من الطيارات إيه اللي مركبك طياره؟!
_أومال يعني هاخدك روما علي الجَمل مثلا ؟! إسكتي يا رقيه عشان مش ناقصاكي دلوقتي ، أنا أعصابي كلها سايبه.
دقائق وبدأت المضيفه بتقديم مشروب الترحيب إلـي الركاب لتتقدم من مقعديّ معتز ورقيـه ثم قدمت إليهم كأسان من العصيـر ورفَعَت ناظريها بإبتسامـه عمليـه وهي تقول: رحله سعيده يا فندم.
ثم حدقت بمعتـز بدهشه وهي تقـول: معتـز!!
_آشكـي!! يخربيت عقلك إنتـي إتوظفتي في الطيران من إمتا!؟؟
= بقالي تلت سنين أهو ، قوللي دي مراتك؟
تسائلت وهي تنظر إلي رقيه ليقول مبتسمًا وقد أحاط رقيه بذراعه: رقيـه مراتـي.. شُفتي حلوه إزاي؟
إبتسمت الأخري بوّد مردفه: زي القمر فعلا، طول عمرك بتقع واقف يابن اللذينه .. فاكر رانيا؟
رانَ بصرهُ نحو رقيه التي كانت تطالعهما بغيظ وترقب ثم سألها بقلق: رانيا زهران؟
_أيـوه هي.
=لأ مش فاكرها ، فات سنين بقا يا آشكي والذاكره مش ولا بد يعني ، وإنتي عامله إيه دلوقتي ؟
إبتسمت مردفه: أنا كويسه الحمدلله ، إتجوزت وإتطلقـت!
تفاقم غضب رقيه وبدأت وتيرة أنفاسها تتصاعدها ليضطرب داخله أكثر وقال: معلش، كله خير إن شاء الله .
_ مجيبتوش بيبـي ؟! تسائلت بفضول لتجيبها رقيه بلهجه حاده: لسه متجوزين بقالنا أيـام ..
أردفت متفهمه: آاااه.. يعني عرسان جداد و ده الـ honey moon بتاعكوا؟
أومأت رقيه بإبتسامه سمجه لم تصل إلي عيناها وأردفت: في حد ورا بينادي عليكي ، تقريبا عايزينك تعملي لهم شاي هناك.
هزت رأسها بهدوء وحرج ونظرت إلي معتز قائله برسميه: عالعموم مبسوطه إني شفتكوا ، وألف مبروك علي الفرح.
تخطّتهم لينظر معتز إلي رقيه وقال مستعتبًا : هو إيه اللي عايزينك تعملي لهم شاي هناك؟ إنتي شيفاها قاعده بنَصبة شاي وقهوه عالبحر؟!
و تنهد بإستياء مردفًا: ساعات بحس إنك شايله عقلك و حاطه مكانه ربطة كرفس.
نظرت إليه بطرف عينيها وإرتفع حاجبها بضجر ثم قالت: سيبنالك إنت العقل والحكمه يا كراويه بيه.
_أه إتريقـي، كل ده هيطلع عليكي بعدين ، ننزل بس من الطياره أحياء نُرزق وأنا أعرفك قيمة كلامك ده!
أشاحت بوجهها جانبًا دون إكتراث لتتفاجأ به يجذبها إليه ثم أسندَ رأسها علي كَتِفهِ وأسند رأسه فوق رأسها ثم أغمضا عيناهما وإستكانا لبعض الوقت.
…………
يرقد علي جانبه الأيمن يطالعها وهي تنام إلي جواره بوداعةٍ تليق بها لتزحف الإبتسامه نحو شفتيه وهو يري تقلبها في الفراش مما نجم عنه إقترابها منه أكثر لتستقر يدها إلي جواره مما أسعدهُ كثيرًا و راح يتذكر أين كان اليوم الماضي و كيف أنه كان وحيدًا يتطلع بالفراغ من حوله ، وأين أضحي اليوم وكيف أنهُ يشاركها نفس المنزل ونفس الغرفه ، بل ونفس الفراش أيضًا!.
راح يتخيل هيئتها عندما تفيق من نومها!
تُري كيف تبدو عندما تستيقظ والنوم يملأ عينيها؟ بالطبع تبدو جميله و فاتنه كعادتها!.
رآهـا وقد فرّقت بين أهدابها ثم حملقت بهِ بدهشه وأوصدتهما لثانيتين ثم عادت تنظر إليه وقد انعقد ما بين حاجبيها وهي تحاول إستيعاب الموقف لتزول تقطيبة جبينها عندما تداركت الموقف وتذكرت ما حدث.
إرتكزت بكفيها في الفراش وتراجعت للخلف لتقول وهي تتثائب وهي تثني ذراعيها للخلف: صباح الخيـر..
تبسم وهو يطالع هيئتها اللطيفه عن كثب ثم إقترب منها و مال نحو وجنتها ومنحها قُبلةً مفعمه بالحب وأردف: صباح النـور..
ثم خرج من الفراش وقال وهو يتجه نحو الخارج: علي ما تجهزي أكون لبست عشان نخرج نفطر بره..
صدح صوتها الخافت تجاهد كي تبرزه وهي تقول: رياض إستني..
إستدار إليها بنصف جسده لتقول: مش عايزه أخرج ، مش حابه..
ضغط حاله أكثر لئّلا يظهر غضبه و إستياءه وقال: معلش، محتاجك معايا في كذا حاجه النهارده.
علي مضض.. أومأت بموافقه هادئه ، نهضت من فراشها وإتجهت نحو المغسل ثم نَعَمَت بحمامًا دافئًا وخرجت من بعدها ترتدي رداء الإستحمام ودلفت إلي غرفة الملابس الملحقه بالغرفه و وقفت تتطلع إلي ملابسها التي إختارتها بعنايه من قبل.
لا تدري لما خطرت ببالها الآن ذكري ذلك اليـوم الذي لا تحب تسميته ولا تذكر اي لحظه فيه لتنتفض فجأه عندما أحست بأحدهما يقف من خلفها فإلتفتت لتجده يقـف خلفها مثبتًا حدقتيه نحوها وهو يقول: كنت عايز أخد هدومي .
أطرقت رأسها أرضًا وتحركت خطوه لليسار ليتحرك يسارًا كما فعلت فإنتقلت لليمين ليتحرك يمينًا قاصدًا مزاولتها فنظرت إليه بحنقٍ زائد ليقول: وبعدين معاكي؟
إرتفع حاجبيها ورددت بغيظ وإستهجـان: وبعدين معايا أنا؟
خطت نحو الخارج خطوه ليمسك بيدها وهو يقول: إيه رأيك تختاري معايا الهدوم اللي هلبسها النهارده ؟
نظرت إليه بتعجب يشوبهُ التوتر وقالت بحده: وإنت يعني مش هتعرف تختار هدومك زي كل يوم؟ ولا هيا تماحيك وخلاص ؟
أومأ مؤكدًا وقال بهدوء : تماحيك وخلاص.
ضحكَ وجهها لا إراديًا مما أشعرهُ بالحماس ليتوقف أمام خزانة الملابس وهو يقول : إيه رأيك ؟! الچينز الإسود ولا الأزرق؟
نظرت إليه بحاجب مرتفع وسألته: ليه إنت رايح فين ؟
زم شفتيه بملل ثم أرخاهما وقال بإيجاز: قولي بس..
عقدت ذراعيها أمام صدرها بتحدٍ صريح وأردفت: مش هقول غير لما تقوللي الأول رايح فين؟
ضحك عاليًا وقال: أولا إسمها رايحين فين! ، ثانيًا بقا يا ستي هنروح نفطر وبعدها هنروح نختار لبس عشان حفلة إفتتاح مشروع زايد أخيرًا.
أومأت بعد أن تنهدت مطولًا وقالت وهي تشير إلي بنطال أسود: ده كويس ، و معاه التي شيرت ده!
أوكأ مؤكدًا لتهز رأسها بدورها وإستدارت لتخرج من الغرفه وهي تلقي إليه: ياريت متتأخرش عشان عايزه أغير هدومي..
أمسك برسغها يمنعها من الخروج فإستدارت له تطالعه بإستفهام ليقول مدّعيًا البراءه: مش المفروض زي ما اخترتي معايا اللبس اللي هلبسه أنا كمان أختار معاكي اللبس اللي هتلبسيه؟
زمت ثغرها المكتنز في حنق وقالت: لا متشكره ، أنا بحب أعنمد علي نفسي.
جذبها إليه بحركةٍ خاطفه حتي تلاصقا وقال وهو يهمس إليها بلوعةٍ: طيب ما تعتمدي عليا ، ما انا نفسك بردو.
طالعتهُ بتعجب من شخصيته الجديده كليًا وقالت بإستفهام: في إيه مالك؟
_بحبـك!
هكذا أقرّ بعشق وأكمل: بحبك ونِفسي تسامحيني ، نِفسي ترجعيلي آصال بتاعة الأول اللي كانت بتقول إن مفيش حاجه ممكن تفرقنا .
إزدردت ريقها بإرتباك وسحبت شهيقًا طويلًا زفرتهُ بتمهل وعي تستمع إليه بينما يستطرد ما بدأ : نِفسي ترجعي تحبيني يا آصـال.
أغمضت عينيها بألم داخلي يملؤها وحاولت تهدئة أنفاسها المتصاعده ليزداد الأمر سوءًا عندما إنحني لمستوي وجهها و خَتَـمَ بفمهِ قبلةً ناعمه علي جانب ثغرها ليسقط قلبها صريعًا في الحـال.
تلذذت بقربه الخاطف لينهرها عقلها فورًا عما سمحت به أن يحدث وتراجعت للخلف وهي تقول بصوتٍ مرتجف: إنت بتعمل إيه ؟ هو إنت مفكر عشان رضيت أفضل معاك هنا يبقاا هنكمل حياتنا زي أي إتنين متجوزين وكده؟ بلاش توهم نفسك بحاجات مش هتحصل.
القت إليه بكلماتها اللاذعه وهي تتحاشي النظرإلي عيناه اللتان تبدلتان إلي القتامه وخرجت من الغرفه و إتجهت نحو الغرفه المجاوره وأخرجت هاتفها تتسلي به حتي يخرج هو من الغرفه ليصل إلي سمعها صوت رنين هاتفه مراتٍ متتابعه فإنتقلت من الغرفه للخارج لتجده يقبع فوق طاولةً مستديره بزاوية الردهه ، تقدمت نحوهُ وإلتقطتهُ تتبين هوية المتصل ليتفاقم غضبها منه عندما تبينت هوية المتصل.
كان قد غادر الغرفه لتوه ليجدها تقف ممسكه بهاتفه بين يديها فقال: مين بيتصل؟
صوّبت عيناها تجاهه بتحفز وغضب شديدين وتلهَجَت بحده: كارولين!!
زفر بملل وأجابها: طيب سيبك منها وتعالي لو هتغيري هدومك.
نظرت إليه بإستنكارو برز صوتها غاصبًا وهي تقول: أسيبني منها إزاي يعني؟! و ست كارولين دي عايزه منك إيه؟
رنّ هاتفه بإسمها مجددًا لترفع إليه الهاتف وقد ملأها الغل و السخط لتريه أنها من تتصل ثانيةً ليقول: طيب ردي عليها قوليلها هو مش موجود وبعدين هخليه يكلمك.
_ وتكلمها ليه بعدين ولا دلوقتي؟؟
تسائلت بإنزعاج وتحفز ليجيبها بإنزعاج مشابه: أهو كلام يا آصـال ، ردي عليها عشان تبطل ترن.
تأهبت وتحمست وأجابت الإتصال بهدوء وقد إمتلأ صوتها بالدلال والنعومه وهي تقول: ألـو؟
طالعها ريـاض متعجبًا وإرتسمت علي ثغره إبتسامه مزهوّه وهو يسبر أغوار تلك المتمرده التي تظهر له الجفاء والبرود وداخلها يشتغل بالحـب و الغيـره!
= ألو ، مين بيكلمني ؟؟ ده تليفون رياض؟
تسائلت كارولين بتعجب لتجيبها آصال وهي تحاول التمسك بثباتها الإنفعالي إلي آخر لحظه : أيوه ده تليفون ريـاض ، بس هو مش فاضي دلوقتي ، ممكن أعرف إنتـي مين عشان أقولله ؟
تعجبت الأخري من سؤالها وأردفت: أنااا.. كارولـين ! أنا already تليفوني معاه!
أضجرها حديثها و نبرتها الواثقه لتقول بفظاظه خفيّه : لأ تليفونك مش معاه ، الرقم annown مش ظاهر بإسم للأسف !!
مطّت شفتيها بضيق وتعجب ومن ثم أردفت: أوك ، بلغيه إن أنا كلمته وكنت حابه أتطمن عليه.. تشاو.
أنهت المكالمه وأسندت الهاتف إلي الطاوله مجددًا ونظرت إليه بملامج منزعجه ثم قالت: ممكن أعرف ست كارولين دي بتكلمك ليه؟
نظرإليها ببساطه مردفًا: عادي يا آصال هي كل فتره بتكلمني..
حدجتهُ بنظراتها الملتهبه الغاضبه وتسائلت وهي تردد كلماته بإستنكار: كل فتره بتكلمك إزاي يعني ؟! وتكلمك كل فتره ليه إن شاء الله ؟ ورقم تليفونها عندك بيعمل إيه أصلاا ؟!!
_ يا حبيبـي ما في خمسين واحده رقمهم معايا ، بس لا بكلمهم ولا فاكرهم أصلاً..
قاطعته مهتاجة النفس وقالت: وكمان بتقولها في وشـي؟!
تقدم منها يحاول إخفاء إبتسامته التي تسللت إلي شفتيه ووقف أمامها مباشرةً وأردف بهدوء : بس لو أفهم معصبه نفسك ليه؟ كل ده بسبب كارولين؟ خلاص هعمل لها delete من التليفون لو ده يرضيكي؟
هدأت ثورتها قليلًا وأصبحت تتنفس بهدوء اكثر ليمد يده ويعيد خصلاتها خلف أذنها مهندمًا شعراتها وهو يقول بتسليه: شايفك غيـرانه!
حملقت به بعينان جاحظتان وأردفت: غيـرانه!؟ لا طبعًا.. كل ما هُنالك إن كبريائي ميسمحليش أقبل إن جوزي يكون علي تواصل مع أي واحده غيري.
راقتهُ كلماتها لينفرج فاهُ عن إبتسامـةٍ عذبـه وأردف بجدّيه : متقلقيش، جوزك مش شايف غيرك إنتي وبس!
أزالت كلماته ما بها من غضب وإنفعال ، وجعلتها تهدأ وتسكن سريعًا فأومـأت بإقتضاب وقالت: هغير هدومي.
فرّت من أمامه بسرعة الريـح و تركتهُ يتنهد بحيره و لوعه متمتمًا بقلة حيله: وبعديـن معاكـي يا آصال!
……..
فـي فنـدق من أفضـل فنـادق رومـا عاصمـة النــور..
دلفا كلًا من معتز ورقيه اللذان غادرا المطار لتوّهما وتوجها نحو قسم الإستقـبال ليطلق معتز صفيرًا معجبًا وهو يتفحص المكان من حوله سريعًا ثم قال: إلعـب يا سمـك!
توقف عند ذلك الحد عندما لكزتهُ بيدها بحنق ليقول: دول فنكوش يا روحي ، هو في زيك إنـت يا جميل؟
توقفا أمام موظفة الإستقبال التي إستقبلتهم بإبتسامه عمليه و قامت بتسليمهم مفتاح الجناح الخاص بهما.
ما إن دلفا إلي غرفتهما حتي تهاوا إلي الفراش بتعب ليقول معتز: الحمد لله إننا لسه عايشين! مكنتش مصدق .
ضحكت عاليًا وأردفت: للدرجه دي بتخاف من ركوب الطياره؟
أومأ قائلًا: الحاجه الوحيده اللي عندي فوبيا منها هي الطيارات ، طول عمري مبحبش أركب طيارات لكن أحيانا كتيره كنت بضطر عشان الشغـل وكده ، خاصةً لو ريـاض مش فاضي ولازم أنا اللي أسافر.
عند ذكر إسمه فورًا تبسم مردفًا: يا تري عاملين إيه؟
_أنا شويه وهكلم آصـال وهفهم منها كل حاجه ، يارب بس تكون لسه معاه
=لا متقلقيش ، ريـاض إستحاله هيسيبها بعد ما الفرصه جت لحد عنده .. إنتي متعرفيش رياض! ده قتيل الفرص..
إنحنت لتتكأ علي جانبها ونظرت إليه بإبتسامه ثم مدت يدها تحيط بها وجهه وقالت : وأنا قتيلتك ..
تمسك بيدها وقبّل راحة كفها ثم قال: إنتي حبيبتي و روح قلبي.
_بجد يا معتز؟ تسائلت بإبتسامه ليجيبها علي الفور بتوكيد : عندك شك ولا إيه؟
هزت رأسها بالسلب ليقول وهو يحيط خصرها بذراعه : بقوللك إيه، كان في كلمتين كده ناسيهم ودلوقتي إفتكرتهم.. تعالي أقولك..…
…………
توقف رياض بسيارته أمام احد المطاعم الفخمـه التي تطل علي البحر مباشرة ثم ترجل من سيارته تتبعهُ آصـال..
إستقبلها الهواء و رائحة اليـود التي تنعش داخلها وتنتزع منها كل الطاقه السلبيه التي تستحوذ عليها.
سارت إلي جانبه لتجده يمسك بكفه كفها بقوه وسارا معًا إلي الداخل بعد أن أطلقت تنهيدةً مطمئنه .
جلسا حول طاولةٍ مقابله للبحـر و طلَب طعام الإفطـار لهما ثم نظر إليها ليجدها شاردةً تنظر أمامها بهدوء وصمت ليمسك بيديها بين يديه يحتضنهما بحب وهو يتابع إنفعالاتها فلَم تُبدِ أي تعبير مما جعله يشعر بتشتتها و ذلك التيه الذي يحيط بها.
_آصـال. ناداها فإلتفتت له نصف إلتفاته ليقول بحيره مشابهه: مالك يا حبيبي ؟ بتفكري في إيه؟
عادت بنظرها إلي البحر من جديد وأجابته: في كل حاجه! كل حاجه بتحصل من حوالينا وإحنا ملناش يد فيها!
ونظرت إليه ثانيةً وقالت: تعرف؟
همهم متسائلاً بإبتسامه عذبه لتقول وقد إستكانت يداها بين يديه : أنا إكتشفت إن الدنيا مسرح كبير جدا .. فيها الماريونست اللى بيتحكم في كل حاجه وخيوط اللعبه كلها بين إيديه ، وفيها الماريونت اللى بيستسلم و يوافق يتحرك بين صوابعه من غير ما يكون له رأي ولا موقف …
نظرت إليه بصمت ليؤكد مدي صدق حديثها بإيماءة من رأسه لتستطرد قائله: يعني أنا مثلا ..
و توقفت عن الحديث ثم إمتدت يدها تلتقط كأسًا من الماء تجرعت نصفه وأسندته علي الطاوله من جديد ثم نظرت إليه وتابعت : أنا مثلا.. مش شايفه إني كنت صاحبة ولو قرار واحد في حياتي! بقبل بالمعطيات اللي الحياه بتديهالي وخلاص من غير إعتراض أو رفض أو من غير حتي تفكير! سواء دراسه أو شغل أو صحاب أو..
وإمتنعت عن الإستئناف ونظرت داخل عينيه بقوه وأكملت: أو حب!
_ كل حاجه حصلت في حياتي جت بالصدفه، أنا مخترتش ولا حاجه! .. الدنيا بتشيلني من هنا تحطني هنا وأنا ما عليا غير إني أتقبل الوضع وأتعايش معاه وأنسي اللي حصل .. زي الماريونت بالظبط .
لقد أصابت الهدف بحديثها !
دائمًا ما يجد بها شيئًا مميزًا ، ملفتًا ، يستحق التدبر والإمعان !
كلماتها تلك لم تكن عبثيه أو مجرد فوضي بداخلها، إنما كانت تصويرًا لواقع يعيشه الجميع.
أومأ مؤكدًا وقال: مظبوط ! بس مش إنتي لوحدك اللي كده ؛ كلنا كده. الظروف والعلاقات الانسانية والناس اللى حوالينا هما دول الخيوط اللى بيحركونا! هما دول اللى بيتحكمو فى حركاتنا.. وكل ما الدايرة المحيطة بالشخص وسعت حركته بتقل ! لانه بيبقا محكوم بظروف اكتر و ناس أكتر بتحركه.
هزت رأسها بموافقه ليقـول: محدش مرتاح يا آصال ؛ إلا الشخص المنعزل اللي عايش لوحده وملوش علاقه بحد ، هو ده اللي بيعمل اللي يحلي له ، هو اللي في إيديه الخيوط كلها ..
ثم إستأنف ضاغطًا أحرف كلماته كتوكيد علي معناها: لكن قصاد ده بيخسر كتير .. بيخسر حب، ود، صحاب.. مفيش حد بياخد كل حاجه .
أومأت بتأكيد ليقول مبتسمًا: يلا نفطر بقا وبعدها نروح نشوف حوار اللبس ده..
شَرَعَا في تناول فطورهما ليصله رنين هاتفه فنظر به وقال لها: دي أمي.
أجاب الإتصال مبتسمًا بلطف وقال: أيوة يا أمي ، إزيك؟
برز صوتها الحنون تقول: الحمد لله ، إزيك إنت يا حبيبي و مراتك عامله إيه؟
ضحك وهو ينظر إلي آصال ثم قال: مراتي بخير الحمدلله ، قاعدين أهو بنفطر.
_إنتوا كويسين يا حبيبي ؟ الدنيا تمام؟
=الحمد لله يا أمي إحنا تمام ، إحتمال أفوت عليكوا بالليـل بقالي يومين مشوفتش زهره.
_خلاص هات آصال معاك ونتعشي سوا ، إيه رأيك؟
=حاضر إن شاء الله ، يوصل من عنيا .. مع السلامه.
انهي الإتصال وأسند الهاتف إلي جوار يده وعاد بتناول طعامه وهو يقول لها: أمي هتنتظرنا علي العشا النهارده ، لو مش حابه تروحـ..
_لأ عادي مفيش مشكله. قاطعته بهدوء ليمنحها إبتسامةً صافيه ومن ثم أكمل طعامه بشهيةٍ مفتوحه.
…………
بعد أن غادرا المطعم إستقلّا سيارتهما من جديد متجهين نحو إحدي بيوت الأزياء التي يصمم رياض بدلاته لديها كي يختارا ملابس حفلة إفتتاح المشروع الجديد..
كانت يده تستند علي طارة القياده والأخري تستند على حافة النافذة المجاوره له ليقوم بإمساك المقود بيستره وبيده الأخري قام بتشغيل كاسيت السياره وإختار أغنيه هادئه ليستمعا إليها سويًا.
نظر إليها ليجدها شاردةً تنظر إلي جوارها فإلتقط كفها ورفعه إلي فمه ثم طبع فوق يدها قبلةً حانيه لتنظر إليه بعينان عاشقتان يفيض منهما الحب حاي وإن أنكرت ذلك.
إستمعت إلي رنين هاتفها بحقيبة يدها فأخرجته وإبتسمت لا إراديًا عندما رأت إسم والدها ثم أجابته بحماس : أيوة يا بابا ، وحشتني جدا.
علي الجانب الآخر ، تنهد والدها بفرحه وإرتياح عندما أدرك صفحها عنهُ وتلهج بلهجةٍ مطمئنه: إنتي اللي وحشتيني يا حبيبة بابا.. عامله إيه و رياض عامل إيه؟
_الحمد لله كويسين..
=كويسين بجد ولا بتضحكي عليا ؟ إوعي تكوني بتضحكي عليا!
إنفلتت ضحكتها وقالت: والله كويسين الحمدلله ، طمني عليك إنت .. عامل إيه؟
_أنا بخير طالما إنتوا بخير ، إيه رأيك تقولي لرياض وتيجوا تتعشوا معايا النهارده ؟
زمّت شفتيها بأسف وقالت: مش هينفع النهارده يا بابا، طنط فريده قالت لرياض إنها هتستنانا علي العشا..
_طيب خير، هنا وهنا واحد .. تتعوض يوم تاني إن شاء الله ، أهم حاجة إن إنتوا كويسين مع بعض .
= إن شاء الله يا بابا، إحنا دلوقتي بره لما أرجع البيت هكلمك.
_ ماشي يا حبيبتي ربنا يهنيكوا ، مع السلامه.
أنهت الإتصـال لتنتبه عندما صف سيارته أمام دار الأزياء التي قاما بزيارتها سابقًا عند تصميم فستان الفرح الخاص بها لتنظر إليه كمن لدغها عقرب وقالت علي الفور: إنت رايح فين، أنا مش عايزه إدخل هنا.
أومأ موافقًا وهو يدير محرك السيارة مسرعًا: خلاص زي ما تحبي، نروح مكان تاني.
إنطلق بسيارته من جديد ثم ذهب إلي دار أزياء أخري و ترجلا من السياره ثم دلفا نحو الداخـل.
_ريـاض باشا أهلا وسهلا ، المكان نوّر.
هكذا قامت مالكة الدار بالترحيب به بحفاوه وما إن وقعت عيناها علي آصال حتي قالت بدهشه: آصـال؟!
_مدام توليب!!
غور ذكرها لإسمها إستطاع رياض بذاكرته النشيطه أن يتذكر من هي وما العلاقه التي تجمعهما.
صافحت توليب آصال بغير تصديق وقالت وهي تنظر إلي رياض وإليها : أنتي تعرفي رياض بيه؟
أحاطها رياض بذراعه و تولي مهمة إخبارها وقال مبتسمًا بترفع: آصال تبقا مراتـي.
نظرت إليهم توليب بغير تصديق وقالت: مش معقـول! حصل إمتا ده؟
كانت الأخري لَتجيبها ولكن رياض قاطع حديثها وقال مغيرًا مجري الحديث: طيب مش هنقعد ولا هنفضل واقفين كدا علي باب الأتيليه؟
أفسحت لهم المجال وهي تقول بحرج: يا خبر، أيوة طبعًا إتفضل يا رياض بيه، إتفضلوا .
تقدم رياض وهو لا يزال محاوطًا إياها بذراعه ثم جلسا بجوار بعضهما البعض علي تلك الأريكه الوثيره لتقوم توليب بالتقدم منهما مرةً أخري وتسائلت: تشرب إيه يا رياض باشا؟
أجابها بغطرسه غير معهوده وقال: مش عايز ، شوفي آصـال هانم تشرب إيه؟
تداركت حرجها ونظرت إلي آصال التي شعرت بأن كرامتها التي أهانتها تلك المتعجرفه سابقًا بتعمدها تجاهلها والتحدث إليها بتعالي قد رُدت إليها الآن فقالت: تشربي حاجه يا صولا ؟
أومأت آصال بالنفي وقالت: ميرسي.
نظرت توليب إلي ذلك الشاب الذي يقف بإنتظار ان تملي عليه طلباتهم وقالت: خلاص يا شادي روح إنت .
_ تحب حضرتك تسيبلنا المقاسات وتختار التصميم؟
=لالا.. مفيش وقت.. نختار من الـ collection الجديد الموجود أفضل.
_تحت أمرك..
ونظرت إلي آصال وسألتها: وإنتي يا آصال بردو هتختاري من الـ new collection?
أومأت آصال بموافقه لتقول الأخري: طيب إتفضلي مع شادي فوق….
حدجها رياض بنظراته المتصلبه وقال بحده: تتفضل مع شادي فوق إزاي يعني؟ لو سمحتِ إتفضلي جيبي ألبوم الـ collection وهي هتختار.
تهدّج صوتها وإصطبغ وجهها بالحرج وقالت: تحت أمرك يا رياض بيه، اللي تحبه طبعًا.
نهضت علي الفـور ليتمتم الآخر وهو ينظر في أثرها بحنق: تتفضل مع شادي آه.
لوي ثغره بحنق زائد وراح يهز قدميه بتوتر ثم أخرج سيجارة من علبة سجائره وبدأ بتدخينها مختلسًا النظر إلي آصـال ليجدها تقاوم لتمنع ضحكتها فقال بسُخط: بتضحكـي؟!
إنفجرت ضاحكه مما أثار ضحكاته بدوره فمَال نحوها وقال: إيه رأيك ؟ روقتهالك بشياكه.
نظرت إليه بإمتنان صامت ليتابع: اللي يفكر يضايقك بحرف واحد أنا عندي إستعداد أنسفه .
إتسعت إبتسامتها بحنوٍ قبل أن تنتبه علي مجئ توليب وبيدها مجموعه من الصور الخاصه بمجموعة الفساتين الجديده و مجموعه أخري كبيره من صور البِزَّات الرجاليه و أعطتها إليهم.
إقترب رياض من آصال أكثر وراح يتفحص مجموعة الصور الموجودة ثم نظر إلي توليب وقال : مفيش ولا حاجه مناسبه ، يا ريت تجيبي فساتين مقفوله أكتر من كده والألوان متبقاش غامقه أوي زي دول.
إبتسمت آصال و أقرّت بعشقه داخلها و إمتنانها لتلك اللحظه التي جمعتهما سويًا.
لا أحد سواه يستطيع أن يعشقها بتلك الطريقة ، لا أحد غيره يمكنه أن يفهم ما يدور بداخلها وما تفكر به .
نظر إليها ليجدها شاخصة ببصرها نحوه وعلي شفتيها ترتسم إبتسامه عذبه ليبتسم بدوره ويقول: ولا إيه رأيِك يا حبيبي ؟
أومأت بتأكيد وقالت وهي تنظر إلي توليب التي تكاد تستشيط غضبًا: أيوة مظبوط ، أنا مش بحب الحاجات المكشوفه ولا الألوان الغامقه..
أومأت توليب بموافقه وأمرت مساعدها بإحضار مجموعة صور أخري ونظرت إلي رياض بإهتمام وقالت: حالا هيكون عندكوا اللي طلبتوه.
………..
_ بتتكلمي جد يا ناناه؟
تسائلت زهره بفرحه فأومأت جدتها بإبتسامه وقالت: أيـوه يا حبيبتي، بابا كلمني من شويه وقال إنه جاي وآصال معاه وهيتعشوا معانا.
صفقت بيديها بحماس وقالت: أخيرا.. و كده بقا ممكن أروح معاهم!
تداركت جدتها الموقف سريعًا حيث تصنعت الحزن وقالت: وتسيبي ناناه لوحدها يا زوزو ؟ يرضيكي أفضل سهرانه طول الليل وأنا قلقانـه عشان إنتي مش معايا؟
زمت الأهري فمها بشفقه وإقتربـت منها وقالت: لا طبعا يا ناناه، خلاص انا هفضل معاكي هنا ومش هسيبك.
إحتضنتها فريده بقوه وهي تمسد رأسها بحنان لتنتبها علي رنين جرس الباب فقالت: ده أكيد مراميرو.
ركضت نحو الباب لتستقبل مراد الذي دخل صامتًا حانقًا كعادته ثم تقدم وجلس إلي جوار والدته متهاويًا بتعب فربتت علي كتفه وقالت: حمد الله على السلامه يا حبيبي.
أومأ برأسه دون أن يعقب فقالت: أخلي إقبال تحضر لك الأكل ؟
هز رأسه بنفي بصمت لينتابها القلق حِيال صمته فقالت بتريث: مالك يا حبيبـي؟ في حاجه مضايقاك؟ تعبان من حاجه؟
أومأ بنفي من جديد لتقول بقلق: أومال ساكت ليه يا مراد ؟ قلقتني عليك يا حبيبي..
إنفجر مراد بغيظ وقال: هتكلم أقول إيه؟ مانا بقول نفس الكلام كل مره! كان في حاجه إتغيرت؟
زمت فمها بقلة حيله وأردفت: هانت يا حبيبي معلش، كلها كام يوم ورياض يرجع الشغل ويكون معتز كمان رجع من إيطاليا ويشيلوا عنك.
تحدث إليها بضيق وقال: أنا مش عايزهم يشيلوا عني، أنا عايزهم يشيلوني..
قطبت جبينها بإستغراب وسألته: يشيلوك إزاي يعني؟
_ يا أمي مش اللي وصلك ، عايزهم يشيلوني من الإداره يعني..
=ليه يا حبيبي كده؟
_عشان أنا مش قد المسئوليه يا ستي ! كان مالها بس الغيبوبه !! كنت باكل وبشرب ونايم أربعه وعشرين ساعه ..
ربتت علي كتفه وقالت بحكمه: ربنا يهديك يا حبيبي ، ده شغلك و ده مستقبلك ومالك اللي لازم تراعيه بنفسك زي أخوك! لازم تثبت له إنك راجل يُعتمد عليه وقد المسئوليه وقد الأمانه!
_أمانه؟
أومأت بتأكيد وقالت: طبعااا ، الشركه أمانه في رقبتك لحد ما يرجع رياض ومعتز .. ولازم يرحعوا بلاقوا الشغل ماشي زي ما كان ماشي في وجودهم وأحسن كمان لو قدرت.
هز رأسه بموافقه وقال: متقلقيش يا أمي..
وضرب صدره بقوه بقبضته وأردف بحماس: إبنك بطـل ..
سَعَل بقوه إثر لكمته القويه لصدره فجاهدت كي لا تضحك وأومأت بتماسك وقالت: ربنا يحميك يا حبيبي.
نهض ليصعد نخو غرفته وهو يدندن: قوم يا مصري مصر دايما بتناديـــك .. خُد بنصري نصري دين واجب عليـــك..
…….
إرتفع رنين جرس الباب لتركض زهره بحماس أكثر وهي تقول: ده أكيد بابي..
إنفرج الباب وظهر رياض من خلفه فإحتضنته بقوه ليضمها نحوه بقوه أكبر ثم قبّل جبينها بحنام مردفًا: وحشتيني جداا جداا جداا يا زهره.
_نورتي البيت يا بنتي. قالتها فريده وهي تحتضن آصال بحب فبادلتها الأخري العناق بحب مماثل وقالت: منور بحضرتك يا طنط
تباعدا كلا من رياض و زهره التي صافحت آصال بود صادق لتنحني آصال إلي مستواها وعانقتها بحراره وهي تقول: وحشتيني خالص يا زوزو..
_ وإنتي كمان وحشتيني.. وفرحانه جدا إنك جيتي.
قبّلت آصال وجنتها وقالت: ده أنا اللي فرحانه إني جيت وشفتك ، شوفي جبتلك إيه معايا..
تأهبت الأخري بحماس لتخرج آصال من حقيبتها كتابًا مغلفًا و أهدتها إياه وهي تقول: عارفه إنك قرأتي كل الكتب اللي عندك فقولت أجيبلك حاجه جديده تتسلي فيها علي ما نخرج مع بعض ونشتري كتب كتير..
طالعتها زهره بإبتسامه وقالت بإمتنان: ميرسي خاالص يا آصال، هقرأه النهارده.
_ إيه يا زهره هتتكلموا علي الباب، هاتي آصال وإدخلي يلا.
دلفتا إلي الداخل سويًا لينظر رياض إلي آصال وأشار إليها بخفه لتتقدم منه ثم جلست إلي جواره لتقول والدته: البيت نوّر يا حبايبي، عقبال ما تملوه علينا ولاد وبنات إن شاء الله.
إضطربت وإحمرّ وجهها بخجل بينما إبتسم هو بطلاقه و تمتم داعيًا: يا رب اللهم آمين.
إنتبه الجميع علي صوت مراد الذي نزل من الطابق العلوي وهو يرتدي سرواله الداخلي وينادي بصوتٍ جهور: أمي.. البوكسر اللموني بتاعي مش لاقيـ…
فَزِع وحدق بهما بدهشه ثم تراجع علي الفور إلي غرفته وهو يقول: يا فضيحتك يا مراد يا مسلماني..
هز رياض رأسه بيأس من إستهتار و رعونة أخيه ثم إستقام واقفًا وقال: أنا طالـع له!
صعد إلي غرفة مراد و طرق الباب طرقتان ثم دلف يبحث عنه بعيناه فلم يجده..
تقدم من الخزانه وهو يبتسم بتسليه ثم فتحها علي مصراعيها ليظهر مراد من خلفها وهو يقول بصوت مضطرب: ورحمة أبويا وأبوك ما كنت عارف إنكوا هنا.
تعالت ضحكات رياض وقال بهدوء: عارف، بس ده مش مبرر بردو ، إنت مش عيل صغير يا أستاذ عشان تخرج من أوضتك بالمنظر ده .. المفروض يكون عندك دم وحياء شويه ، هدومك دي تتلبس وإنت نايم بس.. مفهوم؟
وطالعه بإمتعاض وأردف: إستحي علي دمك بقا دنتا أطول مني.. إستر نفسك يلا وإنزل سلّم علي آصال.
أومأ مراد موافقًا وقال بارتباك: معاك حق، أنا حالا هنزل هدومي وألبس أسلم عليها .. وراك علي طول.
_ هتنزل هدومك؟ مفيش فايده!
خرج من غرفته ثم نزل إلي الأسفل حيث يجلسون ومن بعده نزل مراد الذي دنا منهم مبتسمًا وصافح آصال وهو يقول بإبتسامه ودوده: مرات أخويا الغالـي ، البيت نوّر والله.
صافحته آصال بإبتسامه طيبه وقالت: منور بيك يا مراد ، متشكره.
جلس علي مقعده المعتاد ونظر إليهم وهو يقول: قبل ما تيجوا كنت بتكلم انا و أمي وبحكيلها قد إيه الشغل ده متعه لا تضاهيها متعه..
نظرت إليه فريده بتعجب ليقول: مش كده يا امي ولا إيه؟
_كده طبعا يا حبيبي..
اومأ مبتسما وقال: ده أنا حتي كنت بقوللها إني سعيد ومبسوط وأنا شايل الشركه كلها ، الإحساس بالمسؤولية ده أروع شئ في الوجود.
_بطّل نخع يلا.. ألقاها إليه رياض بإقتضاب ليتيبس لسانه بحلقه وتمتم وهو يحك مؤخرة رأسه بحرج: ده إيه الإحراج ده؟
كانت آصال تتابعهما بإبتسامه متأثره و تذكرت سريعًا تلك اللحظات التي جمعتها بتميم و أحمد لينقبض قلبها و غاصت بشرودها قليلًا قبل أن ينتشلها منه صوت رياض الذي همس إليها: مالك يا آصال سرحانه في إيه؟
هزت رأسها وكأنها تنفض عنها تلك الذكريات المريره ورسمت علي محياها إبتسامه صافيه وقالت: ولا حاجه.
أومأ بتفهم ثم قال: طيب قومي يلا عشان العشا جاهز.
…………..
مع حلول منتصف الليل كان رياض قد صف سيارته بداخل الڤيـلا و ترجل منها وبرفقته آصال ثم دلفا وتحدث إليها فقال: هخلص حاجه في المكتب الأول.
أومأت بصمت وصعدت نحو غرفتهما ثم دلفت وأغلقت الباب من خلفها و ألقت بحقيبتها إلي الفراش ومن بعدها دلفت إلي المغسل علي الفور .
مكثت بالمغطس قليل من الوقت حتي تتمكن من الإسترخاء بعض الشيء ومن ثم نهضت وإرتدت رداء الإستحمام و ولچت إلي غرفتها ..
توقفت أمام خزانتها تختار منامةً مناسبه لكي ترتديها لتستمع إلي صوت رنين هاتفها فخرجت من غرفة الملابس و توجهت نحو فراشها ثم اخرجت هاتفها وأجابت الإتصـال: أيوه يا روكا ؟
أتاها صوت رقيه المنبعث من بين الزحام وهي تقول بصوتٍ صاخب: أيوة يا لولو، وحشتينــي.. عامله إيه إنتي ومستر دراكولا؟
إنفلتت منها ضحكه هادئه وأجابتها: الحمدلله كويسين ، طمنيني عليكوا !
_إحنا كويسين ، بنلفلف في شوارع روماا .. مش قادره أوصفلك الجمال اللي هتا يا آصال .. بجد مش معقووول!
= رحله سعيده يا حبيبتي ، enjoy
إنفرج الباب و دلف ريـاض ليشملها بنظره خاطفه ثم تقدم منها بهدوء ووقف إلي جوارها وهز رأسه بتساؤل فهمست إليه : رقيه.
أومأ بهدوء ودلف إلي المغسل بدوره ثم أخذ حمامًا عاجلًا وخرج بينما كانت هي لا تزال تتحدث إلي رقيه فقالت: تمام يا روحي، تيجوا بالسلامه إن شاء الله.
أنهت الإتصال وإستدارت لتجده يقف إلي جوارها ويسألها ببساطه: راجعين إمتا؟
تجنبت النظر إلي جزءه العلـوي المجرد من الملابس و أشاحت بوجهها جانبًا وقالت: بتقول بعد بكره .
تركته ودلفت إلي غرفة الملابس مجددًا ليتبعها وهو يقول: إشمعنا؟ مش كانوا هيقعدوا أسبوع؟
أجابته وهي تتفحص ملابسها بتوتر : بتقول عشان يحضروا إفتتااح المشروع!
تقدم منها حتي وقف خلفها و مد يدهُ يتفحص ملابسها مثلما تفعل فأجفلت وإبتعدت عنه سريعًا وهي تقول: في إيه؟
هز رأسه بتساؤل وقال متصنعًا البراءه: في إيه؟
_ واقف هنا بتعمل إيه؟
=بساعدك تختاري حاجه تنامي فيها، شايفك حيرانه!
إبتلعت لعابها بإرتباك وقالت: لا شكرا، أنا عارفه هلبس إيه، إتفضل إنت..
دنا منها أكثر حتي حاصرها بينه وبين زاوية الحائط من خلفه و أسند كفيه علي الحائط من أمامه وهو ينظر إليها بثبات ويقول: لأ مش خارج، يضايقك في حاجه؟
نظرت إليه بعيناها المشتعلتان وقالت بصوت مضطرب متقطع: أيوه .. أيـوه طبعـ… طبعًا يضايقني.
همس إليها بصوتٍ خافت وهو يراقب بعيناه الخبيرتان إنقباض ملامحها و إرتجاف جسدها أمامه وقال: يضايقك في إيه؟
_ هو مين ده؟
تسائلت ببلاهه وهي تحاول التمسك بثباتها قدر إستطاعتها لتنفلت منه ضحكه وهو يقول: مين إيه ، ده إنتي مش هنا خاالص!
_أومال فين؟
نظرت إليه بتوتر وقد أصابها قربه الشديد بالهلاك ليبتسم بعذوبه ثم رفع كفها إلي فمه و قبلهُ و وضعه موضع قلبه وهو يقول : هنا!
أغمضت عينيها في محاوله منها لإستدعاء آخر ذرات سيطرتها و سالت علي جانب خديها دمعه فمال عليها و نَزَحها بيده ثم قبل وجنتها وهمس إلي جانب أذنها قائلًا: بلاش عياط .. كفايه اللي فات، خلي اللي جاي كله يبقا فرح وحب..
همست إليه بضعف ودمعاتها تتساقط على وجنتيها تباعًا: إنت السبب!
_أنا آسف! قالها وهو يحيط خصرها بيديه بقوه لتضيف وهي تستند بيديها علي صدره وتنظر داخل عيناه مباشرة: إنت مفكرتش فيا..
_أنا بحبـك! .. ألقاها وهو يقبّل عيناها الباكيتين وهبطَ إلي ثغرها الرطب و مَلَكَهُ بقُبلةٍ عميقه إستطاع بها أن ينتشلها من خوفها و أحزانها و يضمها إلي طمأنينته و فرحهُ ، أحاطته بقوه وحب و إنتزعته من عالمه المظلم إلي عالمها الدافئ المشرق.
إستكانا سويًا ، و إلتقَيَا ، و صارا واحدًا صحيحًا لا ينفصل ولا يتجزأ ولا يفترق.
إلتَقَيَا ؛ و من بعدها أسدل الليل ستاره وإختفي كلاهما سويًا عن العالم أجمع.”