الفصل الرابع..
مالكم يا جماعة واقفين كده ليه على باب الأوضة؟
كان ذلك صوت فاطيما و هي تنظر لهم باستفهام.. عن سبب تواجدهم أمام غرفتها الآن؟
شعر الجميع بالقشعريرة لدى سماعهم صوتها خلفهم، أين كانت و لم صرخت صفية بهذا الشكل و هي ترتجف خوفا؟ ليسألها صفوان متلهفا: كنتي فين يا قلب أخوكي روحتي فين؟ لتنظر له دون رد فيسألها حسان بقلق: انتي مكنتيش في الحمام من شوية؟ لترد عليه و عينيها تلمع بوميض غريب مسلطة نظراتها اتجاه صفية: كنت برة من الصبح بتابع المشغل و أشوف البنات الي هيستلموا الشغل. حصل إيه لكل ده يعني؟
إزاي؟! أنا صاحية من بدري و قاعدة تحت مشوفتكيش و انتي خارجة ازاي؟ أنا كنت قاعدة ف…. كان ذلك حديث أسماء قبل أن تقاطعها فاطيما قائلة: هو أنا لازم استاذن منك وأنا خارجة والا ايه؟ و بعدين فين المشكلة يعني إنك مش مشوفتنيش؟ مش ذنبي إن نظرك على قدك.
وقفت أسماء تنظر لها مصدومة من كلماتها الغير لائقة بالمرة تكاد تجن منها. لكنها اكتفت بالنظر إلى زوجها كأنها تخبره بعينيها أنها لم تفعل شيئا لهذا الهجوم من شقيقته، فلم يستطع حسان السكوت عن تبجح فاطيما الغير مبرر على زوجته قائلا بعصبية: إنتي إيه الي جرالك كل ده عشان بنطمن عليكي و بنسالك كنتي فين و خرجتي امتى؟ اتكلمي كويس مع الأكبر منك يا أستاذة فاطيما والا إحنا مش ماليين عينك؟؟
لتنصرف من أمامهم و تغلق باب غرفتها في وجههم دون كلمة واحدة، كاد صفوان أن يدخل إليها فقد تعدت حدودها معهم لكن عنايات منعته حتى لا تحدث مشكلة أكبر بينهما.
انصرفوا جميعا لكنهم اتجهوا لغرفة صفوان و عنايات للتشاور فيما حدث اليوم. جلسوا و الصمت محدق بهم لكن صفية لم تكن تشعر بما حولها؛ فما رأته في غرفة فاطيما لم يبرح مخيلتها أبدا فهيأتها كانت توحي بأنها غريقة منذ مدة فكيف تجدها أمامها بعد لحظات من صراخها؟ هل هي مرهقة لدرجة تخيل و تصور أشياء ليس لها وجود؟ و لا يمكن أن يكون حُلما أيضا في وضح النهار و هي بكامل وعيها!
أما صفوان و البقية لم يكن حالهم أفضل منها على الإطلاق فهم لم يعهدوا شقيقتهم بهذه الشخصية و اللسان السليط الذي يرد الكلمة بعشر أو تتواقح مع من هم أكبر منها سنا لكنها تبدو غريبة الأطوار أو ربما هناك ما يدور في الخفاء دون علمهم.
” صفية إنتي متأكدة من الي شوفتيه في أوضتها؟
يعني مكنش بيتهيألك مثلا؟ كان ذلك تساؤل فضل الذي لفت انتباه الجالسين حولهما، كل منهم بداخله تساؤلات عدة ليس لها إجابة.. فاستجمعت صفية شتات نفسها و حاولت التحدث بهدوء لتصف لهم ما حدث وما رأته في الحمام الخاص بفاطيما، لكن ما من تفسير مقنع لما حدث. فطلب منهم صفوان قائلا بهدوء وهو يفكر بشيء ما: كل واحد فيكم يخلي باله من تصرفاتها و هي موجودة معانا و أي تغيير يحصل في سلوكياتها عرفوني بس من غير ما يظهر عليكم إنكم متابعينها أو مراقبين تحركاتها و أنا هتصرف في الوقت الي بتباة فيه في المشغل بتاعها و ربنا يهديها. اتفقنا؟ وافقه الجميع و انصرف كل منهم لغرفته.
******************
الثالثة فجرا…
عند الشاطئ المقابل لذلك المنزل المهجور تقف في مواجهته تتحدث بعصبية و هي تكاد تُجن من الغيظ و الغل الكامن بقلبها : إيه الي إنت بتعمله ده؟ مكنش ده اتفاقنا من الأول. إنت نسيت نفسك و الا إييه؟ لاااا اصحى كده معايا بدل ما أضيعك و يباة عليا و على أعدائي، الي اتفقنا عليه يحصل أنا عايزاها تتجنن و تمشي في الشارع تقطع هدومها و شعرها.. عاوزاها تتفضح و العيلة كلها تتقهر عليها، مش عاوزة حد منهم يعرف ينام مرتاح و الكل ياكل بعضه و الكبير مقامه يصغر… و هي بالذات تعمل فيها الي إنت عاوزه خدها جارية تحت رجليك و إن شاءالله حتى تاخد غرضك منها لغاية ما تباة زي الخلقة القديمة ملهاش لزمة.. ليسألها ذاك الماثل أمامها و عينيه تلمع بشر و رغبة في امتلاك جسد تلك الفتاة التي شغلت عقله وباله منذ رآها أول مرة: هو من نامحية البنت فهي تستاهل بصراحة إن الواحد يخرب الدنيا عشانها و أنا مش هسيبها إلا أما أوصل للي عاوزه كله منها أما بقيتهم دول أمرهم سهل أنا مش هريحهم أبدا. المهم إنتي تعقلي و تهدي كده عشان طريقتك دي مش هتجيب نتيجة و هتكشف كل حاجة وملكيش دعوة بشغلي إلا شغلي ده أظن واضح قصدك إيه؟
لتومئ موافقة برأسها وهي شاردة لا يشغلها شيء سوى انتقامها. انتبهت له لتجده اختفى في لمح البصر دون كلمة أخرى… شعرت ببرودة تسري في أطرافها و نظرت اتجاه الماء كأن شيئا ما يناديها لتقترب من الشاطئ خطوة تليها الأخرى حتى ارتفعت المياه تغطي كامل جسدها وهي مسلوبة الإرادة حتى غاصت تماما و انقطعت أنفاسها دون أن يشعر بها أحد لينتهي كل شيء في لحظات لترحل من الوجود تماما و يرحل معها غلها وحقدها تاركة خلفها طرف آخر أكثر منها شراسة و غلا و كرها لغيره و أفعاله المحرمة تشهد على ذلك.
وقت الظهيرة أمام منزل عائلة الناجي وبينما الجميع يتناولون طعامهم سمعوا صراخا و عويلا قادم من الخارج فانتفض الجميع يركضون ليتبينوا ما يحدث، مجموعة من الرجال و النساء يقفون قرب الشاطئ و الصرخات تعلو… غريييق… جثة غرييييق.. و النساء يبكين على من فقد حياته غرقا في المياه و جثته تطفو على السطح ليتم انتشالها ووضعها أرضا و الرجال يغضون بصرهم عن الجثة فقد كانت لامرأة بينما النساء سارعن بوضع غطاء يستر جسدها عن الحاضرين. اقترب الحاج صفوان يسمع همسات الناس ما بين بكاء و استغفار و تعجب مما حدث فتلك المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا في بلدتهم؛ ليفسحوا له الطريق احتراما ويسألهم: لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.. مين الغريق يا مرعي؟
ليجيبه مرعي ذلك الشاب الذي التقط الجثة من المياه بمساعدة الآخرين: لا مؤاخذة يا آبا الحاج أنا مطلتش في وشها كنت بحاول اسحبها و التيار عالي خوفت المية تحدفها بعيد كان كل همنا نلحقها و معرفتش هي مين. ليطلب الحاج صفوان من السيدة روايح إحدى النساء الواقفات أن ترى وجه تلك المرأة لتبينوا هويتها بينما أمر الغفير الخاص أن يبلغ ضابط القسم ليحضر فورا، فاقتربت منها لتكشف وجهها وما أن رفعت الغطاء حتى لطمت صدرها بفزع صارخة: يالهووي.. دي الست فهيمة قريبتك ياحاج… لا حول ولاقوة إلا بالله..
لتبكي النساء من جديد و الرجال يضربون كفا بكف و الغفير يأتي راكضا من بعيد يلهث محاولا التقاط أنفاسه قائلا: حضرة الظابط و البيه المأمور جايين حالا يا حاج صفوان.
اترك رد