روايات كاملةقصص

قصة قبر خضر

قصة قبر خضر

زمان وفي اي منطقة شعبية زي منطقتنا دي؛ الناس كانوا قليلين وطيبين، بيوتهم جنب بعض وحياتهم بسيطة، يعني بالبلدي كده ومن الأخر، كل الجيران كانوا عارفين بعض والبيوت كلها كانت بيت واحد، اخت جارك او مراته يعني اختك، بنته هي بنتك واخوه اخوك.. وعشان كده بقى يا ابني الناس تملي كانوا متجمعين، سواء في الفرح او في الحزن، ومن عند الحزن والعزا بتبتدي الحكاية.. في الوقت ده انا كنت عيلة صغيرة، كان عندي بتاع ١٤ سنة كده، لكني برضه كنت واعية وعارفة كل حاجة؛ ففي اليوم ده وعلى بعد المغربية كده، لبست امي عبايتها وطرحتها السودة وهي حزينة اوي، ولو هتقولي كانت حزينة ليه، فانا هقولك انها كانت حزينة على موت واحدة من جيراننا اسمها مرات (ناصر).. اه يا ابني، ماهي الست المتجوزة زمان ماكانتش بتتنادى بأسمها، كانوا الناس يأما بيقولوا لها يا ام فلان، يا أما بيقولوا لها يا مرات فلان.. ولأن الست دي بقى ماكانتش بتخلف، فالناس كانوا بيندهولها بأسم جوزها وبيقولوا لها يا مرات ناصر.. فمرات ناصر دي بقى يا سيدي كانت ست طيبة اوي في حالها، وفي نفس الوقت كمان كانت جارتنا من سنين وكانت صاحبة امي الروح بالروح، وعشان كده امي يوم موتها كانت زعلانة اوي، والزعل ده كان باين على ملامحها وهي بتلبس الاسود وبتستعد عشان تروح الجنازة، بس انا وقتها وقفت امي قبل ما تخرج…
قصة قبر خضر
-استني يا امه، هلبس واجي معاكي.. ما انا مش هسيبك تروحي الترب بالليل لوحدك كده، انا مش عارفة بس ياربي ايه اللي يخلي جوزها مصمم بالشكل ده على إنه يدفنها بالليل، ما الصباح رباح والنهار له عنين يا ناس.
بس وقتها امي رفضت إن انا اروح معاها، وكمان اتعصبت عليا وقالتلي..
-تروحي معايا الترب؟.. ترب ايه يا بت يا كريمة اللي عاوزة تروحيها معايا بالليل!.. ده انتي لسه شابة ومادخلتيش دنيا، لا يا حبيبتي مافيش مرواح في حتة، انتي هتفضلي قاعدة عشان تجهزي الأكل لاخواتك لما يرجعوا من الشغل، وكمان عشان ماينفعش تروحي معايا وانتي لسه شابة بنت ١٤.. عاوزة تتلبسي يا بت ولا عاوزة تتنحسي وماتتجوزيش!
ايوة يا ابني ماتستغربش من كلام ستك الكبيرة او امي يعني، ما هم الناس زمان كانوا بيعتقدوا إن البنت او الأنسة، ماينفعش تروح الترب وهي لسه ماتجوزتش، وألا ممكن بقى تتنحس او تتلبس وتفضل قاعدة في أرابيز أهلها وماحدش يتجوزها، لكن انا بقى لما سمعت الكلام ده من امي ماسكتتش، اه.. ما انا كنت بحبها وبخاف عليها اوي، وعشان كده رديت عليها بسرعة…
-يا امه اتنحس ايه بس، انا زي الفل اهو ومش هيجرالي حاجة، استهدي انتي بالله بس، واستنيني عقبال ما البس الاسود واجي معاكي الدفنة.
قصة قبر خضر
بس امي برضه فضلت مصممة على رفضها لما ردت عليا بعصبية اكتر..
-قولتلك

صفحتنا علي فيس بوك

تحميل تطبيق لافلي Lovely

رواية الشادر الفصل الثامن

قصه ليلي و اخواتها

لأ يعني لأ.. راجل وعاوز يدفن مراته بالليل لأنه شايف إن اكرام الميت دفنه، فمش عاوزها تبات للصبح وتندفن على طول، ده حقه.. وزي ما ده بقى حقه لأنها مراته ومن حقه يحكم عليها، فانا برضه من حقي إن انا احكم على بنتي واقولها مش هتحضري الدفنة، وبعدين انتي عمالة تقوليلي هروح لوحدي.. هروح لوحدي، هروح لوحدي فين بس، دول حريم المنطقة كلها هيروحوا الجنازة، وكمان الرجالة والتربي والمقرئين، كل الناس دول هيبقوا موجودين معايا في الجنازة، فمتقلقيش بقى يا حبيبة امك واسمعي الكلام واقعدي في البيت لحد ما اروح احضر الدفنة وارجع.. يلا فوتتك بعافية، خدي بالك من البيت عقبال ما ارجعلك.

نفذت امي كلامها وخرجت لوحدها، وانا بقى فضلت قاعدة مستنياها لحد ما بعد حوالي ساعة ونص كده رجعت، لكنها لما رجعت ماكانتش مظبوطة، امي كان فيها، وشها كان متاخد كده وماتكلمتش معايا ولا كلمة، وكأنها مخضوضة او خايفة من حاجة!
غيرت امي هدومها وهي ساكتة وقعدت على الكنبة، فانا بقى لما لاحظت انها سرحانة ومتغيرة او فيها حاجة يعني، روحت قعدت جنبها وسألتها وانا بطبطب عليها..
-مالك يا امه.. راجعة من الدفنة كده مش مظبوطة، هو حصل حاجة غريبة في الترب؟!
فضلت امي ساكتة لثواني وبعد كده ردت عليا وهي لسه شاردة..
-لا لا مافيش.. مافيش حاجة، انا بس زعلانة على مرات ناصر الله يرحمها.
بصراحة كلام امي ما أقنعنيش، دي امي برضه وانا حافظة ملامحها، يعني بقدر افرق كويس اوي ما بين انها متضايقة وزعلانة، او خايفة وفي حاجة مخلياها قلقانة!
-لا يا امه.. المسئلة مش مسئلة زعل ولا حزن، انتي ست مؤمنة وعارفة كويس اوي ان كلنا في الدنيا دي عايشين بين إيدين ربنا، يعني في أي وقت وفي اي لحظة ممكن روحنا ترجعله، ثم إن ملامحك بتقول غير كده.. انتي في حاجة مخوفاكي او مخلياكي قلقانة، هو انتي شوفتي ايه في الترب يا امه ومش عايزة تحكيهولي.
ومع اصراري وسؤالي وزني على دماغها، جاوبتني امي وحكت لي اللي حصل في الدفنة..
-ماشي.. هقولك يا بنت بطني ايه اللي حصل، عارفة تربة الشيخ خضر؟
-اه عارفة الشيخ خضر، وكمان عارفة انه مدفون في الترب اللي المفروض مرات ناصر هتندفن فيها، بس انا ماعرفش تربته دي فين، لكن.. لكن هي ايه علاقة تربة الشيخ خضر بالدفنة؟!
-هقولك يا بنتي.. الشيخ خضر ده زي ما انتي عارفة، كان شاب حافظ لكتاب الله ومبروك زي ما بيقولوا، وزي ما انتي عارفة برضه إنه مات وهو شاب صغير والمنطقة كلها زعلت عليه، بس اللي انتي ماتعرفيهوش بقى واللي انا كمان ماكنتش اعرفه، هو موضوع القطط الكتير اوي اللي قصاد تربته دي… احنا لما وصلنا بالنعش بتاع مرات ناصر للمدفن اللي هتندفن فيه، اكتشفنا ان المدفن ده قصاد تربة الشيخ خضر الله يرحمه، بس الحاجة الغريبة اوي بقى واللي لاحظناها واحنا بندفنها، هي كمية القطط اللي كانت حوالينا وقصاد التربة بتاعته، لكن في الوقت ده اتكلم التربي مع كل اللي واقفين وقال لهم عشان يطمنهم..
قصة قبر خضر
(ماتخافوش يا عالم من القطط.. دول حبايب الشيخ خضر المبروك، طول الوقت بيزروه وبيقعدوا قدام قبره.. دول حبايبه وبيدعوا له.. ماتخافوش منهم وادعوا للمتوفية وللشيخ خضر بالرحمة)
بس الكلام ده بقى ماعجبش واحدة من اللي واقفين؛ خالتك ام فاروق ما انتي عارفاها، الست دي مابتقبلش القطط ولا بتحبهم، وعشان كده بعد ما التربي قال الكلمتين دول، ميلت عليا وقالتلي بصوت واطي..
(شوفي يا اختي الراجل الخرفان.. بيقولك حبايبه وبيدعوا له، بقى القطط دي بتعرف تتكلم ولا تدعي، ده انا مابطيقهمش ولا بطيق ريحتهم ولا اشكالهم، قطيعة تقطعهم كلهم وتشيلهم من الدنيا بحالها)
ميلت عليها انا كمان وقولتلها بصوت واطي..
(بقولك ايه يا ام فاروق.. خلينا في حالنا يا حبيبتي، احنا جايين نحضر الدفنة ونعمل الواجب ونمشي، مالكيش دعوة بقى لا بالقطط ولا بالتربي وبصي حواليكي وانتي تتعظي.. بصي حواليكي يا اختي وادعي لصاحبتنا ولأمواتنا بالرحمة)
عوجت بوقها لما قولتلها كده وبعدت عني كام خطوة، لكنها وهي بتبعد، غصب عنها داست على ديل قطة سودة صغيرة من القطط اللي كانوا متجمعين حوالينا، وطبعًا القطة لما اتداس على ديلها اتجننت، مسكت في رِجل ام فاروق وفضلت تخربش فيها وهي بتصرخ، ومع صراخات القطة صرخت ام فاروق هي كمان، ومن غير أي مقدمات وقبل ما الناس يتلموا عليها او يبعدوا القطة اللي بتهاجمها دي عن رجلها، وطت ام فاروق وجابت طوبة كبيرة من الأرض وضربت القطة بيها، ضربتها ضربة جامدة اوي يا بنتي على راسها والقطة كانت يا عيني لسه صغيرة، وعشان كده بقى القطة اول ما اتضربت، فضلت تتلوى على الأرض والدم بيخرج من بوقها لحد ما طلعت في الروح، وقتها كل الناس اللي واقفين من رجالة وحريم، ابتدوا يزعقوا لام فاروق ويقولوا لها حرام عليكي.. ده قطة صغيرة وماتفهمش حاجة، بس ام فاروق ولية قادرة زي ما انتي عارفة، ماهمهاش كلام كل اللي واقفين وقالتلهم إن القطة السودة دي شيطان، وكمان قالتلهم إنها كانت بتعضها وإن موتها خير مش شر، بس الحقيقة يا بنتي كانت غير كده.. القطة الصغيرة ماكانتش شيطان ولا حاجة، دول بقية القطط هم اللي كانوا شياطين، او تقدري تقولي كده إن اول ما القطة الصغيرة ماتت قدامهم اتحولوا لشياطين، كلهم فجأة اتلموا حوالين القطة اللي قطعت النفس وابتدوا ينونوا بصوت عالي وكأنهم بينوحوا عليها، ومافيش دقيقة يا بنتي والقطط حالها اتبدل، جم ناحيتنا وأصواتهم ابتدت تعلى وبدأوا يهجموا على كل اللي واقفين، كانوا بيجروا وسطنا واحنا نجري منهم، كل قطة منهم كانت بتهجم على رجل حد من الواقفين وكأنها هتاكله، ولحسن الحظ يا بنتي ان ساعتها الدفنة كانت خلصت، فكل اللي واقفين خافوا من القطط وجريوا من غير حتى ما يقفوا يدعوا لمرات ناصر ولا يقرولها قرأن، الوضع يا بنتي بقى مقلق.. اقسملك بالله ان القطط ماكانتش زي اي قطط.. دول زي ما يكونوا اتسعروا او اتحولوا، عيونهم كانت بتنور نور غريب في ضلمة، اصواتهم كانت عالية وتخوف لدرجة إن الرجالة اللي بشنبات، خافوا منهم وجريوا زي الحريم.. وبس يا بنتي.. الناس جريوا ومنهم طبعًا انا وام فاروق وكل حي راح لحاله ورجع على بيته.
قصة قبر خضر
لما امي وصلت لحد هنا سألتها وانا مبرقة..
-يا ليلة مش فايتة يا امه.. يعني كل ده حصل وانتي ماحكيتهوش، هو انا لازم يعني اسألك عشان تحكي؟!
-يا بنتي انا راجعة خايفة اساسًا ودماغي مقلوبة، ولولا انك سألتيني انا ماكنتش هحكي، بس هنعمل ايه بقى، الله يسامحها ام فاروق، والحمد لله ان الست اندفنت وكمان الحمد لله انها جت على قد كده وماحدش اتلبس ولا حصل له حاجة.
خلصت امي كلامها وانا فضلت قاعدة معاها طول الليلة دي، كنت خايفة عليها بصراحة لأن شكلها كان بيقول إنها قلقانة ومرعوبة، وكان اكبر دليل على رعبها.. هي الكوابيس اللي ماعرفتش تنام منها طول الليل، ايوة يا ابني.. امي طول الليل كانت بتصحى من النوم وهي مرعوبة، كانت تقوم تصرخ وتقول ابعدوا القطط عني، وبعد كده كانت ترجع تنام تاني وهي برضه باين على وشها الخوف والرعب.. بس تفتكر بقى إن الحكاية مع تاني يوم انتهت؟.. لا مانتهتش، دي الحكاية كبرت وبقى ليها توابع اكبر.. والتوابع دي عرفتها لما تاني يوم الصبح لقينا الباب بيخبط، ولما روحت فتحت ولقيتها جارتنا ام فاروق، سلمت عليها وابتسمت في وشها، لكنها ماكانتش مبتسمة ولا ردت عليا السلام، دي وشها كان متضايق وكانت قلقانة من حاجة انا ماكنتش اعرفها وقتها، بس عرفتها بعد كده لما دخلت..
-امك فين يا كريمة؟!
لما قالتلي كده شاورتلها على البيت وانا بقولها..
-امي جوة يا خالتي، قاعدة اهي.
دخلت البيت وهي بتقول لامي بصوت عالي..
-الحقيني.. الحقيني يا اختي، القطة اللي انا موتتها مش سايباني من بالليل، لا في احلامي ولا في الحقيقة، جت لي يا اختي.. والله العظيم جت لي وطلعت البلا على جتتي طول الليل.
مسكتها امي من ايديها وحاولت تهديها وهي بتقولها..
-اقعدي يا حبيبتي اقعدي.. اقعدي كده واهدي واحكيلي بالظبط اللي حصل معاكي.
قعدت ام فاروق وانا قفلت باب البيت وروحت قعدت معاهم، الست كان شكلها يقلق، ايديها كانت عمالة تترعش وعينيها كانت عمالة تدمع وهي بتحكي لامي على اللي حصل معاها في الليلة فاتت..
-امبارح يا اختي.. امبارح بالليل بعد ما رجعنا من الترب، انا روحت على بيتي، كنت خايفة وقلقانة اه من اللي حصل، بس قلقي وخوفي دول ماطولوش معايا، انا دخلت الحمام وخدت حمام سخن كده وغيرت هدومي، وبعد كده حضرت العشا للعيال ونيمتهم عشان يروحوا مدارسهم الصبح وانا انزل افتح دكانة الخضار بتاعتي، بس المصيبة بقى إن اول ما العيال ناموا وانا ضلمت البيت ودخلت على سريري، ابتديت اسمع اصوات… اصوات نونوة قطط.. الأصوات كانت جاية من كل حتة في البيت، من الحمام ومن المطبخ ومن الدولاب، وكمان من تحت سريري، زي ما يكون الشقة كلها اتملت قطط وانا وعيالي نايمين وسطهم، ساعتها الخوف خلاني مش عارفة اتصرف.. كنت عاملة زي المشلولة اللي مش قادر تقوم من مكانها ولا حتى قادرة تقرا قرأن، انا جسمي فضل يترعش وانا تحت البطانية وسامعة أصوات القطط بتعلى.. لحد ما فجأة سمعت صوت الباب بيخبط، بس الباب اللي خَبط ده ماكنش باب البيت، ده كان باب الحمام!!.. حاولت اقوم واشوف مين اللي بيخبط ده، بس برضه ماعرفتش اتحرك، والمرعب بقى إن صوت القطط مع الخبطات، ابتدوا يعلو اكتر واكتر وانا نايمة في مكاني ومش عارف اعمل ايه، وفضلت على الحال ده شوية وانا غصب عني عنيا بتدمع وعمالة اعيط من الخوف، لكن فجأة الأصوات دي سكتت خالص، ومعاها سكوتها افتكرت إن خلاص بقى كل حاجة خلصت، ولسه هقوم من مكاني لأن جسمي كان فَك وكنت قادرة اتحرك، واول ما شيلت البطانية من عليا وجيت اقوم، نور البيت كله اشتغل لوحده، وياريته اشتغل لوحده وفضل منور.. لا، ده فضل ينور ويطفي في حركات سريعة وكأن حد عمال يفتح مفاتيح النور اللي في الشقة كلها ويقفلها تاني بسرعة، في الوقت ده كنت قاعدة على سريري وانا مش عارفة اعمل ايه.. انا كل اللي كان يهمني هم عيالي.. عيالي اللي بسببهم نزلت من على السرير وكنت عاوزة اروحلهم واخدهم في حضني، لكني اتسمرت في مكاني وانا واقفة وماعرفتش اتحرك لما شوفته واقف قصاد باب الأوضة.. كان ابني الصغير محمد، او تقدري تقولي كده انه عيل في نفس طوله، في الأول ماكنتش قادرة اشوفه بوضوح بسبب إن النور كان عمال يروح ويجي زي ما قولتلك، بس لما ركزت معاه ومع ملامحه.. اكتشفت انه مش ابني، ده شيطان.. شيطان بنفس طول وجسم ابني، لكنه مش بهيئته ابدًا.. ده كان بنفس هيئة القطة السودة اللي موتتها بالليل في الترب، راسه نفس راسها، بس طبعًا راسه هو كانت اكبر من راسها بكتير.. جسمه مليان شعر لونه أسود، عينيه او عينيها بقى كانت بتنور في الضلمة، رجليا ابتدت تترعش ومابقتش شايلاني، كنت عاوزة اجري او اقعد مكاني او اعمل اي حاجة غير الوقفة السودة اللي انا كنت واقفاها دي، لكني ماعرفتش.. انا زي ما يكون حد مكهربني ومثبتني في مكاني، وبالراحة قرب مني الشيطان او البتاع ده اللي في نفس طول ابني وجسمه جسم قطة…. وفضل يقرب يقرب لحد ما بقى وشه في وشي.. انفاسه كانت عبارة عن هوا سخن، ريحته مقرفة شبه ريحة القطط اللي انا مابقبلهاش وبخاف منها، قرب وشه من وشي اكتر واتكلم.. اه والله يا اختي اتكلم وقال لي بالحرف كده..
(روح قصاد روح.. نفس قصاد نفس.. طفل قصاد طفل.. وألا الترضية)..
يتبع
ده الجزء الأول من قصة قبر خضر
قبر خضر
٢
-امبارح يا اختي.. امبارح بالليل بعد ما رجعنا من الترب، انا روحت على بيتي، كنت خايفة وقلقانة اه من اللي حصل، بس قلقي وخوفي دول ماطولوش معايا، انا دخلت الحمام وخدت حمام سخن كده وغيرت هدومي، وبعد كده حضرت العشا للعيال ونيمتهم عشان يروحوا مدارسهم الصبح وانا انزل افتح دكانة الخضار بتاعتي، بس المصيبة بقى إن اول ما العيال ناموا وانا ضلمت البيت ودخلت على سريري، ابتديت اسمع اصوات… اصوات نونوة قطط.. الأصوات كانت جاية من كل حتة في البيت، من الحمام ومن المطبخ ومن الدولاب، وكمان من تحت سريري، زي ما يكون الشقة كلها اتملت قطط وانا وعيالي نايمين وسطهم، ساعتها الخوف خلاني مش عارفة اتصرف.. كنت عاملة زي المشلولة اللي مش قادر تقوم من مكانها ولا حتى قادرة تقرا قرأن، انا جسمي فضل يترعش وانا تحت البطانية وسامعة أصوات القطط بتعلى.. لحد ما فجأة سمعت صوت الباب بيخبط، بس الباب اللي خَبط ده ماكنش باب البيت، ده كان باب الحمام!!.. حاولت اقوم واشوف مين اللي بيخبط ده، بس برضه ماعرفتش اتحرك، والمرعب بقى إن صوت القطط مع الخبطات، ابتدوا يعلو اكتر واكتر وانا نايمة في مكاني ومش عارف اعمل ايه، وفضلت على الحال ده شوية وانا غصب عني عنيا بتدمع وعمالة اعيط من الخوف، لكن فجأة الأصوات دي سكتت خالص، ومعاها سكوتها افتكرت إن خلاص بقى كل حاجة خلصت، ولسه هقوم من مكاني لأن جسمي كان فَك وكنت قادرة اتحرك، واول ما شيلت البطانية من عليا وجيت اقوم، نور البيت كله اشتغل لوحده، وياريته اشتغل لوحده وفضل منور.. لا، ده فضل ينور ويطفي في حركات سريعة وكأن حد عمال يفتح مفاتيح النور اللي في الشقة كلها ويقفلها تاني بسرعة، في الوقت ده كنت قاعدة على سريري وانا مش عارفة اعمل ايه.. انا كل اللي كان يهمني هم عيالي.. عيالي اللي بسببهم نزلت من على السرير وكنت عاوزة اروحلهم واخدهم في حضني، لكني اتسمرت في مكاني وانا واقفة وماعرفتش اتحرك لما شوفته واقف قصاد باب الأوضة.. كان ابني الصغير محمد، او تقدري تقولي كده انه عيل في نفس طوله، في الأول ماكنتش قادرة اشوفه بوضوح بسبب إن النور كان عمال يروح ويجي زي ما قولتلك، بس لما ركزت معاه ومع ملامحه.. اكتشفت انه مش ابني، ده شيطان.. شيطان بنفس طول وجسم ابني، لكنه مش بهيئته ابدًا.. ده كان بنفس هيئة القطة السودة اللي موتتها بالليل في الترب، راسه نفس راسها، بس طبعًا راسه هو كانت اكبر من راسها بكتير.. جسمه مليان شعر لونه أسود، عينيه او عينيها بقى كانت بتنور في الضلمة، رجليا ابتدت تترعش ومابقتش شايلاني، كنت عاوزة اجري او اقعد مكاني او اعمل اي حاجة غير الوقفة السودة اللي انا كنت واقفاها دي، لكني ماعرفتش.. انا زي ما يكون حد مكهربني ومثبتني في مكاني، وبالراحة قرب مني الشيطان او البتاع ده اللي في نفس طول ابني وجسمه جسم قطة…. وفضل يقرب يقرب لحد ما بقى وشه في وشي.. انفاسه كانت عبارة عن هوا سخن، ريحته مقرفة شبه ريحة القطط اللي انا مابقبلهاش وبخاف منها، قرب وشه من وشي اكتر واتكلم.. اه والله يا اختي اتكلم وقال لي بالحرف كده..
(روح قصاد روح.. نفس قصاد نفس.. طفل قصاد طفل.. وألا الترضية)
مافهمتش معنى كلامه، انا بس هزيتله راسي وانا عمالة اترعش وكأني بقوله حاضر على اي حاجة عشان يمشي، وبرضه مامشيش، ده اتسحب وراح ناحية ابني محمد اللي كان نايم على السرير اللي قصاد سريري ووطى راسه ناحيته، كل ده كان بيحصل ونور البيت كله عمال يترعش، واول ما وطى راسه ناحيته النور انطفى خالص والدنيا بقت ضلمة.. ثواني من السكوت، كنت باخد فيهم نفسي بالعافية وانا عمالة اتشحتف، لحد ما قطع كل حاجة صوت أذان الفجر اللي اول ما سمعته حسيت كأن في جبل وانزاح من على ضهري، قدرت اصلب طولي وروحت جري ناحية مفتاح اللمبة بتاعت الأوضة ونورتها، البيت كان هادي ومافيهوش اي حاجة غريبة، جريت بسرعة ناحية ابني وحضنته، اطمنت انه كويس لما فوقته كده واتكلم معايا وبعدين رجع نام تاني، خدته في حضني وحسيت إن انا مطمنة بيه وعليه وروحت في النوم.. لكني اول ما غمضت عيني وروحت في النوم، لقيت نفسي فين بقى.. في الترب يا اختي، كنت واقفة قصاد تربة الشيخ خضر والقطط الكتير اللي شوفناها بالليل كانت واقفة قدامي، كانوا عمالين يلفوا حوالين جسم القط الاسود الصغير اللي انا موتته وهم بيعملوا نفس الأصوات اللي سمعناها امبارح لما هجموا علينا، حاولت امشي من المكان لكنهم في لحظة خدوا بالهم مني، فسابوا القط اللي كانوا عمالين يلفوا حواليه وجم جري ورايا.. فضلت اجري منهم وهم يجروا ورايا لحد ما لحقوني واتلموا عليا، كان بيخربشوني في كل حتة في جسمي بضوافرهم اللي كانت عاملة زي الامواس.. فضلت اصرخ بعلو صوتي وانده على اي حد يلحقني، لحد ما صحيت من النوم على صوت فاروق ابني الكبير اللي قال لي إن انا وانا نايمة كنت عمالة اصرخ واقول ابعدوا عني ابعدوا عني.. قومت من النوم وصحيت الواد محمد ولبسته هو واخواته وراحوا مدارسهم، وفاروق خد بعضه وراح على شغله، اما انا بقى فانا ماروحتش على الدكانة بتاعتي يا اختي.. انا جيت عليكي عشان تقوليلي اعمل ايه، بصي كده..
رَفعت ام فاروق كُم جلابيتها وورتنا دراعها.. دراعها يا ابني كان مليان خرابيش واضح اوي انها معمولة بضوافر قطط.. وماكانتش اي خرابيش كده والسلام، لا.. دي كانت خرابيش غويطة ومكانها دم متجلط، برقت انا وامي لدراعها اول ما شوفناه، وقبل ما نتكلم او نسألها عن اي حاجة قالتلنا..
قصة قبر خضر
-انا لما جيت اغير هدومي لقيت دول، وكمان في زيهم في رجليا، هم مابيوجعنيش، انا اصلًا ماحستش بيهم اول ما قومت من النوم، بس اول ما شوفتهم حسيت إن في نار قايدة في جسمي.. قوليلي اعمل ايه يا اختي الله يرضى عليكي.
سكتت امي شوية وهي مش عارفة تقولها ايه، حسيت انها بتفكر تحكيلها عن ليلتها الصعبة وعن كوابيسها اللي شافتها هي كمان، إنما امي بقى ماعملتش كده عشان ماتخوفهاش، انا امي قربت منها وقالتلها وهي بتواسيها..
-بصي يا ام فاروق.. انتي تروحي على أي اجزخانة وتشتري منها مطهر وتطهري مكان الخرابيش دي، وبعد كده تاخدي بعضك وتطلعي على العطار وتشتري بخور يا حبيبتي كده وتروحي تولعيه في البيت وتسيبي الراديو شغال على اذاعة القرأن الكريم، وبأذن الله.. بأذن الله مش هتشوفي ولا هتسمعي اي حاجة تاني، هم بس تلاقيهم كانوا بيعملوا معاكي كده عشان القطة اللي موتتيها منهم، واكيد يعني.. اكيد هم مش قطط عادية، تلاقيهم جن أكيد.. ماهي القطط اللي تعمل العمايل دي وتطلعلك بالليل كده، اكيد مش قطط عادية، فانتي ايه بقى.. تخرجي من عندي وتطلعي على الأجزخانة زي ما قولتلك، وبعد ما تطهري مكان الخرابيش دي، تطلعي على العطار وتقوليله إنك بتشوفي عفاريت وانك عاوزة بخور من اللي بيصرفهم وبيكرههم في المكان وهو هيديكي.. انتي ناسية الولية ام عرفة لما راحت الترب بالليل عشان تزور ابنها الله يرحمه، ولما رجعت فضلت تتشنج وقالت انها بتشوف عفاريت.. مش فاكرة لما جوزها راح للعطار واشترى منه تحويجة بخور وشغلها في البيت، مش الولية خفت تاني يوم وبقت زي القردة.. اهو بأذن الله بقى يا حبيبتي انتي لما تسمعي كلامي هتبقي زيها؟!
-هبقى زيها ازاي؟!.. هبقى قردة يعني؟!
ضربت امي كف بكف على غباء ام فاروق..
قصة قبر خضر
-استغفر الله العظيم.. قردة ايه يا ولية، قصدي انك هتخفي زيها بأذن الله يعني ومش هتشوفي حاجة تاني، والجروح اللي في إيدك دي كلها كام يوم وتلم وكل حاجة هتخلص، وبعدين انا مش عارفة اقولك ايه بصراحة، مش عارفة ادعيلك ولا ادعي عليكي على اللي عملتيه، كان مالك انتي ومال القطة، كان لازم تموتيها يعني؟!
-الله.. ماهي اللي كانت عمال تعض في رجلي وتخربشني لما دوست على ديلها غصب عني، بس عمومًا انا همشي دلوقتي وهروح الاجزخانة وبعد كده هطلع على العطار واجيب تحويجة البخور، ولو حصلت معايا اي حاجة تانية هبقى اجيلك.. ما انتي عارفة اني ماليش غيرك انتي ومرات ناصر الله يرحمها.
خلصت ام فاروق كلامها ومشيت على وعد إنها هتيجي تطمننا او هتيجي تحكيلنا لو حصل لها اي حاجة غريبة، وفعلًا يا ابني ام فاروق جت لنا تاني على بعد العشا كده بس جت وهي عمالة تصرخ وتولول.. وقبل ما اقولك هي كانت بتصرخ وتولول ليه، خليني اقولك في الأول بس مين هو الشيخ خضر ده.. خضر ده كان شاب طيب ومتدين من الأرياف، جه القاهرة هنا عشان يدرس في جامعة الازهر.. أجر أوضة فوق سطوح بيت من البيوت، الناس كلها كانت بتحبه.. وهو شهادة لله يا ابني كان شاب تقي وبتاع ربنا كده، كان يسهر طول الليل يذاكر ويقرا قرأن، ولما كان حد بيحتاجه في اي خدمة كان بيلاقيه، عمره ما عمل مشاكل مع حد ولا حد اشتكى منه، وتملي لما كان يرجع من كليته، كان يقعد في الجامع اللي جنبنا مع الأمام اللي ماسكه ويقعدوا يدوا دروس ومواعظ عن الدين للناس.. بس للأسف يا ابني، الدنيا مش دايمًا بتسيب لنا الطيبين؛ خضر في يوم وهو راجع من الجامعة ووقت ما كان بيعدي الشارع بسرعة، ماخدش باله من أوتومبيل كان جاي بسرعة وخبطه، وبعد ما خبطه بقى الناس اتلموا…
قصة قبر خضر
لما جدتي وصلت لحد هنا قاطعتها..
-ثواني بس يا ستي معلش، قبل ما تكملي بس لازم اسألك عن حاجة مهمة، هو يعني ايه اوتوموبيل؟!
-اللهم طولك يا روح.. هو انا يا واد مش قايلة لك قبل كده في حكاية من الحكايات، ان الناس زمان كانوا بيقولوا على العربية اوتوموبيل؟!
-اه اه يا ستي افتكرت.. معلش خلاص مش هقاطعك تاني، كملي بقى حكاية الشيخ خضر.
-ماشي.. احنا وقفنا لحد فين؟!
-لحد ما الأوتوموبيل خبطه والناس اتلموا..
-ايوه.. خضر لما الأوتوموبيل خبطه، الناس اتلموا عليه، كانوا عاوزين يلحقوه او يسعفوه لكنهم ماعرفوش، ولما عربية الأسعاف جت وخدته ونقلته على المستشفى، كان مات واللي حصل حصل، بعد كده بقى يا ابني راحوا الناس اللي ساكنين في المنطقة هنا واستلموا جثته ودفنوه في الترب بتاعتنا.. واللي عرفناه بعد كده إنه ماكنش له حد، يعني لا كان له اهل ولا قرايب في البلد ولا يحزنون، خضر اعتبرناه واحد مننا لأنه حقيقي كان اطيب واحد في الحي كله، لكنه من بعد ما اندفن بقى وزي ما انت سمعت كده، القطط بقت بتتلم حوالين التربة بتاعته وكأنهم حراس عليها.
-حلو.. لحد كده وانا عرفت حكاية الشيخ خضر، بس اللي انا مش عارفه بقى ولا قادر افهمه، هي ايه علاقة القطط بالقبر اللي مدفون فيه الشيخ الشاب ده؟!
-هقولك يا واد.. اصبر بس لما اكمل لك بقية الحكاية، وانت هتعرف كل حاجة، اصبر على رزقك..
-ماشي يا ستي.. وبعدين؟!
قصة قبر خضر
-ولا قبلين يا قلب ستك.. لحد هنا هتخلص حكاية خضر مؤقتًا وهكمل لك بقى حكاية ام فاروق.. ام فاروق اللي جت لنا في اليوم ده على بعد العشا وهي عمالة تصرخ وبتقول لامي..
-الحقيني.. الحقيني يا اختي.. ابني محمد، ابني محمد سخن مولع وبيموت.
لبست انا وامي وروحنا معاها لبيتها اللي كان جنب بيتنا، دخلنا عشان نطمن على ابنها لقيناه راقد وهو ساكت خالص، جسمه يا ابني كان مولع ووشه كان احمر.. قربت منه امي وجست راسه، بعد كده بصت لام فاروق وقالتلها..
-الواد محموم يا ولية، لازم ناخده ونروح بيه على اي مستشفى.
بس ام فاروق ردت عليها وقالتلها وهي عمالة تعيط وتلطم على وشها…
-لا مش محموم.. الواد مش محموم، الواد اتلبس… لما رجع من المدرسة ونام شوية، انا خدته في حضني ونمت جنبه، ولما نمت وغمضت عيني، حلمت بنفس الشكل اللي شوفته امبارح بالليل، العيل الصغير اللي جسمه نفس جسم ابني، وحتى.. حتى كان لابس نفس هدومه كمان، لكن راسه كانت راس قطة زي ما هي وجسمه كان كله شعر، حلمت بيه وهو واقف قصاد تربة الشيخ خضر وقال لي بصوت عالي ومعاه صوت قطط كتير اوي.. (أبنك الصغير هيموت.. زي ما موتتي ابننا الصغير وألا الترضية)… ولما صحيت من النوم على صوته وهو عمال يقولي كده بصوت عالي، لقيت الواد زي ما انتي شايفة كده والبخور ماجابش نتيجة، وياريتها جت على كده وبس، ده الواد وهو نايم كان بيخرف.. بس التخاريف اللي بيخرفها دي ماكانتش كلام، الواد كان بينونو يا اختي.. كان بينونو وهو نايم، يا ميلة بختك يا ام فاروق.. يا حبيبي يا محمد يا ابني..
ولسه الولية بتلطم وبتولول، فجأة سكتت واحنا سكتنا معاها لما سمعنا صوت الواد وهو بيخرف، الواد يا ابني كان بيتكلم كلام مش مفهوم بس مش بطريقتنا اللي بنتكلم بيها، الواد كان عمال ينونو فعلًا وكأن في قطة لبسته!
في الوقت بصت ام فاروق لامي وقالتلها..
قصة قبر خضر
-شوفتي وسمعتي.. سمعتي صوت الواد عامل ازاي؟!.. صدقتيني بقى إنه مش محموم؟
سكتت امي لثواني وهي باصة للواد، لحد ما مرة واحدة اتكلمت وقالت لام فاروق..
-حطي على جتة الواد ده بطانية وهاتيه معايا، احنا لازم نوديه للشيخ رجب يرقيه.
ولأن ام فاروق ماكنش قدامها اي حل، فعشان كده سمعت كلام امي وحطت بطانية على جسم الواد وروحنا احنا التلاتة لبيت الشيخ رجب.. والشيخ رجب ده يا ابني هو أمام المسجد اللي جنبنا، ولو تفتكر لما قولتلك إن كان خضر كان بيقعد في المسجد مع الأمام ويدوا دروس للناس.. اهو الشيخ رجب ده بقى يا ابني، كان هو أمام المسجد اللي بيقعد تملي مع خضر.. ولأنه راجل مبروك وبيفهم في الدين كويس وبيعرف يرقي وحافظ لكتاب الله، فامي اول حد خطر في بالها كان هو.. وفعلًا روحناله بالواد محمد.. الواد محمد اللي اول ما شاف حالته سألنا..
-ماله الواد ده.. ده جسمه مولع وكأنه محموم.. ما تودوه المستشفى يا بنتي ولا تعملوا له كمدات ماية ساقعة بسرعة، يا ام حامد.. يا ام حامد هاتي القولة وحتة قماش بسرعة.
قال الكلام ده لمراته اللي جابتله القولة ومعاها حتة قماش، بلها كويس وحطها على راس الواد محمد، في اللحظة دي اتكلمت ام فاروق وقالتله..
-ابني مش محموم يا مولانا.. ابني مش محموم، ابني ملبوس بسبب اللي انا عملته..
ولما سألها عن اللي هي عملته، حكت له كل حاجة، من أول جنازة مرات ناصر واللي حصل فيها، مرورًا بقتلها للقطة وكل البلاوي اللي حصلت بعد كده، ولحد اخر حاجة حصلت وهي تعب ابنها، كان الشيخ رجب بيسمعها وهو شغال كمدات على راس الواد.. وبعد ما خلصت كلامها حط إيده على راسه وابتدى يرقيه، وقتها كانت حرارة الواد نزلت شوية وكان جسمه بقى اهدى وبطل يخرف، لكن الشيخ رجب بقى بعد ما خلص رقية على دماغ الواد، بص لام فاروق وقال لها..
-انتي غلطتي يا ست، وغلطتي غلط كبير كمان.. مالك انتي ومالهم، ليه تموتي مخلوق ضعيف مايقدرش يقف قصادك ولا يأذيكي؟
فردت عليه ام فاروق وهي متضايقة اوي..
-مخلوق ضعيف ايه يا مولانا.. دول شياطين، انت مش شايف اللي عملته في ابني ومن قبله اللي عملته فيا عند الترب!
-لا شايف.. وشايف كويس كمان، انتي اللي مش شايفة ولا قادرة تشوفي، القطة الصغيرة اللي انتي موتتيها ما أذتكيش، انتي دوستي على ديلها، فغصب عنها وبفطرتها، هجمت على رجلك، لكن انتي بقى لو كنتي هشتيها زي ما اي بني أدم عادي بيهش أي قطة، كانت هتاخد بعضها وتخاف وتسيبك وتمشي من سُكات، إنما انتي لأنك ست شرانية وبتكرهي القطط، كرهك ليهم خلاكي تمسكي حجر كبير وتضربي القطة على راسها لحد ما ماتت، تقدري تقوليلي بقى لما موتيها استفادتي ايه؟!.. هل كده بقى حسيتي براحة وحسيتي انك انتقمتي من خربشتها البسيطة في رجلك لما دوستي على ديلها؟!
في الوقت ده اتدخلت امي وقالتله..
قصة قبر خضر
-يا مولانا القطط دي مش طبيعية، انت ماشوفتش كانوا بيعملوا ايه فينا عند الترب يوم دفنة مرات ناصر، دول.. دول كانوا بيهجموا علينا ولا الكلاب المسعورة!
-طب وهم هجموا عليكوا كده ليه؟.. مش لما موتوا واحدة صغيرة منهم!.. وبعدين هو الأنسان بقى حاله عامل كده ليه، ليه فجأة نسي إن الدنيا دي مش بتاعته لوحده، ليه بقى شايف انه من حقه يموت ويدوس على اللي اقل منه حتى لو بني أدم زيه، القطط ماكانتش هتهجم عليكوا لو كنتوا سيبتوهم في حالهم، هم مابيأذوش حد.. هم واقفين في مكانهم عند قبر خضر حبيبهم.
اول ما الشيخ رجب قال كلمة خضر حبيبهم دي، انا غصب عني لقيت نفسي بسأله من غير تفكير…
-حبيبهم ازاي يا شيخ.. انا مش فاهمة اصلًا ايه سبب وقوف القطط بالكميات الكبيرة دي عند قبر الشيخ خضر؟!
جاوبني الشيخ رجب وهو بيبص لي وبيبتسم..
قصة قبر خضر
-انا هقولك على السر يا بنتي.. خضر ماكنش مجرد تمليذي ولا صديقي، ده انا كنت بعتبره زي ابني، وهو كمان كان بيعتبرني زي ابوه الله يرحمه.. كان شاب صالح، حافظ كتاب الله وماشي بتعاليمه، الناس كلها كانت بتشهد له بالكرم والاخلاق.. ولما وصل للمسجد هنا وبقى بيساعدني في الدروس لأنه أزهري، معرفتي بيه بقت اقوى وبقى بيحكيلي كل حاجة بتحصل في حياته، وفضل على الحال ده لحد ما في يوم جه وقال لي إنه مابيعرفش ينام من صوت القطط اللي بتنونو قصاد باب أوضته، صوتهم كان بيزعجه لأنهم كانوا بيفضلوا طول الليل يصرخوا وكأنهم بيندهوا عليه، وقتها انا قولتله على حل حلو.. قولتله جايز دول يا ابني يكونوا رزق من ربنا.. سائل زيهم زي أي حد بيسألك عن صدقة، جرب تحطلهم أكل وليك الأجر والثواب.. واللي قولتله عليه عمله، خضر من يومها بقى متعود كل يوم وهو مروح يجيب من البقال أزازتين حليب، أزازة له، وأزازة للقطط اللي بتقف قدام أوضته، ومن بعد ما بقى بيعمل اللي كان بيعمله معاهم ده، وهم عرفوه وبقوا بيقفوا قصاد أوضته كل يوم عشان يأكلهم، ومش بس كده.. دول كمان كانوا بيكتروا كل يوم عن اللي قبله وكأنهم بيبلغوا بعض، وفضلوا كده لحد ما حصل اللي حصل لخضر.. الله يرحمك يا ابني ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة، من وقت ما مات والقطط مابقتش بتقف قصاد باب أوضته، القطط بقت بتتجمع عند قبره وكأنهم عارفينه.. سبحان الله، له في خلقه شؤون.. ماحدش يعرف اسرار ممالك المخلوقات إلا اللي خالقها، والله اعلم بقى هم عرفوا ازاي طريق تربته وبقوا بيقفوا قدامها باستمرار وكأنهم بيدعوا له على اللي كان بيعمله معاهم، ده بقى كان خضر.. خضر اللي كان عكس الناس المتجبرة اللي مستقوية نفسها على مخلوقات اللي اضعف منها، ناس قتلوا واحدة من أطفالهم من غير شفقة ولا رحمة.. ايوة اقصدك انتي يا ام الوله، الله أعلم بقى القط الصغير اللي انتي قتلتيه ده كانت ماهيته ايه، جايز يكون قط عادي واللي عند ابنك ده مالوش علاقة بيه، وجايز يكون جن ومتشكل في شكل القط وانتي موتتيه وعشان كده بينتقموا، بس في الكل الحالات يا ست.. انا هقولك على كام حاجة تعمليها وبأذن الله ابنك هيخف، استمري معاه على الكمدات باستمرار، وحاولي تأكليه أي أكل سخن، وهاتيهولي بكرة وبعده ارقيهولك، بس الأهم من ده كله بقى هو الترضية.. الترضية اللي هتتم عن طريق الصلح، والله أعلم بقى.. اللي انا هقوله ده إذا كان صح ولا غلط، انا زمان سمعت من راجل عجوز إن الترضية في عالم جن اللي بيتشكل في قطط ومابيأذيش حد، بتبقى عبارة عن أكل.. فاعملي اللي هقولك عليه ومع الوقت هنشوف هيحصل ايه، خديلهم أكل وروحيلهم بيه عند قبر خضر.. أكليهم واعطفي عليهم، دول مخلوقات ضعيفة ومابتقدرش تشتكي.
واللي قاله عمك الشيخ رجب اتنفذ بالحرف، ام فاروق خدت ابنها ومشيت وبقت تعمل معاه زي ما الشيخ رجب قال لها بالظبط، اما بقى عن القطط.. فهي سمعت كلامه برضه وجت على نفسها وبقت تروح تحطلهم أكل باستمرار لحد ما بعد تلات أيام بالظبط، ابنها خف وهي مابقتش تشوف كوابيس ولا بقى بيظهرلها أي حاجة غريبة تاني.. لا هي ولا كل اللي كانوا واقفين في الدفنة بتاعت مرات ناصر، لكن تعرف بقى ايه اغرب حاجة في نهاية الحكاية دي، هي أن الواد محمد ابن ام فاروق.. بعد ما خف وبقى كويس والموضوع انتهى، القطط اختفت خالص من قصاد قبر خضر، وكأنهم سابوا للبني أدمين الترب عشان ماحدش منهم يتأذي ولا يموت زي ما القط الصغير مات.. وبس يا ابني، ادي حكاية القطط اللي كانت بتحرس قبر الشيخ الشاب.. خضر الله يرحمه.
قصة قبر خضر
-الله يرحمه ويرحمنا جميعًا يا ستي، وكمان الله يفتح عليكي ويخليكي لينا، بس في سؤال مهم بقى قبل ما نختم الحكاية، انتي شايفة ايه.. هل شايفة إن القط اللي مات ده كان جن وهو اللي عمل كده في ابن ام فاروق فعلًا بعد ما هي مموته، ولا شايفه انه عادي.. مجرد صدفة يعني والواد تعب في الوقت ده وبعد كده خف لوحده؟!
جاوبتني جدتي بسرعة وبتلقائية..
-لا مش صدفة، القط ده كان جن، ولما ام فاروق عملت الترضية الواد ابنها خف، وبعدين صدفة ازاي يعني والواد كان بينونو وهو مغمى عليه وجسمه مولع..
قصة قبر خضر
-ماشي يا ستي اللي تشوفيه، وبرضه الله أعلى وأعلم.
-مظبوط يا ابني.. ربك وحده هو العالم بكل شيء، وهو برضه اللي عارف ايه اللي في قلوب ناس، وكمان عارف اذا كانوا طيبين ولا جواهم خبث وكره..ومن عند الخبث والكره بقى بتبتدي الحكاية اللي جاية، جاهز؟!
-جاهز يا ستي..
كملت جدتي وحكت لي حكاية كمان.. حكاية هرجع قريب اوي وهحكيهالكوا لو بس قولتوا لي احكي.. ها احكي؟!
تمت
محمد_شعبان
قصة قبر خضر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى